المقالات
12 أكتوبر 2021
القيم الروحية ( حياة الشكر )
الشكر شعور بنعمة الله علينا .. الانسان الشاكر لله هو الذى يشعر بنعم الله عليه ورعايته له فى مختلف ظروف الحياة ، وهو إنسان متواضع طيب القلب قنوع ، يشعر ان الله صانع الخيرات حتى وان سمح الله بضيقات تأتى عليه فهى لفائدته الروحية ، فالله قادر ان يغير ما يصنعه ضدنا الاشرار الي خير لنا كما قال يوسف الصديق { انتم قصدتم لي شرا اما الله فقصد به خيرا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبا كثيرا }(تك 50 : 20). وهكذا كان يوسف نبيلا مع اخوته الذين تأمروا على قتله وبعد ذلك باعوه عبدا، وكان شهماً ستر على اخوته وعلى امرأة سيده عندما أتهمته ظلما { لاني قد سرقت من ارض العبرانيين وهنا ايضا لم افعل شيئا حتى وضعوني في السجن} تك 15:40. ومن أجل طهارته وتواضع قلبه وهبه الله الحكمة والنعمة واستطاع ان يفسر حلم فرعون ويدير احوال مصر فى المجاعة وينقذ شعبها واهله من الجوع والغلاء والفناء .من اجل ذلك يدعونا الإنجيل الى حياة الشكر كابناء محبين لله { فكونوا متمثلين بالله كاولاد احباء. واسلكوا في المحبة كما احبنا المسيح ايضا واسلم نفسه لاجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة. شاكرين فى كل حين، على كل شئ} ( أف 1:5- 2، 20 )
الشكر هو عرفان بالجميل .. لكل من قدم لنا عطية او خدمة من البشر. ونحن نقدم الشكر والحمد لله على نعمة التى منحها لنا وعلى كل شيء لم يمنحه ومنعه عنا لخيرنا حتى لو كان الإنسان يشعر باحتاج اليه وهذا ما يقوم به العامة من تقبيل ايديهم من داخل ومن خارج حينما يشكروا الله . فنحن نشكر الله على جميع العطايا التى منحها الله لنا وكذلك على كل ما قد حجبه الله عنا حتى ولو كنا فى احتياج لذلك الشئ الذى حجبه الله واثقين ان ذلك من اجل خيرنا .
الشكر على عطايا وهباته.. اننا نشكر الله على نعمة الوجود وعلى ما لدينا من صحة وحتى من مرض فالمرض هبة من الله لنعرف ضعفنا ونجلس مع ذواتنا ونتقابل مع الله . اننا يجب ان نشكر الله على رعايته ونصرته لنا فى حروبنا ونتعلم من أخطائنا ونتوب عنها، يقول قداسة البابا شنوده الثالث (لا شك أن الشيطان يبذل قصارى جهده من أجل ضررنا وأسقاطنا، فاٍن كنا الآن بخير ، فذلك لأن الله قد منع الضررعنا، الضرر الذى نعرفه او لا نعرفه، ونحن نشكر الله على هذا الحفظ، اٍننا اٍذا شكرنا على النعم فقط ، يكون حبنا هو للنعم، وليس لله معطيها ! أما اٍن شكرنا الله حتى على الضيقة ، فاٍنما نبرهن على أننا نحب الله لذاته وليس لعطاياه ). كتبت احدى المجالات البريطانية مقالاً موثراً عن احد الجنود الذي أصيب بشظية استلزمت اجراء سبع عمليات جراحية له وعندما أتاه الطبيب بعد ان استفاق سأله الجندي : هل سأعيش ؟ فاجابه نعم . فسأله مره اخري : هل ساستطيع ان أزاول حياتى العادية من جديد؟ فأجابه الطبيب نعم . عند ذلك رد الجريح قائلاً : انني احمق ! علام القلق أذاً !
لدينا الكثير والكثير من الاشياء التي تستحق الشكر، عزيزى هل شكرت الله على انك لك عينين ترى بهما . وعلى نعمة القراءة وعلى ضوء الشمس والكهرباء ؟ يقول الشاعر الراحل أمل دنقل : ترُي حين افقأ عينيك ، واثبت مكانهما جوهرتين . ترُي هل ترى ؟ هى أشياء لا تشترى . فهل شكرنا الله على نعمة البصر. وكم من أناس لم تتاح لهم فرصة التعليم ولا يستطيعوا القراءة .فهل شكرت الله على ذلك . وكم يكفي من المال مقابل ساقيك ؟ ان لدينا نعم كثيرة تكفى للشكر الدائم ، والإنسان القنوع بما لديه ، الشاكر الله على نعمه يحيا سعيدا ويقبل نفسه كما هو ساعيا الي الكمال المسيحي والنمو الروحي والعملى فى تواضع ورضا بما لديه فى غير تذمر او تمرد او عصيان بدلا من السعى للوصول الى اهداف زائفة تقوده الى هلاك النفس والروح {لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه }(مت 16 : 26). {واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة } (1تي 6 : 6) الإنسان الشاكر لله والأخرين يحيا حياة الرضا والسعادة بما لديه فالسعادة ليس بمقدار
ما نملك ونستهلك بل السعادة تأتي من القناعة بما بين ايدينا وما في مقدورنا عمله لادخال البهجة والفرح لحياتنا وحياة من حولنا . وكما يقول أحد القديسين (لا موهبة بلا زيادة الا التي هي بلا شكر) . فلنعود أنفسنا يا أحبائي على حياة الشكر لله وكذلك نقدم الشكر لكل من يساهم فى تقديم خدمة لنا ولاحبائنا .
السيد المسيح وحياة الشكر:-
نتعلم الشكر والاحسان والوفاء من الله . اننا نتعلم الوفاء والشكر من الله {فاجتاز الرب قدامه "موسي" ونادى الرب الرب اله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الاحسان والوفاء }(خر 34 : 6). وعندما شفى السيد المسيح له المجد العشرة البرص. رجع واحد فقط ليقدم الشكر لله وكان رجلا سامري غريب { فواحد منهم لما راى انه شفي رجع يمجد الله بصوت عظيم. وخر على وجهه عند رجليه شاكرا له وكان سامريا. فاجاب يسوع وقال اليس العشرة قد طهروا فاين التسعة. الم يوجد من يرجع ليعطي مجدا لله غير هذا الغريب الجنس} لو 15:17-18.
من اجل هذا تعلمنا الكنيسة فى كل صلاة نصليها ان نبتدى بالشكر لله صانع الخيرات الرحوم لانه سترنا واعاننا وحفظنا وقبلنا اليه واشفق علينا وعضَددنا ووهبنا نعمة الحياة لنقف أمامه ونشكره . عرف داود النبي مراحم الله واختبرها لذلك رايناه يبارك الله دائما { باركي يا نفسي الرب و كل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس.باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته. الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل امراضك.الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرافة. الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك. الرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومين. الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لا يحاكم الى الابد ولا يحقد الى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب اثامنا} مز1:103-10. فياليتنا نتعلم من رجال الله القديسين ونشكر الله على نعمه المتنوعة .
تذكر أحسانات الله لنا وصية من الله .. عندما كان الشعب قديماً فى البريه واطعمهم الله المن فى البرية أمر موسى ان يحتفظ منه بالقليل في بيت الرب ليكون مجال للتذكر والشكر { وقال موسى هذا هو الشيء الذي امر به الرب ملء العمر منه يكون للحفظ في اجيالكم لكي يروا الخبز الذي اطعمتكم في البرية حين اخرجتكم من ارض مصر. وقال موسى لهرون خذ قسطا واحدا واجعل فيه ملء العمر منا وضعه امام الرب للحفظ في اجيالكم.كما امر الرب موسى وضعه هرون امام الشهادة للحفظ} خر32:16-34. وهكذا نحن فى العهد الجديد نشكر الله فى كل صلاة ولاسيما فى الصلاة اللليتروجية فى القداس التي هي بحق سر الشكر لله على عطيته التى لا يعبر عنها بكلمات.
الكتاب المقدس وحياة الشكر .. ان الكتاب المقدس وتعاملات الله عبر التاريخ تعلن لنا عطايا الله وغنى نعمتة المجانية وهي تفيض على البشر. وفعل الشكر هو جواب الإنسان لهذه النعمة المتدفقة والمتواصلة التي ستجد كمالها في المسيح. فالشكر وعي بعطايا الله. واندفاع لا شائبة فيه للنفس التي سبيت من الدهش بهذا الجود. وعرفان بالجميل أمام العظمة الإلهية وهو ياتى في الكتاب المقدس كرد فعل عميق للخليقة التي تكتشف عظمة الله ومجده. فخطيئة الوثنيين الرئيسية في نظر القديس بولس تكمن في أنهم عرفوا الله ولم يمجدوه ولا شكروه {لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر.لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه او يشكروه كاله بل حمقوا في افكارهم واظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء} رو 20:1-22 .
حياة الشكر تقود إلى استعادة روح الفرح والحمد والتهليل.. { اهتفوا ايها الصديقون بالرب بالمستقيمين يليق التسبيح. احمدوا الرب بالعود بربابة ذات عشرة اوتار رنموا له. غنوا له اغنية جديدة احسنوا العزف بهتاف. لان كلمة الرب مستقيمة وكل صنعه بالامانة. يحب البر والعدل امتلات الارض من رحمة الرب} مز 1:33-5. ولان الرب صالح والى الابد رحمته فيجب ان نحمده ونشكره { وغنوا بالتسبيح والحمد للرب لانه صالح لان الى الابد رحمته على اسرائيل وكل الشعب هتفوا هتافا عظيما بالتسبيح للرب لاجل تاسيس بيت الرب. وكثيرون من الكهنة واللاويين ورؤوس الاباء الشيوخ الذين راوا البيت الاول بكوا بصوت عظيم عند تاسيس هذا البيت امام اعينهم وكثيرون كانوا يرفعون اصواتهم بالهتاف بفرح}(عز 3: 11-12) . وكما هتف المرنم شاكراً الرب { احمدك يا رب الهي من كل قلبي وامجد اسمك الى الدهر.لان رحمتك عظيمة نحوي وقد نجيت نفسي من الهاوية السفلى}(مز 86: 12-13). وبكلام أكثر دقّة يقوم فعل الشكر على أنه اعتراف عملي بفضل الله . فحمد الله يودي إلى إعلان العظائم التي يجريها معنا وإلى الشهادة لأعماله. أما فعل الشكر، فإنه يسير كصدى له في القلوب. ولهذا السبب، فهو يتضمن غالباً الإشارة إلى جماعة الصديقين التي دُعيت لتسمع وتشارك في الشكر{ احمدك في الجماعة الكثيرة في شعب عظيم اسبحك} (مز 35: 18). { حسن هو الحمد للرب والترنم لاسمك ايها العلي. ان يخبر برحمتك في الغداة وامانتك كل ليلة. على ذات عشرة اوتار وعلى الرباب على عزف العود. لانك فرحتني يا رب بصنائعك باعمال يديك ابتهج. ما اعظم اعمالك يا رب واعمق جدا افكارك} (مز 92: 1-5). أما اللفظ العبري الذي يعبر عن نوعية هذا الاعتراف المندهش والمعترِف بالجميل، أو "توداه" بالعبرية ، ويوازيه في اللغة العربية شكرا ، فهو لا يفي اللفظ العبريً حقّه. أما اللفظ الذي يبدو أنه يجسم فعل الشكر في العهد القديم ويترجم بصورة دقيقة الموقف الديني المقصود، فهو عبارة " مبارك الرب الاله " ففي العبرية "باروخ اته ادوناى " هى تفصح عن " التبادل الجوهري " بين الله والإنسان. فصدى بركة الله الذي يهب خليقته الحياة والخلاص هو البركة التي يشكر الإنسان بواسطتها خالقه { باركوا الرب يا كهنة الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب يا عبيد الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب يا ارواح ونفوس الصديقين سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب ايها القديسون والمتواضعو القلوب سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب يا حننيا وعزريا وميشائيل سبحوا وارفعوه الى الدهور لانه انقذنا من الجحيم وخلصنا من يد الموت ونجانا من وسط اتون اللهيب المضطرم ومن وسط النار.اعترفوا للرب لانه صالح لان الى الابد رحمته} (دا3: 84-89}.الضيقة والصلاة والشكر .. فى الكتاب المقدس تقليد خاصّ بالشكر، يظهر بوجه خاص في المزامير ويكشف بشكل دقيق عن طبيعة الشكر كردة فعل على خلاص الله وانقاذه لابنائه وشعبه . فالاعتراف والعرفان بالجميل على الخلاص نرى فيه وصف لخطر يستهدف الانسان او الشعب { اكتنفتني حبال الموت اصابتني شدائد الهاوية كابدت ضيقا وحزنا} (مز116: 3)، ثم يشتمل على صلاة قلقة او عميقة لله { احببت لان الرب يسمع صوتي تضرعاتي. لانه امال اذنه الي فادعوه مدة حياتي... وباسم الرب دعوت اه يا رب نج نفسي}(مزمور 116: 1-2-4). ثم تذكير بتدخل الله الرائع{ الرب حافظ البسطاء تذللت فخلصني. ارجعي يا نفسي الى راحتك لان الرب قد احسن اليك. لانك انقذت نفسي من الموت وعيني من الدمعة ورجلي من الزلق. اسلك قدام الرب في ارض الاحياء} (116: 6-9). نعمة العهد الجديد وحياة الشكر .. اما فى العهد الجديد هو فنحن اخذنا من ملء نعمة الله المفاضة علينا بالمسيح يسوع ربنا {ومن ملئه نحن جميعا اخذنا ونعمة فوق نعمة. لان الناموس بموسى اعطي اما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا} (يو1: 17-18) انه إعلان للشكر غير المنقوص الذي يرفعه الابن للآب في الروح القدس فى وحدة غنية . الشكر المسيحي هو جواب ورد عملى على نعمة الله الغنية والتعبير النهائي عنها يكمن في الأفخارستيا السرية، وهي شكر الرب،. ففي العشاء السري وعلى الصليب، يكشف يسوع عن هدف حياته وموته، ألا وهو الشكر من قلبه لتتميم عمل الخلاص والفداء ، وصلاة القداس هى أمتداد لعمل المسيح الخلاصى على الصليب. حياة المخلص كلها تعدُّ فعل شكر متواصل، يظهر أحياناً بصورة جلية ومهيبة لكي يحمل البشر على الإيمان وعلى مشاركته في الشكر { قال يسوع ارفعوا الحجر قالت له مرثا اخت الميت يا سيد قد انتن لان له اربعة ايام. قال لها يسوع الم اقل لك ان امنت ترين مجد الله. فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعا ورفع يسوع عينيه الى فوق وقال ايها الاب اشكرك لانك سمعت لي. وانا علمت انك في كل حين تسمع لي ولكن لاجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا انك ارسلتني. ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم لعازر هلم خارجا. فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات باقمطة ووجهه ملفوف بمنديل فقال لهم يسوع حلوه ودعوه يذهب} (يو11: 39-44).السيد المسيح هو الذي رفع أولاً الشكر إلى الآب ونحن "به ومعه وفيه" نقدم شكرنا وتسبيحنا للاب القدوس . فبعد أن أدرك المسيحيون معنى النعمة التى حصلوا عليه، وبعد أن اجتُذِبوا منه ، { وانا ان ارتفعت عن الارض اجذب الي الجميع }(يو 12 : 32) . جعلوا من الشكر حياتهم المتجددة والمستمرة فنشكر الله على كل حال وفى كل حال ومن اجل كل حال .
أمثلة لحياة التسبيح والشكر:-
فى تسبحة العذراء مريم.. نري بدء تسابيح شكر العهد الجديد بانفتاح نعمة الله نحو البشر واعلان رئيس الملائكة غبريال للعذراء مريم بالتجسد الإلهى { فقالت مريم تعظم نفسي الرب. وتبتهج روحي بالله مخلصي. لانه نظر الى اتضاع امته فهوذا منذ الان جميع الاجيال تطوبني.لان القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس. ورحمته الى جيل الاجيال للذين يتقونه.صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم.انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين.اشبع الجياع خيرات وصرف الاغنياء فارغين.عضد اسرائيل فتاه ليذكر رحمة. كما كلم اباءنا لابراهيم ونسله الى الابد} لو 47:1-55.
ثم راينا شكر سمعان الشيخ وحنة النبية وزكريا الكاهن وكلها تشكر على خطة الله لخلاص البشر . وقد أوحاها التأمل المتأني للأحداث، على مثال ما كان يحصل في العهد القديم.
الشكر فى حياة الرسل ... هكذا كان الرسل يواظبون مع المؤمنين على ليتروجية الشكر كجماعة بقلب واحد ويقدمون الشكر لله كل حين { كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبزوالصلوات} (اع 2 : 42). {وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة واذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب} (اع 2 : 46) . ويعَبر عن الشكر والتسبيح لدى الرسل والجماعات المسيحية الأولى حتى بعد القيامة والصعود وفى كل خدمتهم وحياتهم { واخرجهم خارجا الى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم واصعد الى السماء. فسجدوا له ورجعوا الى اورشليم بفرح عظيم.وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله امين} لو 50:24-53 . { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان.لاننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولاولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الامور} 2كو14:2-16. ويعلمنا الانجيل ان نشكر كل حين { اشكروا في كل شيء لان هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم} 1تس 18:5. {فشكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها} (2كو 9 : 15).{فاطلب اول كل شيء ان تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لاجل جميع الناس} (1تي 2 : 1).
الهدف من الشكر خلال كل الأحداث هو قبول ملكوت الله والاحساس بمحبته وقيادته للانسان. والعيش كما يحق لإنجيل المسيح، انه ثمرة الفداء المنتشر في الكنيسة { لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه ايضا انتم اذ سمعتم كلمة الحق انجيل خلاصكم الذي فيه ايضا اذ امنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده . لذلك انا ايضا اذ قد سمعت بايمانكم بالرب يسوع ومحبتكم نحو جميع القديسين. لا ازال شاكرا لاجلكم ذاكرا اياكم في صلواتي. كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح ابو المجد روح الحكمة والاعلان في معرفته. مستنيرة عيون اذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين. وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته} (أفس 1: 12- 19).
أما سفر الرؤيا فإنه يوسع آفاق الشكر إلى حدود الحياة الأبدية، ففي أورشليم السماوية، وبعد أن يكتمل العمل المسياني، يصبح الشكر حمداً خالصاً لله ومشاهدة منبهرة لله وعظائمه الأبديَة { والاربعة الاحياء لكل واحد منها ستة اجنحة حولها ومن داخل مملوة عيونا ولا تزال نهارا وليلا قائلة قدوس قدوس قدوس الرب الاله القادر على كل شيء الذي كان والكائن والذي ياتي. وحينما تعطي الحيوانات مجدا وكرامة وشكرا للجالس على العرش الحي الى ابد الابدين. يخر الاربعة والعشرون شيخا قدام الجالس على العرش ويسجدون للحي الى ابد الابدين ويطرحون اكاليلهم امام العرش قائلين.انت مستحق ايها الرب ان تاخذ المجد والكرامة والقدرة لانك انت خلقت كل الاشياء وهي بارادتك كائنة وخلقت} رؤ 8:4-11. {والاربعة والعشرون شيخا الجالسون امام الله على عروشهم خروا على وجوههم وسجدوا لله. قائلين نشكرك ايها الرب الاله القادر على كل شيء الكائن والذي كان و الذي ياتي لانك اخذت قدرتك العظيمة و ملكت} رؤ 16:11-17.
مجالات وأسباب الشكر:-
اذ نعدد المجالات والاسباب التى تستوجب تقديم الشكر لله فاننا نستمر فى حياة الشكر الدائم لله على كل شى ، نشكره على انه اعطانا واحبائنا نعمة الوجود كخالق ومحب للبشر ، وعلى نعمة البنوة لله { فشكرا لله انكم كنتم عبيدا للخطية و لكنكم اطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها }(رو 6 : 17) ونشكره على انه عبر بنا تجارب كثيره تعلمنا منها الكثير { شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح. اذا يا اخوتي الاحباء كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين ان تعبكم ليس باطلا في الرب} 1كو 57:15-58. نشكره على كل ما لدينا من أمكانيات ومواهب { فشكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها }(2كو 9 : 15). نشكر الله على الإيمان وعلى الفرص المتجدده للتوبه والعمل. لكن علينا ان نعلم ان حياة الشكر لا تعني الاستكانة وعدم الجهاد فى تحسين أوضاعنا سواء فى الدراسة او المعيشة او العمل او العلاقات . بل علينا ان نجلس مع الله وأنفسنا ونحاسبها او نعاتبها ونتخذ القرارات اللازمة لتصحيح اوضاعنا ونقوم بتنفيذ الخطوات العملية للوصول الى الأفضل . علينا ان نتعلم من أخطائنا ونصححها لا ان نبكى على اللبن المسكوب وعندما نسقط علينا ان نبادر بالقيام عالمين ان النجاح يأتى من حسن التقدير وحسن التقدير يأتى من التجربة والسقوط ما هم الا سوء تقدير . فمع كل يوم جديد نشكر الله الذى اعطانا فرصة جديده للحياة والعمل والقيام والنجاح ولا ندع شئ يفصلنا عن الله حتى التجارب التى نواجهها فى حياتنا هى فرص نرى يد الله العاملة معنا ، ونجاهد لنكلل. ان الجهاد والتعب ومواجهة متاعب الحياة تخلق فينا التحدى والعمل على تخطى الصعاب { اله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبني } (نح 2 : 20). اننا لله نثق ان ما يحدث لنا سواء بارادة الله او بسماح منه لابد ان ينتهى لخيرنا { ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده }(رو 8 : 28). فلهذا نقدم الشكر لا على السعة فقط ولكن حتى فى الضيقات { بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا. والصبر تزكية و التزكية رجاء. والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} رو 3:5-5. فلنحيا دائما شاكرين فى كل حين {شاكرين الآب الذى أهلنا لشركة ميراث القديسين فى النور ، الذى لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا } ( كو 1 13 – 14 ).
معوقات لحياة الشكر:-
التركيز على المتاعب .. هناك من يضع المتاعب التى تواجهه امامه كل حين ويضخم المشاكل والضيقات ويجعلها تحصره وتحزن قلبه وتدعه نهباً للقلق والحزن والتذمر مما لا يجعل الانسان يشكر او يذوق طعم السعادة . يجب ان نعيش الحياة بحلوها ومرها وندع المرة تمر لكى لا تمرر حياتنا وتتعبنا . لنعيش فى حدود يومنا ونقدس الحاضر، الذى نملكه فالأمس قد ذهب بكل ما فيه والغد لا نملكه لأنه فى يد الله وحده.. ولكننا أمام واجب اليوم ، وواجب اللحظة الحاضرة. وفى تقديس الحاضر تقديس للحياة كلها، واليوم هو أجمل وأروع من الأمس والغد، ليتنا نفرح بكل ما في اليوم من خير، لئلا تتبدد طاقتنا بين التفكير فى الأمس والقلق على الغد. فلنشكر الله على نعمة الحياة ونعمل من اجل يوماً طيباً وغداً سيكون أفضل .
نسيان عمل الله وعدم الشعور بنعمته .. ونحن أحياناً لا نشكر لأننا ننسب الأشياء الحلوة في حياتنا، لغير الله ، إذا نجحنا ننسب ذلك إلى ذكائنا، أو إلى مجهوداتنا . وتختفى معونة الله من عقولنا وكذلك إن شفينا ننسب ذلك إلى الأطباء. وإن وفقنا في عملنا، ننسب ذلك إلى قدراتنا وكفاءتنا. وإن نجونا من حادثة، نرجع ذلك إلى مهارة السائق. وبالتالي يختفي الله من أسباب أفراحنا، فلا نشكره على شيء. واحياناً اخرى لا نشكر على شيء، إلا إذا فقدناه أو حرمنا منه، لا نحس النعمة التي نحن فيها، إلا إذا ضاعت منا، فلا نشكر الله على وجود الوالدين ولا نشعر ببركاتهما إلا إذا توفي أحدهما. ولا نشكر على ما نحن فيه من صحة، ولا نعرف قيمتها إلا إذا مرضنا. بل لا نشعر ببركة وجود النور في الحجرة، إلا إذا انقطع النور في الحجرة، إلا إذا انقطع التيار الكهربائي.
الانانية والتعود على الاخذ ..
هناك من لا يفكر إلا في ذاته، فإن اخذ لا يفكر في اليد التي أعطته. كإنسان جائع، يوضع أمامه طعام، فيأخذ في التهامه، دون أن يفكر فيمن قدمه له، أو في شكره على ذلك. كذلك قد ينشغل الانانى بذاته في أخذها، دون أن يتطلع إلى وجه المعطي. كإنسان فتح له الله أبواب الرزق، فتراه ينشغل بالرزق، وبجمعه وتكويمه وإنمائه، ولا يتفرغ ولو لحظة لكي يشكر من وهبه الرزق. واحياناً لا يشكرالانسان لأنه لم يتعود ذلك في حياته. لذلك يجب ان نعود انفسانا وابنائنا أن نشكر غيرنا على كل أمر يعملوه من أجلنا مهما كان ضيئلاً ثم بعد ذلك نشكرك الله لأنه يرسل لنا من يساعدنا، ويمنحهم القدرة على خدمتنا . إن كل خير نعيش فيه هو عطية من الله، الحياة والصحة، والعمل والمال، وكل شيء. ومادام كذلك فلنشكر الله المعطي. احياناً لا نشكر، لأننا نظن ان الأمر أصغر من أن نشكر عليه، أو هكذا نراه. يقول احد الاباء "الذي لا يشكر على القليل، كاذب هو إن قال إنه يشكر على الكثير كما ان الامين فى القليل أمين فى الكثير".
لا نشكر لعدم ادراك حكمة الله...أمور كثيرة تمر بنا، ولا نشكر عليها، بل على العكس قد نتضايق منها، أو نتذمر بسببها. وكل ذلك لا ندرك حكمة الله فيه. ولو أدركناها لشكرنا الله كثيراً.العيب فينا إذن. لنا عيون ولكنها لا تبصر في كل ما يمر بنا من أحداث ومن أمور. قد لا نشكر على ما أعطانا الله، لأننا نرى أن غيرنا عنده أكثر منا، أو ما هو أفضل أو لأن غيرنا أخذ مثلنا ونظن انه لا يستحق. وهذا خطأ ينم عن عدم محبة وكبرياء داخل النفس يجب ان نتخلص منها . هناك من لا يشكر، بسبب الطموح ورغم ان الطموح جيد لكن علينا ان لا نرتئى فوق ما ينبغى بل الى التعقل . وتكون تطلعاتنا ليس أعلى من المستوى الممكن، الطموح في حدود الاعتدال، وفي عدم شهوة العالم ليس هو خطية لكن لا يمنع الشكر. اشكر الله على ما معك، فيعطيك أكثر. كذلك لا يجوز أن الطموح يجعلك تحتقر ما وهبك الله إياه. الطموح الروحي فليس له ضحايا، إن عاش أصحابه في حياة الإتضاع شاكرين الله، وراغبين في الامتلاء من حبه.
التذمر أو الطمع والبعد عن الله ... هناك اناس يعيشون في الخطية، وليست لهم صلة بالله، ولا يعترفون بفضله عليهم. إنما كل همهم هو متعة العالم. وكما قال الكتاب " كل الأنهار تجري إلى البحر. والبحر ليس بملآن" (جا1: 7).انلم يتعود الإنسان حياة القناعة فمن الصعب عليه أن يصل إلى حياة الشكر. كما ان البعد عن الله يبعد الانسان عن ان يشكره لأنه لا علاقة له بالله إطلاقا، فلا شكر، ولا صلاة، ولا قراءة كتاب، ولا حضور اجتماعات روحية، ولا شركة مع الله في شيء.ويحتاج هؤلاء إلى أن يدخلوا في الحياة مع الله. وحينئذ، حينما يشكرونه .
فلنشكر صانع الخيرات الرحوم:-
ايها الاله الرحوم محب البشر الصالح نشكرك يارب لانك خلقتنا ووهبتنا علم معرفتك ووهبتنا كل مقومات الحياة من شمس وماء وهواء وغذاء وكساء ولم تدعنا معوزين لشئ بل تقودنا كراعي صالح كل الأيام وتعبر بنا تجارب وضيقات الحياة لنتعلم ويشتد عودنا ويتقوى ايماننا ويزداد رجائنا وتنمو محبتنا لك .
نشكرك يارب على كل حال لانك تغفر خطايانا وتعيننا وتحفظنا وتقبلنا اليك كأب صالح وتشفق علينا كالأم الحنون. انت يارب تبحث عن الضال لترده وتعصب الجريح وتُجبر الكسير ولاترفض الراجعين اليك بكل قلوبهم مانحا ايانا سلامك ، واهباً لنا شفاء النفس والروح والجسد . فكيف نعبر عن محبتنا لك الا بشكرنا لنعمك وتسبيحنا بحمدك وطاعتنا لوصيتك وتقديم محبتك لكل محتاج الى أعلان محبتك للجميع .
ايها الرب الاله الذي قاد الكنيسة عبر تاريخها الطويل ، وعبر بها بحار ورياح التجارب والضيقات منتصراً على قوى الشر . نسالك يا ملك السلام ان تقودنا رعاة ورعية هذه الايام الصعبة وكل أيام حياتنا بكل سلام ونحن نامين فى محبتك وسائرين فى مخافتك . وأبطل عنا كل فخاخ ابليس المنصوبة حولنا وبدد مشورة الاشرار مقدما كل يوم وعلى مدى الأيام كل خير وصلاح وبركة لشعبك مسددا احتياجات رعيتك ايها الراعي الصالح . لنصل بك ومن خلال قيادتك الى ملكوتك السماوي . أمين
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
29 سبتمبر 2021
الصليب قمة الحب والبذل
السيد المسيح والألم والفداء
تنبأ اشعياء النبى قبل ما يقرب من سبعمائة عام من ميلاد السيد المسيح عن الآم السيد المسيح رجل الاوجاع ومختبر الحزن قائلاً { محتقر ومخذول من الناس رجل اوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به. لكن احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا} (أش 4:53-6). وربما من هنا جاء المثل العبرى ( ليس قلب كامل مثل القلب المنكسر). لقد عانى الرب الاله المتجسد عندما أتى الى ارض الشقاء من الجوع والألم والاحزان، الاستهزاء والاتهامات الباطلة والظلم، وخيانة وتباعد الاصدقاء والاتباع لاسيما وقت الصلب ، عانى السيد المسيح الظلم أمام محاكمات غير عادلة مع تهجم العامة وحسد رجال الدين والسياسة، رغم انه لم يفعل شر ولم يوجد فى فمه غش بل كان يجول يصنع خيراً ويشفى الامراض، ويخرج الشياطين من الذين تسلط عليهم أبليس ويشبع الجياع ويواسي المحزونين . أخيراً قدمت له البشرية مرارة الصليب وفى وقت عطشه سقوه خلاً ممزوجا بمر. شرب القدوس كأس الألم حتى الثمالة ليوفى العدل الإلهى حقه بقبول الموت عن البشرية الساقطة فى كل زمان ومكان. وقدم لنا الخلاص الثمين من أجل تبرير الخطاة التائبين .
قِيل ان الزعيم الهندوسى غاندى وقف أمام صورة المسيح المصلوب وتأثر وبكى، وقِيل ان أخر عندما سمع قصة الفداء والصليب، قال ان لم يكن المسيح الها فبقبوله الصلب والفداء فى شجاعة وبغفران لصالبيه لصار الهاً. لقد كان الصليب اداة عقاب لكبار المجرمين والخونة فى الامم فى الامبراطورية الرومانية وفى التقليد العبرى كان الصليب عقاب ولعنه، { المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة }(غل 3 : 13). وقد ارتضى الرب بحكم الصلب وحمل خطايانا، من أجل السرور الموضوع أمامه ليخلص البشرية. وبصلبه أصبح الصليب والمصلوب فرح وفخر المسيحييين لانه صار رمزاً وعلماً للخلاص والمحبة والبذل والتواضع الذى قدمه الرب المتجسد من أجل غفران خطايانا. بل حتى بعد القيامة المجيده كان الفداء جزء من البشرى بالمسيح القائم {فاجاب الملاك وقال للمراتين لا تخافا انتما فاني اعلم انكما تطلبان يسوع المصلوب.ليس هو ههنا لانه قام كما قال} (مت 5:28-6). وهذا ما دعا القديس بولس يربط بين القيامة وشركة الآلام مع المسيح { لاعرفه وقوة قيامته وشركة الامه متشبها بموته }(في 3 : 10). وفى السماء راه يوحنا الحبيب فى الرؤيا { خروف قائم كانه مذبوح } (رؤ 5 : 6). ولعل هذا ما جعل الملائكة والقديسين فى السماء يتهللون قائلين { وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق انت ان تاخذ السفر وتفتح ختومه لانك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وامة}
(رؤ 5 : 9).
لقد حمل السيد المسيح خطايانا وأحزاننا والآمنا حتى جاء عنه { أوجاعنا حملها واحزاننا تحملها} أش 4:53. وقال السيد الرب ليلة الجمعة العظيمة { نفسي حزينة جدا حتى الموت امكثوا ههنا واسهروا معي} (مت 26 : 38). ولم يستخدم الرب لاهوته ليخفف كأس الألم عن بشريته وكانسان كامل أحتمل الآلام ورايناه يبكى على أورشليم { وفيما هو يقترب نظر الى المدينة وبكى عليها. قائلا انك لو علمت انت ايضا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك ولكن الان قد اخفي عن عينيك. فانه ستاتي ايام ويحيط بك اعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة. ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر لانك لم تعرفي زمان افتقادك} (لو 41:19-44). وبكى حزنا مع مريم ومرثا فى موت لعازر وأقامة بعد ان أنتن فى القبر ليبث فى قلوبنا الثقة فى قيامته بعد الصلب كما أخبرتلاميذه وكما قال لنا انه القيامة والحياة ومن يؤمن به سيقوم معه فى اليوم الاخير. ان المسيح حمل الله الحامل خطايا العالم. يبكى مجدداً ليس على أورشليم فحسب بل عندما ينظر الى العالم الذى يمتلئ بالغرور والشرور، وبالظلم والكراهية والحروب، والفقر والمرض والاساءة الى المقدسات، ومن اجل خطايا العالم المستمرة والمتجددة ويريد لنا ان نعرف ما هو لسلامنا ونرجع اليه فى توبة صادقة وإيمان واثق ومحبة كاملة لنجد النجاة من الطوفان القادم والغضب الأتى قبل ان تضيع فرصة النجاة والرجوع الى الله . فهل ننتهز الفرصة المقدمة لنا أم تسير البشرية الى حافة الهاوية والهلاك.
أهمية الآم السيد المسيح والتأمل فيها..
الآم السيد المسيح والحب ..لقد كان الحب الإلهى للبشرية الساقطة وسعي الله الى خلاصها وفدائها هو سبب تجسد السيد المسيح أقنوم اللوغوس، كلمة الله المتجسد. ولولا هذه المحبة الفائقة فى فكر الله الأبوى نحونا لما استطاع لا بيلاطس ولا السلطات الدينية اليهودية وحسدها ولا العالم كله ان يقدر ان يصلب الرب وهو القائل { ليس احد ياخذها مني بل اضعها انا من ذاتي لي سلطان ان اضعها ولي سلطان ان اخذها ايضا } (يو 10 : 18) وكما قال السيد الرب لبيلاطس {فقال له بيلاطس اما تكلمني الست تعلم ان لي سلطانا ان اصلبك وسلطانا ان اطلقك. اجاب يسوع لم يكن لك علي سلطان البتة لو لم تكن قد اعطيت من فوق لذلك الذي اسلمني اليك له خطية اعظم }(يو19 :11). انها المحبة التى كانت فى فكر الآب السماوى والمقدمة لنا خلاصنا فى ابنه الوحيد { وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي ان يرفع ابن الانسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم.الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد}(يو 14:3-18) ان هذا الحب الإلهى يجب ان يقابل منا بكل محبة واخلاص وشكر {نحن نحبه لانه هو احبنا اولا} (1يو 4 :19).
الألم والسرور .. تقدم الرب يسوع المسيح الى الصليب واحتمل الألم فى بذل وفرح من أجل خلاصنا { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله} (عب 12 : 2). ولكى ما يكمل فرحنا فى المسيح يسوع قدم لنا الفداء والخلاص والتبرير والتقديس كما قال للآب القدوس فى الليلة الاخيرة قبل الصلب { ولست انا بعد في العالم واما هؤلاء فهم في العالم وانا اتي اليك ايها الاب القدوس احفظهم في اسمك الذين اعطيتني ليكونوا واحدا كما نحن. حين كنت معهم في العالم كنت احفظهم في اسمك الذين اعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم احد الا ابن الهلاك ليتم الكتاب.اما الان فاني اتي اليك واتكلم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كاملا فيهم} (يو 11:17-13). لم يكن الرب يسوع المسيح يستعذب الالم ولا يرضى بالظلم ولكن شر الاشرار وظلمهم وحسدهم وكراهيتهم للبار دفعهم الى صلبه، وقد قبل هو بارادته ان يحتمل الآم الجلد والصلب، ليتمم لنا الخلاص ويفى العدل الالهى حقه كاملاً . لقد استوجبت البشرية حكم الموت بتعدى آدم { لانه كما في ادم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع }(1كو 15 : 22). ولما كنا غير قادرين على خلاص أنفسنا فقد جاءت لنا رحمة الله ومحبته متجسدة وصارت ذبيحة محرقة وخطية وأثم من اجل خلاصنا { يوقده الكاهن على المذبح فوق الحطب الذي على النار انه محرقة وقود رائحة سرور للرب }(لا 1 : 17).
لقد بين لنا السيد المسيح عظم محبته باحتماله كل ذلك الآلام من اجل خلاصنا وأستعلنت لنا المحبة الكاملة بالبذل والعطاء حتى الموت، موت الصليب { ان إبن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدمَ ، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين} (مر45:10). ان قوة الصليب تظهر فى الصبر والاحتمال مع الحب والبذل . فليس القوى من يمسك سيفاً او سلاحاً ليقطع الرقاب أو يقتل الابرياء بل القوى هو الذى يحب ويصفح وما أجمل النبل والصفح عند المقدرة ولاسيما عندما يأتى من رب القدرة والغلبة. لقد كتبوا فوق الصليب {وكتب بيلاطس عنوانا ووضعه على الصليب وكان مكتوبا يسوع الناصري ملك اليهود}(يو 19 :19). وكان يجب ان يكتبوا عليه " البذل والحب المقدم لخلاص العالم". من اجل هذا نقول مع القديس بولس الرسول { واما من جهتي فحاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وانا للعالم }(غل 6 : 14).ان كان الصليب عن البعض عثرة او جهالة أما لدينا نحن المؤمنين به فهى قوة الله {فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة واما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله} (1كو 1 : 18).
دروس من الآم السيد المسيح وصلبه ...
لقد قدم لنا السيد المسيح مثالاً لكى ما نتبع خطواته . قدم اروع مثال للصمود وقت الشدة والآلم والصبر فى التجربة . وقدم نموذج فريدا للمغفرة للمسيئين والصفح عن الخطاة {فقال يسوع يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون }(لو 23 : 34). على الصليب سعى الرب لتقديم الخلاص للعالم كله وبين محبته لكل نفس حتى اللص اليمين عندما قال له أذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك { فقال له يسوع الحق اقول لك انك اليوم تكون معي في الفردوس} (لو 23 : 43). واهتم السيد المسيح بخاصته لاسيما القديسة مريم وعهد برعايتها الى تلميذه الحبيب يوحنا الانجيلى . على الصليب راينا السيد المسيح يكمل لنا الخلاص والفداء ويقدم لنا محبةً كاملةً وتواضعاً فريداً وأخلاء للذات ومصالحة مع الآب { وان يصالح به الكل لنفسه عاملا الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الارض ام ما في السماوات (كو 1 : 20). وعلى الصليب قدم لنا أنتصاراً على الشيطان وكل قواته { اذ جرد الرياسات والسلاطين اشهرهم جهارا ظافرا بهم فيه} (كو 2 : 15).قدم الرب على الصليب صبراً كاملاً وفداءاً شلاملاً لعل ذلك يكون دافعاً لنا للعرفان بالجميل .
اننا اذ نشكر الرب الاله الذى تجسد وصلب وقام، فاننا نفتخر بالصليب والقدوس المصلوب عليه ونتعلم منه ان نبذل ذواتنا كذبيحة حب من أجل الأخرين محبة فى من أحبنا . وان لم نستطيع ان نحمل خطاياهم كما فعل الرب فعلى الاقل ان نحتملهم ونلتمس لهم الاعزار ونستر عليهم ولا نشهر بهم.
ننظر الى صليب الرب يسوع المسيح ونتعزى ونحتمل كل الآم الحياة بفرح وشكر، فما هى الآمنا اذ ما قيست بالآم السيد المسيح، لقد أصبح الالم هبة للمؤمنين {لانه قد وهب لكم لاجل المسيح لا ان تؤمنوا به فقط بل ايضا ان تتالموا لاجله }(في 1 : 29). وكما قال لنا الرب { طوبى للمطرودين من اجل البر لان لهم ملكوت السماوات. طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لان اجركم عظيم في السماوات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم} (مت 10:5-12). الالم مدرسة للصلاة والعزاء والكمال ويجب علينا ان لا نتذمر من الضيقة لكى لا نفقد بركاتها بل نصلى ان يرفعها الله ان اراد ومتى يريد وان يعطينا الصبر والتعزية والرجاء ان شاء ان نشرب كأس الآلام مشتركين معه فى الآمه لنقوم معه فى جدة الحياة.
مع المسيح المحب الباذل مفرح القلوب يجب علينا ان نشترك فى اراحة المتعبين وتعزية المتألمين ونساهم بايجابية فى تخفيف الآلم البشرية ولاسيما المحيطين بنا وعلى قدر استطاعتنا. علينا ان نزرع بذور الإيمان والصلاة لكي ينميها الله وتثمر فى القلوب . علينا ان نفتح باباً للرجاء للبائسين والمحرومين والمحتاجين والضعفاء ولكل نفس ليس لها معين .
ان التوبة والرجوع الى الله هى التى تفرح الله وملائكته وقديسيه {اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة }(لو 15 : 7). التوبة الحقيقية هى التى تروى عطش السيد المسيح لان الخطية تضيف قطرات فى كأس الآم الفادى. فلنرجع اليه ولا نجرح قلبه المحب ببعدنا عنه وخطايانا { فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تاتي اوقات الفرج من وجه الرب} (اع 3 : 19). ولنشكر المسيح مخلصنا الذى جاء وتألم عنا لكى بالأمه يخلصنا. ونمجده ونرفع اسمه ونساله ان يصنع معنا رحمة كعظيم رحمته.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
24 سبتمبر 2021
تأملات فى عيـد الصليـب
الصليب شعار المسيحية وقوتها..
الصليب هو شعار المسيحية وفخرها فهو رمز لمحبة الله الغافرة للبشر {لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.} (يو 16:3-17). وان كانت كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وعثرة فان الإيمان بالصليب والمصلوب عليه هو وسيلة الخلاص وهو يعلن قوة المسيح المصلوب ورحمته ومحبته وفدائه {فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ آللهِ} (1كو 1: 18). الصليب ليس حقيقة من حقائق الماضي لأن تأثيره الفعال يمتد في الحاضر والمستقبل، وطالما يوجد إنسان يعيش على الأرض. لأن الصليب مرتبط بالمصلوب عليه وهو حي في السماء يحمل سمات صليبه ويسكبها علينا كل يوم بل كل لحظة غفرانًا وتطهيرًا وقداسة وبرًا وفداء. وبالصليب رفع الله البشرية من دائرة العصيان إلى الصفح والمصالحة، ومن الرفض إلى القبول والاختيار، ومن العبودية إلى البنوة والحياة الأبدية.
الصليب تاريخيا كان وسيلة يعدم عليها كبار المجرمين حتى يظهر للناس مقدار خطيتهم أو خيانتهم. راينا ذلك فى الفكر القديم لدى المصريين عندما صلب عليه فرعون الخباز الخائن، وكان كذلك لدى الفرس عندما صلب عليه هامان الخائن فى قصر الملك. وكان الرومان يصلبوا عليه المتمردين من الأمم ليردعوا البقية حتى لا يقوموا بالثورة عليهم. وفى الثقافة اليهودية كان الصلب لعنة ولقد بين الله محبته لنا بتجسد ابنه يسوع المسيح ليفتدينا من الموت واللعنه ويحمل عقاب خطايانا ويموت عوضا عنا ويهبنا حياة أبدية { المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة }(غل 3 : 13). الصليب ليس حادثة عرضية فى حياة ربنا يسوع المسيح بل غاية، جاء وتجسد من أجلها، ومنهج شمل حياته كلها جاعلًا من الصليب الكأس المفضلة وطاعته العظمى للآب، وبرهان حبه الأبدي للإنسان، نقض السيد المسيح بالصليب ناموس الخطية وبَّرر الخطاة، وظفر على قوات الظلمة، وقتل العداوة، وجمع تحت لوائه شمل البعيدين والقريبين، كرعية مع القديسين وأهل بيت الله. وصار حمل الصليب من أجل يسوع المسيح المصلوب سعادة وقوة حب ومصدر راحة وسرور وافتخار، وكلما ازدادت الآلام من أجل شهادة يسوع ازدادت رؤية الصليب نورًا وازدادت الحياة قوة وعزاء، وارتفع الصليب من التاريخ لينغرس في أعماق الضمير ويشع لنا من الصليب نور القيامة ومجد المسيح القائم من الموت منتصرا على الشيطان والخطية والموت لنهتف بفرح: (السلام لك ايها الصليب).
عيد الصليب المقدس..
عيد الصليب المقدس هو عيد اكتشاف ورفع الصليب المقدس وتحتفل به سائر الكنائس كما تحتفل كنيستنا القبطية فى الأول في 17توت من كل عام الموافق 27سبتمبروذلك تذكار لاكتشاف الصليب المقدس الذى صلب عليه ربنا يسوع المسيح بواسطة الملكة هيلانه أم قسطنطين التى نذرت أن تمضى إلى القدس فأعد ابنها الملك كل شيء لإتمام هذه الزيارة المقدسة. ولما وصلت إلى أورشليم بحثت بتدقيق عن مكان الصليب فأشاروا عليها بتنظيف الجلجثة، فعثرت عليه وذلك في 326م. وبنت هناك كنيسة القيامة وما حولها وأحتفلت مع الاساقفة والكهنة والشعب برفع الصليب فى موضع الجلجثة. والاحتفال الثاني الذي تقيم فيه الكنيسة تذكار الصليب في اليوم العاشر من برمهات، ويرجع تاريخه الي ارجاع الصليب علي يد الإمبراطور هرقل فى628 م. عندما ذهب هيرقل واسترد خشبة الصليب التى اخذها الفرس من اورشليم فى 614م. وأعاد ذخيرة الصليب المقدس ودخل بها الي القسطنطينية التي استقبلت الموكب بأحتفال مهيب بالمصابيح وتراتيل النصر والإبتهاج. بعدها نقل الصليب إلى إورشليم سنة 631م. ويذكر التقليد أنّ الملك هرقل حمل الصليب على كتفه وسار به بحفاوة كبيرة بين الجموع المحتشدة إلى الجلجثة وهناك أحسّ الملك بقوة خفية تصده وتمنعه من دخول المكان فوقف الأسقف زكريا بطريرك أورشليم وقال للإمبراطور: (حذار أيها الملك أن هذه الملابس اللأمعة وما تشير اليه من مجد وعظمة تبعدك عن فقر المسيح يسوع ومذلة الصليب) وفي الحال خلع الملك ملابسه الفاخرة وارتدى ملابس بسيطة وتابع مسيره حافي القدمين حتى الجلجثة حيث رفع عود الصليب المكرم فسجد المؤمنون على الأرض، وهم يرنمون : لصليبك يارب نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد.
ويذكر أوسابيوس القيصري بأن الملك الروماني قسطنطين الكبير (324ـ 337) رأى علامة الصليب في السماء على مثال نور بهيئة الصليب مع مكتوب تحتها عبارة: (بهذه العلامة تغلب). ولقد شهد علي وجود خشبة الصليب المقدس في أورشليم القديس كيرلس الأورشليمي فى عظة له في سنة 347م. كما ذكرت المورخة ايجيريا الاسبانية في أخبار رحلاتها الى فلسطين بأن تذكار اكتشاف الصليب تعلق بعيد تكريس كنيسته وبأن العيد كان لمدة 7 ايام يجري خلالها تقديم الصليب المقدس لتسجد الناس له اكراماً وتشفعا.
الصليب في حياتنا...
يدعونا السيد المسيح الى أنكار الذات وحمل الصليب { وقال للجميع ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني} (لو 9 : 23).أن نكران الذات يعنى تتميم مشيئة الله فى حياتنا ليكون لسان حالنا {لتكن لا إرادتي بل إرادتك} (لو24: 22). المؤمن يصلب شهواته من أجل الله كشهادة صادقة على تبعيته للمسيح يسوع ربنا ليقوم معه فى جدة الحياة ويقول مع القديس البولس الرسول { مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ} (غل20: 2). لقد مات المسيح عنا لكي نعيش من أجل وكشهود لمحبته { وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام} (2كو15: 5). ونحن في الصلاة الربانية نصلي : {لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض} (مت10: 6). فهل نحن نعيش لانفسنا أم من أجل من مات من أجلنا وقام ليقيمنا من موت الخطية ويحيينا حياة أبدية؟ وهل نصنع مشيئة الله في حياتنا؟.
حمل الصليب بشكر سواء صليب الخدمة أو المرض او الحاجة أو الاضطهاد أو الصوم والنسك أو الطاعة يدخل بنا الى أفراح القيامة ومسرة الله { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله } (عب 12 : 2) عندما نحمل الصليب يحتضننا المصلوب فننفذ من خلال الصليب إلى أحشاء رأفاته، ونستشعر الآلام واقعة، ولكن ليست علينا بل يتلقاها المسيح عنا، وتحتضن أحشاؤه الحانية نفوسنا الخائرة لتحميها وتطمئنها، فتبدو الصورة في الظاهر أننا نحمل الصليب ولكن الحقيقة في الواقع أن الصليب يحملنا بل المصلوب يحمينا ويحتوينا. ونرى كفة الميزان الخفية التي توازن ثقل الصليب بثقل مجد أبدي، كما رآها القدس بولس الرسول قائلاً: {لان خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى. لأن التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية} (2كو17: 4،18).
تحت ظلال الصليب
ايها الرب الاله الذى أحبنا وحبه خلاصنا من الموت بقوة التجسد والفداء على الصليب ، نشكرك على محبتك وخلاصك ونؤمن بابوتك وحنانك وفدائك المعلن لنا من خلال سر التجسد العجيب. ونعترف بقوة صليبك المعلنه لخلاصنا فيه وبه .ان كانت كلمة الصليب عثرة للبعض وجهالة للبعض الأخر، يرفضها الجهلاء غير عالمين عظمة المحبة المعلنه فى الصليب اذ يموت البار من أجل خلاص الأثمة معلنا حبه للبشرية يريد إن يحتضنها ويقدمنا قربانا لله ابيه . نعم بالصليب نؤمن وبالمصلوب ننادى وبه نهزم قوى الشر والشيطان والعالم. وبايماننا بالفداء سنصل للقيام من الخطية والضعف والحزن والفشل لنصل الى قوة القيامة .
انت يا سيدى تعلن على الصليب تواضعك ومحبتك وفدائك ، تعلمنا كيف يبذل الحب نفسه من أجل أحبائه، وكيف ننتصر على الذات والشهوات والشيطان فاعطانا يا سيد القوة لنقول للمسئيين الينا { يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون } علمنا يارب ان نجاهد ضد الخطية وان نحمل الصليب بشجاعة وفرح لنصل الى ملكوتك السماوى وتستعلن لنا قوة الصليب والفداء.
القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
21 سبتمبر 2021
القيم الروحية فى حياه وتعاليم السيد المسيح(22) الشجاعة
مفهوم الشجاعة وأشكالها ...
الشجاعة والشهادة للحق واقتحام الصعاب ... تُطلق كلمة شجاعة على شدة القلب وجرائته فى الاقدام أو قدرته في مقاومة الخصم، والتغلّب عليه ، هى صفة قد يتميز بها بهذا حتى الأشرار. أمّا الشجاعة فى المؤمن، فهي فضيلة خلقية، يكتسبها الإنسان بالتمرّن على الشهادة للحق دون خوف أو خنوع ويتدرب على الصبر والتضحية، في سبيل تحقيق مشيئة الله. ومن شأن فضيلة الشجاعة بهذا ان تسيطر على الشعور بالخوف من المكاره ، وأن تثبّت الإرادة في تحمّل التجارب والضيقات أو حتى الموت متى لزم الامر فلن نحيا الإ حياة واحدة ، ويجب ان نحيا حياة كريمة أمام الله وفى صدق مع النفس والناس ، الشجاعة تدفعنا الى مقاومة الشر والظلم بالطرق السليمة والقانونية .
إن طريق الكمال يحاج الى شجاعة للسير فيه فهو دخول من الباب الضيّق والطريق الصعب {ادخلوا من الباب الضيق لانه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما اضيق الباب واكرب الطريق الذي يؤدي الى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه} (مت 13:7-14). فلابد للسائرين من الباب الضيق، من شجاعة العزيمة وشجاعة القلب لاقتحام المصاعب التي تواجههم في حياتهم لدى قيامهم بواجباتهم.الشجاعة فضيلة أدبية تميل بصاحبها إلى تحمّل المكاره والموت متى اقتضى الأمر من اجل الايمان او الفضيلة دون تعدى وفى تقدير واحترام للغير. إنها الفضيلة التي تبعث في المرء النشاط والإقدام؛ ولكنها أيضاً تنظّم قوة نشاطه واندفاعه، لئلا يحمله حماسه إلى الطيش والتهوّر. فالشجاعة هي قوة الإرادة في مواجهة الصعاب والتغلّب عليها. فإذا كانت الغاية من الشجاعة أرضية زمنية، كانت الشجاعة فضيلة أرضية طبيعية. أما إذا كانت الغاية منها إكرام الله أو القيام بواجب من أجل الخير العام أو الخير الروحي فتكون الشجاعة فضيلة فائقة الطبيعة.
الشجاعة والثبات فى الجهاد .. الشجاعة تعني الإقدام على صعاب الأمور والثبات في ذلك الإقدام والاستمرار على الصبر في الشدة. فالامر يحتاج الى الحكمة والافراز والتمييز. قد يكون احتمال الشدائد شجاعة لأنه يتطلب عزيمة أقوى. التصبّر قد يكون أصعب من المهاجمة والاقتحام، الاستشهاد أحياناً أسهل من الجهاد المتواصل في جو من سوء الفهم والتهديدات ولكن من يثبت في مثل هذه الظروف يكون على أتمّ الاستعداد ليتقبّل الاستشهاد. وليس معنى ذلك القبول بالظلم او الرضي بحياة غير كريمة فالسيد المسيح جاء ليهبنا حياة أفضل {واما انا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم افضل} (يو 10 : 10) .الشجاعة وسط بين نقيضين الخوف من جهة والتجرؤ والطيش المتسرع من جهة أخرى. فهي الفضيلة التي تقوّي ارادة المؤمن لكي يضبط الانفعالات فيما يخصّ هاتين النزعتين: الخوف والتجرؤ. فدور الشجاعة هو تجاوز الخوف غير المعقول أمام شر يهدّد الإنسان، وضبط الفرد من المهاجمة غير المعقولة لشر قادم. وبما أن أعظم شرّ طبيعي هو أن يخسر الإنسان حياته، فإن فضيلة الشجاعة تعالج حتى الخوف من الموت.
الشجاعة ومقاومة الشر وعدم الرضى بالسقوط .. إن من بين صور الشجاعة ، المقاومة أو التحمّل وكلاهما يحتاج الى الحكمة. من الناحية النفسية فإنه من الأسهل الهجوم على شر خصوصاً عندما يثيرك احد وتثور فيك نزعة الغضب. ولكن المعاناة من المرض أو الاضطهاد او الضيق أو حتى الموت بروح مطمئنة قوية يتطلب شجاعة الأبطال. عندما اراد تلاميذ الفيلسوف سقراط تهريبه من السجن الذى كان ينتظر فيه حكم الموت بتجرع السم رفض ذلك قائلا ليس الموت ما نخشاه انما نخشى الموت ونفوسنا ليست نقية ، لقد اعتبر المسيحيون دائماً الشهداء أمثلة رائعة للشجاعة المسيحية. والشهادة فى المسيحية ليست هى الهجوم على الغير او ازهاق اروح الابرياء بل هى شهادة للإيمان المسيحى والاقرار به وتقديم الحياة ذاتها متى اجبر الانسان على أنكار أيمانه أو تقديم حياته . وتقوم الشجاعة بنشاطها فى مقاومة الشر في الحياة الروحية. ولكي ننجح في الوصول إلى الكمال المسيحى يجب علينا أن نبدأ الرحلة بقوة نحو الكمال، ولا يجب أن نفاجأ بحروب الشيطان وهجومه ، ويجب أن تكون عندنا الشجاعة للهجوم والتصدى لحيل أبليس {اصحوا واسهروا لان ابليس خصمكم كاسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الايمان عالمين ان نفس هذه الالام تجرى على اخوتكم الذين في العالم. واله كل نعمة الذي دعانا الى مجده الابدي في المسيح يسوع بعدما تالمتم يسيرا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم} 1بط 8:5-10. ، ويجب أن يكون عندنا الثبات والمثابرة للمضي قُدماً بدون الاستسلام إلى العدو. وحتى إذا قمنا بتقدّم كبير في الحياة الروحية وحققنا نصراً معنوياً على الشيطان ، ستظل الشجاعة ضرورية لنتحمّل التجارب التي يسمح الله بها لاختبار وتقوية وصفاء الروح.
الشجاعة ثورة على الخوف .. الإنسان يخاف المجهول ويخاف من المستقبل ويخاف مما هو غير منظور بل إن الإنسان قد يخاف من ذاته .وهناك خوف طبيعى كالخوف من النار والسيارات المسرعه والبعد عنها وهذا درباُ من الشجاعه للبعد عن الشر . وأما الخوف المرضى هو الذى يقود الى الجبن والنفاق ومحاباة الشر {ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شرا الجاعلين الظلام نورا و النور ظلاما الجاعلين المر حلوا و الحلو مرا }(اش 5 : 20). فهذا ضد الحق والشجاعة . في حياة المسيح نرى انه كان ثورة على كل المفاهيم الخاطئة والتي قتلت فى الانسان الحياة السليمة كعشرة محبة لله . لان الشعب في زمن المسيح ظن بإن العلاقة هي بين الإنسان والشريعة، والقانون والفروض. ولم يعرف إن هدف ذلك كله هو الرحمة والمحبة. ولهذا قال المسيح لهم { فقد ابطلتم وصية الله بسبب تقليدكم} (مت 15 : 6). هذا التقليد البشري النابع من تفكير الإنسان المحدود روحياً والمتزمت دينياً جعلهم كالقبور لا حياة فيهم. الفريسية جعلت الأمة تعيش تحت نير الخوف من الشريعة وجعلتها أمة مستعبدة لهذا الخوف. لذلك أتى المسيح وحرر الإنسان من هذا الخوف القاتل { اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب} (رو 8 : 15).
المسيحية هي رسالة تحرير الإنسان من العبودية للخوف ليهبنا حرية مجد ابناء الله . لا ينبغي على الإنسان المسيحى الذى يسكن داخله المسيح أن يخاف خوفا مرضيا لان الكتاب المقدس مملوء بوعود الله الصادقة والمعزية واعماله القوية مع ابنائه والتى تعطي الاطمئنان والسلام الداخلى وعدم الخوف . لقد تكررت كثيراً عبارة "لا تخف" فى الكتاب المقدس مرات كثيرة جداً لكى نحيا فى سلام وعدم خوف ، لان الله كاب لنا يرعى ابنائه ولن ينسانا حتى ان نسيت الام رضيعها . وحتى فى الظروف والاحداث الصعبة فان المؤمن لا يخاف فمادام الله معنا فمن علينا، انه الذى جاز بالفتية فى اتون النار وسد افواه الاسود وقاد الكنيسة عبر تاريخها الطويل يجعل كل الاشياء تعمل معنا للخير للذين يحبون الله. مع الإيمان لا خوف من مستقبل او مرض او اضطهاد او حتى استشهاد فالله ربنا القادر على كل شئ سيقودنا فى موكب نصرته. لن يستطيع شئ ان يؤذينا الا بسماح منه ولفائدتنا ومهما حصل من احداث لا تؤثر على سلام المؤمن الداخلى لانه يأخذه من الله { سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب} (يو 14 : 27). ان الله ليس عنا ببعيد بل به نحيا ونتحرك ونوجد وهو قادر ان يدافع عنا ويعطينا الشجاعة والقوة والنجاح { لان الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح (2تي 1 : 7) . ولنا وعوده الصادقة { لا تخف لاني معك لا تتلفت لاني الهك قد ايدتك واعنتك وعضدتك بيمين بري. انه سيخزى ويخجل جميع المغتاظين عليك يكون كلا شيء مخاصموك ويبيدون. تفتش على منازعيك ولا تجدهم يكون محاربوك كلا شيء وكالعدم.لاني انا الرب الهك الممسك بيمينك القائل لك لا تخف انا اعينك} اش 10:41-13.
السيد المسيح فى شجاعة وحزمه وتعاليمه... السيد المسيح يعلمنا الثقة فى الله .. لقد عمل السيد المسيح على تقوية إيماننا لنتحرر من الخوف ونثق فى الله وفى شدة قوته { سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب} (يو 14 : 2). اننا نثق فى الله كآب لنا ونصلى فنقول ابانا الذى فى السماوات ، فحينما نقيم علاقتنا مع الله على اساس الأبوة نأمن له ونطمئن لرعايته الأبوية ولتدبيره لحياتنا ، وأكد لنا أن الله يهتم بنا اهتمام الاّب بابنائه . ودعانا أن لا نخاف من الحياة ، ولا نعول الهم فى الحياة مهما كانت الاحوال ، ولا نقلق مهما كانت الظروف ضاغطة ، وأكد لنا أن الكوارث الطبيعية والامراض ومصاعب الحياة ليست مظهرا للغضب الالهى ، والله ليس مخيف ومنتقم الا للاشرار والظالمين ، فهو أب يرعى ويعتنى ويحب الانسان ، وينبغى ان نتعامل معه من مدخل الثقة فى وجوده معنا وفى محبته ورعايته لنا . دعانا الا نخاف من يوم الدينونة مادمنا نستعد ونتوب اليه ، ووستكون لنا هى يوم المجازاة والدخول للفرح السمائى، فالخشية من يوم الدينونة هو خوف يدعو للخلاص، وان كانت المخافة طريق الحكمة، ومخافة الله رأس كل حكمة روحية . فانها المخافة التى تعلم الحذر والانتباه وتقلل من الكسل والاستهتار، لذلك دعانا للسهر الروحى على خلاص نفوسنا. ومن االحكمة ان نكون حذرين مداومين على الصلاة والسهر الروحى. لقد علمنا ان نستعد للقاء الله المفرح بأعمال التقوى ، ورمز لذلك بلبس ثياب العرس، وحفظ الزيت فى الاّنية ، واستثمار الوازنات.
السيد المسيح في وداعته وشجاعته .. فى السيد المسيح راينا التكامل فى الفضائل فليس الشجاعة هى الطيش او التهور بل الحزم متى استوجب الامر والقوة الروحية التى لا تلين ولا تهادن الشر متى وجب مقاومة الشر . السيد المسيح الذى جاء عنه { لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته (مت 12 : 19). رايناه حازماً مع هؤلاء الذين حولوا بيت الصلاة الى مغارة للصوص { وكان فصح اليهود قريبا فصعد يسوع الى اورشليم. ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنما وحماما والصيارف جلوسا. فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل الغنم والبقر وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم. وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا لا تجعلوا بيت ابي بيت تجارة. فتذكر تلاميذه انه مكتوب غيرة بيتك اكلتني} يو 13:2-17. كما كان قويا شجاعاً فى تبكيته للكتبة والفريسيين المراؤون { لكن ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تاكلون بيوت الارامل ولعلة تطيلون صلواتكم لذلك تاخذون دينونة اعظم. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنم اكثر منكم مضاعفا.ويل لكم ايها القادة العميان} مت 13:23-16.
كان قوياً شجاعاً فى حجته واقناعه كما راينا يقنع هؤلاء الذين فى حرفية قاتله منعوا عمل الخير فى السبوت تحت حجة عدم كسر السبت { ثم انصرف من هناك و جاء الى مجمعهم. و اذا انسان يده يابسة فسالوه قائلين هل يحل الابراء في السبوت لكي يشتكوا عليه. فقال لهم اي انسان منكم يكون له خروف واحد فان سقط هذا في السبت في حفرة افما يمسكه و يقيمه.فالانسان كم هو افضل من الخروف اذا يحل فعل الخير في السبوت. ثم قال للانسان مد يدك فمدها فعادت صحيحة كالاخرى.مت 9:12-13.
شجاعة البذل والعطاء المسيحى .. الصليب هو علامة قوة المحبة والبذل والفداء فى المسيحية ، وليس علامة ضعف او تخاذل ، ولقد اعلن السيد المسيح لتلاميذه انه سيسلم ليد الامم ويستهزء به ويقوم فى اليوم الثالث . وقال عن حياته { ليس احد ياخذها مني بل اضعها انا من ذاتي لي سلطان ان اضعها و لي سلطان ان اخذها ايضا} (يو 10 : 18) . ففي شخص السيد المسيح التقى الحبُّ بالشجاعة والبذل والتضحية . وفيه التقيا العدل والرحمة ومات البار عن الخطاة والأثمة . وهذا ما اعلنه لنا السيد فى بدء خدمته { وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي ان يرفع ابن الانسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية .لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان و الذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم و احب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة} يو 14:3-19.
لهذا عبر الشهداء عن قوة ايمانهم ولم يخافوا الامبراطورية الرومانية بجيوشها واسودها وكل عذاباتها للمسيحيين، ولقد انتصر الايمان علي الوثنية . والاشخاص العزل على قوة السلاح حتى اعلنت المسيحية ديانة للدوله فى عهد قسطنطين قبيل منتصف القرن الرابع وان استمرت موجهات الاضطهاد للمؤمنين من اعداء المسيح من جيل الى جيل برهاناً على قوة المحبة الباذلة واظهاراً لفضائل اتباع المسيح . روت دماء الشهداء بذار الايمان ليصبح شجرة عظيمة ، كان لسان حال الشهداء كما هو حالنا ايضا ان نقول كما نؤمن ونحيا شهود لايماننا فى شجاعة ومحبة { لاننا نعلم انه ان نقض بيت خيمتنا الارضي فلنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد ابدي. فاننا في هذه ايضا نئن مشتاقين الى ان نلبس فوقها مسكننا الذي من السماء. وان كنا لابسين لا نوجد عراة. فاننا نحن الذين في الخيمة نئن مثقلين اذ لسنا نريد ان نخلعها بل ان نلبس فوقها لكي يبتلع المائت من الحياة. لان محبة المسيح تحصرنا اذ نحن نحسب هذا انه ان كان واحد قد مات لاجل الجميع فالجميع اذا ماتوا. وهو مات لاجل الجميع كي يعيش الاحياء فيما بعد لا لانفسهم بل للذي مات لاجلهم وقام. } 2كو 1:5-4 ، 14-15. لقد تغير مفهوم الالم وأصبح شركة حبٍّ مع الرب المتألِّم ، وارتفع إلى مستوي الهِبة الروحية ، والموت متى يشاء الله أصبح انتقال للمجد والسماء ويستقبله المؤمن سعيداً راضياً . وليس في هذا عجب؛ فقد تحوَّل الموت من شئ مُرعب إلى جسرٍ ذهبي ومَعبر يَعبر بنا من حياة قصيرة وغُربة مؤقتة وثوبٍ بالٍ إلى سعادة أبدية دائمة.
شجاعة السيد المسيح فى مواجهة الصليب ..
عندما جاءت الساعه التى يتعين على السيد المسيح ان يُسلم ذاته ليصلب بدلا من الخطاة، وهو عالم بكل ماياتى عليه من عذابات واهانات وكان قد اخبر تلاميذه بها وانه يضع ذاته بسلطانه وحده { وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع ابن الانسان سوف يسلم الى ايدي الناس. فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم فحزنوا جدا} مت 22:17-23. لننظر كم كانت شجاعة السيد المسيح واثرها حتى على اعدائه { وكان يهوذا مسلمه يعرف الموضع لان يسوع اجتمع هناك كثيرا مع تلاميذه. فاخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء الى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح. فخرج يسوع وهو عالم بكل ما ياتي عليه وقال لهم من تطلبون. اجابوه يسوع الناصري قال لهم يسوع انا هو وكان يهوذا مسلمه ايضا واقفا معهم. فلما قال لهم اني انا هو رجعوا الى الوراء وسقطوا على الارض. فسالهم ايضا من تطلبون فقالوا يسوع الناصري. اجاب يسوع قد قلت لكم اني انا هو فان كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون. ليتم القول الذي قاله ان الذين اعطيتني لم اهلك منهم احدا. ثم ان سمعان بطرس كان معه سيف فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع اذنه اليمنى وكان اسم العبد ملخس. فقال يسوع لبطرس اجعل سيفك في الغمد الكاس التي اعطاني الاب الا اشربها. ثم ان الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع واوثقوه} يو 2:18-9 . راينا كيف رجعوا الجنود وسقطوا الى الخلف بل كان بامكان السيد المسيح ان ياتى بجيش من الملائكة كما قال لبطرس { فقال له يسوع رد سيفك الى مكانه لان كل الذين ياخذون السيف بالسيف يهلكون. اتظن اني لا استطيع الان ان اطلب الى ابي فيقدم لي اكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة. فكيف تكمل الكتب انه هكذا ينبغي ان يكون.في تلك الساعة قال يسوع للجموع كانه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتاخذوني كل يوم كنت اجلس معكم اعلم في الهيكل ولم تمسكوني} مت 52:26-55.
لم يستعمل السيد المسيح قوته التى بها اسقط الجند على الارض والتى بها ارجع اذن العبد المقطوعه سالمة بل اسلم ذاته بارادته ليصلب. لم يستطع اى احد ان يمد يده على السيد المسيح قبل ذلك ولكن هذه هى ساعة سلطان الظلمة فقد وضع نفسه بارادته. بل انه قال الحق فى هيرودس ولم يخشى شئ واصفا اياه بالثعلب { في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج و اذهب من ههنا لان هيرودس يريد ان يقتلك.فقال لهم امضوا و قولوا لهذا الثعلب ها انا اخرج شياطين و اشفي اليوم وغدا و في اليوم الثالث اكمل. بل ينبغي ان اسير اليوم وغدا وما يليه لانه لا يمكن ان يهلك نبي خارجا عن اورشليم} لو 31:13-33. بل انه عند الصلب وامام بيلاطس احب بيلاطس ان يفتخر امامه عليه بسلطانه فقال له يسوع ليس لك سلطان على ان لم تكن قد اعطيت من فوق بل ان بيلاطس نفسه كان يخاف منه { فقال له بيلاطس اما تكلمني الست تعلم ان لي سلطانا ان اصلبك وسلطانا ان اطلقك. اجاب يسوع لم يكن لك علي سلطان البتة لو لم تكن قد اعطيت من فوق لذلك الذي اسلمني اليك له خطية اعظم} يو10:19-11 .هذا هو السيد المسيح الشجاع الذى لم يهاب اى احد طوال فترة وجوده على الارض وقدم ذاته بارادته للموت من أجل خلاصنا وقد شهد له بذلك حتى اعدائه { فارسلوا اليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين يا معلم نعلم انك صادق وتعلم طريق الله بالحق ولا تبالي باحد لانك لا تنظر الى وجوه الناس} (مت 22 : 16).
السيد المسيح فى مجده ومجيئه الثانى ..
لقد قام السيد المسيح من الموت فى اليوم الثالث وظهر للتلاميذ والرسل وللكثيرين مثبتاً ايمانهم ومبدداً خوفهم { وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب.وقال لهم هكذا هو مكتوب و هكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث.وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم. وانتم شهود لذلك. وها انا ارسل اليكم موعد ابي فاقيموا في مدينة اورشليم الى ان تلبسوا قوة من الاعالي. واخرجهم خارجا الى بيت عنيا و رفع يديه و باركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم و اصعد الى السماء. فسجدوا له و رجعوا الى اورشليم بفرح عظيم. وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله امين} لو 44:24-53.
ولقد حقق السيد المسيح له المجد وعده للرسل بعد صعوده بعشرة أيام وحل الروح القدس عليهم واعطاهم القوة والحكمة وشجاعة الإيمان ليبشروا باسمه فى كل الارض { ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة. وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملا كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم السنة منقسمة كانها من نار و استقرت على كل واحد منهم. وامتلا الجميع من الروح القدس وابتداوا يتكلمون بالسنة اخرى كما اعطاهم الروح ان ينطقوا} أع 1:2-4.
وكما راى التلاميذ السيد المسيح صاعدا الى السماء بمجد عظيم ، هكذا راه يوحنا الحبيب فى السماء وله تسجد كل ارواح القديسين والملائكته { بعد هذا نظرت واذا جمع كثير لم يستطع احد ان يعده من كل الامم و القبائل و الشعوب والالسنة واقفون امام العرش وامام الخروف ومتسربلين بثياب بيض وفي ايديهم سعف النخل. وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لالهنا الجالس على العرش وللخروف. وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ و الحيوانات الاربعة وخروا امام العرش على وجوههم وسجدوا لله. قائلين امين البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لالهنا الى ابد الابدين امين. واجاب واحد من الشيوخ قائلا لي هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم ومن اين اتوا. فقلت له يا سيد انت تعلم فقال لي هؤلاء هم الذين اتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف. من اجل ذلك هم امام عرش الله ويخدمونه نهارا وليلا في هيكله والجالس على العرش يحل فوقهم. لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر. لان الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم الى ينابيع ماء حية ويمسح الله كل دمعة من عيونهم} رؤ 9:7-17.
وهكذا سيأتى فى المجئ الثانى فى بقوة ومجد عظيم تسبقه علامة الصليب المنير ليجمع مختاريه الى الملكوت والاشرار الى العذاب الابدي { وحينئذ تظهر علامة ابن الانسان في السماء وحينئذ تنوح جميع قبائل الارض ويبصرون ابن الانسان اتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الاربع الرياح من اقصاء السماوات الى اقصائها} مت 30:24-30 . من اجل هذا فاننا نحيا فى الايمان القويم على رجاء المجد { اما انت فاصح في كل شيء احتمل المشقات اعمل عمل المبشر تمم خدمتك. فاني انا الان اسكب سكيبا ووقت انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن اكملت السعي حفظت الايمان. واخيرا قد وضع لي اكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره ايضا} 2تيم 5:4-8.
أشكال من الشجاعة
الشهامة ... تميل هذه الفضيلة بالإنسان إلى إتمام فعل ما هو واجب حتى ان كان صعباً ومتعباً. وبهذا المعنى هي فضيلة جديرة بأقصى مديح. وتفترض فضيلة الشهامة مُسبقاً النفس السامية النبيلة. وغالباً ما توصف أنها عظمة النفس أو نبل الخلق. فالأشخاص المتسمون بالشهامة هم نمط متميز من الأشخاص. فهم لا يحسدون ولا يُنافسون الآخرين ولا يشعرون بالإحراج أمام فضائل الآخرين. فهم هادئون في أعمالهم. وهم صادقون ومخلصون ولبقون فى حياتهم وحتى في كلامهم يعرفون متى يتكلمون ومتى يصمتون ، يعبرون عن ارائهم فى الوقت المناسب وبطريقة حكيمة لا تجرح احد ولكن دون خوف من احد ، كما أنهم أصدقاء أوفياء. وهم لا يكذبون. وهم صريحون وغير متحفظين وهم ليسو مُرائين بل اناس موضوعيون . وهم لا يبالغون ولا يغالون فى تقدير الامور أكبر من حجمها . بل كما يقول الشاعر : وتكبر فى عين الصغير صغارها . وتصغر فى عين العظيم العظائم . من الشجاعة والشهامة ايضا الاعتذار عند الخطأ والسعى الى تصحيح الاخطاء ومن الشهامة ايضا قبول الاعتذار والنسيان والصفح عمن يسئٌ الينا .
الانسان الشهم ينظر مبدئياً إلى الفضيلة ولما هو نبيل. أما العواطف الدنيئة والخلافات والمجادلات الغبية فيبتعد عنها { والمباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها عالما انها تولد خصومات. وعبد الرب لا يجب ان يخاصم بل يكون مترفقا بالجميع صالحا للتعليم صبورا على المشقات. مؤدبا بالوداعة المقاومين عسى ان يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق. فيستفيقوا من فخ ابليس اذ قد اقتنصهم لارادته} 2تيم 23:2-26. الشهم يتميز بالعفو عند المقدرة وإذا أضرّ به احد فسرعان ما ينسي ويصفح. ولا يبالغ في الشعور بالفرح عندما يمدحه الآخرون ، كما أنه لا يحزن للنقد الذي قد يلتقيه من الآخرين بل يقيسه بالمنطق فان وجده حق يعالج أخطاءه وان وجده حسدا وذماً تجاوزه . الشهم لا يتذمّر لاحتياجه إلى الأشياء غير متاحة له بل فى شهامة يشكر الله على ما لديه من قناعة وايمان ، يتعلّم كيف يستغني { ليس اني اقول من جهة احتياج فاني قد تعلمت ان اكون مكتفيا بما انا فيه. اعرف ان اتضع واعرف ايضا ان استفضل في كل شيء وفي جميع الاشياء قد تدربت ان اشبع وان اجوع وان استفضل وان انقص.استطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني} في 11:4-13
الصبر...الصبر على التجارب التى لا مفر منها والمكاره التى تقابلنا هو ضرب من ضروب الشجاعة. الصبر فضيلة تمكننا من تحمّل المعاناة الجسدية أوالمعنوية بدون حزن في الروح أو كآبة في القلب. المؤمن القوى يحيا هادئا لا يتذمر على المرض او الضيق او الفقر او الضيق لاي سبب بل تراه يحيا فى سلام وفرح وشكر. الشجاعة تعطيه حكمة وصبر وجلد وتحمل وتواضع ، أن المحن والمعاناة التي لابد منها في هذه الحياة تحتاج للشجاعة لإبقائنا أقوياء أو حازمين، لا نخضع للإحباط أوالحزن. ويفقد العديد من البشر استحقاق معاناتهم لأنهم يخفقون في ممارسة فضيلة الصبر. الشجاعة الروحية تعلمنا ان نكون متوافقين مع ارادة الله وصابرين على الضيقات كاشياء مفيدة لنا من الله ونأخذ ونتعلم من شجاعة السيد المسيح فى حمل الصليب طوعا {ناظرين الى رئيس الايمان و مكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله} (عب 12 : 2). ان الآم والمعاناة تنشئ لنا ثقل مجد ابدى {فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله و وارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} (رو 8 : 17).
المثابرة والثبات...الشجاعة تظهر فى المثابرة والثبات على المبادئ ، يثابر الانسان في عمل الخير بالرغم من المصاعب التي يترتب عليها ذلك. الاستمرار في ممارسة الفضيلة يوماً بعد يوم، يتطلّب شجاعة في الروح. إن الفضائل جميعها تحتاج إلى مساعدة المثابرة والاستمرارية ، لأنه لولاها لا يمكن المحافظة على الفضيلة وممارستها لفترة طويلة من الزمن، ولن تبلغ أية فضيلة في النهاية إلى كمالها. وبالرغم من أن كل فضيلة هي، بالتعريف، عادة صعب إزالتها، ولذلك فهي في حدّ ذاتها صفة ثابتة، فإن الصعوبة الخاصّة التي تنشأ من إخلاص طويل في ممارسة فضيلة معيّنة تحتاج إلى فضيلة المثابرة الخاصة. نحن نحتاج الى عمل النعمة لضمان مثابرتنا وشجاعتنا فى عمل الخير بتواضع قلب الى النفس الاخير كى لا نخطئ ونحيا حياة الفضيلة والبر . فمهما كنّا عادلين ومهما كنّا كاملين، فإننا دائماً معرضون الى الوقوع فى الخطيئة مما يستدعى الشجاعة فى مقاومة الاغراء ، ولذلك السبب، فنحن نحتاج فوق فضيلة المثابرة المُفاضة بالنعمة. المثابرة والثبات شكل من أشكال الشجاعة تعطى الانسان القوة والحزم والارادة أمام الصعوبات والتحديات والاغراءات سواء خارجية من البيئة الخاطئة او حروب الشيطان او التى تأتى من داخل الانسان وشهواته .
العوامل تساعد على تنمية فضيلة الشجاعة ..
الإيمان والثقة فى الله ومحبة الله الحقيقية وطاعته والاحتمال من اجله كلها وسائل تعطى الانسان شجاعة وقوة وحزم فى مواجهة مصاعب الحياة .
الإيمان وعدم الخوف ... اننا نومن بالله رعايته وحفظه لنا وانه قادر ان يحفظ حياتنا ومن معنا ويقودنا فى موكب نصرته. حتى ان واجهت سفينة حياتنا التحديات فان الرب قادر وقاهر التحديات { واما السفينة فكانت قد صارت في وسط البحر معذبة من الامواج لان الريح كانت مضادة. وفي الهزيع الرابع من الليل مضى اليهم يسوع ماشيا على البحر. فلما ابصره التلاميذ ماشيا على البحر اضطربوا قائلين انه خيال ومن الخوف صرخوا. فللوقت كلمهم يسوع قائلا تشجعوا انا هو لا تخافوا} مت 24:14-27 . الإيمان قوة تمنح الشجاعة والاقدام { امنوا بالرب الهكم فتامنوا ، امنوا بانبيائه فتفلحوا }(2اخبار 20 : 20). { لذلك اقول لكم كل ما تطلبونه حينما تصلون فامنوا ان تنالوه فيكون لكم} (مر11 : 24).
نحن نؤمن ان الله قادر على كل شئ. وفي ظل هذه القدرة، نحن نطلب منه، وكل ما نعجز أمامه نحن، نري قوة الله قادرة عليه. فنتغنى بقول الكتاب {غير المستطاع عند الناس، مستطاع عند الله}. الله القوى القادر على كل شئ يمنح القوة لابنائه وبناته. الله يستطيع كل شيء، ولا يعسر عليه أمر. وهو وعدنا ان { كل شيء مستطاع للمؤمن} مر 23:9. أذن لنحيا فى شجاعة قوة الله رغم همجية العدو وكبريائه فالله على كل متكبر وعال وكل ظالما قادر الله ان يذله { لانها ليست قوتك بالكثرة يا رب ولا مرضاتك بقدرة الخيل ومنذ البدء لا ترضى من المتكبرين بل يسرك دائما تضرع المتواضعين الودعاء} (يهو 9 : 16). كل من يتبع الله بتواضع ووداعة يقوى بقوة الله وينتصر بعزته .لانه يحتمي في قوة القادر علي كل شيء. اننا فى إيماننا نثق تماما فى حماية ورعاية الراعى الصالح .
الايمان مدرسة ايضا للصلاة بثقة لناخذ من الله قوة ورجاء وشجاعة. وامامنا وعود الرب الصادقة { تشددوا و تشجعوا لا تخافوا ولا ترهبوا وجوههم لان الرب الهك سائر معك لا يهملك و لا يتركك } (تث 31 : 6).اننا اذ نثق فى الله لا نخاف شئ وبالصلاة والثقة يجدد لنا الرب القوة اللازمة للتغلب على كل تحديات الحياة { اما عرفت ام لم تسمع اله الدهر الرب خالق اطراف الارض لا يكل ولا يعيا ليس عن فهمه فحص. يعطي المعيي قدرة ولعديم القوة يكثر شدة. الغلمان يعيون ويتعبون والفتيان يتعثرون تعثرا. واما منتظروا الرب فيجددون قوة يرفعون اجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون} اش 28:40-31. المؤمن يعرف ان هناك صعوبات فى طريق الفضيلة والبر لكن يدرك ايضا معونة السماء والأكاليل المعدة للفائزين { من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس من يغلب فساعطيه ان ياكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله }(رؤ 2 : 7).{ومن يغلب ويحفظ اعمالي الى النهاية فساعطيه سلطانا على الامم} (رؤ 2 : 26). {من يغلب فذلك سيلبس ثيابا بيضا ولن امحو اسمه من سفر الحياة وساعترف باسمه امام ابي وامام ملائكته} (رؤ 3 : 5). {من يغلب فساعطيه ان يجلس معي في عرشي كما غلبت انا ايضا وجلست مع ابي في عرشه }(رؤ 3 : 21).
جاء السيد المسيح ليحررنا من كل خوف مرضى يقيد الانسان ، سواء من الشيطان او جنوده او حروبهم او من الضيقات او المجهول او حتى من الموت . نحن نعمل فى شجاعة وسعى لخلاص انفسنا . نخاف فقط ان نبتعد عن الله وعن محبته واثقين ان ارادته هى قداستنا . ولا شئ يبعدنا أو يفصلنا عن محبة الله التى فى المسيح يسوع . لا نخاف من أضطهاد أوا استشهاد فحياتنا فى يد الله وان عشنا فله نعيش وان متنا فللرب نموت . ولن نحيا الا حياة واحدة وحيدة فلنحيا حياة كريمة ترضى الله أو نموت فى كرامة القديسين والشهداء غير هيابين من الموت {ولكن اقول لكم يا احبائي لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون اكثر. بل اريكم ممن تخافون خافوا من الذي بعدما يقتل له سلطان ان يلقي في جهنم نعم اقول لكم من هذا خافوا. اليست خمسة عصافير تباع بفلسين وواحد منها ليس منسيا امام الله. بل شعور رؤوسكم ايضا جميعها محصاة فلا تخافوا انتم افضل من عصافير كثيرة. واقول لكم كل من اعترف بي قدام الناس يعترف به ابن الانسان قدام ملائكة الله. ومن انكرني قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله.لو 4:12-9
المحبة الطاعة والاحتمال ... المحبة قوية اقوى حتى من الموت . ومن اجل ان نعلن محبتنا للملك المسيح يجب ان نطيع وصاياه ونحتمل بصبر وشجاعة كل ما يأتى علينا من اجل محبته { يا بني ان اقبلت لخدمة الرب الاله فاثبت على البر والتقوى واعدد نفسك للتجربة. ارشد قلبك واحتمل امل اذنك واقبل اقوال العقل ولا تعجل وقت النوائب. انتظر بصبر ما تنتظره من الله لازمه ولا ترتد لكي تزداد حياة في اواخرك. مهما نابك فاقبله وكن صابرا على صروف اتضاعك. فان الذهب يمحص في النار والمرضيين من الناس يمحصون في اتون الاتضاع} سير1:2-5. هذه المحبة أعطت القدّيس بولس وتهبنا نحن ايضاً الشجاعة الفائقة الطبيعة التى بها نعبر كل المصاعب والاضطهادات ، والخطر، والسيف كما قال القديس بولس {من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح.ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا امور حاضرة ولا مستقبلة. ولا علو ولا عمق و لا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا (رو 8 :35- 39). ان قبولنا بصبر ورضى إزعاجات الحياة اليومية بروح شجاعة قوية. تُصاحب كل مهنة في الحياة بصعوباتها الخاصّة، حتى ولو كان ذلك مجرّد الرتابة والملل الكائنين في نشاطات الفرد اليومية. فإذا لم نتعلّم قبول المنغصات والمحن الصغيرة التي لابد منها في الحياة اليومية، مثل البرد والحرارة، والألم والمشقة، والأمراض والأوجاع الصغيرة والتناقضات، فإننا لن نحقق أي تقدّم في اكتساب فضيلة الشجاعة المسيحية. اننا نصلى لله ليهبنا المحبة الكاملة والصبر التام وطاعة المسيح وصبره وهو الذى فى تجسده بقى راسخاً فى أمانته لمشيئة الآب . نصلى لتكون لنا شجاعة وقوة السيد المسيح سنداً فى جهادنا اليومى والشهادة لإيماننا المسيحى والحفاظ على حضورنا كاعضاء حية فى جسد المسيح السرى . ان ذلك يقتضى منا شجاعة العمل والتعاون مع الاخوة لنا فى الوطن بماضيه وما فيه وحاضره وما لنا من ملاحظات عليه ومستقبلنا وما لنا من أمل متجدد به . نصلى ليهبنا الله الشجاعة الاحتمال والتضامن مع الفقراء والمحتاجين والمضطهدين والفرح بحمل الصليب والثقة فى انتصار المحبة على البغضة والله على قوات الشر الروحية والثقة فى قيادة الراعى الصالح لكل النفوس المتعبة نحو المراعى الخضراء ومياة الراحة. ونثق انه قادر علي يرد النفوس المتعبة والضاله الى حظيرته . ونحن سائرين فى وادى ظل الموت واثقين وغير خائفين لان لنا الله ملجأ امين .
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
02 أغسطس 2021
القديسة مريم العذراء وكرامتها
القديسة مريم فى الكتاب المقدس والتقليد الكنسى.
+ اهنئكم احبائى ببدء صوم القديسة مريم العذراء ، وهى التى ذكرها الكتاب المقدس باكرام واجلال وجاء عنها الكثير من الرموز والنبوات فى العهد القديم ولها كرامتها الفريدة فى العهد الجديد فهى والدة الاله الكلمة المتجسد ، المملؤة نعمة ، القديسة الشفيعة التى قام السيد المسيح بعمل اولى معجزاته فى عرس قانا الجليل بطلبتها وهى توصينا دائما ان نطيع وصايا الله {قالت امه للخدام مهما قال لكم فافعلوه} (يو 2 : 5). انها المراة التى تنبأ عنها سفر التكوين بان نسلها يسحق راس الحية القديمة ابليس {واضع عداوة بينك و بين المراة و بين نسلك ونسلها هو يسحق راسك} (تك 3 : 15). وهى العذراء الدائمة البتولية { ولكن يعطيكم السيد نفسه اية ها العذراء تحبل و تلد ابنا و تدعو اسمه عمانوئيل} (اش 7 : 14). وهى القديسة التى حل الروح القدس عليها وقدسها وملائها نعمة وبصوت سلامها على اليصابات امتلات اليصابات من الروح القدس { فقامت مريم في تلك الايام وذهبت بسرعة الى الجبال الى مدينة يهوذا.ودخلت بيت زكريا وسلمت على اليصابات. فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلات اليصابات من الروح القدس.وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة انت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك.فمن اين لي هذا ان تاتي ام ربي الي.فهوذا حين صار صوت سلامك في اذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني.فطوبى للتي امنت ان يتم ما قيل لها من قبل الرب. } (لو 1 : 39-45). ومن سفر التكوين الى سفر الرؤيا نرى رموز واشارات عن القديسة مريم { وظهرت اية عظيمة في السماء امراة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى راسها اكليل من اثني عشر كوكبا }(رؤ 12 : 1).
+ والعذراء مريم لها كرامتها فى تقليد الكنيسة منذ العصر الرسولى ، فهى الإنسانة الوحيدة التى أنتظر الله آلاف السنين حتى وجدها ورآها مستحقة لهذا الشرف العظيم بان يتجسد منها الله الكلمة هذاالشرف الذى شرحه الملاك جبرائيل بقوله { الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلىّ تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يدعى أبن الله}(لو35:1). لهذا قال عنها الكتاب المقدس "بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنت ففقتِ عليهن جميعاً " (أم29:31).
+ على الصليب عهد بها السيد المسيح الى يوحنا الحبيب { ثم قال للتلميذ هوذا امك و من تلك الساعة اخذها التلميذ الى خاصته} (يو 19 : 27) فلو كان لها ابناء أخرين كما يدعى البعض لكانوا اجدر واحق برعايتها ! واذ صارت العذراء اما للرسل فهى أمنا لنا نحن الذين امنا على ايديهم . وما أكثر الالقاب التى اطلقها الاباء على القديسة مريم بما تحمله من مدلولات روحية مستمدة من الكتاب المقدس ، فهى السماء الثانية ، الحمامة الحسنة ، دائمة البتوليه ، شورية هارون ، سلم يعقوب ، الملكة القائمة عن يمين الملك كما جاء فى المزمور {قامت الملكة عن يمينك ايها الملك} مز9:45.والدة الاله وهذا اللقب ثبتته الكنيسة باجمعها فى مجمع افسس 431م كما جاء فى الإنجيل {فمن اين لي هذا ان تاتي ام ربي الي }(لو 1 : 43). ونقول عنها فى التسبحة ان الاب تطلع من السماء فلم يجد من يشبهك ارسل وحيده اتى وتجسد منك . ولقد بنيت اول كنيسة على اسم القديسة مريم فى مدينة فيلبي فى عصر الرسل لاكرام العذراء التى بصلواتها انحلت ابواب السجن الحديدية واخرجت القديس متياس الرسول من السجن .
+ من اجل كرامة العذراء والاقتداء بها وتطويبها نهتم باكرامها ومدحها فى التسبحة اليومية والقداسات ففى القداس الالهي يجرى ذكرى تطويب العذراء فى أكثر من مرة ففى لحن البركة: وقبل رفع الحمل يقال النشيد الكنسى للعذراء ومطلعه ( السلام لمريم العذراء الملكة ونبع الكرمة ) عند رفع بخور البولس: يقال فى الأعياد وأيام الفطر لحن: (هذه المجمرة الذهب هى العذراء وعنبرها هو مخلصنا ، قد ولدته وخلاصنا وغفر لنا خطايانا).وفى مقدمة قانون الإيمان: أبرزت الكنيسة أهمية شخصية العذراء مريم كوالدة الآلة فى التقليد الكنسى، بعد انعقاد مجمع أفسس مباشرة سنة 431م، وذلك لضبط مفهوم التجسد الإلهى ومقاومة البدع. وهكذا أضافت مضمون العقيدة التى أقرها هذا المجمع فى مقدمة قانون الإيمان والتى مطلعها: (نعظمك يا أم النور الحقيقى...).وبعد صلاة الصلح وقبل قداس المؤمنين نطلب شفاعة امنا العذراء "بشفاعة والدة الاله القديسة مريم يارب أنعم لنا بمغفرة خطايانا). فى مجمع القديسين نطلب شفاعة العذراء مريم على رأس قائمة أعضاء الكنيسة المنتصرة فى صلاة المجمع، فنحن نؤمن اننا كنيسة واحدة سواء من انتقلوا او يجاهدوا ليكملوا وينتصروا نصلى بعضنا من أجل بعض .
فضائل فى حياة العذراء مريم .
+ التواضع فى حياة القديسة مريم .ان التواضع صفة محبوبة من الله والناس { لان قدرة الرب عظيمة وبالمتواضعين يمجد} (سيراخ 3 : 21). { يقاوم الله المستكبرين و اما المتواضعون فيعطيهم نعمة} (يع 4 : 6). والعذراء القديسة مريم رغم ما نالته من حظوة وكرامة لدى الله { دخل اليها الملاك وقال سلام لك ايتها المنعم عليها الرب معك مباركة انت في النساء... وها انت ستحبلين و تلدين ابنا وتسمينه يسوع.هذا يكون عظيما و ابن العلي يدعى و يعطيه الرب الاله كرسي داود ابيه.ويملك على بيت يعقوب الى الابد ولا يكون لملكه نهاية. فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وانا لست اعرف رجلا. فاجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك و قوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} لو28:1،31-35. بعد هذه الكرامة نراها تجاوب الملاك { فقالت مريم هوذا انا امة الرب ليكن لي كقولك فمضى من عندها الملاك} لو 38:1 . وبعدما قال لها الملاك عن حبل اليصابات قامت مسرعة لتخدمها وعندما التقيا وامتلات اليصابات من الروح القدس وقالت لها من اين لى هذا انت تأتى ام ربى اليٌ نرى العذراء تعطى المجد لله { فقالت مريم تعظم نفسي الرب.و تبتهج روحي بالله مخلصي.لانه نظر الى اتضاع امته فهوذا منذ الان جميع الاجيال تطوبني.لان القدير صنع بي عظائم و اسمه قدوس} لو 46:1-49. احتملت العذراء فى تواضع الكرامة وسوء الظن من البعض فى تواضع عجيب وتسليم كامل لمشيئة الله . منذ طفولتها وحتى نهاية حياتها على الارض فى صمت الاتقياء { و اما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها} (لو 2 : 19).
+ الإيمان والصلاة . ظهر ايمان العذراء مريم فى العديد من المواقف فى حياتها ، فلم يحدث لعذراء غير متزوجة قبلها انجاب طفل ولكن كان للعذراء الايمان القوى الذى به اجابت به الملاك ليكن لى كقولك حتى ان اليصابات طوبتها على هذا الإيمان قائلة لها { فطوبى للتي امنت ان يتم ما قيل لها من قبل الرب} (لو 1 : 45). لقد كان ايمانها وعمق صلواتها مبني على علاقتها القوية بالله والكتاب المقدس حتى ان تسبحتها الحلوة عقب زيارتها لاليصابات كانت عبارة عن ايات من العهد القديم { فقالت مريم تعظم نفسي الرب. وتبتهج روحي بالله مخلصي.لانه نظر الى اتضاع امته فهوذا منذ الان جميع الاجيال تطوبني.لان القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس.ورحمته الى جيل الاجيال للذين يتقونه.صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم.انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين.اشبع الجياع خيرات وصرف الاغنياء فارغين.عضد اسرائيل فتاه ليذكر رحمة.كما كلم اباءنا لابراهيم و نسله الى الابد} لو46:1-55. وعند الصليب وقفت العذراء الام تتأمل بايمان تتميم عمل الخلاص وسيف الآلم يجتاز قلبها كما سبق وانبائها سمعان الشيخ عندما كان يسوع المسيح ابن اربعين يوما وكانت تقول ( اما العالم فيفرح بقبوله الخلاص واما احشائى فتلتهب عند نظرى الى صلبوتك الذى انت صابر عليه يا ابنى والهى). وظهر ايمانها فى طاعتها وتسليمها عندما خدمت فى الهيكل وهى طفلة وفى خضوعها عند سن البلوغ وذهابها الى بيت يوسف النجار بامر الشيوخ حيث كانت يتيمة الابوين ، وفى ذهابها الى مصر مع يوسف النجار وفى طاعتها لامر السيد المسيح بان تحيا فى رعاية القديس يوحنا الحبيب .
3 – العذراء وحياة الطهارة ..لقد عاشت العذراء حياة الطهارة والعفة منذ طفولتها فى الهيكل وكما تلقبها الكنيسة بحق العذراء كل حين ، ولتنظروا حتى الى ثيابها المتشحة بها فى كل الظهورات حتى بعد صعودها الى السماء ، مكتسية بحلل البهاء ومتسربلة بثياب من نور رمزا لطهارتها وعفتها . وعندما راي القديس يوسف النجار حبلها واذ كان رجلا بارا واراد ان يخليها سراً فمن أجل اظهار برائتها ظهر له ملاك الرب مدافعا عنها { و لكن فيما هو متفكر في هذه الامور اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا يا يوسف ابن داود لا تخف ان تاخذ مريم امراتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس} (مت 1 : 20). وحسب التقليد الكنسي فان الذى رفع يديه ليعترض جسدها فى الطريق الى القبر فى عدم أحترام لها قطع يديه ملاك الرب مدافعا عن قداستها ولما صرخ نادما أعادها له الرسل بمعجزة . فحرى ببناتنا ان يتخذن من العذراء شفيعة وقدوة فى الطهارة النابعة من محبة الله والتأمل فى كلامه وحفظ وصاياه والعمل بها .
صوم القديسة مريم العذراء.
++ اننا اذ نكرم العذراء القديسة مريم ونطلب شفاعتها عند الله ونصوم باسمها فهذا من قبيل الأكرام وليس العبادة اطلاقاُ فالسجود والعبادة لله وحده {للرب الهك تسجد و اياه وحده تعبد }(مت 4 : 10). فصومنا وصلواتنا مقدمة لله القدوس ونحن نكرم الله فى جميع قديسه الذي قال للرسل الذى يرزلكم يرزلنى والذى الذى يكرمكم يكرمنى والذى يكرمنى يُكرم ابى الذى ارسلنى . ونحن نتعلم من فضائل القديسة مريم كام روحيه لنا { اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا الى نهاية سيرتهم فتمثلوا بايمانهم }(عب 13 : 7). العذراء بمحبتها وحنانها تطلب عنا وقد اختبارنا دالتها وصلواتها المستجابة عنا ، ونحن فى الكنيسة القبطية عبر تاريخها الطويل نتمتع بامومة ورعاية وشفاعة امنا القديسة مريم وظهوراتها المتكررة فى مصر على المستوى العام او معجزاتها وظهوراتها على المستوى الفردى تشهد لصحة إيماننا وقوة شفاعتها الدائمة عنا .
+ ان اصوامنا كلها نقدمها لله زهدا ونسكا وتفرغا من الأهتمام بملاذ الجسد لنتقوى فى الروح ونهتم بغذاء ارواحنا ، ويقال ان هذا الصوم صامه آبائنا الرسل أنفسهم لما رجع توما الرسول من التبشير فى الهند، فقد سألهم عن السيدة العذراء، قالوا له إنها قد ماتت. فقال لهم: (أريد أن أرى أين دفنتموها!) وعندما ذهبوا إلى القبر لم يجدوا الجسد المبارك. فإبتدأ يحكى لهم أنه رأى الجسد صاعدا... فصاموا 15 يوماً من أول مسرى حتى 15 مسري حتى أعلن لهم الرب صعود جسدها الى السماء واصبح عيد للعذراء يوم 16 مسرى من التقويم القبطي.
+ ولقد مارس صوم القديسة مريم اولا بعد ذلك العذراى والرهبان وبعد هذا صامه الشعب كله وقننته الكنيسة كصوم عام بعد ذلك ، وكم نحن نحتاج الى الصوم والصلاة فى كل حين { صالحة الصلاة مع الصوم و الصدقة خير من ادخار كنوز الذهب} (طوبيا 12 : 8). فاذ لنا اعداء مقاومين لابد ان يكون لنا الركب المنحنية والايدى المرفوعة بالصلاة لنشبع بمحبة الله وننتصر على اعدائنا الذين قال عنهم السيد المسيح { هذا الجنس لا يمكن ان يخرج بشيء الا بالصلاة و الصوم} (مر 9 : 29). فالصوم فترة للنهضة الروحية والشبع بكلمة الله { فاجاب و قال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله }(مت 4 : 4).
+ طوباكى ايتها الشفيعة المؤتمنة التى خدمت البشرية كلها وعوضا عن مخالفة أمنا حواء للوصية ، أطعتى انت ايتها القديسة مريم وقدمتى كحواء الجديدة والثانية لله شعبا مستعدا من قبل طهارتك ، وكنتِ وستبقي على مدى الاجيال أمنا مكرمة تطوبك جميع الأجيال فانت قدوة للعذارى ومعلمة للفضيلة للجميع وانت أمنا الحنون التي نتلجأ اليها فى ضيقاتنا لترفعى معنا الصلاة وتطلبى عنا من الرب ليغفر لنا خطايانا ويقوى أيماننا ويحفظ كنيستنا رعاة ورعية .
القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد
12 يوليو 2021
القديس بولس الرسول رسول الجهاد ومدرسة الفضائل
نشأته ويمانه بالسيد المسيح:-
وُلد شاول سنة 8 أو 9 م في طرسوس كيليكية التي تقع فى تركيا حالياً والتى كانت مركزا فلسفياً هامًا بعد أثينا والأسكندرية، لأب يهودى من سبط بنيامين ومن عائلة غنية وحاصل على الجنسية الرومانية ودُعي اسمه شاول أي المطلوب ..وهناك قضى طفولته حتى صار يافعًا وبعد أن تعلم اليونانية واللاتينية وثقافة بلده. جاء إلى اورشليم ليتعلم الناموس كفريسي مدقق عند قدمى أعظم معلمى عصره " غمالائيل " فدرس العهد القديم والتقليد اليهودى مما أهَّله للتبشير بين اليهود والأمم وتعلم حرفة صنع الخيام كما يأمر التلمود " فإن من لا يعلم ابنه حرفة فإنه يقوده للسرقة" وقد اعتمد على حرفته هذه كعمل اليدين له فى بادية الشام وأثناء تنقلاته حتى لا يكون ثقلاً على أحد { أنتم تعلمون أن حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان} (أع 20 : 34). وهكذا دعى الخدام للتعلم منه فيما بعد { في كل شيء أريتكم أنه هكذا ينبغي أنكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ} (اع 20 : 35) كان أولاً مضطهِداً لكنيسة الله { واضطهدتُ هذا الطريق حتى الموت مقيِّدًا و مسلمًا إلى السجون رجالاً ونساء (اع 22 : 4){ أنا الذي لست أهلاً لأن اُدعىَ رسولا لأني اضطهدتُ كنيسة الله }(1كو 15 : 9) . شَهد فى أورشليم استشهاد القديس استفانوس وكان حارساً لثياب الذين رجموه ولقد أثر فيه بالتأكيد هذا المشهد العجيب فى مغفرة استفانوس شهيد المسيحية الأول لراجميه وسلامه العجيب وهذا ما اختبره بنفسه فى تعرضه للرجم فيما بعد والاضطهاد من أجل اسم المسيح الحسن { فلما سمعوا هذا حنقوا بقلوبهم وصروا بأسنانهم عليه.وأما هو (استفانوس) فشخص الى السماء و هو ممتلئ من الروح القدس فراى مجد الله و يسوع قائما عن يمين الله. فقال ها أنا انظر السماوات مفتوحة وابن الانسان قائما عن يمين الله. فصاحوا بصوت عظيم وسدوا آذانهم وهجموا عليه بنفس واحدة. وأخرجوه خارج المدينة ورجموه والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له شاول. فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول ايها الرب يسوع اقبل روحي. ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تُقِم لهم هذه الخطية واذ قال هذا رقد} أع 54:7-60 لم يتقابل شاول مع الرب يسوع أثناء خدمته على الأرض ومع هذا دُعي ثالث عشر الرسل. وكان مقاوماً لتلاميذ المسيح والمؤمنين به كخطر على الديانة اليهودية { وأما شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالا ونساء ويسلمهم الى السجن} أع 3:8 .ولما علم ان الكنيسة فى دمشق نمت وكثر عدد المؤمنين فيها { اما شاول فكان لم يزل ينفث تهديدًا وقتلا على تلاميذ الرب فتقدم الى رئيس الكهنة. وطلب منه رسائل الى دمشق الى الجماعات حتى اذا وجد اناسا من الطريق رجالا او نساء يسوقهم موثقين الى اورشليم} أع 1:9-2. وفى الطريق الى دمشق ظهر له الرب يسوع المسيح وغير مجرى حياته ليصبح رسولا للجهاد والكرازة باسم المسيح { وفي ذهابه حدث انه اقترب الى دمشق، فبغتة ابرق حوله نور من السماء. فسقط على الارض وسمع صوتا قائلا له شاول شاول لماذا تضطهدني. فقال من انت يا سيد فقال الرب انا يسوع الذي انت تضطهده صعب عليك ان ترفس مناخس. فقال وهو مرتعد ومتحير يا رب ماذا تريد ان افعل فقال له الرب قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي ان تفعل. واما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون احدا. فنهض شاول عن الارض وكان وهو مفتوح العينين لا يبصر احدا فاقتادوه بيده و ادخلوه الى دمشق. وكان ثلاثة ايام لا يبصر فلم ياكل ولم يشرب. وكان في دمشق تلميذ اسمه حنانيا فقال له الرب في رؤيا يا حنانيا فقال هانذا يا رب. فقال له الرب قم واذهب الى الزقاق الذي يقال له المستقيم واطلب في بيت يهوذا رجلا طرسوسيا اسمه شاول لانه هوذا يصلي.وقد رأى في رؤيا رجلا اسمه حنانيا داخلا وواضعا يده عليه لكي يبصر. فاجاب حنانيا يا رب قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقديسيك في اورشليم. وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة ان يوثق جميع الذين يدعون باسمك. فقال له الرب اذهب لان هذا لي اناء مختار ليحمل اسمي امام امم وملوك وبني اسرائيل. لأني سأريه كم ينبغي ان يتالم من اجل اسمي. فمضى حنانيا ودخل البيت ووضع عليه يديه وقال ايها الأخ شاول قد ارسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس. فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور فأبصر في الحال وقام واعتمد. وتناول طعاما فتقوى وكان شاول مع التلاميذ الذين في دمشق اياما} أع 3:9-19. وبعد ان قضى بعد الوقت فى بادية الشام أخذ يبشر بالإيمان بيسوع المسيح ربا ومخلصاً { ثم خرج برنابا الى طرسوس ليطلب شاول ولما وجده جاء به الى انطاكية. فحدث انهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلّما جمعا غفيرا ودُعي التلاميذ مسيحيين في انطاكية اولا} (اع 11 : 26) . ثم ذهب الى أورشليم وتقابل هناك مع المعتبرين أعمدة من الرسل، بطرس ويوحنا ويعقوب { فاذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب و صفا ويوحنا المعتبرون انهم اعمدة اعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للامم وأما هم فللختان }(غل 2 : 9).
خدمة القديس بولس الرسول:-
على مدى حوالى الثلاثة عقود جال القديس بولس الرسول ومنذ اهتدائه للإيمان وحتى استشهد فى روما على يد نيرون فى 67 م ، جال مبشرا وكارزاً بإنجيل المسيح فى أسيا واوربا من قرية ومدينة الى أخري باسفاراً واخطاراً مراراً كثيرة وكان منهجه الروحى {أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ } ( غلا2: 20). {كونوا متمثلين بي ، كما أنا أيضاً بالمسيح } ( 1كو11 : 1). كان منقادا لروح الله القدوس كما قال عنه الكتاب {أما شاول الذى هو بولس أيضاً فامتلأ من الروح القدس} (أع 13). وليس فقط ممتلئاً من الروح القدس، بل كان الروح يقوده فى كل تحركاته إذ نقرأ فى سفر الأعمال دعوة الروح القدس له للخدمة، {افرزوا لى برنابا و شاول} (أع 13). وكان الروح القدس يسمح له بالكرازة فى أماكن و يمنعه فى مواضع أخرى ونقرأ وبعدما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية منعهم الروح القدس ان يتكلموا بالكلمة في آسيا (أع 16). { وظهرت لبولس رؤيا في الليل رجل مكدوني قائم يطلب اليه ويقول اعبر الى مكدونية واعنا. فلما راى الرؤيا للوقت طلبنا ان نخرج الى مكدونية متحققين ان الرب قد دعانا لنبشرهم} أع 9:16-10 و ليس فقط فى التحركات بل فى التعليم كان مسوقاً بالروح القدس إذ يقول { و كلامي و كرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الانسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة. لكي لا يكون ايمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله. لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الاشياء الموهوبة لنا من الله. التي نتكلم بها ايضا لا بأقوال تُعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات} 1كو 4:2-5،13،14) وهكذا نتعلم كخدام المسيح لا ندرس الإنجيل فقط ولكن يجب أن يكون مثل بولس الرسول عاملاً بالانجيل فى حياته منقاداً بالروح القدس { لان كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله }(رو 8 : 14) .
قضى القديس بولس كل حياته في الخدمة بأمانة واجتهاد فى الأسفار فى جميع الأجواء والأراضى والظروف. لذلك يجب أن يعرف الخادم أنه لا يوجد خدمة مريحة. لنسمع لعينة من الأتعاب التى واجهها القديس بولس الرسول برضى وفرح من أجل الكرازة { من اليهود خمس مرات قبلتُ أربعين جلدة إلا واحدة. ثلاث مرات ضُربت بالعِصِي، مرة رُجمت، ثلاث مرات انكسرت بي السفينة ليلا ونهارا قضيت في العمق. باسفار مرارا كثيرة باخطار سيول باخطار لصوص باخطار من جنسي باخطار من الامم باخطار في المدينة باخطار في البرية باخطار في البحر باخطار من اخوة كذبة. في تعب وكد في اسهار مرارا كثيرة في جوع وعطش في اصوام مرارا كثيرة في برد وعُري. عدا ما هو دون ذلك التراكم عليّ كل يوم الاهتمام بجميع الكنائس. من يضعف وانا لا اضعف من يعثر وانا لا ألتهب} 2كو 24:11-29. ويقول يشوع بن سيراخ يا إبني إن أقبلت لخدمة الرب الإله فاثبت على البر والتقوى واعدد نفسك للتجربة (إبن سيراخ 2: 1)، و لقد كان هذا تحقيقاً لقول السيد المسيح لحنانيا عن بولس الرسول سأريه كم ينبغي ان يتألم من اجل اسمي. ومع كل هذه الأتعاب كان القديس بولس فرحاً فى الرب ودعانا للفرح الروحي { كحزانى و نحن دائما فرحون كفقراء ونحن نغني كثيرين كأن لا شيء لنا و نحن نملك كل شيء }(2كو 6 : 10). ولقد لخص مدى أخلاصه فى الكرازة فى أجتماعه بقسوس افسس { و من ميليتس ارسل الى افسس واستدعى قسوس الكنيسة. فلما جاءوا اليه قال لهم انتم تعلمون من اول يوم دخلت اسيا كيف كنت معكم كل الزمان.اخدم الرب بكل تواضع ودموع كثيرة وبتجارب اصابتني بمكايد اليهود. كيف لم اؤخر شيئا من الفوائد الا واخبرتكم وعلمتكم به جهرا وفي كل بيت. شاهدا لليهود واليونانيين بالتوبة الى الله والايمان الذي بربنا يسوع المسيح. و الان ها انا اذهب الى اورشليم مقيدا بالروح لا اعلم ماذا يصادفني هناك.غير ان الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلا ان وثقا و شدائد تنتظرني. و لكنني لست احتسب لشيء و لا نفسي ثمينة عندي حتى اتمم بفرح سعيي و الخدمة التي اخذتها من الرب يسوع لاشهد ببشارة نعمة الله } أع 17:20-24.
القديس بولس مدرسة الفضائل:-
لقد تسلم وعاش وعلم القديس بولس رسالة الإيمان كما تسلمها من الرب يسوع وروحه القدوس إذ يقول لانني تسلمت من الرب ما سلمتكم ايضاً (1كو 11: 23)وكانت تعاليمه لها روح تعاليم السيد المسيح نفسها فمن المخلص وبوحى روحه تعلمها وكان أميناً فى تسليمها {إذ يقول لذلك انت بلا عذر ايها الانسان كل من يدين. لانك في ما تدين غيرك تحكم على نفسك} (رو 2: 1) و التى تقابل {لا تدينوا لكي لا تدانوا. لانكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون . وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم }(مت 7: 1، 2). و يقول أيضاً {لانه ان عشتم حسب الجسد فستموتون. ولكن ان كنتم بالروح تميتون اعمال الجسد فستحيون }(رو 8: 13) و التى تقابل من تعاليم السيد {فان من اراد ان يخلّص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من اجلي يجدها} (مت 16: 25). { لانني تسلمت من الرب ما سلمتكم ايضا ان الرب يسوع في الليلة التي اسلم فيها اخذ خبزا. و شكر فكسر و قال خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لاجلكم اصنعوا هذا لذكري.كذلك الكاس ايضا بعدما تعشوا قائلا هذه الكاس هي العهد الجديد بدمي اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري.فانكم كلما اكلتم هذا الخبز و شربتم هذه الكاس تخبرون بموت الرب الى ان يجيء} اكو23:11-26.إن القديس بولس الرسول كتب 109 إصحاحاً فى 14 رسالة شاهداً ومفصلاً لكلمة الله المقدسة. وما تسلمه من الرب سلمه لمن أمنوا علي يديه لاسيما لتلاميذه الذين اوصاهم بان ان يكونوا أمناء فى تسليم شعلة الإيمان للآخرين { و ما سمعته مني بشهود كثيرين اودعه اناسا امناء يكونون اكفاء ان يعلموا اخرين ايضا }(2تي 2 : 2).كان القديس بولس قلباً ملتهباً بمحبة الله { من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. و لكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت و لا حياة و لا ملائكة و لا رؤساء و لا قوات و لا امور حاضرة و لا مستقبلة.و لا علو و لا عمق و لا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا} رو 35:8-39. ولقد قدم حياته قربانا لله الذى أحبه ومنذ ان تقابل مع الرب فى الطريق الى دمشق والى ان قدم دمه الطاهر شهادة لأيمانه كانت حياة صلاة حب لله من اجل الكنيسة وبنيانها { متضرعا دائما في صلواتي عسى الان ان يتيسر لي مرة بمشيئة الله ان اتي اليكم} (رو 1 : 10). { نشكر الله كل حين من جهة جميعكم ذاكرين اياكم في صلواتنا} (1تس 1 : 2). ولهذا طلب منا كما تعلم من سيده ان نصلى ولا نمل { صلوا بلا انقطاع }(1تس 5 : 17) . { فاطلب اول كل شيء ان تقام طلبات و صلوات و ابتهالات و تشكرات لاجل جميع الناس} (1تي 2 : 1).ان القديس بولس هو مدرسة للفضائل عاش ما علم به تحقيقا لدعوة الله المقدسة له { فقلت انا من انت يا سيد فقال انا يسوع الذي انت تضطهده.ولكن قم وقف على رجليك لاني لهذا ظهرت لك لانتخبك خادما وشاهدا بما رايت وبما ساظهر لك به. منقذا اياك من الشعب ومن الامم الذين انا الان ارسلك اليهم.لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات الى نور ومن سلطان الشيطان الى الله حتى ينالوا بالايمان بي غفران الخطايا و نصيبا مع المقدسين} أع 15:26-18.ولهذا دعانا للثبات فى الإيمان { اسهروا اثبتوا في الايمان كونوا رجالا تقووا }(1كو 16 : 13). { مع المسيح صلبت فاحيا لا انا بل المسيح يحيا في فما احياه الان في الجسد فانما احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي احبني و اسلم نفسه لاجلي }(غل 2 : 20). مصليا من اجل ان {يحل المسيح بالايمان في قلوبكم }(اف 3 : 17){الى ان ننتهي جميعنا الى وحدانية الايمان ومعرفة ابن الله الى انسان كامل الى قياس قامة ملء المسيح }(اف 4 : 13) ويدعونا ايضا للجهاد الروحي حاملين ترس الإيمان {حاملين فوق الكل ترس الايمان الذي به تقدرون ان تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة }(اف 6 : 16).انه رجل الغيرة الملتهبة من أجل خلاص البعيدين والقريبين ومن غيرته على خلاصنا يقول { فإني أغار عليكم غيرة الله ، لانى خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح . ولاكننى أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التى للمسيح} 2كو2:11-3.ومن أجل غيرته على خلاص بني جنسه يقول { فإنى كنت أود لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل أخوتى وانسبائي حسب الجسد} رو 3:9. تحمل فى غيرة وانكار لذاته ، اسمعه كيف يتكلم باتضاع قلب { وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل اجمعين. و اخر الكل كانه للسقط ظهر لي انا.لاني اصغر الرسل انا الذي لست اهلا لان ادعى رسولا لاني اضطهدت كنيسة الله.و لكن بنعمة الله انا ما انا و نعمته المعطاة لي لم تكن باطلة بل انا تعبت اكثر منهم جميعهم و لكن لا انا بل نعمة الله التي معي.فسواء انا ام اولئك هكذا نكرز و هكذا امنتم} 1كو 7:15-11أخيرا نسمعه يلخص حياته بالنصيحة لتلميذه تيموثاوس { نا اناشدك اذا امام الله و الرب يسوع المسيح العتيد ان يدين الاحياء و الاموات عند ظهوره و ملكوته.اكرز بالكلمة اعكف على ذلك في وقت مناسب و غير مناسب وبخ انتهر عظ بكل اناة و تعليم.لانه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم.فيصرفون مسامعهم عن الحق و ينحرفون الى الخرافات.واما انت فاصح في كل شيء احتمل المشقات اعمل عمل المبشر تمم خدمتك. فاني انا الان اسكب سكيبا و وقت انحلالي قد حضر.قد جاهدت الجهاد الحسن اكملت السعي حفظت الايمان. و اخيرا قد وضع لي اكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل و ليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره ايضا} 2تي 1:4-8.
أذكروا مرشديكم :-
اليك يا الهنا الصالح نقدم الشكر والتسبيح على نعمة الإيمان التى تسلمناها من أبائنا الرسل القديسين ومن بينهم قديسنا وكارزنا القديس بولس الرسول شاكرين محبته وذاكرين اتعابه من أجل نشر الإيمان . وكما علمنا هذا الكاروز العظيم {اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا الى نهاية سيرتهم فتمثلوا بايمانهم} (عب 13 : 7). فاننا ننظر الى نهاية سيرته الطاهرة ونتمثل بإيمانه وغيرة وجهاده ومحبته السلام لك يا رسول الجهاد ومدرسة الفضائل ، ايها الكارز بالأيمان الأقدس الذى دعوتنا اليه . داعيا ايانا ان نخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحتة النور ونجاهد الجهاد الحسن من أجل الرجاء الموضوع أمامنا ناظرين الى رئيس الإيمان ومكمله . السلام لك يا ابانا القديس يا من لم يفتر بدموع ان ينذر كل أحد لكى نسلك بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء ، مفتدين الوقت فى هذه الأيام الشريرة السلام لك يا معلمنا اسلحة الحرب الروحية لننتصر على محاربات الشيطان { اخيرا يا اخوتي تقووا فيالرب و في شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان تثبتوا ضد مكايد ابليس.فان مصارعتنا ليست مع دم و لحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع اجناد الشر الروحية في السماويات. من اجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان تقاوموا في اليوم الشرير و بعد ان تتمموا كل شيء ان تثبتوا.فاثبتوا ممنطقين احقاءكم بالحق و لابسين درع البر. و حاذين ارجلكم باستعداد انجيل السلام.حاملين فوق الكل ترس الايمان الذي به تقدرون ان تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة. و خذوا خوذة الخلاص و سيف الروح الذي هو كلمة الله. مصلين بكل صلاة و طلبة كل وقت في الروح و ساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة و طلبة لاجل جميع القديسين} أف 10:10-18السلام لك يا من دعانا الى حياة المحبة والايمان والرجاء { المحبة تتانى و ترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر و لا تنتفخ.و لا تقبح و لا تطلب ما لنفسها و لا تحتد و لا تظن السوء.و لا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق. و تحتمل كل شيء و تصدق كل شيء و ترجو كل شيء و تصبر على كل شيء.المحبة لا تسقط ابدا ، اما الان فيثبت الايمان و الرجاء و المحبة هذه الثلاثة و لكن اعظمهن المحبة} 1كو 4:13-8،13. أطلب من الرب عنا ايها الرسول القديس بولس الرسول ان يقوى إيماننا ويلهب قلوبنا بالمحبة ويملأ حياتنا بالرجاء ويغفر لنا خطايانا .
القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد
07 يونيو 2021
المعانى الروحية لعيد الصعود المجيد
تتويج العمل الخلاصى بالصعود المجيد
+ ان عيد الصعودالمجيد يمثل تتويجا للعمل الخلاصى الذى فعله السيد المسيح من أجلنا فى رحلة الخلاص فى العهد الجديد بدء من البشارة بالتجسد الإلهى {فاجاب الملاك و قال لها الروح القدس يحل عليك و قوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} لو35:1 . الي الميلاد العجيب واقتراب الله الكلمة الينا معلنا محبته للبشرية وعمله على ارجاعها الى الفردوس والبنوة لله { و الكلمة صار جسدا و حل بيننا و راينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة و حقا} (يو 1 : 14) وصولا الى أكمال الفداء بالقيامة والصعود المجيد . فلقد صعد الرب الى أعلى السموات بالجسد البشرى القائم كجسد روحياً نوراني ممجد ، واصعد طبيعتنا البشرية معه الى السماء ، وانتهت مرحلة اخلاء الذات التدبيرى من اجل خلاص جنس البشر وبصعود المخلص تمجد الابن الكلمة واستحقت البشرية نعمة ومواهب وثمار الروح القدس { قال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به و انا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى و الانبياء و المزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. و قال لهم هكذا هو مكتوب و هكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم و يقوم من الاموات في اليوم الثالث. و ان يكرز باسمه بالتوبة و مغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم. و انتم شهود لذلك. و ها انا ارسل اليكم موعد ابي فاقيموا في مدينة اورشليم الى ان تلبسوا قوة من الاعالي. و اخرجهم خارجا الى بيت عنيا و رفع يديه و باركهم. و فيما هو يباركهم انفرد عنهم و اصعد الى السماء. فسجدوا له و رجعوا الى اورشليم بفرح عظيم. و كانوا كل حين في الهيكل يسبحون و يباركون الله امين} لو44:24-52.
+ السيد المسيح الملك الظافر الممجد في السماء وعلي الأرض في أحد الشعانين دخل الي اورشليم كملك وديع وعادل ومتواضع ، وفى عيد الصعود يدخل غالبا الي أورشليم السمائية، كان في أحد الشعانين راكبا على جحش واليوم راكبا على السحاب ، دخل أولا وسط تسابيح الشعب واليوم تستقبله الملائكة بالتسابيح ، استقبله أطفال القدس خلصنا يا ابن داود واليوم يهتف الاباء والانبياء الذين ماتوا على رجاء ومعهم نحن خلصتنا وادخلت طبيعتنا الى السماء، فى عيد الصعود نصلى ليصعدنا من الضعف والخوف والمرض والخطية وان ينقذنا من أعدائنا الخفيين والظاهرين .
عيد الصعود فى التقليد الكنسى وفكر الاباء
+ ان الاحتفال بعيد الصعود المجيد هو تقليد رسولى كما جاء فى الدسقولية التى هى تعاليم الاباء الرسل (من أول اليوم من الجمعه الاولى احصوا أربعين يوما إلى خامس السبوت ثم أصنعوا عيد لصعود الرب الذى اكمل فيه كل التدبيرات وكل الترتيب وصعد إلي الاب الذى أرسله وجلس عن يمين القوة (دسق 31). لقد استقبلت الملائكة وكل قوات السماء المخلص بما يليق به من أكرام وسجود كما تنباء بذلك داود النبى { ارفعن ايتها الارتاج رؤوسكن و ارتفعن ايتها الابواب الدهريات فيدخل ملك المجد.من هو هذا ملك المجد الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال.ارفعن ايتها الارتاج رؤوسكن و ارفعنها ايتها الابواب الدهريات فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد رب الجنود هو ملك المجد } مز 4:24-10. ونحن نتمثل بالملائكة ونفرح مع الاباء الرسل بصعود الرب الى السموات كسابقاً من أجلنا مترنمين كأمر داود النبى { يا جميع الامم صفقوا بالايادي اهتفوا لله بصوت الابتهاج. لان الرب علي مخوف ملك كبير على كل الارض.صعد الله بهتاف الرب بصوت البوق . رنموا لله رنموا رنموا لملكنا رنموا. ملك الله على الامم الله جلس على كرسي قدسه} مز1:47.
+ اننا نتعلم من ابائنا القديسين ونسلم الوديعة لكم فى أمانة لنعيش فى تقوى ومحبة الله ولهذا يذكرنا القديس ساويرس الأنطاكي (459-536م ) ، بهذا العيد كأَجل الأعياد إذ يقول: "إني احتفل بتقاليد الرسل القديسين التي سلمها لنا أعمدة الكنيسة كميراث أبدي لا يفنى بعد أن تسلموها كل واحد بدوره كما يتسلم الابن من أبيه، وهذه تمت على أيديهم وأزهرت في الكنيسة، ومن بين هذه التقاليد التي استلمناها ما تنادي به الكنيسة اليوم لتعلمنا به أن المسيح لأجلنا صعد إلى السموات". ان السيد المسيح صعد الى السموات بالجسد الممجد اذ انه بلإهوته حال فى كل مكان ولا يحويه مكان وكما نستقبل ارسال القنوات الفضائية ونراها صوت وصورة دون ان نحدها فى الجهاز التلفزيونى الخاص بنا هكذا التجسد الإلهى لم يحد اللإهوت { و ها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر امين} (مت 28 : 20) .{ لانه حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فهناك اكون في وسطهم} (مت 18 : 20) .
عيد الصعود فى حياتنا الروحية ..
+ عيد الصعود المجيد يرفع قلوبنا وأفكارنا وارواحنا الى السماء حيث المسيح جالس عن يمين الاب . فنحن نشكر الله الذى أقام طبيعتنا واصعدها الى السماء . ونساله ان يقيمنا من الكسل والتعلق بالإرضيات الي سمو الفكر وارتفاعه عن كل فكر غريب عن محبة الله { هادمين ظنونا و كل علو يرتفع ضد معرفة الله و مستاسرين كل فكر الى طاعة المسيح }(2كو 10 : 5) .ان السيد المسيح الذى نزل لأجل خلاصنا هوالذى صعد ايضا فوق جميع السموات لكى يملأ الكل (أف 4: 9، 10). فنحن مدعوين الى الصعود بحياتنا مع من صعد ليقيمنا ويرفعنا الى مرتبة البنوة والحياة السمائية .
+ ان جبل الزيتون كما كان يمثل الآلم والمعاناة فى حياة المخلص الصالح وفيه قُبض عليه وسيق كشاة حتى الى الصليب هو جبل السلام والفرح بقيامة الرب من بين الاموات وجبل الصعود الى السماء ، ونحن لكى ما نتمجد مع المسيح ونصعد معه الى الفردوس وملكوت السموات فاننا نحمل بفخر صلبينا{ فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله و وارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} (رو 8 : 17). ونحن اذا نتبع خطي التلاميذ والاباء الرسل نفرع بالصعود ونواظب على الصلاة كجماعة واحدة مقدسة طالبين مواهب وثمار وعطية الروح القدس المعزى { حينئذ رجعوا الى اورشليم من الجبل الذي يدعى جبل الزيتون الذي هو بالقرب من اورشليم على سفر سبت. و لما دخلوا صعدوا الى العلية التي كانوا يقيمون فيها بطرس و يعقوب و يوحنا و اندراوس و فيلبس و توما و برثولماوس و متى و يعقوب بن حلفى و سمعان الغيور و يهوذا اخو يعقوب. هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة و الطلبة مع النساء و مريم ام يسوع و مع اخوته} 12:1-14. نصلى ونطلب من الرب ان ينظر بعين الرأفة والمحبة الى كل نفس فى الكنيسة رعاة ورعية وان يصعد بلادنا من التخلف والتعصب والجهل وعدم الأمان الى حياة السلام والتقدم والمعرفة والنور ويقوى أيماننا به للننتظر بفرح مجئية الثانى .
+ أن يسوع المسيح الذى ارتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا ليدين العالم وياخذ الابرار للحياة الدئمة معه ونحيا معه كملائكة باجساد نورانية روحية ممجده {و لما قال هذا ارتفع و هم ينظرون و اخذته سحابة عن اعينهم. و فيما كانوا يشخصون الى السماء و هو منطلق اذا رجلان قد وقفا بهم بلباس ابيض. و قالا ايها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء ان يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سياتي هكذا كما رايتموه منطلقا الى السماء} (أع 1: 9-11) نعم سيأتى للدينونة {فان ابن الانسان سوف ياتي في مجد ابيه مع ملائكته و حينئذ يجازي كل واحد حسب عمله} (مت 16: 27). ولهذا فنحن نعد أنفسنا بالتوبة الدائمة وثمار الأعمال الصالحة منتظرين سرعة مجئ ربنا يسوع المسيح . فكل عام وحضراتكم بالف خير وسلام .المعانى الروحية لعيد الصعود المجيد
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
03 يونيو 2021
ثمار القيامة فى حياتنا
اهنئكم أحبائى بعيد القيامة المجيد الذي نحتفل به في باكر كل يوم وفي أيام الاحاد وفي زمن الفصح لمدة خمسين يوما ، بل ويجب ان نحيا القيامة كل ايام حياتنا فنحن ابناء القيامة والمسيح القائم من بين الأموات ،الذي مات من اجل خلاصنا وقام من أجل تبريرنا . لقد انتصرالمسيح بقيامته علي الخطية والشيطان والموت ووهب الحياة للذين في القبور. قام الرب يسوع المسيح منتصراً ليقودنا في موكب نصرته، ولكي يهبنا الشجاعة والقوة في مواجهة الشر والشيطان والموت والخطية وليحيينا حياة أبدية بقيامة المجيدة ان الله الكلمة المتجسد الذي سمح أن يدخل الموت الي طبيعتنا بسقوطها فى الخطية وطردها من الفردوس ، برحمتة الغنية أراد لنا بالإيمان به وبقيامته ان نقوم معة في جدة الحياة المنتصرة وننعم معه بالحياة الأبدية. ومن بين عطايا القيامة الكثيرة فى حياتنا انها تجعلنا نحيا فى حياة السلام والقوة والفرح والرجاء .
القيامة نبع للسلام ..
شتان بين حالة التلاميذ يوم الجمعة العظيمة وأحد القيامة كان الخوف قد ملأ قلوبهم وتفرقوا يوم الصلب وحتي بعد ان اجتمعوا كانوا في خوف ورعدة ولكن دخل اليهم الرب يسوع وهم في العلية والابواب مغلقة وقال لهم سلام لكم (و لما كانت عشية ذلك اليوم و هو اول الاسبوع و كانت الابواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود جاء يسوع و وقف في الوسط و قال لهم سلام لكم). (يو 20 : 19) . تحول الخوف الي شجاعة ،والضعف الي قوة، والارتباك الي سلام، وجال الرسل يكرزون ببشري السلام الذي صنعة لنا الرب بموته عن خطايانا وقيامته من اجل تبريرنا ان كل من يؤمن بالقيامة مدعوا الي حياة السلام (سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم و لا ترهب). (يو 14 : 27) . ان المسيح القائم هو سلامنا ولن تستطيع اى قوة او تهديد حتى بالموت ان تنزع منا هذا السلام لاننا ابناء القيامة والحياة الإبدية .ان الموت الذى يخافه الناس بقيامة السيد المسيح صار جسر للعبور للإبدية السعيدة . ولنا فى أنشودة القديس بولس الرسول قدوة ومثل { فماذا نقول لهذا ان كان الله معنا فمن علينا. الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لاجلنا اجمعين كيف لا يهبنا ايضا معه كل شيء. من سيشتكي على مختاري الله ، الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام ايضا الذي هو ايضا عن يمين الله الذي ايضا يشفع فينا. من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف.كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. و لكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت و لا حياة و لا ملائكة و لا رؤساء و لا قوات و لا امور حاضرة و لا مستقبلة.و لا علو و لا عمق و لا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا} رو31:8-38.
القيامة مصدر قوة للمؤمنين ...
فلا خوف من قوة الشيطان الذي انتصر علية الرب بصليبة وقيامتة ، ولا خوف من العالم والشر امام قوة القيامة التي اخزت المضطهدين ولا خوف من الموت أمام قوة من قام من بين الاموات ووهب الحياة للذين في القبور(و بقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع و نعمة عظيمة كانت على جميعهم). (اع 4 : 33) نعم نحن الذين أخذنا قوة الروح القدس وثمارة لا نخشي شيئا بل نشهد لمن أحبنا وبذل ذاتة فداءً عنا وسط جيل ملتوي شرير (لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم و تكونون لي شهودا في اورشليم و في كل اليهودية و السامرة و الى اقصى الارض). (اع 1 : 8).لقد أعطانا الرب القائم من الأموات قوة من العلاء { ها انا اعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات و العقارب و كل قوة العدو و لا يضركم شيء} (لو 10 : 19). وها نحن نحيا على رجاء مجئيه الثانى { و حينئذ يبصرون ابن الانسان اتيا في سحاب بقوة كثيرة و مجد} (مر 13 : 26) نحيا شهود للقيامة ونثق فى وعود الرب الحى الى الابد { فللوقت كلمهم يسوع قائلا تشجعوا انا هو لا تخافوا }(مت 14 : 27).
الفرح الروحى ثمرة القيامة المجيدة ..
أمتلأ التلاميذ من الفرح بقيامة الرب من الأموات وهو واهب الفرح . كان قال لهم قبل صلبه (أراكم فتفرح قلوبكم ، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحكم منكم ) وأتم وعده بعد قيامتة المجيدة (ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب) يو 20:20. وأتخذ التلاميذ من الأيمان بالقيامة وأفراحها موضوع كرازتهم ( و ان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا و باطل ايضا ايمانكم.ونوجد نحن أيضا شهود زور لله .ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين.فانه اذ الموت بانسان، بانسان أيضاً قيامةُ الأموات .لأنة كما في أدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع. (1كو 15 : 20،14). حتي عندما تعرض الرسل للسجن او الاضطهاد كانوا يقابلون ذلك بفرح وسلام وقوة .هكذا راينا الرسل بعد ان تعرضوا للضرب امام المقاومين (و اما هم فذهبوا فرحين من امام المجمع لانهم حسبوا مستاهلين ان يهانوا من اجل اسمه (اع 5 : 41).وهكذا يوصينا الأنجيل ان نحيا فرحين برجائنا فى القيامة ( فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة)(رو 12 : 12).
نحيا ثمار القيامة ..
قيامة الرب يسوع من بين الأموات تبث فينا روح الفرح والسلام والقوة والثبات وكما سار ابائنا الرسل علي درب سيدهم مقتدين به علينا أن نعرف المسيح وقوة قيامتة وشركة الآمه . نحن نسير علي ذات الدرب والله قادر ان يقودنا في موكب نصرته لنحيا أيماننا ونشهد له لنكون أبناء وشهودأ للقيامة ،لنكون دعاة سلام وعدل وحرية ونبذل من وقتنا واموالنا وحياتنا في خدمة الجميع .
نعمل على المشاركة الإيجابية والفاعلة والمستمرة فى بناء مجتمع تسوده روح القيامه والفرح والقوة والسلام .إن قيامة السيد المسيح القوية، سكبت فى البشرية قوة القيامة ومنحتها عطايا عجيبة، ما كان ممكناً أن نحصل عليها لولا القيامة { فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله}. (كو 3 : 1).
اذ اقدم لكم احبائنا ارق التهاني بعيد القيامة المجيد فاننى أصلى معكم للذى أبطل الموت وانار لنا الخلود والحياة ان يشرق فينا بشمس بره لنرى ونعاين ونحيا أمجاد القيامة وسلامها وافراحها وقوتها ورجاء الحياة الإبدية .
نصلى من أجل كل نفس لتقوم من سقطاتها وتحيا حياة النصرة على الخطية والشر والفساد وعلى كل أغراءات العالم الشرير حتى ما نعاين أمجاد القيامة وحياة الدهر الاتى .
نصلى من أجل الكنيسة رعاة ورعية لتعيش كنيستنا بمؤمنيها مفاعيل القيامة وأفراحها وليقدس الرب كل المؤمنين به ليكونوا ابناء القيامة والفرح والسلام ونحيا على رجاء حياة الدهر الأتى .
نصلى من أجل بلادنا لتقوم من كل كبوة وتنجح بقوة القيامة فى عبور أيامها الصعبة لتصل بمواطنيها الى حياة العدل والمساواة والرخاء والحرية . ليحيا كل مواطن أنسانيته وكرامته ولنساهم جميعا فى خلق مجتمع حر وديمقراطى يأمن فيه الناس على حياتهم ومستقبلهم .
المسيح قام ... بالحقيقة قام
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
16 فبراير 2021
القيم الروحية فى حياه وتعاليم السيد المسيح (21) الأمانة
مفهموم الأمانة وانواعها ...
+ الأمانة تعنى قول وعمل الحق والصدق مع النفس والغير وعدم الظلم او الغش وهى صفة يتميّز بها الله كصفة من طبيعته {الصانع السماوات والارض والبحر وكل ما فيها الحافظ الامانة الى الابد} (مز 146 : 6). وعلينا ان نستجيب لهذه الامانة { كل سبل الرب رحمة وحق لحافظي عهده وشهاداته} مز 10:25. فيجب علينا ان نراعى الامانة فى علاقتنا بانفسنا وبالله والاخرين {اتكل على الرب وافعل الخير اسكن الارض وارع الامانة} (مز 37 : 3) وتظهر أمانة الله في محافظته على عهوده وتنفيذه لوعوده طوال تاريخ الخلاص، وأمانة الله ثابتة دون تغيير حتى تجاه خيانة الإنسان وحيدانه عن الأمانة، وسيبقى الله أمينا حتى النهاية ومجئيه الثانى للمسيح وحياتنا معه فى السماء {ثم رايت السماء مفتوحة واذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى امينا وصادقا وبالعدل يحكم ويحارب} (رؤ 19 : 11). أمانتنا تنبع من إيماننا السليم بالله وحياتنا كما يليق طبقاً لوصاياه { فاعلم ان الرب الهك هو الله الاله الامين الحافظ العهد والاحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه الى الف جيل (تث 7 : 9). ان الله يكافأ الامناء ويدخلهم الى الملكوت والفرح السمائى {فقال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21) ولهذا يجب ان نكون امناء حتى النهاية {كن امينا الى الموت فساعطيك اكليل الحياة (رؤ 2 : 10). ان صفة الأمانة في الله تجعلنا نثق فيه بالأكثر لأنه لا يتغير فوعوده ثابتة وعهوده لاينقضها، فوعده بالعناية والرعاية ثابت وهذا ليس معناه أننا لا نعاني الضيق أو الألم في هذه الحياة، بل انه بسبب رفقة الله معنا في رحلة الحياة ينهزم الخوف من داخلنا ويذهب عدم الاحساس بالأمان إلى غير رجعة لان الله أمين كراعى صالح لنا { ايضا كنت فتى وقد شخت ولم ار صديقا تخلي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزا} (مز 37 : 25). { لهذا السبب احتمل هذه الامور ايضا لكنني لست اخجل لانني عالم بمن امنت وموقن انه قادر ان يحفظ وديعتي الى ذلك اليوم} (2تي 1 : 12)
+الامانة مطلوبة من الافراد والمؤسسات والنظام .. ان كلمة "الامانة" كلمة تتردد على ألسنة الكثيرين، كلهم يحلفون بالأمانة فهل هم صادقون؟. الامانة تعنى عدم الغش او الظلم ، وان نعطى كل ذى حق حقه بالعدل، هذا شئ يجب ان ينطبق على الافراد وعلى المؤسسات وعلى النظام الحاكم. ان التعدى على حقوق الغير وممتلكاتهم هو ضد الأمانة والضمير. ويجب ان يقر النظام الحاكم باجهزته ويحمي وينفذ الحق والعدل والأمانة وينصف المظلومين بنظام قضائي عادل ونظام تنفيذى قوى يزرع الامانة فى النفوس. فماذا نقول ان كان من يقر ويحمى الحق هو نظام ظالم يمارس التمييز والفساد والتعسف والمحسوبية. ان الامانة من الاخلاق الحميدة التى ترتقى بالناس والامم وكما يقول احد الشعراء: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. يجب ان يقر النظام القائم فى اى دولة الطرق القانونية للحق وانصاف المظلومين، والإ يفقد النظام شرعيته واستمراريته. وليس للمظلومين الا ان ان يصرخوا مطالبين بالانصاف من ظالميهم ويعملوا جاهدين لنل حقوقهم المسلوبة . {ان رايت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الامر لان فوق العالي عاليا يلاحظ والاعلى فوقهما} (جا 5 : 8) {الرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومين} (مز 103 : 6).
+ فى اللغة العربية أَمِنْتُ فأَنا أَمِنٌ، وآمَنْتُ غيري من الأَمْن، والامن ضد الخوف والخيانة والإيمان بمعنى التصديق.. ويناقضة التكذيب. الشخص المؤتمن هو الذى يثق الناس فيه ويتخذونه أميناً وحافظاً لاسرارهم، والشخص الأمين هو الذي يخاف الله ويحيا في محضره، ويسلك قدامه في كل حين باخلاص وعدم غش او كذب او رياء ، الامانة من الصفات الشخصية الهامة كمقياس صحيح للانسان الفاضل أمام الله والناس { فقال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21). الأمانة من أهم الصفات الحميدة فى الانسان ولازمة للجميع ولاسيما الخدام { فقال له بطرس يا رب النا تقول هذا المثل ام للجميع ايضا. فقال الرب فمن هو الوكيل الامين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمه ليعطيهم طعامهم في حينه .طوبى لذلك العبد الذي اذا جاء سيده يجده يفعل هكذا. بالحق اقول لكم انه يقيمه على جميع امواله } لو 41:12-44.
+ الأمانة تعنى عدم السرقة أو الغش.. ليس فى المال فقط بل فى العلاقات والمعاملات { فان لم تكونوا امناء في مال الظلم فمن ياتمنكم على الحق} (لو 16 : 11). {سيف سهم حاد الرجل المجيب قريبه بشهادة زور }(ام 25 : 18). لان من القلب تخرج افكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف (مت 15 : 19). {في معصية الشفتين شرك الشرير اما الصديق فيخرج من الضيق} (ام 12 : 13). وفى التجارة والموازين يجب ان نسلك بالامانة بدون غش { موازين غش مكرهة الرب والوزن الصحيح رضاه }(ام 11 : 1).الامانة ايضا فى الحديث ونقل الاخبار والمعلومات والسير فى صنع الخير والسلام بين الناس وعدم الغش او قول انصاف الحقائق او النقل غير الامين للاحداث والشائعات او ترويجها .
+ الامانة ايضا تنطبق على أمانتنا فى مال للغير والممتلكات العامة.. لهذا يدعونا الإنجيل الى الامانة فيما للغير{ وان لم تكونوا امناء في ما هو للغير فمن يعطيكم ما هو لكم} (لو 16 : 12). يجب ان نحافظ على اعراض الناس وممتلكاتهم وسمعتهم ولا نشوه صورة أحد . نحافظ على نظافة شوارعنا والحدائق العامة ، وعلى النظام العام والممتلكات العامة ونرتقى بانفسنا وبلادنا وهذا هو سر التقدم فى الدول المقدمة. ترى الناس تتطوع لنظافة الشوارع والحدائق ولايمكن ان تجد من يلقى بفضلاته من سيارته أو من بيته فى الشارع انه الذوق العام والأمانة حتى بدون وجود اى رقيب لا يتخطى احد غيره فى دوره فى طابور ولا يخالف اشارة مرور. الحضارة ليس كتب تاريخ ولا مبانى معمارية فخمة ولا كلمات نتشدق بها عن الاسلاف، ولا الايمان مجرد مظاهر خارجية نتمسك بها ، انها قيم حضارية ونظام عادل، ومراعاة لما للغير وللملكة العامة والخاصة فالامانة تنشأ ثقة والثقة تنشأ التزام بالوعود والعهود والعمل بضمير صالح ومرعاة حقوق الغير فنؤتمن على تقدم مجتمعنا ورقى أنسانيتنا وتقدم بلادنا.
+ انواع من الأمانة .. فالعامل الامين هو الذى يكون مخلص فى عمله ، لايهمل ولا يتغيب باعذار واهية ويقوم باداء وظيفته فى صدق وتدقيق، والطالب الامين هو الذى يجد فى الدراسة والمذاكرة ويتفوق وينجح. والبائع الامين هو الذى لا يغش فى تجارته سواء فى الكيل او الميزان او التعاملات . والامانة الزوجية تقوم على الاخلاص والمحبة والوفاء وعدم الخيانة من الزوجين . والامانة فى الرعاية والخدمة تكون باخلاص الراعى وعمله على خلاص مخدوميه وتقدمهم، والتضحية والبذل فى المسئولية والامانة فى حفظ أسرار الناس وان لا يكون الأنسان مرائياً او غاشا لاحد بل فى حكمة واخلاص يتصرف نحو الجميع { لان فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا اننا في بساطة واخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم} (2كو 1 : 12). كما ان أمانتنا تجاه الله تكون باخلاصنا له فى صلواتنا واصوامنا وكل نواحى عبادتنا ، لا تتسرب محبة غريبة لقلوبنا ولا شهوة خاطئة تهزمنا ولا نتساهل فى تنفيذ وصايا الله من جهة حفظ وصاياه ونلتزم بالامانة من جهة يوم الرب والعشور والنذور ولا نبرر الاخطاء ونلتمس الاعزار لانفسنا .
الأمانة فى حياة وتعاليم السيد المسيح ..
+ الله هو الامين والصادق.. { الرب صخر الدهور} (اش 26 : 4) يشير هذا التشبيه إلى أمانته التي لا تتزعزع، وصدق كلماته وصلابة مواعيده. تبقى كلمات إلى الأبد (اش: 8)، وهو يفي بمواعيده (طو14: 4). لا يكذب الله ولا يندم (عد 23: 19). وينفّذ مقصده (اشعيا 25: 1) كلمته ثابته الى الابد، فلا ترجع إلا بعد أن تنجح فما أرسلها له { ليترك الشرير طريقه ورجل الاثم افكاره وليتب الى الرب فيرحمه والى الهنا لانه يكثر الغفران. لان افكاري ليست افكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب.لانه كما علت السماوات عن الارض هكذا علت طرقي عن طرقكم وافكاري عن افكاركم.لانه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان الى هناك بل يرويان الارض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعا للزارع و خبزا للاكل. هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع الي فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما ارسلتها له} اش 7:55-11 . الله لا يتغّير (ملا 3: 6). ولذا فهو يريد أن يتّحد بالنفس البشرية بوثاق الأمانة الكاملة { واخطبك لنفسي الى الابد واخطبك لنفسي بالعدل و الحق والاحسان والمراحم. اخطبك لنفسي بالامانة فتعرفين الرب} (هو 2: 19-20). يجب ان نتضرّع إلى الله الأمين، حتّى نحصل من لدنه على الأمانة (1 مل 8: 56- 58) فنقابل أمانة الله بالامانة معه. الله يردّنا إليه ويقودنا للتوبة من الخيانة ويمنحنا السعادة بأن ينبت من الأرض الأمانة كثمرة لها (مز 85: 5 و 11- 13). الله كما هو كاملٌ في ذاته هو كاملٌ في كل صفاته. وأمانة الله واحدةٌ من أبرز صفاته التي يتوهج كمالها عند المقارنة مع تعثُّر الإنسان في بلوغ الأمانة إلاَّ استناداً إلى عمل نعمته الله فينا وقيادته لنفوسنا فهو {القدوس الأمين}هو 11: 12.وأمانة الله تعني استقامته الكاملة (مز 9: 8)، وصدقه المطلق (رو 3: 4)، والتزامه وثبات وعوده إلى النهاية (2بط 3: 9)، مع دوام محبته (إر 31: 3)، وعدم تراجعه عن كلمته (تك 18: 14)، وحُكْمه بالحق والعدل (مز 9: 8) انه إله أمانة لا جور فيه (تث 32: 4).
راينا امانة الله مع الاباء .. قديما فى وعوده وعهوده مع آبونا ادم وامنا حواء بان نسل المرأة يسحق راس الحية الامر الذى نفذه الله فى ملء الزمان . وراينا وعد الله مع ابو الاباء ابراهيم بانه بنسله تتبارك جميع امم الارض وهذا ما يشهد عنه إبراهيم الذي وعده الله بابن في شيخوخته، وقد تأنى الله عليه حتى ظن أن الله قد نسيه ونسي وعده، فقرر أن يساعد الله في تحقيق وعده فتزوج من هاجر. لقد انتظر الله حتى فقد إبراهيم كل رجاء وفقدت سارة كل قدرة على إنشاء نسل فأصبحت المعجزة مؤكدة ولاتحتمل الشك أو التفسير الخاطئ. وفى فترة الانتظار كان الله يؤكد لإبراهيم حفظه لوعده وعهده وأمانته.
أيضاً وعد الله أن يأتي المسيح الى عالمنا لكي يخلص الإنسان، وبعد آلاف السنين تحقق الوعد. كما وعد الله أن يسكب من روحه على كل بشر في نبؤة يوئيل النبي وهذا ماحدث مع الرسل في يوم الخمسين. فالله أمين ينفذ ويحقق ما قد تكلم عنه ووعد به. كان الله امينا مع موسى النبى وقاده ليقود الشعب ويخلص الشعب من العبودية، وراينا امانة الله مع داود النبى الذى مسحه صموئيل بامر الرب ملكا وبقى سنين كثيرة لكن تمم الله معه وعوده. وهكذا راينا امانته الله مع ابائنا انطونيوس واثناسيوس ومقاريوس وباخوميوس وكيرلس الكبير وفى كل جيل يبقى الله امينا {ان كنا غير امناء فهو يبقى امينا لن يقدر ان ينكر نفسه (2تي 2 : 13).
+هو الطريق والحق والحياة فهو الطريق الى السماء والحق الذى يقودنا الى الحياة الابدية { قال لهم يسوع انا هو الطريق والحق والحياة ليس احد ياتي الى الاب الا بي} (يو 14 : 6). { الحق الحق اقول لكم ان من يسمع كلامي ويؤمن بالذي ارسلني فله حياة ابدية ولا ياتي الى دينونة بل قد انتقل من الموت الى الحياة} (يو 5 : 24) جاء السيد المسيح متمماً مضمون الكتاب المقدس وعمل أبيه الصالح {وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث. وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم} لو 44:24-47. فى السيد المسيح تحققت جميع مواعيد الله { لان مهما كانت مواعيد الله فهو فيه النعم وفيه الامين لمجد الله بواسطتنا. ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح و قد مسحنا هو الله. الذي ختمنا ايضا واعطى عربون الروح في قلوبنا}.(2 كو: 19-21). وبه يحصل المختارون على الخلاص والمجد { ثم رايت السماء مفتوحة واذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى امينا وصادقا وبالعدل يحكم ويحارب. وعيناه كلهيب نار وعلى راسه تيجان كثيرة وله اسم مكتوب ليس احد يعرفه الا هو. وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله} رؤ 11:19-13. بالايمان بالمسيح صرنا مدعوّين من الآب للدخول معه في الشركةْ. وبه يثبت المؤمنون ويصيرون أمناء تجاه دعوتهم إلى النهاية (1 كو 1: 8-9). ففي المسيح إذاً ، تظهر أمانة الله فى كمالها (1 تس 5: 23- 24) ويتأيد المؤمن (2 تس 3: 3- 5): فلا رجعة في هباتْ الله (رو 1: 29). ولا بدّ من الاقتداء بأمانة المسيح بثباتنا حتّى الموت، والاعتماد على أمانته، لنحيا ونملك معه (2 تيم 2: 11- 12). انّه هو هو بالأمس واليوم والى الأبد (عبر 13: 8). هو الحبر الرحيم الأمين (عبر 2: 17) الذي يمكننا من التقدّم بثقة إلى عرش النعمة (عبر 4: 14- 16. فكل الذين باعتمادهم على أمانة الوعد الإلهي. يحتفظون بإيمان ورجاء، لا يتزعزعان (عبر 10: 23).
+ أمانة الله في خلاصنا.. التجسد الإلهي هو قمة الأمانة لأجل خلاص جنس البشر واعلان عن المحبة الالهية التى تنبأ عنها الانبياء قديما { ولكن يعطيكم السيد نفسه اية ها العذراء تحبل و تلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل} أش 14:7. { فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع ايضا. الذي اذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله. لكنه اخلى نفسه اخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس.واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب}(في 2:5- 8)، وقبوله بكل تبعات الخلاص بحمل خطايانا وهو البار والقدوس . احتمل من أجل الأَثَمَة ، التعيير والإهانة والآلام بأنواعها، وخيانة الأصدقاء المحبوبين، وفي النهاية مضى صامتاً كشاةٍ تُساق إلى الذبح (إش 53: 7). فهو من أجل أمانته الكثيرة حقَّق خلاصنا {رئيس كهنة أميناً في ما لله ، حتى يُكفِّر خطايا الشعب} (عب 2: 17). { من ثم ايها الاخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية لاحظوا رسول اعترافنا ورئيس كهنته المسيح يسوع} (عب 3 : 1). كما انه امين في وعوده وصدق كلمته هي ضمان خلاصنا ونوالنا الحياة الأبدية (يو 3: 16). هو أمين فى رفقته ووجوده معنا كل الأيام إلى انقضاء الدهر (مت 28: 20)، واستجابته لطلباتنا (مت 7: 8،7)، وسد كل أعوازنا (مز 23: 1)، وأيضاً سلامنا وراحة قلبنا . فنعلم يقينا اننا فى ايدي امينة وان التجارب والضيقات تذيدنا قوة وصلابه وبها نتنقى ونؤهل للملكوت السمائى ونحصل على اكاليل النصرة والغلبة .
+ أمانة الله في غفرانه... لقد جاء السيد المسيح يدعونا للتوبة لمغفرة الخطايا {ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل (مر1 : 15) .لقد جاء السيد المسيح ليطلب ويخلص ما قد هلك. وحتى لمن نظن انهم هالكين فيه رجاء { فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك } لو 19: 9-10. ورغم كراهية الله للخطية فإنه اظهر كل رحمة وقبول وإشفاق على مَن تعامل معهم من الخطاة مهما كانت خطيتهم. فهو لم يتحفَّظ من لقاء المرأة الخاطئة المعروفة في المدينة، بل امتدح محبتها الكثيرة مقابل ضيافة الفرِّيسي الفقيرة له، وأعلن غفرانه خطاياها الكثيرة وأن تمضي بسلام .لو 7: 31-50. وقف إلى جانب المرأة التي أُمسِكَت في زنا، وواجه مَن أدانوها بخطيتهم وأجبرهم على الانسحاب بعد أن ألقوا بحجارتهم وقد سقطت حجتهم، وفي انكسارها وجدت المرأة أمامها مَن ينهضها من ظلمة حياتها، ويردُّ إليها كرامتها وبراءتها الأولى قائلاً لها{ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تُخطئي أيضا } يو 8: 1-11.فأيُّ فرحٍ صار للعالم ولكل الخطاة من دوام أمانة الله وبقائه عند وعده في الغفران للخطاة مهما عظمت خطاياهم، ومهما تأخرت توبتهم حتى ساعة موتهم،هكذا فعل مع الصليب اليمين الذى صرخ قائلا : اذكرينى يارب متى جئت فى ملكوتك فقال له المخلص الصالح اليوم تكون معى فى الفردوس. انه يُنادينا اليوم وغداً {ليترك الشرير طريقه، ورجل الإثم أفكاره، وليتُب إلى الرب، فيرحمه؛ وإلى إلهنا، لأنه يُكثر الغفران}إش 55: 7. موقف الله منَّا هو موقف الأب في مَثَل الابن الضال الذي ظل ينتظر عودة ابنه وإذ لم يزل بعيداً رآه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبَّله . لو 15: 20 . فبتوبة الخاطئ وعدم رجوعه للخطية ينتهي اللوم والمؤاخذة والعقاب، ويصير فرح فى السماء . أمانة الله هي رجاؤنا وقت التجارب مهما اشتدَّت فلا نضطرب بل نثق انه معنا كل الايام والى أنقضاء الدهر { وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وافكاركم في المسيح يسوع} (في 4 : 7).ولنثق ان مسيحنا القدوس خرج غالباً ولكى يغلب بنا وفينا من اجل خلاصنا ونثق فى صدق وعوده { وهذا هو الوعد الذي وعدنا هو به الحياة الابدية} (1يو 2 : 25).
مجالات الأمانة ....
+ امانتنا تجاه الله ... يطالب الله شعبه بالأمانة للعهد معه وعلينا أن نحفظ الامانة مع الله فالعديم الأمانة تجاه الله، هو أيضاً غير أمين نحو الناس ولا يمكن لاحد الاعتماد عليه وتكفي تسمية (المؤمنين) للدلالة على الايمان بالله والثقة فيه وفى صفاته ووعوده والسير ورائه الله يدعونا للايمان به والثبات فيه {فقال يسوع لليهود الذين امنوا به انكم ان ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي} (يو 8 : 31) {ما دام لكم النور امنوا بالنور لتصيروا ابناء النور }(يو12:36). وتتضمن هذه التسمية بلا شكّ فضيلتي الإخلاص والصدق اللتين لابدّ للمسيحيين من أن يحرصوا على ممارستهما (في 4: 8)، كما أنها تعبّر أيضاً عن هذه الأمانة المسيحية التي يوليها السيد المسيح مكاناً مرموقاً بين الوصايا التي يجب مراعاتها (مت 23: 23). وهي تميز من يقودهم الروح (غلا5: 22)، ولا سيما الكهنة والخدام الذين هم وكلاء أسرار الله (لو 12: 42). وتظهر هذه الأمانة في تفاصيل الحياة ( لو 16: 10- 12)، وتهيمن هكذا على الحياة الاجتماعية بأسرها.
+ ان الدافع وراء الامانة هو المحبّة لله والقريب والنفس، فهل نحن ننمو فى محبتنا لله؟ وهل نحن أمناء فيها ونعطيه الاهمية الاولى فى الوقت وفى الصلاة وفى الخدمة ؟ ونحب اخوتنا وانفسنا محبة روحية تبنيهم وتسعى لخلاصهم وتظهر لهم حنان وشفقة وحب الله ؟. فلنحاسب انفسنا على ضوء صفات المحبة كما ذكرها الكتاب المقدس{ المحبة تتانى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء. ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق.وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط ابدا} 1كو 4:13-8
+ نحن نحتاج الى الثبات فى المسيح بصبر حتى النفس الاخير فى زمن الضيق والحرب الروحية التى توجه ضد الكنيسة وابنائها ونكون امناء نشجع بعضنا بعضا ونقوى صغار النفوس {ان ثبتم في و ثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم. بهذا يتمجد ابي ان تاتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي.كما احبني الاب كذلك احببتكم انا اثبتوا في محبتي.ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي و اثبت في محبته} يو 7:15-10. ويوكد القديس يوحنا الإنجيلى بأمانة هذا التعليم إلى ابنائه الروحيين ويدعوهم إلى أن {يسلكوا سبل الحق} أي وفقاً لوصية المحبّة المتبادلة فالمحبة هى تتأكد بحفظ وصايا الله . هنا يظهر صبر القديسين { هنا صبر القديسين وايمانهم} (رؤ 13 : 10) .{هنا صبر القديسين هنا الذين يحفظون وصايا الله وايمان يسوع }(رؤ 14 : 12)
+ لقد حدَّثنا السيد المسيح عن ضرورة الأمانة في الأشواق في انتظار العريس. في مَثَل العشر العذارى (مت 25: 1 - 13). تنتظر النفس البشرية مجئ الرب او انطلاقها اليه بشوق ومحبة . ان كنا نلقبه بالسيد فعلينا ان ننتظره بأمانة واجتهاد العبيد الأمناء الحكماء. وفى مثل الوزنات (مت 14:25-30 ). راينا الله يحدثنا عن ضرورة الأمانة فى الخدمة بالوزنات المعطاة لنا من الله سواء طبيعية او ما نكتسبها بالجهاد والنعمة فيجب ان نتاجر ونربح لحساب الملكوت . وفي مَثَل الأمناء ( لو 19: 12 - 27).حدَّثنا عن ضرورة الأمانة للرب في العيشة والسلوك كما يحق لإنجيل المسيح. {فقط عيشوا كمايحق لانجيل المسيح حتى اذا جئت ورايتكم او كنت غائبا اسمع اموركم انكم تثبتون في روح واحد مجاهدين معا بنفس واحدة لايمان الانجيل }(في 1 : 27). وهذا نفس ما طلبه الرب قديما من الشعب بالانبياء { فالان يا اسرائيل ماذا يطلب منك الرب الهك الا ان تتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك. وتحفظ وصايا الرب وفرائضه التي انا اوصيك بها اليوم لخيرك} تث 12:10-13.
أمانتنا مع النفس ... لابد ان نكون صادقين مع انفسنا { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه} (مت 16 : 26).وهذا سينعكس بالايجاب على علاقتنا بالله والناس . لابد ان نجلس مع نفوسنا ونحاسبها ونعتبها ونقومها لما فيه خيرنا وابديتنا ونمو روحياتنا وصدق محبتنا الطاهرة المقدسة { بل صادقين في المحبة ننمو في كل شيء الى ذاك الذي هو الراس المسيح} (اف 4 : 15). ان الابن الضال لم يعرف مدى تعاسته ويقرر الرجوع الى ابيه الا "عندما رجع الى نفسه". وانت لابد ان تحدد اهدافك وماذا تريد ان تكون وثق ان الله يعطيك النجاح والقوة عندما تقوم لتبنى { فاجبتهم و قلت لهم ان اله السماء يعطينا النجاح و نحن عبيده نقوم و نبني }(نح 2 : 20) لابد ان نمارس توبة حقيقة وسريعة وشاملة ومثمرة. وناخذ من الله الوعود بان يعطينا الغلبة بالصلاة والصوم ونحيا فى أمانة فى جهادنا الروحى والله وعندما يرى امانتنا فى الجهاد سيهبنا ثمار ومواهب الروح القدس لناتى بثمر ويدوم ثمرنا. الامانة فى القليل : "كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ" (مت 25: 21، 23). لذلك فان الفضائل عبارة عن سلم عالي، وكل الذي يجب أن تعمله أن تخطو الخطوة الأولى وتتقدم . إن كنت أمين في الخطوة الأولى، يقيمك الله على الخطوة الثانية. ثم الثالثة... إلخ. إلى أن تصل إلى القمة.كن أميناً في حدود إمكانياتك يقيمك الله على إمكانيات أكثر ويعطيك عطايا أكثر حتى تستطيع أن تعمل بها. نحن لا نستخدم من امكانياتنا وطاقاتنا الا القليل وطاقات كثيرة تتعطل وتموت بعدم الامانة فى تنميتها، اما امانتنا فتجعلنا نستثمر افكارنا وعواطفنا واعمالنا ومواهبنا من أجل بناء النفس والغير وملكوت الله .
لابد ان نحدد اولوياتنا فى المرحلة القادمة وكما تضع الدولة الخطط العشرية والخمسية والسنوية لابد ان نضع خطة ونلتزم بالعمل الروحي فى مرونة يقودها روح الله القدوس .فى العشرة بالله والتأمل فى محبته والصلوات الليتروجية او الصلاة بالاجبية او الصلوات الدائمة او القراءات الروحية والصداقة مع الله .
الامانة على الوزنات المعطاة لنا لنتاجر ونربح بها للملكوت . يقتضى منا استثمار الوقت وعدم أضاعته { مفتدين الوقت لان الايام شريرة} (اف 5 : 16). ولان الوقت مقصر وعلينا ان نتاجر فيه ونربح علينا تحديد اولويتنا فى الحياة العملية والعلمية وفى مجال العلاقات . اننا نعطى معظم الوقت لحل المشكلات الطارئة والازمات ولكن علينا ان نعطى الاهتمام اللازم لتقوية العلاقات القائمة مع الغير وتنمية علاقات جديدة والتخطيط لفتح أفاق جديدة للعمل والابتكار فى حياتنا. كما يقول قداسة البابا شنودة الثالث (ان حياتنا اوقات من يضيع اوقاته يضيع حياته) فلا تضيعوا حياتكم { هذا وانكم عارفون الوقت انها الان ساعة لنستيقظ من النوم فان خلاصنا الان اقرب مما كان حين امنا} (رو 13 : 11). يجب ان نكون أمناء على اموالنا وكيف ننفقها فى حكمة بين متطلبات الحياة المتذايده وخدمة اسرتنا والمحتاجين فلابد ان نكون امناء على عشورنا وبكورنا ونذورنا ولابد ان نتاجر بكل ما لنا من وقت ومال وجهد وعواطف صادقة لنبنى أنفسنا والذين معنا ايضا.
أمانتنا نحو الناس ...
أمانتك نحو بيتك... امانتك تبدأ باهل ببيتك واهتمامنا بروحياتهم وأن يكونوا مقدسين فى الرب وان نعطيهم الوقت المشبع، ان بيتونا يجب ان تكون بيوت صلاة وطهارة وبركة نلتقى فيها حول كلمة المسيح المشبعة ونتحدث فيها مع بعضنا بالاحترام والمحبة فى زمن يعانى فيه الكثيرين من التفرغ فقط لتأمين للقمة العيش ومتطلبات الحياة ويكتشفوا ان البيت يتعثر ويفشل افراده لعدم الاهتمام الروحى والنفسى والاجتماعى والعزلة التى يعانيها افراد الاسرة وحروب الشياطين من داخل ومن خارج متذكرين وصية الله "وَلْتَكُنْ هذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ عَلَى قَلْبِكَ، وَقُصَّهَا عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَتَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ،وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ". تث 6:6-7
الاسرة المسيحية تحتاج ان تبنى على صخرة الايمان والمحبة والتفاهم والحوار البناء والتشجيع المخلص { واما انا وبيتي فنعبد الرب} (يش 24 : 15). نلتقى معا للصلاة وقراءة كلمة الله وتفسيرها ونذهب معا للكنيسة ونشارك معا بروح الوحدة الاسرية حسب قدرتنا فى تقوية علاقتنا باهلنا واصدقائنا مع الاحتفاظ باسرار بيوتنا لانفسنا وعدم القبول بتطفل الاخرين وتدخلهم فى خصوصياتنا .واى مكان نزوره لابد ان ندخل المسيح فيه .ولا تترك ثقوباً في سفينة بيوتنا تغرقها وتسبب الفشل، لا ننام الإ ونحن متصالحين ومتحابين ولا ندع المشاكل تتفاقم في بيوتنا حتى نستطيع ان نحيا وتسير السفينة وتصل بمن فيها الى بر الامان.
الاقرباء والجيران والمجتمع .. ثم من الاسرة ننطلق الى الاقرباء والجيران ومجتمع الدراسة او العمل . الامانة تقتضى منا ان نكون مخلصين واوفياء وامناء فى مجتمعنا ورغم ما يعانية الانسان الامين من صراعات وضغوط الحياة ومؤامرات الاشرار لكن الذى من الله يثبت والمؤمن كنور لابد ان ينتشر ويهزم الظلام والملح يعطي طعاما جيدا للطعام كما المؤمن ضرورة لمجتمعه {انتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس.انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجا و يضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} مت 13:5-16 . المؤمن الامين ضرورة وقدوة وسلوكة وصداقاته تنمو وتمتد فهو رائحة المسيح الذكية وفى كل حين يقول مع القديس بولس الرسول { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان.لاننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون.لهؤلاء رائحة موت لموت ولاولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الامور. لاننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله لكن كما من اخلاص بل كما من الله نتكلم امام الله في المسيح} 2كو14:2-17.
امانتنا نحو الغير تظهر فى قدوتنا الحسنة فى التعامل بالاحترام والمحبة مع الجميع مسيحيين وغير مسيحيين . نحترم الجميع ونقبلهم ونتعاون معهم فى حكمة روحية ونبتعد عن المجادلات الغبية التى تولد خصومات { اما الشهوات الشبابية فاهرب منها واتبع البر والايمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي. والمباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها عالما انها تولد خصومات. وعبد الرب لا يجب ان يخاصم بل يكون مترفقا بالجميع صالحا للتعليم صبورا على المشقات} 2تيم 22:2-24.وعلينا ان نقابل الاساءة بالاحسان كما امرنا الكتاب وان نتصرف بحكمة ولياقة وفى جو من الاحترام والقبول والتعاون مع الجميع { لاتجازوا احدا عن شر بشر معتنين بامور حسنة قدام جميع الناس} (رو 12 : 17). {معتنين بامور حسنة ليس قدام الرب فقط بل قدام الناس ايضا} (2كو 8 : 21). اننا اذا طبقنا عين بعين وسن بسن لاصبح العالم كله عميان وبلا اسنان فمبارك هو الذى قال { لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير } رو 21:12. لذلك فهناك مبادئ للتعامل مع الزميل والصديق وشركاء الوطن، بحيث نعرف كيف نتعامل بالمحبة والتعاون والمشاركة مع كل فئة، مع تمسكنا بايماننا واخلاقنا الفاضلة وباختيار حسن للاصدقاء لنساعد بعضنا بعض فى طريق الخلاص ونبنى نفوسنا ونفوس الاخرين ولا نكون عثرة لاحد .
وفى التعامل مع الميديا والنت والدش نحتاج أن نلتزم بمبادئ مسيحية فى التعامل مع الميديا وبالذات الإنترنت، حيث يضع لنا الكتاب حدود فى التعامل ( ليس كل الاشياء تبنى او توافق ولا يتسلط علينا شئ). لهذا فالإنسان المسيحى يلتزم بأن يختار ما يناسبه ويرفض ما لا يتماشى من اخلاقه وروحياته بحسب المبادئ السابقة، البرامج والكتب والمشاهد والافلام والموقع والشات التى تكون بطريقة تبنى حياتنا دون أن ندمن هذه الوسائل، أو نجعلها تنحرف بنا عن طريق القداسة . نحرص على ان نندمج فى الحياة الكنسية والأنشطة البناءة حتى ننشغل بما يبنيا ونرفض ما يهدمنا، عملاً بقول الإنجيل {امْتَحِنُوا كُلَّ شَىْءٍ، تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ} (1تس 21:5).
رسالتك فى الحياة .. للقديس يوحنا ذهبى الفم
تاجروا في الوزنات.. لقد وُبخ الله الرجل الذي دفن الوزنة، إذ لم يجاهد لأجل تغيير إنسان شرير. وبهذا صار هو شريرًا، لأنه لم يضاعف ما قد عهد إليه به، لهذا استوجب العقاب. فلا يكفي لخلاصنا أن نكون غيورين مشتاقين إلى سماع الكتب المقدسة، إنما يلزمنا مضاعفة الوديعة. فمع اهتمامنا بخلاصنا الخاص بنا نتعهد أيضًا بما هو لخير الآخرين. لقد قال الرجل المذكور في المثل "هوذا الذي لك" (مت 25: 25)، لكن هذا الدفاع لم يقبل، إذ قيل له "فكان ينبغي أن تضع فضتي عند الصيارفة". أرجوكم أن تلاحظوا كيف أن وصايا السيد سهلة، فالبشر يسألون المقرضين إيفاء الدين (ولا يبالون بشخص المقترض).. لكن الله لا يفعل هذا، إنما يأمرنا أن نأخذ الوديعة ولا يحاسبنا عليها بقصد استردادها. إنما يستجوبنا بخصوصها دون أن يطلبها منا. أي شيءٍ أسهل من هذا؟! ومع ذلك يلقب العبد، سيده الوديع الرحيم قاسيًا. لأن هذه هي عادة الإنسان الجاحد الكسلان يخفي خجله من أخطائه بنسبها إلى سيده. لهذا ألقى خارجًا في قيود الظلمة الخارجية فلكي لا نسقط تحت العقاب، يلزمنا أن نودع تعاليمنا لدى إخوتنا، سواء كانوا يقبلونها أو يرفضونها. فإنهم إن قبلوها ينتفعون ونحن نربح معهم. وإن رفضوها يسقطون تحت العقاب غير المحتمل دون أن يصيبنا نحن أي ضرر. إذ نكون قد صنعنا ما يجب علينا من جهة تقديم النصيحة. لكنني أخشى أن يبقوا على حالهم بسبب تراخيكم وإهمالكم.
لا تيأسوا من خلاص أحد ...
إن مداومة النصيحة والتعليم تجعل الإنسان مجتهدًا وتصيره إلى حال أفضل، وفي هذا أقتبس المثل العام الذي يؤكد هذه الحقيقة، وهو أن "قطرات الماء المتواترة تشقق الصخر". أي شيء ألين من الماء؟! وأي شيءٍ أصلب من الصخر؟! ومع هذا موالاة العمل باستمرار يغلب الطبيعة. فإن كان هذا بالنسبة للطبيعة، أفليس بالأولى تغلب الطبيعة البشرية؟!...
أنتم نور العالم.. لديكم إمكانية عظمي بخصوص إخوتكم. فإنكم مسئولون إن كنتم لا تنصحوهم، وتصدون عنهم الشر، وتجذبونهم إلى هنا بقوة، وتسحبونهم من تراخيهم الشديد. لأنه ماذا يليق بالإنسان أن يكون نافعًا لنفسه وحده، بل ولكثيرين أيضًا. ولقد أوضح السيد المسيح ذلك عندما دعانا "ملحًا" (مت 5: 13)، و"خميرة" (مت 13: 33)، و "نورًا" (مت 5: 14)، لأن هذه الأشياء مفيدة للغير ونافعة لهم. فالمصباح لا يضيء لذاته، بل للجالسين في الظلمة. وأنت مصباح، لا لتتمتع بالنور وحدك، إنما لترد إنسانًا ضل، لأنه أي نفع لمسيحي لا يفيد غيره؟! ولا يرد أحدًا إلي الفضيلة؟! مرة أخرى، الملح لا يُصلح نفسه، بل يصلح اللحم لئلا يفسد ويهلك... هكذا جعلك الله ملحًا روحيًا، لتربط الأعضاء الفاسدة أي الإخوة المتكاسلين المتراخين، وتشددهم وتنقذهم من الكسل كما من الفساد، وتربطهم مع بقية جسد الكنيسة.
وهذا هو السبب الذي لأجله دعانا الرب "خميرًا"، لأن الخميرة أيضًا لا تخمر ذاتها، لكن بالرغم من صغرها فإنها تخمر العجين كله مهما بلغ حجمه. هكذا افعلوا أنتم أيضًا. فإنكم وإن كنتم قليلين من جهة العدد، لكن كونوا كثيرين وأقوياء في الإيمان والغيرة نحو الله. وكما أن الخميرة ليست ضعيفة بالنسبة لصغرها، إذ لها قوة وإمكانية من جهة طبيعتها... هكذا يمكنكم إن أردتم أن تجتذبوا أعدادًا أكثر منكم ويكون لهم نفس المستوى من جهة الغيرة.
ادعوا الجميع
إن ملاحظاتي هذه ليست موجهة بالأكثر إليكم يا من تتقدمون بهم، وتقيمونهم من كسلهم، وتأتون بهم إلى مائدة الخلاص هذه. حقًا إن العبيد عندما يقومون ببعض الخدم العامة يستدعون زملاءهم العبيد، أما أنتم فعندما تذهبون لتجتمعوا في الخدمة الروحية تحرمون زملاءكم من بركاتها بسبب إهمالكم.تقولون " وماذا نعمل إن كانوا لا يرغبون في المجيء؟" اجعلوهم يرغبون بلجاجتكم الدائمة، فمتى رأوكم مصرون على هذا يرغبون هم أيضًا. إنها مجرد أعذار تقدمونها. فكم من آباء يجلسون ههنا ولا يرافقهم أولادهم؟ هل من الصعب أيضًا أن تأتوا ببعض من أولادكم؟! ليشجع كل واحد غيره، ويحثه على الحضور. فالأب يشجع ابنه، والابن أباه، والأزواج زوجاتهم، والزوجات أزواجهن، والسيد عبده، والصديق صديقه، وبالحري ليس فقط أصدقاءه بل وأعداءه أيضًا. داعيًا إياهم لينلهوا من الكنز المقدم لخير الجميع. فإن رأى العدو اهتمامك بما هو لخيره فسينزع عنه بغضته لك .
اجذبوهم بالعمل لا بالكلام
السماع لا يفيد شيئًا ما لم يصحبه التنفيذ، بل يجعل دينونتنا أشد. أسمع ما يقوله السيد المسيح "لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية. وأما الأن فليس لهم عذر في خطيتهم" (يو 15: 22) ويقول الرسول "لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله" (رو 12: 13). هذا قيل من أجل السامعين، ولكن أراد الرب أن يعلم المعلمين أنهم لا ينتفعون من تعليمهم شيئًا ما لم تنطبق تعاليمهم مع سلوكهم، وكلماتهم مع حياتهم... إذ يقول النبي "وللشرير قال الله مالك تحدث بفرائضي وتحمل عهدي على فمك وأنت قد أبغضت التعليم" (مز 49: 16-17) ويقول الرسول "وتثق إنك قائد للعميان ونور للذين في الظلمة ومهذب للأغبياء ومعلم للأطفال ولك صورة العلم والحق في الناموس. فأنت إذًا الذي تعلم غيرك ألست تعلم نفسك؟!" (رو 2: 19-21)...لهذا ليت شغفنا لا يكون متزايدًا إلى مجرد الاستماع، فإنه بالحق حسن جدًا أن نقضي وقتنا دائمًا في الاستماع للتعالم الإلهية، لكنها لا تفيدنا شيئًا إن لم ترتبط بالرغبة في الانتفاع منها. من أجل هذا لا تجتمعوا هنا باطلاً. بل لا أكف عن أن أتوسل إليكم بكل غيرة كما كنت أفعل من قبل قائلاً: "تعالوا بإخوتكم إلى هنا. أرشدوا إلى هنا. أرشدوا الضالين. علموهم بالعمل لا بالكلام فقط".هذا هو التعليم ذو السلطان، الذي يأتي خلال سلوكنا وأعمالنا. فإنك و إن كنت لا تنطق بكلمة، لكنك بعد ما تخرج من هنا تعلن للبشر الذين تخلفوا عن الربح الذي اقتنيته ههنا وذلك بواسطة طلعتك ونظراتك وصوتك وكل تصرفاتك. وهذا كافٍ لإرشاد والنصح. يلزمنا أن نخرج من هذا الموضع كما يليق بمكان مقدس، كأناس نازلين من السماء عينيها، وقورين وحكماء، ناطقين وصانعين كل شيءٍ بلياقة.
اجذبوهم بالحب ...
تذكروا ما يقال لكم، حتى عندما تخرجون ويلقى الشيطان يديه عليكم عن طريق الغضب أو المجد الباطل أو أي شهوة أخرى، فإنه بتذكركم ما تعلمتموه هنا تقدرون أن تفلتوا من قبضته الشريرة بسهولة.تطلعوا إلى مدربكم - بولس الطوباوي -الذي بعدما نال نصرات كثيرة، يجلس خارج الحدود – أي هذه الحياة الزمنية - ويصرخ إلينا برسائله. فإذ يرانا في غضبٍ أو مستائين مما يلحقنا من الأضرار يقول: "فإن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فأسقيه" (رو 12: 20).وصية جميلة خاصة بالحكمة الروحية، نافعة لمنفذها وللمستفيدين بها... لاحظوا كيف يحث المتألمين ظلمًا ويشجعهم للمصالحة مع من أساءوا إليهم "فإن قدمت قربانك على المذبح وهناك تذكرت إن لأخيك شيئًا عليك فأترك قربانك قدام المذبح وأذهب أولاً إصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك" (مت 5: 23-24) إنه لم يقل: "اجتمع معه وقدم قربانك" بل اصطلح وقدم قربانك. انظر أيضًا كيف يدفعكم مرة أخرى للذهاب إلى مضايقتكم، بقوله "فإنه إن غفرتم للناس زلاته يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي" (مت 5: 14)، مقدمًا مكافأة عظيمة ليست بهينة. تأملوا هذه الأمور جميعها، واحسبوا قدر المكافأة العظيمة، وتذكروا أن غسل الخطايا يتوقف على غفراننا للمسيئين إلينا. ليت إله السلام والمحبة، الذي ينزع عن أرواحنا كل حنق ومرارة وغضب، يتنازل ويهبنا - بارتباطنا مع بعضنا البعض في وحدة تامة كما ترتبط الأعضاء مع بعضها البعض (أف 4: 16) - أن نقدم له باتفاقٍ واحدٍ وفم واحدٍ وروح واحدٍ تسبيح شكرنا الواجبة له. لأن له المجد والقوة إلى أبد الأبد. آمين.
القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد