المقالات
24 يوليو 2024
متى تتكلم؟
إن كنت تتكلم لمجرد الكلام، فهذا شيء وإن أردت أن تصل بكلامك إلى نتيجة، فهذا شيء آخر، يجعل كلامك هادفًا وفعالًا وفى هذا الوضع الأخير تلزمك نصائح نافعة:
تكلم حين تكون الأذن مستعدة لأن تسمعك فإن وجدت من تكلمه غير مستعد لسماعك، اسكت فلا تكلم شخصا يكون مرهقا ومتعبا نفسيا وجسديا، وتحيط به ظروف ضاغطة ولا تكلمه إن كان مشغولا وليس لديه وقت لسماعك، وليس لديه وقت يتفهم فيه رأيك ويناقشه معك وكما قال الحكيم "تفاح من ذهب في مصوغ من فضة كلمة مقولة في محلها" (ام25: 11) تخير لمحدثك أفضل أوقاته، وأليق حالاته وأحسن المناسبات لكي تعرض عليه رأيك ويكون مستعدًا قلبيًا وذهنيًا لسماعك وفهمك وقبول كلامك وان كنت تريد أن تصل إلى نتيجة من كلامك اكسب محدثك، تكسب الحديث كله ونتائجه كثيرون يهدفون إلى كسب المناقشة بأية الطرق ولو بخسارة من يحدثونه! فتكون النتيجة أنهم يخسرون كل شيء فالمنطق وحده لا يكفى بدون النفسية..
1- إن مَنْ يحطم مُنَاقِشه ويثبت له انه مُخطئ وبخاصة أمام الناس لا يمكن أن يكسب منه خيرًا..
2- ومن يقاطع محدثه، ولا يعطيه فكرة للكلام ويرد على كلامه قبل أن يكمله ويشعره بأنه خصم، هذا لا يمكن أن يجد في قلب محدثه قابلية للاستجابة وللاقتناع مهما كان رأيه منطقيًا.
3- ومن يتهكم على أفكار محدثه ويشرح له كيف أنها ضعيفة وتافهة وغير عملية وغير منطقية، هذا أيضًا لن يصل إلى نتيجة لذلك احترم رأي مَنْ تكلمه مهما كنت ضده وبكل أدب وبكل لياقة يمكنك أن ترد عليه حاول أن تصل إلى قلب من تكلمه قبل أن تصل إلى عقله وثق أنك إن كسبت القلب، تكسب العقل أيضًا.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
17 يوليو 2024
الخوف
هناك خوف صبياني، كالخوف من الظلام، ومن الوحدة وهذا الخوف قد يستمر مع الإنسان في كبره ويخاف الإنسان من غير سبب أنه ضعف في النفس.
نوع آخر من الخوف، سببه الخطية آدم بدأ يعرف الخوف بعد الخطية (تك3:10) وكل إنسان يخطئ قد يخاف أن تنكشف الخطية، ويخاف من سوء السمعة ويخاف العقوبة ومن النتائج السيئة التي يتوقعها لخطيئته.
هناك خوف آخر سببه عدم الثقة بالنفس الخوف من الفشل ومن الرسوب ومن المستقبل الغامض وخوف من مقابلة كبير ورئيس ومن مواجهة موقف معين هذا الخوف أيضًا ناتج عن عدم إيمان عدم إيمان برعاية الله وحفظه أما القديسون فما كانوا يخافون وذلك لشعورهم بوجود الله معهم وحمايته لهم "إن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي" (مز22)، "الرب نورى وخلاصي ممن أخاف" (مز26).
هناك خوف آخر سببه عقد نفسية من الصغر كابن كان أبوه يقسو عليه فغرس فيه الخوف، بمعاقبته، بانتهاره له وتوبيخه، وإشعاره بالخطأ في كل تصرف، فأصبح لا يثق بأي عمل يعمله ويخاف يُضاف إلى كل هذا، مخافة الله "بدء الحكمة مخافة الله". على أن الإنسان يتطور إلى أن يصل إلى محبة الله "والمحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج" (1يو4: 18) على أن المقصود بخوف الله ليس الرعب، إنما المهابة والخشية، انه خوف مقدس قال السيد المسيح "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (مت10: 28).
ومخافة الله تقود الإنسان إلى حفظ الوصايا قال القديس أوغسطينوس "جلست على قمة هذا العالم، حينما أحسست في نفسي، أني لا أشتهي شيئًا ولا أخاف شيئًا"
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
03 يوليو 2024
صوم الرسل
أيام قليلة تفصلنا عن انتهاء صوم الرسل، وصوم الرسل من الأصوام التي أشار اليها السيد المسيح قائلآ “ولكن حينما يرفع عنهم العريس حينئذ يصومون”لا يستهن أحد بصوم أباءنا ، فهو أقدم صوم الرسل عرفته الكنيسة المسيحية فى كل أجيالها واشار إليه السيد بقوله “ولكن حينما يرفع عنهم العريس فحينئذ يصومون” وصام الآباء الرسل ، كبداية لخدمتهم ، فالرب نفسه بدأ خدمته بالصوم ، أربعين يوماً على الجبل . صوم الرسل إذن ، هو صوم خاص بالخدمة والكنيسة، قيل عن معلمنا بطرس الرسول إنه صام إلـى أن “جاع كثيراً واشتهى أن يأكـل ” (أع10:10) فى جوعه رأى السماء مفتوحة، ورأى رؤيا عن قبول الأمم ،وكما كان صومهم مصحوباً بالرؤى والتوجيه الإلهى ، كان مصحوبا أيضاً بعمل الروح القدس وحلوله، ويقول الكتاب: “وبينما هم يخدمون الرب ويصومون ، قال الروح القدس إفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه.فصاموا حينئذ وصلوا، ووضعوا عليهما الأيادى ، ثم أطلقوهما فهذان إذ أرسلا من الروح القدس،انحدرا إلى سلوكية”(أع13: 2-4) تميز صوم آبائنا الرسل بعدة أمور هامة منها: الصوم، والصلاة والخدمة، وعمل الروح القدس، ويسرنا أن يعمل الروح القدس خلال الصوم وأن تأتى الدعوة الإلهية خلال الصوم، وان تتم سيامة الخدام أثناء الصوم أيضاً ، وأن يبدأ الخدام بالصوم ، قبل البدء بالخدمة.هناك أصوام خاصة بالتوبة ، مثل صوم أهل نينوى، ومثل أصوام التذلل التى تكلم عنها سفر يوئيل . وأصوام أخرى خاصة بطلبة معينة، مثل صوم أستير ، وأصوام لإخراج الشياطين، كما قال الرب إن هذا الجنس لا يخرج بشئ إلا بالصلاة والصوم هناك أصوام نصومها قبل كل نعمة نتلقاها من الرب، كالأصوام التى تسبق الأسرار المقدسة كالمعمودية والميرون والتناول والكهنوت. أما صوم الرسل فهو من أجل الخدمة والكنيسة على الأقل لكى نتعلم لزوم الصوم للخدمة ، ونفعه لها نصوم لكى يتدخل الله فى الخدمة ويعينها . ونصوم لكى نخدم ونحن فى حالة روحية . ونصوم شاعرين بضعفنا… كم اشتهينا مجئ هذا الصوم ، خلال الخمسين المقدسة.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
26 يونيو 2024
الآباء الرسل
صوم الرسل:
نحن الآن نصوم صيام الرسل، وبمناسبة صوم الرسل أود أن أكلمكم عن الآباء الرسل وصوم الرسل كان أول صيام صامته الكنيسة المسيحية لأن الرسل صاموا هذا الصيام ولكن هو ليس أهم صيام هو أول صيام من جهة التاريخ، لكن ليس أهم صيام أهم صيام في الكنيسة الصوم الذي صامه السيد المسيح نفسه (الأربعين المقدسة وإسبوع الآلام ويتبعهم الأربعاء والجمعة).
السيد المسيح هو الذي اختار الآباء الرسل:
أول شيء يجب أن تعرفوه عن الآباء الرسل أن السيد المسيح هو الذي اختارهم بنفسه وقال لهم: "لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ" (إنجيل يوحنا 15: 16) وهذا يرينا أن الوظيفة الكهنوتية تكون باختيار الرب "لستم أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم" "وأرسلتكم لتصنعوا ثمرًا ويدوم ثمركم" (وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ) فجميعهم كانوا مختارين من الرب.
تباين الصفات الشخصية للرسل:
وقد اختارهم الله من نوعيات مختلفة ومتعددة، اختار يوحنا الحبيب الرقيق الذي يتكئ على صدره، واختار بطرس الرسول الشديد الذي يتدخل في كل مناسبة ويتكلم سواء كان كلامه خطأ أم لا مثلما حدث عندما قال السيد المسيح للتلاميذ: "كلكم تنكرونني هذه الليلة" (كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ) (إنجيل متى 26: 31؛ إنجيل مرقس 14: 27)، فتدخل بطرس وقال: "أبدًا ولو أدى الأمر أن نموت معك" كان بطرس يتكلم بحماس وكلامه حلو ومرة أخرى عندما قال السيد المسيح: "من يقول الناس أني أنا؟" فرد بطرس قائلًا "أنت المسيح ابن الله الحي" فقال له السيد المسيح: "طوباك يا سمعان"وفي مرات أخرى عندما قال السيد المسيح: "سيقبِض علي رؤساء الكهنة وغيرهم، ويقتلونني وفي اليوم الثالث أقوم" فرد بطرس سريعًا: "حاشاك يا رب" "لن يحدث هذا أبدًا" فرد عليه السيد المسيح: "اذهب عني يا شيطان أنت تفكر فيما للناس وليس فيما لله" (اذْهَبْ عَنِّي يَاشَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ) (إنجيل متى 16: 23؛ إنجيل مرقس 8: 33). أي أن السيد المسيح اختار هذا الرجل القوي المندفع الذي أحيانًا يكون على حق في كلامه وأحيانًا يخطئ واختار يوحنا الهادئ الناعم. واختار توما الشكاك الذي قال: "لا يمكن أن أصدق إلا عندما أضع إصبعي مكان المسامير". أي اختار أنواع مختلفة من الناس. منهم أيضًا يهوذا الخائن. واختار أيضًا أناس ضعفاء مساكين صيادي سمك. لذلك بولس الرسول قال كلمة عجيبة في هذا الأمر حيث قال: "اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 1: 27).. أي الله اختار أناسًا بسطاء.. ويقصد بذلك، أنه إذا كانوا جميعًا حكماء ربما إذا تكلموا كلام حكمة سَيُقَال أن هذا الكلام منهم؛ لكن إذا كانوا بسطاء وتكلَّموا هذا الكلام العميق، سيَعْلَم الناس أن هذا الكلام من الله وليس منهم.
الرسل يمكن تقسيمهم لثلاثة فرق:
أولًا: الاثنى عشر رسولًا.
ثانيًا: السبعون رسول الذين اختارهم السيد المسيح بعد ذلك. الذين منهم مارمرقس، ومنهم لوقا الإنجيلي، ومنهم برنابا،... إلخ. أيضًا يضاف للرسل فيما بعد النوع الثالث.
ثالثًا: شاول الطرسوسي الذي كان مضطهدًا للكنيسة وأصبح عمود من أعمدة الكنيسة.
وإلى جوار الناس الذين كانوا بسطاء في تعليمهم مثل مار بطرس ومار يوحنا كان أيضًا من ضمن الرسل من كان لهم ثقافة كبيرة. خاصة من الرسل السبعين. فمرقس الرسول يقال عنه أنه كان مثقفًا جدًا وكان إلى جوار اللغة العبرانية التي يتقنها يعرف أيضًا اللغة اليونانية ويعرف أيضًا اللغة اللاتينية لغة الرومان. ولذلك في بعض كتب الكاثوليك يقولون أن مرقس كان يترجم لبطرس لأن معرفته كبيرة باللغة. ولوقا كان طبيبًا وكان رسامًا أي له في الناحية الفنية وله في الناحية العلمية.
الرسل أحبوا السيد المسيح محبة فائقة جدًا:
هؤلاء الرسل كانوا يحبون السيد المسيح محبة فائقة جدًا.. وأكبر دليل على هذه المحبة أن بطرس الرسول قال له: "هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ" (إنجيل متى 19: 27؛ إنجيل مرقس 10: 28؛ إنجيل لوقا 18: 28). فقد رآهم السيد المسيح وهم يصطادون في السفينة وقال لهم: "هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ" (إنجيل متى 4: 19؛ إنجيل مرقس 1: 17) فتركوا السفينة وتركوا الشباك وتركوا الدنيا كلها وساروا ورائه. أيضًا هذا يذكرنا بإبراهيم أب الآباء عندما قال له الله "أترك أهلك وعشيرتك وبيت أبيك وتعال معي إلى الجبل الذي أريك إياه هناك أجعلك شعبًا" (اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً) (سفر التكوين 12: 1)، وفعلًا ترك أهله وترك عشيرته وترك بيت أبيه وذهب وراء الرب. كانوا يحبون الرب جدًا وتركوا كل شيء من أجله هذا يعطينا فكره عما يجب أن يكون عليه الرعاة، فعندما نختار أحدهم للكهنوت لا يجب أن يتكلم فيما يخص السكن والعائلة والماديات وما يكفيه وما لا يكفيه. بل يتمثل بالرسل الذين تركوا كل شيء وتبعوه.
الرسل تسلموا العقائد واللاهوتيات والطقوس من الرب يسوع :
وهؤلاء الرسل الذين تبعوا السيد المسيح أمضوا فترة إعداد خدام أكثر من ثلاثة سنوات. ففترة خدمة السيد المسيح على الأرض كانت أكثر من ثلاثة سنين. وقد ساروا وراءه في الثلاثة سنوات، يسمعون عظاته ويروا معجزاته ويروا مواقفه مع الأعداء والمؤيدين يلاحظوا كل شيء. فكانت فترة تدريب قوية جدًا مع المسيح، ومع ذلك المسيح لم يكتفي بها. فبعد القيامة مكث معهم أيضًا أربعين يومًا يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله.أي كل ما لدينا من عقائد ولاهوتيات وطقوس تعلمها التلاميذ في فترة الأربعين يوم ونقلوها إلينا. نقلوها إلينا بأن السيد المسيح قال لهم إكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها وعمدوهم وعلموهم جميع ما أوصيتكم به. لذلك الرسل فيما كتبوا لنا كانوا يعلموننا ما قاله السيد المسيح لهم.
القوانين التي وضعها الآباء الرسل:
من المؤكد أنكم قرأتم الإنجيل والرسائل لكن هناك أمر آخر أيضًا هو القوانين التي وضعها الآباء الرسل. ومنها الدسقولية وهي تقع في 38 باب عن الرعاية من كل جوانبها. وأيضًا قوانين الرسل حيث أصدر الرسل 127 قانون في كتابين أحدهما به 71 قانون والآخر به 56 قانون. هذه القوانين نشرت في مجموعة باترولوجيا أورينتاليس The Patrologia Orientalis أي "أقوال الآباء الشرقيين". هناك أناس كثيرين ممن يتكلمون عن الكنيسة والقوانين لم يقرأوا هذه ولا تلك، (وينطبق عليهم المثل القائل: إللّي على البَرّ عوَّام)!
كانت قلوبهم متفتحة وعقولهم متفتحة وكلها مُرَكَّزَة في الربَ وفي وصاياه. وأيضًا طوال مدة إعدادهم كانوا متفرغين تفرغ كامل للسير وراء الرب أما حاليًا، فأرى الكثير من الخدام لم يتم إعدادهم للخدمة بطريقة سليمة. وأحيانًا ينحرفون في تعاليمهم وينحرفون في تصرفاتهم. وسيكون لنا معهم موقف ليتعلموا ويفهموا، وإذا لم يتعلموا فليمضوا بسلام!
تبعوه وتركوا كل شيء:
هناك شيء جميل فيمن تبعوا السيد المسيح: أنهم تبعوه وتركوا كل شيء. كما قيل عن إبراهيم أبو الآباء أنه سار وراء الرب وهو لا يعلم إلى أين يذهب. والرسل عندما ساروا وراء السيد المسيح لم يكن له بيت، فقد كان يسير من بلد إلى بلد، ومن حقل إلى حقل، ومن مدينة إلى مدينة.. ويقول عنه الكتاب: "لم يكن له أين يسند رأسه" (فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ) (إنجيل متى 8: 20؛ إنجيل لوقا 9: 58). ولم يسأله الرسل أين سنذهب، فهذا لا يهتمون به، بل المهم أنهم يمشون وراءه.. وكان عندهم الإيمان بأن كل شيء سيكون كما ينبغي أن يكون.
سندتهم قوة الرب يسوع:
وبهذا الشكل أخذ الرسل قوة كبيرة. قوة من معاشرتهم للرب وقوة من مساندة الرب لهم. فكانوا يتكلمون ويسند الله كلامهم بالمعجزات، كما ورد في آخر إنجيل مارمرقس ومن قوة الآباء الرسل نجد أن عظة واحدة قالها القديس ماربطرس آمن بها 3000 واحد من اليهود، وتَعَمَّدوا في ذلك اليوم كما ورد في سفر الأعمال إصحاح اثنين من آية 38. ويقول الإنجيل: "وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو" (سفر أعمال الرسل 6: 7). وبعد أن كانوا يعلِمون في أورشليم بدأوا يُعَلِّمون في السامرة وفي كل مكان. والسيد المسيح قال لهم: "متى حل الروح القدس عليكم حينئذ تكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية وفي السامرة وإلى أقصى الأرض" (مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ) (سفر أعمال الرسل 1: 8) هذه هي القوة التي كانت عند الآباء الرسل. ليس فقط عند الاثنى عشر رسول. فمار مرقس عندما جاء مصر كان فيها عبادات لا تحصى، العبادات الفرعونية الكبيرة، والعبادات اليهودية (فقد كان في اثنين من أحياء الإسكندرية عبادات يهودية)، والعبادات اليونانية التي انتشرت من بعد الإسكندر المقدوني وخلفائه من البطالمة وأيضًا عبادات رومانية منذ بدء الحكم الروماني على مصر من عهد اكتاڤيوس قيصر (أكتافيوس) واستمروا في الحكم حتى الفتح الإسلامي، أي كان هناك عبادات كثيرة.. وكان مارمرقس لا يملك شيئًا، ولكنه استطاع بنعمة الله أن يحوِّل الإسكندرية إلى بلد مسيحية قبل أن ينال إكليل الشهادة.
جماهير كثيرة كانت تتبع الإيمان ومن ضمنهم الكهنة أيضًا اليهود. ومَنْ يدرس تاريخ الكنيسة منكم في العصر الرسولي يرى عجبًا. حيث كانوا ينادون باسم المسيح فيمنعهم الكهنة ورؤساء الكهنة ويحذروهم من نطق اسم السيد المسيح، فيرد عليهم بطرس الرسول ويقول "يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ" (سفر أعمال الرسل 5: 29) وهذه العبارة نرددها باستمرار ونؤمن بها كانت سمة الكنيسة في العصر الرسولي هى سمة الانتشار على الرغم أنه كان هناك حكام في منتهى العنف مثل نيرون وحتى القرن الرابع، حيث كان هناك دقلديانوس وبعض الولاة في مصر في منتهى العنف، مثل أريانوس والي أنصنه ولكن المسيحية وقفت ضد كل هذا قوية بمعونة الله لها.
لولا الرسل ما كنا نعرف الإيمان وما كنا مسيحيين:
أقول بعد كل هذا أن الرسل كان لهم فضل كبير علينا ولولاهم ما كنا نعرف الإيمان، وما كنا صرنا مسيحيين ومع ذلك يَنْدُر وجود كنائس على أسماء هؤلاء الرسل! فقليل جدًا الكنائس التي تحمل اسمهم ففي القاهرة توجد كنيسة البطرسية، والمفروض أنها على اسم بطرس الرسول. وأحيانًا تكون كنيسة على اسم بولس وبطرس ومارمرقس ولكن أين الباقين؟! يَندُر وجود كنائس على أسماء باقي الرسل الإثني عشر.
الرسل سلمونا التقليد الكنسي كما تسلموه من الرب يسوع:
الرسل سلموا إلينا جميع التفاصيل.
فلو سأل أحدهم: أين في الإنجيل تفاصيل ما يحدث في التناول أو المعمودية؟
فأجيب: الإنجيل كان يقدم الخلاص للناس، أما تفاصيل الطقوس فأعطاها الرب للرسل، والرسل هم الذين سَلَّموها إلينا ومن هنا نشأت التقاليد الكنسية، وبها نتمثَّل بالرسل، ونعمَل كما عمل الآباء الرسل مثلًا الإنجيل يقول: ترسم قسوس. مثلما أرسل القديس بولس لتلاميذه برسامة قسوس. ولكن كيف نرسم القسوس، هذه لا تُذكَر في الإنجيل لأنه ليس كتاب طقوس. ولكنه كتاب المبادئ الأساسية السامية.
أو يسأل شخص: ما الآية التي توصي بعدم شرب السجائر؟
فأقول له:
الإنجيل لم يدخل في هذه الأشياء الصغيرة، ولكنه قال لنا: كل شيء يضرك أو يضر غيرك لا تفعله. كل شيء يسيطر على حريتك وإرادتك وتُسْتَعبَد له لا تسير فيه.. هذه هي المباديء العامة التي يدخل ضمنها أشياء كثيرة لن أستطيع حصرها. لكن المبدأ موجود في الإنجيل، بينما التفاصيل تُرِكَت لنا وسبق أن كلمتم كثيرًا في هذا الموضوع.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
19 يونيو 2024
من هو الروح القدس
لابد أن تكون لكم معرفة بالروح القدس من هو ؟ وما عمله فيكم ولاجلكم لكى تكون علاقة به ، ولتعرفوا عمق احتاجكم إليه الروح القدس هو " روح الله القدوس " ( أف4 : 30 ) ، ( 2كو3 : 3 ) بل الروح القدس هو الله ، لأن " الله روح " ( يو4 : 24 ) .
لاهوته
قال القديس بطرس " إن الكذب على الروح القدس معناه الكذب على الله " ( أع5 : 23 ) ومادام هو روح الله ن ( أي 33 : 3 ) ( 2كو3 : 3 ) ، وهو روح السيد الرب ( اش61 : 1 ) ، إذن هو الله .
هذا المعزي ، روح الله ، حل على التلاميذ في يوم الخمسين ( أع2 : 1 ـ 4 ) . وهو الذى وعد به الله في سفر يوئيل النبى قائلاً " ويكون بعد ذلك أنى اسكب روحى على كل بشر ، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ، ويحلهم شيوخكم أحلاماً ، ويري شبابكم رؤي " ( يؤ2 : 28 ) . وقد ذكر القديس بطرسس أن هذه النبوءة تحققت في يوم الخمسين ( أع2 : 16 ، 17 ) هو روح الله ، وهو " روح إبنه " ( غل4 : 6 ) " روح المسيح " ( 1بط1 : 11 ) هو " روح الرب " ( اش11 : 2 ) " روح السيد الرب " ( اش61 : 1 ) . قيل في سفر ايوب الصديق " روح الرب صنعى " ( أي33 : 4 ) . وقال حزقيال النبى " وحل على روح الرب وقال لي ... " ( خر11 : 5 ) . وقال القديس بطرس في توبيخ ما فعله حنانيا وسفيرا " ما بالكما قد اتفقتما على تجربة روح الرب " ( أع5 : 9 ) . وهو " روح الحق " ( يو14 : 17 ) . وقال عنه السيد المسيح " روح الحق الذي من عند الآب ينبثق " ( يو15 : 26 ) . وقال أيضاً " متى جاء ذاك ، روح الحق ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق " ( يو16 : 13 ) ويثبت لاهوت الروح القدس أنه في الثلوث القدوس إنه واحد مع الآب والأبن . وفي ذلك يقول السيد المسيح الرب أرسله القديسين " تلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم باسم الآب والآبن والروح القدس " ( أع28 : 19 ) ولاحظوا هنا أنه يقول " باسم " وليس باسماء ... وهذا يوافقه أيضاً ما ورد في رسالة القديس يوحنا الأولي ، إذ يقول " فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة : الآب والكلمة ( اللوجوس ) والروح القدس . وهؤلاء الثلاثة هم واحد " ( 1يو5 : 7 ) ويثبت لاهوته أيضاً أنه الحيى ومعطي الحياة ولذلك يسمى " روح الحياة " ( رو8 : 2 ) . وقد ورد في سفر حزقيال النبى ، أنه هو الذي يحيى الموتى ( حز37 : 9 ، 10 ) . ومن الذي يستطيع أن يحيى الموتي ويقيهم ، إلا الله وحده . الروح القدس هو أقنوم الحياة . هو مصدر الحياة في العالم كله ، سواء الحياة بمعني الوجود أو البقاء ، أو الحياة مع الله . وبصفه قانون الإيمان بأنه " الرب المحيى " ويثبت لاهوت الروح القدس ، أنه مصدر الوحى وقانون الإيمان يصف لروح القدس بأنه " الناطق في الأنبياء " ولعل هذا يوافق ما ورد في الرسالة الثانية للقديس بطرس الرسول عن الوحي الإلهى إذ قال " لأنه لم تأت نبوءة قط بمشيئة إنسان ، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس " ( 2بط1 : 21 ) . ومادام الوحى من الروح القدس ، إذن هو من الله ، لأنه من روح الله . لذلك قال القديس بولس الرسول " كل الكتاب موحي به من الله ، ونافع للتعليم " ( 2تى3 : 16 ) . يقول الرسول أيضاً " حسناً كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبى قائلاً .. " ( أع28 : 25 -27 ) . وكمثال لهذا الوحي قال حزقيال النبى " ... وحل على روح الرب وقال لي ك قل هكذا قال الرب ... " ( حز11 : 5 ) . ويقول الوحي الإلهى في سفر اشعياء النبى " أما أنا فعهدي معهم قال الرب روحى الذي عليك وكلامى الذى وضعته في فمك لا يزول من فمك ، ولا من فم نسلك ... من الآن وإلى الأبد " ( اش59 : 21 ) .
صفات الروح القدس اللاهوتية:-
نضيف إلى كل هذا ، أن الروح القدس اشترك مع الآب والإبن في عملية الخلق فكما قيل عن الآب إنه بالإبن قد عمل العالمين ( عب1 : 2 ) " فإنه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض الكل به وله قد خلق " ( كو1 : 16 ) " كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو1 : 3 )هكذا يقول الكتاب عن الروح القدس :" ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض " ( مز104 : 30 ) وقيل في سفر أيوب الصديق " روح الرب صنعنى " ( أى 33 : 4 ) وهذا يدل على لاهوت الروح القدس ، لأن القدرة على الخلق خاصة بالله وحده وقد ذكر الكتاب صفات إلهية له ، منها الأزلية : كما قيل عن السيد المسيح " فكم بالحرى دم المسيح ، الذي بروح أزلى قدم نفسه لله بلا عيب " ( عب9 : 14 ) .
ومن الصفات الإلهية للروح القدس ، وجوده في كل مكان وفي ذلك قال داود النبى للسيد الإله " أين أذهب من روحك ؟! ومن وجهك أين أهرب ؟! إن صعدت إلى السموات فأنت هناك وإن فرشت في الهاوية فها أنت " ( مز139 : 7 ) . وطبعاً الواحد الموجود في مكان هو الله .
ومن الدلاله على وجوده في مكان ، عمله فينا يقول بولس الرسول " أما تعلمون أنكم هيكل الله ، وروح الله يسكن فيكم " ( 1كو3 : 16 ) وأيضاً " أم لستم تعلمون ان جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم " ( 1كو6 : 19 ) . وسكنى الروح في كل المؤمنين ، في كل أقطار الأرض ، يدل على وجوده في مكان ، وبالتالي على لاهوته إذن روح الله في كل مكان ، يعمل في المؤمنين ويحل فيهم .
ومما يثبت لاهوته أيضاً ، أنه عالم بكل شئ كما يقول القديس بولس الرسول " لأن الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله " ( 1كو2 : 10 ) " وهكذا أيضاً أمور الله ، لا يعرفها أحد إلا روح الله " ( 1كو2 : 11 ) ويقول لنا الرب عن الروح القدس " يرشدكم إلى جميع الحق " ( يو16 : 13 ) " يعلمكم كل شئ ، ويذكركم بكل ما قلته لكم " ( يو14 : 26 ) .
الروح القدس قادر على كل شئ ومن صفات الروح في نبوءة اشعياء إنه " روح القوة " ( اش11 : 2 ) وهكذا يتحدث القديس بولس الرسول عن كرازته إنها كانت بقوة آيات وعجائب ، بقوة روح الله " ( رو15 : 19 ) ويقول أيضاً " برهان الروح والقوة ... بقوة الله " ( 1كو2 : 4 ) والسيد الرب يقول هذا ، كما ورد في سفر زكريا النبى " لا بالقدرة ولا بالقوة ، بل بروحي قال رب الجنود " ( زك4 : 6 ) .
ومما يثبت لاهوته أيضاً، أنه مانح المواهب الفائقة يقول الكتاب " كل عطية صالحة ، وكل موهبة تامة ، هي فوق ، نازلة من عند أبي الأنوار " ( يع1 : 17 ) . ومع ذلك فإن كل المواهب ينسبها الكتاب إلى الروح القدس كما ورد في إصحاح المواهب ( 1كو12 ) ، إذ يقول الرسول : " فأنواع مواهب موجودة ، ولكن الروح واحد " .. ( 1كو12 : 4 ) . وبعد أن ذكر انواع المواهب ومنها الحكمة ، والإيمان ، ومواهب الشفاء ، وعمل القوات ، والنبوة وتميز الأرواح ، والألسنة وترجمتها ، وقال " ولكن هذه كلها يعمل الروح الواح بعينه ، اسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء " ( 1كو12 : 11 ) . وطبيعى لا يمكن أنت يمنح كل هذه المواهب ، إلا الله .
والسيد المسيح وصف الروح القدس لتلاميذه بأنه " المعزى البارقليط " ( يو16 : 7 ) . ووصف هذا المعزى بصفات إلهية ، فقال :
أ ـ إنه " يمكث معكم إلى الأبد " ( يو14 ك 16 ) . إذن فهو ليس إنساناً يمكث معهم فترة ويموت ، إنما هو روح الله الذي يمكث معهم إلى الأبد ، بل قال عنه أكثر من ذلك إنه :
ب ـ " ماكث معكم ويكون فيكم " ( يو14 : 17 ) وعبارة " يكون فيكم " لا ينطبق على إنسان وقال عنه أيضاً :
ج ـ " لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه " ( يو14 : 17 ) وهذه العبارة أيضاً لا تنطبق على إنسان يراه الناس ويعرفونه وفي رسالة إلى العبرانين يصفه الرسول بأنه " روح النعمة " ( عب10 : 29 ) وفي نبؤة زكريا يقول الوحي الإلهى " وأفيض على بين داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات ، فينظرون إلى الذي طعنوه ، وينوحون عليه كنائح على وحيد له في مرارة " ( زك12 : 10 ) . والكتاب يسمى الروح القدس أيضاً " روح القداسة " (رو1 : 4 ) ويقول عنه المرتل في المزمور " وبروح رئاسي أعضدنى " ( مز50 ) . ونقول عنه في صلوات الأجبية " روحاً مستقيماً ومحيياً ، روح النبوة والعفة ، روح القداسة والعدالة والسلطة " ونقول عنه أيضاً " الملك المعزى ، الحاضر في كل مكان والمالئ الكل ، كنز الصالحات ومعطى الحياة " ونطلب إليه قائلين " هلم تفضل وحل فينا ، وطهرما من كل ذنس أيها الصالح ، وخلص نفوسنا " وفي سفر اشعياء النبى ، ما أكثر الأوصاف التى بها روح الله إذ يقول : " ويحل عليه روح الرب ، روح الحكمة والفهم ، روح المشورة والقوة ، روح المعرفة ومخافة الرب " ( اش11 : 2 ) وقد قال السيد المسيح الرب عن بصالئيل الذي قام بصناعة ما يلزم خيمة الإجتماع " وملآته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعه الاختراع " ( خر31 : 3 ـ 6 ) ولعل بصالئيل هذا أول مثل لموسي " وتلكم جميع حكماء القلوب الذين ملأتهم روح حكمة أن يصنعوا ثياب هرون لتقديسه ليكهن لي " ( خر28 : 3 ) وعن روح الحكمة يصلي بولس الرسول من أجل أهل أفسس لكي يعطيهم الله " روح الحكمة والإعلان في معرفته " ( اف 1 : 17 )وذلك لكى " تستنير اذهانكم ليعملوا ما هو رجاء دعوته " .
أقنومه:-
شهود يهوه لا يعتقدون أن الروح القدس أقنوم ( شخص ) ، بل يرونه مجرد قوة !!
وللرد على ذلك نقول إن ما ورد عن الروح القدس في الكتاب المقدس ، يدل أنه شخص فهو يتكلم : ويقول الرب في ذلك لتلاميذه القديسين " لأن لستم أنتم المتكلمين ، بل روح ابيكم الذي يتكلم فيكم " ( مت10 : 20 ) ويقول الرسول أيضاً عنه " إن سمعتم صوته ، فلا تقسوا قلوبكم " ( عب3 : 7 ـ 9 )
وهو الذي قال " افرزوا لي برنابا وشاول ، للعمل الذى دعوتهما إليه " ( أع13 : 3 ) فهو هنا يتكلم ، و أيضاً يدعو وهو يعلم ، ويذكر ، ويرشد ، ويخبر ، ويبكت وفي ذلك يقول الرب لتلاميذه عن الروح القدس " يعلمكم كل شئ ، يذكركم بكل ما قلته لكم " ( يو14 : 26 ) وأيضاً "متى جاء ذاك روح الحق ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق ويخبركم بأمرو آتية " ( يو16 : 12 ، 13 ) وهو أيضاً الذي يبكت على خطية ( يو16 : 8 ) وهو يقود المؤمنين جماعات وأفراداً يقول الرسول " لأن الذين ينقادون بروح الله ، فأولئك هم أبناء الله " ( رو8 : 14 ) وهو يقيم الرعاة : وعن ذلك قال القديس بولس لأساقفة أفسس " احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التى أقامكم الروح القدس عليها أساقفة " ( أع20 : 28 ) وهو الذي يحدد تحكات الخدام فيقول القديس لوقا الإنجيلى عن القديس بولس الرسول وأصحابه " وبعد ما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية ، منعهم الروح القدس أن يتكلموت بالكلمة في آسيا فلما أتوا إلى ميسيا ، حاولوا أن يذهبوا إلى بيثينية ، فلم يدعهم الروح " ( أع16 : 6 ، 7 ) والروح القدس يعزى المؤمنين ويشفع فيهم يقول السيد المسيح " وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد " ( يو15 : 26 ) ويقول الرسول " الروح نفسه فينا بأنات لا ينطق بها " ( رو8 : 26 ) إذن هذا الذي يتكلم ويعلم ويذكر ، ويرشد ويخبر ، ويبكت ، ويقود المؤمنين ويقيم الرعاة ، ويحدد تحركاتهم ، ويعزى ويشفع أليس هو شخصاً ؟!
أما القوة فهي إحدي نتائج حلوله على المؤمنين ( أع1 : 8 ) كما نقول أيضاً إن حلوله يمنح غيره وحرارة ، ويمنح حكمة ومعرفة إلخ .
إنبثاقه:-
نحن نؤمن بأن الروح القدس ينبثق من الآب وهذا واضح من تعليم السيد المسيح نفسه في الأنجيل المقدس ، إذ قال لتلاميذه القديسين عن الروح القدس " روح الحق الذي من عند الآب ينبثق " (يو15 : 26 ) وهذا هو نفس ما يقوله قانون الإيمان المسيحى " نعم نؤمن بالروح القدس ، بالرب الحميى المنبثق من الآب "وهذا ما قرره مجمع القسطنطينة المسكونى المقدس المنعقد سنة 381 م ولكن الكاثوليك يقولون " المنبثق من الآب والآبن " فيضيفون عبارة " والآبن " Filioque وهي إضافة لم تكن موجودة إطلاقا في أصل قانون الإيمان ولم تكن معروفة في القرون الأولى للمسيحية ومبدأ ظهورها – كما يقولون – كان في أسبانيا في القرن السادس ، وانتقل منها إلى رومة وقد لاقت هذه الإضافة معارضة من الكاثوليك في القرن الأولى ويقال أن البابا ليو الثالث في أوائل القرن التاسع ، علق لوحتين إحداهما باللاتينية والأخرى باليونانية ، لقانون الإيمان بغير هذه الإضافة وقال " لا أريد أن أغير إيمان آبائي " والكاثوليك الذين يستخدمون اليونانية لا يقبلون هذه الإضافة ولم تستقر إضافة " والابن " عند الكاثوليك اللاتيني إلا في القرن الحادي عشر وقد سببت انقسامات كثيرة بلا داع وهي أيضاً ضد للثالوث القدوس وكما قال البعض إنها تجعل في الثالوث ابنين وأبوين ، إن كان الروح القدس يعتبر ابناً للابن ، إن كان منبثقاً منه ويكون الابن أباً له أيضاً !!
ويحاول الكاثوليك أن يثبتوا هذه العقيدة عندهم ببعض آيات تدور حول ارسال الأبن للروح القدس كما في ( يو15 : 26 ) التى هي صريحة في انبثاق الروح القدس من الآب على الرغم من ارسال الأبن له وهناك فرق كبير بين الإرسال والانبثاق الانبثاق أزلي ، والإرسال في حدود الزمان الروح القدس منبثق من الآب منذ الأزل ، بحكم فهمنا للثالوث ولكن الابن أرسله لتلاميذه في يوم الخمسين. يشبه هذا قولنا أن الأبن مولود من الأب منذ الأزل ,وأرسله الأب إلى العالم مولوداً من امرأة فى ملْ الزمان.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الروح القدس وعمله فينا
المزيد
13 يونيو 2024
دروس روحية من عيد الصعود المجيد
عيد الصعود عيد سيدي خاص في معجزته بالسيد المسيح وحده.
أي أنه يشمل معجزة لم تحدث مع أحد من البشر, وإنما كانت للسيد الرب وحده: مثل الميلاد العذراوي, ومثل قيامته بقوة لاهوته وخروجه من القبر المغلق, ومثل التجلي علي جبل طابور, كذلك صعوده إلي السماء وجلوسه عن يمين الآب لقد صعد بذاته, وليس مثل إيليا النبي الذي أخذته مركبة نارية فصعد فيها (2 مل 2: 10 و11), ولا مثل أخنوخ الذي لم يوجد لأن الله أخذه (تك 5: 24), أما السيد المسيح فصعد بقوته, دون أية قوة خارجية.
وكان صعوده صعودا بالناسوت.
ذلك لأن اللاهوت موجود في كل مكان, في الأرض وفي السماء وما بينهما, لذلك فاللاهوت لا يصعد ولا ينزل. وفي القداس الغريغوري نقول له وعند صعودك إلي السموات جسديا, وقد شرحنا هذه النقطة من قبل. صعود المسيح إلي السماء, لم يكن مفارقة لكنيسته علي الأرض ما كان انفصالا عن الكنيسة, ولا تركا لها, ولا تخليا عنها, لأنه قال ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر (مت 28: 20) وقال أيضا حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي, فهناك أكون في وسطهم (مت 18: 20), إذن هو معنا في الكنيسة, وفي كل اجتماع روحي, وهو كائن معنا علي المائدة في كل قداس, هو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت 1: 23).
صعوده إذن هو مجرد اختفاء عن الحواس المادية, مع وجوده فعليا كان مع تلاميذه وهم يرونه بالحواس, وبعد صعوده ظل أيضا معهم ولكنهم لا يرونه بالحواس, هو معهم بالإيمان لا بالعيان والإيمان هو الإيقان بأمور لا تري (عب 11: 1), وكما قال لتلميذه توما طوبي لمن آمن دون أن يري (يو 20: 29), إذن هو صعد عن الأرض بالجسد, وظل باقيا عليها باللاهوت, يدركون وجوده معهم بالإيمان, وإن كانوا لا يرونه بالحواس المادية, أي بالعين الجسدية.
كان صعوده رفعا لمستوي التلاميذ, ودليلا علي نضوجهم الروحي لقد رفعهم من مستوي الحواس إلي مستوي الإيمان, في بدء علاقتهم معه وهو علي الأرض, كانوا محتاجين أن يروا وأن يلمسوا وأن يحسوا وجوده بالجسد, فلما وصلوا إلي درجة من الإيمان, فارقهم بالجسد, لأنهم صاروا قادرين أن يروه بالروح, وأن يحسوا وجوده بالإيمان, ويقينا أنهم بعد صعوده, لم يشعروا في يوم من الأيام أنه فارقهم هو معنا أبصرناه بعيوننا أم لم نبصره إن النظر الجسدي ليس هو الحكم في الأمور الإيمانية. نحن نؤمن بوجود الله دون أن نبصره, ونؤمن بوجود الملائكة حولنا دون أن نبصرهم, ونؤمن بوجود الروح وبخروج الروح من الجسد دون أن نبصر ذلك إذن وجود السيد المسيح معنا بعد صعوده, لا تحكمه الرؤية الجسدية, وإيماننا هذا هو ارتفاع لمستوانا الروحي في موضوع صعود المسيح وبقائه معنا معجزة صعوده لم تكن ضد قوانين الطبيعة بل سموا عليها بداءة نقول إن الرب لما وضع قوانين الطبيعة, وضعها لتخضع لها الطبيعة, لا ليخضع هو لها, بل تبقي هي خاضعة له, لواضعها ومع ذلك, فإنه في صعوده, صعد بالجسد الممجد, الجسد الروحاني السماوي, الذي سنقوم نحن بمثله (1 كو 15: 44 و49) علي شبه جسد مجده (في 3: 21) إذن معجزة الصعود لم تكن في الانتصار علي قوانين الجاذبية الأرضية, إنما كانت المعجزة في هذا الجسد الروحاني السماوي, الذي يستطيع أن يصعد إلي فوق, إنه إذن سمو للطبيعة وليس تعارضا معها, إنه نوع من التجلي لطبيعة الجسد.
معجزة الصعود تعطينا لونا من الرجاء من ناحيتين:
الأولي أن الذين أعثروا بصليب الرب وما صاحبته من إهانات ومن آلام, كان الرد عليها في مجد القيامة, ثم في مجد الصعود, وهكذا عاد الإيمان إلي الناس الذين ظنوا أن كل شيء قد انتهي بالصليب, وصار لنا رجاء أنه بعد كل صليب توجد قيامة وصعود, وهذا الرجاء صاحب الشهداء والمعترفين في كل جيل.
الناحية الثانية من الرجاء أنه سيكون لنا المثل فكما صعد المسيح بجسد ممجد, سيكون لنا أيضا جسد ممجد (في 3: 21), وكما أخذته سحابة عن أعين التلاميذ في صعوده, هكذا في اليوم الأخير سنأتي معه علي السحاب, في مجئ ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه (1 تس 3: 13), متي جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة علي الجميع (يه 14, 15), حين يأتي علي السحاب وتنظره كل عين (رؤ 1: 7), ونحن الأحياء الباقين علي الأرض سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء, وهكذا نكون كل حين مع الرب (1 تس 4: 17).. حقا ما أعظم هذا الرجاء.
وهذا الرجاء يعلمنا الصبر وانتظار الرب:
الصبر أولا في تحقيق مواعيد الرب, الصبر علي آلام الصليب, حتي تتحقق أمجاد القيامة وأمجاد الصعود, والصبر علي الصعود وترك الرب لنا بالجسد, حتي يتحقق قول الملاكين للرسل يوم الصعود إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلي السماء, سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلي السماء (أع 1: 11) كذلك الصبر أيضا الذي صبره الآباء الرسل في انتظار وعد الرب لهم بإرسال الروح القدس إنه صبر في رجاء, وهو رجاء مملوء بالفرح في إيمان بتحقيق مواعيد الرب, وكما قال الرسول فرحين في الرجاء (رو 12: 12).
كان صعود الرب إلي السماء عملية فطام للتلاميذ:
لقد تعودوا خلال فترة تلمذتهم له وهو موجود بينهم بالجسد, أن يتكلوا عليه في كل شيء دون أن يعملوا شيئا. كان هو الذي يعمل المعجزات وهو الذي يرد علي المعارضين, بينما يقف التلاميذ متفرجين, ويتأملون ويتعلمون أما الآن, بعد الصعود, فقد آن لهم أن يفطموا, ويقوموا هم أنفسهم بكل المسئوليات الروحية يتلمذون جميع الأمم, ويعلمونهم جميع ما أوصاهم الرب به (مت 28), ويردون علي معارضيهم, ويحتملون الألم في عمل الكرازة.
كان الرب كالنسر الذي يعلم فراخه الطيران:
حينما يكبرون أو ينضجون, يحملهم علي جناحيه, ثم يلقي بهم في الجو ويصعد عنهم, كي يحركوا أجنحتهم ويتعلموا الطيران, وفي كل ذلك لا يتخلي عنهم, بل يرقبهم ويأتي لحمايتهم إن تعرضوا لخطر أو مثل أب يعلم ابنه العوم, ويحمله علي يديه, ثم يتركه في الماء بعد أن يعلمه العوم, كي يعوم وحده ويجرب الماء, ومع ذلك لا يتركه, بل يبقي قريبا معه, يساعده كلما احتاج هكذا الرب, درب تلاميذه خلال ثلاث سنوات أو أكثر, وأرسلهم أيضا في تدريب عملي (مت 10), ثم انتهت فترة التدريب, فصعد عنهم لكي يعملوا بأنفسهم ويؤدوا رسالتهم, وهو معهم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر. وكان صعود الرب محفوفا بوعدين, بل بثلاثة:
أما الوعد الأول فهو إرسال الروح القدس ليكون معنا إلي الأبد وهكذا سبق فقال لهم الحق أنه خير لكم أن انطلق. لأنه إن لم انطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت, أرسله إليكم (يو16: 7) وقد كان, وأرسل لهم الورح القدس بعد صعوده بعشرة أيام.
أما الوعد الثاني فهو قوله لهم لا أترككم يتامي, إني آتي إليكم (يو 14: 18), وقوله أيضا ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر (مت 28: 20), وقد حقق هذا الوعد أيضا ولايزال يحققه, وقد رآه القديس يوحنا الحبيب وسط الكنائس السبع (رؤ 1: 13, 20) وقد أمسك ملائكة الكنائس السبع – أي رعاتهم – في يمينه (رؤ 2: 1).
أما الوعد الثالث, فهو قوله لتلاميذه:
وأنا إن ارتفعت عن الأرض, أجذب إلي الجميع (يو 12: 32)يجذبنا إليه لنرتفع معه إلي السماء كما قال أنا ماض لأعد لكم مكانا, وإن مضيت وأعددت لكم مكانا, آتي أيضا وآخذكم إلي, حتي حيث أكون أنا, تكونون أنتم أيضا (يو 14: 2, 3) إذن هو وعد بأن يكون معنا, ونكون معه, علي الأرض وفي السماء, علي الأرض ها أنا معكم كل الأيام وحيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي, هناك أكون في وسطهم (مت 18: 20), وفي السماء حيث أكون أنا, تكونون أنتم أيضا وكما قال بولس الرسول سنخطف جميعا معهم في السحب, لملاقاة الرب في الهواء, وهكذا نكون كل حين مع الرب (1 تس 4: 17) ما أعظمه من مجد.
إذن صعود الرب هو عربون لصعودنا:
كما كانت قيامة الرب عربونا لقيامتنا, إذ هو باكورة للراقدين (1 كو 15: 20), وكما في آدم يموت الجميع, هكذا في المسيح سيحيا الجميع ( 1كو 15: 22) كذلك أيضا في الصعود, نسمعه يقول وأنا إن ارتفعت, أجذب إلي الجميع (يو 12: 32)علي السحاب, وفي السماء, وبجسد ممجد, ونكون كل حين مع الرب, في أورشليم السمائية مسكن الله مع الناس (رؤ 21: 2, 3), في مستوي أعلي من المادة ومن الحواس, علي شبه جسد مجده, في ربوات قديسيه حيث نتمجد أيضا معه (رو 8: 17), حيث نقام في مجد (1 كو 15: 43) وبالتالي نصعد إليه في مجد لذلك قيل في صعود الرب إلي السماء, كان تلاميذه شاخصين إلي السماء, وهو منطلق (أع 1: 10):
إنه درس لنا من دروس السماء, أن نكون شاخصين إلي السماء, حيث صعد الرب, وإلي السماء من حيث يأتي إلينا في مجيئه الثاني, وأيضا شاخصين إلي السماء حيث تتركز كل عواطفنا وآمالنا, وكما قال الرب حيث يكون كنزك, هناك يكون قلبك أيضا (مت 6: 21) مساكين الذين كل كنوزهم في الأرض, ولذلك تكون كل رغباتهم وآمالهم فيها, وحينما يتركون الأرض, لا يجدون شيئا أما أولاد الله, فيعيشون دائما شاخصين إلي السماء, التي تلتصق بها قلقوبهم وكل رغباتهم.
ليت أفكارنا إذن ترتفع دائما إلي السماء:
تصعد كلها هناك لتكون مع الرب, وهي وكل شهوات قلوبنا وكل حواسنا الروحية, وكما قال القديس بولس الرسول ونحن غير ناظرين إلي الأشياء التي تري بل إلي التي لا تري لأن التي تري وقتيه, أما التي لا تري فأبدية 2 كو 4:18وأن بقينا شاخصين إلي السماء, ناظرين إلي غير المرئيات, وقد صار كل كنزنا في السماء, حينئذ سنقول مع الرسول: لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذلك أفضل جدا في 1 : 23.
في صعود الرب أيضا, يمكننا أن نتأمل في عظمته ومجده وهذا التأمل يغرس في قلوبنا مشاعر عميقة منها:
1 – نشعر براحة واطمئنان, إذ أننا في رعاية إله عظيم هكذا, كل عظمة ضده لا قيمة لها, وهكذا نثق بوعده للكنيسة أن أبواب الجحيم لن تقوي عليها مت 16 : 18 وقوله لها كل آلة صورت ضدك لا تنجح 1 ش 54 : 17, وقوله للقديس بولس لا تخف.. لأني أنا معك ولا يقع بك أحد ليؤذيك 1 ع 18 : 10,9. وهكذا نتعزي بعظمة الرب, ونتكل عليها, ونحتمي بها.
2 – تذكر عظمة الرب, منحنا مشاعر الخشوع والخشية وعدم الاستهانة, وعظمة الرب تدفعنا إلي الحياة والطاعة وإلي حياة التدقيق, وإلي مخافة الرب التي هي بدء الحكمة أم 9 : 10 ورأس الحكمة مز 111 : 10 وكل هذا يقودنا إلي الحرص في كل تصرفاتنا, لتكون نقية قدامه.
3 – والتأمل في عظمة الرب يقودنا إلي حياة الاتضاع وإلي تمجيد الرب, فمن نحن أمام هذا الصاعد إلي السماء, الجالس عن يمين الآب مز 110 : 1 1 ع 7 : 56 عب 1 : 3 الذي ليست السموات طاهرة قدامه, وإلي ملائكته ينسب حماقة أي 4 : 18 وحينما نري أن الرب في كل عظمته كان وديعا ومتواضع القلب مت 11 : 29, حينئذ تنسحق أنفسنا ونتعلم التواضع وحينما نتأمل عظمة الرب في صعوده إلي السماء وجلوسه عن يمين الآب, نقول له في اتضاع ليست الأرض يا رب مكانك. أنها موطئ قدميك مت 5 : 35 أما السماء يارب فهي عرشك الذي صعدت إليه مت 5 : 34 كرسيك يا الله إلي دهر الدهور قضيب الاستقامة هو قضيب ملكك عب 1 : 8 أما نحن, فاننا تراب حب عظيم منك أن تجذبنا إليك, ونكون معك ومع ملائكتك حقا أنك أنت المقيم المسكين من التراب, والرافع البائس من المزبلة ليجلس مع رؤساء شعبك مز 113 : 7.
إن صعود الرب كان خاتمة عبارة أخلي ذاته..
قيلت هذه العبارة في تسجده لأجل فدائنا أخلي ذاته, وأخذ صورة العبد, صائرا في شبه الناس, وإذ وجد في الهيئة كأنسان وضع نفسه وأطاع حتي الموت, موت الصليب في 2 : 8,7 أما الآن, وقد قام بعمل الفداء, وقال قد أكمل, وداس الموت, وقام, ثم صعد إلي السماء وجلس علي يمين العظمة في الأعالي عب 1 : 3. فقد انتهت عبارة أخلي ذاته لذلك حينما يأتي في مجيئه الثاني سيأتي بمجده ومجد الآب لو 9 : 26. نعم سيأتي في مجد أبيه مع ملائكته مت 16 : 27 له المجد الدائم إلي الأبد, آمين.
قداسة مثلث الرحمات المتنيح البابا شنودة الثالث
المزيد
12 يونيو 2024
تأملات فى عيد الصعود
تحتفل الكنيسة بعيد الصعود يوم الخميس في اليوم الأربعين لقيامة الرب، ونود أن نتأمل معاً ما في هذا العيد من معان روحية حتى نحتفل به في عمق، وفى فهم لما يحويه من أيحاءات قضى المسيح مع تلاميذه أربعين يوماً بعد القيامة، وفي يوم الأربعين ودعهم، ووعدهم بأنهم سينالون قوة متى حل الروح القدس عليهم (أع١: ٨) ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم، وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق - وقف بهم ملاكان وقالا لهم "ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه (أع١: ٩- ١١) فما هو تأملنا في هذا الصعود ؟
عيد الصعود عيد سيدى معجزته خاصة بالسيد المسيح وحده أى أنه يشمل معجزة لم تحدث مع أحد من البشر، وإنما كانت للسيد الرب وحده مثل الميلاد العذراوى، ومثل قيامته بقوة لاهوته وخروجه من القبر المغلق، ومثل التجلى على جبل طابور كذلك صعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الأب لقد صعد بذاته، وليس مثل ايليا النبى الذى أخذته مركبة نارية فصعد فيها (۲مل ۲ :۱۰ ،۱۱) ولا مثل أخنوخ الذي لم يوجد لأن الله أخذه" (تك ٥: ٢٤) أما السيد المسيح فصعد بقوته، دون أية قوة خارجية فكما قام بقوته وحده ، دون أن يقيمه أحد، هكذا صعد بقوته كانت فيه قوة الصعود ، كما كانت فيه قوة القيامة وفي كلتيهما ظهر مجده .
كيف كان الصعود
لقد كان صعوداً بالجسد ، بالناسوت : فاللاهوت لا يصعد ولا ينزل. إنه مالئ الكل موجود في السماء وفي الأرض، وفى ما بينهما فكيف يصعد إلى السماء وهو فيها؟! وكيف يترك الأرض إلى السماء، وهو باق في الأرض أثناء صعوده؟! إذن لابد أن نقول إن السيد المسيح قد صعد بالجسد المتحد باللاهوت) وهذا ما نقوله له في صلاة القداس الغريغورى وعند صعودك إلى السماء جسديا.." .
كان صعود الرب في السحاب :
ارتفع وهم ينظرون، واخذته سحابة عن أعينهم (أع١ : ۹) صعد على سحابة في مجد، كما سيأتي ايضاً في مجيئه الثاني على السحاب في مجد وهكذا قال لرؤساء الكهنة أثناء محاكمته قبل الصلب من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء (مت ٢٦: ٦٤) وهذه العبارة تضيف أنه كان من أمجاد الصعود الجلوس عن يمين الآب والسحاب في الكتاب المقدس كان يرمز إلى مجد الرب وحلوله. ففي قصة مباركة السبعين شيخاً كمساعدين لموسى النبي، يقول الرب عن "موسى" فنزل الرب في سحابة وتكلم معه وفي الإنتهاء من إقامة خيمة الاجتماع، قال الوحي الإلهى ثم غطت السحابة خيمة الإجتماع، وملأ بهاء الرب المسكن فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الاجتماع، لأن السحابة حلت عليها، وبهاء الرب ملا المسكن (خر ٤٠: ٣٤ ، ٣٥) وفي العهد الجديد قيل بعد معجزة التجلى وإذا سحابة قد ظللتهم، وصار صوت من السحابة : هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا (لو ۹: ٣٥) (مر ۹ :۷) .
قداسة مثلث الرحمات المتنيح البابا شنودة الثالث
عن كتاب تأملات فى عيد الصعود
المزيد
29 مايو 2024
روحياتك في الخماسين
حقا إن أيام الخماسين أيام فرح، وليس فيها صوم ولا مطانيات حتى في يومي الأربعاء والجمعة ولكن في الفرح أيضًا، يمكن أن نكون روحيين وإلا كيف سنكون روحيين في الفردوس وفي ملكوت السموات حيث النعيم الدائم..؟!ما تفقده من الصوم والمطانيات يمكن أن تعوضه بمزيد من الصلاة ومزيد من القراءات الروحية ومن التأمل ومن الألحان والتراتيل عملا بقول الكتاب "أمسرور أحد بينكم فليرتل" ويمكن أن تتغذى بالتأمل في محبة الله التي صنعت كل هذا الخلاص محبة الرب الذي شاء أن يقضى مع تلاميذه أربعين يوما بعد القيامة، يلتقي بهم ويحدثهم عن "الأمور المختصة بملكوت الله" (اع1: 3) تدرب في هذه الفترة على الحديث مع الرب والتواجد في حضرة الله بالمزامير والصلوات الخاصة وصلوات الشكر على خلاص الله العجيب مع البعد عن أي شيء يعوق وجودك في الحضرة الإلهية عش في حياة الفرح بالرب ولكن لا تجعل فرحك فرحا جسدانيًا بالتسيب الزائد في الأكل فالإفطار ليس معناه التمادي في شهوة الطعام استخدم ضبط النفس أيضًا في حالة عدم الصيام .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
22 مايو 2024
القيامة تعزية ورمز
1- إن كلمة القيامة كلمة جميلة ، فيها تعزية للقلوب .
ولا شك أن قيامة المسيح كانت معزية لتلاميذه، وكانت لازمة لهم ، لتثبيت إيمانهم ولبناء الكنيسة وأتذكر أنني في هذا المعنى، كنت منذ أكثر من أربعين سنة، قد كتبت قصيدة قلت في مطلعها :
قم حطم الشيطان لا تبقى لدولته بقية
قم أنقذ الأرواح من قبر الضلالة والخطية
قـــــــم روّع الحـراس وابـهرهم بطلـــعتك البـــهية
قم قو إيمان الرعا ة ولم أشتات الرعية
واكشف جراحك مقنعاً توما فريبته قوية
واغفر لبطرس ضعفه وامسح دموع المجدلية
وقد كان هذا ، وفى قيامة السيد المسيح ، عزى تلاميذه،وفرحوا بقيامته، وآمنوا بالقيامة، وبأنها ممكنة . وآمنوا أنهم أيضاً سيقومون بعد الموت، فمنحهم كل هذا عزاء في حياتهم وعدم خوف من الموت على أني أريد اليوم أن أطرق موضوع القيامة من ناحية أخرى ، وهي: القيامة كرمز
2- القيامة هي رمز للتوبة :
أو التوبة تشبه بالقيامة :
فنحن نعتبر أن الخطية هي حالة من الموت، وأقصد الموت الروحي وكما قال القديس أوغسطينوس "إن موت الجسد، هو انفصال الجسد عن الروح أما موت الروح ، فهو أنفصال الروح عن الله " فالله هو ينبوع الحياة ، أو هو الحياة الكلية كما قال في الإنجيل «أنا هو الطريق والحق والحياة» (يو ١٤ : ٦ ) « أنا هو القيامة والحياة » ( يو١١ : ٢٥ ) من يثبت في الله يكون بالحقيقة حياً. ومن ينفصل عن الله يعتبر ميتاً والخطيئة هي أنفصال عن الله، لأنه لا شركة بين النور والظلمة ( ٢ كو٦ :١٤) فالخاطيء إذن هو ميت روحياً، مهما كانت له أنفاس تتحرك وقلب ينبض قد يكون جسده حياً ولكن روحه ميته وهكذا في مثل الابن الضال، الذي شرد بعيداً عن أبيه ثم عاد إلى ، قال عنه أبوه في هذه التوبة : ابنى هذا كان ميتا فعاش. وكان ضالاً فوجد ( لو ١٥ : ٢٤) وقيل في الكتاب عن الأرملة المتنعمة إنها ماتت وهي حية » ( اتى ٥ : ٦) وقال القديس بولس الرسول لأهل أفسس « إذ كنتم بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلاً » (أف ۲ : ۱) وقال أيضاً ونحن أموات بالخطايا ، أحياناً مع المسيح وأقامنا معه، وأجلسنا معه فى السماويات » ( أف ٢ : ٥) وقال السيد المسيح موبخاً راعي كنيسة ساردس : إن لك إسماً أنك حى، وأنت ميت » (رؤ۳ : ۱) فحياته الظاهرية حياة حقيقية، لأن الحياة الحقيقية هي الحياة مع الله ، أو الحياة في الله ، هي الحياة في الحق، وفي النور والبرأما ذلك الخاطيء، فإن له إسماً أنه حي، وهو ميت لذلك كنت أقول في معنى الحياة الحقيقية :"أحقاً نحن أحياء ؟ " إن الحياة لا تقاس بالسنين والأيام، وإنما بالفترات الروحية الحلوة التي نقضيها مع الله هي وحدها التي تحسب لنا، والتي يقاس بها عمرنا الروحى، وبها يكون تقرير مصيرنا في يوم القيامة لذلك أيها الأخ بماذا تجيب حينما يسألك الملائكة كم هي أيام عمرك على الأرض ؟ هل ستحسبها بالجسد أم بالروح ؟ ومع ذلك ، فإن الخاطيء المعتبر ميتاً : إذا تاب تعتبر توبته قيامة وعن هذا المعنى يقول القديس بولس الرسول للخاطيء الغافل عن نفسه « استيقظ أيها النائم، وقم من الأموات، فيضيء لك المسيح» (أف٥: ١٤) مشبهاً التوبة هنا، بأنها يقظة روحية،وأنها قيامة من الأموات وقد ذكر الإنجيل للسيد المسيح ثلاث معجزات أقام فيها أمواتاً ويمكن إعتبار كل منها رمزاً لحالة من التوبة :أقام إبنة يايرس وهي ميتة في بيت أبيها (مر:٥)وأقام إبن أرملة نايين من نعشه في الطريق (لو٧) وأقام لعازر وهو مدفون في القبر من أربعة أيام وكانت كل إقامة من هذه الأحداث الثلاثة تحمل رمزاً خاصاً في حالات التوبة :-
أ - إبنة بايرس وهى فى البيت، ترمز إلى الذي يخطىء وهولا يزال في بيت الله ، فى الكنيسة، لم يخرج منها ولم يخرج عنها ولذلك قال السيد عن إبنة يايرس إنها لم تمت ، ولكنها نائمة » (مره :۳۹). ولما أقامها أوصاهم أن يعطوها لتأكل( مره : ٤٣ ) لأن هذه النفس تحتاج إلى غذاء روحي يقويها ، حتى لا تعود فتنام مرة أخرى .
ب - أما ابن أرملة نايين وهو ميت محمول في نعش فهذا ميت خرج من البيت ترك بيت الله، وأمه تبكى عليه ، أي تبكى عليه الكنيسة أو جماعة المؤمنين هذا أقامه المسيح، ثم دفعه إلى أمه» (لو٧: ۱٥). أرجعه إلى جماعة المؤمنين مرة أخرى.
ج - لعازر المدفون في القبر ، يرمز إلى الحالات الميئوس منها حتى أن أخته مرثا لم تكن تتخيل مطلقاً أنه سيقوم. وقالت للسيد قد أنتن، لأن له أربعة أيام » (يو١١: ۳۹). إنه يرمز للذين ماتوا بالخطية، وتركوا بيت الله ، بل تركوا الطريق كله ، ومرت عليهم مدة طويلة فى الضياع، ويئس من رجوعهم حتى أقرب الناس إليهم. ومع ذلك أقامه المسيح، وأمر أن يحلوه من الرباطات التي حوله (يو ١١ : ٤٤). فمثل هذا الإنسان يحتاج أن يتخلص من رباطاته التي كانت له في القبر كل هذه أمثلة تدعونا إلى عدم اليأس من عودة الخاطيء ،فلابد أن له قيامة إنني في مناسبة قيامة السيد المسيح ، أقول لكل خاطيء يسعى إلى التوبة :
قام المسيح الحى هل. مثل المسيح تراك قمت
أم لا تزال موسداً. في القبر ترقد حيث أنت
والحديث عن القيامة من الخطية، هو نفس الحديث عن القيامة من أية سقطة وقد يحتاج الأمر إلى دعوة للقيامة ، أي إلى حافز خارجي مثال ذلك كرة تدحرجت من على جبل تظل هذه الكرة تهوى من أسفل إلى أسفل، دون أن تملك ذاتها ، أو تفكر في مصيرها . وتظل تهوى وتهوى تباعاً ، إلى أن يعترض طريقها حجر كبير، فيوقفها ، وكأنه يقول لها إلى أين أنت تتدحرجين ؟! وماذا بعد ؟! »فتقف إنها يقظة أو صحوة بعد موت وضياع تشبه بالقيامة أو مثال ذلك أيضاً فكر يسرح فيما لا يليق كإنسان يسرح في فكر غضب أو أنتقام، أو في خطة يدبرها ، أو في شهوة يريد تحقيقها ، أو فى حلم من أحلام اليقظة ويظل ساهماً في سرحانه، إلى أن يوقفه غيره، فيستيقظ إلى نفسه،و يتوقف عن الفكر. إنها يقظة أو صحوة ، أو قيامة من سقطة .
3- هناك أيضاً القيامة من ورطة، أو من ضيقة : قد يقع إنسان فى مشكلة عائلية أو اجتماعية يرزخ تحتها زمناً ، أو في مشكلة مالية أو اقتصادية لا يجد لها حلاً أو تضغط عليه عادة معينة لا يملك الفكاك من سيطرتها أو تملك عليه جماعة معينة أو ضغوط خارجية، لا يشعر معها بحريته ولا بشخصيته ، ولا بأنه يملك إرادة أو رأياً وفي كل تلك الحالات يشعر بالضياع، وكأنه في موت ، يريد أن يلتقط أنفاسه ولا يستطيع إلى أن تفتقده عناية الله وترسل له من ينقذه، فيتخلص من الضيقة التي كان فيها ولسان حاله يقول : "كأنه قد كتب لى عمر جديد ". أليست هذه قيامة ؟
إنها حقاً كذلك .
4- القيامة هي حياة من جديد . ما يسمونه بالإنجليزية Revival
حياة جديدة يحياها إنسان، أو تحياها أمة أو دولة ، أو أية هيئة من الهيئات أو يحياها شعب بعد ثورة من الثورات التي تغير مصيره إلى أفضل، وتحوله إلى حياة ثانية، حياة من نوع جديد فيشعر أن حياته السابقة كانت موتاً ، وأنه عاد يبدأ الحياة من جديد و يود أن حياته السابقة لا تحسب عليه إنما تحسب من الآن هذه القيامة رأيناها في حياة الأفراد، ورأيناها في حياة الأمم رأيناها في أوروبا بعد عصر النهضة والانقلاب الصناعي، ورأيناها في فرنسا بعد الثورة الفرنسية المعروفة ورأيناها في روسيا بعد اعلان البروستوريكا ورأيناها أيضاً في الهند على يد غاندي، وأيضاً في كل دولة تخلصت من الاستعمار أو الاحتلال أوالانتداب ورأيناها في مصر ، مرة بعد التخلص من حكم المماليك، ومرة أخرى بعد ثورة ۱۹۱۹م، ومرة ثالثة بعد سنة ١٩٥٢ كما رأيناها كذلك في الثورة الاقتصادية أو فى النهضة الاقتصادية التي قادها طلعت حرب إن القيامة يا اخوتى ، ليست هى مجرد قيامة الجسد إنما هناك حالات أخرى كثيرة توحى بها القيامة، أو تكون القيامة رمزاً لها وتبدو فيها سمات حياة أخرى .
٥- ونحن نرجو من الله أن يجعل سمات القيامة في حياتنا باستمرار عمليات تجديد وحياة أخرى تسرى في دمائنا أفراداً أو هيئات كما قيل عن عمل الله في الإنسان إنه « يجدد مثل النسر شبابه» (مز ۱۰۳) . وأيضاً كما قيل في نبوءة اشعياء « وأما منتظرو الرب، فيجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون » (أش ٤٠ : ٣١ ) .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد