المقالات

25 أكتوبر 2021

المعمودية والاستنارة

«ولكن تذَكَّروا الأيّامَ السّالِفَةَ الّتي فيها بَعدَما أُنِرتُمْ صَبَرتُمْ علَى مُجاهَدَةِ آلامٍ كثيرَةٍ» (عب10: 32):المعمودية والاستنارةربط الآباء بين المعمودية والاستنارة، اعتمادًا على ما ورد في الكتاب المقدس عنها، وأسموها "سر الاستنارة"، فهي تنقلنا من مملكة الشيطان (مملكة الظلمة) إلى مملكة المسيح (مملكة النور). وكما أن المعمودية هي موت وقيامة مع المسيح، فهي بالتالي انتقال من ظلمة القبر إلى نور القيامة، لذلك يقول القديس أغسطينوس: "فإذا كانت المعمودية هي التمتُّع بقيامة الرب فينا، لذا فقد دُعِي هذا السر: ’استنارة‘." ويقول القديس كيرلس الأورشليمي في مقدمة عظته الأولى للمُعمَّدين: "عظة للذين سيستنيرون في أورشليم"؛ يقصد الذين سيتعمّدون.وقد اُستُخدِم اصطلاح "استنارة" للمعمودية بدايةً من القرن الثاني الميلادي، من قِبَل القديسين: يوستينوس وكليمندس السكندري وأغسطينوس ويوحنا ذهبي الفم وغريغوريوس النزينزي، وغيرهم، بل وترد الآية «لأنَّ الّذينَ استُنيروا مَرَّةً...» (عبرانيين 6: 4) في النسخة السريانية: "الذين نزلوا مرّة إلى المعمودية..." كما دُعِي عيد عماد السيد المسيح بـ"عيد الأنوار"، ونقرأ أن المعمدين قديمًا اعتادوا أن يحملوا الشموع أو السُرُج أو المشاعل بعد خروجهم من جرن المعمودية مباشرة، وكان المُعمَّدون – وما يزالون – يرتدون الملابس البيضاء، وتُحمَل لهم الشموع بعد معموديتهم. وفي القرن الأول الميلادي كان الخورس يرتِّل ترتيلة للمُعمَّدين حال خروجهم من جرن المعمودية، أشار إليها القديس بولس: «لذلكَ يقولُ: استَيقِظْ أيُّها النّائمُ وقُمْ مِنَ الأمواتِ فيُضيءَ لكَ المَسيحُ» (أفسس 5: 14)، وقال بعض المفسِّرين إنه اقتباس من إشعياء النبي القائل: «قومي استَنيري لأنَّهُ قد جاءَ نورُكِ...» (إشعياء 60: 1). ويذكر العلّامة جيروم أن واعظًا في أيامه تخيّل أن هذا النداء قد وُجِّه إلى آدم وهو في الجلجثة ليقوم من رقدته، فالمسيح سينير له.ولعل ارتباط الثياب البيض بالزنّار الأحمر، هو التأكيد على ارتباط دم الصليب بنور القيامة، وكما يخرج الإنسان من ظلمة الرَحِم إلى نور الحياة، هكذا يخرج الإنسان من قبر المعمودية إلى نور الحياة مع المسيح، وإن كُنّا نتألم معه فلكي نتمجّد معه أيضًا؛ يقول القديس غريغوريوس النزينزي: "المعمودية هي ابنة النهار، فتحت أبوابها فهرب الليل الذي دخلت إليه الخليقة كلها!"ولعلنا نلاحظ أن الكنيسة المُلهَمة بالروح القدس في ترتيب آحاد الصوم الكبير، تفرأ في قداس أحد التناصير إنجيل المولود أعمى (يوحنا 9)، قد أرادت أن تربط بين الاستنارة التي ننالها في المعمودية والمجد الذي سيأخذنا اليه المسيح بدءًا من دخوله الانتصاري (أحد الشعانين) إلى صلبه (والذي أسماه "مجدًا" أيضًا إذ يقول: «... لأنَّ يَسوعَ لَمْ يَكُنْ قد مُجِّدَ بَعدُ» أي صُلِب). في هذا الاصحاح (يوحنا 9) نلاحظ أن المولود أعمى حالما اغتسل في سلوام (إشارة إلى المعمودية) «أتَى بَصيرًا» ومن ثَمّ استنار عقله، وراح يوبِّخ اليهود المحتجّين واعظًا إياهم: «... ونَعلَمُ أنَّ اللهَ لا يَسمَعُ للخُطاةِ. ولكن إنْ كانَ أحَدٌ يتَّقي اللهَ ويَفعَلُ مَشيئَتَهُ، فلهذا يَسمَعُ. منذُ الدَّهرِ لَمْ يُسمَعْ أنَّ أحَدًا فتحَ عَينَيْ مَوْلودٍ أعمَى. لو لَمْ يَكُنْ هذا مِنَ اللهِ لَمْ يَقدِرْ أنْ يَفعَلَ شَيئًا». (يوحنا 9: 31-33).إن المعمودية هي سر استنارة الكنيسة، والاستنارة هي العطية التي تُمنَح لنا من خلالها، ونحصل على الاستنارة من الروح القدس المرتبط بالمعمودية (سر التثبيت)، وبالتالي فالمُعمَّد الذي استنار بالروح القدس يصبح من ثَمّ قادرًا على التمييز بين الخير والشر، أو الجيد والرديء، وكذلك الأمور المتخالفة، وفي هذا الصدد يقول القديس باسيليوس الكبير عن الروح القدس إنه "مصدر القداسة والنور العقلي والذي يهب كل الخليقة الاستنارة لفهم كل شيء". وفي صلاة باكر يوميًا تذكِّرنا الكنيسة مع إشراقة النور (موعد هذه الصلاة) بالاستنارة التي حصلنا عليها من المعمودية، إذ نقرأ ما كتبه القديس بولس: «رَبٌّ واحِدٌ، إيمانٌ واحِدٌ، مَعموديَّةٌ واحِدَةٌ» (أفسس 4: 5)، لكي نسلك في النور خلال اليوم.وبالمعمودية، وبصيرورتنا أبناء للمسيح إذ تمنحنا المعمودية التبنّي، نسير في النور، لأن المسيح هو النور ومن يتبعه لا يسلك في الظلام: "الله هو نور، وساكن في النور، وتسبّحه ملائكة النور" (ثيئوتوكية الاثنين)، وعندما قال القديس بولس: «لأنَّ كُلَّكُمُ الّذينَ اعتَمَدتُمْ بالمَسيحِ قد لَبِستُمُ المَسيحَ» (غلاطية 3: 27)، فإنهم بذلك يلبسون النور كحُلَّة لأن الله هو النور. ويقول القديس بولس: «لأنَّ اللهَ الّذي قالَ: أنْ يُشرِقَ نورٌ مِنْ ظُلمَةٍ، هو الّذي أشرَقَ في قُلوبنا، لإنارَةِ مَعرِفَةِ مَجدِ اللهِ في وجهِ يَسوعَ المَسيحِ» (2 كو 4: 6).كذلك صرّح السيد المسيح: «إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنْ فوقُ لا يَقدِرُ أنْ يَرَى ملكوتَ اللهِ... إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنَ الماءِ والرّوحِ لا يَقدِرُ أنْ يَدخُلَ ملكوتَ اللهِ» (يوحنا 3: 3 و5)، ويرى بعض الشُرّاح أن الأطفال الذين لم يتعمّدوا سيوجدون في الملكوت ولكنهم لن يقدروا أن يعاينوا مجد الله. وهكذا فالأعين العمياء أبصرت بالمعمودية، لأنه في المعمودية ينال الإنسان الطبيعة الجديدة، فكل إنسان يولد أعمى ولا يقدر أن يرى ملكوت الله، أما بعد عماده تنفتح عيناه فالمعمودية هي الاستنارة لمعاينة ملكوت الله، ولعلنا نتذكر هنا كيف أن القديس بولس عندما تأهّب ليعتمّد «فللوقتِ وقَعَ مِنْ عَينَيهِ شَيءٌ كأنَّهُ قُشورٌ، فأبصَرَ في الحالِ، وقامَ واعتَمَدَ» (أعمال 9 : 18).يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن المُعمَّدين الجُدد إنهم "يضيئون أكثر من النجوم وأكثر ضياءً، حيث ينيرون في النهار والليل، ويضيئون وجوه من يتطلّعون إليهم"، وقد استخدم الرب يسوع الشمس ليشير إلى ضياء الأبرار (متى 13: 43).ويرى الآباء أن المعمودية في هذه الآية - والتي هي الاستنارة - هي المدخل لكل النعم «لأنَّ الّذينَ استُنيروا مَرَّةً، وذاقوا المَوْهِبَةَ السماويَّةَ، وصاروا شُرَكاءَ الرّوحِ القُدُسِ، وذاقوا كلِمَةَ اللهِ الصّالِحَةَ وقوّاتِ الدَّهرِ الآتي، وسقَطوا، لا يُمكِنُ تجديدُهُمْ أيضًا للتَّوْبَةِ، إذ هُم يَصلِبونَ لأنفُسِهِمْ ابنَ اللهِ ثانيَةً ويُشَهِّرونَهُ» (عبرانيين 6: 4-6)، ومرة أخرى يقول: «ولكن تذَكَّروا الأيّامَ السّالِفَةَ الّتي فيها بَعدَما أُنِرتُمْ صَبَرتُمْ علَى مُجاهَدَةِ آلامٍ كثيرَةٍ» (عبرانيين 10: 32) ويقصد بالطبع المعمودية، والتي جعلتهم في معيّة المسيح، وكل من يتبع المسيح لابد وأن يحمل الصليب، ويصبر على التجارب.إنه سر الاستنارة وإدراك أمور الله، كما أشار القديس بولس قائلاً: «مُستَنيرَةً عُيونُ أذهانِكُمْ، لتَعلَموا ما هو رَجاءُ دَعوَتِهِ، وما هو غِنَى مَجدِ ميراثِهِ في القِدّيسينَ، وما هي عَظَمَةُ قُدرَتِهِ الفائقَةُ نَحوَنا نَحنُ المؤمِنينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قوَّتِهِ» (أفسس 1: 18، 19).ويقول القديس غريغوريوس النزينزي في عظته الأربعين عن المعمودية:"الآن لنتكلم عن الميلاد الثاني، الذي هو لازم وضروري لنا، والذي يعطى اسمه (الاستنارة) لعيد الأنوار الذي هو عيد الغطاس، فالاستنارة هي مجد النفس وتحوُّل الحياة، وهي معين ضعفنا، وإنكار اللحم (الجسد) واتباع الروح، وشركة الكلمة وتجدُّد الخليقة، وسحق الخطية وشركة النور، وانحلال الظلمة هو الانطلاق نحو الله، وهي الموت مع المسيح، وكمال العقل وقوة الإيمان ومفتاح الملكوت، وتغيير الحياة وإلغاء العبودية، وفكاك السلاسل وإعادة صياغة الانسان... الاستنارة هي أعظم وأمجد عطية لله، وكما نقول قدس الأقداس ونشيد الأناشيد لنعبِّر عن أعظم قدس وأعظم نشيد، هكذا الاستنارة باعتبارها أكثر قداسة من أيّة إنارة". نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
19 يوليو 2021

فضيلة الوداعة

الفضيلة ليست تفضل من الانسان، ولكنها فيض، فقد امتلأ بنعمة ما وفاضت النعمة فخرجت للآخرين " فاض قلبي بكلام صالح" (مزمور 45 : 1) فالوديع مثلا انسان امتلأ قلبه بالوداعة ففاضت منه فى الخارج، ولذا فالفضيلة هى عمل روحى داخلى، ظهر فى ملامح الانسان .. انها عمل للروح القدس، وألا ُحسبت ابتسامات المطاعم والطائرات والدعاية والاعلان فضائل، كلاّ ولكنها مهنة. بعض الفضائل يظهر فى سلوك الناس، مثل احترام الآخرين .. أو الصبر، والبعض الآخر يكون في الفكر (التفكير) مثل الاتضاع، والعض الآخر يظهر فى ملامحهم مثل الوداعة ..البشاشة. والوداعة تختلف عن الاتضاع، لأن المتضع فد يكون صامتاً من الخارج .. بل نعرف الكثير من القديسين كانوا جادين .. حارين فى الروح، وآخرين اجتذبوا ببشاشتهم الكثيرين إلى الحياة النسكية مثل القديس أبوللو صديق القديس أبيب .. والقديس مكاريوس السكندرى وغيرهم .. ورغم ما يقال عن أن السيد المسيح لم يضحك أبداً بل بكى، فإنه من المؤكد أنه كان لطيفا بشوشاً أليس هو القائل بفمه الطاهر "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب" ولكن الضحك غير البشاشة والوداعة .. وبالطبع لا أقصد بالبشاشة تلك الابتسامة الصفراء أو التى ليس لها معنى. علامات الوداعة: الإنسان الروحي عليه صورة المسيح الوديع المتواضع القلب، كما أن وداعته انعكاس لعمل الروح فى قلبه، فهو بسيط غير ماكر .. (أي مستريح من الداخل) يقول القديس باخوميوس (منظر الانسان الوديع المتواضع القلب، هو أجمل ما يمكن أن تنظر العين وعن افضل من هذا المنظر لا تبحث .. الوديع هو شخص مريح القسمات .. بعكس شخص آخر تشعر بأن عليه غضب الله، فى الكنيسة يمثل العبادة المفرحة .. والمسيح المبهج .. تصوروا لو أن خادم أو خادمة يعود من الكنيسة إلى البيت فيجدونه عصبياً لا يتكلم، قاسي الوجه حديدى الملامح .. فهم سيعثرون فى الكنسية والخدام .. ومع ذلك فليس من اللائق أن تكون له تلك الابتسامة التى تثير الغيظ والحنق !! بل أن الوداعة تمجد الانسان مثل اكليل يتجلى به "يابنى مجد نفسك بالوداعة واعط لها من الكرامة ماتستحق" سيراخ 31:10) ويقول سيراخ أيضا "الإيمان والوداعة يغمران صاحبهما بالكنوز"(سيراخ 35:1) وحسبما ورد في كتاب الدرجي فإن الغضب له درجات: الغضب = بغض مكتوم وهو شهوة الإساءه لمن أغضبك. الغيظ = اشتعال القلب بغتة. الحنق = تحول الاخلاق بسرعة وجعل النفس قبيحة. فى حين أن كل مرارة وغضب يزولان برائحة التواضع .. 3 - منابع الوداعة: الوداعة هى رداء المسيح وبالتالى المسيحى، لذلك يقول القديس بولس "فالبسوا كمختارى الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناه" (كو 12:3). والوديع لابد أن يكون مستريحاً من الداخل، بلا شر، فالشرير لا يمكن أن يكون وديعاً، قد يجتهد أن يكونمهزارا وهناك فرق بين الوداعة والهزر السخيف والنكات الخارجة.ً عموماً فإن هذه الفضيلة تحتاج إلى طلب بحرارة من الله، لأن الابتسامة السريعة أو المرسومة يمكن ممارستها بالتدريب (مثل السياسيين والدبلوماسيين والمضيفين وغيرهم) ولكن الملامح المريحة تعكس قلباً يفيض بالهدوء والفرح .. 4- الخادم والأب الوديع: عندما تكلم الشاب الغنى مع المسيح، نظر إليه يسوع وأحبه .. أنها نظرة الحنو والوداعة لخادم تجاه مخدومه، والخادم بوادعته يقدر أن يكسب للمسيح أكثر مما يكسب بلباقته وعلمه، لأنه بذلك يقدم صورة المسيح الوديع ( مثلما حدث في حواره مع السامرية) هكذا الخادم مع المخطئ، فالتبكيت والتأنيب اللازع لن يجدى بقدر الشرح وعرض أبعاد المشكلة، كما أن النصح المخلص أفضل من التهكم والسخرية .. "أيها الاخوة إذا أنزلق انسان فأخذ فى زلة ، فأصلحو انتم الروحانين مثل هذا بروح الوداعة" .. (غلاطية 1:6). مثل الأب الذى ينتهر طفله فيبكى الطفل ليس بسبب الكلام (أو حتى الضرب) وانما بسبب ملامح أبيه القاسية وصوته المرعب .. أو الأم التى تنتهر ابنها بالشتائم .. أو ترضعه وهى غاضبة فقد يصاب بالتسمم .. يقول بن سراخ: "انفعال الانسان بالغضب يقوده إلى السقوط" (سيراخ 21:1) لقد قال الكتاب عن موسى النبى كخادم "كان الرجل موسى حليما جدا اكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عدد 13:12) من المتوقع أن يخطئ الناس ولكنه من الواجب على الراعى احتمالهم وتعليمهم بصبر ووداعة وأبوة وأمومة حلوة. "مؤدباً بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق"(2 تيمو 25:2). بل حتى الموظف والبائع والمذيع يتدربون طويلاً كيف يتعاملون مع الجمهور بلطف ويحتملون سخافاته وكثرة أسثلته واستبداله للبضاعة، بل يبادر بعرض أصناف أخرى بمزياها (هذه لك خصيصا ً.. وهذه احتفظت بها لك .. وهذه تناسبك ..) وقد يزدحم مكان بسبب لطف البائع الذى فيه .. وابتسامته المشرقة التى يوزعها هنا وهناك .. (ومع ذلك فقد يعود إلى البيت مهموماً لا يطيق أسئلة أولاده ولا استفسارات زوجته، كيف وهو صاحب الابتسامة العريضة !.. إنه عمل .. ودور يؤديه مقابل أجر، مثل الممثل الكوميدى .. يسعد الجماهير .. وقد لا يكون سعيدا بسبب صحته .. أو زوجته .. أو أولاده .. الخ. هكذا المذيع الذى يعود إلى القسمات الطبيعية لوجهه طالما ينتهى البرنامج، هكذا الموظف الذى يتعامل مع الجمهور .. لا سيما فى الشركات الخاصة أما أولئك فمن أجل الاجر والمال والكرامة الزمنية واحراز شعبية بين الجمهور. أما نحن كخدام فمن أجل المسيح الوديع والروح الذى انسكب بغنى فى قلوبنا. 5- ولكن هل يغضب الوديع ؟ : يقول القديس بولس "ماذا تريدون أبعصا أتى إليكم أم بالمحبة وروح الوداعة" (1كو 21:4 ) فإذا غضب لابد وأن يكون لأمر خطير، وسيكون غضبه مقدساً وليس ثأرا لكرامته هو. ولا يثور لكن يعلن رفضة بهدوء، الوديع إذا غضب سيكون مثل الطفل الذى ما أن يغضب حتى يصفو ويهدأ ويبتسم، بعكس الشرير، يقول مار اسحق (من السهل عليك أن تحرك جبلا من مكانه فى حين ليس من السهل أن تحرك الانسان الوديع عن هدوئه) وأخيرا:ًاأطلب من الله بإلحاح أن يطبع عليك صورته ويهبك هذا الروح الوديع الهاديء " الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن (1بط 3 : 4) يقول القديس يوحنا الدرجى (فالروح القدس هو سلام النفس، والغضب اضطراب القلب، فلا شئ يمنع حضور الروح القدس فينا مثل الغضب) وتذكر قول الآباء: (لا تحزن أحداً من الناس قبل رحيلك إلى الرب) وعندما تجد نفسك غاضبا وقد يؤذى منظرك الآخرين، لا سيما وقد اعتادوا على رؤيتك بشوشاً، اعتزل لبعض الوقت حتى تهدأ، وربما كان من المفيد الترتيل فقد يزيل الغضب، وبكت نفسك على غضبك، يقول يوحنا الدرجى (كما أن الماء المنسكب على النار يطفئها هكذا المسكنة الحقيقية ُتطفىء لهيب الغضب والغيظ). نيافة الحبر الجليل انبا مكاريوس اسقف المنيا وتوابعها
المزيد
26 يوليو 2021

الحكمة

هي أجمل العطايا وأعظم المواهب. هي التمييز بين الأمور المتخالفة. وهي الإفراز بين الجيد والرديء. هي الربان الحكيم لسفينة الحياة. هي الشيبة الصالحة الوقورة. هي موهبة سمائية. وهي حلو الكلام، وعذوبة الحديث، وُحسن المنطق. إنها مفتاح الغنى. وحقن للدماء. هي مجلبة الصداقة النافعة. وهي بوابة الملوك والعظماء. ومجلبة الكرامة والمجد. الفقير بالحكمة يغتني والكثير المال بجهله يفتقر. فيها الراحة وفيها الخير. هي أفضل ما يطلبه الإنسان. هي الحافظ للمواهب. وبدونها لا قيمة لفضيلة. بالحكمة تنجو المدينة من الهلاك. وبها نسحب السموم الشريرة ونطفيء السهام الملتهبة، وننجو من عروض الخطيئة المحيطة بنا. إذا أثمر الذكاء خيرا جعل صاحبه حكيما. والأحمق هو الذي يلد ذكاؤه خبثا وشراً. بها أكمل الشهداء جهادهم ونال المجاهدين إكليلهم. هي المسيح أقنوم الحكمة، اللوغوس كلمة الله. نطق الله العاقل وعقل الله الناطق. وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له (يعقوب 1 : 5). نيافة الحبر الجليل انبا مكاريوس اسقف المنيا وتوابعها
المزيد
08 فبراير 2020

احتقار أباطيل العالم

لفت السيد المسيح نظر التلاميذ والجموع إلى أنه ماذا ينتفع الانسان إذا ربح العالم كله وخسر نفسه, أو ماذا يعطي الانسان فداءاً عن نفسه وإن كانت أجسادنا فى الأرض فعقولنا ينبغي أن تكون مشدودة نحو السماء ولقد أعطانا السيد نفسه مثلاً وقدوة فى كيف نعيش على الأرض دون الاهتمام بالأرضيات. إذ كيف ننشغل بتوافه الأرض عن خلاص نفوسنا، وهو الهدف الأسمى لنا !؟ ومن أجله يختار الإنسان أن يترك العالم، أو حتى عند الزواج يختار الفتاة التى تعينه فى ذلك. والسيد المسيح نفسه قال: "للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار وأمّا ابن الانسان فليس له اين يسند رأسه"وقد لخص سليمان الحكيم خبرة خداع العالم بقولته الشهيرة "ومهما اشتهته عيناى لم أمسكه عنها " ونظر إلى جميع ما يجري على الأرض قائلاً: "باطل الاباطيل الكل باطل ولامنفعة تحت الشمس" ثم يعقب على ما ذكر من أمور العالم ويقول "هذا أيضا باطل" وهكذا تسلمنا منه وهو أغنى وأعظم ملوك بنى اسرائيل: أنه لافائدة تحت الشمس بل المنفعة فيما "فوق الشمس"أمّا التلاميذ فلما سمعوا نصيحة السيد المسيح: تركوا كل شئ, بل وبدلاً من الخدمة والعودة فى إجازات إلى خاصتهم طافوا بزوجاتهم ليخدمن معهم لقد كان يوحنا ويعقوب غنيين جداً وكذلك كان متى العشار ولكن الجميع استخفوا بمغريات العالم والقديس بولس وهو ذو كرامة وحيثية ورعوية رومانية وغنى (بدليل استئجاره بيت له لمدة سنتين فى روما) واستعداده لدفع ديون انسيموس, ومحاولة الوالى الحصول على رشوه منه ليطلقه كل هذه المزايا والامكانيات قال هو عنها (خسرت كل الأشياءوأنا احسبها نفاية من أجل فضل معرفة المسيح) وأيضاً الشهداء: سخروا من الرتب والأموال والنسب الشريف، لأجل المسيح بفرح والقديسين كذلك تركوا كل شئ وكل أحد لأجل المسيح وبعضهم كان ملكاً (مثل ملك أنطاكية الذي قابله الأنبا يوساب السائح والقديسة أناسيمون ومعلم الملوك الأنبا أرسانيوس) ولكن ذلك لا يعنى بالضرورة ترك العالم فهناك الكثير من الذين وصلوا إلى أعلى المراتب الروحية وخلصوا وهم في العالم،كما أن آباء الرهبنة كانوا يسألون عن أحوال الناس ويصلون لأجلهم وينزلون ليشجعوا المضطهدين) والأنبا بيمن يقول (نحن تعلمنا كيف نغلق باب الفكر لا باب القلاية). هكذا عاش الكثيرون في العالم بينما لم يحيا العالم فيهم, مثل السفينة التى تسير فى البحر دون أن يدخل ماء البحر فيها (فإما أن تكون السفينة فوق الماء وإما ستنزل تحت الماء)والذين سيخلصون فى العالم هم الذين يحيون حياة في مخافة الله, محبون للفقراء، الأنبا موسى الأسود يقول (إن الصدقة تولد التفكير فيما سيكون) وهم كذلك الزاهدون فى الرتب والرئاسات وكرامات العالم، فإنه ليست لنا هنا مدينة باقية ولكننا نطلب العتيدة. نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
01 فبراير 2020

أتيت بنا إلى هذه الساعة

في كل مرة نصلي نشكر الله لأجل أشياء كثيرة أغلاها وأهمها هو الخلاص الثمين الذي قدمه لنا، ثمّ أنه أتى بنا إلى هذه الساعة.لعل أعظم عطية لنا من الله الآن، هي أننا مازلنا أحياء حتى هذه اللحظة، فبعض الذين نعرفهم، وآخرين ممن لا نعرفهم،كانوا بيننا العام الماضي والآن ليسو موجودين، والبعض كان موجوداً منذ شهور والآن في عداد المنتقلين، والبعض الثالث كان موجوداً منذ ساعات، ولكنه ليس معنا هذه الساعة، أما نحن : فقد أتى بنا (الله) إلى هذه الساعة، أعطانا فرصة جديدة لنعوّض ما فاتنا.. إن سكان الجحيم يتمنّون الآن يوماً من هذه الأيام التي نقضيها، وهم يتعجبون كيف نضيّع السنين والشهور والأيام من بين أيدينا هكذا.. هذا أدركه الغني (في مثل الغنى ولعازر) وطلب من أبينا إبراهيم القيام بأي عمل لأجل إنقاذ أسرته.. تخيلوا لوأنه أتيحت الفرصة لواحد من أولئك - الذين في الجحيم الآن - أن يعود إلى الحياة لمدة أيام، ترى ماذا عساه أن يفعل وكيف يسلك فيها.. أفما تكفيه أياماً قليلة لكي يقدم توبة نقية ذكرني ذلك براهب قديس، اجتمع حوله الرهبان - عند نياحته - فوجدوه يبكى، فلما سألوه عن سبب ذلك، قال أنه يتمنى لويطيل الله أناته عليه ويمنحه بعض الوقت، فتعجبوا لعلمهم بأنه مجاهد وقديس، فسألوه: كم من الوقت تود أن يمنحك الله أيضا قبل النياحة، أجاب أريد ولو يوم واحد، قالوا: فماذا تصنع فيه، أجاب بأنه وان لم يستطع تقديم جهادات كثيرة، فيكفيه أن يبكى فقط طوال ذلك اليوم !!.. وهكذا يمكن لشخص ما في ساعة واحدة أن يحقق الكثير، ويتقدم على كثيرين ممن سبقوه، إذا كان نشيطاًحاراُ بالروح.. وأتخيل أن الله في كل صباح يهب كل إنسان أربع وعشرون ساعة ! كرصيد يتاجر به ويعوض ما فاته.. نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
04 أكتوبر 2021

الخطية والزمن

يصرف الإنسان وقتًا في التفكير في الخطية حيث تبدأ بالفكر، ويحدث أحيانًا أن يظل يدفع في الفكر حتى يهزمه أو يُهزَم منه، ويمكن أن نطلق على ذلك "زمن المقاومة"، فإذا سقط فهو يفعل ذلك في وقت يُسمّى "زمن الخطية"، ثم أنه يصرف بعد السقوط وقتًا في الندم قبل أن يقدّم عنها توبة. والإنسان العاقل هو ذاك الذي يستطيع تجاوز الأزمنة الثلاثة للخطية، زمن التفكير وزمن التنفيذ وزمن التوبة، ومن ثَمّ يتجاوز الخطية نفسها.إن الزمن الذي تتم فيه الخطية يكون ضئيلًا جدًا، مقارنة بالزمن الذي يسبقها والآخر الذي يليها. وفي بعض الأحيان تتم الخطية في لحظات، بينما يعاني الإنسان من نتائجها لسنوات، بل وقد يفقد حياته كلها بسببها، ويوصف الإنسان هنا بأنه "انحمق". وبخصوص زمن الخطية يفرِّق الآباء بين وضعين فيما يتعلق بزمن الخطية، الأول زمن اقتراف الخطية، والثاني وصم أو وسم الشخص بالخطية كجزء من شخصيته أو علامة في حياته، كأن تقول إن فلانًا سرق أو إنه سارق، كذب أو كاذب، والفرق هو الزمن المرتبط بكل حالة، فبينما يستغرق الكذب ثوانٍ معدودة، ترتبط الصفة بحياة الكاذب.وكما أن "زمن الخطية" قد يعني الساعات أو الدقائق التي مارس فيها الإنسان الخطية كالسرقة والزنى والسكر، فقد يعني أيضا الحقبة أو الفترة التي عاش الإنسان فيها في الخطية بعيدًا عن الله، عنها يقول القديس بطرس «لأنَّ زَمانَ الحياةِ الّذي مَضَى يَكفينا لنَكونَ قد عَمِلنا إرادَةَ الأُمَمِ» (١بطرس٤: ٣)، وتُسمّى أيضًا أزمنة الجهل: «فاللهُ الآنَ يأمُرُ جميعَ النّاسِ في كُلِّ مَكانٍ أنْ يتوبوا، مُتَغاضيًا عن أزمِنَةِ الجَهلِ» (أعمال١٧: ٣٠). ويتحدث علماء اللغة في الكتاب (الإيتيمولوجيا) عن نوعين من الزمن، المدة أو التاريخ: (الأيام والسنوات= كرونيكال)، والفرصة (أو اللحظة أو الموقف أو القرار= كاريوس) ومنها قولنا «ملء الزمان» وكمال الزمان. هذه الفرصة هي التي تُمنَح للتوبة، يمكن أن تُسمى أيضًا "زمن الافتقاد" «لأنَّكِ لَمْ تعرِفي زَمانَ افتِقادِكِ» (لوقا١٩: ٤٤)، أو زمن استجابة الإنسان «اليومَ، إنْ سمِعتُمْ صوتَهُ، فلا تُقَسّوا قُلوبَكُمْ» (عبرانيين٤: ٧). أخيرًا: فإنه مع طول الزمان يمكن أن يتقسّى قلب الإنسان، وبينما تكون أمامه الفرصة (كاريوس) فإن إرادته تكون عاجزة، ومتى تحركت الرغبة فيه في زمن لاحق فإنه حينئذ يكتشف أن القدرة قد فارقته، هكذا قال الآباء: "لن ينتظرك الزمان حتى تبكي على خطاياك". إذًا فإن كل من استطاع أن يتجاوز زمن الخطية فإنه يستطيع تجاوز الخطية نفسها، ربما كان المقصود بـ«الوقت المقبول» (٢كورنثوس٦: ٢) هو الوقت المقبول من الطرفين: الله والإنسان، أو بمعنى أدق: الوقت الذي قبل فيه الإنسان أن يطيع الله ويقبله، أن يمد يده ليمسك بيد الله الممدوة إليه، إنه زمن الافتقاد ... نيافة الحبر الجليل الأنبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
22 فبراير 2020

أعمى يقود أعمى !!

ترى من فيهم المخطيء، هل هو الذي في المقدمة أم الذي يتبعه؟، ومن هو المخدوع، هل الذي ظن في نفسه أنه قائد ومعلم ومرشد، أم الذي أطاع وتبع بغير افراز، ومن سيسقط أولاً هل القائد أم التابع (لاسيما إذا علمنا أنه في الكثير من الأحيان يدفع القائد الأعمى أمامه بمن يريد الاستعانة به) ولماذا يختار الأعمي أعمى نظيره ليقوده، هل لأن الطيور على أشكالها تقع !.كثيرون يحبون أن يكونوا مرشدين ومعلمين رغم أنهم دون المستوى! وهل هي شهوة لدى كثيرين أن يتقمصوا دور المرشد الملهم والمعلم المعصوم، رغم احتياجهم هم أنفسهم لمن يرشدهم! لقد قال القديس يعقوب "لا تكونوا معلمين كثيرين يااخوتي" (يع3:1) لقد كان قادة اليهود عميانا بينما كان الشعب كخراف لا راعي لها، لا يعرفون طريقهم وبالتالي يحتاجون إلى من يقودهم، ولكن أولئك القادة كانوا مخطئين لأنهم كادوا أن يوصلوا الخراف البسيطة الى هوة الهلا ك، ولذلك قال الرب عنهم "اتركوهم هم عميان " قادة عميان وان كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة" (مت14:15) كما حذرهم لئلا يجعلوا تلاميذهم أبناء جهنم أكثرمنهم مضاعفاً(متى 15:23) وقديما قال الرب "فيعثر المعين ويسقط المعان ويفنيان كلاهما معا" (اشعياء 3:31) والمقصود بالأعمى هنا بالطبع ليس كفيف البصر، وانما هو الفاقد الاستنارة فهناك فرق بين البصر والبصيرة، ولذلك يقول السيد المسيح للمعلمين المضلين "لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية ولكن الان تقولون اننا نبصر فخطيتكم باقية (يوحنا 41:9)لقد كان القديس ديديموس ضريراُ ومع ذلك فقد كان لاهوتيا بارعاً ومعلما ومرشدا لكثيرين ولذلك فقد نصح الكثير من الآباء والمرشدين بعض من تلاميذهم بالاسترشاد بآباء غيرهم أكثر خبرة منهم، ولم يريدوا أن يتحملوا مسئولية أولادهم. اذاً فليتضع القائد العمى ولا يرتئي فوق ما ينبغي، وليحذر لئلا يهلك مريديه وتلاميذه بسببه، كذلك فليحذر التابع لئلا يقع في يد مريض بدل طبيب، نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
18 أكتوبر 2021

القرابني في الكنيسة

وكان يُدعى فيما قبل بـ"القَيِّم" أو "القائم" (والجمع قَيَمَة أو قَوَمَة) أو اقلوني (وجمعها اقلونيون). وورد ذكر هذه الرتبة الجليلة في الدسقولية، وكتب البيعة الأخرى مثل مصباح الظلمة للعلامة ابن كبر، ورتب الكهنوت للأب ساويرس ابن المقفع، والجوهرة النفيسة، وفي قوانين البابا أثناسيوس والفديس باسيليوس، وغيرها من المصادر، حيث ترد رتبة القيّم ضمن رتب الكنيسة، ويقيمه الأب الاسقف على احتياجات البيعة، من تجهيزها وتنظيفها والمساعدة في حراسة الأبواب، وإعداد ما يحتاجه الكاهن للقداس من بخور وشمع وأباركة وقربان وفحم وغيرها. ولكن مع الوقت صار هناك من يقوم بتنظيف الكنيسة، كما صار هناك من يُدعى "الكنائسي"، وهو المهتم بالكنيسة لا سيما الهيكل وترتيب احتياجات الكنيسة في المناسبات المختلفة من كتب وأدوات، بينما أصبح إعداد القربان مسئولية شخص بعينه، صار اسمه الوظيفي "القرابني". ويُخبَز القربان في الكنيسة، واذا لم يكن هناك مكان فليُخبز مؤقتًا في منزل الكاهن أو القرابني على ألّا تشترك امراة في إعداده وخبزه.وهو عمل هام جدًا يُشترط فيمن يقوم به أن يكون في حالة لياقة جسدية وروحية، ويدقّق الآباء في اختياره، ويطمئنون على حياته الروحية وسيرته، ويُشترط ألّا يكون سكيرًا سليط اللسان نمّامًا. وورد أنه يجب ألّا يظن القرابني في نفسه أن شغله في الكنيسة يقوم مقام الصلاة، لأن الصلاة صلاة والشغل شغل. ويسلمونه كيف يسلك بقداسة بدءًا من ترك حذائه خارج "بيت لحم" (المكان الذي يُصنَع فيه القربان)، إلى تلاوة المزامير طوال فترة عجن وخبز القربان. ويسلمونه أيضًا كيف تكون القربانة كاملة الاستدارة، مخبوزة جيدًا، وعليها رسوم الصلبان الثلاثة عشر واضحة مع الثلاث تقديسات.عليه أن يحبّب الناس ولا سيما الأطفال في اقتنائها، فهي تمثل الكنيسة والليتورجيا، يأكلها الشخص بفرح ويحملها إلى بيته، وينتظرها في المنزل الذين لم يتسنَّ لهم حضور القداس. وبينما هو يعدّ القربان يتمنى أن تكون كل قربانة (بما فيه القربان الذي يُباع للشعب) هي التي سيختارها الكاهن "حملًا بلا عيب" لتصبح جسد المسيح.ويُنبَّه عليه أنه لا يجوز أن تزيد المدة الزمنية بين خبز القربان وتقديم الحمل عن ثلاث ساعات. ويصبح القرابني مع الوقت خبيرًا في انواع الدقيق، ونِسَب الدقيق مع الماء، ووقت التخمّر، وموعد الوضع في الفرن، ومستوى النار، والتنفيس (البختشة) وغيرها، ليخرج القربان مثاليًا.وأتذكر أننا كنا نحتفظ بالقربانة التي نشتريها يوم خميس العهد طوال العام، ربما لعلاقة ذلك بالعهد الذي أسسه الرب على جسده ودمه الأقدسيْن «لأنَّ هذا هو دَمي الّذي للعَهدِ الجديدِ الّذي يُسفَكُ مِنْ أجلِ كثيرينَ لمَغفِرَةِ الخطايا» (مت26: 28)، وتظلّ تذكارًا لذلك.ولجلال الرتبة يذكر التاريخ أن الأنبا مرقس كان يعاتب أحد الباشوات المشاهير على أمر ما، فرد قائلاً: "أنا مش قرابني عندك علشان تكلمني باللهجة دي"، فرد عليه الأنبا مرقس: "القرابني هو واحد من أعمدة الكنيسة، ولو مافيش قرابني بطلت خدمة المذبح لافتقاره إلي القربان الذي يحوله الروح القدس إلى جسد المسيح له المجد". والتاريخ الكنسي ثري بالقصص المتواترة عن القرابني والقربان، وأكثرها حول الآباء السواح الذين يحضرون بين وقت وآخر للحصول على قربان لإقامة القداس، حتى أن بعض الآباء في الأديرة أمر بعدم إحصاء عدد القربان حتى يأخذ السواح ما يأخذونه دون عمل شوشرة وكشف سرّهم، ويصبح القرابني سعيدًا بأن بعضًا من قرباناته قد حملها السواح. نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
29 فبراير 2020

افتداء الوقت

روى القديس يوحنا الدمشقي القصة التالية فقال كان لمدينة من المدن عادة غريبة فيما يتعلق بالمُلك، فقد كان يُسمح لأي شخص بأن يكون ملكاً على البلاد، شريطة أن يكون ذلك لمدة سنة واحدة، يقومون في نهايتها بتقييده وضربه وإهانته وفي النهاية ينفونه إلى إحدى الجزر ومن ثم يمكن لأي شخص يرغب أن يتولى المُلك مكانه وكان الكثيرين يبهرهم بريق المُلك فيندفعون لإعتلاء عرش البلاد غير متحسّبين لما ينتظرهم في نهاية العام. حتى قبل أحدهم المُلك، وحيث كان له مطلق الحرية في خلال السنة التي يملك فيها، فقد سلك على نحو رائع ومغاير لمسلك الذين سبقوه . تُرى ماذا صنع ؟لقد جعل كل اهتمامه خلال ذلك العام أن يعمر تلك الجزيرة التي نُفي إليها جميع الملوك الذين سبقوه، فنقل إليها كنوز البلاد وغرس فيها الحدائق وزرع الأرض وبنى القصور والمرافق والمنافع العامة، وجعلها مثل جنة الله ونقل إليها الكثير من الناس. حتى أنه قرب نهاية العام كان يتحرق شوقاً إلى ذلك اليوم الذي فيه يطردونه من المُلك الأرضي ليمضي إلى ذلك الفردوس الذي قضى وقته مهتماً به وكان القديس يوحنا يقصد بهذه القصة كيف ينسى الناس نهاية حياتهم هنا وما ينتظرهم بعد نهايتها وكيف لا يستثمرون الحياة الحاضرة من أجل الحياة الباقية. نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل