المقالات

08 يناير 2024

وبالناس المسرة

المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة (لو ١٤:٢) هذه كانت أنشودة جمهور الملائكة، بعد أن بشروا الرعاة بميلاد المخلص فما معنى بالناس المسرة»، ومتى يسر الله بنا؟ ليس معناها أن المسرة دخلت في قلوب الناس مع أن هذا ما حدث فعلاً، إذ قال الملاك: «فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسـيح الرب (لو٢ ۱۱.۱۰ ) وقد فرح العالم كله بميلاد السيد المسيح اليهود (الرعاة)، والأمم (المجوس) الكل فرح بميلاد المخلص فعلاً، لكن المعنى الحرفي لهذه الآية «أن الله أصبح مسرورا بالناس»، أو أن «مــــســــــرة الله صارت في الناس» وهذا ما قاله الرب في العهد القديم: «ولذاتي مع آدم (أم۳۱:۸) فحين خلق الله الإنسان خلقة لكي يعطيه السعادة والفرح ويجعله شريكا له في أمجاده وملكوته ولكن لما أخطأ الإنسان، صارت هناك خصومة بين الله والإنسان، فصار على الإنسان حكم الموت، وفي داخله طبيعة فسدت بالخطيئة. فماذا فعل الله لأجل الناس؟ أخرج الله الإنسان من جنة عدن حتى لا يأكل من شجرة الحياة، ويحيا في فساد باستمرار، أخرجه بعد أن أعطاه وعدا بالخلاص وأضع عداوة بين وبين المرأة وبين نسلك ونسلها . هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه (أى الشيطان)..» (تك١٥:٣).وبالفعل حينما ولد السيد المسيح الإله المتجسد وظهر الله في شكل إنسـان استطاع أن: يعلمنا طريق الخلاص. يموت نيابة عنا على الصليب. يسكن فينا بالإفخارستيا(التناول). وهكذا تخلص الإنسان من المشكلتين: ١- حكم الموت... إذ مات المسيح عنا. ٢-فساد الطبيعة حين طهرنا المسيح بدمه. ولهذا صار الإنسان موضع مسرة» الله وصار الله مسرورا بالإنسان وانتهت الخصومة، واصطلح الإنسان مع الله؟ ولكن بمن يسر الله؟ الله يفرح بالخاطئ إذا تاب. والتائب إذا شبع روحيًا وأثمر . والمثمر إذا خـدم الآخرين. وتدور الدورة مرة ومرات لأن هذا الخادم سيساعد آخرين على التوبة، وبعد أن يتوبوا يشبعوا روحيًا ويثبتوا في الرب، ويثمروا ثمار الروح، وحينئذ يتحولون هم أيضا إلى خـدام وخادمات، وهلم جرا ! نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
25 ديسمبر 2023

تشبيهات القديس أثناسيوس عن التجسد

وخير ما ننهى به هذه الدراسة المبسطة ، التشبيهات التي أوردها القديس أثناسيوس الرسولى عن التجسد الإلهى ، ليشرح بها لنا أبعاد هذه العقيدة الهامة . وهذه بعضها : ۱ - تشبيه الملك : لو تصورنا أن ملكاً إختار مدينة في مملكته وسكن فيها . إذن ، فسوف تكون هذه المدينة هي العاصمة . وستكون لها كرامة خاصة . كما أن سكنى الملك في أحد بيوتها هو سكني في كل البيوت ولو فرضنا أن سكان المدينة أهملوا فى حراستها ، فبدأ الأعداء يطغون الأسوار ويهاجمون الأهالي، هل سيسكت الملك على ذلك قائلاً هم المسئولون ؟ أم أنه سيهب لنجدتهم دفاعاً عن هيبة المملكة ، ومعتبراً أن الإساءة لأحد رعاياه إساءة له شخصياً ؟ هذا بالضبط ما حدث في التجسد فالله حين سكن في أحشاء العذراء مريم إنما رضى بذلك أن يسكن في كل البشر، وهذا شيء طبيعي لأن الله في كل مكان ولا يحده شيء ومع أن البشر أهملوا في حراسة طبيعتهم البشرية وسمحوا للشيطان بأن يطغاها ، إلا أن ذلك لم يجعل الله يتخلى عنا بل بالحرى هب لنجدتنا ، وجاء إلينا ليخلصنا . ٢- تشبيه الفنان : لو تصورنا أباً له إبن وحيد ، وهذا الإبن سيسافر طويلاً . إستدعى الأب فناناً مبدعاً وطلب منه أن يرسم لإبنه صورة جميلة يراه فيها . أثناء غيبته. وبالفعل تم ذلك. وبعد فترة سقطت على هذه الصورة أشياء شوهتها تماماً. فاذا يفعل الأب، والابن قد سافر فعلاً ؟ ... إستدعى الفنان طالباً منه تجديد الصورة، ولكن الفنان طلب عودة الإبن من الخارج ليعيد الرسم. ولما عاد الإبن أراد الفنان أن يمزق الصورة المشوهة ويرسم صورة جديدة. لكن الأب اعترض بشدة قائلا له : جدد لي الصورة القديمة ولا تمزقها لأنها كانت تحمل لى كل يوم صورة إبنى الحبيب وهكذا أعاد الفنان الملهم رسم الصورة في نفس الصفحة القديمة » . وما معنى ذلك ؟ إن الله قد خلقنا على صورته ومثاله. فلما شوهنا هذه الصورة نزل بنفسه وأعاد الصورة إلى أصلها دون أن يعنى البشرية ويخلق بشرية جديدة ... فيا لعظم حكمة الله ومحبته لنا !! ٣ - تشبيه المعلم : إن المعلم الصالح والكبير لا ينتظر أن يتصاعد الصغير إليه ، بل يتنازل هو إليه ، وهكذا يلتقى به ويشرح له ما يريد. لهذا نزل الرب من السماء إذ مستحيل أن تصعد إلى السماء بدونه . ٤ - تشبيه القشة والإسبستوس : شبه القديس أثناسيوس الرسولى الطبيعة البشرية بقشة قابلة للحريق (بالخطية والدينونة ) . لكننا إذا غلفنا هذه القشة بمادة الإسبستوس الغير قابلة للإشتعال حافظنا عليها من هذه النيران . وهكذا الإنسان "حين يلبس الرب يسوع " يتقى نار الدينونة وهلاك الأبدية ، ويحفظه الرب لأبدية سعيدة معه وهكذا عبر القديس أثناسيوس عن أهداف النجسد من خلال هذه التشبيهات الجميلة شكراً لله على عطيته التي لا يعبر عنها » ( كورنثوس الثانية ٩ : ١٥ ) . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
20 ديسمبر 2023

بالتجسد إنتهت مشكلة الشر والألم

لاحظنا مما سبق أن التجسد كان طريقاً إلى أهداف عديدة منها : - ١- التعرف على الله الروح، إذ اتخذ جسداً ، فصار من الممكن أن نتعرف عليه ، وأن نسمع صوته . ٢- إتمام الفداء، فبالتجسد حصلنا على الفادى المناسب ، القادر أن يموت عنا بناسوته ، وأن يقوم لأجلنا بلاهوته . ٣ - سقوط الشيطان : فقد سحقه الرب بالصليب ، وسبى سباياه داخلاً بهم في ظفر إلى الفردوس . يبقى أن تدرك أن التجسد أنهى مشكلتي الشر والألم من حياة البشرية . مشكلة الشر : صار الإنسان - بسبب السقوط - يعاني أمرين : ١- الطبيعة التي فسدت بالخطيئة . ٢ - الحكم الذي صدر ضده بالسقوط . لكن الرب بتجسده حل هاتين المشكلتين ، إذ مات عنا على الصليب ، فانتهى الحكم الذى كان علينا ، واتحد بجسدنا ، فأعاد خلقتنا وطهرنا من فسادها . وهكذا - بالمعمودية - دفنا مع المسيح ، ثم قمنا معه في حياة جديدة . أو كما يقول القديس أثناسيوس الرسول ، صرنا كقشة سهلة الحريق ، ولكنها إذ أحيطت بمادة الإسيتوس غير القابلة للإشتعال ، صارت في مأمن من حريق الدينونة . ومن هنا صار الإتحاد بالله ممكناً ، من خلال الحياة اليومية معه، والتناول المستمر من جسده ودمه الأقدسين . و يشبه القديس أثناسيوس عملية تجديد خلقة الإنسان يملك له إبن وحيد وإذ أوشك الإبن على السفر طلب الملك من فنان عظيم أن يرسم له صورة إبنه الحبيب ، فخرجت الصورة بديعة جداً وسافر الإبن ، وحدث للصورة ما أفسدها ولما أراد الأب استعادة صورة إبنه طلب الفنان عودة الإبن من الخارج يرسم الصورة من جديد. وبالفعل عاد الإبن مرة ثانية ، وأعاد الرسام الصورة إلى أصلها دون أن يمزق اللوحة التي فسدت حيث أنها كانت تحمل فى الأصل صورة الابن ويقول القديس أثناسيوس أن هذا ما فعله الله معنا، جاء إلينا ، وأعاد رسم الصورة على نفس طبيعتنا الساقطة دون أن يفنى هذه الخلقة الأولى التي حملت يوماً ما صورته الإلهية وهكذا أعيدت خلقة الإنسان، وصار من الممكن لا أن تغفر له خطاياه فحسب، بل أن يتجدد حسب صورة خالقه « إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذى يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه » ( کو ۳ : ۱۰۹) .وقد شبه الله ذلك في العهد القديم بالفخاري الذي صنع من الطينة وماء، وإذ لم يكن كما يريد ، أعاد صنعه ثانية بعد أن فسد . وقال الرب هوذا كالطين بيد الفخاري، هكذا أنتم بيدى » ( أرميا ١٨ : ١ - ١٠ ) . لذلك فالمسيحية هى الدين الوحيد الذي يتحدث عن إعادة خلقة الإنسان وتجديد طبيعته ، وهذا عمل لا يقدر عليه سوى الخالق . مشكلة الألم : وكما عالج الرب بتجسده مشكلة الشر، عالج مشكلة الألم . فالألم كان في الماضى عقاباً على الخطيئة، ولكننا إذ تيرونا بالمسيح ، صار الألم شركة معه ، وهبة منه . « لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط ، بل أن تتألموا لأجله » ( فى ۱ : ۲۹ ) . ولذلك فالرسل « ذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل إسمه » ( أع ٥ : ٤١ ) نعم ، فالألم لم يعد عقوبة ، لأن السيد نفسه تألم دون ننطيئة ، وكانت آلامه الاماً فدائية ، إذ « حمل خطايانا في جسمه على الخشبة » ( ١ بط ٢ : ٢٤ ) . وصارت آلامنا كلها - فيما عد الآلام الناتجة عن ارتكاب خطايا - آلاماً فيها تعزية وتنقية وتكميل و بنيان وشركة وفطام عن الأرضيات . لذلك يقول الرسول بولس : ( أكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذى هو الكنيسة » (كو ١ : ٢٤ ) . نعم ، فالكنيسة هي جسد المسيح الرب هو الرأس والمؤمنون هم الأعضاء. وكما دفع الرأس نصيبه من الآلام، وجب على الأعضاء أن تدفع نصيبها منها فالألم إذن المرض والخسارة المادية والأدبية وآلام الموت والكوارث الطبيعية وغير ذلك - لم يعد عقوبة الخطيئة ، بل شركة مع المصلوب وطوبي للنفس التي تدرك غاية الألم وبركاته فلا تضجر منه ، بل بالحرى ترضى به ، وتشكر عليه ، فهي تدرك أن الألم ۱ - ينقينا من شوائب الخطيئة والبر الذاتي . ۲ - يزكينا أمام الله والناس إذ تحتمل بشكر . ٣- ويقينا من ضربات الكبرياء كشوكة بولس . ٤- ويفطمنا عن الأرضيات لتطلب أورشليم السمائية، ونستعد لحياتنا الأبدية وهكذا صار التجسد حلاً جذرياً لكل مشاكل الإنسان ، ومعبراً وحيداً للخلاص منها ، والإتحاد بالله ، والتطلع للخلود . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
18 ديسمبر 2023

بالتجسد .سقط الشيطان

الشيطان كائن حي ، وشخصية حقيقية . وهو في الأساس رئيس ملائكة سقط مع طغمة في فترة الإختبار التي كانت لهذه المخلوقات الروحية. وقصة سقوطه مدونة فى الكتاب المقدس في مواضع عديدة أهمها :- أشعياء ١٤ : «كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح . كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم . وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات ، أرفع كرسى فوق الكواكب، أصير مثل العلى ، لكنك إنحدرت إلى الهاوية ، إلى أسافل الجب » ( أش ١٢:١٤ - ١٥ ) . رؤیا ۱۲ : « وحدثت حرب فى السماء ميخائيل وملائكته . حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته ، ولم يقووا ، فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء . فطرح التنين العظيم، الحية القديمة، المدعو إبليس والشيطان ، الذي يضل العالم كله، طرح إلى الأرض، وطرحت معه ملائكته » ( رؤ ۱۲ : ۷-۱۷ ) .ولكن ... لماذا سمح الله بسقوط الشيطان ؟ أو بالحرى مادام الله كان يعرف أن الشيطان سيسقط فلماذا خلقه من الأساس ؟ وبعد أن سقط لماذا تركه وهو يعلم أنه سيسقط الإنسان ؟ لماذا الشيطان ؟ الشيطان هو المفتاح الوحيد لموضوع حرية الإختيار لدى الإنسان . الله لا يريد مخلوقات تابعة، ولكنه يريد مخلوقات حرة . لذلك أعطى فترة إختبار للملائكة حين خلقهم ، تاركاً لهم حرية الإختيار بين أن يكونوا معه، أو أن يرفضوا ذلك . وهكذا إختار الشيطان أن يستقل عن الله ، ونسى المسكين أن نوره مستمد من النور الإلهي . وإنه يستحيل أن ينير من ذاته. فانقطعت فرصة إنارته وصار كتلة من الظلام ومن هنا إستحالت توبته فهو مسئول عن تصرفه مسئولية كامة ، لم يتقدم أحد ليغريه . كما أنه صار ظلاماً كله، فليس هناك أدنى أمل في توبته أو خلاصه أما الإنسان، فكانت أمامه أيضاً حرية الإختيار، أن يحيا لله أو للشيطان، حسبما أراد فإذا اختار أن يحيا لله سيكون ذلك بمحض حريته، وليس بقهر من الخالق. إنها الحرية التي خلقنا الله عليها ، ويحب لنا أن نمارسها. وشكراً لله أن الذى دفع ثمن هذه الحرية ، وديون ذلك السقوط الإنساني هو الله نفسه ، فهو لم يسمح بسقوطنا على يد إبليس ثم يتركنا لنخلّص أنفسنا بأنفسنا ، بل بالعكس ، رأى أننا في ضعفنا تم إغراؤنا ، فنزل لفدائنا ، وسحق الشيطان . كيف سقط الشيطان ؟ على عود الصليب، ظن الشيطان أنه انتهى من السيد المسيح . فلقد كان متحيراً فيه ، وكان الرب يخفى لاهوته عنه . مرة يظهر له صفة من صفات اللاهوت إذ يجده يخلق عيناً لأعمى ، ويقيم ميتاً بعد أن أنتن ، ويغفر الخطايا، ويجدد القلوب، ومرة أخرى يظهر له صفة من صفات الناسوت فيجوع ويعطش وينام ، وكان الرب يفعل كل ذلك «تدبيرياً» لكي يكمل الشيطان خطته و يؤلب اليهود والرومان عليه ، فيقتلونه بالصليب . وكان الرب يهدف إلى هذه الغاية ، لأنه على الصليب إنفصلت نفسه الإنسانية عن جسده الإنساني، غير أن لاهوته كان متحداً بكليهما . فالرب شابهنا في ناسوت كامل : جسد + نفس + روح إنسانية . ولما نزلت النفس الإنسانية إلى الجحيم كأنفس القديسين السابقين على الفداء ( لأن الفردوس كان مغلقاً ) ، ظن الشيطان أنه سيقبض عليه كبقية أرواح القديسين ولكنه صعق إذ وجد هذه النفس متحدة باللاهوت . وانسحق الشيطان أمام السيد المسيح، الذي أحدث ثورة في الجحيم بين الأنفس المنتظرة لفدائه، وخرج به غالباً ، وفتح لها باب الفردوس ، وأودعها فيه بفرحة عارمة وهكذا تمت الكلمة التي قالها الرب : رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء » ، «رئيس هذا العالم آت ، وليس له في شيء » (يو ١٠ : ١٨ ، يو ١٤ : ٣٠ ) . وهكذا صار لنا إمكانية النصرة عليه : « إله السلام سيسحق الشيطان تحت أقدامكم سريعاً » ( رو ١٦ : ٢٠ ) فلم يعد لنا حجة أن نجعل من الشيطان الشماعة التي نعلق عليها خطايانا الآن، فهو يعرض دون أن يفرض ، وقد فقد سلطانه علينا إلى الأبد، تمهيداً ليوم سيعذبه فيه الله إلى ما لا نهاية ، لأنه إختار ذلك بنفسه و بكبريائه المرة ونحن الآن في المسك الألفى نتمتع بنصرة عليه ، إذ نقوم مع الرب من قبور الخطية « إستيقظ أيها النائم وقم من بين الأموات ، فيضيء لك المسيح » ( أف ٥ : ١٤) : « أقامنا معه » ( أف ٢ : ٦ ) وذلك تمهيداً للقيامة الثانية قيامة الأجساد ، لنحيا مع الرب إلى الأبد. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
13 ديسمبر 2023

بالتجسد ... تم الفداء

لم يهدف إلهنا العظيم بتجسده أن نتعرف عليه وحسب ، بل قصد أن يفدينا من موت الخطية ويعتقنا من سلطانها الخطير. فكيف كان ذلك ؟ سقط أبونا آدم ، وكانت سقطته غير محدودة حيث أنها كانت موجهة إلى إلهنا غير المحدود. كما أنها أورثت الجنس البشرى طبيعة فاسدة ، فلم ينتج عنها سوى المزيد من الخطايا في الأجيال المتعاقبة وهكذا صارت خطية الجنس البشرى غير محدودة من حيث نوعها وكمها . ما الحل إذن ؟ هناك أكثر من احتمال : ۱ - ينفذ الله كلمته ويميت الإنسان، وينتهي كل شيء لكن هذا معناه هزيمة الله أمام الشيطان الذى أفسد له عمل يديه . ما الحكمة من خلق الإنسان إذن ، مادام سيسقط في الموت منذ البداية ؟ ٢ - يسامح الله الإنسان، فهو محب ورحوم . ولكن هذا يعني أن تتجلى إحدى كمالات الله ( المحبة ) بينما تتضاءل صفة أخرى ( العدل ) . وهذا بالإضافة إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في مسامحة الإنسان الساقط ، ولكن في مداواة آثار السقوط ، أى فساد الطبيعة الإنسانية . ما قيمة أن يسامحنى الله عما سلف، دون أن يجدد ويقدس طبيعتي حتى تنتصر على الخطيئة وتصير في شركة مع طبيعته القدوسة ؟ ٣- إذن ، فليرسل الله فاد لفداء الإنسان ، فمن جهة ينفذ فيه حكم الموت، ومن جهة أخرى تنال البشرية الغفران . ولكن ما المطلوب من هذا الفادي ؟ مواصفات الفادى المطلوب : إن مهمة الفادى خطيرة ، فهو لابد أن تتوافر فيه صفات معينة مثل : ١ - يجب أن يكون الفادى إنساناً ، فالإنسان هو الذي سقط ،والفادى سيمثله في حمل القصاص . ٢ - ويجب أن يموت هذا الفادى ، لأن « أجرة الخطية هي موت » ( رو ٦: ٢٣ ) ، ولأن حكم الله على آدم وحواء كان هو الموت « موتاً تموتا » ( تك ۲ : ۱۸ ) . ٣- ولكن هذا الفادى يجب أن يكون غير محدود ، ليستطيع وفاء الدين غير المحدود على الإنسان ، وذلك ـ كما ذكرنا - لأن الخطية كانت موجهة ضد الله غير المحدود، ولأن البشرية كلها ساهمت بنصيب في هذا الدين فصار ضخماً جداً . ٤ - كذلك يجب أن يكون الفادى بلا خطية ، لأن فاقد الشيء لايعطيه ، إذ كيف يفدينا وهو خاطيء يحتاج لمن يفديه ؟ ه - ويجب أن يكون خالقاً لأن المطلوب منه ليس فقط الغفران ،ولكن تجديد خلقة الإنسان ، بالروح القدس .وأمام هذه المواصفات كان لابد من التجسد ، لماذا ؟ التجسد هو الحل : لأن أقنوم الكلمة ، الحكمة الإلهية، حينما إتخذ له جسداً وحل بيننا صار قادراً أن يفدى الإنسان، محققاً كل المواصفات المطلوبة : أ - فبناسوته : هو إنسان ، يموت . ب - وبلاهوته : هو غير محدود ، بلا خطية ، خالق . وهكذا إستطاع رب المجد أن يحل مشكلة فساد الطبيعة البشرية ، بأن أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له » . أى أنه حمل خطايانا ، و بررنا ببره كما أنه أخذ جسدنا بلا خطية ، وأعطانا شركة طبيعته الإلهية . هل هناك حل آخر ؟ مستحيل ! . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
11 ديسمبر 2023

بالتجسد ... عرفنا الله

لا شك أن هناك تناقض جذرى بين طبيعة الله وطبيعة الإنسان . فالله روح بسيط خالد يملأ كل مكان سرمدى ( أزلي أبدى ) غير محدود ولا مدرك ولا متغير بينما الإنسان غير ذلك تماماً . إنه مخلوق على صورة الله في الحرية والبر والعقل ويتمتع بعنصر الروح التي تفكر فيا وراء المادة والطبيعة ... لكنه محدود وله بداية .وهذا التسامي الإلهى يجعل الله فوق إدراك البشر من جهة العقل أو الحواس، ولهذا تميل كنيستنا القبطية ، واللاهوت الشرقي دوماً إلى إستخدام الإسلوب السلبي في التعبير عن إهنا العظيم أي الأسلوب الذي ينفى عن الله ما لا يتناسب مع صفاته أكثر مما يورد من صفات إيجابية عنه تعالى، فنقول في القداس الغريغورى مثلاً . « الذي لا ينطق به ، غير المرئى ، غير المحوى، غير المبتدىء، الأبدى، غير الزمني الذي لا يحد ، غير المفحوص، غير المستحيل ، خالق الكل ، مخلص الجميع » . وهنا نلاحظ التقي المتكرر، لما لا يتناسب مع الله ، وإثبات لبعض الصفات القليلة التي ينفرد بها الله كالأبدى ، الخالق ، المخلص . من هنا لزم التجسد : لأنه إذا كان الله متسامياً فوق الإدراك البشري ، بحيث أن من يدخل إليه ما يسميه اللاهوتيون ( الضباب الإلهى ) ( Divine Darkness) ... لأن نور الله يبهر العين فتبدو عمياء لا تراه . نقول ، إذا كان الله متسامياً فوق الطبيعة البشرية إلى هذه الدرجة غير المحدودة ، فهل تبقى الأمور هكذا ؟ كيف يتعرف إليه الإنسان الضعيف الحسي ؟ كيف يقترب إليه ؟ وكيف يتصاعد إلى عرشه الأعلى وهو تراب كثيف ورماد خاطيء؟ إنها بالحقيقة مشكلة هامة ! محاولات يائسة : ولقد حاول الكثيرون منذ سقوط آدم أن يقتربوا إلى الله ، فارتدوا أمام القول الرهيب : الإنسان لا يرانى و يعيش » ( خر ۳۳ : ۲۰ ) . ولما حاول موسى أن يرى مجد الرب ، خبأه الرب في مغارة ، وستر عليه بيده ، وأجاز «جودته » أمامه ، ولما إكتشف منوح أبو شمشون أنه رأى الرب في رؤيا صرخ ق خ قائلاً: « نموت لأننا رأينا الله » (قض ۱۳ : ۲۲ ) . وهكذا عاشت البشرية أجيالاً تلهث وراء هذه الرؤيا دون جدوى . وكان الله يتكلم إلى البشر قديماً عن طريق أنبيائه الذين يلهمهم بكلامه ويتراءى لهم في صور محسوسة للحظات كإمتلاء الخيمة بالضباب ، أو الصوت القادم من العليقة المشتعلة ، أو الرؤى والأحلام . وهكذا بقى الله عالياً في سمائه ، والإنسان هابطاً فى طين الأرض وظلمة الحسيات . وجاء الحل : وذلك حين تجسد الكلمة الإهية فى صورة إنسان كقول الرسول الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة ، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في إبنه ، الذى جعله وارثاً لكل شيء، الذي به أيضاً عمل العالمين ) ( عب ۱ : ۱ ، ۲ ) . ولنلاحظ هنا الفرق بين حرف الجر «ب» و « فى » . فالله كان يكلمنا بالأنبياء وأخيراً كلمنا في إبنه . أي أنه أعلن نفسه لنا جسدياً في صورة إنسان مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية . وهكذا صار الإله غير المرئى مرتباً ، وغير المحسوس محسوساً، دون أن يكف عن كونه الإله الروح الماليء كل مكان وزمان ، والمتعالى على كل الأذهان . المعلم الصالح : و يشبه القديس أثناسيوس إهنا في تجسده بالمعلم الصالح ، الذي لا ينتظر من تلاميذه أن يرتفعوا إلى مستواه ، بل ينزل هو إلى مستواهم ليعرفهم مقاصده وتعاليمه . وهذا هو الوضع المنطق والمقبول . أما أن يبقى الله في علياء سمائه، وينتظرنا حتى تتصاعد إليه رغم ضعفنا وترابيتنا ، فهذا هو عين المستحيل من هنا تجسد الرب ليقترب إلينا نحن الضعفاء ، وليتحدث إلينا باللغة التي نفهمها ، حتى يعنن لنا حبه ، و يعرفنا بشخصه ، و يقودنا بنعمته إلى سمائه . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
06 ديسمبر 2023

ما هي أهداف التجسد ؟

كانت هناك مشاكل خطيرة أساسية وفرعية - أمام البشرية بعد سقوطها، ولم يكن هناك حل آخر سوى أن يتجسد الله الكلمة ، ليحل هذه المشاكل التى يستحيل أن يحلها غير الله ذاته . وهذه المشاكل هي : ١- مشكلة التعرف على الله : فالله روح غير محدود، والإنسان ملتصق بالمادة ومحدود . فهل يبقى الله عالياً في سمائه بعيداً عن الإنسان الملتصق بالمادة والحسيات ؟ وهل من المستطاع أن يصعد الإنسان إلى سماء الله رغم محدوديته وضعفه . وهكذا تجسد « كمعلم حكيم » - بحسب تعبير القديس أثناسيوس - لبصير قريباً منا ومحسوساً لدينا . ٢- مشكلة موت الإنسان : وهي المشكلة الجوهرية والأساسية . « أجرة الخطية هي موت » ( رو ٦: ٢٣) . هذا حكم إلى لا رجعة فيه . ليس لأنه مجرد إدانة غاضبة على الشر، بل لأن هذا هو المآل الطبيعي للنفس الساقطة ، إنها في الموت تسعى وإلى الموت الأبدى تسير. من يجدد النفس والروح ؟ ومن يقيم الأجساد بعد دفنها وإنحلالها ؟ ومن يعطيها أن تتحول إلى أجساد نورانية ؟ ليس سوی الله قطعاً . ٣- فساد الطبيعة البشرية : سقط الإنسان، وتلوثت طبيعته ، وأصابها الفساد. وكان من الممكن طبعاً أن يسامحه الله رغم أنه حذره من العصيان . لكن المشكلة لم تكن في رغبة الله أن يصفح أو لا يصفح ، بل في طبيعة الإنسان ، ومن يجددها له مرة أخرى ، بعد ما أصابها من فساد. وهذا العمل يستحيل على الإنسان الساقط ، وعلى أى نبى أو ملاك ، فالكل مخلوق ومحدود ، وخلق الإنسان من جديد يحتاج إلى الخالق نفسه . ٤- مشكلة سطوة الشيطان : لقد أخضع الإنسان نفسه بنفسه تحت سطوة الشيطان ، فقبض عليه وضغط عليه، وحتى عند موت الأبرار كانوا ينزلون إلى الهاوية ، وإذا كان الفردوس مغلقاً ، وكان إبليس يقبض على نفوسهم هناك . ترى ، من يستطيع أن يطلق البشرية من قبضة إبليس ، سواء الأحياء على الأرض، أو الأرواح البارة التي في الجحيم ؟ من يستطيع أن يقتحم هذا المجهول ، ليفك أسر المسبيين ؟ يستحيل أن يفعل هذا سوى الله نفسه . فلندرس هذه الأهداف بشيء من التفصيل . نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
04 ديسمبر 2023

هل التجسد يتعارض مع قداسة الله وقدرته ؟

يتصور البعض أن التجسد ربما يتعارض مع قداسة الله وقدرته ... فيقولون مثلاً : هل من المعقول أن إلهنا العظيم القدوس المتعالى ينزل إلى بطن العذراء ويأخذ جسد إنسان، ويأكل ويشرب وينام ويصير كواحد منا ؟! أليس في ذلك تلويث لقداسة الله ؟! يرد القديس أثناسيوس الرسولى - أعظم من كتب عن سر التجسد - فيشبه إلهنا العظيم بالشمس ، إذ نلمس فيها شبهاً من خالقها ، في سموها وطهرها وجبروتها ودفئها ولزومها للحياة ... فلو سطعت الشمس على كومة من القمامة ، أتتدنس الشمس، أم أنها تظهر هذه الكومة من القمامة دون أن تتلوث هي ؟! كذلك إلهنا العظيم ، حين يسكن فينا ، لن يتدنس بنا ، بل بالحرى يطهرنا بطهره ... نعم يطهرنا دون أن يتدنس ! وهذه الحقيقة لم تستجد بالتجسد الإلهى ، بل بالحرى نحياها كل يوم. فالله يشرق بنوره وبروحه القدوس ، على البشرية الخاطئة ، منذ الأزمنة السحيقة ، يعمل فيها ، ويهديها ، ويطهرها ، دون أن يتدنس . فماذا استجد إذن ؟ أليس الله فى كل مكان ، وفي كل زمان ، وفي كل إنسان مهما كان خاطئاً ؟ هل يخلو منه مكان ؟ مهما كان هذا المكان دنساً ؟ هل نسينا أن الله غير محدود ، و يستحيل أن تخلو منه أحشاء الإنسان أياً كان ؟ ألسنا به نحيا ونتحرك ونوجد ؟ إذن فالتجسد لا يتعارض مع قداسة الله الذي إذ يتخذ جسداً يظهر به لا يتدنس بل يقدسه . الجديد هو أن الله إرتأى أن يأخذ مالنا ، ليعطينا ماله. وأنه أحبنا في المسيح ، ليتحد بنا ونتحد به رضى بالسكنى وسط البشر ، وفي قلوبهم ، ليطهرهم من الخطابا، ويجدد طبيعتهم الساقطة ، ويحملهم على منكبيه فرحاً . و يعود بهم إلى السماء إذن التجسد لا يتعارض مع قداسة الله ، وفى نفس الوقت حتمى القداسة الإنسان ... كيف ؟ عظيم هو سر التقوى إن تجسد الله هو بالحقيقة سر التقوى : أى سر التقوى الإنسانية ، و بدونه لا تكون التقوى ولا القداسة . والسبب ببساطة أن طبيعتنا فسدت بعد سقوط آدم وحواء، وكان لابد من تجديدها وإعادة خلقة الإنسان وصنعه مرة ثانية. فما كان من الممكن أن يتم هذا التجديد إلا بسكنى الله في قلوبنا وتقديسه لطبيعتنا من الداخل. وهذا سر الأسرار في المسيحية ، فهي لا تكتفى بتقديم النصائح الخيرة والشرائع الطيبة والأوامر والنواهي . كلا ، هي ببساطة تجعل إلهنا العظيم الذى سنكن في أحشاء العذراء ، يسكن في أحشائنا جميعاً فيطهرنا ، ويخلصنا ثانية : « إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة » ( ۲ كوه : ( ۱۷ ) إذن فالتجسد لا يضر بقداسة الله ، ولكنه أساسي لقداستنا نحن... وهل التجسد يتعارض مع قدرة الله ؟ هذا غير معقول، لسبب بسيط ، أن الله كلى القدرة ، قادر على كل شيء . إن الشيء الوحيد الذى لا يوافق طبيعة الرب أن يعمله هو الخطية لأنها خارجة عن طبيعته ، وهو منزه عن الشر. وخارج هذا الأمر « هل يستحيل على الرب شيء ؟ » ( تك ١٤:١٨ ) .إذا كانت أرواح الصديقين تظهر لنا في أشكال حسية كما ظهرت أم النور على قباب كنيستها بالزيتون ، أفهل يكون هذا صعباً على الخالق الحافظ، القادر على كل شيء ؟ وإن كانت الملائكة تظهر للقديسين في هيئة حسية، فهل من الصعب أن يتخذ الله جسداً و يظهر لنا ؟ إن. التجسد هو سر خلاص الإنسان، وهو يتعارض مع طبيعة الله القدوسة القادرة . وهكذا يأتي السؤال :ولماذا كل هذا ؟ لماذا التجسد من الأساس ؟ أفلم يكن أمام الله حل المشكلة الإنسان خلاف التجسد ؟ ما أهداف التجسد ؟ هذا ما سنتابعه في الفصل القادم إن شاء الله . نيافة الحبر الجليل الانبا موسى اسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
29 نوفمبر 2023

هل التجسد يتعارض مع طبيعة الله ؟

يتصور البعض أن التجسد يتعارض مع طبيعة الله ، لأن الله روح بسيط خالد غير مركب ، ولا مادى، ولا يصح أن يأخذ صوراً حسية ، مرئية أو مسموعة أو محسوسة ، فهل هذا التفكير سليم ؟ وما خطورة هذه الفكرة على البشرية وعلى خلاصها ؟ ۱ - نظرة خاطئة للمادة : هذه الفكرة - أن الله لا يتجسد - تخص بين طياتها نظرة خاطئة وخطيرة إلى المادة . أليست المادة بكل صورها إحدى مخلوقات الله ؟! ما الغضاضة إذن في أن يتخذ الله منها وسيلة يعلن بها عن روحانيته واختفائه وعلوه ، لبشر حسيين وضعفاء ؟! إن فكرة نجاسة المادة ليست سليمة إيمانياً، وترجع في أصولها إلى فكر وثنى وهندوسي ، يتصور أن الإنسان روح محبوسة في جسد هولها مثل سجن قابض . وهم بذلك يعذبون أجسادهم بالمسامير، وينهكونها بأصوام مفرطة متطرفة .هل يخلق الله شيئاً دنساً ؟! أليست أجسادنا من صنع يده ؟ ألا تحوى أجسادنا أدق أسرار الخلق ، وتحمل أعمق الأدلة وأصدقها على وجود الخالق الأعظم ؟ لا يصح أن ننسب إلى أعمال الله النقص أو النقيصة ، الإنسان خلق مقدماً ، وعاش مع الله فى الفردوس بنفس جسده الحالي ، ولكنه اختار أن يستمع إلى غواية الشيطان فسقط في براثنه . فالخطأ إذن دخل إلى جسده فيما بعد، وإلى روحه وكيانه كله . أما الإنسان ككل، وكخليقة الله في الأساس ، فكان « حسناً جداً » ( تك ١ : ٣١ ) ولعل هذا هو السبب في أن تتمسك كنائسنا التقليدية باستخدام المادة في الأسرار المقدسة، كالماء في المعمودية، والزيت في الميرون ومسحة المرضى، والخبز والخمر فى التناول ، لتؤكد لنا أن كل شيء خلقه الله هو مقدس ، وأن المشكلة هى فى «سوء الإستخدام» وليس فى المادة نفسها . ٢ - نظرة خاطئة إلى الله : الله بالفعل روح بسيط قدوس ، مالىء السماء والأرض والتجسد لا يغير من طبيعته ، ولا داعى لأن نخشى من التجسد على طبيعته . فالله حينها يتخذ جسداً ، أو يسمعنا صوتاً أو يرينا نوراً لا يكف عن كونه الروح البسيط الخالد القدوس ، مالىء السماء والأرض . إنه لم « يتحول » إلى جسد ... حاشا ! إنه فقط « اتخذ جسداً». فهل في هذا مشكلة ؟ أليس هو قادر على ذلك ؟ وهناك تشبيهات كثيرة لهذا الأمر: مثلاً الجو كله من حولنا يموج بالإرسال الإذاعي والتلفزيوني ، موجات مرسلة من القاهرة وتنتشر في الجوإلى كل بلاد الجمهورية . لا نراها ولا نسمعها بالعين والأذن المجردتين، ولابد من جهاز يستقبلها ويجسدها . وإذا استقبلناها في جهاز لدينا ، لا يعنى ذلك أننا إستنفذناها ، أو إحتكرناها في جهازنا هذا ، فهى لا تكف عن الإنتشار في أجواء مصر كلها . ومن هذا التشبيه نرى : ١ - أن هناك موجات موجودة ، لا نراها ولا نسمعها دون أن يلغى ذلك أنها موجودة بالفعل. والقياس مع الفارق بالنسبة إلى إلهنا العظيم الموجود فى كل مكان وزمان دون أن تراه بعيون الجسد . ٢ - إن هذه الموجات غير المحسوسة يمكن أن تحس وترى من خلال تجسيدها في جهاز. والقياس مع الفارق بالنسبة إلى إلهنا العظيم الذي هو روح سامية، ويمكن أن يتخذ صوراً حسية كالنار أو الصوت أو النور أو الجسم البشري . ٣- إن تجسد هذه الموجات في جهاز لا يعنى إنسحابها من الجو،وانحصارها في هذا الجهاز. وكذلك فإنه حين اتخذ الله جسد إنسان ، لم يكف عن كونه الإله مالىء السماء والأرض . لهذا قال السيد المسيح له المجد: « ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء إبن الإنسان الذي هو فى السماء » ( يو ٣ : ١٣ ) .وما قلناه عن الموجات الإذاعية نقوله عن الطاقه الكهربائية فهى تتجسد في مصباح دون أن يحتكرها هذا المصباح ، وهكذا إذن فالتجسد لا يتعارض مع طبيعة الله، إذ أن الله هو الذي خلق المادة مقدسة ، والمادة من تحده بأى حال إذا ما إتخذها وسيلة يعلن لنا بها عن ذاته. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل