المقالات

19 يوليو 2019

التعب فى الخدمة

كل واحد سيأخذ أجرته بحسب ـعبه ( 1كو8:3) و لسنا نقصد هنا تعب العالم الباطل ، بل التعب لأجل الملكوت. أما تعب العالم الباطل ، فهو يشبه تعب سليمان في أمور الرفاهية و الغني ، حيث قال بعد ذلك " ثم التفت أنا إلي كل أعمالي التي عملتها يداي ، و إلي التعب الذي تعبته في عمله ، فإذا الكل باطل و قبض الريح ، و لا منفعة تحت الشمس " ( جا 2 : 11 ) . أما التعب الذي تتعبه لأجل الله ، فهو تعبك من أجل خلاص نفسك ، و من أجل بناء الملكوت .و سوف نركز الآن علي هذا التعب في الخدمة إن كل تعب تتعبه من أجل الله ، هو محفوظ لك في ملكوته بقدر ما تتعب هنا ، ترتاح في الأبدية . و بقدر ما تحتمل هنا سوف تتنعم هناك . و كما قال أيوب الصديق " هناك يستريح المتعبون " (أي 3 : 17 ) . و بحسب تعبك لأجل الله : علي الأرض يحسن مستواك الروحي ، و في الأبدية يحسن مصيرك . و هؤلاء الذين تعبوا في بناء ملكوته " يستريحون من أتعابهم ، و اعمالهم تتبعهم " ( رؤ 14 : 13 ) . و ما أجمل قول القديس بولس الرسول عن التعب في الخدمة :" إذن يا أخوتي الأحباء ، كونوا راسخين غير متزعزعين ، مكثرين في عمل الرب كل حين ، عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب " ( 1 كو 15 : 58 ) .ذلك " لأن الله ليس بظالم حتي ينسي عملكم و تعب المحبة الذي أظهرتموها نحو إسمه ، إذ قد خدمتم القديسين و تخدمونهم " ( عب 6 : 10 ) . نعم ، هؤلاء سوف يستقبلهم الرب بعبارته المعزية " تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقيلي الأحمال ، و أنا أريحكم " ( مت 11 : 28 ) . أريحكم ليس علي الأرض فقط ، بل في السماء أيضاً . علي الأرض ترتاح ضمائركم و قلوبكم . و في السماء ترتاح ارواحكم ... قال بولس الرسول عن عمله في الخدمة " أنا غرست ، و أبولس سقي و الغارس و الساقي هما واحد .و لكن كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه " ( 1 كو 3 : 6 ، 8 ) إن الأنصبة في الملكوت ليست واحدة فكما يقول الرسول " لأن نجما يمتاز عن نجم فى المجد "( 1كو 15 : 41 ) ومادام الله سوف يجازى كل واحد بحسب عمله " ( مت 16 : 27 ) إذن عليك أن تبذل كل جهدك فى خدمة الله ،أنت هنا على الأرض ، عالما أن الله يرقب عملك ويحسب لك كل تعبك 0 كما قال لملاك كنيسة أفسس " أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك 00 وقد إحتملت ولك صبر ، وتعبت من أجل إسمى ولم تكل " ( رؤ 2 : 2 ، 3 ) إن تعبك يدل على مقدار محبتك لك وملكوته فالذى يحب الله ، لا يسمح أن يعطى لنفسه راحة ، بل يجاهد حتى يوصل كل إنسان إلى قلب الله 0 كما قيل عن داود النبى ونذره لإله يعقوب " إنى لا ادخل إلى مسكن بيتى ، ولا أصعد على سرير فراشى ، ولا أعطى لعينى نوما ، ولا لأجفانى نعاسا 00 إلى أن أجد موضعا للرب ، ومسكنا للإله يعقوب " ( مز 132 : 2 – 5 ) فاسأل نفسك : ماهو مقدارتعبك من أجل الرب ؟ هوذا بولس الرسول الذى تعب أكثر من جميع الرسل ( 1كو 15 : 10 ) يشرح لنا بعضا من أتعابه فىالخدمة ، فيقول : فى الأتعاب أكثر ، فى الضربات أوفر ، في السجون أكثر ، في الميتات مراراً كثيرة . من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة . ثلاث مرات ضربت بالعصي مرة رجمت بأسفار مراراً كثيرة ، بأخطار سيول ، بأخطار لصوص ، باخطار من جنسي بأخطار من الأمم ، بأخطار في المدينة ، بأخطار في البحر ، بأخطار من أخوة كذبة . في تعب و كد ، في اسهار مراراً كثيرة . في جوع و عطش في برد و عري . عدا ما هو دون ذلك : التراكم علي كل يوم ، الإهتمام بجميع الكنائس " ( 2 كو 11 : 23 – 28 ) و أنت يا أخي ، ما هو تعبك في الخدمة ، إذا قورن بكل هذا ؟ أعرف أن كل ما تتعبه في خدمة ، مسجل لك في سفر الحياة حينما تفتح السفار في يوم الدينونة ، و حينما تكشف كل الأعمال ، ستجد كل ما عملته مسجلاً لك حتي كأس الماء البارد الذي تقدمه لأجل الله ، هذا أيضاً لا يضيع أجره ( مت 10 : 42 ) كل خطوة تخطوها إلي الكنيسة ، أو في إفتقاد إنسان ، هذه أيضاً محسوبة لك ، تنال أجرها في الملكوت كل حبة عرق تسكبها ، كل كلمة تعزية تقولها .. كل ذلك مسجل لك في سفر الحياة لا تقل أنا تعبان في الخدمة ، و لا يشعر بي أحد !كلا ، فإن الله يقول لك تلك العبارة التي كررها لكل ملاك من ملائكة الكنائس السبع : " أنا عارف أعمالك " ( رؤ 2 ، 3 ) . حتي إن لم تجد تقديراً علي الأرض ، ستجد كل التقدير في السماء . و الأعمال المخفاة سوف تظهر ، و تنال عليها أجراً أكبر بل صدقني ، حتي أتعابك التي قد نسيتها أنت ، هي نسيتها أنت ، هي محفوظة عند الله . إنه يذكرها لك ،لن ينساها . و سوف يقول لك في ذلك اليوم ، ، مع كل أخوتك الذين تعبوا مثلك و خدموا : " تعالوا يا مباركي الرب . رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم " ( مت 25 : 34 ) إن الله لا يمكن أن ينسي تعبك و خدمتك . بل أقول إنه حتي الرسل لم ينسوا أبداً الذين تعبوا معه في الخدمة . هوذا بولس الرسول يقول في رسالته لأهل رومه " سلموا علي مريم التي تعبت لأجلنا كثيراً سلموا علي تريفينا و تريفوسا التاعبتين في الرب . سلموا علي برسيس المحبوبة التي تعبت كثيراً في الرب " ( رو 16 : 6 ، 12 ) . و عندما أرسل إلي تلميذه تيموثاوس ، أوصاه أن يقيم اعتباراً حسناً ، فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة ، و لاسيما الذين يتعبون في الكلمة و التعليم " ( 1 تي 5 : 17 ) فإن كان الرسول يذكر الذين تعبوا ، فكم بالأكثر يذكرهم الله لذلك لا تفكر أبداً أن تعطي نفسك راحة في خدمتك . بل اتعب في تحضير الدروس و في الإطلاع ،و اتعب في الإفتقاد و في حل مشاكل الناس . و اصبر في إحتمال المقاومات التي تصادفك في الخدمة ن و لا تترك خدمتك بسببها . اتعب في إعادة الشاردين من الله الرافضين التوبة ، و كما قال الرسول " خلصوا البعض بالخوف ، مختطفين من النار " ( يه 23 ) . و اذكر قول الكتاب :" من رد خاطئاً عن ضلال طريقه ، يخلص نفساً من الموت ، و يستر كثرة من الخطايا " ( يع 5 : 20 ) حقاً إن النفس الثمينة التي مات المسيح لأجلها ، تستحق منك أن تبذل كل تعب في سبيل خلاصها . لذلك جاهد و لا تيأس ، حتي إن تأخر ثمر تعبك في الظهور . استمر . لا تترك غيرك يتعب ، و أن تدخل علي تعبه ( يوم 4 : 38 ) . بل اشترك في التعب ، اياً كان الجهد الذي تبذله و لا تقف لتتفرج علي الذين يتعبون . فملكوت الله ليس للمتفرجين إنما الملكوت للذين يتعبون في بنائه . تأمل كيف تعب القديس اثناسيوس الرسولي في حفظ الإيمان و في مقاومة الأربوسيين ، حتي أنه نفي عن كرسيه أربع مرات . و تأمل كيف تعب بولس الرسول ، و استطاع أن يقول أخيراً : "جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعي ، حفظت الإيمان . و أخيراً قد وضع لي إكليل البر" ( 2 تي 4 : 7 ) تأمل أيضاً كيف تعب نحميا كثيراً يبني سور أورشليم . و كيف لاقي مقاومات ، و صبر عليها حتي أكمله عمله و اعلم أنك في خدمتك ، سيشترك الله معك . و لن يتركك تتعب وحدك و نحن نصلي في الكنيسة و نقول للرب " اشترك في العمل مع عبيدك " . و القديس بولس الرسول يقول عن نفسه و عن أبولس " نحن عاملان مع الله " ( 1 كو 3 : 9 ) إن الله باستمرار يعين خدامه في خدمتهم : يعمل معهم ، و يعمل فيهم ، و يعمل بهم . لذلك في خدمتك ، حاول أن تكون مجرد اَلة في يد الله يعمل بها . وصل في قلبك هذا المزمور :"إن لم يبن الرب البيت ،فباطلاً تعب البناءون "(مز127 : 1) لذلك فالخدمة تحتاج أيضاً إلي تعب في الصلاة لأجلها ،لكي يتولاها الله بعنايته ، و لكي تشعر بيد الله فيها . لأنك ربما تفكر أن التعب في الخدمة ، هو مجرد تعب ذراعك البشري . كلا . فقد قال الرب " بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئاً " ( يو 15 : 5 ) . لذلك جاهد في أن تشرك الله معك في الخدمة ن بصلوات ، باصوام ، بمطانيات ، بصراع مع الله و حذار من أن تبحث عن الخدمات السهلة ، أو تدخل إلي الخدمة من الباب الواسع ! ذلك لأن كثيرين من الذين لا يحبون التعب في الخدمة ، يهربون من الخدمات التي تحتاج غلي جهد كبير ن أو التي تصادفها بعض المشاكل ! و لا يقبلون إلا الخدمة السهلة . و قد يبررون المر ببعض كلمات تواضع ! كأن ييقول الشخص " أنا أصغر من هذا الأمر . أنا لم أصل إلي مستوي هذه الخدمة . أنا ليست لي مواهب " و الرب يرفض كل هذه الإعتذرارت . و قال لأرميا " لا تقل إني ولد . لأنك إلي كل من أرسلك إليه تذهب ، و تتكلم بكل ما اَمرك به " ( أر 1 ك 7 ) الخدمة الصعبة تظهر فيها يد الله ، كما يظهر فيها بذل الإنسان و تعبه كما تظهر فيها محبته للملكوت ، و محبته لخلاص الناس ، و عدم إهتمامه بنفسه و براحته ، و استعداده لحمل الصليب في الخدمة ، و عدم تذمره علي الضيقات في الخدمة و مثل هذه الخدمة لها أجر كبير . و هي التي دعا إليها الرب تلاميذه ، حينما قال لهم " ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب " ( مت 10 : 16 ) و لم يهرب تلاميذ الرب من خدمه كهذه :نعم ، خير لنا أن نتعب لكي يستريح الناس لا أن نستريح نحن ، و نتركهم يتعبون . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
10 يوليو 2019

خدمة غير ظاهرة

هناك أنواع من الناس لم يذكرنا لنا الكتاب خدمتهم أو تفاصليها، إنما كانوا يخدمون الخدام، أو يقدمون الإمكانات للخدمة نسوة كثيرات كن يتبعن السيد المسيح "ويخدمنه من أموالهن" (لو 8: 3). وفي بداية الكنيسة الأولى تركت مريم أم مرقس الرسول بيتها ليكون أول كنيسة يجتمع فيها المؤمنون ويصلون. كذلك ذكر لنا القديس بولس الرسول عن "أكيلا وبريسكلا" "والكنيسة التي في بيتهما" (رو 16: 5). وأيضًا الكنيسة التي كانت في بيت نمفاس (كو 4: 15). وشرح لنا التاريخ الخدمات العديدة التي كان يقوم بها المعلم إبراهيم الجوهري وأخوه المعلم جرجس الجوهري للكنائس والأديرة ربما أناس لا يخدمون القرى، لكنهم يتبرعون بعربة تنقل الخدام إلى هذه القرى أو يدبرون المكان، أو يعدون المكان للخدمة. أو أن يشتروا الأناجيل والبشائر والأجابي، والصور والجوائز، ما يوزعه الكاهن من صلبان وأيقونات. أو يهتمون بالعمل الإداري للاجتماعات. كأن يقومون بكتابة أسماء الحاضرين، أو يعدون كشوف الغائبين لافتقادهم، وما إلى ذلك من الخدمات التي تبدو بسيطة ولكنها لازمة ونافعة على الأقل هناك من يقومون بخدمة الصلاة من أجل الاجتماعات ونجاحها، والمشاكل وحلها وقد تكون لصلواتهم استجابة أكثر نفعًا من خدمة الكلمة، وتقتدر كثيرًا في فعلها، وتكون هي الخدمة المخفية التي تقوم على أساس الخدمة الظاهرة. المهم يا أخي أن تخدم.. مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث من كتاب الوسائط الروحية
المزيد
04 يوليو 2019

شروط الخدمة الناجحة

هلكوا في الخدمة: ليست كل خدمة واسطة روحية، فهناك من هلكوا وهم في محيط الخدمة، أو سقطوا وتعبوا مثال ذلك الابن الكبير الذي لم يفرح برجوع أخيه الضال، ورفض أن يدخل البيت ولما خرج إليه أبوه يتوسل إليه، قال لأبيه "ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك. ولم تعطني قط جديًا لأفرح مع أصدقائي.." (لو 15: 28-30) كان في الخدمة سنين هذا عددها، ومع ذلك كانت مشيئته غير مشيئة الآب، ولم يكن قلبه صافيًا من جهة أخيه. مثال آخر هو بعض ملائكة الكنائس السبع: على الرغم من أنهم كانوا رعاة للكنائس، إلا أن واحدًا منهم قال له الرب "إن لك اسمًا أنك حيّ وأنت ميت" (رؤ 3: 1). كما قال لآخر "لأنك فاتر، ولست حارًا ولا باردًا، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي" (رؤ 3: 16). وقال لثالث: "أنك تركت محبتك الأولى. فاذكر من أين سقطت وتب" (رؤ 2: 4، 5). وذكر الرب لكل هؤلاء أسبابًا جعلتهم -وهم في قمة الخدمة- في حاجة إلى توبة وآخرون من مساعدي بولس الرسول هلكوا تمامًا أولئك الذين قال عنهم " لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم أيضًا باكيًا وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك.. ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (فى 3: 18، 19). ولعل من أمثلة هؤلاء أيضًا ديماس، الذي ذكره الرسول في إحدى المرات قبل القديس لوقا (فل 24)، يعود الرسول فيقول عنه "ديماس قد تركني، إذ أحب العالم الحاضر" (2تى 4: 10). كل هؤلاء ضاعوا، وغيرهم سقط وتاب ولم تكن الخدمة هي سبب ضياعهم. ولكنهم نسوا روحياتهم في مجال الخدمة. فسقطوا وبعضهم هلكوا إذن يمكن أن تكون الخدمة واسطة روحية. ويمكن أن يسقط الإنسان فيها أو يهلك، إن لم يسلك بطريقة روحية. فما هي إذن شروط الخدمة الروحية؟ الحب:- تحب الله، وتحب الملكوت، وتحب الناس والمحبة تولد محبة. أما إذا كنت تخدم وفي نفسك ضيق وتبرم، وإن كنت تعطى مضطرًا وفي النفس تذمر، فهل تظن أنك تستفيد روحيًا؟!يحدث أحيانًا أن بعض الناس يبدأون الخدمة وليس لهم الهدف الروحي السليم. ولكنهم حينما يرون احتياجات المخدومين، ويلاحظون آلامهم وضيقاتهم يتحرك في قلوبهم العطف عليهم والإشفاق فيخدمونهم بقلب محب. وتكون هذه المحبة نتيجة للخدمة وليس سببًا. وتبدأ المحبة تمتزج بخدمتهم، وتعلمهم كيف يخدمون بعاطفة أشخاص يخدمون الفقراء. ثم يجدون أن طلاب الحاجات يلجأون في طلبهم إلى الكذب والاحتيال، أو يمتزج طلبهم بإلحاح متعب، أو بضجيج وعلو صوت.. فيتبرمون بهم، قد يطردونهم ويقسون عليه أما القلب المحب، فإنه يحتمل متاعب هؤلاء.. لأن المحبة تحتمل كل شيء (1كو 13: 7) فإن خدمت، ووجدت أن أعصابك بدأت تتعب في الخدمة، وأنك بدأت تحتد وتشتد، وعلى الفقير إذا كذب واحتال، أو على التلميذ إذا عاند وشاغب، أو على الذين يفقدون النظام في الاجتماعات. فاعرف أن في داخلك شيئًا يحتاج إلى علاج، وأن الخدمة قد كشفت في نفسك عيبًا كيما تصلحه لا تقل إن العيب في الخدمة، إنما فيك قل لنفسك: ينبغي أن أوسع صدري، وأن أطيل بالى، وأن أحتمل غيري مهما أخطأ. وأن أضرب لهم باحتمالي مثلًا يقتدون به أو أن تقول: لقد كشفت لي الخدمة أن هؤلاء الفقراء، ليسوا فقط في حاجة إلى مال يسدون به احتياجاتهم، إنما هم أيضًا في حاجة إلى عمل روحي يقودهم إلى التوبة ومعرفة الله وإلى السلوك.. وهكذا تبدأ في عمل روحي معهم، حتى يستفيدوا من الخدمة ماديًا وروحيًا ونفس الوضع مع التلاميذ المشاغبين، ومع الذين لا يحفظون النظام في الاجتماعات.. إذن شروط الخدمة الروحية أن تمتزج بالاحتمال. الاحتمال :- كل خدمة فيها متاعب. وكل خادم -كما قال الرسول- سيأخذ أجرته بسبب تعبه (1كو3: 8). وآباؤنا الرسل تعبوا كثيرًا في خدمتهم. يقول القديس بولس الرسول عن خدمته هو وزملائه في الخدمة "بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام لله في صبر كثير، في شدائد في ضرورات، في ضيقات في ضربات في سجون، في اضطرابات في أتعاب، في أسهار في أصوام.. بمجد وهوان، بصيت حسن وصيت رديء" (2كو6: 4- 8). ويقول أيضا "مكتئبين في كل شيء، لكن غير متضايقين. متحيرين لكن غير بائسين. مضطهدين لكن غير متروكين، مطروحين لكن غير هالكين" (2كو4: 8، 9). ويشرح الرسول أمثلة من المتاعب التي احتملها في (2كو 11: 23 – 29). يكفى قوله "في الأتعاب أكثر" ولكنه احتمل كل هذا، واكتسب أكاليل من الاحتمال وكما نذكر بولس الرسول نذكر كثيرين من شخصيات الكتاب مثال ذلك العذابات التي تحملها القديس يوحنا الإنجيلي مع نفيه إلى جزيرة بطمس، حيث كتب سفر الرؤيا وفي أوله "أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة" (رؤ1: 6). كذلك دانيال النبي وكيف ألقوه في جب الأسود (دا 6) والثلاثة فتية وإلقاؤهم في أتون النار (دا 3) ولا ننسى قول السيد المسيح لتلاميذه "ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب" (مت 10: 16) "سيسلمونكم إلى مجالس وفي مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ملوك وولاة من أجلي.. وتكونون مبغضين من الجميع من أجل أسمي" (مت 10: 17، 22). والرسل احتملوا كل هذا وصبروا والصمود يمنح الخادم قوة روحية من الرب يمنحه قوة في الرجاء فلا ييأس. كما يقويه أيضًا في الرجاء، مؤمنًا أن الرب لابد سيتدخل ويصلح كل شيء. وهكذا ينال فضيلة أخرى هي انتظار الرب. كما قال المرتل فيالمزمور "انتظر الرب. تقو وليتشدد قلبك وانتظر الرب" (مز 27: 14). وهكذا قال في خبراته الروحية أيضًا "انتظرت نفسي الرب من مَحْرَس الصبح حتى الليل" (مز130) نقطة أخرى تميز الخدمة وتسبب نجاحها وهي: اهتم أن تكون خدمتك روحية وعميقة. روحانية الخدمة:- كثير من الناس خدمتهم مجرد نشاط يستهلك كل طاقاتهم: هم عبارة عن شعلة متحركة من الإنتاج والعمل، ولكن بلا روح. مثل هذه الخدمة لا تفيدك روحيًا، لأن الله لا نصيب له فيها.. بل كثيرًا ما يحدث أن هذا النشاط الحركي المتزايد، يعطل في مشغولياته العمل الروحي فتجد مثلًا أمينًا لمدارس الأحد، له طاقاته الواسعة من جهة تطبيق المناهج، وكراسات التحضير، واجتماعات الخدام، واجتماعات الشباب، والمكتبة والنادي، والنشاط الصيفي.. وتسأله عن نفسه وروحياته، فلا يجد لها وقتًا. فتفتر حياته، وبالتالي تفتر أيضًا خدمته، وتجدها مجموعة ضخمة من التنظيمات، بلا روح. لا تفيد حياته ولا تفيد الآخرين وتتحول الخدمة إلى أمور إدارية بحته وربما يحدث هذا الأمر أيضًا بالنسبة إلى الخدمة الاجتماعية، وإلى خدمة الملاجئ والمسنين، والمغتربين، ومجالس الكنائس.. وفي هذا العمل الإداري قد تكثر المناقشات والمجادلات والضجيج والصياح. وربما المنافسات أيضًا والحزبيات. وفي هذا كله تضيع روح الخادم. لأن الخدمة لم تتسم بالطابع الروحي. ولم يكن الله شريكًا فيها. ولم تدخل فيها الصلاة ولا التنفيذ العملي للوصية حاول إذن في كل خدمة تخدمها، أن تبعد عن الروتين والشكليات، وأن تدخل الله فيها، ويكون لها الطابع الروحي.. حتى في الأعمال الإدارية فلتكن لها "روحانية الإدارة". وهذه عبارة تحتاج منا إلى موضوع خاص يشرح تفاصيلها فرق كبير بين رجل الله حينما يدير، وأهل العالم في إدارتهم.إذن في خدمتك، ابعد عن الأخطاء الروحية.أبعد عن أسلوب الأمر والنهى، وليكن لك روح الاتضاع وأدب التخاطب مع الصغير كما مع الكبير. ومهما أوتيت من سلطة في الخدمة، لا تكلم الناس من فوق ولا تتعال على أحد، ولا تدخل إلى قلبك روح السيطرة والتسلط. وتذكر قول الرب "أكبركم يكون خادمًا لكم. لأن من يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع" (مت 23: 11). وأيضًا "إن ابن الإنسان لم يأت ليخدم، بل ليخدم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت 20: 28) لذلك لا تجعل الخدمة تفقدك وداعتك وتواضعك إن وجدت صوتك بدأ يعلو ويحتد في الخدمة، لابد أن تحترس وتراجع نفسك. وإن وجدت أنك بدأت تتحدث عن نفسك وما تفعله من أمور عظيمة، احترس أيضًا لئلا شيطان المجد الباطل يحصد كل ما زرعته في الخدمة. وإن نظرت باحتقار إلى غيرك، مقارنًا بين مستواه ومستواك، فاعرف أن الكبرياء قد دخلت إلى نفسك.. ضع أمامك إذن قول الرسول "لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك. فإنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1تى 4: 16). قل لنفسك باستمرار: أنا ما دخلت إلى الخدمة لكي أقع في خطايا جديدة، إنما لكي أنمو روحيًا. في الخدمة أيضًا أحترس من الذات الـEgo لا تجعل الخدمة وسيلة لكي ترتفع بها أو تبنى كرامتك. فأنت فيها مجرد خادم للرب، تقول عنه كما قال القديس يوحنا المعمدان "ينبغي أن ذلك يزيد، وأنى أنا أنقص" (يو 3: 30) أو كما قيل في المزمور "ليس لنا يا رب ليس لنا. لكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز 115: 1)احترس من إنذار الرب للرعاة الذين يرعون أنفسهم (خر 34: 8-10) وليكن هدفك هو ملكوت الله، وخلاص الناس.. وليس نفسك وكرامتك. الخدمة المفيدة روحيًا، هي التي تنسى فيها كلمة أنا كثيرون دخلوا في الخدمة. وبعد حين بدأوا يهملون أنفسهم، وينشغلون بتدبير الخدمة، ثم يصطدمون بالكنيسة، وكاهن الكنيسة، ومجلس الكنيسة، والعاملين في الكنيسة. ويتحدثون عن تصرفات هؤلاء وأولئك، وما يفعلونه من خطأ ومن صواب، ويركزون على الخطأ! وتصبح أخطاء الآخرين، أو ما يظنونها أخطاء، هي موضع حديثهم الدائم وإدانتهم المستمرة. بل يتحولون من الإدانة إلى التشهير، ويفسدون عقول غيرهم والعجب أنهم يغطون كل ما يقعون فيه من إدانة وتشهير، بتبرير هو الدفاع عن الحق!! وباسم الدفاع عن الحق يقعون في خطايا لا تحصى. ويدخلون في خصومات وانقسامات. ولكي ينتصروا في حروبهم، يحاولون أن يكسبوا أكبر عدد ممكن ينضم إليهم في الإدانة والتشهير. ويَتَعَكَّر جوّ الخدمة، ويفقد روحانية، يفقد روح المحبة، ويفقد الوداعة والبساطة!! وهل كل هذا من أجل الدفاع عن الحق؟! دون أن يسأل أحد نفسه: هل من حقي أن أفعل كل هذا؟ ودون أن يسأل نفسه: هل هذا هو الأسلوب الروحي الذي أدافع به عن الحق؟! ما أكثر الذين ضاعوا وأضاعوا غيرهم، وهم في الخدمة!! لكي تنتفع روحيًا، اهتم في خدمتك بالعمل الإيجابي وليس بالسلبيات. دع أمامك المثل الذي يقول "بدلًا من أن تلعنوا الظلام، أضيئوا شمعة". كن قدوة للكل، وثق أن هذه في حد ذاتها رسالة وخدمة.. واعرف أن العمل الإيجابي البناء هو الباقي على الدوام، ولا ينتقدك فيه أحد، ولا تخطئ فيه إلى أحد. أما الانشغال بالسلبيات، فإنه يتعب فكرك وروحك. وربما تصل به إلى أسلوب الهدم ويوقعك في خطايا كثيرة أليس الأفضل لك أن لا تخدم، من أن تخدم بأسلوب يوقعك في الخطية؟! وتصبح فيه عثرة لغيرك. وقد قال الرب "ويل لمن تأتي بواسطته العثرات" (لو 17: 1). مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث من كتاب الوسائط الروحية
المزيد
03 يوليو 2019

فوائد الخدمة روحيًّا

إن الخدمة تقوى روحيات الخادم. كما أن روحيات الخادم تقوى الخدمة فأنت فيها تعطى وتأخذ ولذلك نعتبر أن الخدمة من الوسائط الروحية، إن سلك فيها الإنسان حسنًا. فكما تعطى المخدومين حبًا من قلبك، كذلك يشبع قلبك حبًا بهذه الخدمة. لاشك أن الإنسان الذي يخدم الأيتام أو المرضى أو المعوقين أو الفقراء والمحتاجين عمومًا، يشبع قلبه في هذه الخدمة بمشاعر عميقة تسمو بنفسه، وتغنيه عن عواطف العالم الزائلة. فإن العاطفة التي يكتسبها الإنسان من ملاقاة الألم والمعاناة، هي أقوى بكثير من العواطف التي تقدمها مجالات اللهو والترف. وهكذا أنت تأخذ من خدمتك أكثر بكثير مما تعطى. مجرد شعورك أنك أسعدت إنسانًا، أو حللت مشكلة، يفيض على قلبك بمشاعر عميقة وهناك ألوان من الخدمة، غير التعليم. كنت أعرف زميلًا في مدارس الأحد منذ حوالي 45 عامًا، لم يكن له فصل في التدريس، إنما كانت خدمته هي الافتقاد وحل مشاكل الناس قبل أن تتعقد، وأحيانًا حل المشاكل المعقدة. وكان يجد سعادة كبيرة في هذه الخدمة. وكان يرى يد الله في كل ما يحله من مشاكل، أقصد في المشاكل التي يحلها الله على يديه، وكان يحكى لنا عن عمل الله، حديثًا روحيًا ممتعًا جدًا. إذن من الفوائد التي تتركها الخدمة في حياتك: الخبرات الروحية. إنه شرف عظيم لك في الخدمة أنك تعمل مع الله. كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبولوس "نحن عاملان مع الله" (1كو 3: 9). أنت في الخدمة تعمل مع الله ويعمل الله معك، ويعمل فيك، ويعمل بك. وفي كل ذلك ترى عجائب من عمله، وتلمس كيف تتدخل يد الله، فتحل كل الأمور المعقدة، أو تفتح لك بعض الأبواب المغلقة، أو تقدم لك حلولًا ما كنت تفكر فيها، أو ترسل لك معونات من حيث لا تدرى. فتمجد الله في كل عمله. أم الذين لا يخدمون، فإنهم يحرمون أنفسهم من كل هذه الخبرات، ومن شركة الله في الخدمة.. الخدمة أيضًا تفيدك في أنها مدرسة للصلاة: إنك كلما تخدم، كلما تشعر أن هناك أمورًا تحتاج إلى معونة إلهية، فتتدرب على الصلاة من أجلها، كما أنك تصلى لكي يبارك الله العمل ويدخل فيه ولا يتركك وحدك. كذلك تصلى لكي تكون خدمتك روحية، وليست مجرد نشاط أو روتين، أو مجرد عمل اجتماعي. كذلك كثيرًا ما تصلى مع المخدومين، أو تدخلك الخدمة في اجتماعات صلاة. وهكذا تتدرب على عمل الصلاة والخدمة عمومًا تدخل الإنسان في جو روحي. وهذا نافع له بلا شك. إذ يجد نفسه في جو كنسي، ومع أشخاص روحيين، ومُلتزمًا بمبادئ وقيم روحية. وقد يجد نفسه في الخدمة ملتزمًا أيضًا باجتماعات وقداسات. ويجد نفسه كذلك ملتزمًا بحياة روحية خاصة حتى يكون في خدمته قدوة للمخدومين، أو على الأقل لا يكون عثرة لهم. بل يردد قول الكتاب"من أجلهم أقدس أنا ذاتي، لكي يكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق" (يو 17: 19) السيد المسيح قال هذه العبارة بمعنى. وأنت تقولها بمعنى آخر، لتكون حياتك مقدسة في الخدمة، ومثالًا للمخدومين في كل عمل صالح. وقد تقول لله في صلاتك: إن هؤلاء الناس يا رب، يحتاجون أن أكون متصلًا بك باستمرار من جهتهم. فأعطى أن تكون لي هذه الصلة بك. ليس من أجلهم فقط، وإنما أيضًا من أجل نفسي، لكي ترعاني وترعاهم، وتحفظني وتحفظهم. وليتني أكون جسرًا صالحًا يصلون به إليك أو أكون حاملًا لهم أمامك في قلبي وبهذا تجد أن الخدمة أوجدت لك صلة بالله. وأصبحت هذه الصلة من ضروريات الخدمة. وبالتوالي تصبح الخدمة أيضًا ضرورة توصلك بالله باستمرار. ولذلك أستطيع أن أقول غالبية الذين تركوا الخدمة فترت حياتهم ولم تعد لهم الحرارة التي كانت لهم أثناء خدمتهم، ولا الصلاة ولا العمق ولا الالتزام.. ولم تعد الغيرة المقدسة التي كانت لهم، ولا حتى الفضائل الاجتماعية التي صاحبت الخدمة. والخدمة أيضًا كثيرًا ما تعطى فرصًا أوسع لقراءة الكتاب المقدس، وللمعرفة الروحية بوجه عام. مع ما يصحب ذلك أيضًا من تأمل ومن تفسير، وبخاصة للذين يخدمون خدمة روحية أو تعليمية بكافة أنواعها. وهكذا تكون من فائدة الخدمة تنمية المعرفة الروحية، وربما المعرفة الدينية من نواح متعددة وهذه المعرفة تأتى من مصادر كثيرة: منها القراءة سواء قراءة الكتاب المقدس أو سير القديسين أو الكتب الروحية. وتأتى أيضًا من حضور الاجتماعات الدينية الخاصة بالخدمة.. وكذلك مما يسمعه الإنسان في القداسات من فصول الكتاب ومن العظات وهذه المعرفة تدخل الإنسان في تدريبات روحية عملية. وإن ترك الخدمة، ربما يترك كل هذا بل قد يأخذ الإنسان ألوانًا أخرى من المعرفة فيعرف مشاكل الناس، ويعرف تفاصيل كثيرة عن النفس البشرية وما يجول فيها من مشاعر. ويعرف حروب الشياطين وحيلهم. ويعرف أيضًا الحلول العملية لكل هذا، وإن كانت خدمته تتطرق أيضًا إلى معالجة ما يتعرض له الناس من مشاكل داخلية وخارجية. فإن لم يكن يعرف، فعلى الأقل سيرى كيف يتدخل المرشدون الروحيون أو الآباء في هذه المشاكل، وكيف يحلونها. وفي كل ذلك تزداد خبراته في الحياة. مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث من كتاب الوسائط الروحية
المزيد
26 يونيو 2019

أنواع من الخدمة

والخدمة على أنواع: منها الاجتماعية، ومنها الروحية، وخدمات أخرى كثيرة ومن أجمل ما قيل في الخدمة الروحية، قول الكتاب "مَنْ رد خاطئًا عن ضلال طريقه، يخلص نفسًا من الموت ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20). وأيضًا "لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك. فإنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1تى 4: 16). إذن هي خدمة تتعلق بخلاص النفس. ما أمجدها!! والكتاب يقول "نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس" (1بط 1: 9) أما الخدمة الاجتماعية، فمن سموها أيضًا جعلها الرب ميزانًا للدينونة في اليوم الأخيرإذ يقول للذين عن يمينه "كنت جوعانًا فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني. كنت غريبًا فآويتموني، عريانًا فكسوتموني، مريضًا فزرتموني. محبوسًا فأتيتم إليَّ" (مت 25: 35-40) ويشرح ذلك بقوله "بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي قد فعلتم". معتبرًا كل هؤلاء المحتاجين كشخصه تمامًا ويقول الكتاب أيضًا "اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللهِ الآبِ هِيَ هذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ" (رسالة يعقوب 1: 27) وقد رأينا أنواعًا من الخدمة تشمل المجتمع كله. وتتعداه إلى مستوى عالمي.فالهيئات العالمية مثل الصليب الأحمر وجمعيات الإسعاف، والهيئات الدولية للإغاثة، وأمثالها، هذه التي تقدم معونة لكل محتاج أينما كان، سواء في البلاد التي حدثت فيها كوارث طبيعية كالفيضانات مثلًا، أو كوارث حربية، أو مجاعات، تجد المعونات تصلها من بلاد بعيدة ربما ما كانت تعرفها من قبل، ولا كانت بينها وبينها صلة. ولكنه الشعور الإنساني والمحبة نحو الكل، التي تهب من تلقاء ذاتها لإغاثة المحتاج فإن كانت الهيئات العلمانية التي لا صلة لها بالكنيسة تفعل هكذا، فكم بالأولى نحن؟!أنت مطالب أن تفعل شيئًا من أجل أخيك الإنسان. وقد أعطانا الرب مثال السامري الصالح (لوقا 10: 30-37) الذي أغاث وهو سائر في الطريق إنسانًا، على الرغم من وجود عداوة بين شعبه وشعبه. ولكنها المحبة التي لا تعرف تفريقًا.ولا يقل أحد في نفسه "لست مدعوًا للخدمة"!! كلا، فأنت مدعو أن تحب الكل، وتعبر عن محبتك بالخدمة. أما الخدمة التعليمية فتحتاج إلى أن ترسلك الكنيسة (رو 10: 15) لأنه ليس كل إنسان صالحًا للكرازة والتعليم إذن هي أنواع عديدة من الخدمة. وكل إنسان يخدم حسب النعمة المعطاة من الله ولا يستطيع إنسان مطلقًا أن يقول إن الله لم يهبه أية إمكانات للخدمة. لابد أنه يستطيع أن يفعل شيئًا والإنسان الخدوم، أقصد الذي فيه روح الخدمة، تجده يخدم في كل مجال: في البيت، في مكان العمل أو الدراسة، في الكنيسة، في الطريق، في النادي.. مع كل أحد. إنه إنسان معطاء. كل من يقابله، لابد أن ينال من عطائه. أسأل نفسك إذن: ما نصيب الآخرين في حياتي؟ إن التكريس يحتاج إلى دعوة. أما الخدمة العامة فلا تحتاج إلا إلى الحب، والدافع القلبي نحو خدمة الآخرين. وهذه في حد ذاتها دعوة قلبية أتذكر في إحدى المرات سألني طبيب جراح عما يستطيع أن يعمله لأجل الآخرين. فقلت له: على الأقل عشر العمليات الجراحية التي تقوم بإجرائها، لتكن للفقراء بالتنازل عن أجرك من مهنتك. مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث من كتاب الوسائط الروحية
المزيد
19 يونيو 2019

أهمية الخدمة وعموميتها

ليست الخدمة قاصرة على الذين يعملون في مجال التعليم، إنما هي لازمة للكل ونافعة للكل. وتعتبر من الوسائط الروحية العامة. وهى مبدأ روحي عام يطالب به كل مؤمن: الكبار والصغار، المتزوجين وغير المتزوجين. يكفى قول الكتاب:"من يعرف أن يعمل حسنا ولا يفعل، فتلك خطية له" (يع 4: 17) فالخطايا ليست هي فقط السلبيات في تصرفات الإنسان، إنما عدم عمل الخير يعتبر خطية. ولذلك فالإنسان الروحي هو الذي يعمل الخير باستمرار، كصورة لله الذي نصفه بأنه "صانع الخيرات". وكما قيل عن السيد المسيح له المجد، إنه "كان يجول يصنع خيرًا" (أع 10: 38). فهل أنت كذلك؟ الإنسان الروحي لا يحيا لنفسه فقط بل إن المثل المشهور يقول "ما عاش من عاش لنفسه فقط". إذن في الخدمة لابد أن تخرج من قوقعة نفسك، لتلتقي بالغير.تخرج من مجال (الأنا). لتشبع من حبك للكل. وتشعر أن رسالتك في الحياة أن تفعل خيرًا نحو كل من يدفعه الله في طريقك وكلما تكتسب خبرة في الحياة وسعة في القلب، تتسع دائرة خدمتك. فلا تقتصر على بيتك وأسرتك، ولا على أقاربك وجيرانك ومعارفك وزملائك وأصدقاءك، بل تصل إلى نطاق أوسع وأوسع والخدمة في جوهرها، إن هي إلا تعبير عن الحب المختزن في القلب من نحو الله والناس فالمفروض في كل مؤمن أن يحب الله من كل القلب والفكر والنفس. وهذه وصية منذ العهد القديم (تث 6: 5). وقد تكررت في العهد الجديد أيضًا (مت 22: 37. 39). والمحبة ليست مجرد شيء نظري. فالكتاب يقول "لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو3: 18). والمحبة العملية تظهر عن طريق الخدمة. فأنت تحب الله، فتعبر عن محبتك له بنشر ملكوته، بخدمة الكنيسة وخدمة الكلمة. وأنت تحب الناس فتخدمهم بكل الوسائل المتاحة لك والنافعة لهم المهم أن يوجد في حياة الإنسان، كل إنسان، عنصر البذل والعطاء وهكذا تجد أن الخدمة قد أكسبتك فضيلة روحية، هي الحب والعطاء والبذل وتكون قد استفدت من خدمتك وقد تخدم الفقراء، وتجد أن الفقراء أو الاحتياج، قد حول بعضهم إلى الكذب أو الاحتيال، أو الغش للحصول على ما يريدون فلا تتبرم بهؤلاء، ولا تيأس منهم، ولا تتضايق، ولا يكون رد الفعل عندك هو أن تعاملهم معاملة سيئة ربما سمح الله لك أن تلتقي بهؤلاء لتتعلم الاحتمال وطول البال، وأيضًا الحكمة في التصرف، أو خدمتهم روحيًا لكي يتخلصوا من مثل هذه الطباع السيئة. وتكون أنت قد استفدت فضائل فيما تخدمهم. مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث من كتاب الوسائط الروحية
المزيد
15 مايو 2019

القيامة مجرد مقدمة للحياة في السماء

نحن نحتفل بالقيامة. فما هي القيامة؟ إنها من عنصرين: العنصر الأول هو أن يقوم الجسد، أي يُبعث حيًا. لأنه كان ميتًا، وبالقيامة منحه الله حياة أخرى. أما الروح فإنها حية بطبيعتها، لم تمت حتى تُبعث إذن العنصر الثاني للقيامة، هو أن تأتى الروح من مستقرها لكي تتحد بالجسد، ويعود الإنسان كاملًا: جسد وروحًا. بعد القيامة تكون الدينونة، أي الحساب. فيقف الإنسان أمام منبر الله العادل ليعطى حسابًا عن كل ما فعله أثناء حياته الأرضية، خيرًا كان أم شرًا. وبعد ذلك يكون الجزاء، أي المصير. فيذهب الأبرار إلى النعيم الأبدي، والأشرار يلاقون العقاب. والنعيم الأبدي يكون في السماء، في عشرة الله والملائكة والقديسين. وعن هذه الحياة في السماء سنتكلم اليوم: هنا ونسأل: ما هي السماء؟ السماء هي ما يسمو، أي ما يعلو ويرتفع. وتوجد سماوات يعلو بعضها على بعض طباقًا. أي يوجد طبقات من السموات السماء الأولى هي سماء الطيور، التي تسبح فيها الطيور وأيضًا الطائرات على ارتفاعات متنوعة. فوق هذا توجد سماء أعلى هي الفلَك حيث توجد الشمس والنجوم والكواكب والمجرات وكل الأجرام السمائية. والإنسان قد وصل إلى طبقة بسيطة هي القمر. ولكنه لن يستطيع الوصول إلى الشمس فطائرته تحترق من وهج الحرارة قبل أن تصل إليها. فوق هذه الطبقة توجد سماء ثالثة، وهى التي تسكن فيها أرواح الأبرار قبل القيامة العامة. ونقول في بعض تعبيراتنا أن الروح صعدت إلى جوار الله فوق كل هذه السموات توجد سماء أعلى، نسميها سماء السموات، حيث يوجد عرش الله، تحيط به الملائكة ورؤساء الملائكة وكل الطغمات السمائية بكافة أنواعها ودرجاتهاعلى أن الله تبارك اسمه غير محدود في كل شيء، فليس له مكان محدود هو العرش. إنما عرشه هو مجده غير المحدود. فحيث يوجد تمجيده ومحبته، إنما يشبه هذا عرشًا يجلس عليه الله وبهذه المناسبة أقول إن السماء لها معناه الحرفي الذي ذكرناه، ولها معنى آخر رمزي، قلت فيه مرة في مناجاة الله: قد نسيت الكل في حبك يا متعة القلب فلا تنسى فتاك في سماء أنت حقا كل قلب عاش في الحب سماك عرشك المحبوب قلب قد خلا من هوى الكل فلا يحوى سواكْ نعود إلى السماء التي يستقر فيها الأبرار بعد القيامة فنقول: لا يوجد في السماء شيء ثقيل، كالجسد المادي، فكل ما فيها خفيف. إن الملائكة يتحركون فيها ويصعدون ويهبطون في خفة عجيبة بل إن الملاك حينما برسله الله إلى العالم الأرضي لكي يبلَغ رسالة، أو لينقذ إنسانًا، فإنه يهبط من السماء إلى الأرض في لمح البصر، إذ أنه خفيف جدًا في تحركاته وتنقلاته فإن كنا في السماء مع الملائكة، هل سنكون وضعنًا شاذًا بينهم؟! أم نكون كما قال السيد المسيح عن القائمين من الموت "يكونون كملائكة الله في السماء" (مت 22: 30) فهل سنكون في السماء مجرد أرواح بلا أجساد؟ كلا، فسوف تكون لنا الأجساد التي قامت من الموت. ولكنها ستكون أجسادًا روحانية ليس لها ثقل المادة. لأن الجسد المادي معرض لأن يتعب، وأن يمرض، أو يضعف أو ينحل. وكلها أمور لا تناسب سكان السماء والجسد المادي يحتاج أن يأكل طعامًا ماديًا. والطعام المادي له تفاعلاته داخل الجسم ونتائجه! كما أن الجسد المادي يمكن أن يقع في شهوة جسد آخر. ومثل هذه الشهوات الجسدية لا تليق أن تكون إلى جوار الله وملائكته، فلابد أن نرتفع على مستواها إن الشهوات التي في السماء، كلها شهوات روحية: مثل شهوة الوجود مع الله ومع ملائكته وقديسيه، أو شهوة التسبيح... ومن غير المعقول، أن تكون لنا شهوة أخرى غير الله، كالشهوات المادية أو الجسدية!! وكما يقول المثل "في حِضرة الشمس من ذا يبصر الشهبَ"بالطبع إذن من اللائق والمناسب أنه في السماء تنتهي شهوة المادة، وشهوة الجسد، وكل الشهوات الأرضية. لأننا لو بقينا ملتصقين بهذه الشهوات، فماذا يكون إذن الفرق ما بين الحياة في السماء والحياة على الأرض؟! وماذا تكون الفائدة التي نحصل عليها من الوجود في السماء في مكافأة الأبرار؟! وإن كان الأثرياء الأتقياء على الأرض يتمتعون بكل الشهوات الأرضية الحلال، فماذا يأخذون في السماء، إن كانوا ينتظرون بلا شك شيئًا أفضل؟! وبخاصة لو كانوا قد سئموا تلك المشتهيات الأرضية، ويشتاقون إلى نوعية أخرى أفضل وأسمى وأرقى مما تعودّونه في حياتهم الأرضية!لذلك وعدنا الله بما لم تره عين، وما لم تسمع به إذن، وما لم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه (1كو 2: 9). ويقول الكتاب المقدس "إن الأشياء التي تُرى وقتية. أما التي لا تُرى فأبدية" (2كو 4: 18). لذلك نحن ننتظر من الحياة في السماء كل أنواع المتع التي لا تُرى، أي التي فوق حواسنا الأرضية نقطة أخرى، وهى أننا حاليًا على الأرض منشغلون بأشياء كثيرة، خاصة بالعمل أو بالأنشطة أو بواجباتنا من نحو الأسرة أو المجتمع أو الدولة، بحيث لا يوجد لنا وقت كافٍ نقضيه مع الله تبارك اسمه. وما نقدمه له من وقت، هو ضئيل بلا شك فهل في الأبدية، في السماء، سننشغل أيضًا عن الله بأمور أخرى؟! كلا. فليست هذه هي طبيعة الحياة في السماء. وإن انشغلنا عن الله هناك، نكون غير مستحقين للسماء، ولا نكون حينئذاك "كملائكة الله في السماء". فمن غير المعقول أن نكون في السماء في غربة عن الله!، كم هي الحياة على الأرض!إن الحياة في السماء، هي الحياة في الحب الإلهي. وما عدا ذلك، فهو لا شيء... والحب الإلهي هو موضوع طويل علينا أن نستعد له من الآن وندّرب أنفسنا عليه. حتى لا تكون الحياة في السماء غريبة علينا، أو نكون نحن غرباء عنها..!! قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
08 مايو 2019

القيامة العامة يتبعها التمتع بما لا يُرى

أود أن أحدثكم في هذا العام المبارك عن جوهر المتعة في العالم الآخر بالقيامة, وهي قول الكتاب المقدس "ما لم تره عين, ولم تسمع به إذن, ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبونه" (اكو 9:2). ولهذا نصحنا الكتاب بقوله "غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى, بل إلى التي لا تُرى, لأن التي تُرى وقتية, وأما التي لا تُرى فأبدية" (2 كو 4: 18).فما هي إذن تلك الأشياء التي لا تُرى؟ وما الذي لم تره عين وقد وُعدنا أن نتمتع به في الأبدية؟ من الأشياء التي لا تُرى: الأبدية: نحن نسمع عن الأبدية, ونقرأ عنها في وعود الله, ولكننا لم نرَ الأبدية, فكل شيء أمامنا إلي زوال, وحياتنا علي الأرض لها نهاية. فالذي ينظر باستمرار إلى الأبدية, وإلي امتداد حياته بعد الموت, يعمل لهذه الأبدية, ويستعد لها باستمرار, بالتوبة والعمل الصالح ونشر الخير في كل مكان ومع كل أحد, والذي يفكر في الأبدية باستمرار, لا ينظر إلي هذا العالم الحاضر, ولا يهتم به, موقنا بأن العالم يبيد وشهوته معه. كذلك لا يركز رغباته في المادة ولا يشتهيها... هو يعيش في العالم, ولكن العالم لا يعيش فيه, كما يمكنه أن يملك المادة, ولكن لا يسمح للمادة أن تملكه, بل يستخدمها للخيرإن العالم والمادة من الأشياء التي تُرى , فهي لذلك وقتية -فلا يجعلهما سببا لضياعه روحيًا- فقد قال السيد المسيح "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" (مت 16: 26) ولهذا كل ما نفقده من العالم والمادة لا نحزن عليه, لأنه سوف لا يصحبنا في اليوم الأخير, ولا يكون معنا في الأبدية. أيضا من الأمور التي لا تُرى: الملائكة وأرواح الأبرار: إن الملائكة أرواح, وهم حولنا يروننا, وينقذوننا من أخطار كثيرة, وعلى الرغم من وجودهم حولنا, فنحن لا نراهم بهذه العيون المادية, ولكننا سنراهم بلا شك بعد القيامة في الأبدية السعيدة, وكذلك سنرى أرواح الأبرار الذين سبقونا إلي السماء أما الآن, فنحن بالروح نؤمن بوجود الملائكة, ونراهم بالإيمان ونستحي أن نفعل خطية في حضرتهم, على الرغم من أنها غير مرئية حاليًا. من الأشياء التي لا تُرى أيضا: الروح:- الروح لا تُرى, أما الجسد فهو من المرئيات, لذلك فالشخص الروحي, يحيا مهتمًا بروحه, وغذائها الروحي, وإن كان الجسد له غذاؤه المادي, فإن الروح تتغذى بحياة الفضيلة والبر, وتتغذي بمحبة الله وبعمل الخير, وبالصلاة والتسبيح, وبكلام الله في عمقه وروحانيته, والإنسان الذي يهتم بأبديته, يحرص على نموه الروحي وعلى التدريبات الروحية النافعة له. ذلك لأن اهتمامه بروحه ومصيرها الأبدي يجعله يبذل كل جهده في عمل ما يربطها بالله ووصياه فتكون مقدسة له.في نفس الوقت يجعل روحه هي التي تقود جسده, ولا تخضع أبدًا لغرائزه, بل بكل حرص وتدقيق, تتخلص من شهوات الجسد, ومن طياشة الحواس, ومن شهوة العين وتعظم المعيشة. فلا يكون لهذه المرئيات سلطان عليه كل متع الحياة الأرضية من الأشياء التي تُرى, أما متع الأبدية فهي ما لم تره عين, ولم يخطر علي قلب إنسان وهكذا فإن الآباء النسّاك, قد نظروا إلى كل متع هذه الحياة, فإذا هي زائلة وفانية لا تستحق اهتمامهم, فارتفعوا فوق مستواها وفوق كل رغبة فيها, وماتوا عن العالم, وزهدوا كل متعه الأرضية, ناظرين إلى ما سوف يتمتعون به بعد القيامة وفي هذا المعنى يقول القديس أغسطينوس "جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أني لا أشتهي شيئًا ولا أخاف شيئًا"وأكبر مثال في الارتفاع عن كل المرئيات، وعن الحياة الأرضية ذاتها، مثال الشهداء الذين تقدموا إلى الموت بفرح، غير ناظرين إلى العالم وكل ما فيه، ورافضين الإغراءات التي عرضت عليهم. ذلك لأنهم كانوا مركّزين كل أبصارهم وقلوبهم في ما لا يرى في الحياة بعد الموت. من الأشياء التي لا تُرى أيضا, المعنويات:- وأعني بها المُثل, القيم, والمبادئ, والحق, والخير, والبر... وأيضًا الإيمان لأنه هو "الثقة بما يرجى, والإيقان بأمور لا تُرى" فالذي يعيش بالإيمان, إنما يعيش ناظرًا إلى ما لا يُرى. وهو حينما يتطلع إلى السماء, لا ينظر فقط إلى هذا الغلاف الجوي المحيط بنا, الذي تسبح فيه الطائرات ولا إلي الفَلَك الذي توجد فيه الشمس والأجرام السماوية البعيدة, وإنما إلي ما هو فوق ذلك بكثير... إلى السماء التي فيها الملائكة وعرش الله, والتي فيها كل شيء يسير حسب مشيئة الله, فلا خطية ولا عصيان. وأيضا السماء التي فيها أرواح الأبرار منتظرين يوم القيامة, وبدء الحياة الأبدية والذين ينظرون إلى ما لا يُري, يتوجهون بقلوبهم وأفكارهم إلى الله -جلّت قدرته- الله الذي لم يره أحد قط في لاهوته.إننا لم نرَ الله, لأن عيوننا هذه قاصرة عن رؤياه. ولكننا رأينا قوته وعجائبه, وعمل نعمته فينا وفي غيرنا. رأينا يده التي لا تُرى, وهي تتدخل في مشاكلنا وتحلها. ورأينا كرمه الذي يفتح كوى السماء ويفيض علينا, ويشبع كل حي من رضاه... ورأينا الله كيف يقيم الحق, ويسحق الباطل, وكيف يحكم للمظلومين.أما المتعة الحقيقية بعشرة الله في الأبدية فهذا ما لم نره بعد, ولكننا ننتظره بالإيمان.. الإيمان بما لم تره عين ولم يخطر على بال إنسان أما كيف سنتمتع بعشرة الله في الأبدية, وما كنه تلك العشرة؟ فمن جهة هذا الأمر من الخير لي أن أصمت. إن الأبدية هي التي ستعلن لنا هذا الأمر الذي غالبا ما تعجز اللغة عن شرحه ووصفه..!ومادامت الأبدية بهذا الجمال الذي لا يوصف, إذن يجب علينا أن نستعد لها.نستعد لها بمحبتها قبل أن نصل إليها. ونستعد لها بعدم التعلق بالمرئيات والانشغال بها. حقا إن القلب الذي يرتفع فوق المرئيات, هو حصن منيع لا ينهدم. إنه مستوي فوق العالم وفوق المادة والجسد فالذي يتعلق قلبه تماما بحب المرئيات وشهوة الأمور التي في العالم, هذا المسكين حينما يترك الجسد ويصعد إلى السماء, أيجدها غريبة عليه؟! أو يصاب بالإحباط الذي لا يجد فيها ما يشتهيه من متع الدنيا؟ أم تراه يسأم السماء -إن كان قد وصل إليها- ويرى هذه الدنيا هي الأفضل!!لذلك يا أخوتي وأبنائي علينا أن نتدرب من الآن علي محبة السمائيات ومحبة الأمور التي لا تُري. ونكنز لنا كنوزا في السماء, إن ذهبنا إلى هناك نجدها نعمل ما نستطيعه, ونطلب من نعمة الله أن تكمل لنا ما لا نقدر عليه. ولنتمسك بذلك الهدف السامي. قداسة المتنيح البابا شنودة الثالث
المزيد
01 مايو 2019

القيامة معجزة لازمة وممكنة ومفرحة

أهنئكم يا أخوتي جميعا بعيد القيامة المجيد‏,‏ أعاده الله علينا جميعا بالخير والبركة‏,‏ وعلي بلادنا العزيزة في سلام واستقرار وأمان‏,‏ بعون من الله صانع الخيرات كل حين‏...‏ وأريد اليوم أن أحدثكم عن القيامة‏.‏ وأقصد بها بلا شك قيامة الأجساد‏.‏ لأن الأرواح حية بطبيعتها لا تموت‏.‏ وبالتالي ليست في حاجة إلي القيامة‏.‏ هذه الأجساد التي بالموت تحولت إلي تراب, ستعود بالقيامة إلي الحياة. وكما سبق الله وخلقها من التراب, ومنحها الوجود, هكذا أيضا من التراب يعيدها إلي الحياة. ثم بعد ذلك يجعلها تتحد بأرواحها. ويقف الجميع أمام الله العادل, في يوم القيامة العامة أو يوم البعث. وذلك لكي يقدموا حسابا عما فعلوه في الحياة الدنيا خيرًا كان أو شرًا. إنه يوم الدينونة الرهيب. يتلوه المصير الأبدي لكل البشر. إما في النعيم الأبدي أو في العذاب. إن قيامة الأجساد لاشك معجزة, أي قد يعجز العقل عن فهمها وكيف تتم؟! وذلك فإن الملحدين وأنصاف العلماء قد يصنعون عراقيل أمام القيامة وإمكانيتها. وبالعكس فإنالمؤمنين يؤمنون بالقيامة, لإيمانهم بقوة الله وإرادته وعلمه. فمن جهة الإرادة, الله يريد للإنسان أن يقوم من الموت, وقد وعده بحياة الخلود, وذكر القيامة. وما بعدها بكل وضوح وصراحة, ومن جهة المعرفة والقدرة, فإن الله يعرف أين توجد عناصر هذه الأجساد التي تحللت, وأين توجد عظامها. ويعرف كيفية إعادة تشكيلها وتركيبها. والله جل جلاله, هو كلي القدرة يقدر علي كل ما يخص القيامة. ولا شك أن عملية قيامة الأجساد هي أسهل بكثير من خلقها. فالله الذي خلقها من التراب, هو قادر علي أن يعيدها إلي الحياة. من التراب أيضا. بل أعمق من هذا, هو خلق الأجساد من العدم. لأن التراب- قبل أن يكون ترابًا- كان عدما. ومن هذا العدم خلق الله كل شيء. فهل كثير عليه إذن أن يقيم أجسادا من التراب؟! لذلك فإن الذين ينكرونالقيامة أو يستصعبونها, إنما في داخلهم ينكرون دون أن يشعروا بقدرة الله الذي يخلق من العدم. والقيامة إذن لازمة من أجل كرامة الجنس البشري. فلولاها لكان مصير جسد الإنسان مصير أجساد الحيوانات التي تموت فينتهي وجودها بموتها؟! فما هي إذن ميزة هذا الكائن البشري العاقل الناطق الذي أنعم الله عليه بموهبة التفكير والاختراع, والقدرة علي أن يصنع مركبات الفضاء التي توصله إلي القمر, وتدور به حول الأرض وترجعه إليها, وقد جمع معلومات عن الكون لا نعرفها... هذا الإنسان الذي اخترع الـMobilePhone, والكمبيوتر والفيس بوك واختراعات طبية وعلمية كثيرة... هل يعقل أن هذا الإنسان العجيب يئول مصيره إلي مصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهوام؟! إن العقل لا يقبل شيئا من هذا كله. والقيامة أيضا ضرورة تستلزمها عدالة الله وذلك من ناحيتين: من جهة الروح والجسد, ومن جهة أحوال الناس علي الأرض. فمن جهة الروح والجسد, نقول إن الإنسان علي الرغم من خلقه في طبيعتين. طبيعة روحية وأخري مادية, إلا أنهما اتحدتا في طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية, يشترك فيها الجسد والروح معا. فالجسد ينفعل بحالة الروح, بفكرها ومشاعرها ونياتها: الروح تهاب الله وتخضع له, فينحني الجسد تلقائيا. الروح تحزن, فتبكي العين في الجسد, وتظهر ملامح الحزن علي الوجه. الروح تفرح, فتظهر الابتسامة علي الوجه. الروح تخاف, فيرتعش الجسد, ويظهر الخوف في ملامح وجهه. إنها شركة في كل شيء. ليس من العدل أن تتحملها الروح وحدها, أو الجسد وحده. بل يتحملها الاثنان معا. وهكذا لابد أن يقوم الجسد, ويتحد بها. ولو لم تكن هناك قيامة, يتمادي الناس في ملاذ الحياة الدنيا, وفي شهواتها وفسادها, غير عابئين بما يحدث فيما بعد. أما الإيمان بالقيامة, فإنه رادع الناس, إذا يؤمنون أن العدل سيأخذ مجراه في الحياة الأخرى. القيامة أيضا لازمة لأجل التوازن: ففي الأرض ليس هناك توازن بين البشر: ففيها الغني والفقير, السعيد والتعيس, المتنعم والمعذب. ما دام التوازن غير موجود علي الأرض, فمن اللائق أن يوجد في السماء. ومن لم ينل حقه علي الأرض, يمكنه أن يناله في السماء, ويعوضه الرب علي ما فاته في الدنيا, إن كان بارًا كذلك هناك تعويض آخر في السماء لا يأتي إلا بالقيامة, فعلي الأرض يوجد عميان, ومعوقون, ومشوهون, وأصحاب عاهات, وكل الذين لم تنل أجسادهم حظا من الجمال أو من الصحة أو من القوة. فمن العدالة أن تقوم أجسادهم في اليوم الأخير بلا عيب. ويعوضها الله عما قاسته من نقص. القيامة أيضا معجزة جميلة تقدم الحياة المثالية في العالم الآخر. فالإنسان المثالي الذي بحث عنه ديجول الفيلسوف ولم يجده, والذي فكر العلماء كيف, هذا الإنسان المثالي الذي يسمونه SuperMan تقدمه لنا القيامة في العالم الآخر, في عالم ليست فيه خطية علي الإطلاق, ولا يوجد فيه حزن ولا بكاء, ولا فساد, ولا ظلم, ولا عيب ولا نقص, إنه عالم الأبرار الذين كافأهم الله عز وجل القيامة هي أيضا معجزة مفرحة لأنها باب الأبدية: نعلن بها نهاية الموت. أن نقول إن الموت قد مات بالقيامة, إذ لا موت بعدها. ويدخل الإنسان في الحياة التي لا تنتهي, أعني الحياة الأبدية, حياة الخلود, التي هي حلم كل إنسان علي الأرض. ومن أجلها يضبط نفسه, ويقاوم الخطية, ويفعل البر, لكي يستحق هذا الخلود المملوء فرحا قداسة المتنيح البابا شنودة الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل