المقالات

09 أغسطس 2021

علاقة العذراء مريم بآباء وأنبياء العهد القديم

فى القطعة الثامنة من ثيئوتوكية الأحد تورد الثيئوتوكية ملحمة جميلة من سلامات العذراء مريم وعلاقتها مع آباء وأنبياء العهد القديم الذين اشتهوا أن يروا السيد المسيح – المولود من العذراء مريم – ولم يروه وأن يسمعوا كلمات النعمة الخارجة من فيه ولم يسمعوا ، فماتوا على رجاء الخلاص الذى سيتممه لهم فى ملء الزمان ، حتى جاء المسيح أو المسيا المنتظر مولودا من العذراء مريم وتمم كل نبواتهم وأنعم لهم بالخلاص ومسح دموعهم وحول حزنهم إلى فرح . تخاطب الثيئوتوكية السيدة العذراء قائلة : السلام لك يا مريم خلاص أبينا آدم : بعد أن سقط آدم فى المعصية وأكل من ثمرة الشجرة المنهى عنها ، وتحقق فيه العقاب الإلهى " أنك يوم تأكل منها موتا تموت ( تك 2 : 17 ) لم يتركه الله فى موته أو فى يأسه من الخلاص بل سمع الوعد المبارك بالخلاص من فم الله وهو يخاطب الحية قائلا : " اضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها ، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه ( تك 3 : 15 ) " . ونلاحظ أنه كما تشير النبوة إلى المسيح الذى سيسحق الشيطان تشير أيضا إلى أمه القديسة فهو " نسل المرأة " . " فإذا كنا كلنا نولد من إمرأة ورجل ، وإذا كان آدم قد جاء لا من إمرأة ولا من رجل ، وإذا كانت حواء قد جاءت من رجل بلا إمرأة ، فالمسيح جاء من إمرأة دون رجل " ولذلك دعى " نسل المرأة " . والذى عزى آدم فى محنته أن هذه المرأة التى ستلد المخلص الذى سيسحق رأس الحية ويخلصه من سقطته ستكون من نسله هو ، لأن العذراء مريم هى إبنة آدم مثل كل الناس الموجودين على الأرض . لقد مات آدم مطمئنا بعد سماعه وعد الله بالخلاص ، وفى ملء الزمان جاء المسيح " آدم الثانى " مولودا من إمرأة من بنات آدم ليخلص آدم وبنيه من مصيرهم المرعب ، وفعلا لما مات الرب يسوع على الصليب نزلت روحه إلى الجحيم متحدة بلاهوته وأخرجت آدم الحزين وكل بنيه الذين ماتوا على الرجاء وأدخلتهم إلى الفردوس . وتقول ثيئوتوكية الأثنين فى هذا الموضوع " آدم بينما هو حزين سر الرب أن يرده إلى رئاسته ( القطعة 1 الربع 1 ) ولبش الأثنين يقول : " لأن آدم أبانا الأول بيدى الله الخالق . بمشورة حواء أمنا الأولى أكل آدم من ثمرة الشجرة . فجاء على جنسنا وكل الخليقة سلطان الموت والفساد . ومن قبل مريم والدة الإله أرجع آدم إلى رئاسته مرة أخرى ( أرباع 2 – 5 ) " . وهكذا كما أن ثمرة شجرة معرفة الخير والشر كانت سببا فى سقوط آدم وموته واغترابه من الله أصبح المسيح – ثمرة بطن العذراء مريم – وهو الثمرة المحببة أو عنقود الحياة الذى حملته الكرمة الحقانية مريم بدون غرس ولا سقى ولا تفليح ، أصبح سببا فى خلاص آدم ورجوعه إلى الحياة الأبدية . السلام لك يا مريم تهليل حواء عندما أخطأت حواء وأطاعت الحية وأكلت من الشجرة المنهى عنها ، ورفضت الأعتراف بخطيتها وغوايتها جاء إليها العقاب الإلهى قائلا : " تكثيرا أكثر أتعاب حبلك . بالوجع تلدين أولادا ( تك 3 : 16 ) " هذا إلى جانب طردها مع زوجها من الفردوس وذهابها بعد الموت إلى الجحيم مما أثار أشجانها وحرك حزنها . ولما جاء المسيح الذى هو من نسل المرأة وصنع الفداء العظيم على الصليب وسحق رأس الحية حسب الوعد الإلهى : " وأضع عداوة بينك ( الحية ) وبين المرأة ، وبين نسلك ونسلها ، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه " ( تك 3 : 15 ) . نزل المسيح إلى الجحيم وحول حزن حواء إلى فرح ونقلها مع آدم وجميع الصديقين الذين ماتوا على رجاء إلى فردوس النعيم حيث الفرح والتنعم ، حيث هرب الحزن والكآبة والتنهد . وفى قطعة " تناف " ، وهى مديح القيامة فى التسبحة تقول : " كل الأفراح تليق بك يا والدة الإله لأن من قبلك أرجع آدم إلى الفردوس ونالت حواء الزينة عوض حزنها وأخذت الحرية دفعة أخرى من قبلك والخلاص الدهرى " . وليست حواء – أم العذراء مريم – هى وحدها نالت الفرح والتهليل بل كل جنس النساء ، فيقول لبش الأثنين " لأن من قبلها ( أى من قبل مريم ) وجدت النساء دالة أمام الرب ( ربع 11 ) " . ويحلو لبعض الآباء أن يطلقوا على مريم العذراء لقب " حواء الثانية " . السلام لك يا مريم فرح الأجيال كل الأجيال فرحت ومازالت تفرح بالقديسة مريم ، وفى القطعة السادسة من ثيئوتوكية الخميس تقول : " لأنها مكرمة جدا عند جميع القديسين ورؤساء الآباء لأنها أتت لهم بمن كانوا ينتظرونه " " وكذلك الأنبياء الذين تنبأوا من أجله بأنواع كثيرة وتشبيهات شتى بأنه يأتى ويخلصنا " " والرسل معا لأنها والدة الذى كرزوا به فى كل المسكونة " . " والشهداء المجاهدين لأنه قد خرج منها واضع جهادهم الحقيقى ربنا يسوع المسيح " وما زالت الأجيال وستزال تكرمها وتطوبها مصداقا لقولها : " هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى لأن القدير صنع بى عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه " ( لو 1 : 48 – 50 ) . انها فرح جميع الأجيال : أولا : لأنها ولدت المسيح ابن الله الذى خلص العالم من سلطان الشيطان والخطية والفساد . ثانيا : لجل شفاعتها المقبولة لدى ابنها الحبيب ، والمعجزات الكثيرة التى تعملها للمؤمنين من شفاء أمراض وحل مشاكل وانقاذ من الضيقات ، مما يجعل الناس يفرحون بالعذراء وينذرون لها النذور ويقيمون لها التماجيد فى كل زمان ومكان . السلام لك يا مريم فرح هابيل البار : قدم هابيل للرب قربانا من أبكار غنمه ومن سمانها ، أى قدم ذبائح دموية حيوانية مؤمنا أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ، وشاعرا بإحتياجه الشديد إلى مخلص يكون فى هرق دمه تكفير وغفران وفى موته تبرير وتطهير . ولما رأى الله إيمانه المستقيم وشعوره المتضع قبل ذبيحته " نظر الرب إلى هابيل وإلى قربانه " ( تك 4 : 4 ) ففرح هابيل لما قبل الله ذبيحته . وكما قدم هابيل ذبيحة من أعز ما عنده ، من أبكار غنمه ومن سمانها ، قدمت العذراء مريم ابنها الوحيد الحبيب ذبيحة كفارية عن خلاص العالم كله " فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة " وتنسم الرب رائحة الرضا ، ورفع غضبه وسخطه عن العالم . لما قتل هابيل ظلما ومات طاهرا انتظر مع الأبرار الآخرين مجىء الفادى والمخلص الذى ولد من العذراء مريم ، ثم صلب على الصليب ، ومن هناك نزل إلى الجحيم وأزال حزن هابيل البار من جراء انتظاره الطويل للمخلص ، ثم نقله وكل الأبرار إلى فردوس النعيم مما زاد فرحه وتنعمه ، ويقول الرسول بولس عن خلاص المسيح ودمه المسفوك على الصليب " إلى وسيط العهد الجديد يسوع وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل ( عب 12 : 24 ) " –ودم المسيح أفضل من دم هابيل لأن دم هابيل طلب الأنتقام" صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض ( تك 4 : 10 ) " ، أما دم المسيح فطلب الصفح والغفران " يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ( لو 23 : 34 ) " . السلام لك يا مريم خلاص نوح : نقول فى ذكصولوجية العذراء لرفع بخور باكر " الروح المعزى الذى حل على إبنك فى مياة الأردن كمثال نوح . لأن تلك الحمامة بشرتنا بسلام الله الذى صار للبشر ، وأنت أيضا يا رجائنا اليمامة العقلية أتيت لنا بالرحمة وحملته فى بطنك ، أى يسوع المولود من الآب ولد لنا منك وحرر جنسنا " . ومعنى ذلك أنه كما أن الحمامة حينما أطلقها نوح من الفلك رجعت بعد قليل وفى منقارها غصن رمز السلام والطمأنينة وزوال الخطر بنزوح مياة الطوفان عن الأرض ، مما جعل نوح ينزل من الفلك هو وكل من معه ويقدم للرب ذبائح شكر وسلامة على خلاصه وخلاص أسرته وكل ما كان معه من حيوانات وطيور ، ثم عمر الأرض ونما وكثر . كذلك العذراء مريم الحمامة الحسنة أتت لنا بالرب يسوع المسيح رئيس السلام ، فصنع فى الأرض سلاما وصالح ذرية نوح مع الله خالقهم صانعا الصلح دم صليبه . + نوح بفلكه خلص ثمانى أنفس من الغرق أى هو وأفراد أسرته فقط ، أما العذراء مريم فقد قدمت المسيح فلك النجاة الذى خلص العالم كله من طوفان بحر الخطية وشرورها التى تغرق الناس فى العطب والهلاك . السلام لك يا مريم نعمة إبراهيم : أعطى الله لإبراهيم نعمة الإيمان بغزارة " آمن إبراهيم بالله فحسب له برا " ( رو 4 : 3 ) . كان إيمانه قويا يهزأ بالمستحيلات ويستهين بالمعوقات . لما أمره الله بالخروج من أرضه ومن عشيرته ومن بيت أبيه إلى الأرض التى سيريه إياها " خرج وهو لا يعلم إلى أين يأتى ( عب 11 : 8 ) " ولما وعده الله بميلاد اسحق آمن بوعد الله رغم وجود بعض معطلات الإنجاب لديه ولدى زوجته سارة لشيخوختهما المتأخرة " وإذ لم يكن ضعيفا فى الإيمان لم يعتبر جسده وهو قد صار مماتا إذ كان ابن نحو مائة سنة ، ولا مماتية مستودع سارة ولا بعدم ايمان ارتاب فى وعد الله بل تقوى بالإيمان معطيا مجدا لله ، وتيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضا " ( رو 4 : 19 – 21 ) . ولما أمره الله بتقديم اسحق ابن الموعد ذبيحة لم يعارض بل قام باكرا وبقلب شجاع عزم على تنفيذ أمر الله بحذافيره ، ويقول الرسول : " بالإيمان قدم إبراهيم اسحق وهو مجرب ، قدم الذى قبل المواعيد ، وحيده الذى قيل له أنه بإسحق يدعى لك نسل إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من بين الأموات " ( عب 11 : 17 – 19 ) . هكذا كان إيمان العذراء القديسة مريم . كان إيمانها بسيطا وقويا . بشرها الملاك بأنها ستحبل وتلد إبنا دون أن تتزوج أو تعرف رجلا ، ورغم غرابة الخبر استفسرت من الملاك استفسارا بسيطا قائلة " كيف يكون لى هذا وأنا لست أعرف رجلا "( لو 1 : 34 ) ولما عرفت أن هذه مشيئة الرب وتدبيره خضعت بإيمان واتضاع قائلة " هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك " ( لو 1 : 38 ) . لما أمر الملاك يوسف بأن يأخذ الصبى وأمه ويهرب إلى مصر أطاعت فى اتضاع وتسليم ، ولما أمرها الملاك بالرجوع إلى فلسطين فعلت نفس الشىء . كانت العذراء من نسل إبراهيم ، وكانت نسلا صالحا ، والنسل الصالح يكون سبب نعمة لآبائه وسبب فرح وسرور لهم حسب قول الحكيم فى الأمثال ( أم 10 : 1 ) ، فالعذراء مريم كانت سبب نعمة وفرح لأبيها ابراهيم ، وسبب اكرام وتبجيل له على مدى الأيام فنقول فى القطع المعقب العربى فى عشيات شهر كيهك هذا المرد الذى يتكرر فى كل قطعة : " السلام لك ثم السلام لك ونسألك يا أم المحبوب أن تحظينا فى مظال آبائك إبراهيم واسحق ويعقوب " . الرب يسوع ابن العذراء مريم أخرج ابراهيم من الجحيم ونقله إلى الفردوس وجعل حضنه مكان راحة وتعزية لكل المؤمنين الراحلين ، فتقول الكنيسة فى صلواتها على المنتقلين : " نيح نفوسهم جميعا فى حضن آبائنا القديسين ابراهيم واسحق ويعقوب " . السلام لك يا مريم خلاص اسحق القديس : + حملت سارة اسحق ابن الموعد وهى عجوز سنها 90 سنة بعد أن مات مستودعها ( رحمها ) وانقطعت عنها عادة النساء ، ويقول الرسول فى ذلك " وإذ لم يكن ( ابراهيم ) ضعيفا فى الإيمان لم يعتبر جسده إذ صار مماتا اذ كان ابن نحو مائة سنة ولا مماتية مستودع سارة ، ولا بعدم ايمان ارتاب فى وعد الله بل تقوى بالأيمان معطيا مجدا لله وتيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضا " ( رو 4 : 19 – 21 ) . هكذا حملت العذراء مريم المسيح ابن الله بطريقة إلهية فى مستودعها الصغير البكر دون أن تتزوج أو تعرف رجلا ، وكلاهما طرقتان للحمل تمجدان الله وتشهدان بقدرته الفائقة وتدبيره العالى حقا يارب " ما أبعد أحكامك عن الفحص وطرقك عن الأستقصاء " . + عندما ولدت سارة اسحق وأصبحت أما لأبن الموعد فرحت وابتهجت قائلة : " قد صنع الله إلى ضحكا ، كل من يسمع يضحك لى ، ودعت اسمه اسحق أى ضحك " . هكذا العذراء مريم عندما حملت بالمسيح كلمة الله وتأكدت أنها أصبحت أما للمسيا المنتظر الموعود به لخلاص الله ، والذى كانت كل فتاة يهودية تتمنى أن تكون أما للمسيا المنتظر ، عندما تأكدت من ذلك فرحت وابتهجت وطفقت تسبح الرب قائلة : " تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى لأن القدير صنع بى عظائم واسمه قدوس " ( لو 1 : 46 – 49 ) " . + بناء على أمر الله أخذ ابراهيم ابنه الشاب اسحق وذهب به إلى جبل المريا ، وهناك أوثقه ووضعه على المذبح وهم بذبحه ، وهنا تدخل الله وناداه قائلا " لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا . فرفع ابراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا فى الغابة بقرنيه . فذهب ابراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن إبنه " ( تك 22 : 12 ، 13 ) " لم يذكر الكتاب من أين أتى الكبش ولا كيف أمسك فى الشجرة بقرنيه ، ونحن نعتقد أنه بمعجزة إلهية أخرجت الشجرة – على غير طبع الأشجار – هذا الكبش الذى أصعده إبراهيم محرقة بدلا عن ابنه اسحق . والذى يؤيد نظرتنا هذه أن الكتاب لم يقل أن الكبش كان موثقا أو مربوطا فى الشجرة بقرنيه كأن يكون مربوطا بحبل أو غيره ، ولكنه قال أن الكبش كان ممسكا فى الشجرة بقرنيه ، أى أن قرنيه كانا ممسوكين فى الشجرة أو ملتصقين بها . وكما أخرجت الشجرة الكبش على غير الناموس الطبيعى للأشجار ، هكذا العذراء مريم ولدت السيد المسيح له المجد بتدبير إلهى وسر لا يدركه العقل ، ولدته وهى عذراء بدون زرع بشر وذلك على غير طبيعة النساء ، وكما قدم إبراهيم ذلك الخروف محرقة وفداء عن إبنه هكذا أصعد المسيح ذاته على مذبح الصليب ذبيحة محرقة عن جنس البشر وصنع على الصليب فداء عظيما كحمل الله الذى يحمل خطية العالم كله . وللحديث بقية [ منقول من كتاب روحانية التسبحة – ج 7 – للقمص بقنتيوس السريانى ]
المزيد
15 يناير 2022

«فولدت ابنها البكر» (لو2: 7)

نصت شريعة العهد القديم على تقديس الابن البكر، حسب قول الرب: «قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي» (خر13: 2)، وكانت البكورية صفة لمن يحملها مثل «نَادَابُ البِكْرُ» (عد3: 2). فالمولود الأول يُكرَّس لله، قبل أن يُعرَف إذا ما كان له إخوة بعده أم لا. أيضًا أبكار الحصاد والكروم والزيت (خر13؛ لا23: 10-14؛ 27: 26-29؛ عد15: 19-21؛ 18: 13-20؛ 19: 23)، فبتقديم البكر للرب يتقدس الكل. لقد دعا الله في حديثه مع موسى، إسرائيل: «ابْنِي الْبِكْرُ» (خر4: 22)، وأطلق على جماعة المفديين المقدسيين اسم «َكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ» (عب12: 23).التعبير اليونانيّ prwtotokoj من الكلمات الخاصة بالترجمة السبعينية للعهد القديم، إذ أنها لم تَرِد في أية نصوص يونانيّة قبلها، وقد وردت فيها حوالي130 مرة بمعنى [الابن البكر، أو الابن المولود أولًا]. وهذه الكلمة هي ترجمة للكلمة العبرية "بوكير" ومعناها "بكر" وذلك عندما تأتي لتصف بكر الإنسان أو الحيوان، وفي الجمع ”بكوريم“ ومعناها ”أبكار“ عندما تصف أبكار المزروعات.المسيح الهنا باكورة الجميع، قد وُلد من العذراء بالروح القدس، لكي يكون متقدمًا بين الجميع «بكر كل خليقة» (كو1: 15)، ليس بمفهوم أنه واحد من الخليقة، أو الأول بين إخوة عديدين، فهو المولود الأزليّ من الآب، المولود قبل أيٍّ من المخلوقات. فالعذراء ظلت عذراء لم يكن لها ابن آخَر إلاَّ ذلك الذي هو من الآب، الذي قال عنه: «أَنَا أَيْضًا أَجْعَلُهُ بِكْرًا أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ الأَرْضِ» (مز89: 27). فهو البكر «اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ» (كو1: 17). مكان الصدارة والسمو فوق كل خليقة مادية وغير مادية، وكمصدر ونبع الفداء. فالقديس بولس الرسول يؤكد على ذلك في رسالة العبرانيين، «مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ» (عب1: 6)، فإذا كان البكر قد دخل إلى العالم، هذا يعني أنه ليس من العالم، أي منفصل عن العالم، ليس من جهة المكان بقدر ما هو من جهة الطبيعة. فإنه يختلف عن سكان العالم في الطبيعة، ولكن دخل بأن صار إنسانًا، (أقنوم الكلمة اتخذ من أحشاء العذراء طبيعة إنسانيّة كاملة)، وبذلك –كما يقول القديس كيرلس الكبير– يُدعى بكرًا من جهة التدبير peri thj οikonomiaj لأنه من جهة ألوهيته هو الابن الوحيد فهو كلمة الآب؛ لأن ابن الله المساوي للآب، هو واحد ووحيد، ولكنه يصير بكرًا بتنازله إلى مستوى المخلوقات (القديس كيرلس الكبير، تفسير إنجيل لوقا). وهذا ما يؤكده القديس أثناسيوس الرسولي في رسالته (ضد الآريوسيين 2: 62،61).النعم التي نالتها البشرية من البكر: بهذا العمل التدبيريّ، أنه صار بكرًا، نلنا نحن البنوة، فيقول القديس كيرلس أيضًا: [بسبب محبة الآب لخلائقه، قد دعا الابنُ نفسَه بكرًا لكل خليقة (1كو1: 15). فهو بكر من أجلنا نحن، حتى تصير الخليقة كلها كأنها مُطعَّمة فيه، كما في أصل جديد غير مُستهدَف للموت، فتنبت من جديد من الكائن الأزلي نفسه] (الكنز في الثالوث 25). ويضيف القديس يوحنا ذهبي الفم: [هو "البكر" ونحن إخوته. هو الوارث ونحن شركاؤه في الميراث. هو الحياة ونحن الأحياء. هو القيامة ونحن القائمون. هو النور ونحن المستنيرون. كل هذه تفيد الاتحاد ولا تترك فرصة لوجود أقل فجوة بيننا وبينه] (تفسير كورنثوس الأولى، العظة الثامنة). القمص بنيامين المحرقي
المزيد
11 يناير 2021

قتل أطفال بيت لحم - ماريعقوب السروجي

لما بدأ هيرودس باهلاك اطفال البلد اخذ يقتلهم من عمر سنتين وما دون، صنع الجبان حربا جديدة وصار سخرية لانه دعا الى المعركة بني سنة ليقتلهم،سحبت قرعة الصبيان في ارض اليهودية، وكانوا يقتلون بدل الملك الآتي الى العالم،لما قتلوا صاروا شهودا جددا للابن، وبآلامهم مهدوا درب قتل الابن،صرخت الامهات لانهن رأين فضاعة موت اولادهن المقتولين بامر الملك الغاشم،ولولت الجفنات على عناقيدها الباكرة لان الخنزير دخل وعصرها وهي على اغصانها،راحيل بكت على بنيها لانهم غير موجودين، وفي الايحاءات انصت ارميا وسمع صوتها، كان النبي قد سمع صوت بكاء عظيم في الرامة: راحيل تبكي ولا تريد ان تتعزى، ترك هيرودس جميع الملوك الموجودين في المنطقة وشن حربا ليتقاتل مع الاطفال وقف امامه صبيان صهيون ليمنعوه، واستل سيفه على الجميلين وذبحهم،الاثيم اباد فوج الملك ولم يؤذه شخصيا، لقد طعن جيشه لينجو هو من السكين،اصطف الاطفال وقاتلوا هيرودس وغلبوه لانهم لم يستسلموا لقائد الجيش،اصطف ومات جميعهم في المعركة، ولم يكشفوا عن موضع الملك لئلا يلحق به ضرر،يا هيرودس بماذا اذنب اطفال الشعب ضدك، معركتك هي جريمة لانك تحارب مع الاطفال،؟تفتخر بالانتصار على رضع الحليب، وجيشك انكسر في الحرب لان الملك لم يمت، انتصر الاطفال وغلبوك لتصير سخرية، لان قائد الجيش لم يقطعه السكين،مات الشباب ولم يمت الختن لان وقته لم يحن، طعن المتكئون وصاحب العرس لم يهن،ذهب الختن ليدعو مصر لتأتي عنده، وتسلط السيف على جميع شبابه قبل عودته، جاء ليصنع عرس الدم في ارض اليهودية، فدعي اطفال البلد الى الذبح،الانقياء قتلوا لاجل النقي دون ان يذنبوا ليمهدوا الدرب للدم الطاهر الذي سيسكب،كان الملك قد امر ان يخرج السيف ويقتل ابناء سنة وسنتين الموجودين في تخومه،استل السيف لقتل الاطفال، وكانوا يقتلون بدون اذْن حيثما وجدوا،يوجد من قطع رأسه وهو نائم في كنف امه، ومن النوم انتقل الى الموت بصمت عظيم، يوجد من اخذوه من ركبتي امه التي كانت تحمله، وسكبوا دمه وزالت انغامه الحبيبة،خرج الاطفال الاحباء ليمهدوها بعذاباتهم الى ان ياتي ملك الآلام ليمشي عليها،صار صبيان البلد رهائن مقتولين لاجل الابن، وارسلهم ليهيئوا مكان الصلب. [المسيح يكلم الأطفال:] لما قتلوا ارسلهم الى موضع الموت، ليسمعوه بان الملك سياتي عند الموتى، قيلت مثل هذه الامور من قبل المخلص للصبيان الذين بدأوا المسيرة في درب الصلب قبله: اذهبوا وقولوا للملك الغاشم، هانذا آت، تكفى دعوتك السريعة لي الى موضع رئاستك، سآتي في طريق الآلام الذي صممُته، وساحّلك من سلطة رئاستك، لي وقت قصير للعمل من بعد ارسالي، وبعدئذ سآتي بجبروت عندك،اذهبوا ايها الاولاد وامكثوا هناك في موضع الشيول، الى ان آتي وسافرغها من الموتى،بعد قليل سادرككم في الظلمة، وساشرق عليكم نورا عظيما لتفرحوا به،اذهبوا وامكثوا في المحصنة المليئة بالموتى، فلن اتاخر وساقلعها لئلا تقوم بعد،ناموا عن العالم، واستريحوا من سرير كل الاجيال، ولما انقضها ساوقظكم مع الكثيرين، اسبقوني قليلا في سبيل الآلام الى ان آتي، وساختمها بالصلب حتى ابعثكم،ادخلوا وانتظروني في الهوة العظمى مدينة الطغمات، ولما اتالم اصرخ فيها وستسقط كلها،اذهبوا الى السبي مع الكثيرين الذين قادهم الموت، وهانذا آت لاحطم قوسه واعيدكم. [قوة الأطفال:] سخر الاطفال من السيف لما ُقتلوا، لان طريق الملك كان يمهد بآلامهم،ضحكوا على الموت لانهم لم يعرفوا ما هو طعمه، ولم يحزنوا لما جذبوا نحو السكين،قام الاولاد ولعبوا بالافعى، والصبيان (لعبوا) بالموت ولم يشعروا بانه مر، من صبيان بيت لحم ظفر السيف اكليلا للملك المسجود له الذي اتى ليموت ويبعث الكل،اخذوا دمهم كباكورة، وادخلوه قدامه، ليكرم الدم الزكيء بالدم الطاهر. (ميمر "على الكوكب الذي ظهر للمجوس وعلى قتل الاطفال" لماريقعوب السروجي: بهنام سوني. ترجمة من السريانية إلى العربية ودراسة على ميامر الملفان مار يعقوب السروجي. الجزء الأول. بغداد، 200).
المزيد
04 يناير 2021

لأنه جاء الميعاد

" أنت تقوم وترحم صهيون، لأنه وقت الرأفه، لأنه جاء الميعاد" (مز 102: 13).ظل زكريا الكاهن صامتًا أكثر من تسعة أشهر، ولكن تحنن وترأف الرب عليه، ومكث في بيته ثلاثة أشهر لكي يَملَئه من روحه مع إمرأته وابنه.جاء ميعاد لزكريا لكي يمكث الرب وأمه وسط هذه الأسره، يقودهم ويمتعهم بروحه خلال: + الفكر الواحد: قادهم الواحد برفع عيونهم وقلوبهم لرب السماء، والإتفاق علي اسم المولود يوحنا بدون إتفاق سابق.. + فتح فمهم بالتسبيح: لقد صدر من هذا البيت ثلاثة تسبيحات عميقه. تسبحة إليصابات والعذراء، ثم زكريا، وتسبحة رابعه صامتة من الجنين عبر عنها بالفرح. + متعهم بالفرح والسلام: لقد ملأ الأسره التقيه وكثيرين وكل منتظري الفداء بالفرح والسلام بميلاد (حنان الله أو يهوه حنان) أي يوحنا، وحينئذ جاء لزكريا ميعاده الذي فتح فيه فمه ممتلئًا بالروح بعين مفتوحه وعقل راجح وقلب مستنير يتكلم عن: المواعيد المنتظره: التي اشتاق إليها كل أباء العهد القديم كأنها تحققت لأنه جاء الميعاد: + ميعاد الإفتقاد: " لقد أفتقد وصنع فداءً لشعبه" (لو1: 68)، وكأن الفداء تم بحلول الله وسط شعبه. + أقام لنا قرن خلاص (لو1: 69) أي سلطان للغلبه ومملكه نحيا فيها ونحتمي بها. + ميعاد تحقيق النَّبوات: " كما تكلم بفم أنبيائه" (لو1: 70) للخلاص والنجاه من الأعداء خلال الإنتصار علي أعداءنا ومبغضينا (لو1: 71) الذين هم الشيطان والجسد والعالم بمجئ الطريق والحق والحياه. وهذه هي نعمة العهد الجديد. + ميعاد الرحمه: "مع أبائنا في بيت داود فتاه " = القطيع الصغير (لو1: 69) ليتمم القسم الذي أنتظره كثيرًا أبونا إبراهيم ونسله،لقد استنتج من حنان الله تحننه ورأفته ورحمته علي كل الآباء الذين ماتوا علي رجاء متي يأتي. فتكلم زكريا كأن الله نزل إلي الجحيم وسبي سبيًا، وهذا بقدوم الرب إلينا. + ميعاد نعبد الرب الذي جاء كراعي يرعي شعبه: " لنعبده بلا خوف بقداسه وبر قدامه". (لو1: 75) بقداسه: بالقداسات التي للقديسين، أي جسده ودمه وببر: مبررين بدمه من خطايانا أي بالتوبه والأعتراف بخوف، أي بمخافه وإحترام لوجود الرب الذي صار أمامنا. + ميعاد يفهم فيه الأطفال بدون تعليم: فوجه زكريا رساله لإبنه الطفل قائلًا: " أنت نبي العلي، تتقدم أمامه لتعد طريقه، وتعطي شعبه معرفه الخلاص" (لو1: 77) وكانت هي رساله المعمدان: الإعتراف والعماد والتلمذه علي المسيح حمل الله، الذي يحمل خطية العالم. + لكل منا ميعاد " يفتقدنا بأحشاء رحمته" (لو1: 78)، أي بعمق محبته وتحننه مُشرقًا من العلاء ليهدي أقدامنا في طريق السلام. فانتظر ميعادك ليأتي ويتحنن عليك بنعمته و... سؤال لأبونا زكريا كيف يا أبي عرفت كل هذا؟ ومتي فهمت كل هذه النبوات؟ ومن أين جاءتك المعرفه؟ فيجيب بالمزمور الذي يستخدم في الإحتفال بالفصح وهو (مزمور 111). تأتي المعرفة من خلال: (1) العباده الجماعيه (2) التأمل في أعمال الله (3) الغوص في كلمته (4) بالمخافه تأخذ فطنه جيده لكل مشتاق: أعمل مقارنة بين هذه النقاط التي في المزمور وحياة زكريا الكاهن.. الراهب القمص إبراهيم الأنبا بولا
المزيد
25 أبريل 2022

عودة الأمل - تأملات حول شخصيات في القيامة: تلميذي عمواس

سبب الظهور: لعل سببًا رئيسيًا من أسباب ظهور السيد المسيح لتلميذي عمواس خصيصًا هو مدى اليأس الذي سيطر عليهما، حتى أنهما تركا باقي التلاميذ وهربا. لذلك احتاجا أن يظهر الرب لهما ويعيد إليهما الأمل والرجاء، لكي ما يعودا إلى موضعهما مرة أخرى.. إنه درس هام نحتاجه في حياتنا: كيف نحيا في الأمل ولا نفقده؟ وكيف نساعد غيرنا على العودة إليه؟ قراءة متأنية: لعلنا نكتشف أن سر شقاء ويأس هذين التلميذين هو عدم القراءة المتأنية في كتب العهد القديم، التي لما ذكرها وفسّرها لهما الرب، عاد إليهما الأمل وعادا إلى التلاميذ. إننا لكي نفهم العهد الجديد، علينا أن نفهم جذوره في العهد القديم، فالقديم اُستُعلِن في الجديد، والجديد كان مستترا في القديم. التأنّي: إن هذين التلميذين قد تعجّلا في الهروب والرجوع إلى قريتهما. كان الأجدر بهما التأني وانتظار ما سيحدث، وهل ما سمعاه حقيقي أم لا؟ وهل تمت القيامة فعلًا أم لا؟ إنه التعجُّل الذي يضيّع صاحبه. لنترك الأيام تظهر الحقائق وتحل المشاكل، والرب قادر أن يتدخل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، فقط علينا بالصبر لأن «من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص» (مت24: 13). الكرامة: «ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها، وهو تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد، فألزماه قائلين: "امكث معنا لأنه نحو المساء وقد مال النهار"، فدخل ليمكث معهما» (لو24: 28، 29). إنه درس في الكرامة.. كيف لا نفرض أنفسنا على أحد أو على مكان إلّا بدعوة.. وكيف نحترم إرادة الآخرين وتكون لنا الحساسية في التعامل معهم. فالرب نفسه قال: «اسألوا تُعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم» (مت7:7). الانشغال بالرب: إن تلميذي عمواس على الرغم من أن الرب اقترب إليهما ومشى معهما، ولكن أُمسِكت أعينهما عن معرفته (لو24: 15-16).. ولكن ما هو السبب؟ لعله يكون الانشغال بالمادة عن الروح، والانشغال بالأحداث الزمنية والحوادث المكانية.. إنك لن تتمتع برؤية الرب إلّا في الصفاء، فطالما أنت مشغول لن تراه جيدًا. إن لم يصفُ ذهنك لن تستطيع التحدث مع الرب والتمتع به، ولن تفهم ما تقرأ وتستوعبه، ولن تثمر في عملك، سيكون معك ولكنك لن تكون معه. سيكون إلى جوارك ولكنك لن تشعر به. أود أن تحاول أن تفرغ عقلك ولو جزئيًا من المشغولية لتنشغل بالرب، وستجد عينيك قد انفتحتا، وقلبك التهب، وستعود إلى أملك وإلى وضعك الأول، أفضل مما كنت.. ليعطنا الرب أن نتمتع به كما تمتع تلميذا عمواس.. آمين. نيافة الحبر الجليل الانبا تكلا اسقف دشنا
المزيد
21 أغسطس 2022

أشياء تميزت بها العذراء مريم ( ٢ )

نستكمل باقي صفات السيدة العذراء مريم التي بها جذبت قلب الله ليأتي منها مولود من امرأة 4- فضيلة التسليم :- كانت السيدة العذراء تعيش حياة التسليم كاملة لإرادة الله منذ صغرها ووجودها في الهيكل ونجد ذلك واضحاً بشكل كبير أيضاً أثناء بشارة الملاك لها حيث أنها ردت قائلة ” لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ ” ( لو 1 : 38 ) ، دون أن تنظر إلى المتاعبِ والمشقات التي من الممكن أن تتعرض لها من شك يوسف أو نظرة الناس لها . ولكنها سلمت إلى مشيئة الله وخضعت لاختياره لها كان التسليم عجيباً إلى المنتهي حتى وقت الصلب واتمام قصة الخلاص “أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك ، الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا أبني وإلهي “.. إنه تسليم في كل مراحل الحياة.. لتكن مشيئتك يا رب.. 5- فضيلة إنكار الذات :- لم تعيش السيدة العذراء يوماً طالبه كرامة أو نعمة في عيون الأخرين ولكنها كانت ناكرة ذاتها منذ أن كانت طفلة وهي تخدم في الهيكل . وفي البشارة حين قالت : ” هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ ” ( لو 1 : 38 ) أي عبدة ( خادمة ) لم تعطي ذاتها كرامة بل قللت من شأنها وهكذا عاشت حياتها . فانكار الذات و الانكسار أمام الله هو طريق الانتصار ومن يتواضع يرفعه الله “أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِين ” ( لو 1 : 52 ) . 6- فضيلة الأحتمال :- وهنا أقصد الأحتمال من ناحيتين ( احتمال الآلام و احتمال الكرامة ) قد يظن البعض إن احتمال الآلام صعب ولكن يجب أن نعرف إن احتمال الكرامة يحتاج إلى مجهود اكثر من احتمال الآلام والإهانات وقد قال أحد القديسين : “هناك الكثيرون يحتملون الإهانات ولكن القليلين يحتملون الكرامات ” ونجد أن السيدة العذراء منذ صغرها وهي كانت محتملة لكل الأمور حتي في حياتها داخل الهيكل ولم يكن من السهل أن تعيش طفلة عمرها 3 سنوات بداخله وأحتملت أيضاً البشارة وفرحتها بأن تكون أم المخلص وأحتملت الأهانات والمطاردة من هيردوس وأحتملت مشاق الولادة في مزود وأحتملت الآلام التي جازت في نفسها وقت الصلب وفراق وحيدها . 7- حياة الإيمان :- يقول القديس بولس الرسول ” جربوا أنفسكم ، هل أنتم في الإيمان . امتحنوا أنفسكم ” ( 2كو 13 : 5) أنه ليس مجرد الإيمان العقلي ، بل هو إيمان حقيقي ، هو حياة يحياها الانسان فالله يسلمه حياته تسليماً كاملا في يده ونجد أن السيدة العذراء مريم تعجبت أثناء بشارة الملاك لها قائلة : ” كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً ؟ ” ( لو 1 : 34 ) . ولكنها وثقت بالايمان من بشارة الملاك لها بالرغم من أنها عذراء ( ليكن لك حسب ايمانك ) ” عب 11 ” لايمكن ارضاء الرب بدون الايمان . هذا الايمان الذي عاشته السيدة العذراء مستلمه اياه من أبويها وإزداد نموًا بوجودها في الهيكل وصلواتها وتضرعاتها المستمرة وحفظها لكلام الرب الذي كانت تخبئه في قلبها محتفظه به وقد شهدت لها أليصابات قائلة : ” فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ “( لو 1 : 45 ) . 8- حياة الخدمة :- عاشت السيدة العذراء مريم منذ طفولتها حياة الخدمة . عاشت تخدم الآخرين حياة مبنية على المحبة والتواضع . منذ أن كانت في الهيكل وعمرها 3 سنوات تخدم الجميع . وبعد أن تركت الهيكل عاشت تخدم يوسف النجار خطيبها والعجيب أن السيدة لعذراء مريم ذهبت إلى أليصابات لتخدمها عندما علمت أنها حبلى مع إنها أم المسيح , إلا إنها لم تمنعها كرامتها من تذهب إليها في رحلة مضنية شاقة عبر الجبال وتمكث عندها 3 شهور تخدمها حتى ولدت يوحنا ( لو 1: 39-56 ) وقالت لها : ” فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ ؟ ” ( لو 1 : 43 ) فعلت ذلك وهي حبلى برب المجد لذلك تعجبت اليصابات من اين لي أن تأتي الي وتخدمني . وهكذا أستمرت طوال حياتها تخدم الجميع دون كلل أو تعب . بل كانت مثمرة وأمينة في وزنتها ومن هذه النقطة ننتقل الي الفضيلة التاسعة . 9- أمينة في وزنتها :- عاشت السيدة العذراء مريم طوال أيام حياتها وأثناء خدمتها بأمانة شديدة جداً في وزنتها عاملة بالوصايا العشر التي حفظتها منذ طفولتها ولم تكسرها أبداً ” وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا ” ( لو 2 : 19 ) كانت أمينة في كل شئ وتعطي بحب ، كانت تقدم كل ماتملك وليس العشر فقط . كل ماتملك تقدمه . وذلك لأنه كما سبق وذكرنا قلبها حنون أمها اسمها حَنَة و قلبها يقيم فيه الله لأن أبوها يواقيم . فعاشت في مخافة الرب أمينة في كل وزنتها ( كل ما تملك ) . 10- عاشت حياة التقوي حياة روحية كالقديسين :- عاشت السيدة العذراء مريم مزروعة علي مجاري المياه تشرب من ينبوع الله . حياة العذراء مريم عاشتها من الكتب المقدسة التي كان تقرأها من العهد القديم . ” فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ . وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ ” ( مز 1 : 3 ) اثناء خدمتها في الهيكل كانت تري بعض الأخطاء ولكنها لم تتحدث عنها مع أحد أو تنتقدها ولم تدين أحد . و الانسان الذي يسير مع الله لا يخشي وان صار في وسط ضلال الموت لان الله معه ” أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا ، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي . عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي ” ( مز 23 : 4 ) و كانت لاتخشي أخطاء الأخرين ” لأَنِّي أَنَا مَعَكَ ، وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ ” ( أع 18 : 10 ) كانت توزع طعامها وتصوم هي كانت لا تغلق قلبها علي الأخرين امينة جدا جدا الي المنتهي كانت أناء مقدس جعلت نفسها مكان وهيكل لسكنى الروح القدس ” أمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ ؟ ” ( 1كو 3 : 16 ) إذن النعمة التي عاشت فيها السيدة العذراء مريم هي عمل الروح القدس . فهي منذ أن كانت طفلة كانت في الهيكل . فتحت قلبها لعمل الروح القدس ، لذا كان طبيعيًا أن يحل فيها الروح القدس .ويأتي ليتجسد منها أبن الله عاشت حياتها متبعة للبر والقداسة ” اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ ” ( عب 12 : 14 ) الانسان الروحي يحكم في كل شئ ” وَأَمَّا الرُّوحِيُّ فَيَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لاَيُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ ” ( 1كو 2 : 15 ) عاشت تغذي الروح و تنميها ، تشم البخور تسمع العظة داخل الهيكل فتتقدس . عاشت تقوي يالحياة الروحية علي الحياة الجسدية وأخيراً يا أحبائي مهما أن تحدثنا وذكرنا من نقاط وفضائل عاشتها السيدة العذراء لم نوفيها حقها لأن حقاً كانت أنجيل معاش ، استطاعت أن يختارها الآب أماً له. تطلع الآب من السماء فلم يجد مَن يُشبهكِ أرسل وحيده أتى وتجسد منكِ أتمني يا أحبائي أن ننظر إلى سيرتها العطرة فنتمثل بإيمانها السيدة العذراء كانت ممتلئة نعمة . تحاور الله في دالة متواضعة ، تسلم حياتها لله كل الأيام . عاشت تعاليم الأنجيل ” فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ ” ( في 1 : 27 ) ولإلهنا كل المجد والكرامة من الآن وإلى الأبد . آمـــــيــن . نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات الأنبا أثناسيوس أسقف بني مزار والبهنسا
المزيد
15 يناير 2021

في الظهور الإلهي

في الظهور الإلهي بقي عيد الميلاد مقترناً بعيد الظهور الإلهي، في الكنيسة الأولى، حتّى القرن الرابع. وبعد أن صارت المسيحيّة ديانة رسميّة، في الإمبراطوريّة الرومانيّة، ومن ثمّ ديانة الدولة، جعلت الكنيسة لميلاد الربّ بالجسد عيداً خاصّاً، وفصلته عن عيد الظهور الإلهي، وحدّدته في يوم عيد الشمس، الذي كان عيداً وثنياً شعبياً، ترافقه احتفالات لا تليق بالمسيحيّين. عمّدت الكنيسة العيد الوثني، ونقلت مركزه، من الشمس المنظورة، إلى المسيح “شمس العدل”، كما تسمّيه ترتيلة عيد الميلاد. في الكنائس الشرقية يتركّز الاهتمام، لاهوتيّاً، على عيد الظهور الإلهي، أكثر منه على الميلاد. وأهميّة عيد الظهور اللاهوتيّة تجعله في المرتبة الثالثة، بعد الفصح والعنصرة.يُدعى عيد الظهور الإلهي، شعبيّاً، بعيد الغطاس. وفعل “غطّس” موازٍ، في المعنى، لفعل “عمّد”، في اللغة اليونانيّة. من هنا، يكون معنى لفظة “المعموديّة” الحرفي، في اللغة اليونانيّة، “تغطيس”. ولذلك اعتاد شعبنا على اعتبار هذا العيد، عيداً لكلّ من كان اسمه “غطّاس”. وجرى التقليد، في البلدان الأرثوذكسيّة، أن يخرج الكاهن مع الشعب المؤمن، بعد القدّاس الإلهي، صبيحة العيد، إلى بحيرة، أو شاطىء البحر، أو نهر، حيث يلقي صليباً معدنيّاً؛ فيتسابق الشباب في الغطس، من أجل العثور عليه، وإعادته إلى الكاهن. هذه العادة ما تزال حيّة حتّى اليوم.غير أنّ الاسم الرسمي هو الظهور الإلهي، لأنّ أقانيم الثالوث القدّوس انكشفت للبشر، بوضوح، للمرّة الأولى، في أثناء معموديّة المسيح. فسُمع صوت الآب، قائلاً: “هذا هو ابني الحبيب، الذي به سُررت”، والابن كان حاضراً يعتمد، والروح القدس ظهر على شكل حمامة، نزلت عليه. توضح ترتيلة العيد المعروفة “باعتمادك يا رب…” هذا الأمر بجلاء. أمّا ترتيلة التهيئة للعيد، فتتكلّم عن ظهور المسيح وسببه، فتقول: “المسيح ظهر مُريداً أن يجدّد الخليقة كلّها”.كذلك، دُعي، في التقليد اليوناني القديم، بعيد “الأنوار”، لأنّ المعموديّة، بحسب الإيمان المسيحي، استنارة بنور الله. يسمّي تقليدنا الليتورجي الذين يتهيؤون لاقتبال المعموديّة ب “المستعدين للاستنارة”. ونصلي من أجل أن “ينيرهم الربّ بنور المعرفة وحُسن العبادة”. وقد جمع قنداق العيد الاسمين معاً: “اليوم ظهرتَ للمسكونة يا ربّ، ونوركَ قد ارتسم علينا”.هيّأ القدّيس يوحنّا المعمدان الطريق للمعموديّة المسيحيّة. وكانت دعوته إلى التوبة هكذا: “هيّئوا طريق الربّ، اجعلوا سُبُلَه قويمةً”(مر1/3). لقد كانت معموديّته إعلاناً للتوبة، ودعوةً لترك حياة الخطيئة، بينما المعموديّة المسيحيّة هي لغفران الخطايا، واكتساب نعمة البنوّة الإلهيّة. أمّا السيّد فقد قبل، وهو البريء من الخطيئة، إتمام معموديّة يوحنّا اتضاعاً، “لكي يتمّم كلّ برّ”(مت3/15)، ويقدّم نفسه نموذجاً، للذين أتى من أجل خلاصهم.يقول إنجيل متّى أنّ “السماء انشقّت” للحال بعد معموديّة يسوع. إنّها المرّة الأولى، التي يرد فيها هذا التعبير. فقد أُغلقت السماء في وجه الإنسان، بعد سقوط آدم وحواء منه، وها هي تنفتح، ثانية، بمجيء المسيح، الذي سيعيد للإنسان المجد الإلهي، الذي خسره، عندما رفض العيش في كنف الله ورعايته. كذلك، عند انشقاق السماء، سُمع صوت الآب، ونزل الروح القدس. يُظهر الله سرّه الثالوثي للبشر بوضوح. لأنّه، منذ تلك اللحظة، لم يعد يكتفي بدعوتهم إلى معرفته، وإنّما سيمنحهم، بالمسيح، الخلاص المنشود، ويفتح الطريق لهم ثانية. ما عادت السماء بعيدة؛ صار الله بيننا.هذا العيد مناسبة لكي يسائل المؤمن نفسه، حول تفعيل نعمة المعموديّة، على مستواه الشخصي. فيوم معموديّتنا هو يوم ميلادنا الحقيقي، كوننا اكتسبنا فيه البنوّة لله، ولبسنا المسيح، كما تقول الترتيلة الشهيرة: “أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم”. فبعد المعموديّة، يصير المعتمد شبيهاً بالمسيح؛ وعليه تالياً أن يحفظ هذه النعمة، ويحافظ عليه، لا بل أن ينمّيها وينمو فيها، حتّى يصل إلى قامة ملء المسيح.يقول القدّيس غريغوريوس بالاماس: “كما أنّ الطفل يأخذ من والديه إمكانيّة أن يصير رجلاً، ويرث الأملاك الوالديّة، عند بلوغه السن المناسب، لكنّه يخسرها إذا مات في أثناء ذلك، فإنّ المسيحي يحصل، بالمعموديّة، على القدرة لكي يصير ابناً لله، ووارثاً للخيرات الأبديّة، إن لم يمت في أثناء حياته الموت العقلي، الذي هو الخطيئة”. الخطيئة تجعلنا نخسر النِعَم التي حصلنا عليها بالمعموديّة. هذا التعليم مدعاة للتأمّل بعظمة سرّ المعموديّة، وأهميته للمسيحيّين. يدعونا هذا العيد، إلى مراجعة أنفسنا ومسلكنا، بخصوص أمرين:- الأوّل هو المحافظة على نِعَم المعموديّة، وتنميتها فينا، لئلا نخسرها. إنّه مناسبة للعودة إلى معنى المعموديّة، وشحذ الهمّة، لحفظها فينا، وعيشها بملئها. أمّا الثاني، فهو تقويم ممارستنا لإتمام سرّ المعموديّة. وأوّل هذا التقويم الكفّ عن اختيار العرّاب أو العرّابة، بسبب صلة القرابة، أو الصداقة، أو الرغبة في “تبييض الوجه”. يجب أن نختار الشخص التقي المؤمن، الذي سيأخذ مسؤوليّته هذه على محمل الجد، ويكون أباً روحيّاً (أو أمّاً روحيّة) حقّاً. تقويم إتمام السرّ، يعني إخراجه من الفولكلور السائد في طريقة تعاطينا معه، واعتباره عملاً في غاية الجديّة والأهميّة. فنتهيء له بالصلاة والصوم، ونتمّمه بروح التقوى والتخشّع، ولا نعتبره مناسبة اجتماعيّة، ولا نؤخره لأسباب اجتماعيّة أو شخصيّة. إنّه حدث ولا أهمّ، يأخذ فيه ابننا أو ابنتنا أهمّ ما يمكن للإنسان الحصول عليه، ألا وهو نعمة أن يلبس المسيح ويصير ابناً أو ابنة لله. تبقى قضية مباركة بيوتنا وتكريسها لله، بعد قداس العيد. إنّها تقليد شريف أصيل عند المسيحيّين. فالماء المقدّس سبيلٌ لاستجلاب البركة الإلهيّة للبيت، ولا يجب أن نخسرها. يتعرّض هذا التقليد الأصيل، اليوم، لعوائق كثيرة، خاصّة في المدن، بسبب توسّعها، وظروف المعيشة فيها، وعمل الزوجين. ممّا يحتّم على المؤمنين والكهنة معاً، السعي الجدّي لإيجاد الطريقة الفضلى، التي تؤمّن تحقيقه. كأن يبادر المؤمنون إلى الاتصال بالكاهن، من أجل تحديد الوقت المناسب لكليهما، لإتمام تبريك البيت، وأن يحثّ الكاهن المؤمنين، على إتمام هذا الأمر، بملاحقتهم والتواصل الدؤوب معهم.لا نجعلنّ هذه الأعياد تمرّ دون الاستفادة منها روحيّاً. إنّها لأجلنا وُضعت. المطران سابا (إسبر)
المزيد
22 يناير 2023

عرس قانا الجليل

تحتفل الكنيسة في ثالث أيّام عيد الغطاس بعيد تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل، وهو من الأعياد السيِّدية الصُّغرى، إذ أنّه أول معجزة صنعها الرب يسوع وبدأ بها خدمته العلنيّة.. ولنأخُذ في هذا المقال بعض التأمُّلات في هذه المعجزة العجيبة. كما بدأ الله قصّته مع الإنسان بعُرس مُفرِح في الفردوس، بعد أن أعدّ له كلّ شيء.. هكذا بدأ ربنا يسوع خدمته بحضور عُرس في مدينة قانا شمال الناصرة بالجليل، وهو بهذا يلفت النظر إلى طبيعة ملكوته السماوي ورسالته المُفرِحة، التي يودّ فيها أن يدخل مع الإنسان في شركة حياة زيجيّة سعيدة إلى الأبد. بعد أن سقط الإنسان، وفقد الشّركة مع الله، وامتلأت حياته بالتعاسة.. جاء السيِّد محب البشر مُتجسِّدًا وحاملاً معه مفاتيح السّعادة للإنسان البائس.. جاء ليُنقِذ الإنسان من مأزق الفقر والعجز والعار، وهو ما عبّرَت عنه حادثة عُرس قانا الجليل بشكل رمزي بديع. في بداية العُرس كانت الأمور تسير على ما يُرام. ولكن فجأة فرغ الخمر، وهو مشروب الضيافة في تِلك المناسبات.. وهذا بدأ المأزَق الصعب، فافتقار العُرس إلى الخمر والعجز عن تقديم الضيافة وهو عار كبير على أهل العُرس أمام كل الناس.. هكذا الإنسان عندما سقط وانفصل عن الله افتقر إلى الفرح وعجز عن الحُب ولوّثته الخطيّة فصار في عارٍ عظيم. ولكن بحضور الرب يسوع في العُرس، أي بتجسُّده في وسطنا، أعاد إصلاح ما قد فسد وقلَب الموازين لصالحنا مرّة أخرى.. فإذا كان عن طريق السيِّدة العذراء قد تَدَخّل وخلق لهم خمرًا جديدةً، فإنّه أيضًا على المستوى الروحي اتحد بطبيعتنا التي أخذها من العذراء أم النور لنصير فيه خليقة جديدة «إنْ كانَ أحَدٌ في المَسيحِ فهو خَليقَةٌ جديدَةٌ: الأشياءُ العتيقَةُ قد مَضَتْ، هوذا الكُلُّ قد صارَ جديدًا» (كورنثوس الثانية 5: 17).. كما لا ننسى أنّ خَلْق الخمر الجديدة يحتاج لقدرات لا تتوفّر إلاّ في الله الخالق.. فهو الذي خلق الإنسان في البداية على صورته، ثمّ أتى في ملء الزمان ليعيد تصليح صورة الإنسان التي تشوَّهَت، بخِلقةٍ جديدةٍ فيه مرّة أخرى. السيّد المسيح بتجسُّده وفدائه عالج فقرنا ووهبنا الغِنى بنعمته «فإنَّكُمْ تعرِفونَ نِعمَةَ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ، أنَّهُ مِنْ أجلِكُمُ افتقَرَ وهو غَنيٌّ، لكَيْ تستَغنوا أنتُمْ بفَقرِهِ» (كورنثوس الثانية 8: 9).. كما شفى عجزنا فوهبنا من قدرته وسلطانه، ووضع إمكانياته الهائلة بين يدينا «الّذي لَمْ يُشفِقْ علَى ابنِهِ، بل بَذَلهُ لأجلِنا أجمَعينَ، كيفَ لا يَهَبُنا أيضًا معهُ كُلَّ شَيءٍ؟» (رومية 8: 32).. وأيضًا أزال عارنا فهو بالصليب أخذ عارنا ليهبنا مجده وبرّه «الّذي لَمْ يَعرِفْ خَطيَّةً، (جُعِلَ) خَطيَّةً لأجلِنا، لنَصيرَ نَحنُ برَّ اللهِ فيهِ» (كورنثوس الثانية 5: 21). وكما أنّ الله أظهر لاهوته قديمًا عندما حوّل الماء إلى دم في أرض مصر. هو الآن يُظهِر سلطانه على المادّة، ليؤكِّد أنه هو نفسه إله العهد القديم الظاهر في الجسد.. «هذِهِ بدايَةُ الآياتِ فعَلها يَسوعُ في قانا الجليلِ، وأظهَرَ مَجدَهُ، فآمَنَ بهِ تلاميذُهُ» (يوحنا 2: 11). لقد كانت الخمر الجديدة لها مذاق مختلف تمامًا.. فهي أكثر حلاوةً وأفضلُ جودةً.. هكذا مستوى تذوُّق الإنسان لله في العهد الجديد، بعمل الروح القدس خلال الكنيسة داخل النفس، أسمى بكثير من المستوى الروحي البدائي للإنسان في العهد القديم القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
13 مايو 2022

معجزة صيد السمك بعد القيامة

هذه المعجزة الفريدة سجّل تفاصيلها القديس يوحنا في إنجيله، الأصحاح 21، وبوجه عام فإنّ صيد السمك يشير إلى اصطياد النفوس للملكوت، كما جاء في تعليم السيّد المسيح وأمثاله..هناك معجزتان حدث فيهما صيد سمك كثير، الأولى قبل القيامة والثانية بعدها.. وكما يشرح القديس أغسطينوس فإنّ المعجزة الأولى توضِّح طبيعة الكنيسة الآن، بينما الثانية تُظهِر الطبيعة التي ستكون عليها الكنيسة بعد القيامة وانقضاء هذا العالم.+ المعجزة الأولى (لوقا5) نلاحظ فيها أنّ إلقاء الشِباك لم يكُن في اتّجاه محدِّد، وتمّ اصطياد سمك كثير جدًّا، حتّى كادت الشباك تتخرّق، وتمّ وضع السَمَك في المركب الذي كاد يغرق أيضًا... بينما المعجزة الثانية: الشَبَكة تُجمَع فقط من الجانب الأيمن، والسمك كبير وعدده 153، والشباك سليمة على الرغم من كثرة السمك وكِبَر حجمه، ونلاحظ أيضًا أنّ السمك سُحِب في الشبكة إلى الشاطئ مباشرةً، والمركب لا يتعرّض للغرق..!+ في المعجزة الأولى الشباك أُلقيت من دون تحديد اتّجاه، مثل الكنيسة الآن في الأرض تجمع من كلّ نوع ومن كلّ اتجاه، وأحيانًا يختلط الأبرار والأشرار في الكنيسة معًا.. بخلاف المُعجزة الثانية التي فيها الشبكة والسمك على الجانب اليمين، وهذا يعني أنّ الكنيسة في الدهر الآتي يوجَد فيها فقط الأبرار الذين عن يمين الملك ويستحقّون المجد الأبدي.+ الشباك في المعجزة الأولى تتخرّق من كثرة السمك، وهذا يشير لبعض الانشقاقات والانقسامات في الكنيسة الآن.. أمّا في المعجزة الثانية فالشباك سليمة تمامًا علامةً على وحدانيّة الإيمان وسلام الكنيسة في الأبديّة..!+ المركب في المعجزة الأولى يتعرّض للغرق، ولكنه لم يغرق.. وهذا يعني أنّ انضباط الكنيسة يكون مهدّدًا بسبب كثرة عدد الناس الموجودين فيها وتنوّعهم..+ السمك في المعجزة الأولى وُضِع في المركب، إشارة إلى وضع المؤمنين حاليًا داخل الكنيسة.. أمّا في الثانية فقد تمّ سحب الشبكة مع السمك إلى الشاطئ الذي يمثّل الأبديّة.. فالشاطئ يَظهَر حيث ينتهي البحر، ونحن حين ننتهي من عبور بحر هذا العالم نَصِل إلى الأبديّة.. كما نلاحِظ أنّه عن طريق الرسل، يجتذبُ المسيحُ العالمَ إلى شبكته المقدّسة..+ السمك الكبير يشير إلى أصحاب القلوب الكبيرة الممتلئين ثمرًا، إشارة إلى العظماء فقط الذين وضعوا أنفسهم وخدموا الآخرين (متى18)، والذين عملوا وعلّموا (متى5)..+ رقم 153، بحسب تفسير القدّيس أغسطينوس هو عدد مرتبط بالأرقام من 1 إلى 17 فعند جَمْع كلّ السبعة عشر رقمًا معًا يكون حاصل الجمع 153. ورقم 17 هو حاصل جمع 10+7 (الوصايا العشر + عمل الروح القدس الكامل).. ومعنى هذا أنّ الأبرار الذين سيصلون بسلام إلى شاطئ الأبديّة هم الذين حفظوا الوصايا العشر وسلكوا فيها بقوّة الروح القدس وبمعونة عمله فيهم.+ رقم 7 يشير إلى التقديس بعمل الروح القدس.. «سبعة أرواح الله» (رؤ4: 5).. «رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ» (إش11: 2). «بارك الله اليوم السابع وقدّسه» (تك2: 3).. أي أنّ كمال تقديسنا سيكون هناك، حينما نستريح مع الله إلى الأبد..وأخيرًا.. فإنّ المسيح ينتظرنا على شاطئ الأبديّة.. يجب ألاّ نأتي إليه فارغين.. يلزمنا طاعة وصاياه والاهتمام في حياتنا الأرضيّة بالجانب اليمين، أيّ نسلك في طريق النور.. فنأتي إليه محمّلين بثمار تنفيذ وصاياه بعمل الروح القدس فينا.[معظم أفكار المقال مأخوذة عن عظة للقديس أغسطينوس] القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل