المقالات

13 فبراير 2020

فصح يونان النبي

تسمي الكنيسة فطر صوم يونان بالفصح ، لأنه رمز لموت المسيح وقيامته في اليوم الثالث ، فالمسيح استعلن نفسه علي فم الأنبياء قبل مجيئه بأجيال كثيرة ، لان الله تعهدنا بأنبيائه القديسين ، وهو صاحب المبادرة في أستعلان حقيقة نفسه ، علي أساس انه يعلن ذاته علي قدر مستوي نمو وترقي الوعي البشري وإدراكه علي مدي الزمن. فيبلغ بنا من الطفولة حتى نبلغ النضج التدريجي ، وفقآ للاستعلان المتدرج ، إنه إله أستعلان ينتظرنا مهما كنا ،وعلي أي وضع نحن ليعلن لنا سره ، وليعطينا ملء الحياة مشخصه في عشرة شخصه الإلهي الحبيب ، ودعوته لنا في كرازة يونان النبي الكارز تكتسب أبعاد ووعي جديد لكل من يقبل كلمه كرازته الأبدية ، عندما أتي إلينا علي الأرض وعاش بيننا صائرآ في شبه الناس ونادي ببشارة الملكوت والمصالحة بفصحه الجليل . إن الغلاف الذي ظهرت فيه الكرازة والصورة التي نقبل بها بشارة الخلاص ، تلزمنا أن لا نؤجل أو ننشغل بالحقائق وأستقراء النتائج والاستكشاف ، بقدر ما تستلزم المخافة والطاعة وأستعداد التوبة .... لان مسيحنا حاضر علي الدوام وبغتة وأيضاً في كل أوان . يأتي إلينا وينادينا ويقرع الباب بعد نهار الشقاء وأتعاب الزمن المضني ، فهو تنازل إلي أعماق الأرض وما تحت الأرض حتي الي الجحيم ، ليطلب كل غنمه ضاله ويرفعها من الحضيض ويستردها الي بيت الآب ... آخلي نفسه وأفتقر وتنازل من علو مجده وتذلل للغاية ، من أجل حبه ومن أجل أن يكون في متناول أدراكنا ، فشابهنا لنتشبه به وأخذ طبيعتنا ليخدم لنا الخلاص ، ونتسم بسماته ونأتي اليه ، بعد أن أتي هو إلينا ، ليبتلع الخالد والباقي والدائم كل فاني وزائل وفاسد ، وليغلب بحياته الموت الذي فينا ، ويفتدي العالم كله بدم نفسه الشافي المحيي الماحق الموت : فصحنا الذي ذبح لاجلنا. وهو الذي مكث في باطن الارض ثلاثة أيام وثلاثة ليال ، والذي هاجت عليه أمواج بحر هذا العالم حتي الصليب ، وهبط إلي مغاليق الارض وسلب الجحيم وبشر الأرواح الموجودة في السجن ، وفتح الأبواب الموصدة ، وعاد إلي الحياة مرة آخري ، ليخرج الحق إلي الامم ، ويمنحنا كنز ومعجزة خلاصنا التي أتمها لاجلنا ... فكان الحوت ليونان بمثابه القبر للمسيح ، وكما خرج يونان حيآ هكذا خرج المسيح من القبر حيآ ، بعد أن ذاق الموت بالجسد .فلننظر كيف يعلمنا الله بالتدريج ويمهد لنا كي نؤمن وكأننا نصعد علي سلم نكون فيه في درجه تقودنا إلي الثانيه لنبلغ إلي الاخيرة. . أنها رسالة الله لنا وها قول الرب صار لجميعنا ، حتي نقوم ونذهب ونبشر في مناداة الكرازة باسمه ، ولنحترس كي لا نهرب إلي ترشيش ، لان في الهروب ريحآ شديدة ونوء عظيم وانكسار لسفينة الحياة ، ولنفحص أنفسنا كل واحد أمام الله ، ولنطرح عنا الأمتعة التي تثقلنا بها للغاية والتي أغرقتنا ، ولنرجع من هروبنا الذي أنزلنا الي حضيض الجوف في الاسافل ، فجعل غفلتنا ثقيلة ، بينما القرعة قد وقعت علينا ضمن خطة الله لخلاصنا ، وسنكتشف أنه لا يمكننا الهروب أبدآ من حضرته ، عندما نقر أننا السبب في الأنواء العاتية المحيطة بنا ، صارخين لله حتي لا نهلك وحتي لا نعثر أخوتنا ، وتكون علينا دماء برئيه ( نجني من الدماء يا الله اله خلاصي. ) . خائفين الله مقدمين له نفوسنا ذبيحة علي مذبحة المقدس الناطق السماوي ، مع نذور الطاعة والتكريس والاتكال ... لان كل شئ قد أخضعه الرب لنا ، وهو قد أعد الحوت العظيم واللجج والطرق واليقطينه والظل والدودة والرياح والافلاك والازمنه والمناخ وكل شئ من أجل أن يخلصنا ، وتدابيره التي تحوطنا لا يمكن أن يدركها أحد بسهوله . إن العالم كله المحاط بالصخب والغرق وقوي الشر ، جاء إليه مسيحنا ليكون له فصحآ : يكرز ويشفي ويقدس إلي التمام ، فصحآ شريفآ فصحآ برئيآ من العيب ... يهدأ العواصف وتطيعه الريح ، فصحآ قام لينقذنا فصحآ محررآ إيانا من الجحيم كافة ، نصلي إليه وندعوه ونصرخ نحوه وننظر هيكل قدسه ، من بعد إعياء مراعاة الأباطيل الكاذبة ، فنحمده ونعترف له ونمجده وننذر له النذور من أجل نعمه الجزيله . فصحنا حي وقائم كأنه مذبوح ، لا يري فسادآ ويجعلنا نصير ما صاره هو لاجلنا ، وقد أفتدي ربوات الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم ، فصحنا يزيل غمنا فنراه ونفرح فرحآ لا ينتزع منا، فصحنا لا يشاء هلاكنا وقد أعد كل شئ من أجل العرس، وقد أبعد عنا معاصينا كبعد المشرق عن المغرب ، وهدم حصون وأعطانا السلطان وأطفأ السهام وبه وحده نغلب . إن نبوءة يونان هي أشارة مبدعة إلي المصالحة التي كان الله مزمعآ أن يصنعها بين جميع أمم الأرض بدم صليبه ، الذي به صالح الشعب مع الشعوب والنفس مع الجسد ، وما يونان النبي إلا رمز وآيه لهذه المصالحة التي تمت بالآلام الفصيحة ، التي تثبتت عندنا بالكلمة النبوية ، والتي نفعل حسنآ إذ انتبهنا إليها كما إلي سراج منير في موضع مظلم إلي أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبنا القمص اثناسيوس فهمى جورج
المزيد
15 فبراير 2021

عِيدُ دُخُولِ المَسِيحِ إلىَ الهَيْكَلِ

تعيِّد الكنيسة بدخول المسيح إلى الهيكل؛ وهو البكر والابن الوحيد الممسوح من الآب... تقدَّم ليطيع ظلال الناموس ويقدم ذبيحة بحسب ما كانت العادة حينئذٍ؛ بينما هو غير محتاج أن يقدم ذبيحة لأنه هو الذبيحة الحقيقية؛ الذي ظهر في الوقت المعيَّن ليخلص الذين هلكوا؛ وليكون نور إعلان رحمة الأمم وفداء إسرائيل؛ الذي يتقد خلاصه كمصباح وسراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبنا تقدَّم إلى الهيكل كأعمق ما تحمله فريضة تقديم الأبكار من معانٍ؛ صائرًا تحت الناموس ليكمل كل بر وليعتق ويفتدي الجميع من لعنة الناموس... صعد إلى الهيكل لكي يتكرس كحق الله؛ وقدم نفسه رائحة زكية عطرة لكي يقدمنا نحن إلى الله الآب ويمحو العداوة التي استحكمت وينزع عنا سلطان الخطية كان هذا الاحتفال في جوهره عملية تكريس وصعود وتقدمة وذبيحة بذل وقرابين وعبور فصحي... عندما حُمل المسيح إلى الهيكل وهو رضيع على صدر أمه؛ التي قدمتْ ما أعطاها الله إياه - كما نصلي نحن ونقول "نقدم لك قرابينك مما لك على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال... لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك – بينما هو التقدمة الوحيدة المعتمدة؛ التي جعلتنا قريبين بدمه سالكين في نور وجهه ورحمته؛ وإليه تأتي أطراف الأرض ليجدوا عونهم ومجدهم وفي هذا العيد التكريسي يُقدَّم الابن المتجسد لله أبيه كمثل أعلى للتكريس؛ في هيكل قدسه... عندما أكملت أمه العذراء خادمة المشورة الإلهية أيام تطهيرها الأربعين. حملته على ذراعيها وهو حامل كل الأشياء بكلمة قدرته؛ وهو كلمة الله الجالس عن يمين أبيه؛ لكنه جاء إلى الهيكل محسوبًا بين الأبكار بحسب الناموس... تقدم كقدس وكمكرَّس لله بينما هو الممجد والمتعجب منه بالمجد. حملته أمه وهو قابل الكل مع قربانه؛ ليأتي بالذبيحة لهيكل القدس وليتمم صناعة عادة الناموس؛ وهو سيد الناموس وواضعه... وقد أبطل بذبيحته كل ذبائح العهد القديم وشرائعه الطقسية وأحكامه التطهيرية؛ التي كانت رمزًا لذبيحته التي قدمها بروح أزلي لكي يطهر ضمائرنا من أعمالها الميتة؛ ولكي نخدم الله الحي ويطهرنا من خطايانا مطهِّرًا ومقدِّسًا إيانا بغسل الماء بالكلمة. وتقديم المسيح للهيكل هو (فعل ذبائحي) يتزامن مع تطهير أمه القديسة وتقديمها زوج يمام وفراخ الحمام؛ عندما أكملت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى؛ وكان عمر المسيح أربعين يومًا؛ وبينما أمه كلية الطهر أداة الولادة لم تخضع لقوانين الطبيعة؛ فقد ولدته وهي عذراء وبتوليتها مصونة؛ والمولود منها من الروح القدس هو البريء من خطية آدم؛ لكنه أتى إلى الهيكل لإعلان تكريسه وليكمل ما أتى من أجله؛ تكريسًا كاملاً كليًا؛ فصحًا بريئًا؛ فصحًا شريفًا من العيب. بذل به نفسه التي لم تخطئ فداءًا لكل الخطاة؛ وشفع في المذنبين ووهب الخلاص المجاني لكل من يؤمن ويقبَل... وهو الذبيحة الكاملة الفريدة التي تحققت بها وفيها كل ذبائح العهد القديم كظلال ورموز للمرموز إليه؛ مخلصنا الصالح ومنقذنا الوحيد ومنجي نفوسنا من المُهلك. لقد جعل التدبير الإلهي من دخول المسيح إلى الهيكل يومًا احتفاليًا... فها هو سمعان الشيخ البار التقي الذي ينتظر تعزية إسرائيل؛ امتد به العمر طويلاً ليخدم عظمة سر التقوى... ولأنه كاهن قبة التقديس؛ لذلك كان الروح القدس عليه؛ فساقه وقاده لدخول الهيكل لحظة حضور العذراء حاملة المسيح المسيا... وبعد التطهير والذبح والإحراق ورش الدم؛ تعرَّف هذا الحبر البار والنفيس على المسيح في الحال؛ وبجراءة وقدوم أخذه بدالة على ذراعيه؛ وحمل سيد الكل؛ ليتحقق وعد الله له بأن يبقى إلى أن تكتحل عيناه بمرأى مخلص العالم... فروح الله روح النبوة الكاشف الآتيات والحاضرات جعله ينتظر التعزية بتقوى؛ ويتأهل باستعداد للانطلاق من سجن الجسد... فسار بخطوات سريعة ولم يكن إتيانه إلى الهيكل إعتباطيًا أو مجرد صدفة؛ لكنه كان مسوقًا بإلهام من الروح القدس؛ حيث تعرف على المسيح وسط مئات الأطفال ورأى الخلاص رؤية العين؛ وأمسك بالحياة الأبدية بين ذراعيه؛ عندما مد يديه المباركتين نحو سيد الكل وحمل على يديه الذي أخذ بشريتنا على عاتقه؛ وعوضًا عن أن يباركه مثل بقية الأطفال؛ انحنىَ ليتبارك منه "لأن الأصغر يُبارَك من الأكبر" (عب ٧:٧)، فلم يكن سمعان الكاهن هو الذي يقدمه لله؛ بل سمعان قُدِّم لله بواسطته. ساروا به في الهيكل وهو الذي لا تسعه السموات العُلا والذي يسيِّر الأفلاك والنجوم على هُداه... أتت العذراء تحمله وأعطته ليد سمعان الكاهن؛ فهو سر مجدنا وخلاصنا وإكليل فخرنا... حملا الذي يحمل المسكونة كلها على كفه والذي يعلق الأرض على لا شيء... كنز الحياة حملوه طفلاً على الأذرع وسندوا رأسه التي تسند الأكوان وتقيم الجبال الرواسي؛ فلا تميد!! نظروا الأذرع التي فكت أسر الخليقة كلها والوجه الأبرع جمالاً من بني البشر؛ والذي ترتاع الخليقة كلها عندما يحتجب عنها... نظروا عينيه كهدب الصبح وفمه الذي تخرج منه المصابيح؛ واشتموا طيبه كمنبع الطيب والعطر الذي يجعل البحر كقدر عطارة. ففي وسط البر والتقوى والخلاص والبركة والوعد والانطلاق يأتي المخلص لكل من يتوقعه ويترقب حضوره في سعي وانتظار واثق "عَزُّوا عَزُّوا شعبي... طيِّبوا قلب أورشليم... جهادها كمُل... إثمها قد عُفي عنه" (إش ١:٤٠). فعندما بحث سمعان عن مسيح الرب وحمله واحتضنه؛ حمل الحياة ذاتها بيديه الشائختين... احتضنه وطلب منه الانطلاق وسأله أن يحله من رباط الجسد... لينطلق الطير وينكسر الفخ ويرقد بشيخوخة مباركة؛ تتردد ظفراتها الأخيرة "الآن أطلق عبدك أيها السيد؛ لأن عيني قد ابصرتا خلاصك الذي أعددته قدام كل الشعوب". لقد قدم سمعان الشيخ شهادة للخلاص الشامل المقدَّم لجميع الشعوب والأمم؛ بأن الصبي المولود سيميِّز بين فريقين؛ إذ قد وُضع لسقوط (الرافضين) وقيام كثيرين (المؤمنين)؛ لأن علامة صليبه تُقاوَم "لا صورة له ولا جمال مُحتقر ومخزول ورجل أوجاع ومختبر الحزن"... أنه صخرة عثرة وحجر صدمة وكل من يؤمن به لا يعاقب ولا يخزى؛ وتأديب سلامنا عليه وبجراحاته شُفينا. ستُعلن أفكاره في قلوب كثيرة؛ سواء ممن سيؤمنون أو ممن سيقاومون... أمّا يوسف وأمه كانا يتعجبان مما قيل فيه؛ وما ورد أمامهم من شهادة نبوية عن سر الصبي والسيف (رومفايا) أي السيف الكبير الحاد الذي سيجوز في نفس العذراء أمه؛ وهو ما اختبرت مرارته وتجرعتها عند الجلجثة يوم الصليب؛ كما سبق وأُخبرت به. في عيد دخولك يا سيدنا إلى هيكلك نطلب منك وأنت إله ورب الهيكل؛ أن تأخذنا إلى جمال عيدك لنذوق عجيبة خلاصك من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا... كي نعاين جلالك وتسهل لنا طريق التقوى؛ فيكون انطلاقنا وخروجنا من هذا العالم مُفرحًا... من غير خوف ولا خجل ولا وقوع في الدينونة... نسألك أن تمنحنا امتياز رؤيتك وحملك قبل أن نعاين الموت؛ كي نعانقك فنستريح؛ ونباركك؛ فتتقدس العجينة كما أن الأصل مقدس؛ ويتقدس الغصن كما أن الكرمة مقدسة... نتقدم إلى هيكلك لنكون وقفًا أبديًا مكرسًا لك وذبيحة حية مرضية عندك؛ بحُسن عبادة عقلية... أنك حاضر أبديًا وليس لمُلكك انقضاء؛ تمنحنا حياة أصيلة ذات معنى وقيمة؛ قبالة تعقيدات هذه الدنيا وأخطارها... فنصغي لهمساتك الإلهية ونتبعك بكل قلوبنا؛ ونخافك ونطلب وجهك حتى نرجع إلى البيت الأبدي وننطلق إلى المدينة التي لها الأساسات؛ فعندما نأخذك نُمسِك بالحياة ونرى كل شيء من خلالك؛ ومن ثم نقبل أنفسنا ونتصالح مع الكل ويصير تمجيدنا غير منقطع. يا رب في عيدك صيِّرنا مكرَسين لك وعندك؛ واقبلنا تقدمة لك على مذبحك المقدس الناطق السمائي؛ عاملين بأوامرك المقدسة كمسرة أبيك... لأننا في كل دورة حمل ندور حول مذبحك مشاركين سمعان الكاهن البار؛ مقدمين المجد والإكرام (مجدًا وإكرامً؛ إكرامًا ومجدًا) حاملين بشارة خلاصك في أرجاء الأرض؛ مقدمين ذبائح ونذور معقولة لك؛ لأنك قطعت قيودنا ونقلتنا إلى عبادة الروح؛ مُشرقًا علينا بنورك العجيب؛ فنتقرب ونتقدس لك يا قابل القرابين؛ التي بدلاً عنا قدمت ذاتك؛ فإسمح أن نتقدم إلى حضرتك قارعين باب تعطفك؛ كي تُظهر في نفوسنا الشقية مجد أسرارك الخفية. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
05 يناير 2019

مُشَاهَدَاتٌ فِي عِيدِ المِيلاَدِ

لا تنشغلوا عن ميلاد المسيح الفصحي.. فقد قتل هيرودس الأطفال جميعًا.. اصطفّ الأطفال للذبح، استُشهدوا من أجل الملك المولود وهم بعد رُضَّع وأعضاؤهم لينة وغضة، لكنهم لم يستسلموا من أجل عظيم القوات. مضى المسيح المولود إلى مصر لكي تأتي معه.. بينما دم ذكي كريم دخل إلى العُرس عوضًا عنه. صوت سُمع في الرامة، نَوْح وعويل، وصوت في السماء بالمجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة. المسيح الملك البتول الكلي الطهارة ابن العذراء مريم الدائمة البتولية، دَعَا له أخصاء بتوليين؛ وسلم أمه البتول على عود الصليب ليوحنا الحبيب البتول؛ لكي يصوِّروا قتله وذبحه الخلاصي من أجل خلاص العالم كله. قدم له الأحباء هداياهم وأنفسهم، تألموا من أجله لأنهم استحقوا مجاورة ميلاده وتدبيره.. حملوا دمهم ودخلوا قدامه للتقدمة، دخلوا بشهاداتهم غير هيَّابين؛ وقدموا عذاباتهم ومُرّ آلامهم ليخبروا بأن الملك الذبيح قد أتى ووُلد من أجل فداء العالم كله. استراحوا على سرير الأجيال بعد أن أتوا من ضيقات عظيمة ولم يرتبكوا؛ لكنهم احتملوا العذاب والذبح كمقيدين ومذنبين؛ لكن كلمة الله لا تُقيَّد.. فتحوا طريق الآلام ومهدوه، وقد أكمله رئيس خلاصنا الذي ختم عليه بذبيحته الكفّارية قائلاً (قد أُكمِل). وها دماء الشهداء الأبرياء لم تخجل بشهادة ربنا المولود، ولم تستحِ بظهوره المحيي الذي به أبطل الموت وأنار الحياة والخلود، وسيُحيي أيضًا معه الذين ماتوا ليملكوا في الأمجاد.. لقد اجتهدوا ليقيموا أنفسهم مزكّين لله بصلاتهم وقرابينهم ونيّتهم ودمائهم.. تبعوا التعليم والسيرة والقصد والشهادة بالتقوى والجهاد الحسن. إن ذبح أطفال عيد ميلادك يارب تقدمة طاهرة أمامك، تقدمة بريئة لك يا من تجسدت لنراك مُكللاً بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت الذي ذقته لأجل كل أحد، وقد لاق بك وأنت رب الكل أن تأتي بأبناء كثيرين إلى المجد، وأن تكمل خلاصنا بالآلام الشافية المحيية.. لذلك ندعوك أن تضبط السلام لأولاد بيعتك المتمسكة بك؛ ليحل سلامك في زواياها وأركانها، تفرّق أعداءها وتشفي أوجاعها وتضمد الجراح وتعزي النفوس وتكمل الضعفاء وتسند المرتعشين مداويًا الجميع، أما الذين قتلوا شهداءك واستباحوهم نثق أنك ستجازيهم ضيقًا وخزيًا؛ معطيًا إياهم النقمة والعقاب الأبدي. فلنترك عنا إذن البكاء من أجل ذبح الأطفال؛ لأن الملك المولود سيمسح كل دمعة من عيوننا، فقد وُلد ليكون فرحًا عظيمًا لجميع الشعب، وليبدد الظلام والعتمة والدخان وينير الكون كله.. فكل ما سقط في هذه الطبيعة سيُقيمه، وكل ما قُيِّد سيحله ويحييه وسيحرر كل مرفوض ومرذول، ويفك عبودية الشر والخوف والخطية؛ ليعيده إلى مقامه الملوكي.. لا تحزنوا من أجل الذين ذُبحوا؛ لأن دماءهم لا تذهب عبثًا؛ بل تحمل معها بذار تقوية وكرازية ستطهر العالم من العقيدة الميتة المتحجرة، هذه الدماء التي سُفكت ستتعانق مع دماء أطفال بيت لحم ومع دماء مارمرقس والبابا بطرس وكل شهدائنا المعاصرين، وستصير جميعها ضريبة تحوِّل العالم إلى الله.. وأيضًا الأحياءلم ينشغلوا عن ميلادك؛ بل اكتظت بهم كنائس مصر ليلة عيدك ليكونوا شهداء بالنيّة (مؤمنوك احسبهم مع شهدائك)، ولتكون كنيسة مصر موسومة بالدم والشهادة في يوم ميلادك أيها المخلص. لقد وُلدتَ لتمنحنا نحن الميلاد والوجود، فلا نمضي إلى التراب فيما بعد؛ بل تأخذنا إلى السماء مع كل الذين غسَّلوا ثيابهم وبيّضوها بدم الحمل؛ وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت..لقد وُلدتَ في وسط روث المذود لكي ترقينا وترفعنا من المزبلة وتنزع الخزي عن جبين كل واحد منا، فتسترد الكل وتصالحهم بميلادك الفصحي.. الحَمَل الحقيقي وسط الحملان ورئيس الرعاة وسط الرعاة؛ وملك الملوك وسط المجوس الملوك، يسجدون له ويقدمون هداياهم ذهب مُلكه ولُبان كهنوته ومُرّ آلامه.. ونحن فيه غالبون إذ أن بشارته وميلاده المعجزي الفريد صارا بداية للتاريخ؛ تقودنا إليه النجوم والهدايا والتسبيح وحضرة الملائكة والسجود والفرح والبخور. ففيه تصير لنا الغلبة نحن المُجرَّبون لأجله؛ إذ انتقلت لنا نحن أيضًا بالتمام قوة ميلاده العجيب. لقد تقوَّينا وغلبنا بسبب خلاصه وعنايته بنا، فقد ربحنا به وفيه كل خيرات كاملة، وها كنيستنا المجيدة في مصر التي رجحت كفة شهدائها تقدم لك صلواتها وأصوامها وشهادتها وشهدائها في كل عيد ميلاد؛ كأثمار طيبة ولذيذة ؛وكقرابين وذبائح لائقة مع ذبائح تسبحة كيهك والميلاد؛ مرنمة (قلبي ولساني يسبحان الثالوث القدوس)؛ طالبين الرحمة والمعونة والغفران. إن شعبك وبيعتك في مصر يقدمون لك ذبيحة الإرادة المخلوطة بالظلم والتحقير والافتراء؛ مُماتة كل النهار؛ محسوبة ذبيحة من أجل خاطر اللوغوس، تتمثل بآلامه وتكرِّم دمه الثمين المسفوك لأجلها؛ وتقدم لك في عيدك أعشاب الفصح المرة؛ مع مر ولبان وذهب الهدايا؛ ثابتة بقوتك ضد هجمات إبليس وأعوانه، فلن يصيبها ضرر؛ لأنها شريكة كأس مسيحك؛ بعد أن خلصتنا وارتفعت على الصليب؛ ورفعت كل ما يُعيق شركتنا معك. وارتفعت بالقيامة فهدمت القبر، وارتفعت بالصليب لكي تجمع شتات البشر في ملكوت أبيك. يا وحيد الجنس أحد الثالوث القدوس إن تجسدك ليس مجرد تاريخ ولا أحداث وشروحات؛ بل هو المحبة المتجسدة التي قهرتْ الموت والفساد وتخطتْ الزمان والمكان والحدود، وجمعت المتفرقين والمُقسَّمين إلى واحد.. المجد لك يا محب البشر يا عَلَم الخلاص وراية الحياة. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
11 يناير 2019

تَذْكَارُ أطْفَالِ بَيْتَ لحْم

أول شهداء المسيحية الذين استُشهدوا ولم يتم سؤالهم بل قُتلوا حتى قبل أن يتكلموا؛ ولم تكن المسيحية معروفة حينذاك... لكن الكنيسة اعتبرتهم شهداء ولم تستثنِ منهم أحدًا؛ بل اعتبرتهم أول مَن نال هذه الرتبة من أجل اسم المسيح... لم يسجل التاريخ جُرمًا أكثر بشاعة من ذبح هؤلاء الأطفال الرُضع، فلم تشفع لهم براءتهم ولا رضاعتهم ولا أعضاؤهم الليّنة والغضّة أمام جنون وطيش هيرودس الذي انتزعهم من على ثِدِي أمهاتهم؛ في مجزرة جائرة اصطبغوا فيها بالدماء؛ وكانوا سابقين لآلام المخلص الذي غسل بدمه الكريم أرضهم المدنّسة بالمعاصي؛ وخلص بتدبيره الأمصار والأرض كلها. فمع تهليل بيت لحم مدينة الأنبياء التي أينع فيها يسوع المسيح ربنا الكلمة المتجسد بسرّ عجيب؛ والتي سبق وأنبأت الكتب بظهوره المُحيي فيها؛ حيث تمت النبؤات وكملت؛ وقد صار بولادته فيها كل الحُسن والبهاء والجمال والحلاوة والخلاص؛ عندما أتى الله ظاهرًا... رب القوات بصوت القرن... النجم والكنوز والسجود والقرابين والرعاة والمجوس والفرح بالملك المولود؛ حيث رُبطت الشياطين وطُرحت خارجًا؛ وانسحقت بميلاد المخلص في أرض مدينة داود؛ التي فيها سُمعت ووُجدت العلامة التي أبصرت الخليقة كلها نورها فتهللت. لكن الملك هيرودس الأدومي استدعى المجوس سرًا وتحقق من زمان ظهور النجم... الملك الأرضي اضطرب عندما وُلد الملك السماوي؛ اضطرب عندما سمع بعظمة الملك الحق، فالطغاة يتزعزعون أمام القوات الفائقة وأمام انهيار ممالكهم... خطط هيرودس بإحتيال ليخدع المجوس الذين صاروا كارزين له؛ وجازوا في التخوم ليقدموا السجود للملك الآتي لخلاصهم، أتوا من بعيد ليبشروا القريبين... يتقدمهم في ذلك النجمُ حيث كان الصبي مع أمه، وهناك فتحوا كنوزهم وهداياهم؛ كبداءة التقدمة في كنيسة المذود... ثم تركوا طريقهم وتحولوا إلى الطريق حتى لا يلتقوا بهيرودس؛ لم يرتدّوا أو يسلكوا طريقهم القديم كي لا يعودوا إلى هيرودس ثانية. لكن هيردوس استشاط غضبًا بعد أن أحس أن المجوس قد سخروا منه. فامتلأ حسدًا وفقد كل حس آدمي وأصابه سُعار الدم؛ بينما هو الذي لا يستحق أن يعيش؛ وكان من الأفضل له أن يُعلق في عنقه حجر الرحى ويُلقىَ في البحر... لكنه أرسل ليفتش عن الملك الإلهي وقتل جميع الصبيان في بيت لحم وكل تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحقق من المجوس؛ مُريدًا أن يقتل الطفل يسوع في جملتهم، فذبحوا الأطفال على الجبال؛ وسُمعت أصوات البكاء والنواح والعويل في بيت لحم المنسوبة لرحيل (تك ٤٨ : ٧)،(مت ٢ : ١٨)،(رؤ ٦ : ١٠). جرىَ دمهم في مجرى طريق الخلاص وسط الآلام والبكاء وصراخ وزفير الأمهات المرتفع إلى عنان السماء؛ لأنهم ليسوا بموجودين... وقد صارت شهادتهم البريئة الطاهرة ملازمة لفصح المذود وللميلاد الفصحي؛ ولازالت جماجمهم في غرفة كنيسة المهد ببيت لحم... لم يكن ذبحهم محض صدفة؛ لكنه يمثل جزءًا لا يتجزأ من خدمة حياة المخلص؛ لأنهم قدموا عملاً كرازيًا وشهادة حق بريئة أمام العالم كله؛ يمثلون بها كنيسة العهد الجديد وبيعة الأبكار التي حملت البرارة والطهارة ومسكنة الروح... تلك التي لا يطيقها الطغاة وولاة العالم الزمني؛ بل يضطهدونها ويُخرسونها ليكتموا صوت شهادتها. لقد تم عبور هؤلاء الأطفال وصاروا أبكارًا يتنعمون بتبعية الحمل الإلهي أينما وُجد في موكب روحي مقدس يتقدمه الحمل القائم وكأنه مذبوح؛ هم افتدوه؛ بينما هو فاديهم وفادي كل أحد، هم صاروا باكورة كنيسة الأحياء البسيطة القوية بلا تعقيد والحاملة سمات الحق الواضح والمستقر في الصليب؛ علامتها الجوهرية؛ والذي يُفصح عن طبيعة كيانها؛ كنيسة أبكار مرتفعة إلى فوق إلى السماء حيث مساكن النور في المظال الأبدية. هيرودس اضطرب والطغاة أمثاله قتلة لا يهادنون حتى بالرغم من معرفتهم للنبؤات؛ فقد علم أن من بيت لحم سيخرج المدبر الذي سيرعى شعب الله... في بيت لحم أفراتة الصغرى التي ستكون بين ألوف يهوذا لأن منها يخرج المدبر (ميخا ٥ : ١٢)، لكن هيرودس في تجبُّره رأى أن هذا الطفل غريم له، وبدلاً من أن يذهب ليسجد له هو الآخر سجود العبادة؛ إحتال ليدبر له مقتلاً، فذبح هذا السفاح كل أطفال بيت لحم، أما يسوع فقد جاء ليدبر نجاة وخلاص العالم كله. لقد طلب الأثيم الكنز المخفي فذبح الرُضع الأبرياء... لذلك أمست راحيل فاقدة التعزية لرؤيتها ذبح أولاد نسلها ذبحًا جائرًا وموتهم حتفًا في غير أوانه؛ حيث أخذت تنوح عليهم مفجوعة الأحشاء؛ لكنها الآن تسر وإياهم بمعاينتهم في أحضان إبراهيم... وهم الآن شفعاء بدم شهادتهم؛ ومن أجل طلباتهم أمام الحمل الحقيقي سيُنعم الله علينا بالمعونة وبنعمة غفران الخطايا. السلام والطوبىَ والفرح لكم يا مَن نلتم مجدًا وإكرامًا ودالة عظيمة عند المخلص... ويا مَن تكلمتم وأنتم لم تقدروا أن تنطقوا بعد؛ بل تكلمتم بدمائكم وتمنطقت أجسادكم بذبيحة أعضائكم الليّنة والغضّة؛ وقد هيأ الله من أفواهكم سُبحًا للملك الصالح؛ تمشون معه على جبل صهيون كيمام بلا عيب وكفراخ النسور المرتفعة إلى العُلا، وليس مَن يشبهكم، وستسيرون أمام الديان في مجيئه الثاني عندما يأتي على السحاب وتنظره كل عين... فكما شهدتم في مجيئه الأول (ميلاده) ستشهدون في مجيئه الثاني (الدينونة)؛ حيث علامة الصليب تضيء في أياديكم، معطين المجد والكرامة والتسبيح للحي إلى أبد الآبدين؛ مبارِكين الملك الآتي بإسم الرب. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
28 فبراير 2021

تَذْكَارُ سَاوِيرُوس الأنْطَاكِي (تَاجُ السُّرْيَانِ)

حينما نذكر سيرته العطرة؛ إنما نعيِّد ونكمل بشكل خاص ذكرى المعلمين اللابسي الروح، فكلهم تكلموا روحيًا بفمه الطاهر. وُلد ساويروس سنة ٤٥٩ م في أسيا الصغرى وسُمي بإسم جده لأبيه، وقد درس الأدبين اليوناني واللاتيني في المدينة العظمى الأسكندرية مع شقيقيه الأكبرين، وكان له زميل فاضل يُدعى زكريا الفصيح؛ وهو الذي أسهم في قيادته روحيًا حتى نال صبغة المعمودية المقدسة. درس وعشق تعليم أثناسيوس السكندري وباسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي؛ وأيضًا مصنفات السميين الثلاثة غريغوريوس؛ والذهبي الفم وكيرلس الكبير الحكيم، وكانت أقوالهم وكتاباتهم موضع دراسته وتأملات شبابه؛ معتبرًا أن تعليمهم كنهر؛ مَن لا يشرب منه لا ينتفع، ممتدحًا إياهم؛ لأنهم لم يكتفوا بالكلام بل بالجراءة والعمل؛ وأظهروا رغبتهم في الاستشهاد؛ وما كانوا متعلقين بكراسيهم؛ لكنهم غاروا غيرة عظيمة وغربوا عن العالم ليشرقوا في المسيح شمس البر. سافر إلى مدينة طرابلس ببيروت سنة ٤٨٨ م ليدرس البلاغة والشرع ومصنفات علماءالكنيسة الأُوَل، فقادته النعمة الإلهية إلى دعوة حياة الرهبنة ولبس الإسكيم.. فكتب رسالة في الإيمان إلى رؤساء الأديار حول طبيعة المسيح الكريستولوجية (طبيعة واحدة للكلمة المتجسد)؛ ودافع عن الإيمان السليم؛ مستحضرًا النسخ الأصلية لمقالات ورسائل كيرلس السكندري، ثم ألف كتابًا أسماه فيلو لاتيس (محب الحق)؛ دفاعًا عن كيرلس الحكيم قبالة الخلقيدونيين؛ ودحض طومس لاون؛ ناسجًا على منوال آباء كنيسة الأسكندرية (أثناسيوس وكيرلس وديسقوروس). رُسم كاهنًا سنة ٥٠٨ م وكانت خدمته الكهنوتية التي عاشها ورآها وكتب عنها عبارة عن: الاستعداد والتقديس أولاً ثم التعليم ثم التدبير؛ من أجل عمل خدمة بناء جسد المسيح... فكان هادئ الطبع؛ دقيق الفكر؛ متفوق في التعليم؛ ودرس الفلسفة واستعملها استعمالاً حسنًا كسلاح خاص، وقد رفعته النعمة وقادته عبر شروحات الكتب المقدسة وممارسة الليتورجية، واضطلع على علوم الوعظ ومعرفة التفسير الكتابي؛ واستعمل الشرح من أجل اللاهوت... فجاءت عظاته شرحًا لآيات الكتب المقدسة ولتفسير المشاهد الإنجيلية، متتلمذًا على الحُجج الآبائية التي تعلّم منها الفلسفة العالية الحقيقية، مميزًا للتعليم السليم داحضًا شر الهراطقة؛ لأن الحق يجتذب إليه الذين يستحقونه كما يجتذب المغناطيس الحديد، وقد تضمنت مجموعة الباترولوجيا الشرقية (Patrologia Oriantalis) ]فكره وسيرته النابعة من الكنيسة المؤسسة على صخرة الإيمان العقلي الكلمة الإلهي[. عاش مسيرة رسالته الكهنوتية في ثلاث محطات الاستعداد والتقديس ثم التعليم ثم التدبير، فكان استعداده في الانطلاق للرعاية على مثال موسى النبي ويوحنا المعمدان وصموئيل وشخصيات الكتاب المقدس؛ وبالأخص الرسولين بطرس وبولس، كذلك كشف عن حقيقة وجه الكاهن بأنه مكلَّف بواجب تعليم الشعب وتدبيره وتعزيته (عَزّوا عَزُوا شعبي)؛ فيكون للكاهن سمع دقيق وحاسة روحية بواسطة التنقية والنسك؛ كي يدرك الرؤى التي تأتي من الله؛ حتى يشهد ويتكلم (آمنتُ لذلك تكلمتُ) وعندئذ تدخل الكلمة إلى قلب أورشليم لتلامس السامعين وتعبر إلى داخل نفوسهم. تم انتخابه بطريركًا لأنطاكية في مجمع صُور سنة ٥۱۲ م لكنه حاول الإفلات دون جدوى؛ حيث اقتبل رتبة البطريركية السامية؛ ليكون خليفة للقديس بطرس الرسول؛ فرعى رعية الله بأمانة وبر، وفي سنة ٥۱٨ م ثار اضطهاد عنيف على الأرثوذكسيين؛ حيث تم نفي الأساقفة الذين لا يقرون المجمع الخلقيدوني... إلى الحد الذي وصل لإصدار أمر بقطع لسان ساويروس الأنطاكي، فصار هائمًا على وجهه يبحث له عن ملجأ يواريه عن أبصار المضطهِدين؛ فأبحر إلى مصر واستقر فيها مدة عشرين سنة؛ وتنيح سنة ٥۳٨ م في مدينة سخا؛ ثم نقلوه بإكرام جزيل ليُدفن حيث كان يعيش في دير الزجاج (غرب الأسكندرية). وتعيِّد له الكنيسة القبطية في ۲ بابى لتذكار مجيئه إلى مصر؛ وفي ۱٤ أمشير لتذكار نياحته؛ وفي ۱٠ كيهك لتذكار نقل جسده إلى دير الزجاج.. إن اسمه عظيم لأنه خدم القدوس العجيب في قديسيه الذي لعظمته المجد والإكرام والسجود. اذكروني في صلواتكم القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
22 نوفمبر 2021

تَذْكَارُ ظُهُورِ جَسَدِ مَارِمِينَا العَجَائِبِيّ وتَكْرِيسِ كَنِيسَتِهِ

وُلدمينا في سنة ٢٨٥م بمعجزة إلهية من والدَيْنِ بارَّيْنِ ؛ أودكسيس وأفومية ، وسُمي مينا لأن أمه كانت عاقر واتاها الصوت السماوي "أمين" فسمَّته "مينا" لأنه ابن الصلوات. وكان أبوه صاحب سلطان ونفوذ في الإمبراطورية الرومانية. لذلك عُين مينا قائدًا في الجيش؛ لكنه ترك مكانته لينذر نفسه لله ، ولما سُمع عنه ذلك، هاج عليه إبليس ودفع الإمبراطور إلى تعذيبه... فأعلن إيمانه بالمسيح وتحمل عذاباتٍ وآلامًا كثيرةً حتى قطع الرأس والحرق التي واكبتها تعزيات وظهورات سماوية؛ إلى أن نال الأكاليل غير المضمحلة من أجل بتوليته ونسكه وشهادة دمه الطاهر. وصار جسده مصدرًا لشفاء الأمراض ولطرد الأرواح الشريرة، وقد بُنيت مدينة رخامية عظيمة على اسمه بصحراء مريوط في عهد البابا أثناسيوس الرسولي، اشتهرت بالعجائب والمعجزات التي لإلهنا القدوس المتعجب منه بالمجد والعجيب في قديسيه .وتوجد أيقونة لمارمينا بمتحف اللوفر بباريس فيها صورة المسيح له المجد واضعًا ذراعه الأيمن على كتف مارمينا الأمين؛ لأنه ترك اهتمامات هذا العالم المملوءة تعبًا، وعاش في عشق إلهي يقتني اللؤلؤة الجزيلة الثمن، وصارت حياته إنجيلاً مكتوبًا بريشة الروح، باقية ومطوَّبة في ذاكرة حياة الكنيسة من أجل سيرته وشهادة سلوكه البيضاء ، وشهادته الحمراء بالعذابات وسفك الدم.شفاعتك أيها الكوكب المنير صاحب العجائب ونسب الجنس المختار في الأرض. الطوبى لك يامن نلت مكانة عظمى في السموات من أجل الشهادة والبتولية والانفراد في البرية.. محاربًا وجنديًا باقيًا في جيش القدوس ملك القديسين. الفرح لك بسُكنى الفرحين وبتكريم الكنيسة لك في أعياد ثلاث : لاستشهادك ولظهور جسدك ولتكريس بيعتك ، كعلامة انتصار وكرامة في موضعك الرخامي الثمين والمزيَّن بالبركات والفضائل؛ تلك التي دشنتها اليد الرسولية التي للعظيم أثناسيوس حامي الإيمان النيقاوي، وجعلها مدينة شهيرة يأتي إليها الزوار والغرباء، لينالوا بركة (مرتيروبوليس) Mαρτυρόπολης أي مدينة الشهيد . وقد تجدد مجد مدينة مارمينا الأمين المبارك؛ وصارت موضعًا للرهبنة والاستشفاء؛ عندما أعاد مجدها القديس المتنيح البابا كيرلس السادس البابا ١١٦ وتلميذه الأنبا مينا أفا مينا . السلام لمارمينا صانع كل عجائب، السلام لمارمينا مانع كل مصائب، المشهور بالعجائبي دون سائر الشجعان؛ ليكون لنا شفيعًا يوم نصب الميزان مع البابا كيرلس السادس وتلميذه أنبا مينا أفا مينا... ولربنا المجد دائمًا آمين. القمص أثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج
المزيد
02 مارس 2021

صِنَاعَةُ التَّوْبَةِ

ما دمنا نُخطئ كل يوم؛ إذنْ فلنتُبْ كل يوم ونجدد أنفسنا بالتوبة. فمراحم الله نحونا لا نهائية وتفوق كل تعبير. التوبة علاجها ليس له حدود؛ وخطايانا الكثيرة يقابلها مراحم لا تُعدّ ولا تُحصىَ... خطايانا المتكررة لن تستعصي إزاء صلاح الله اللانهائي؛ إنها تتلاشى أمام رأفاته التي لا تفرغ؛ هي تقودنا لكي نتبرر. وما لا نستطيع عمله؛ الله يستطيع بقدرته وبدم صليبه أن يكمله. التوبة هي عهد مع الله وتجديد للمعمودية؛ وهي حُكم على الذات؛ بها يتم المصالحة مع الآب وتطهير الوجدان. نعمل مشيئة الله مبتعدين عن شيطان الجولان. نتشبه بالمسيح في أقواله وأفعاله وأفكاره؛ كي ننجو من القصاص العادل بالشفقة الإلهية... يأتي هو ويدحرج القساوة من قلوبنا ويعتقنا من الحبس والظلمة الخارجية... نُرضي الرب كما يُرضي الجنديُ الملك؛ لأننا سنُطالب بدقّة عن ثمار توبتنا؛ وعلى قدر كثرة شدة تقيُّحنا تشتد الحاجة إلى التداوي؛ لا نميل يمينًا ولا يسارًا؛ ولا نلتفت إلى الوراء؛ فنرتدّ إلى خلف ونصير عمود ملح بلا حراك... نتوب عن شرنا وضعفنا حتى لا تصير أواخرنا أشرّ من أوائلنا؛ ويعطينا الله نعمته لكي نقبلها ونحرسها. ففي نعمته يكمُن خلاصُنا؛ وهي التي تسند توبتنا وتقودنا إن كنا نُخلص بحق. بالتوبة نصل إلى كنزنا الذي داخلنا وسُلَّم ملكوته فينا... سائرين بالتوبة؛ لأن الخلاص هو نصيب مَن يسلك حسب قانونها ويُصلح حاله بتوبته. نتوب عن أرواح الكذب والإدانة والطمع والتعظم ومحبة النصيب الأكبر والنجاسة والخبث والرياء... ولا نثق بطين جسدنا مدى الحياة؛ ولا نرتكن إليه حتى نقف أمام المسيح الديان؛ لأن الله لن يأتي بنا إلى الخلاص ضدًا لحرية إرادتنا؛ بل برغبة أنفسنا وتهليل قلوبنا. صناعة توبتنا تنقذنا من الخطأ وتمنحنا نعيم الملكوت. نتوب عن عبودية الخطية؛ وتكون كل كلمة وكل فعل من معلمنا الإلهي هي قاعدة وقانونًا لنا في التقوى والفضيلة والتجديد يومًا فيومًا؛ حيث يتأسس هيكل الثالوث القدوس في داخل قلوبنا؛ نفعل الأمور الصالحة ويكون الله نفسه هو مُبتغانا. نجمع زهور روحية تنسج لنا أكاليل سماوية وتنضح ثمرتنا (الزهور ظهرت) و (الطيب انسكب) عندما يجتذبنا المسيح نفسه إليه ويقرِّبنا منه. لا يذكر خطايانا وتعدِّياتنا فيما بعد؛ لأن التوبة الحقيقية هي معجزة شفاء عظيمة... وهي البشارة المُفرحة الجديدة... وهي عملنا الدائم الذي يلازم حياتنا باستمرار... نغيِّر أذهاننا وسلوكنا ونقوم من غفلتنا... هي (حزن مُفرح)... (حزن) الندم على خطايانا؛ و(فرح) رجاء الغفران. فهي ليست أزمة نفسية إنفعالية؛ لكنها تحوُّل داخلي وروح جديدة؛ نجحد فيها اليأس ونترجىَ حياة مستقيمة. فنحن لسنا في طريق مسدود؛ بل في سعة سكة الحياة؛ ننسى ما هو وراء ونمتدّ إلى ما هو قدام في موقف دائم ما دامت النعمة وافرة والإرادة حاضرة. حزن التوبة مضيء لأنه حزن بحسب مشيئة الله " يُنشئ توبة لخلاص بلا ندامة " (٢كو ١٠:٧). فما التوبة الصادقة إلا حالة (إنسان الحرية)؛ التي تثمر فرحًا وسلامًا وإنفكاكًا من ثقل الخطية وذنبها وعثرتها... إنه (اختبار) سلوك الحياة والبركة؛ ورفض الموت واللعنة. (اختبار) عمل الإرادة الإلهية من أجل المسرة. (اختبار) عمل الأعمال المرضية أمام الله. (اختبار) دعوة واختيار المُعَيَّنين للحياة الأبدية وللمُمسكين بها؛ والتي إليها دُعُوا. ساهرين صاحين متممين خلاصهم بخوف ورعدة... ملتحفين بنعمة الله المُخلِّصة لجميع الناس... حافظين وديعتهم إلى اليوم الأخير. لأن كل من لا يقدم توبة ينال الويلات والتوبيخ والهلاك "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو ٣:١٣)؛ فإن كان الله يتأنّىَ علينا ويتركنا هذه السنة أيضًا؛ فذلك لأنه لا يشاء قطعنا وهلاكنا؛ لكنه يقبل توبتنا ويبررنا؛ ويقبل ثمرنا إن كنا نرجع ونحيا... هو يمكث معنا ويدخل إلينا ويقبل كل من يُقبل إليه... يأتي عندنا ويصنع منزلاً؛ يدخل ويتعشىَ معنا؛ يُقيم فينا ويغفر لنا زلاتنا... كلما نحاسب أنفسنا ونُدرك ضعفنا ثم نقوم لنرجع إليه. وعندما نأخذ خطوة نحوه هو يأتي إلينا مبادرًا ويستقبلنا ويتحنن على كل راجع؛ يركض نحوه ويُلبسه الحُلة (المعمودية) والخاتم (الميرون) ويدعوه إلى ذبيحته المُثَمَّنة (الإفخارستيا) ليأكل ويفرح بالوليمة المجانية. يا لفِعل التوبة المستمر؛ إنه الحدث الفائق الذي نعود به إلى الله ونرجع إليه وتتغير حياتنا مجددًا. إنه سر حلاوة المسيحية في البداية الجديدة - (هَبني يا رب أن أبدأ) – نعرف زيفنا وسقطاتنا ليحل النور محل الظل والظلام؛ وتصير الخطية المتكررة والمحبَّبة مكروهة ومرفوضة بل وغريبة في نور ومعونة جمال المسيح الإلهي. وهي بالجملة معجزة غفران خطايانا وعمل الله المعجزي معنا مثلما مع السامرية والابن الضال؛ نسرع وننزل مع زكا؛ فنلتقي بالقدوس والبار الذي دعانا لنتوب؛ حاملاً خطايانا في جسده على الخشبة؛ وبه نكون أعظم من منتصرين... متحصِّنين بختمه الملوكي الخلاصي العجيب؛ وبعلامة ضمانته المخلِّصة الموسومة لمعونتنا والتي لا تُمحىَ. ويعتبر الآباء أن التوبة هي برهان التقوى وصدق العِشرة المقدسة مع الآب والمسيح والروح القدس. وبها نختبر الثمار اللائقة التي تفتح إضاءة طريق الملكوت؛ كخطّ ونصيب أبدي في فرح لا يُنطق به... نتوب عن كل شر ولا تسودنا الخطية بسلاح الإنجيل وحلول المسيح في إنساننا الباطن. نجاهد لنضبط أنفسنا في كل شيء؛ وبإصرار نرفض تذكارات الشر ومعقولات إبليس وحِيَله... هو يكرر عمله ونحن نكرر رفضنا " قاوموه راسخين في الإيمان " (١ بط ٩:٥). وبتعب التوبة اليومي لا تعود قلوبنا تتقسىَ عبر أزمنة الحياة وحتى غروب العمر؛ لأن التوبة تُقاس بصدق ميل القلب وحرارته ورغبته؛ وبإدراك مقدار الدَّيْن الذي سامحنا به الله... وإله الفرصة الثانية المتجددة هو إله المستحيلات الذي لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا؛ وهو الفخاري الذي يصيغنا من جديد ويصنعنا آنية كرامة له... يعود ويعملنا وعاءً جديدًا كما يحسُن في عينيه. توبتنا هي طريقنا ومسيرة نموّنا. قائدها الروح القدس؛ تصل بنا إلى الشبه الإلهي؛ وهي لا تكمل إلا بإستجابة عمل النعمة فينا وبإتمام الوصايا وعدم التأجيل أو الإهمال والتحول للطابع الحسن؛ حسب متطلبات قصد دعوتنا التي بها نكون مرضيين عنده وغير مرفوضين... وتستمر توبتنا هذه دائمة حتى القبر عندما نربط كل شيء بما يطلبه منا سيدنا وملكنا في الخفاء والعَلَن؛ وفي كل ما يجعلنا مقبولين عنده. متممين عمله الذي يُنشئ فينا إرادة الخلاص والثبات في توبة تستمر (ستين ثانية × كل دقيقة × ستين دقيقة × كل ساعة × عدد سنوات العمر = توبة الحياة وحياة التوبة). تتفق فيها توبتنا مع عظم إحسان الله تجاهنا؛ فتجعله يتحنن ولا يلاحقنا بغضبه؛ إنما يُدركنا بصلاحه: نطلب الحق / نُنصف المظلوم / نُقضي لليتيم / نُحامي عن الأرملة / نتحاجج معه وهو يسير معنا كل الطريق؛ نمشي له خطوة وهو يقترب نحونا أميالاً ليبيِّضنا كالثلج ويُذيقنا حلاوته ويفتح أمامنا الأبواب؛ فندخل إلى المنازل الكثيرة... وكلما ندخل تنفتح أمامنا أبواب جديدة وتنكشف لنا أعماق العجائب؛ وننال فرح توبة الربيع الروحي... نجني بذار بهحة التحرر من الذنب والمَلامة؛ ونحصد بركات النهوض من السقطة والغفلة. وكما خلُصت رَحاب الزانية واللص اليمين الذي صار أول مواطني الفردوس؛ ومثل العشار الذي صار إنجيليًا؛ والمجدِّف الذي نال رتبة الرسولية، هكذا نحن نكمل صناعة توبتنا في كل زمان مهما كان هو لنا زمان توبة. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
24 ديسمبر 2021

مَظَاهِرُ الكرِيسْمَاس فِي الغَرْبِ

في احتفال عيد الميلاد بالغرب ، نرى مغارة مصنوعة من قش ناعم معطر وشجرة مزينة وديكورًا فخمًا للمذود ... لذلك أصبحت مناسبة عيد الميلاد أو ما اصطلح عليه (كريسماس) مجرد ألوان وأنوار وزينات وهدايا ، غاب عنها جوهر ومعنى الحدث الخلاصي غاب عنه إخلاء وفقر المسيح الذﻱ صار فقيرًا كي نغتني نحن بفقره وغناه وقداسة مجده . فقد أُلصقت بالمناسبة سطحيات حوّلتها إلى موسم للتسويق وقياس الحالة الاقتصادية والاستهلاك اكتفى الغرب بالتعييد للميلاد بهذه المظاهر السطحية ، كذلك غاب تمامًا وبهت الاحتفال بعيد القيامة ، لأن الثقافة الغربية تتعامل مع الموت بطريقة هاجسية ... فمع تراجع فكرة المقدس وتحول الإيمان إلى موضة قديمة وإلى دافع إضافي لاستلاب الإنسان من خلال استخدامه التجارﻱ ، الأمر الذﻱ جعل فكرة الموت مجرد فكرة فلسفية وعبثية ؛ اقتربت أكثر فأكثر إلى أن الموت مجرد حدث طبيعي بيولوچي ، فالموت لا قيمة له إلا إذا كنت مؤمنًا وتمارس الإيمان ... وبالرغم أن موت المسيح وقيامتة هو عمل التدبير الخلاصي ، لكنه في الغرب صار أقل أهمية وغاب تمامًا ؛ لأن فكرة الموت بهتت وفقدت معناها ، إذ يراد الهروب من التأمل أو التفكير فيها أو حتى تذكُّرها في حقيقة الأمر نحتفل في عيد الميلاد بتجسد الله الكلمة ، وهو صاحب العيد الذﻱ وُلد لنا ومن أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا ... وُلد في إسطبل حقير للبهائم كي يبارك طبيعتنا فيه ، ويهذبها ويرقّيها ... لذا نحن مدعوون أن نأتي إليه لأنه هو أتى إلينا ، ساهرين مع الرعاة لنحرس أمر خلاصنا بحراسات الليل كي يشرق علينا مجده ونتبعه مع جمهور جند الرب ، وإنْ راعينا إثمًا في قلوبنا فسيسطع علينا نور وجه المولود بغفرانه وغناه الذﻱ لا يُستقصىَ ... إننا في عيد الميلاد نعيّد لميلاده كي يأتي ويموت ويقوم من أجلنا ، فلننتقل من مرعىً إلى مرعىً كي نجد مقر الحمل الإلهي المولود ، نحمله في داخلنا بعيدًا عن كل المظهريات ، لأننا سفراؤه ولا عبرة عندنا للأزمنة من غير ولادته فينا ، فألف سنة في عينيه كيوم أمس الذﻱ عبر ، وهو الذﻱ يملأ أعمارنا بضياء طهارته وخلاصه ورحمته الأبدية (مجدًا في الأعالي وسلامًا على الأرض ومسرة للناس) في عيده نتبع النجم لنقدم هدايانا (قلوبنا وحياتنا وسلوكنا وكل ما لنا) مسيحنا المولود هو شجرة حياتنا وزينتنا وفرحتنا وهديتنا وعطية جميع العطايا ، الذﻱ يخلصنا من الرائحة البهيمية وحيوانية الشهوة ، لأنه مشير عجيب وهو أبو كل الدهور، نسجد له مع كل الكون ونعيّد له بثياب التسبيح مع كل الخليقة التي تهللت بمجيئه نعيد له لأنه هو هدف التاريخ ومحوره ، وهو مركز حياتنا وحضورنا ... هو فرحنا في المسرات ، وتعزيتنا في الأحزان ، ومعونتنا في التجارب ، وهو الذﻱ جعل لحياتنا معنىً وقد صار لنا خلاصًا وفصحًا مقدسًا .. فردوسه هو أملنا وصار لنا حصنًا برحمته التي بها أحيا كل الأرواح وفتح العيون ومنحنا البيعة الحلوة ، المجد لميلاده بسر التقوى العظيم . القمص أثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج
المزيد
15 نوفمبر 2021

أَوَّلِيّةُ الكِرَازَةِ بِالِإنْجِيلِ للخَلِيقَةِ كُلِّهَا

الروح الكرازية هي العمل الأول الذﻱ قامت به الكنيسة منذ يوم الخمسين. وسيظل هو طريق عملها الصحيح للخلاص ونوال الحياة الأبدية؛ (مبنيين على أساس الرسل والأنبياء؛ ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية) (أف ٢ : ٢٠) فالبناء على الرسل يعني إيمانهم وكرازتهم. ولا تقوم أية كرزاة صحيحة إنْ لم تكن مؤسسة على الأساس الوحيد؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر غير الذﻱ وُضع؛ الذﻱ هو يسوع المسيح مخلصنا؛ الذﻱ تجسد وصُلب وقام ناقضًا أوجاع الموت، وصعد إلى يمين الآب؛ وسكب الروح القدس على تلاميذه الأطهار، وسيأتي أيضًا في مجده ليدين الأحياء والأموات؛ وليس لملكه انقضاء. هذه الروح الكرازية هي محور الإنجيل وهي قوة الله للخلاص لكل من يؤمن (رو ١ : ١٦)؛ وهي أيضًا قوة الله وحكمته (١ كو ١ : ٢٤)، ولا توجد كرازة رسولية لا تقوم إلا على خلاصه وغفرانه للخطايا لكل من يقبله ويتجاوب مع عطية نعمته.. من أجل هذا يلزم لكل كارز ومكروز له أن يقبل الرب يسوع قبولاً شخصيًا؛ لأن البشرية التي اُفتُديت ليست شيئًا؛ بل هي (الأشخاص البشريون) الذين دعاهم المخلص بأسمائهم ليكونوا خاصته؛ وأهل بيته. معروفين لديه ومميزين عنده (كل واحد منا بإسمه وكل واحدة بإسمها، معروفين بأشخاصنا وليس فقط بطبيعتنا البشرية العامة، نعرفه بإسمه وفي شخصه، نعتمد بإسم الثالوث القدوس ونتوب لنتجدد بالروح القدس الذﻱ يمنحه الله للذين يطيعونه (أع ٥ : ٣٢).. نتوب ونرجع لتُمحَى خطايانا؛ حتى تأتي أوقات الفرج من عند الرب (أع ٣ : ١٩) بالبركة والرد عن الشرور (أع ٣ : ٢٦). يسوع المسيح ربنا هو المكروز به وهو محور كل عمل كرازﻱ، والذين يكرزون به؛ إنما يدعون إلى الإيمان بالمسيح الذﻱ ليس بأحد غيره الخلاص، رب الكل وإله الكل ومخلص الجميع، ديانًا للأحياء والأموات، الذﻱ يعطي كل من يؤمن به أن ينال بإسمه غفران الخطايا... فتأسست الكنيسة على شهادة التلاميذ الرسل؛ وتمركزت رسالة الإنجيل حول الشهادة لتدبير الخلاص؛ فصارت شهادتهم برؤية العين هي أساس كتابة الانجيل وكرازة الكنيسة. لقد وَعَتْ الكنيسة الوليدة نفسها بأنها هي (البقية المختارة)، وكل ما قاله لهم السيد المسيح وعَوْهُ في قلوبهم ونفوسهم؛ بعد أن ارتفع عنهم إلى السماء وسيأتي هكذا كما رأوه منطلقًا إلى السماء، ملأهم بالرجاء الحار بإنتظار مجيئه القريب على الأبواب، فكان قوة حية في الكرازة لتلمذة جميع الأمم، وتعليمهم جميع ما أوصاهم به للخليقة كلها، ومعموديتهم على اسم المسيح القدوس. قامت الكرازة بلا سند من قوة زمنية... بلا ذهب ولا فضة... كرازة بالكلمة الحية المقولة أكثر من الكلمة المكتوبة، كرزوا في البيوت وفي الأسواق جهرًا، وفي بيوت الولاة والحكام... كرزوا بلا فتور، ليلًا ونهارًا، في وقت مناسب وغير مناسب، كرزوا مَقُودين بالروح القدس في دعوتهم ومسار كرازتهم ومعجزاتهم... كرزوا ببرهان الروح والقوة ونشروا إنجيل الخلاص وبشارة الملكوت.. فكانت كلمة الله تنمو؛ وعدد التلاميذ يتكاثر، أمّا الكنائس كانت تتشدد في الإيمان وتزداد في العدد كل يوم؛ وتنمو وتتقويَ. القمص أثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل