المقالات

21 يناير 2019

التجسد و الاورثوذكسية

تتسم الأرثوذكسية – بالذات - بالتركيز على سرَ التجسد الإلهى، ويتضح ذلك فى أمور كثيرة مثل: 1- تهتم الكنيسة جداً بشرح هذا السّر لشعبها، ليعرفوا ما لهم فيه من: تعليم، وفداء، وسكنى إلهية فينا، وتأسيس للكنيسة المقدسة، جسد المسيح وعروسه. 2- تقدم الكنيسة حياة الرب يسوع كاملة، فى سّر الافخارستيا، منذ اختيار حمل بلا عيب، إلى مسحه بالماء، ثم تقميطه، ثم الدوران به حول المذبح إشارة للكرازة،ثم موته، ودفنه،وقيامته المجيدة!! 3- وتحرص الكنيسة أن تقدم لنا الافخارستيا يومياً، وذلك تنفيذاً لوصية الرب:"إصنعوا هذا لذكرى" (لو19:22).ومن غير المعقول أن نتذكر الرب كل بضعة أشهر، بل من المناسب أن نفعل ذلك يومياً. 4- والذكرى هنا ليست فكرية أو معنوية، بل من نفس نوع ما قدمه الرب بي ديه الطاهرتين، فى خميس العهد،جسداً هو "مأكل حق"، ودماً هو "مشرب حق" (يو55:6).تماماً كما وضع بنو اسرائيل بعض المن، فى قسط خاص،فى تابوت العهد، وذلك من نفس المن الذى كان ينزل من السماء لغذائهم، إشارة للمن السماوى، جسد الرب ودمه. 5- ولقبت الأرثوذكسية السيدة العذراء "بوالدة الإله"، إيماناً منها بأن المولود من أحشائها ليس مجرد إنسان، بل هو الإله المتجسد، أو الكلمة المتأنس. 6- واستمرت الكنيسة تطوَّب أم النور، تتميماً لما قالته بالروح القدس: "هوذا منذ الآن، جميع الأجيال تطوبنى" (لو 48:1)... وهذا ما نفعله كل يوم، وبخاصة فى التسبحة اليومية، وبالذات فى شهر كيهك. 7- إن تمجيدنا لسر التجسد، هو تمجيد لرب المجد يسوع الذى تجسَد لخلاصنا، كما أنه تمجيد لهذا السّر المقدس، سّر التقوى: "عظيم هو سرّ التقوى، الله ظهر فى الجسد" (1تى16:3)... فالتجسد من أمنا العذراء هو سر التقوى البشرية، وبدونه ليس لنا خلاص!! 8- الصورة الأساسية للسيدة العذراء فى الطقس القبطى، هى صورتها واقفة عين يمين الرب، تحمله طفلاً على ذراعها، وترتدى ثوباً أزرق به نجوم، رمز السماء... وبهذا نعبر عن النبوة القائلة: "جعلت الملكة عن يمينك" (مز 9:45). 9- والبشارة الموضوعة دائماً على المذبح، وكذلك الكرسى، يحملان صورة السيدة العذراء، حاملة الطفل الإلهى. 10- والأساقفة يحملون على صدورهم صورة "الثيؤطوكوس" (العذراء والدة الإله)، تأكيداً لإيمانهم بهذه الحقيقة، ورفضهم للنسطورية التى فصلت الطبيعتين ونادت بأن العذراء هى أم المسيح "كريستوطوكوس" أى أنها والدة "الإنسان"، الذى حلّ عليه بعد ذلك اللاهوت حيناً، وتركه حيناً آخر!! سر التجسد... فى الثيؤطوكيات: ما أجمل ما ترتله الكنيسة فى الثيؤطوكيات!! وكلمة "ثيؤطوكية" مكونة من مقطعين هما: "ثيؤ" = الله، طوكوس= والدة، أى "والدة الإله"، فالعذراء حينما ولدت رب المجد، لم تلد إنساناً عادياً، بل ولدت ابناً، دعى "عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام" (إش 6:9)، لهذا دعته بروح النبوة: "عمانوئيل" أى "الله معنا" وليس مجرد إنسان، فهو الإله المتجسد. ونحن لا نقول عن السيد المسيح أنه "إنسان تأله"، بل نقول عنه أنه "الإله وقد تأنس"، أى إتخذ جسداً، وحلّ بيننا، وأثبت فى كل تصرفاته وكلماته ومعجزاته وقداسته المطلقة، أنه الإله المتجسد!! وكمثال موجز عن حب كنيستنا القبطية لسرّ التجسد، وتطويبها لأم النور، نورد هذه الأمثلة: فى ثيؤطوكية السبت: (أيتها الغير الدنسة، العفيفة القديسة فى كل شئ، التى قدمت لنا الله? محمولاً على ذراعيها. تفرح معك كل الخليقة، صارخة قائلة: السلام لك يا ممتلئة نعمة، الرب معك. السلام لك يا ممتلئة نعمة. السلام لك يا من وجدت نعمة. السلام لك يامن ولدت المسيح. الرب معك). (من قبل ثمرتك، أدرك الخلاص جنسنا، وأصلحنا الله معه? مرة أخرى، من قبل صلاحه). (كخدر بغير فساد، الروح القدس حلّ عليك، وقوة العلى? ظللتك يا مريم. لأنك ولدت الكلمة الحقيقى، ابن الآب، الدائم إلى الأبد، أتى وخلصنا من خطايانا). (صرت سماء ثانية على الأرض، يا والدة الإله، لأنه أشرق لنا منك? شمس البر). ثم تبدأ الثيؤطوكية فى تقديم رموز التجسد فى العهد القديم، مثل: سلم يعقوب، والقبة، والتابوت... والحمامة الحسنة.. إلخ فى ثيؤطوكية الأحد: * (مدعوة صديقة، أيتها المباركة فى النساء، القبة الثانية، التى تدعى قدس الأقداس، وفيها لوحا العهد... هذا الذى تجسد منك بغير تغيير، وصار وسيطاً لعهد جديد، من قبل رش دمه المقدس، طهر المؤمنين، شعباً مبرراً. من أجل هذا كل واحد يعظمك، يا سيدتى والدة الإله، القديسة كل حين. ونحن أيضاً نطلب أن نفوز برحمة بشفاعاتك، عند محب البشر). (واحد من اثنين: لاهوت قدوس، بغير فساد، مساوٍ للآب، وناسوت طاهر،? بغير مباضعة، مساوٍ لنا كالتدبير. هذا الذى أخذه منك، أيتها الغير الدنسة، واتحد به كأقنوم). (أنت هى القسط الذهب النقى، الذى المن مخفى فى وسطه، خبز الحياة الذى? نزل من السماء، وأعطى الحياة للعالم). (الإله الحق من الإله الحق، الذى تجسد? منك، بغير تغيير). (أنت هى المجمرة الذهب النقى، الحاملة جمر النار المباركة،? الذى يؤخذ من المذبح، يطهر الخطايا، ويرفع الآثام، أى الله الكلمة الذى تجسد منك، ورفع ذاته، بخوراً إلى أبيه). وتستمر الكنيسة فى ذكر رموز العذراء والتجسد فى العهد القديم، فهى القبة، والتابوت، والقسط الذهب، والمنارة الذهبية،والمجمرة الذهبية، وعصا هرون التى أفرخت، وزهرة البخور، والمائدة الذهبية... ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن أمثلة كثيرة أخرى فى ثيؤطوكيات بقية الأيام. لكن خلاصة القول: أن كنيستنا القبطية تهيم حباً بالعذراء البتول، والدة الإله، التى ولدت لنا المسيح، مخلصنا الصالح، لهذا فهى لا تكف عن تمجيد هذا السّر الإلهى العظيم، سرّ التجسد، سرّ التقوى، وسرّ الخلود!! فبعد أن تجسد الرب وعلمنا، ثم فدانا وخلصنا، قام وصعد إلى السماء جسدياً، ووعدنا بأننا سنقوم معه بأجساد نورانية، ونرث معه فى ملكوته. أليس مناسباً أن تتهلل السماء والأرض، بميلاد الرب يسوع، وترنم جوقات السماء قائلة: "المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة" (لو 14:2). فها قد تمت بشارة الملاك: "قد ولد لكم اليوم فى مدينة داود، مخلص هو المسيح الرب" (لو 11:2) فلنذهب إليه مع الرعاة الساهرين، لنقدم له العبادة والسجود... ومع المجوس العابدين، نعطيه الذهب (أغلى ما نملك)، واللبان (صلواتنا وتسابيحنا)، والمرّ (آلامنا وأتعابنا)... وهكذا نسجد عند قدميه، تصحبنا شفاعة العذراء، أم الخلاص، ومثال يوسف البار، خادم سرّ الخلاص نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
08 يناير 2019

تأملات فى عيد الظهور الإلهي

تقابل السيد المسيح أثناء كرازته مع إنسان ولد أعمى، ولم يستطع هذا الإنسان أن يتمتع بنعمة البصر إلا بعد أن قابله السيد وطلى بالطين عينيه، وأمره بالإغتسال فى بركة سلوام، مثالاً لكل البشر، الذين فقدوا بصيرتهم الروحية وإستنارتهم السماوية، وكيف أنهم سينالون الإستنارة من خلال المعمودية. إن الله لم يترك نفسه بلا شاهد (أع 17:14) بل أعلن لنا نفسه فى القديم بواسطة رموز وصور متعددة مثل: 1- ملكى صادق (تك 14) : ملك شاليم، الذى أضاء فى وسط العهد القديم، بلمحة من ضياء كهنوت المسيح. وظهر بعد ذلك الكهنوت اللاوى، حتى جاء المسيح كاهناً على رتبة ملكى صادق (مز 4:11)، ذلك الذى كان مجرد رمز للسيد المسيح، ملك السلام، والبر، وقابل العشور، وذبيحة الخبز والخمر.. الخ. 2- سلم يعقوب (تك 28) : الذى رآه فى هروبه من وجه أخيه وكان رمزاً للسيدة العذراء حاملة المسيح (يو 51:1). 3- ظهور النور (الشاكيناه) : ظهر على غطاء تابوت العهد بين الكاروبين ليعلن عن حضور الله وعن مشيئته، فالله هو النور، وساكن فى النور، وتسبحه ملائكة نور.. 4- أخيراً جاء يوحنا المعمدان : جاء كملاك يعد الطريق (مت 1:3).. ودعى السابق الصابغ والشهيد. وفى ملء الزمان كشف الله عن ذاته بطريقة باهرة، إذ انشقت السماء، وأعلن الآب عن ذاته، منادياً الابن، وظهر الروح القدس فى شكل حمامة. 1- الإعلان الكامل : أخيراً أعلن الله ظهوره النورانى الكامل الذى مهدت له ومضات العهد القديم. وازداد لمعان ذلك الظهور أثناء كرازة الرب العامة (يو 3:17)، وفى حادثة التجلى (مر 19:12-26). 2- السماء المنشقة : أ- انشقت السماء يوم عيد الظهور الإلهى، إيذانا بانتهاء عهد الظلال والرموز والظلام، وحلول وبدء عهد النور المكشوف الواضح. ب- لم تنغلق السماء منذ أن انشقت، بل ظلت مفتوحة للمؤمنين (أع 26:7)، (أع 11:10)، (2كو 12) فى رؤى للقديسين بطرس وبولس. ج- وإذ انشقت السماء نزل منها الروح القدس، ليحل على بنى البشر مصدراً للحياة، وأساساً للتعزية، يصاحب المؤمن طوال غربته. 3- الشهادة السماوية : أ- هذا هو إبنى الحبيب: هى شهادة البنوة التى أعلن بها الآب أبوته لإبنه الوحيد، ذاك الذى صار لنا به التبنى المواعيد (أف 5:1). ب- الذى به سررت: بهذا أعلن الآب كمال مسرته بإبنه، أنه قد أصبح لله مسرة فى حياة أولاده المؤمنين به، "لذتى فى بنى آدم" (أم 31:8). وهنا نتساءل: هل استنرت أنت يا أخى الشاب شخصياً فى حياتك؟ بل هل أضأت مصابيح قلبك بزيت البهجة؟ كيف؟‍‍؟! هناك وسائل هامة للإستنارة مثل: 1- إستنارة المعمودية : بدون المعمودية لا يمكن أن يستضئ قلب المؤمن، وبولس الرسول يقول عنها أنها الإستنارة (عب 4:6) التى لا تعاد. وهى حق لكل مؤمن. 2- إمتداد الإستنارة : وما أن ينال المؤمن قوة المعمودية، حتى ينطلق لممارسة كافة الأسرار الكنسية المقدسة، كالميرون والإعتراف والتناول، بل أنه يواظب على وسائط النعمة لزيادة إمتداد الإستنارة، بالإضافة إلى دراسته لكلمة الله وقراءاته الروحية، وحضوره الإجتماعات الكنيسة.. هذه كلها وسائل إستنارة. ملاحظات: ويمكن للخادم أن يناقش بعض الموضوعات الأخرى مثل: 1- عمل الثالوث القدوس فى خلاصنا. 2- اتضاع المسيح وخضوعه للناموس سواء فى الختان أو المعمودية ليكمل كل بر. 3- أهمية المعمودية والقيم الروحية التى ننالها من ممارسة هذا السر، كما أنه يمكن أن يقرأ مع المخدومين بعض مقتطفات من كتاب الخدمات الكنسية عن المعمودية. 4- يحسن أن ينبه الخادم إلى أن الميلاد الثانى بالمعمودية ليس هو التوبة وتغيير الفكر، كما تدعى بعض الطوائف، وإنما التوبة هى إمتداد عمل المعمودية فينا، ولكن الولادة الثانية هى بالماء والروح. فلنتأمل معاً فى بركات المعمودية التى نالها كل منا، ويمكنا أن نجمع مواقف وآيات من الكتاب المقدس عن مواضع إعلان الله لذاته فى العهدين، وأن طقوس المعمودية وعلاقتها بالنور مثل الملابس البيضاء، وإضاءة الشموع حول المعمد فى الزفة التى تعمل بعد العماد. بعض أقوال الآباء القديسين : كيرلس الكبير: "تستنير نفوس المعتمدين بتسليم معرفة الله". يوستينوس الشهيد: "وهذا الإغتسال يسمى تنويراً لأن الذين يتعلمون هذه الأمور يستنيرون فى أفهامهم". نيافة الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
27 نوفمبر 2018

الضمانات الأكيدة للطهارة

1) عمل النعمة ليس من شك إن مجهوداتنا البشرية مهما عظمت، لا تقدر إن ترفعنا فوق قامتنا ولو إلى ذراع واحد. هذه خبرة حياتنا اليومية، وليس من شك إن قوى البشر أعلى من إن نواجهها ببشريتنا الهزيلة. لذلك جاء تدبير النعمة ليحل المشكلة ويلغى التناقص المروع، الكائن بين إله قدوس وبشر خطاة، النعمة عمل إلهي باطني، به يصير الإنسان شريكا للطبيعة الإلهية، وهى قوة غير محدودة في أحشاء الإنسان فتنبط الغريزة، وتهدأ النفس، ويستنير الفكر، ويخشع الكيان، النعمة طبيب إلهي يشفى النفس من انحرافاتها وأوجاعها. لذلك فالشباب الذي يستودع نفسه لعمل النعمة، يحس بتغير صادق في نفسه وحواسه وأفكاره ومشاعره ونزعاته، وهذه معجزة لابد من اختبارها. النعمة.. طاقة جبارة ترفع النفس فوق معاكسات الجسد وإغراءات العالم ، وإيحاءات العدو أنها ببساطة الله ساكنا في إنسان. أما وسيلة الحصول على هذه النعمة فهي: الطاعة والقبول الصادق للرب يسوع رئيسا للحياة، والشركة المستمرة معه، للتعبير عن هذا الاختبار عمليا، بالصلاة والشبع بالانجيل والاتحاد المستمر بجسده ودمه الاقدسين. إذا كانت لدينا نية صادقة للحياة حسب المسيح، فلنترجم هذا عمليا بالشركة الحية والطاعة العملية لتعليمات الرب، وهنا يأتي دور الجهاد الذي به نحصل على النعمة اللازمة لخلاصنا. هيا يا أخي الشاب أقترب من السيد، وانسكب تحت قدميه، وسلمه حياتك المسكينة المائتة، لتخرج كل مرة من مخدع الصلاة وفى يديك زوفا جديدة تغسل بها خطاياك، وذخيرة جديدة تحارب بها في اليوم الشرير. 2) روح الرجاء إياك والاستسلام لخدعة العدو: "لا فائدة!" وليكن ردك باستمرار: (لا فائدة فيَّ ولكن كل الفائدة في السيد الرب "الذي يفتدى نفسي من الموت وحياتي من الحفرة" ). تشدد بالحب المذهل الذي في قلب المسيح من نحوك، وثق في الحنان الذي بلا حدود المنسكب من أحشائه تجاهك أنت الضعيف المستعبد: "ثِق قم، هوذا يناديك" فلا تتأخر ولا تستسلم لماضيك ولا لضعفك ولا لخداعات العدو إنه دوما في انتظارك، يفرح بعودة التائب مهما كان ماضيه. 3) الحياة المليئة من أخطر الأمور على طهارتك يا أخي الشاب "فراغ الحياة" لا اقصد فراغ الوقت فحسب، بل الحياة التافهة، التي بلا رسالة ولا مسئولية ولا تطلعات. خذ من يد الرب رسالتك كخادم للمسيح. ينبغي إن تستجيب لمحبته الخالدة، وتبحث عن أولاده البعيدين.. مسئوليتك كطالب، هي أن تشهد للرب بأمانتك وتطلعاتك المقدسة، حتى تمتلئ حياتك بالأهداف المباركة والآمال النقية، التي تهدف إلى خدمة الرب وأولاده. ضع أمامك أهدافًا مقدسة مثل: التدريب على الصلاة الدائمة، واستيعاب الإنجيل المقدس، واستيعاب روح الكنيسة في آبائها وتاريخها وعقائدها وصلواتها، واستيعاب روح العصر وفكره وثقافته، حتى تسخر هذا كله لخدمة المسيح والبحث عن النفوس البعيدة واجتذابها إلى الحظيرة.. وهكذا. كذلك اهتم بدراستك ومهنتك، فأدرس بحب وشغف ولا تدرس للامتحان فقط، بل أهدف إلى النمو في حب عملك لتؤديه بفاعلية وسعادة. إن انشغال قلبك بأهداف طاهرة يسكب الطهارة في أحشائك، أما تفاهة الحياة وفراغ القلب فلا منفعة فيهما!! 4) الصفاء النفسي لعلك تلاحظ أن الإنسان لا يلجأ إلى الخمر والمخدرات والتدخين إلا بسبب القلق، كنوع من البحث الخاطئ وراء السعادة المفقودة، كذلك أيضًا في موضوع الطهارة، نجد آن الشقاء النفسي الناتج عن الفشل الدراسي أو الاجتماعي، أو المتاعب المادية، يجعل النفس تلجأ إلى الغريزة كوسيلة متيسرة للتعويض، لذلك يلزمنا كشباب أن نقتني -بنعمة المسيح- النفسية الصافية التي تتعامل بإيجابية، مع مصادمات الحياة اليومية ومشاكلها، فتأخذ منها عيرا ودروسا للمستقبل، وتتجاوزها لتحول الفشل إلى نجاح، والمشكلة المادية إلى وسيلة لاختبار يد المسيح الأمينة من نحو أولاده، وفقد الوالدين أو الإخوة إلى نافذة مفتوحة على السماء، من خلالها نتعرف على الله، وعلى الأبدية، وعلى زيف هذا الدهر. وهكذا إذ تهدأ نفسيتنا بين يدي الله لا تبقى لدينا حاجة إلى التعويض باللذة الضارة. 5) الحياة الأمينة يجب إن تكون أمينًا في حياتك من كافة زواياها: الدراسية والاجتماعية والروحية.. الخ. ويجب إن تكون دوافعك في السير وراء المسيح نقية، تهدف إليه في ذاته لا إلى عطاياه.. وان تكون مدققا في مشاعرك وعواطفك، فترفض إن تدخل في علاقة تظنها مقدسة، ثم تنتظر لنفسك حياة الطهارة، لذلك دقق في حواسك وأفكارك واتجاهاتك، حتى لا تتحول إلى منافذ للعدو، منها يتسلل إلى قلبك. وثق إن الرب الذي يرى جهادك من السماء سوف لن يتخلى عنك، بل سيسندك بقوته الفائقة. انشغل به أساسًا فتنحل الخطية من أعضائك بسهولة، إن صراعنا ليس ضد الخطية لنصرعها، بقدر ما هو مع المسيح لنقتنيه، وإذا اقتنينا المسيح أخذنا كل شيء. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
20 نوفمبر 2018

الأدفنتست السبتيون

طائفة الأدفنتست (السبتيون) ليست مسيحية رغم أنهم يدعون غير ذلك، وهى امتداد لهرطقة قديمة حاربها الآباء الرسل بضراوة، وكانت تدعى "هرطقة التهود"، ويظهر ذلك جليًا في كتابات معلمنا بولس الرسول: "لا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت، التي هي ظل الأمور العتيدة" (كو2: 16، 17)، فالسبت كان ظلًا للأحد، وذبائح العهد القديم كانت ظلًا لذبيحة السيد المسيح على الصليب، ولقد كتب معلمنا بولس رسالة كاملة إلى العبرانيين (اليهود المتنصرين)، ليوضح لهم أن مجد المسيحية أكبر كثيرًا من المجد اليهودي، سواء من جهة: الذبيحة أو الهيكل أو العهد أو الكهنوت.. إلخ. ويكفى أن السبتيين يعتقدون أن السيد المسيح شابهنا في كل شيء حتى في الخطية الجدية، وفي إمكانية الخطأ والخطيئة!! وهكذا نسفوا عقيدة الفداء نهائيًا، الأمر الذي يهدد كل من يعتقد في هذه الهرطقة بالهلاك الأبدي. لذلك أشكر نيافة الأنبا بيشوي من أجل هذا الكتيب المختصر، الذي يناسب القارئ العادي، والذي كشف لنا فيه الأساسات الواهية لهذه البدعة الخطيرة، والأخطاء القاتلة التي تحتويها. وكان قداسة البابا قد حذرنا منها في مقالات وعظات سابقة، وهو بصدد إصدار كتاب خاص يدحض هذه الهرطقة. إننا ندعو قادة هذه البدعة، وكل تابعيها، أن يسرعوا إلى التوبة، قبل فوات الأوان، حتى لا تنطبق عليهم الآية: "وإن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء، بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما (محرومًا)" (غل1: 8). وقد لعبت السيدة إيلين هوايت (أو هيلين وايت) دورًا كبيرًا في تاريخ جماعة السبتيين. ولدت إيلين جولد هارمون Ellen Gould Harmon في 26 نوفمبر سنة 1827م من أسرة تنتمي إلى جماعة المثوديست. وكانت أسرتها قد انضمت إلى حركة المجيئيين نتيجة للتعليم الذي نادى به وليم ميللر في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أصيبت إيلين برمية حجر أثناء وجودها في المدرسة في الجانب الأيسر من جبهتها كاد يودى بحياتها، وأصاب مخها بتدمير سيئ حتى أنها لم تتمكن من استكمال دراستها الرسمية بالمدرسة. وقد إدعت إيلين هوايت Ellen White التي تزوجت بجيمز هوايت James White أنها قد رأت حلمًا يؤكد حتمية حفظ السبت اليهودي بالنسبة للمسيحيين. وفي هذا الحلم ادعت أنها رأت الوصية الرابعة وهى تضئ بنور باهر بين الوصايا العشر على لوحيّ الحجر ونص هذه الوصية "اذكر يوم السبت لتقدسه" (خر20: 8). اعتبرت جماعة وليم ميللر أن إيلين هوايت هي رسولة من الله ونبية ورائية وأن كل ما رأته هو رسائل إلهية لهذه الجماعة. وتوفيت السيدة إيلين هوايت سنة 1915م عن عمر 87 عام ولكنها لم تحضر أبدًا المجيء الثاني للسيد المسيح. ومع ذلك فهي مكرمة بطريقة عالية جدًا في جماعة السبتين. وكانت إيلين هوايت قد استبدلت الأحلام بإدعاء زيارات في الثالثة صباحًا لملائكة كانوا يخبرونها بما ينبغي أن تكتبه. تعليق شهود العيان على رؤى إيلين هوايت: في كتاب "نبية الأيام الأخيرة" الذي أخرجه الأدفنتست، يصفون حالتها أثناء الرؤى، فتقول السيدة مرثا أمادون التي حضرت عدة مرات تلك الرؤى : "أنا ممن راقبوها كثيرًا وهى في الرؤية وأعرف المجموعة التي تحضر معها في العادة وجميعهم ذو قوة ملاحظة وإيمان بما تقوم به. وكنت أتساءل كثيرًا لماذا لم يعط وصف أكثر حيوية للمناظر التي حدثت. كانت عيناها مفتوحتين في الرؤية. لم يكن هناك نفس لكن حركات كتفيها وذراعيها ويديها كانت رشيقة تعبر عما كانت تراه. كان مستحيلًا على أى شخص آخر أن يحرك يديها أو ذراعيها وكثيرًا ما كانت تنطق بالكلمات فرادى وأحيانًا بجمل تعبر لمن حولها عن طبيعة المنظر الذي تراه سواء سماوي أو أرضى". George Ide Butler (جورج بطلر، باطلر، باتلر) من أتباع هذه الطائفة وقد شاهدها في مناسبات عديدة في سنة 1874م فيقول : "أعطيت إيلين هوايت هذه الرؤى طيلة 30 سنة تقريبًا، وكانت تكثر تارة وتقل تارة أخرى، وشاهدها الكثيرون. وفي الغالب كان الحاضرون من المؤمنين بها وغير المؤمنين على السواء. وهى تحدث عامة ولكن ليس دائمًا، في مواسم الاهتمام الديني الجادة حيث يكون روح الله حاضرًا بشكل خاص". وقال أيضًا في وصفه: "يتراوح الوقت الذي تقضيه السيدة هوايت على هذا الحال بين خمسة عشر دقيقة إلى مائة وثمانين (ثلاث ساعات). وأثناء هذا الوقت يستمر القلب والنبض، وتكون العينان مفتوحتين عن آخرهما، ويبدوان محملقتين في شيء على مسافة بعيدة، ولا تلتفتان إلى شخص أو شيء بعينه في الحجرة، بل يكون اتجاهها دائمًا إلى أعلى.. وقد تُقرَّب أشد أضواء إلى عينيها أو يتظاهر (أحد) بدفع شيء فيهما، ومع ذلك لا ترمش أو تغير وجهها... يتوقف تنفسها تمامًا وهى في الرؤية، ولا يفلت من منخارها أو شفتيها أي نفس وهى على هذه الحال". وقال أيضًا: "كثيرًا ما تفقد قوتها مؤقتًا فتتكئ أو تجلس ولكن في ماعدا ذلك تكون واقفة. إنها تحرك ذراعيها برشاقة". وزوجها جيمز هوايت يعلق على رؤاها قائلًا : "عند خروجها من الرؤية سواء بالنهار أو الليل في غرفة جيدة الإنارة، يكون كل شيء حالك الظلمة بالنسبة لها، ثم تعود قدرتها على تميز حتى ألمع الأشياء بالتدريج مهما كان قريبًا من عينيها. ويقدر عدد الرؤى التي تلقتها أثناء ثلاث وعشرون عامًا خلت بما يتراوح بين مائة ومائتي رؤية وقد أعطيت هذه الرؤى في مختلف الظروف تقريبًا ومع ذلك تحتفظ بتماثل عجيب". أراد دكتور بوردو أيضًا أن يتأكد من الأمر بنفسه فذهب لرؤية إيلين هوايت وهى تدَّعى أنها في حالة رؤية وكانت هذه الحادثة في بكس بريدج Buck’s Bridge في نيويورك سنة 1857م فيقول : "في يوم 28 يونيو 1857م رأيت الأخت إيلين هوايت في رؤية لأول مرة وكنت آنذاك غير مؤمن بالرؤى، ولكن موقفًا من المواقف الكثيرة التي يمكن أن أذكرها أقنعني بأن رؤاها من الله. فلكي أرضى عقلي بشأن عدم تنفسها وهى في الرؤية أولًا وضعت يدي على صدرها مدة كافية، فتأكدت من عدم تنهد رئتيها تمامًا، كما لو كانت جثة هامدة، ثم أخذت يدي ووضعتها على فمها، وضغطت منخاريها بين إبهامي وسببابتي بحيث يستحيل عليها الشهيق أو الزفير، حتى ولو أرادت هي ذلك، فأمسكت بها هكذا بيدي قرابة العشر دقائق، وهذا يكفى لخنقها لو كانت في حالتها الطبيعية لكنها لم تتأثر بهذا على الإطلاق. ومنذ مشاهدتي هذه الظاهرة العجيبة لم أجنح ولو مرة واحدة بعد ذلك إلى الشك في مصدر رؤاها الإلهي". - الروح تموت مع الجسد يعتقدون أن الروح تموت مع موت الجسد وأن الروح الإنسانية ليست خالدة بل هي مثل روح البهيمة أو الحيوان. مع أن السيد المسيح قال "أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ليس الله إله أموات بل إله أحياء" (مت 22: 32). قال هذا في رده على الصدوقيون بخصوص المرأة التي كانت زوجة لسبعة إخوة فسألوه "فئ القيامة لمن من السبعة تكون زوجة فإنها كانت للجميع. فأجاب يسوع وقال لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله. لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء. وأما من جهة قيامة الأموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ليس الله اله أموات بل إله أحياء" (مت 22: 23-33). وهم يسيئون استخدام الآية التي وردت في سفر الجامعة "لأن ما يحدث لبنى البشر يحدث للبهيمة وحادثة واحدة لهم موت هذا كموت ذاك ونسمة واحدة للكل فليس للإنسان مزية على البهيمة لأن كليهما باطل" (جا 3: 19). طبعًا كاتب سفر الجامعة لم يقصد إطلاقًا أن روح الإنسان مثل روح البهيمة لأنه في الآيات السابقة لهذه الآية يقول "قلت في قلبي من جهة أمور بني البشر أن الله يمتحنهم ليريهم أنه كما البهيمة هكذا هم" (جا 3 : 18). فالرب يمتحن الإنسان بحادثة الموت التي تحدث للإنسان والبهيمة على السواء ليرى إن كان الإنسان سوف يؤمن بالحياة الأبدية أم لا. كما أنه يقول عن موت الإنسان "فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها" (جا 12: 7). أما في الإصحاح الثالث فيقول "من يعلم روح بني البشر هل هي تصعد إلى فوق وروح البهيمة هل هي تنزل إلى أسفل إلى الأرض" (جا 3 : 21) ففي قوله "من يعلم؟" هو يمتحنهم.. وقد أورد الكتاب المقدس العديد من الآيات التي تدل على أن روح الإنسان لها مكانة عند الله، ومن أمثلة ذلك قول الكتاب عن الرب "جابل روح الإنسان في داخله" (زك 12: 1) ، وأيضًا "لكن في الناس روحًا ونسمة القدير تعقلهم" (أى 32: 8)، و"روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني" (أى33: 4). وفي سفر أشعياء يقول "هكذا يقول الله الرب خالق السماوات وناشرها باسط الأرض ونتائجها معطى الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحًا" (أش 42: 5). كما أنهم يعتقدون أنه لا توجد دينونة أبدية للأشرار ولا قيامة لأجسادهم ولا عودة لأرواحهم بل يقيم الله الأبرار فقط ويعيد الحياة إلى أجسادهم وأرواحهم بنعمة خاصة. على الرغم من أن السيد المسيح تكلّم كثيرًا جدًا عن خروج الأبرار أو الصالحين للقيامة لحياة أبدية (أنظر مت25 )، وذهاب الأشرار إلى جهنم الأبدية المعدة لإبليس وملائكته "ثم يقول أيضًا للذين عن اليسار اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت25: 41). ويعتبرون أن نفس هذه القاعدة تنطبق على الرب يسوع المسيح من ناحية إنسانيته، أي أن روحه وجسده أعيدوا إلى الحياة مرة أخرى أيضًا بنعمة خاصة إلهية. وفي هذه الحالة يصطدمون بالآية التي قالها القديس بطرس الرسول "مماتًا في الجسد ولكن محيىً في الروح الذي فيه أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن" (1بط3: 18-19). فهم يقللون من شأن القيامة وتبدو مفاهيمهم مهتزة في عمل السيد المسيح الفدائي وقيامته من الأموات. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
13 نوفمبر 2018

ضمانات حياة الطهارة

يتصور بعض الشباب إن حياة الطهارة أصبحت أمرًا مستحيلًا هذه الأيام، فهناك بالفعل قوة جبارة تدفع الإنسان نحو السقوط: الغريزة بنداءاتها الملحة التي لا تهدأ، والمجتمع بعثراته الخطيرة التي لا تنتهي، والشيطان كرئيس شرير يعمل في هذا العالم ضد الله وضد القداسة، ليحاول قد إمكانه إفساد خطة الله من خلق الإنسان، وقصده المبارك من نحوه. النغمة الشائعة في هذه الأيام هي نغمة "روح العصر" فالمجتمع الحالي يجرى ليلاحق التطور العصري في مجلاته العلمية والفكرية والتقدمية، والمجتمع الكنسي يجتهد في استيعاب التغيرات التي طرأت على هذا الجيل، والنزعات المختلفة التي تحركها مثل: نزعة الكبرياء العقلية، ونزعة القلق، ونزعة التحرر ، ونزعة الانحلال، ونزعة الانفتاح الفكري... الخ. ولكن ثمة خدعة يحاول الشيطان إن يتسلل بها إلى قلوب شبابنا هذه الأيام، مؤداها أن هذا العصر يختلف كثيرًا عما سبقه من عصور، بحيث أصبحت القداسة سرابا لا داعي للاجتهاد في السير نحوه. الحقائق العُظمى حول الطهارة * الحقيقة الأولى: التي لا يرقى إليها شك إن كل مجتمع كان في عصره مجتمعًا عصريًا، فمجتمع القرن الأول كان عصريًا بالنسبة لما قبل الميلاد وهكذا... * والحقيقة الثانية: إن التغيير الذي يطرأ على المجتمعات لا يصيب جوهر الأمور إطلاقًا، بل هو تغير فكرى وعملي وسياسي واجتماعي، ولكنه يستحيل إن يفترق عن أي مجتمع سابق أو لاحق من جهة موضوع الخطية والقداسة، هذا الموضوع روحي محض، والروح أبدي خالد لا يخضع للزمن ولا للتطور بل هو خارجهما معا. * والحقيقة الثالثة: انه لا تغيير يمكن إن يطرأ على جوهر الإنسان فغرائزه هي بعينها كما كانت منذ القديم، وطبيعته الساقطة هي بذاتها كما ورثها عن آدم، وتطلعاته الأبدية وضميره الإلهي، أمور لا تتغير من جيل إلى جيل، إلا بقدر أمانة الإنسان في استخدامها أو تجاهلها. * والحقيقة الرابعة: أنه حتى إذا افترضنا جدلا سهولة السقوط وصعوبة الخلاص في هذا العصر، فيجب أي ننسى أنه " حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا" (رو5: 20) فليس خلاص الإنسان في يده وحده، ولكنه في يد الله حينما تمتد لتنتشل الإنسان الباحث عن الحق باجتهاد القلب وعزم صادق. ولعلنا لو طلبنا من شباب هذا الجيل إن يقيم الآن في عمورة وسدوم لما وجد فرقا بينهما وبين أحداث المجتمعات الآن، مع أن أربعين قرنًا تفصل بين المجتمعين. ولعلنا نذكر أيضًا كيف كانت القداسة مزدهرة في العصر الرسولي، بينما كان السحر منتشرا بصورة مذهلة، وكانت الأوثان تعبد بطقوس نجسة شائنة. إذن فلا جديد تحت الشمس، الجديد هو في تخاذل نيتنا كشباب إن نحيا للمسيح، ومن هنا نلتمس المعاذير تحذيرًا لضمائرنا حين تنحرف. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
06 نوفمبر 2018

لماذا خلق الله الجنس؟

كان من الممكن -لو أراد الله للبشرية إن تستمر- أن خلقنا بتكوين آخر يسمح بامتداد النوع وحفظه دون الحاجة إلى هذه الشركة دون جنسين مختلفين ونحن نعرف -علميا- ذلك الذي نسميه: التلقيح الذاتي مثلًا أو إن يخلق الله الإنسان بغريزة تتحرك في وقت معين بهدف حفظ النوع وترقد هادئة بقية العام، لكن الله -في الواقع- أراد بالجنس ما هو ابعد من مجرد حفظ النوع وذلك ما انفرد به الإنسان دون سائر المخلوقات لقد أراد بالجنس نوعا من الحب والشركة والاتحاد بين الإنسان والله، وبين الإنسان والآخر. وهذا يتحقق -بصورة خاصة- في سر الزواج المقدس، حينما يعطى الإنسان المؤمن نفسه للآخر بلا تحفظ، ويتحد الاثنان بالروح القدس ليصيرا واحدا، ويصير كل واحد منهما زوجا. لذلك فكل انحراف بالجنس عن ذلك المسلك الطبيعي المقدس هو تعبير عن انحراف في "تيار الحياة". 1) الذاتية ليس من شك إن الله خلق الإنسان ليحيا في شركة معه، ولذة الطرفين تكمن في هذه الشركة، "لذتي مع بنى آدم" لكن مشكلة الإنسان تحدث حين ينعكف على ذاته، وينحصر داخل نفسه، لا يعطى شيئا للغير ولا حتى لله. هذه الاكتفائية بالذات هذه الأنانية والعزلة هي القوة الأولى التي تنحرف بالجنس ليصير ضارًا. هنا يبدأ الشباب يحصل على لذته من نفسه، ويتعبد لذاته وكبريائه، ويحطم الآخرين ليرتفع هو هذا الانغلاق الأناني هو المحرك الأول لشهوات الجسد سواء ما كان منها ذاتيًا (كالعادات الشبابية) أو مع الآخرين (كالعلاقات المنحرفة) الذات هي المحرك فهو يحب نفسه ويريد إن يمتعها ولو على حساب آخر. لذلك فالإحساس بالمسيح، والاقتراب منه، والانفتاح لعمل السماء والنعمة، يصحح تيار الحياة وهذا أمر ضروري لحفظ الجنس في إطاره الصحيح والتخلص من هذه الانحرافات المسيح يخرج النفس من عزلتها لتتحد به وبالبشرية كلها " افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي" (نش5: 2). المسيح ينادى نفسك يا أخي الشاب. فهل تفتح له قلبك؟ وهل تدخل في حوار واقعي معه؟ وهل تسلم له حياتك ليخلصها من كل أنانية بغيضة فتعيش بالمحبة وللمحبة؟ إن الإيمان بشخص المسيح، والحديث الهادئ معه في الإنجيل أو المخدع أو القداس، هو دواء لكل الشهوات الرديئة: "عند إصعاد الذبيحة على مذبحك، تضمحل الخطيئة من أعضائنا بنعمتك " (قسمة القداس الإلهي). لذلك فالسؤال الأول المطروح أمامي كشاب هو: هل عرفت المسيح حقا؟ وهل دخلت في حديث معه؟ وهل أحبه لصفاته العذبة وعمله الفدائي لأجلى، إن لم تكن قد دخلت في هذه الشركة فهيا الآن اجلس في هدوء وتصور رب المجد أمامك وأبدأ حديثا معه، وإن بدأ الحديث فلن ينته. 2) المادية يحس الإنسان بنشوة خاصة في ممارسة الجنس سرعان ما تتحول إلى ضيق وفراغ، إن هو مارس الجنس خلوا من المحبة النقية الكائنة في سر الزيجة، لذلك فهذه النشوة الشعورية الحسية، التي كثيرا ما تشد الشباب للانحراف، تحتاج إلى اختبار لنشوة روحية هادئة تنقل الإنسان من مستوى الجسدانيين إلى مستوى الروحانيين. مشكلة الشباب أنهم لا يريدون إن يحيوا الحياة في ملئها ونقاوة قصدها وهم إن تذوقوا هذه الحياة سيتأكدون أنها أفضل وأعمق وأبقى من لذة الخطية، التي تنفي عن الحياة جديتها وعمق مصيرها. وهذا السقوط إلى المستوى الحسي والمادي ينسحب إلى (أو هو في الحقيقة ينبع من) الاستعباد للمادة بوجه عام، وعدم قدرة الإنسان على رؤية غير المنظور من خلال المنظور، إن الوهم الذي يقع فيه معظم الناس هو إن المادة في ذاتها تقدر إن تهب الحياة والسعادة وهذا الوهم كان نتيجة سقوط آدم لكن ابن الله الكلمة الذي خلق كل شيء حسنا، صحح هذه الرؤية بتجسده إذ لبس المادة ولمسها واكل منها وهكذا تقدست المادة أو بالحري استعلنت نعمة الله من خلالها، ومن ثم وهبنا بصيرة جديدة هي عطية الإيمان: إن نرى ونطلب بالإيمان مجد الكلمة من وراء الجسد والمادة.. هذا الإيمان نختبره ونمارسه من خلال الأسرار الكنسية، وفى ممارستها تتجدد فينا قوة هذه البصيرة وتشحذ وهكذا نستطيع إن نعيش في الخليقة الجديدة، بالحياة الروحية أي بروح الله المنسكب علينا من العلاء، فلن نقف بحسنا ومشاعرنا عند حد المادة، ولن نظن إن سعادتنا وكفايتنا كامنة في المنظور، بل في ابن الله الكلمة واهب الحياة وغاية الحياة. هل ذقت يا أخي الشاب حلاوة صفاء الحياة الروحية هذه؟ وهل ترن في أذنيك أنغام أورشليم؟ التي سبقنا إليها انطونيوس وبولا وأغسطينوس؟ تلمس في هدوء بصيرة الإيمان التي فيك، حتى ترى الله في كل خليقة وكل إنسان، فيتنقى العالم أمامك ويتطهر. 3) الفراغ يستحيل إن يعيش الإنسان في فراغ، والفراغ هنا ليس فراغ الوقت بل خلو الحياة، حين تكون الحياة خلوا من رسالة. هنا الضياع والسقوط في العبث الذي طبع الأدب الفرنسي لزمان غير قليل، وأنتشر في بقاع كثيرة بعد ذلك. إن مَنْ يقرأ لصموئيل بيكيت Samuel Beckett أو اونسكو سيشعر بمرارة ما يعانيان من ضياع معنى الحياة والوجود في نظرهما وحين يفقد الإنسان رسالته في الحياة إلى مأساة ويتحول الآخرون إلى جحيم، لأنهم سيعطلون طوح الذات. لكن الرب يفتح لنا هنا أفقا رائعة: "أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا" الإنسان هنا، وجد لكي يخدم ويتحد بالمحبة مع البشرية كلها، وحين يشعر الإنسان انه "رسول محبة" للإنسانية ينسى ذاته ويتذكر أخاه فلا يعد أنانيا بل محبا للجميع من قلب طاهر بشدة. لا تجلس متباكي على بعض المتاعب الجنسية عندك، لكن أخرج إلى الطرقات لتبحث عن الخراف الضالة والمجهدة، وتدعوها إلى وليمة المحبة في بيت الرب، والى شركة الوجود في حضرة الله، هل تشعر يا أخي الشاب أنك "رسول محبة"؟ تقدم الخدمة لكل فقير أو بعيد، وتقدم من حبك لكل محروم ومتضايق، هل تخدم الرب بأمانة وأتساع قلب؟ أم أنك تحيا لتكون نفسك ماديا، وتمتع نفسك بما في هذا الدهر وتترك أخوة لك -فقراء في الروح أو المادة- يتضورون جوعًا. فلتكن لك رسالة وخدمة، واخرج من بيتك لتزرع الحب والسلام في كل الأرض . 4) التوتر حين يعانى الشباب توترا وقلقا نفسيا من اجل المستقبل مثلا، أو من اجل متاعب مادية أو اجتماعية في محيط الأسرة، ينعكفون على الخطية لاستجلاب لذة تعويضية عن المرار الذي يعيشونه. لذلك يلزم للشباب الذي ينشد الطهارة ألا يترك نفسه لأي سبب أو لأي مشكلة، بل يسلمها في هدوء بين يدي الله، واثقا أنه أبن لأب يرعى احتياجاته ويعطيه الطعام في حينه الحسن، ويعمل كل شيء حسنا في وقته. إن لحظات المخدع التي تتحاور مع الله بخصوص مشاكلك المادية والعلمية والعائلية.. تهدى نفسك وتسكب السلام في داخلك، فلا تشعر بجوع عاطفي، ولا بتوتر نفسي يدفعك للسقوط، خصوصا في الأفكار الشريرة أو العادات الضارة كالعادة الشبابية أو عادة التدخين أو غيرها. والآن يا أخي الحبيب.. مزيدا من الحب للمسيح والتطلع للسماء، والمحبة للآخرين، والسلام الداخلى.. وهكذا تحصل على الطهارة والقداسة التي بدونها لن يرى احد الله. "من لي في السماء ومعك لا أريد شيئًا على الأرض" (مز73: 25) نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
30 أكتوبر 2018

الشباب و الصوم

إذا كان الصوم احتياجًا ماسًّا لكل الأعمار، إلا أنه بالنسبة للشباب احتياج في غاية الأهمية، وذلك لأسباب منطقية: 1- حاجة الشباب إلى تقوية الإرادة: فالشباب مرحلة القرارات الهامة والمصيرية، مثل قرار: الدراسة - اختيار العمل - اكتشاف شريك الحياة - تغيير المسار في مجالات كثيرة ... ألخ. ولذلك يحتاج الشباب إلى تقوية إرادته ليتخذ القرار الصائب في الوقت السليم! والصوم تدريب ممتاز "لتقوية الإرادة"! آكل هذا الطعام ولا آكل ذلك، مع أنه شهي! آكل الآن، أم أن هناك فترة انقطاع! أصوم كل الأصوام أم بعضها! أصوم المدة كلها، أم بعضها! والقرار هنا، بدوافع روحية وكنسية وصحية ومنطقية... قرار هام! والصوم فرصة ممتازة لتقوية الإرادة، ودعم الحياة الروحية والكنسية. 2- حاجة الشباب إلى حياة الطهارة : ومعروف عمليًا أن الأطعمة البروتينية نوعان: اللحوم: وهذه تعطي طاقة غضبية وشهوية أكثر، كما أثبتت بعض الدراسات العلمية الحديثة! والأسماك: وتعطي طاقة غضبية وشهوية أقل! كلاهما بنّاء للأنسجة.. وكنيستنا المسترشدة بالروح القدس رتّبت الأصوام على درجتين: واحدة تسمح بالأسماك: كصوم الميلاد والرسل والعذراء، وأخرى تخلو منها: كالصوم الكبير، والأربعاء والجمعة والبرامون.. وهذه حكمة من الكنيسة لحاجة الإنسان إلى البروتين، فاختارت له الأسماك في أصوام كثيرة. لذلك فالأصوام تساعد في حياة الطهارة، لأنها تتضمن مع نوع الأكل، وفترة الانقطاع، الانتظام في القداسات والصلوات والتناول، وهذه أسلحة عامة وهامة لحياة الطهارة! فالنفس الشبعانة (بالمسيح والروحيات) تدوس العسل (عسل الخطية المسموم): «النَّفسُ الشَّبعانَةُ تدوسُ العَسَلَ» (أمثال27: 7). 3- حاجة الشباب إلى الحياة الكنسية: وهذا أمر هام جدًا، إذ يحتاج الإنسان عمومًا، والشباب بصفة خاصة، إلى إشباع بعض الاحتياجات النفسية مثل: الحاجة إلى الأمن، والحب، والانتماء، والنجاح، والخصوصية، والمرجعية... وهذا يأتي من التواجد في عضوية الجماعة المقدسة، والحياة الكنيسة.. بما فيها من تعليم وأنشطة وممارسات وأسرار مقدسة.. وهذا سند هام للإنسان، إذ يحس إنه: ‌أ-عضو في الكنيسة، والجسد المقدس، والجماعة المرتبطة بالرب. فهو واحد من المؤمنين المجاهدين على الأرض، تطلُّعًا إلى السماء. ‌ب- له عشرة وشركة واقتداء وتشفّع بالقديسين في الفردوس... فهم سحابة شهود محيطة بنا ترقب جهادنا، وتصلى لأجلنا «لذلكَ نَحنُ أيضًا إذ لنا سحابَةٌ مِنَ الشُّهودِ مِقدارُ هذِهِ مُحيطَةٌ بنا» (عبرانيين12: 1). ‌ج- المسيح هو رأس هذا الجسد، والشاب كعضو في الكنيسة، هو متصل به، يشبع ويخلص ويحيا به إلى الأبد. والأصوام الجماعية هامة لهذا الهدف، نصوم معًا صوم: الميلاد ويونان، والكبير، والرسل، والعذراء.. فنحس بوحدة جسد الكنيسة، ونحيا تذكارات هذه المناسبات.. إذ يذخر كل صوم منها بالمعاني والقراءات والقدوة والتسابيح والقداسات. وبممارسة هذه الحياة الكنسية: الإرادة ... تتقوى! والطهارة... تزداد! وعضوية الجسد المقدس... تتدعم! لهذا نصوم... وبهذا ننتصر على أعدائنا: الجسد، وعثرات العالم، والشيطان؛ فنهتف جميعنا: «يَعظُمُ انتِصارُنا بالّذي أحَبَّنا» (رومية8: 37 نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
23 أكتوبر 2018

الشخصية والمشاكل الأسرية

1- يتصور بعض الآباء والأمهات أن المشاكل التي تحدث بينهم في المنزل، ليست لها أيّة آثار في حياة وشخصيات أولادهم. ولا أنسى يومًا كنت أحاول فيه إقناع زوجة بالصلح مع زوجها، وكان معها بعض أقاربها، وكان طفلها يجيء كل بضع دقائق لكي يستريح في حضنها، ولكنها كانت منفعلة جدًا، فكانت - هي وأقاربها - يحاولون إبعاد الطفل بأساليب كثيرة، ليدخل إلى حجرة أخرى، ولكن دون جدوى، فقد أصر الطفل أن يرتمي في حضن أمه!إن هذه الأمور يستحيل أن تعبِّر على الطفل ببساطة، تلك النفسية الشفّافة البريئة، فلقد أخذ الطفل يصرخ دون توقُّف، متضايقًا من هذا التجاهل وهذه الانفعالات الحادة.2- ولا أنسى أسرة ذهبتُ لزيارتها، وكانت أسرة مسيحية من الطراز الأول، نشأ الأولاد فيها في سلام وقداسة ومحبة، ومُشبَّعين بروح الصلاة وشركة الأسرار المقدسة. جاءت قريبة لهم تشكو زوجها بانفعال شديد. فإذا بالطفلة الصغيرة في الأسرة تختبئ في حجر أمها وتقول لها: "ماما.. اجعلي هذه السيدة تمشي من هنا".. نعم.. فهي لم تتعود على هذا الصياح والهياج والعنف. 3- أما عن "مرحلة الطفولة المبكرة" وما تتسم به من حب لتقليد الوالدين، فهي مرحلة خطيرة جدًا إذ تكمن في هذا الطفل (من 3-5 سنوات) بذور شخصيته كرجل أو امرأة.. فإذا ما نشأ الطفل في جو كنسي، صار ابنًا للرب وللكنيسة.. أمّا إذا نشأ في جوٍّ يسوده التدليل والعاطفة الشديدة، نشأ تابعًا لأبيه أو أمه، دون استقلال لشخصيته، فتراه - وهو رجل كبير فيما بعد - مرتبطًا بأسرته أو بأمه بصورة مريضة.. أو تراها عروسًا مرتبطة بأمها، وأمها مرتبطة بها بصورة تدمر حياتها، وبيتها الجديد. 4- أمّا إذا نشأ الطفل في جو تسوده القسوة، فسوف ينشأ عدوانيًا، يكره كل من حوله.. 5- وإذا نشأ في جو يسوده الانقسام والتناقض، نجد أنه يقتني شخصية مضطربة غير سوية.. فهو يرى الخلافات حوله في كل يوم، فيكره الحياة الأسرية، وأحيانًا يكره الزواج، وتصير شخصيته غير سليمة.من هنا يجب أن يلتزم الوالدان بما يلي:1- الترابط العائلي: وسيادة روح المحبة المسيحية في الأسرة. 2- التربية المتوازنة للأولاد: فلا قسوة ولا تدليل، ولا تناقضات وانقسامات وخلافات، ولا قسوة أب وتدليل أم.. وهكذا.3- الفهم السليم لمراحل الأولاد: فطفل الابتدائي يحتاج إلى الحب، وفتى الإعدادي يحتاج إلى الإيمان، وشاب الثانوي يحتاج إلى التوبة والعشرة مع الله، وفي الجامعة ينبغي أن يكون قد صار خادمًا ناضجًا.. وحينما يختار شريكة حياته أو يتخذ قرارات المستقبل يحتاج إلى الحوار والتفاهم. 4- القدوة الشخصية: إذ يستحيل على الأب المدخن أن يقنع ابنه بعدم التدخين. وأمامنا مشكلة الإدمان وكيف تهوي إليها الشخصيات المتوترة والمضطربة.ليت كل أسرة تقتنع بضرورة سيادة الرب على حياتها، وفكر الله على تصرفاتها، والانتماء الكنسي على سلوكياتها، ولربنا كل المجد.. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
16 أكتوبر 2018

أنت هو الحياة

فرق بين أن يكون الرب هو القيامة، وبين أن يكون هو الحياة!! فالقيامة معناها إعطاء أو إعادة الحياة للميت. أما الحياة. فمعناها انه أصل هذا الوجود كله!! فالرب يسوع هو "حياتنا" (كو4:3)، "به نحيا ونتحرك ونوجد" (أع 28:17)، "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس" (يو4:1)، "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو6:14)، "إنى أنا حىّ ، فأنتم ستحيون" (يو19:14). وهناك ترنيمة تنادى الرب قائلة: "يا يسوع الحياة.." إنه ليس فقط معطى الحياة.. بل هو الحياة ذاتها!! الحياة أنواع : وهناك أربعة أنواع من الحياة، كلها مصدرها الرب يسوع: 1- الحياة الجسدية. 2- الحياة الروحية. 3- الحياة الأدبية. 4- الحياة الأبدية. والرب يسوع هو أساس وجوهر ومصدر كل هذه البركات، وبدونها يسقط الإنسان فى موت الجسد، والروح، ويفقد كرامته الإنسانية، وحياته الأبدية. 1- الرب يسوع.. حياتنا الجسدية: فنحن نأخذ حياتنا من الرب لحظة وراء الأخرى، وكلمة الله واضحة فى هذا الأمر: "به نحيا ونتحرك ونوجد" (أع 28:17)، "فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس" (يو 4:1). فالرب يسوع هو الكلمة.. فيه خلق الكل، ما فى السموات وما على الأرض... ما يرى وما لا يرى، سواء كانت عروشاً أم رياسات أم سلاطين.. الكل به وله قد خلق.. الذى هو قبل كل شئ.. وفيه يقوم الكل.. (كو 16:1-17). وفى هذه العبارة المقدسة نجد أن: 1- الرب يسوع هو الذى فيه خلق الكل. 2- وأن الكل به قد خلق (أى بواسطته أو بيده الإلهية). 3- والكل له قد خلق (أى القصد من خلقة الإنسان تمجيد المسيح). 4- فيه يقوم الكل (أى انه الحافظ لكل المخلوقات). من هنا كان لابد أن نتذكر هذه الحقيقة كل يوم وكل لحظة.. فنحن حينما نستيقظ فى الصباح، علينا أن نذكر أن الرب أنعم علينا بأن نرى يوماً جديداً. فالرب هو سر حياتنا الجسدية.. معطيها.. وحافظها.. وعلينا أن نكرسها له، فهو صاحبها الأساسى!. وحينما نسمع أحد رجال الله يدعونا قائلاً: "سلموا حياتكم للرب".. علينا أن نتذكر أن هذا ليس تفضلاَ منا، فحياتنا أساساً هى للرب ومنه، وبه تقوم. واجب إذن أن نشكر الله على هذا العمر، وأن نمجد الله فى أيامنا وأحوالنا، وأن نشهد لله بعمله المتجدد معنا، وبركاته الجديدة فى كل صباح. 2- الرب يسوع.. حياتنا الروحية: وهنا البركة الأهم والأخطر‍ "فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه"(مر36:8). فالحياة على الأرض عطية يتمتع بها الأبرار والأشرار، المهم نوعية هذه الحياة فى الزاوية الروحية.. الجسد يحيا ويتحرك ويوجد.. فهل الروح أيضاً حية ومتحركة وفاعلة؟‍ هذا السؤال الخطير، الذى جعل الرب يعتبر أن الإنسان الخاطئ ميت، حتى لو كان حياً بالجسد، "المتنعمة قد ماتت وهى حية" (1تى 6:5)، "استيقظ أيها النائم، وقم من بين الأموات، فيضئ لك المسيح" (أف 8:5)، "لك أسم انك حى... أنت ميت" (رؤ 1:3). حياة الروح إذن هى المهمة‍، وهى جهادنا اليومى، وهى عطية الرب يسوع أيضاً، لمن يطلبها بأمانة. ذلك عهد الرب مع أولاده، فى العهدين القديم والجديد. جيش عظيم جداً جداً: رأى حزقيال فى رؤياه بقعة ملآنة عظاماً، والعظام كثيرة جداً، وقال الرب لحزقيال النبى: "أتحيا هذه العظام؟" فأجاب حزقيال: "يا سيد الرب.. أنت تعلم"، قال الرب: "تنبأ على هذه العظام وقل لها: أيتها العظام اليابسة... إسمعى كلمة الرب.. هكذا قال السيد الرب لهذه العظام: هاأنذا ادخل فيكم روحى فتحيون... واضع عليكم عصباً، واكسيكم لحماً، وابسط عليكم جلداً... وأجعل فيكم روحاً فتحيون... وتعلمون إنى أنا الرب" (حز 1:37-6). ويقول حزقيال النبى: كان صوت وإذا رعش. طفلة ملقاة على وجه الحقل: ورأى حزقيال رؤيا أخرى: طفلة ملقاة على وجه الحقل... أبوها أمورى وأمها حثية.. لم تقطع سرتها... ولم تغسل بماء.. ولم تملح تمليحاً.. ولم تقمط تقميطاً.. لم تشفق عليها عين.. بل طرحت على وجه الحقل. تنتظر لحظة الموت ولكن ماذا حدث لهذه الطفلة، التى هى أنت وأنا، نفسك ونفسى.. مررت بك، ورأيتك مدوسة بدمك فقلت لك: بدمك عيشى. قلت لك.. بدمك عيشى.. مررت بك ورأيتك.. فإذا زمنك زمن الحب.. بسطت ذيلى عليك.. وسترت عورتك.. ودخلت معك فى عهد.. حممتك بماء (المعمودية).. ومسحتك بزيت (الميرون)... وألبستك مطرزة (التبرير).. وحليتك بحلى (الفضائل).. وأكلت السميذ والعسل (التناول والأغذية الروحية) وجملت جداً جداً فصلحت لمملكة.. وخرج لك اسم فى الأمم لجمالك.. لأنه كان كاملاً ببهائى.. الذى جعلته عليك (حز 6:16-14). هذا ما فعله الرب معنا حينما افتقدنا بخلاصه، وتمتعنا ببركات فدائه، بالإيمان والمعمودية والميرون، بالتنول وشركة جسد الكنيسة، فصرنا أحياء بعد موت. 3- الرب يسوع.. حياتنا الأدبية: قال الرب للطفلة الملقاة على وجه الحقل.. بعد أن أنقذها من الموت، وأطعمها خبز الحياة.. إنها صارت جميلة جداً (بالفضائل)، فأصبحت تصلح لمملكة. نعم.. هو المجد الذى خلعه الرب علينا.. الآن نحن أولاد الله.. ولم يظهر بعد ماذا سنكون.. ولكن نعلم انه إذا اظهر.. نكون مثله.. "لأننا سنراه كما هو" (1يو 2:2). أمجاد كثيرة فى هذه الآية: 1- نحن أولاد الله.. لسنا عبيداً بل أبناء. 2- إننا سنكون مثله.. أى "شركاء طبيعته الإلهية" (1يو 2:3)، وفى نفس الوقت جسدنا فى القيامة سيكون بشبه جسده الممجد (فى 21:3). 3- إننا سنراه كما هو.. أى إننا سندرك أسرار الألوهة فى عمق أكبر جداً، حينما نلتقى به فى المجد، ونكون مع الرب إلى الأبد. وفى سفر الرؤيا نجد وعداً عجيباً: "من يغلب فسيجلس معى فى عرشى.. كما غلبت أنا أيضاً.. وجلست مع أبى فى عرشه" (رؤ 21:3). وفى نفس الوعد قاله الرب لتلاميذه أنهم.. سيجلسون على اثنى عشر كرسياً ويدينون أسباط إسرائيل الأثنى عشر (لو 30:22). ألم يقل الرب انه جعلنا "ملوكاً" وكهنة لله أبيه (رو 10:5) ملوكاً.. كأبناء الملك العظيم.. وكهنة.. بمعنى الكهنوت العام للمؤمنين، والذى من خلاله يقدمون ذبائح الحمد والتسبيح وأعمال المحبة. أى مجد هذا؟ أن نصير أبناء الله، أن نصير واحداً فيه.. (يو 21:17)، أن يصير لنا نفس مجد الابن.. (يو 22:17)، أن نصير شركاء الطبيعة الإلهية.. (2بط 4:1)، أن نجلس فى عرش سماوى مع الرب.. (رو 21:3). هذا كله عطاء إلهى، ونعمة مفاضة، يعطيها لنا الرب من فرط سخاء محبته لبشر ضعفاء.. وأناس خطاة.. لكنها النعمة السخية، فالرب "يعطى بسخاء ولا يعير" (يو 5:1)، فنحن سنظل إلى الأبد.. مجرد بشر.. ننعم بعطايا الإله.. ونمجد صلاحه فى كل حين. فلا تحزن يا آدم على ما فعلته الخطيئة بك... حيث سقطت تحت حكم الموت... وتلوثت طبيعتك بالفساد... وصرت مهاناً من الأرض والشوك... ومن الوحوش والطبيعة... فها قد جاء الرب يسوع... وغسل بدمائه الأرض من لعنتها.. والنفس من خطاياها... وكل من "آمن واعتمد خلص" (مر 16:16). 4- الرب يسوع.. حياتنا الأبدية: "هذه هى الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك، ويسوع المسيح الذى أرسلته" (يو3:17). نعم..فالرب يسوع هو حياتنا الأبدية.. وكل من تذوق حياة الشركة مع الرب، عاش الأبدية وهو بعد فى الجسد، وعلى هذه الأرض.. إنه العربون الذى يعطيه الرب لأولاده قبل اكتمال السعادة والقداسة والمجد، قال الرب: "ها ملكوت الله داخلكم"، وقال أيضاً: "إنى حىّ، فأنتم ستحيون" إذن، طالما أن الرب حىّ.. فنحن أحياء بحياته، وطالما أنه خالد.. فنحن مخلدون بقوته... وطوبى لمن يحيا للرب على الأرض.. لكى يحيا به فى الملكوت...أما من أهمل حياته الروحية على الأرض فمسكين.. لأنه سيبقى غريباً عن الملكوت.. القارئ الحبيب .. هذا هو الرب الإله الفادى.. قيامتك.. وحياتك.. فأرتبط به.. وأختبر الحياة .. لكى تحيا.. والرب معك.دماء. نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل