المقالات
09 نوفمبر 2025
الأحد الخامس شهر بابه يو 6 : 5 - ۱4
" فَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعًا كَثِيرًا مُقْبِلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزًا لِيَأْكُلَ هؤُلاَءِ؟ وَإِنَّمَا قَالَ هذَا لِيَمْتَحِنَهُ، لأَنَّهُ هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ أَجَابَهُ فِيلُبُّسُ لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ،وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلكِنْ مَا هذَا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ؟ فَقَالَ يَسُوعُ اجْعَلُوا النَّاسَ يَتَّكِئُونَ وَكَانَ فِي الْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَاتَّكَأَ الرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلاَفٍ وَأَخَذَ يَسُوعُ الأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَزَّعَ عَلَى التَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْمُتَّكِئِينَ. وَكَذلِكَ مِنَ السَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ فَجَمَعُوا وَمَلأُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ، الَّتِي فَضَلَتْ عَنِ الآكِلِينَ فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا إِنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ!"
"فرفع يسوع عينيه،ونظر أن جمعًا كثيرًا مقبل إليه،فقال لفيلبس من أين نبتاع خبزًا ليأكل هؤلاء؟" [5]
رفع يسوع عينيه ورأى الجمهور الضخم من الطبقة العامة الفقيرة، نفوسهم في عينيه ثمينة جدًا كنفوس الأغنياء بلا تمييز يهتم السيد باحتياجاتهم الروحية كما الجسدية أيضًا لذلك سأل فيلبس "من أين نبتاع خبزًا ليأكل هؤلاء؟" فقد كان يهوذا هو أمين الصندوق، وكان فليبس هو المسئول عن تدبير الطعام اليومي للتلاميذ هذا يظهر أنه لم يجلس قط في أي وقت في خمول مع تلاميذه، وإنما يدخل معهم في حوار، ويجعلهم ينصتون إليه ويتجهون نحوه، الأمر الذي يشير على وجه الخصوص إلى عنايته الحانية وتواضعه وتنازله في سلوكه معهم. لقد جلسوا معه وربما كل ينظر الواحد إلى الآخر، وإذ رفع عينيه شاهد الجماهير قادمة إليه القديس يوحنا الذهبي الفم رفع المسيح عينيه ليعلن أن الذين يحبونه يتأهلون للنظرة الإلهية وكما قيل لإسرائيل في البركة "يرفع الرب وجهه عليك، ويمنحك سلامًا" (عد 6: 26) القديس كيرلس الكبيرأعطى يسوع للبعض خبزًا من الشعير لئلا يخوروا في الطريق، ومنح سرّ جسده للآخرين (مت 26: 26) لكي يجاهدوا من أجل الملكوت القديس أمبروسيوس
يقارن القديس يوحنا الذهبي الفم بين ما فعله الله مع موسى النبي وما فعله السيد المسيح مع فيلبس ففي القديم سأل الله موسى عما في يده،وإذا به يخبره أنها عصا لا حول لها ولا قوة فتصير عصا لله التي يصنع بها عجائب وها هنا يسأل السيد المسيح فيلبس عن إمكانياته وهو والتلاميذ لإشباع الجموع فكادت تكون لا شيء سوى خمسة أرغفة شعير وسمكتان لدي غلام استخدمها السيد لإشباع هذه الألوف مع فيض من الكسر من أجل محبته للإنسان يود الله أن يدخل دومًا في حوار معه،ويسأله عن إمكانياته لكي يقدم الله من جانبه إمكانياته الإلهية القديرة خلال عجزنا وضعف إمكانياتنا.
"وإنما قال هذا ليمتحنه،لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل". [6]
قال السيد المسيح ذلك لكي يختبر إيمانه،ولكي يجتذب قلبه وقلوب إخوته نحو عمله الإلهي هذا وقد كان فيلبس من بيت صيدا في منطقة مجاورة للموضع على إلمام بإمكانيات الموضع وربما يعرف الكثيرين في ذلك الموضع سأل فيلبس ليس لأن السيد المسيح لا يعرف الإجابة، وإنما لكي يتعرف فيلبس على بلادة إيمانه.
"أجابه فيلبس لا يكفيهم خبز بمأتي دينارليأخذ كل واحدٍ منهم شيئًا يسيرًا". [7]
كان الدينار هو الأجرة اليومية العادية للشخص كأن الرسول فيلبس يقول للسيد المسيح أنه لا مجال لمناقشة هذا الأمر، فمن جهة لا توجد إمكانيات في الموضع لإشباع هذه الجماهير، وإن وُجدت الإمكانيات العينية فمن أين لنا أن نشتري هذا فإننا نحتاج إلى 200 دينارًا؟
"قال له واحد من تلاميذه وهو أندراوس أخو سمعان بطرس". [8]
مع أن أندراوس أكبر من سمعان بطرس، وهو الذي دعا أخاه ليتبع المسيح، لكن سرعان ما لمع نجم بطرس حتى صار أندراوس يُعرف بأنه أخ بطرس، أي يُنسب إليه لكي يعرفه القارئ كان أندراوس أسمى من فيلبس لكنه لم يبلغ إلى النهاية. ما نطق به ليس مصادفة بل سمع عن معجزات الأنبياء وكيف صنع أليشع آية بالخبزات (2 مل 4: 43)، ولهذا فقد ارتفع إلى علو معين، لكنه لم يبلغ إلى القمة ذاتها القديس يوحنا الذهبي الفم
"هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان،ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟" [9]
عُرِفَت كنعان بأنها أرض الحنطة (تث 8: 8) اعتاد سكانها أن يأكلوا الحنطة الفاخرة (مز 81: 16) لكن يسوع المسيح سرّ بالخبزات التي من الشعير فلم يحتقرها بل شكر ووزع خلال تلاميذه ليجد الكل شبعًا في ضعف إيمان قال فيلبس: "ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟" [9]. لم يدرك أن يسوع هو الذي أشبع محلة إسرائيل كلها في البرية بالمن النازل من السماء، فهل يصعب عليه أن يشبع ألف عائلة بخبزة شعير؟
يرى القديس أغسطينوس أن الأرغفة الخمسة من الشعير تشير إلى العهد القديم الذي يضم أسفار موسى الخمسة. وهي من الشعير، لأن قشرة الشعير جامدة ويصعب نزعها، كالعهد القديم حين كان اليهود يمارسونه بالحرف، ويستصعبون إدراكه بالروح. أما الغلام فيشير إلى شعب إسرائيل القديم الذي سلك في الروحيات كغلام صغير بلا نضوج، وأما السمكتان فتشيران إلى الشخصيتان الرئيسيتان في العهد القديم، وهما النبي والملك أو الحاكم. كان الغلام يحمل هذا دون أن يأكل منه لقد قُدمت الخبزات والسمكتان لذاك الذي وحده يعطي العهد القديم فهما روحيًا جديدًا. [بعد طول زمانٍ جاء بنفسه في سرّ، هذا الذي عُني به خلال هؤلاء الأشخاص. جاء بعد زمن طويل ذاك الذي يشار إليه بالشعير، ولكنه كان مخفيًا بالقشرة. جاء الشخص الواحد يحمل الشخصيتين للكاهن والحاكم. إنه الكاهن إذ يقدم نفسه للَّه ذبيحة من أجلنا، وهو الحاكم إذ يملك علينا. هذه الأمور التي كانت مغطّاة الآن تُكشف. شكرًا له، فقد حقق بنفسه ما ورد في العهد القديم. أمر بكسر الخبزات، وبكسرها تضاعفت وكثرت. ليس حق أفضل من هذا، أنه إذ تُفسر أسفار موسى الخمسة كم من الأسفار تُكسر وكأنها قد صارت مفتوحة ومحمولة؟
هكذا يشير الغلام إلى الشعب اليهودي الذي كان كطفلٍ في معرفته وفهمه للناموس. كانوا يتمسكون بالحرف دون إدراك للروح. وكانت الخبزات الخمس تشير إلى كتب موسى التي متى وضعت في يدي المسيح تفيض علينا بالفهم الروحي المشبع للنفس، وتقوت قلوبنا بخبز الحياة. أما السمكتان فتشيران إلى المزامير والأنبياء. بالمزامير يعلن المؤمنون شكرهم وتسابيحهم لعمل الله الخلاصي، وخلال الأنبياء يتعرفون على سرّ المسيح مشبع كنيسته بحضرته، واتحادها معه، وثبوتها فيه وهو فيها. وقد تم ذلك بعد عبور بحر طبرية، أي يتحقق خلال مياه المعمودية جاءت الكلمة اليونانية ὀψάρια للسمكتين وهو الاسم المُسْتَخْدَمَ حاليًا في مصر باللغة الدارجة"بساريا" يترجمها البعض سمكتين صغيرتين. ويرى كثير من الدارسين أن السمكتين كانتا مملحتين، ولا يزال الأقباط يأكلون سمكًا مملحًا في يوم شم النسيم swm `nnicim، في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد الخمسة أرغفة تعني أسفار موسى الخمسة التي للناموس. فالناموس القديم هو من الشعير متى قورن بحنطة الإنجيل. في هذه الأسفار توجد أسرار عظيمة عن المسيح. لذلك قال بنفسه: "لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني، لأنه هو كتب عني" (يو 5: 46) ولكن كما أنه في الشعير يختفي لُبه في قشرته (القش) هكذا في حجاب إسرار الناموس يختفي المسيح وكما أن هذه الأسرار تصير في تقدم وتُكشف، هكذا هذه الخبزات تتزايد عندما تُكسر في هذا الذي أشرحه لكم أكسر لكم خبزًا الخمسة آلاف رجلًا يشيرون إلى الشعب الخاضع لأسفار الناموس الخمسة. الإثنا عشر قفة هم الإثنا عشر تلميذًا الذين هم أنفسهم امتلأوا بكسر الناموس. السمكتان هما وصيتا حب الله وقريبنا، أو هما الشعبان: أهل الختان والغرلة، أو الشخصيتان للملك والكاهن. إذ تُشرح هذه الأمور، تُكسر، عندما يفهمها الآكلون القديس أغسطينوس يشير بالأرغفة الخمسة إلى كتاب الحكيم جدًا موسى ذي الأسفار الخمسة، أعني الناموس كله الذي كان بمثابة الطعام الأغلظ، أي بالحرف والتاريخ، لأن هذا ما يلمح إليه لفظ "شعير" لكنه يشير بالسمكتين إلى ذلك الطعام الضئيل الذي حصلنا عليه بواسطة الصيادين، إشارة إلى الكتب الشهية جدًا التي لتلاميذ المخلص. وهما اثنتان، إشارة إلى الكرازة الرسولية الإنجيلية التي أشرقت في وسطنا. وكلاهما مخطوطات الصيادين وكتاباتهم الروحية. هكذا يخلط المخلص الجديد بالقديم، والناموس بتعاليم العهد الجديد، فيقود نفوس المؤمنين به إلى الحياة التي هي بلا شك أبدية القديس كيرلس الكبير
إذ يشير القديس كيرلس الكبير إلى عدم الإيمان فيلبس يحذرنا من عدم الإيمان الذي بسببه حُرم موسى وهرون من أن يقودا الشعب إلى الأرض الموعد حين تشككا في إمكانية صدور ماءٍ من الصخرة. يقول: [من ينجو بسبب عدم إيمانه من غضب الله، هذا الذي لا يحابي أحدًا، إذ لم يشفق حتى على موسى الذي قال له: "عرفتك أكثر من الجميع، ووجدت نعمة في عيني" (خر 23: 12) ] تحول عدم إيمانهم إلى شهادة حسنة للمسيح. لأنهم باعترافهم أن مبلغا كبيرًا كهذا المال لن يكفي الجموع ولو لشراء زادٍ طفيف، بهذا ذاته يكللون قدرة رب الجنود التي لا يُنطق بها، هذا الذي عندما لم يتوفر شيء... تمم عمل محبته نحو الجموع بغنى فائق القديس كيرلس الكبير
ربما يتساءل البعض: ألم يكن ممكنًا للسيد المسيح أن يشبع الجموع دون استخدام السمكتين والخمس خبزات؟
يرى كثير من الآباء أن السيد استخدم هذه الأمور لكي لا يظن أحدا أن الخليقة المادية نجاسة، وأنها غير صالحة، كما ادعى الغنوصيون خاصة في القرن الثاني الميلادي. إنه يقدس ما خلقه سواء القمح أو الشعير أو السمك أو الكروم ويستخدم هذه الأمور في صنع عجائبه بمباركته إياها أعتقد (أندراوس) أن صانع العجائب يقدم القليل من القليل، والكثير مما هو كثير. لكن الأمر على خلاف ذلك، فإنه يسهل على السيد في الحالتين أن يجعل الخبز يفيض سواء من الكثير أو من القليل، إذ لا يحتاج إلى مادة (ليفيض منه الخبز) ولكن لئلا يظن أن الخليقة غريبة عن حكمته كما ادعى بعد ذلك المفترون الذين تأثروا بمرض مرقيون (الذي يظن أن المادة دنس والخليقة المادية نجسة لا تليق بالله)، لهذا استخدم السيد الخليقة نفسها (الخبز والسمك) كأساس لعمل عجائبه القديس يوحنا الذهبي الفم
يرى القديس جيروم أن السيد المسيح قدم للجماهير تارة خبزًا من الحنطة وأخرى من الشعير (مت 15:14-21؛ 32:15-38). كل من الحنطة والشعير خليقة اللَّه، بها تشبع الجماهير. وإذ كان الشعير في ذلك الحين طعام الحيوانات، لذا جاء في المزمور: "أنت يا رب تخلص الإنسان والحيوان" (مز 7:36). فهو يُشبع الروحيين، وأيضًا الذين تحت ضعف الجسد. ويبرر بهذا القديس جيروم حديثه عن البتولية أنها كالذهب، والزواج كالفضة، وكلاهما معدنان لهما قيمتهما.
"فقال يسوع اجعلوا الناس يتكئون،وكان في المكان عشب كثير،فاتكأ الرجال وعددهم نحو خمسة آلاف". [10]
طلب السيد المسيح من تلاميذه أن يتكئوا الناس على العشب ليستعدوا للطعام قبل أن يقدم لهم الطعام، أو يروي لهم ما سيفعله. لقد طلب الطاعة المرتبطة بالإيمان ليقفوا ويروا خلاص الله العجيب يشير العشب الكثير إلى الجسد (إش 50: 6)، أو الشهوات الجسدية. فإنه لا يستطيع أحد أن يشبع بالقوت الروحي ما لم يُخضع شهواته الجسدية تحته، أو يطأها بقدميه. إذ اتكأ الرجال الخمسمائة على العشب تمتعوا بالطعام الروحي المقدم لهم من السيد المسيح نفسه خلال تلاميذه كان من عادة اليهود أن يحصوا الرجال وحدهم من سن العشرين فما فوق دون النساء والأطفال أو الصبيان رقم 5 يشير إلى حواس المؤمنين الخمس وقد سمت لتصير سماوية حيث رقم 1000 يشير في الكتاب المقدس إلى الحياة السماوية. لذلك اتكأ الرجال وكان عددهم خمسة آلاف، إذ لم يكن ممكنًا للمؤمنين أن يتمتعوا بالشبع الروحي وفهم الناموس روحيًا ما لم يحملوا سمات النضوج الروحي (رجالًا)، وتتقدس حواسهم الخمس لتحمل سمات سماوية. لذلك فالمؤمن رمزه 5000 (خمس حواس × حياة سماوية "1000" = 5000). أما جلوسهم على الشعب فيحمل رمز خضوع الجسد للنفس المقدسة للرب. فمن يطأ الزمنيات، ولا يرتبك بها، تنفتح طاقات السماء لتقدس كل حواسه وطاقاته وكيانه الداخلي، وتشبعها بالحكمة كما من مائدة إلهية غنية تجاوز تمامًا عن الإناث والأطفال وأحصى الجموع من البالغين، لأنه مكرَّم في كتاب الله كل من هو رجل يافع، وليس من هو طفولي في طلب الصالحات الذين يسلكون كرجال في الصلاح يُعطون الطعام بواسطة المخلص على وجه الخصوص، وليس للذين هم مخنثين ولا يمارسون الصلاح في حياتهم، ولا للذين هم أطفال في الفهم، العاجزين عن إدراك أي أمر ضروري معرفته القديس كيرلس الكبير
بهذا القول أنهض المسيح تمييز تلاميذه وأطاعوه في الحال، ولم يضطربوا، ولا قالوا ما هو هذا، كيف يأمرنا أن نتكئ الجموع ولم يظهر شيئًا في الوسط؟ بهذا ابتدأوا بالإيمان قبل نظرهم إلى المعجزة القديس يوحنا الذهبي الفم
"وأخذ يسوع الأرغفة وشكر ووزع على التلاميذ،والتلاميذ أعطوا المتكئين،وكذلك من السمكتين بقدر ما شاءوا". [11]
يعلمنا السيد أن نقدم الشكر لله على كل بركاته الروحية والجسدية، فإن ما لدينا هو عطية مجانية من عنده. وكما يقول الرسول بولس "لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يُرفض شيء إذ أُخذ مع الشكر، لأنه يقدس بكلمة الله والصلاة" (1 تي 4: 4-5) إن كانت الجماهير قد قبلت الخبز من أيدي التلاميذ إلاَّ أن العطية في حقيقتها هي من يدي السيد المسيح نفسه هكذا يليق بالمؤمن أن يدرك أن كل ما يناله هو من الرب نفسه، وإن جاءت بوسيلة أو أخرى صلى لأن الحاضرين كانوا جمعًا عظيمًا ووجب أن يتحقق عندهم أنه جاء إليهم برأي الله، وحتى يصيرهم موقنين أنه ليس ضد الله ولا معاندًا لأبيه القديس يوحنا الذهبي الفم
قبل أن يوزع السيد المسيح الخبز والسمكتان على تلاميذه شكر حتى يعلن فرحه بكل عطية سماوية يقدمها للبشر كي يشبعوا ويغتنوا، أيضًا لكي يدربنا على حياة الشكرعهد السيد المسيح بالطعام للتلاميذ، والتلاميذ قدموه للمتكئين، أي الجمهور. إنه بيديه يقدم لنا الفهم الروحي للناموس والمزامير والأنبياء، ولكن خلال تلاميذه ورسله أو الكنيسة المقدسة.
"فلما شبعوا قال لتلاميذه اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء". [12]
يلتزم المؤمن بجمع الكسر، فلا يبدد الموارد، لأنها عطية إلهية ووزنة يلزمنا أن نكون أمناء فيها مهما بدت تافهة، ولو كانت كسرة خبز من الشعير. كان اليهود يتطلعون إلى الخبز بكونه الطعام الرئيسي يمثل بركة من الرب، لذا يحرصون ألا يسقط فتات خبز على الأرض ولا يطأ أحد بقدميه على فتات الخبز. إلى الآن في صعيد مصر يحمل الناس هذا الاتجاه فيحسبون من يطأ بقدميه على فتات خبز كمن يسيء إلى بركة الرب وعطاياه. جاء في أمثال اليهود: "من يحتقر خبزًا يسقط في أعماق الفقر" إن كان الرب يهتم بكسر الخبز الذي من الشعير، فكم بالأولى لنا أن نحرص على ألا نفقد كلمة الرب أو نفسد وقتنا؟
وضع اليهود لأنفسهم قانونًا أن يتركوا كسرة خبز بعد الطعام إشارة إلى أن البركة قائمة في البيت أما الأشرار فلا يبقون شيئًا على المائدة إشارة إلى نزع البركة عنهم "ليست من أكله بقية، لأجل ذلك لا يدوم خيره" (أي 20: 21) إن كسرت الخمس خبزات لن تملأ اثنتي عشرة قفة، فكيف ما تبقي منها يملأها؟ لم يكن ممكنًا لكائنٍ ما أن يدرك كيف يجمعون كسرًا من الخمس خبزات التي قُسمت على هذه الآلاف من البشر بعد أن شبعوا. هكذا إذ يقدم لنا السيد المسيح طعامًا روحيًا يشبع أعماقنا وتفيض يشبع آخرون من الكسر المتبقية والتي تفوق أحيانا ما قد نلناه جاء هذا الأمر الإلهي الخاص بجمع الفضلات يكشف عن أهمية الإيمان بإله المستحيلات الذي يهب بسخاء، فيشبع النفوس لتفيض بالخيرات والفرح، على خلاف الانحباس في الأرقام والحسابات البشرية مع عدم الإيمان والتي تسبب جفافًا وحرمانًا داخليًا يدعونا السيد لكي نتقبل من يديه حياة أفضل وشبعًا يفيض، فنترنم قائلين: "تعرفني سبل الحياة، أمامك شبع سرور، وفي يمينك نعم إلى الأبد" (مز 16: 11) بجمع الكِسَرْ يتأكد الإيمان بأنه كانت هناك وفرة من الطعام حقًا، ولم يكن الأمر فيه خداع لنظر المشتركين في الوليمة لا يخيب الله من يستعد للتوزيع؛ ويتهلل بمسلك المحبة الأخوية... إذ ننفق قليلًا لأجل مجد الله ننال نعمة أوفر، كقول المسيح: "كيلًا جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا يعطون في أحضانكم" (لو 6: 38)... يقول الله: "افتح أحشاءك بسعة لأخيك المحتاج الذي معك" (انظر تث 5: 11)القديس كيرلس الكبير
يرى القديس كيرلس الإسكندري أن السيد المسيح سمح بامتلاء اثنتي عشرة سلة، لكل تلميذ سلة. وكأن من يتعب في تقديم كلمة الله، الطعام الروحي، للشعب فسينال بسخاء ملء النعمة الإلهية كان يرغب أنه يعلم تلاميذه الذين كانوا معدين ليكونوا معلمين للعالم ربما لم تحصد الجموع أية ثمار من المعجزة (إذ للحال نسوا المعجزة وسألوا معجزة أخرى) بينما هؤلاء التلاميذ اقتنوا نفعًا ليس عامًا إني مندهش من دقة الفائض. الكسر الباقية تحمل النقاط التالية:
أن ما حدث لم يكن تخيلًا، وأنها كسر من الخبزات التي اقتاتت بها الجموع.
أما بالنسبة للسمك فقد جاء عن مادة كانت موجودة فعلًا (أي كان السمك لدى الغلام) ولكن في فترة لاحقة، بعد القيامة وُجد سمك ليس من مادة موجودة (حيث وجدوا سمكًا مشويًا قبل إخراج السمك من الشبكة ( يو 9:21)القديس يوحنا الذهبي الفم
"فجمعوا وملأوا اثنتي عشرة قفة من الكسر،من خمسة أرغفة الشعير التي فضلت عن الآكلين". [13]
يشير جمع الكسر التي تملأ 12 سلة إلى الالتزام بالشهادة للثالوث القدوس في كل العالم، أي في المشارق والمغارب والشمال والجنوب (3×4=12) لذلك كان عدد أسباط بني إسرائيل 12 وعدد التلاميذ12 وجاءت الكسر 12 قفة وكأنه يليق بالشعب الذي يتمتع بالطعام الروحي من يد الآب خلال كنيسته أن يقدم فضلاته التي تشبع المسكونة كلها لتجذب غير المؤمنين إلى ملكوت الله.
"فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع،قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم". [14]
واضح من هذا أنه حتى عامة الشعب كانوا يترقبون مجيء المسيا إلى العالم. لقد احتقر الفريسيون عامة الشعب، ناظرين إليهم أنهم بلا معرفة، ولم يدركوا أن العامة ببساطتهم عرفوا ما لم يستطع الفريسيون بعلمهم ومعرفتهم أن يبلغوا إليه. لقد أدرك العامة أنه قد جاء النبي الذي وعد به الله شعبه خلال موسى النبي (تث 18: 15) اقترب العامة من ملكوت السماوات يقارن القديس كيرلس الكبير بين رد فعل اليهود إذ أرادوا رحمة عندما شفى مرضى، أما هنا الذين هم خارج اليهودية، فقد قالوا "بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم" أولئك رأوا معجزات كثيرة لكنهم كانوا قساة قلوب غير مؤمنين، بينما هؤلاء شاهدوا معجزة واحدة فمجدوه [قد حان الوقت أن ينال الأمم أخيرًا نصيبًا من الرحمة من فوق، ونصيبًا من المحبة بالمسيح].
القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج
المزيد
08 سبتمبر 2025
علامات مجيء الملكوت
حديث السيِّد المسيح عن مجيء الملكوت السماوي يشغل أذهان الكثيرين بكونه حديثًا نبويًا، أعلن عن مجيء الملكوت الأخروي، ومجيئه في كنيسة العهد الجديد، كما يمتزج بمجيئه داخل النفس.
4. حدوث مضايقات
"حينئذ يسلّمونكم إلى ضيق، ويقتلونكم،وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي.وحينئذ يعثر كثيرون، ويسلّمون بعضهم بعضًا،ويبغضون بعضهم بعضًا" [9-10].
إذ يتقبّل الإنسان ملكوت الله داخله ينتقل من الضيقة العامة، أي الجو الخارجي الذي يثيره العدوّ ضدّ الملكوت بقصد إرباك المؤمنين وشغلهم عن المسيح، ليدخل بهم إلى ضيقات خاصة بهم، فيهيّج العدوّ الآخرين عليهم لمضايقتهم وقتلهم، لا لذنب ارتكبوه، وإنما من أجل "اسم المسيح"، وهذه هي جريمتهم. فالضيقة هي إحدى ملامح الطريق الأساسية للملكوت، إذ يمتلئ القلب من الداخل فرحًا بالمسيح الساكن فيه، بينما يُعصر في الخارج بالضيق.
5. ظهور أنبياء كذبة
"ويقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلّون كثيرين،ولكثرة الإثم تبرد محبّة الكثيرين،ولكن الذي يصير إلى المنتهى فهذا يخلّص.ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم،ثم يأتي المنتهى" [11-14].
هذا هو السهم الثالث الذي يصوِّبه عدوّ الخير ضدّ أبناء الملكوت. السهم الأول هو خلق جو عام قابض للإنسان يسحبه بعيدًا عن حياته الداخليّة، السهم الثاني هو تصويب الضيق إليه شخصيًا من أجل المسيح، أمّا الثالث وهو الأخطر فهو تصويب السهم ضدّ الإيمان، لينحرف به بعيدًا عن مسار الملكوت. فإن كان من الجانب التاريخي يظهر أنبياء كذبة يضلّلون الكثيرين، فإن هذا أيضًا يمكن أن يأخذ صورًا متعدّدة، كظهور فلسفات جديدة، ربّما تختفي وراء الدين، غايتها أن تقدّم أفكارًا برّاقة فلسفيّة وأخلاقيّة بعيدة عن الحياة مع المخلّص واختبار عمل الروح القدس الناري فينا. إنهم يلبسون ثوب النبوّة أو التديّن، لكنهم مضلِّلون يقودون النفس بعيدًا عن سرّ حياتها الحقيقي.ويظهر ثمر هؤلاء الأنبياء الكذبة عمليًا إذ تبرد محبّة الكثيرين، فيصير التديُّن كلمات جوفاء ومعرفة ذهنيّة وفلسفات بلا روح. يفقد الإنسان قلبه، فلا يقدر أن يحب الله والناس بل يبقى كائنًا جامدًا. إن كان عمل إبليس هو بث البرود الروحي في حياة الناس، خاصة خلال الأنبياء الكذبة، فإن الله هو وحده الذي ينزع هذا البرود. وكما يقول القديس جيروم: [إن كان الله نارًا، فهو نار لكي يسحبنا من برود الشيطان... ليت الله يهبنا ألا يزحف البرود إلى قلوبنا، فإنّنا لا نرتكب الخطيّة إلا بعد أن تصير المحبّة باردة
هنا يقدّم لنا السيِّد وعدًا ليبعث فينا الرجاء، وهو أنه بقدر ما تنتشر الأضاليل ويخسر الكثيرون حياة الحب يعمل روح الله بقوَّة للكرازة بين الأمم في كل المسكونة. إنه صراع بين النور والظلمة، ينتهي بنصرة النور؛ مقاومة الباطل للحق تنتهي بتزكيَّة الحق ونموّه فينا.
6. رجسة خراب الهيكل
في العبارات السابقة حدّثنا السيِّد عن نهاية الهيكل وخراب أورشليم بطريقة خفيَّة، أمّا هنا فيتحدّث علانيّة، إذ يقول: "فمتى نظرتم رِجْسَة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدّس، ليفهم القارئ" [15]. هكذا كان السيِّد المسيح يدعوهم لقراءة سفر دانيال (9: 27)، ليتأكَّدوا من خراب الهيكل اليهودي.ما هي رِجْسَة الخراب هذه؟
أولًا: يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أنها تعني الجيش الذي به خربت أورشليم؛ نقلًا عن كلمات السيِّد نفسه: "ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش، فحينئذ اِعلموا أنه قد اِقترب خرابها" (لو21: 20). فقد دخل الأمم الهيكل ودنَّسوه بل وحطَّموه تمامًا، وكان ذلك علامة نهاية الملكوت الحرفي، وقيام الملكوت الروحي.
ثانيًا: يقول القديس جيروم: [يمكن أن تفهم عن تمثال قيصر الذي وضعه بيلاطس في الهيكل أو (تمثال) هادريان الفارسي الذي أُقيم في قدس الأقداس... في العهد القديم يُدعى التمثال بالرِجْسة، وقد أضيفت كلمة "خراب"، لأن التمثال قد وُضع في وسط الهيكل المهجور وقد أخذ القديس يوحنا الذهبي الفم بذات الرأي أيضًا.
ثالثًا: يرى القديس هيلاري أسقف بواتييه أن هذه الرِجْسَة إنّما تُشير لما يحدّث في أيام ضد المسيح إذ يقول: [أعطى الله علامة كاملة عن مجيئه الأخير، إذ يتحدّث عن أيام ضدّ المسيح. يسمِّيها رِجْسَة لأنه يأتي ضدّ الله ناسبًا كرامة الله لنفسه. إنها رِجْسَة خراب لأنه يدمر الأرض بالحروب والقتل. يقبله اليهود، فيأخذ موقف التقدّيس، وفي الموضع الذي تقام فيه صلوات القدّيسين يستقبلون الخائن كمن هو مستحق لكرامة الله. وإذ يصير هذا الخطأ شائعًا بين اليهود فينكرون الحق ويقبلون الباطل، لذلك يطلب الله (من شعبه) أن يتركوا اليهوديّة ويهربوا إلى الجبال حتى لا يعوقهم أتباعه ولا يؤثِّرون عليهم
7. وصايا للدخول في الملكوت
"فحينئذ ليهرب الذين في اليهوديّة إلى الجبال،والذي على السطح، فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئًا،والذي في الحقل، فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه،وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام،وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت" [16-20].
من الجانب التاريخي إذ رأى المسيحيّون الذين في أورشليم الرومان يحاصرونها أدركوا ما سيحل بها من خراب، كقول الرب فهربوا سريعًا. وهذا ما يحدث عند مجيء ضدّ المسيح كما رأينا في كلمات القديس هيلاري السابقة، فإذ تراه الكنيسة قد أقام نفسه إلهًا في هيكل الرب (2تس1-4) تهرب إلى البرّيّة "حيث لها موضع مُعد من الله، لكي يعولها هناك ألفًا ومائتين وستين يومًا" (رؤ 12: 6).وفي حياتنا الروحيّة إذ نرى هيكل الحرف ينهار في داخلنا، يلزمنا أن نهرب من اليهوديّة إلى الجبال، أي من حرفيّة اليهود في فهم الوصيّة إلى انطلاقة الروح العالية لتدخل إلى الفهم السماوي. وكما يقول العلامة أوريجينوس: [ليت الذين ينظرون هذا يهربون من حرف اليهوديّة إلى جبال الحق العالية. وإن صعد أحد إلى سطح الكلمة ووقف على قمّتها فلا ينزل ليطلب شيئًا من بيته، وإن كان في الحقل حيث يختبئ فيه الكنز فلا يرجع إلى الوراء، بل يجري من خطر خداع الكلمة الباطلة (ضد المسيح)، ويكون هذا على وجه الخصوص متى خلع ثوبه القديم فلا يرتدّ إليه ليلبسه مرّة أخرى الجبال كما يقول القديس أغسطينوس: تشير إلى النفوس العاليةأو إلى القدّيسين حيث تستند التلال (النفوس الصغيرة) عليها. وكأن دعوة السيِّد المسيح للهروب هنا هي دعوة للالتصاق بالقدّيسين والشركة معهم.يوصي السيِّد مَنْ كان قد ارتفع بالروح القدس من طابق إلى آخر كما من مجدٍ إلى مجدٍ حتى بلغ السطح ليرى السماء قدام عينيّه واضحة ومكشوفة، لا تعوقها الأسقف الطينيّة أي الأمور الزمنيّة، فلا ينزل ثانية لتبقى حياته في حالة صعود بلا نزول، مع انتظار على السطح لرؤية السيِّد قادمًا على السحاب فلا يعود يطلب الأمور الزمنيّة التي هي سُفليّة.
السطح هو أعلى مكان في البيت، قمّة المبنى وكماله، لذلك من يقف عليه يكون كاملًا في قلبه، متجدِّدًا، غالبًا في الروح، ليحتفظ لئلا ينزل إلى الأمور الدنيا ويشغف بالممتلكات الزمنيّة.
القديس هيلاري أسقف بواتييه
لنحذر في الضيقة من النزول عن المرتفعات الروحيّة ونرتبط بالحياة الجسدانيّة. ومن تقدّم لا ينظر إلى الوراء فيطلب الأمور الأولى ويتردّد راجعًا إلى الأمور السُفليّة.
القديس أغسطينوس
من له ثوب المسيح فلا ينزل من السطح ليحضر ثوبًا آخر.
لا تنزل من سطح الفضيلة لتطلب الملابس التي كنت ترتديها قديمًا، ولا ترجع من الحقل إلى البيت.
القديس جيروم
إن كان أحد على السطح، أي سبق فصعد إلى القمة حيث الفضائل العُظمى، فلا يعود ينزل إلى أعماق الأرض وهذا العالم. على السطح وقفت راحاب الزانية، رمز الكنيسة، واتّحدت في شركة الأسرار نيابة عن شعوب الأمم. خبَّأت الجاسوسين اللذين أرسلهما يشوع (يش 2: 1)، فلو نزلا إلى أسفل البيت لقتلهما الذين أُرسِلوا للقبض عليها. إذن السطح هو قمّة الروح حيث يتحصَّن الإنسان من ضعف الجسد الخائر بلا قوّة. هنا أفكر في المفلوج الذي حمله أربعة رجال ودلُّوه من السطح...! لنتبع بطرس الذي شعر بالجوع فصعد إلى سطح المنزل (أع 10: 9)، فهناك عرف سرّ نشأة الكنيسة، فما كان ينبغي له أن يحكم بنجاسة شعوب الأمم، لأن الإيمان يقدر أن يطهّرها من كل دنس... فإن كان بطرس لم يقدر أن يدرك هذا السرّ وهو أسفل، فكيف تستطيع أنت أن تفهمه (ما لم ترتفع إلى السطح)؟! لقد أدركه بطرس إذ صعد ليبشّر بالرب (إش 40: 9).
القديس أمبروسيوس
ومن كان في الحقل الإلهي يعمل لحساب السيِّد المسيح فلا ينظر إلى الوراء، مرتبكًا حتى بضروريَّات الحياة كالأكل والشرب والملبس، إنّما ينسى ما هو وراء ويمتد إلى ما هو قدام، ناظرًا جعالة الله العُليا. النفس التي خلعت ثوب أعمال الإنسان القديم وانطلقت إلى الحقل تعمل لحساب المسيح لا ترتد إلى الوراء لترتديه مرّة أخرى، بل تتمثل بيوسف بن يعقوب، إذ يقول القديس جيروم: [ليتك بالأحرى إن أمكنك أن تتمثل بيوسف، فتترك ثوبك في يد سيِّدتَك المصريَّة وتتبع ربَّك ومخلّصك عاريًا
من كان في الحقل فلا يرجع إلى الوراء. ما هو هذا الحقل؟ لقد أعلمني إيّاه يسوع بقوله: "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لو 9: 12)... لتحرس حقلك إن كنت تريد بلوغ ملكوت الله، فيزهر لك أفعالًا صالحة خصبة، ويكون لك بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك (مز 127: 3)... ليدخل الرب يسوع في الحقل: "تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل" (نش 7: 11). فيقول: "دخلتُ إلى جنَّتي يا أختي العروس قطفتُ مُرّي مع طيبي، أكلتُ شهدي مع عسلي" (نش 5: 1). هل يوجد محصول أفضل من محصول الإيمان الذي يثمر أعمالًا صالحة ترتوي بينبوع الفرح الأبدي؟!
إن كان قد منعك من النظر إلى الوراء، فبالأحرى يمنعك من الرجوع لتأخذ ثوبك. فمن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فأترك له الرداء أيضًا (مت 5: 40)، فيليق بك لا أن تترك الخطايا فقط، بل وتمحو كل ذكرى لأعمالك السابقة، فكان بولس ينسى ما هو وراء (في 3: 13)، يخلع عنه الخطيّة ولا يترك التوبة.
القديس أمبروسيوس
خلال هذا الجهاد الحيّ الذي فيه نهرب من يهوديّة الحرف إلى حرّية الجبال المقدّسة، نرتفع على السطح لنرى السماوات مكشوفة، فلا ننشغل بغير مجيء المسيح الأخير، نعمل في الحقل ممتدِّين إلى قدَّام بلا تراجع من أجل الدخول في الأبديّة. يُعلن السيِّد الويْل للحبالى والمُرضِعات. من هن هؤلاء الحبالى إلا النفوس التي وإن عرفت السيِّد المسيح لكن ثمر الروح لم يُعلن بعد فيها، والمُرضِعات هن اللواتي يبدو ثمرهن كرضع صغار. مثل هؤلاء اللواتي بلا ثمر عملي أو قليلي الثمر لا يقدرن على مواجهة الأيام الصعبة خاصة أيام ضد المسيح قبل مجيء المسيح.
النفس التي حبلت ولم تلد ثمرة الكلمة تسقط تحت هذا الويل، إذ تفقد ما حبلت به وتصير فارغة من رجائها في أعمال الحق. وأيضًا إن كانت قد ولدت لكن أطفالها لم ينتعشوا بعد.
العلامة أوريجينوس
ويرى بعض الآباء أن الحَبَل هنا إنّما هو الالتصاق بالخطيّة ليحمل الإنسان في داخله ثمر المُرّ، أمّا المُرضِعات فهنَّ النفوس التي أثمرت فيهن الخطيّة ثمارًا مُرّة. هؤلاء جميعهنَّ لا يستطعنَ الخلاص من ضد المسيح.
لا يفهم هذا على أنه تحذير من ثِقل الحَبَل، وإنما يُظهر أثقال النفس المملوءة بالخطايا، التي لا تستطيع أن تهرب من السطح أو الحقل حيث يحلّ غضب الله. أيضًا ويل للمُرضِعات، إذ يَظهرنَ المتخلّفين في معرفة الله كمن يرضعْن لبنًا، ويل لهم لأنهم سيكونون ضعفاء جدًا غير قادرين على الهروب من ضدّ المسيح، غير مستعدين على مجابهته، إذ لم يتوقّفوا عن الخطيّة ولا أكلوا خبز الحياة.
القديس هيلاري أسقف بواتييه
الحَبالى هم الذين يطمعون فيما ليس لهم، والرُضَّع هم الذين نالوا بالفعل ما طمعوا فيه، هؤلاء يسقطون في الويْل في يوم الدينونة.
القديس أغسطينوس
يطالبنا السيِّد أن نصلّي ألا يكون هربنا في شتاء ولا في يوم سبت، أي لا تكون حياتنا قد أصابتها برودة الروح القاتلة كما في الشتاء، ولا حلّ بها وقت البطالة كما في السبت. فإن النفس الباردة والبطالة تسقط في خداعات المسيح الكذاب، ولا تقدر على ملاقاة رب المجد يسوع.
قال هذا لكي لا نوجد في صقيع الخطيّة ولا في لا مبالاة من جهة الأعمال الصالحة، فيفتقدنا العقاب الخطير.
الأب هيلاري
عندما يصنع ضدّ المسيح أضاليل أمام أعين ذوي الفكر الجِسداني (السالكون في الشتاء) يجتذبهم إليه، لأن من يُسر بالأرضيّات لا يتردّد في الخضوع له.
الأب غريغوريوس (الكبير)
القمص تادرس يعقوب
وللحديث بقية
المزيد
01 سبتمبر 2025
علامات مجيء الملكوت
حديث السيِّد المسيح عن مجيء الملكوت السماوي يشغل أذهان الكثيرين بكونه حديثًا نبويًا، أعلن عن مجيء الملكوت الأخروي، ومجيئه في كنيسة العهد الجديد، كما يمتزج بمجيئه داخل النفس.
1. هدم الهيكل القديم
"ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل،فتقدّم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل.فقال لهم يسوع: أما تنظرون جميع هذه،الحق أقول لكم أنه لا يُترك ههنا حجر على حجر لا يُنقض" [1-2].
كان اليهود يتطلّعون إلى الهيكل بكونه علامة ملكهم، فهو الموضع الوحيد الذي فيه يُعلن الله مجده ويتقبّل من أيدي مؤمنيه الذبائح والتقدمات. أينما وُجد المؤمن، وحلت به ضائقة، تطلّع نحو الهيكل لينعم بعونٍ إلهيٍ. وكانت أبنية الهيكل بضخامتها علامة عظمة ملكوتهم، لهذا أراد التلاميذ أن يُرُوا السيِّد المسيح هذه المباني، لكن السيِّد أكّد لهم: "لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض". فماذا أراد السيِّد بكلماته هذه؟كان الهيكل مع قدسيَّته قد تحوّل في حياة اليهود بسبب ريائهم وفكرهم المادي إلى عقبة أمام العبادة الروحيّة. فقد انشغلوا بعظمة الهيكل الخارجي عن قدسيَّة هيكل القلب الداخلي، فكانوا يهتمّون عبر العصور بإصلاح المباني لا القلب، الأمر الذي كرّس أغلب الأنبياء حياتهم لتصحيح هذا المفهوم خاصة إرميا النبي. فمن كلماته المشهورة: "لا تتّكلوا على كلام الكذب، قائلين: "هيكل الرب، هيكل الرب هو" (إر 7: 4). وجاء بعده حزقيال النبي يُعلن لهم ثمرة اهتمامهم بالمبنى دون الحياة الداخليّة أن مجد الرب يفارق البيت (حز 10: 18-19)، بل ويفارق المدينة كلها (حز 11: 22-23).ما قاله السيِّد قد تحقّق حرفيًا عام 70م. حين أصرّ الجنود الرومان تحت قيادة تيطس على هدم الهيكل تمامًا، وكان ذلك إعلانًا عن قيام الهيكل الجديد لكنيسة العهد الجديد بمفاهيم جديدة.
على أي الأحوال، هذا هو عمل الروح القدس في مياه المعموديّة أن يحطم إنساننا القديم، فلا يترك حجر على حجر من أعماله الشرّيرة فينا، ويقوم هيكل جديد ليس من صنع أيدينا، هو الإنسان الجديد على صورة خالقنا. هذا العمل هو بداية حلول الملكوت فينا، وعربون للتمتّع بالملكوت الأخروي، خلاله ننتظر بفرح مجيء الرب كعريسٍ لنفوسنا.
2. ظهور مسحاء كذبة
"وفيما هو جالس على جبل الزيتون تقدّم إليه التلاميذ على انفراد، قائلين:قل لنا متى يكون هذا؟وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟فأجاب يسوع، وقال لهم: انظروا لا يضلّكم أحد.فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين:
أنا هو المسيح، ويضلّون كثيرين" [3-5].
إن كان الله في إقامته للملكوت يُعلن ذاته فينا، حاسبًا إيّانا هيكله المقدّس، فإن عدوّ الخير لا يواجه هذا الأمر بالصمت، بل بالأحرى تزداد حربه ضدّنا. وكما يُقيم المسيح ملكوته فينا، يرسل الشيطان مضلِّلين مُدَّعين أنهم مسحاء لكي يقيموا مملكةإبليس داخل الإنسان لقد عبَّر التلاميذ بسؤالهم عن مجيء الرب الأخير عما يدور في أذهان البشريّة في كل العصور، وهو رغبتهم في معرفة المستقبل وتحديد الأزمنة. لكن السيِّد لم يحدّد مواعيد، مكتفيًا بتقديم العلامات، لا ليعرفوا الأزمنة، وإنما لكي لا يخدعهم المسحاء المضلّلون، الذي يظهرون لأجل مقاومة الحق تحت ستار الدين نفسه.لقد تحوّل كثير من الكتاب الدينيّين ودارسي الكتاب المقدّس المعاصرين إلى الانشغال بتحديد أزمنة مجيء السيِّد، بل وقامت بعض الطوائف هي في حقيقتها غير مسيحيّة مثل شهود يهوه تحوّل كلمة الله من كلمة للخلاص والتمتّع بالملكوت السماوي، كملكوت حاضر داخل القلب إلى مناقشات فكريّة عقيمة تسحبنا إلى مجادلات فكريّة تخص تحديد الأزمنة، الأمر الذي يرفضه السيِّد تمامًا.لقد أوضح السيِّد غاية حديثه هذا عن علامات مجيئه في نهاية الأصحاح، ألا وهو السهر الدائم وانتظار مجيء الملكوت على الدوام، أي تهيئة النفس لملاقاة العريس الأبدي لتدخل معه في شركة أمجاده.
3. قيام حروب وحدوث كوارث عامة
"وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب انظروا لا ترتاعوا، لأنه لا بُد أن تكون هذه كلها،ولكن ليس المنتهى بعد لأنه تقوم أُمَّة على أُمَّة، ومملكة على مملكة،وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن.ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع" [6-8].
ليس عجيبًا أن تكون علامات مجيء السيِّد في مجموعها تمثِّل جوانب متعدّدة من الآلام والأتعاب والكوارث، فإن هذا هو الطريق الذي يهيئ لمجيئه، كيف؟ كلما أدرك عدوّ الخير أي الشيطان أن مملكة المسيح قادمة على الأبواب ازدادت حربه ضدّ المؤمنين لكي يقتنص ما استطاع كأعضاء في مملكته مقاومين مملكة المسيح. في هذا كلّه يزداد المؤمنون الساهرون والحكماء قوّة وثباتًا فيتزكّون، وكأنه خلال هذه المتاعب يملأ الشيطان كأس شرّه، وتمتلئ كأس المجاهدين بركة، فتقترب النهاية لكي ينال الشيطان وجنوده ثمار شرّهم ويتمتّع المجاهدون الحقيقيُّون بالإكليل.أما بدء هذه الآلام التي يثيرها عدوّ الخير فهي تهيئة جوّ خانق للنفس من حروب وأخبار حروب وانقسامات على مستوى الأمم والممالك، وظهور أوبئة، وحدوث زلازل إلخ. إنه يريد أن يحطَّم نفسيَّة الناس، فيرون إخوتهم كأشرار منقسمين يثيرون الحروب، فيعيشون في رعب خائفين من الحرب. والذين لا تلحقهم الحروب يتعرّضون للأوبئة والأمراض فيرتبكون خائفين على حياتهم الزمنيّة. وإن هربوا من الأمراض تلاحقهم الزلازل التي تتم فجأة. إن هدف عدوّ الخير أن يشغل المؤمن بعيدًا عن الفرح بمجيء المسيح، فيلهيه بالمشاكل الإنسانيّة (الحروب) والصحيّة بل والطبيعية (الزلازل)، وكأن العالم كلّه قد اسوَّد في عينيه، ليس من معين ولا من سند له.إن تركنا المعنى الحرفي لنتأمّل في تمتّعنا بملكوت الله داخلنا، فإنّنا نلاحظ إنه ما أن يقترب المؤمن بالروح القدس نحو مسيحه حتى يجد عدوّ الخير يشغله بمشاكل كثيرة، تخص الآخرين أو جسده أو العالم المادي المنظور، فتلهيه عن خلاص نفسه وتفكيره في الملك المسيح.
القمص تادرس يعقوب
وللحديث بقية
المزيد
30 أغسطس 2025
القديسة مريم في صلوات السواعي
إننا نكرم القديسة مريم في كل ساعةٍ من صلوات السواعي، نسألها الصلاة عنا، والشفاعة لأجل تَقَدُّمنا الروحي.
1. ففي صلاة باكر، قبل ترديد قانون الإيمان، نقول: "السلام لكِ، نسألكِ أيتها القديسة الممتلئة مجدًا، العذراء كل حينٍ، والدة الإله، أم المسيح... اصعدي صلواتنا إلى ابنكِ الحبيب، ليغفر لنا خطايانا.
السلام للتي ولدت لنا النور الحقيقي، المسيح إلهنا، العذراء القديسة، اسألي الرب عنا ليصنع رحمة مع نفوسنا، ويغفر لنا خطايانا.
أيتها العذراء مريم والدة الإله، القديسة الشفيعة الأمينة لجنس البشرية، اشفعي فينا أمام المسيح الذي ولدتيه، لكي ينعم لنا بغفران خطايانا.
السلام لكِ أيتها العذراء الملكة الحقيقية. السلام لفخر جنسنا، ولدتِ لنا عمانوئيل، نسألكِ اذكرينا، أيتها الشفيعة المؤتمنة، أمام ربنا يسوع المسيح، ليغفر لنا خطايانا".
2. غالبًا قبل ترديد قانون الإيمان نبدأ بمقدمة له،جاء فيها: "نعظمكِ يا أم النور الحقيقي، ونمجدكِ أيتها العذراء القديسة والدة الإله، لأنكِ ولدت لنا مُخَلِّص العالم... المجد لك يا سيدنا وملكنا..."
3. في كل صلاة من صلوات السواعي، نُرَدِّد بعد الإنجيل بعض الصلوات القصيرة تتناسب مع المناسبة الخاصة بالصلاة، ونختمها بسؤال من القديسة مريم أن تطلب عنا.
أ. ففي صلاة باكر نقول: "أنتِ هي أم النور المُكَرَّمة، من مشارق الشمس إلى مغاربها، يُقَدِّمون لكِ تمجيدات يا والدة، السماء الثانية، لأنكِ أنتِ هي الزهرة النيرة غير المتغيرة، والأم الباقية عذراء، لأن الآب اختاركِ، والروح القدس ظللكِ، والابن تنازل وتجسد منكِ. فاسأليه أن يعطي الخلاص للعالم الذي خلقه، وأن يُنَجِّيه من التجارب. ولنُسَبِّحه تسبيحًا جديدًا، ونباركه الآن وكل أوان وإلى الأبد، آمين".
ب. وفي صلاة الساعة الثالثة، نقول: "يا والدة الإله، أنت هي الكرمة الحقيقية الحاملة عنقود الحياة، نسألكِ أيتها الممتلئة نعمة، مع الرسل، من أجل خلاص نفوسنا. مبارك الرب إلهنا. مبارك الرب يومًا بيومٍ. يهيئ طريقنا لأنه إله خلاصنا".
"إذا ما وقفنا في هيكلك المقدس نُحسَب كالقيام في السماء. يا والدة الإله، أنتِ هي باب السماء، افتحي لنا باب الرحمة".
ج. وفي صلاة الساعة السادسة، نقول: "إذ ليس لنا دالة ولا حجة ولا معذرة، من أجل كثرة خطايانا، فنحن بكِ نتوسَّل إلى الذي ولد منكِ، يا والدة الإله العذراء، لأن كثيرة هي شفاعتكِ، ومقبولة عند مخلصنا. أيتها الأم الطاهرة، لا ترفضي الخطاة من شفاعتكِ عند الذي ولدته، لأنه رحيم وقادر على خلاصنا، لأنه تألم من أجلنا لكي ينقذنا..."
"أنت هي الممتلئة نعمة يا والدة الإله العذراء. نعظمكِ لأن من قِبَل صليب ابنك انهبط الجحيم وبطل الموت. أمواتا كنا فنهضنا، واستحققنا الحياة الأبدية، ونلنا نعيم الفردوس الأول. من أجل هذا نمجد بشكر غيرَ المائت المسيح إلهنا."
د. وفي الساعة التاسعة: "عندما نظرَت الوالدة الحمل والراعي مُخَلِّص العالم على الصليب معلقًا، قالت وهي باكية: أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه، من أجل الكل يا ابني وإلهي.
عندما نظرت الوالدة الحمل والراعي مُخَلِّص العالم على الصليب معلقًا قالت وهي باكية: أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل، يا ابني والهي."
ه. وفي صلاة الغروب: "لكل إثمٍ بحرصٍ ونشاطٍ فعلت، ولكل خطيةٍ بشوقٍ واجتهادٍ ارتكبتُ، ولكل عذابٍ وحكمٍ استوجبتُ. فهيئي لي أسبابَ التوبة أيتها السيدة العذراء. فإليكِ أتضرع وبكِ أستشفع، وإياكِ أدعو أن تساعديني لئلا أخزى. وعند مفارقة نفسي من جسدي احضري عندي، ولمؤامرة الأعداء اهزمي، ولأبواب الجحيم أغلقي. لئلا يبتلعوا نفسي يا عروس بلا عيب للختن الحقيقي."
و. وفي صلاة النوم: "أيتها العذراء الطاهرة، اسبلي ظلكِ السريع المعونة على عبدكِ، وابعدي أمواج الأفكار الرديئة عني، وانهضي نفسي المريضة للصلاة والسهر، لأنها استغرقت في سُبات عميق. فإنك أم قادرة، رحيمة، معينة، والدة ينبوع الحياة، ملكي وإلهي، يسوع المسيح رجائي".
ز. وفي صلاة الستار: "يا والدة الإله إذ قد وثقنا بكِ فلا نخزى بل نخلص. وإذ قد اقتنينا معونتك ووساطتك أيتها الطاهرة الكاملة، فلا نخاف بل نطرد أعداءنا فنُبَدِّدهم، ونتخذ لنا ستر معونتك القوية في كل شيءٍ نظير التُرس. ونسأل ونتضرع إليك هاتفين يا والدة الإله لكي تُخَلِّصينا بشفاعتك وتنهضينا من النوم المُظلِم إلى التمجيد بقوة الإله المتجسد منك."
ح. وفي صلاة الخدمة الأولى من نصف الليل: "أنتِ هي سور خلاصنا يا والدة الإله العذراء الحصن المنيع غير المنثلم أبطلي مشورة المعاندين، وحزن عبيدك رديه إلى فرح وحصني مدينتنا (ديرنا) وعن ملوكنا (رؤسائنا) حاربي، وتشفعي عن سلام العالم، لأنك أنت هي رجاؤنا يا والدة الإله".
ط. وفي صلاة الخدمة الثانية من نصف الليل: "السماوات تُطَوِّبك أيتها الممتلئة نعمة، العروس التي بلا زواج. ونحن أيضا نُمَجِّد ميلادك غير المُدرَك. يا والدة الإله يا أم الرحمة والخلاص، تشفعي من أجل خلاص نفوسنا.
ي. وفي صلاة الخدمة الثالثة من نصف الليل: "يا باب الحياة العقلي، يا والدة الإله المُكَرَّمة، خَلِّصي الذين التجأوا إليك بإيمان من الشدائد، لكي نُمَجِّد ميلادك الطاهر في كل شيء من أجل خلاص نفوسنا."
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مار جرجس سبورتنج
عن كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي
المزيد
25 أغسطس 2025
القديسة مريم في الأعياد
خلال تجسد ابن الله من العذراء مريم انفتحت أمامنا أبواب السماء، وصارت أيامنا كلها أعياد. من أجل هذا وضعت الحان مريمية تناسب كل عيد خلالها نتذكر أننا قد تقبلنا فرح الله في حياتنا خلال يسوع المسيح، ابن العذراء.
فيما يلي نذكر بعض النصوص والألحان المريمية التي تستخدم في أعياد معينة.
1- عيد الميلاد:
سبق أن شرحنا أنه منذ بدء شهر كيهك حتى عيد الميلاد (29 كيهك) تضع الكنيسة برنامجا مريميا، حتى تسحب أفكارنا نحو ميلاد المسيح العذروي.
بجانب النصوص المريمية العادية يستخدم في قداس العيد نصوص مريمية وأخري تخص السيد المسيح لها اتجاه مريمي، نذكر على سبيل المثال:
+ اليوم أشرق لنا نحن أيضا النور الحقيقي،
من مريم العذراء العروس النقية.
مريم ولدت مخلصنا محب البشر الصالح.
في بيت لحم اليهودية كأقوال الأنبياء...
+ طأطأ سماء السماوات،
وأتى إلى بطن العذراء.
وصار إنسانا مثلنا بدون الخطية وحدها...
+ تعالوا جميعا لنسجد لربنا يسوع المسيح،
الذي ولدته العذراء وبتوليتها مختومة...
ذكصولوجيات عيد الميلاد
+ اليوم البتول تلد الفائق الجوهر،
والأرض تقرب مغارة لغير المقترب إليه.
الملائكة مع الرعاة يمجدون،
والمجوس مع النجم في الطريق سائرين،
لأنه من أجلنا ولد صبيا جديدا الإله الذي قبل الدهور.
بعد قراءة الأبراكسيس
+ افرحي (السلام) أيتها السماء الجديدة،
التي أشرقت لنا منها شمس البر،
رب جميع البرية.
أسبسمس (آدام)
+ المولود من الآب قبل كل الدهور،
ولدته الملكة، وبتوليتها مختومة.
أسبسمس (واطس)
2- عيد البشارة:
+ افرحي (السلام) يا والدة الإله،
تهليل الملائكة.
افرحي أيتها العفيفة،
كرازة الأنبياء.
افرحي أيتها الممتلئة نعمة،
الرب معك.
افرحي يا من قبلت من الملاك فرح العالم!
أسبسمس (آدام)
3- الأعياد المريمية:
في الأعياد المريمية يقال عادة اللحن المريمي الجميل الذي يدعى
"الأوتار العشرة".
+ داود حرك الوتر الأول في قيثارته، صارخا قائلا:
قامت الملكة عن يمينك أيها الملك (مز45: 9).
وحرك الوتر الثاني من قيثارته، صارخا قائلا:
اسمعي يا ابنتي وانظري،
وأميلي سمعك،
وانسي شعبك وبيت أبيك (مز45: 10).
وحرك الوتر الثالث...، قائلا:
كل مجد ابنة الملك من الداخل،
مشتملة بأطراف موشاة بالذهب (مز45: 13)
وحرك الوتر الرابع...، قائلا:
يدخلن إلى الملك عذارى خلفها (مز45: 14).
وحرك الوتر الخامس...، قائلا:
عظيم هو الرب،
ومسبح جدا في مدينة إلهنا،
على جبله المقدس (مز45: 1).
وحرك الوتر السادس...، قائلا:
أجنحة حمامة مغشاة بفضة،
ومنكباها بصغرة الذهب (مز68: 13).
وحرك الوتر السابع...، قائلا:
جبل الله، الجبل الدسم،
الجبل المجبن، الجبل الدسم (مز68: 15).
وحرك الوتر الثامن...، قائلا:
أساساته في الجبال المقدسة،
أحب الرب أبواب صهيون (87: 1، 2).
وحرك الوتر التاسع...، قائلا:
تكلموا من أجلك بأعمال كريمة يا مدينة الله (مز78: 3).
وحرك الوتر العاشر...، قائلا:
اختار صهيون، ورضيها مسكنا له (مز 132: 13).
اشفعي فينا أمام الرب...".
كما يقال لحن مريمي آخر في تكريم القديسة مريم ويمكن أن يستخدم في أي عيد آخر:
"افرحي يا والدة الإله العذراء،
يا شفيعة في العالم عند المخلص، إلهنا...
افرحي يا والدة الإله العذراء،
والدة عمانوئيل،
يا من غير متزوجة،
افرحي يا طقس الملائكة.
افرحي يا شفيعتنا عند الآب إلهنا، نعظمك...
4- الصوم الكبير:
بين تسابيح وألحان الصوم الكبير المتنوعة التي تركز على التوبة والصوم كإعداد لعيد الفصح (القيامة)، يقال لحن مريمي خاص بهذه الفترة يسمى"ميغالو" أي "العظيم". هذا اللحن في حقيقته مقدم للسيد المسيح. ابن العذراء، ننشده قبل "الثلاث تقديسات"، وكأن الكنيسة تريد أن تعلن ارتباط ميلاد المسيح البتول بقيامته.
"رئيس الكهنة الأعظم إلى الآباد،
الطاهر، القدوس الله.
على طقس ملكي صادق الكامل، قدوس القوي.
المتجسد من الروح القدس ومن القديسة مريم البتول بسر عظيم،
قدوس الذي لا يموت، ارحمنا..."
ويكمل هذا اللحن بلحن رئيسي آخر يسمى "آبنشويس" (ربنا)،
فيه يقول:
"ربنا يسوع المسيح، صام عنا أربعين يوما وأربعين ليلة،
حتى خلصنا من خطايانا...
البخور الذي بطنها.
البخور الذي تلده كي يغفر لنا خطايانا.
فلنسبح مع الملائكة، صارخين، قائلين:
مستحقة (اكسياس)،
مستحقة،
مستحقة يا مريم العذراء".
5- أسبوع البصخة:
في هذا الأسبوع تطفئ كل "القناديل" (السرج) الموضوعة أمام أيقونات القديسين ولا يقدم بخور أمام الأيقونات، بل ولا يذكر المجمع في قداس خميس العهد، إذ يلزم أن نوجه أنظارنا إلى أحداث هذا الأسبوع الأخير قبل القيامة. ومع هذا فإن الألحان المريمية تجد لها موضعا وسط طقس هذا الأسبوع وذلك بسبب التلازم بين التجسد الذي تحقق خلال البتول وسر الصليب.
ففي كل ليلة قبل قراءة الطرح (تفسير الإنجيل)، نردد:
"افرحي (السلام) يا مريم الحمامة الحسنة،
التي ولدت لنا الله الكلمة".
وفي الجمعة العظيمة، قبلما ننشد "الثلاث تقديسات"، نردد لحن جميل يدعى "مونوجانيس (الابن الوحيد)". فيه تذكر الكنيسة شخص المصلوب الذي ظهر في الضعف، وهو بعينه المولود من العذراء، إذ أخلي الله ذاته وصار إنسانا من أجلنا" (في2: 7).
"أيها الابن الوحيد الجنس،
وكلمة الله الذي لا يموت، الأزلي،
والقابل كل شئ لأجل خلصنا،
المتجسد من القديسة والدة الإله،
الدائمة البتولية مريم،
بغير استحالة،
المتأنس، المصلوب،
المسيح الإله.
بالموت داس الموت،
أحد الثالوث القدوس،
الممجد مع الآب والروح القدس،
خلصنا".
6- عيد القيامة (الفصح):
يرى الأباء القديسون تشابها بين أحشاء القديسة مريم وقبر الرب، فكما ولد الرب من القديسة مريم وبقيت بتوليتها مختومة، هكذا قام الرب وأختام القبر كما هي.
في الطقس البيزنطي الخاص بخدمة عيد الفصح، يقال: د
" أيها المسيح، الذي لم يكسر باب البتول بميلاده،
قمت من بين الأموات،حفاظا على الأختام كما هي،
فاتحا لنا أبواب الفردوس".
وفي الطقس القبطي يقال في عيد الفصح النص المريمي التالي:
"استنيري، استنيري، أيتها العذراء مريم".
أسبسمس (آدام)
فالقديسة مريم وقد حفظت في قلبها الأحداث العجيبة الخاصة بابنها (لو2: 19) قد استنارت ببهاء الرب القائم من الأموات وأدركت سره في أكثر الكمال.
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مار جرجس سبورتنج
عن كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي
المزيد
18 أغسطس 2025
القديسة مريم في الليتورجيات القبطية
تحتل النصوص والتسابيح المريمية مركزا ساميا في ليتورجياتنا، وقد نظمت معانيها الروحية ونغماتها بطريقة جميلة تتفق مع المناسبات المختلفة وفيما يلي أمثلة لمركز النصوص المريمية في بعض الليتورجيات القبطية:
1- ليتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي)
(ا) قبل تقديم الحمل يقال اللحن التالي: "السلام لمريم الملكة،الكرمة غير الشائخة، التي لم يفلحها فلاح،
ووجد فيها عنقود الحياة!ابن الله الحقيقي تجسد من العذراء وجدت نعمة أيتها العروس،كثيرون نطقوا بكرامتك،لأن كلمة الأب تجسد منك!
أنت هي البرج العالي،الذي وجدوا فيها الجوهرة..." يحمل هذا اللحن معاني تتناسب مع الموقف، فإن الكنيسة في هذه اللحظات تستعد لتقديم الحمل، بعد أن يختاره الكاهن وهو واقف عند الباب الملكي أي الباب السماوي، هذا الحمل هو الملك. لهذا فإن القديسة مريم في هذا اللحن تدعى الملكة، لتذكرنا بالملك السماوي، ابنها الذي بذل حياته لنكون واحدا مع هذه الملكة جالسين عن يمين الملك.
دعيت أيضا بالعروس، لأن ليتورجيا الأفخارستيا في الحقيقة تمثل سر اتحاد العريس السماوي والكنيسة، تمثل سر الزيجة الروحية بين المسيح المصلوب ونفوسنا.
لقبت أيضا بالبرج العالي، إذ استطاعت الدخول في الفردوس في استحقاق ابنها، تنتظرنا هناك.
وأخيرا فإن هذا اللحن خاص بسر التجسد الذي تحقق في أحشاء القديسة مريم، السر الذي يقودنا للتناول من جسد الرب ودمه الاقدسين.
(ب) في أثناء تقديم البخور يترنم الشعب باللحن التالي:
"المجمرة الذهب النقي،
الحاملة العنبر،
في يدي هرون الكاهن،
يرفع بخورا فوق المذبح".
وفي أيام الصوم يقال:
"المجمرة الذهب هي العذراء،
وعنبرها هو مخلصنا،
ولدته وخلصنا،
وغفر لنا خطايانا.
وفي أيام الصوم الكبير يقال:
"أنت هي المجمرة الذهب النقي،
الحاملة جمر النار المبارك".
تعلن هذه الألحان أن عملية تقديم البخور هي رمز لسر التجسد،
إذ قدم الإله المتجسد نفسه عنا ذبيحة طيبة، مقبولة لدى الأب.
في الطقس الأثيوبي حين يقدم بخور لأيقونة القديسة مريم، يقول الكاهن:
"أنت هي المجمرة الذهب،
التي حملت جمر النار الحي...
مبارك هو هذا، الذي تجسد منك!
الذي قدم ذاته لأبيه تقدمة بخور مقبولة"،
وخارج الأيقونستارسز (حامل الأيقونات) يقول أيضا:
"المجمرة هي مريم،
والبخور هو هذا الذي في أحشائها،
رائحته ذاكية.
البخور هو هذا الذي حملت به،
أتى وخلصنا،
الدهن الطيب،
يسوع المسيح..."
(ج) عند تقديم البخور أمام أيقونة القديسة مريم، يقول الكاهن القبطي العبارات التالية:
"أفرحي أيتها الحمامة الحسنة،
التي حملت الله الكلمة من أجلنا.
نعطيك السلام مع جبرائيل الملاك قائلين:
الفرح لك، أيتها الممتلئة نعمة،
الرب معك".
"الفرح لك أيتها العذراء، الملكة الحقيقية،
السلام (الفرح) لفخر جنسنا"
ولدت لنا عمانوئيل".
"نسألك أيتها الشفيعة المؤتمنة أن تذكرينا أمام ربنا يسوع المسيح،
لكي يغفر لنا خطايانا".
(د) قبل قراءة الأبراكسيس يقال:
"الفرح لك يا مريم، الحمامة الحسنة،
التي ولدت لنا الله الكلمة!".
يرنم هذا اللحن الذي فيه توصف القديسة مريم كحمامة حسنة قبل قراءة فصل من سفر أعمال الكنيسة (أعمال الرسل)، لأن القديسة هي مثال الكنيسة التي بلا غصن التي تقبلت القداسة من يدي الله خلال يسوع المسيح، الإله المتجسد،
هذا وأننا نلاحظ أن جميع الألحان المريمية التي ترنم خلال القراءات (قداس الكلمة) تركز على التجسد الإلهي، وكأننا لسنا فقط نسمع عن كلمة الله المقروءة بل نتقبل الكلمة كشخص يسكن في نفوسنا كما يسكن في أحشاء القديسة.
(ه) بعد صلاة الصلح، عادة يقال اللحن التالي:
"أفرحي يا مريم العبدة والأم،
لأن الذي في حجرك، الملائكة تسبحه.
والشار وبيم يسجدون له باستحقاق،
والسيرافيم بغير فتور.
ليس لنا دالة، عند ربنا يسوع المسيح،
سوى طلباتك وشفاعتك يا سيدتنا كلنا، يا والدة الإله".
هكذا إذ تمت المصالحة التي تحققت بالمسيح يسوع، صارت مريم مثالا للكنيسة، لها أن تفرح.
كما نطلب شفاعتها عنا، خلال المصالحة التي صنعها يسوع!.
(و) بعد تقديس القرابين إذ تتحد الكنيسة في المسيح يسوع نذكر القديسين لكي يسندوننا بصلواتهم. وكان طبيعيا أن نذكر القديسة مريم في مقدمة كل القديسين:
"وبالأكثر العذراء كل حين، والدة الإله،
المملؤة مجدا،
الطاهرة مريم،
التي ولدت لنا الله الكلمة".
المجمع الباسيلي
(ز) عند التناول من الأسرار المقدسة، يقال لحن (بي أويك) أي "الخبز":
"خبز الحياة الذي نزل إلينا من السماء،
وهب الحياة للعالم.
وأنت أيضا يا مريم،
حملت في بطنك المن العقلي الذي أتى من الأب".
ولدته بغير دنس،
وأعطانا جسده ودمه الكريم،
فحيينا إلى الأبد".
2- سر الزيجة:
خلال سر الزيجة المقدس يلزم أن تتجه أنظار الكاهن والشماس وكل الشعب إلى حفل العرس الأبدي الذي يقوم بين السيد المسيح والكنيسة لهذا فلا عجب أن قدمت الألحان خاصة بتجسد السيد المسيح أي مجيء العريس، كما ركزت على شخص القديسة مريم مع أنها بتول لم تتزوج!
نذكر على سبيل المثال ما ورد في الجزء الأول من هذه الخدمة أي "عقد الأملاك"، إذ يسمع الحاضرون الإنجيل الخاص بتجسد الله الكلمة، أي تجسد عر يسهم السماوي (يو1: 1- 17)يترنم الكل في لحن شعانيني (دخول المسيح أورشليم) المرد التالي، كأنهم يستقبلون العريس الداخل إلى أورشليم الداخلية:
"الفرح للخدر المزين بكل نوع للعريس الحقيقي، الذي أتحد بالبشرية".
هذا وتمدح القديسة مريم كمثال للكنيسة، العروس السماوي، نذكر على سبيل المثال:
(أ) بعد تقديم صلاة الشكر يتقدم الشمامسة باللحن "هذه هي المجمرة..."، وعند الصلاة على الأكاليل يترنمون "العذراء هي المجمرة الذهب..."
(ب) خلال صلوات الزيجة يقول الشمامسة المردات التالية:
"باب المشارق هو مريم العذراء،
الخدر الطاهر الذي للختن النقي".
كل ملوك الأرض يسيرون في نورك،
والأمم في بهائك،
يا مريم أم الله.
سليمان يدعوك في نشيد الأناشيد، قائلا:
أختي، حبيبتي، مدينتي الحقيقية أورشليم".
مضيئة أنت أكثر من الشمس،
أنت هي ناحية المشرق،
التي يتطلع إليها الأبرار بفرح وتهليل: .
يا للعجب، بينما يسأل الكهنة الله ثلاثا أن يهب العروسين مضجعا (خدرا) طاهرا، وحياة مطوبة خلال اتحادهم معا، إذا بالشمامسة والشعب يعلنون فرحهم بالخدر المقدس أي أحشاء البتول، حيث اتحد العريس هناك ببشريتنا. بهذا صارت القديسة مريم "الشرق" الذي يضئ فيه شمس البر على العالم كله، ويأتي كل ملوك (المؤمنين) الأرض بفرح إلى هذا السر.
(ج) في نهاية خدمة سر الزيجة يتغنى الشمامسة بهذا النشيد:
السلام للعروس المضيئة،
أم الذي يضئ،
السلام للتي قبلت إليها الكلمة،
الكائن في أحشائها،
السلام للتي هي أكرم من الشار وبيم،
السلام للتي ولدت لنا مخلص أنفسنا،
المجد للآب والابن والروح القدوس.
هكذا فإن خدمة سر الإكليل في الطقس القبطي_ من بدايته وحتى النهاية يجتذبا نحو القديسة مريم كعروس مضيئة، وكأنه يريدنا أن نتهيأ نحن أيضا لنكون عروس المسيح الأبدية.
3- خدمة سر المعمودية:
قبل تقبل نعمة العماد، يعلن طالب العماد أو اشبينه، أمام الأسقف أو الكاهن ايمانه بالميلاد العذروي للسيد المسيح كجزء أساسي في قانون الإيمان المسيحي.
4- سر مسحة المرضى:
يكرر الكاهن سؤاله أثناء ليتورجية المسحة طالبا صلوات القديسة مريم وشفاعتها عنا لغفران خطايانا، ملقبا إياها" أم الخلاص". أن الكنيسة تسأل أعضائها المنتصرين الصلاة عن الأعضاء المجاهدين حتى يشفي أرواحهم ونفوسهم وأجسادهم.
"...بشفاعة العذراء أم الخلاص،
التي نسبحها قائلين:
مباركة أنت بين النساء،
ومباركة هي ثمرة بطنك..."
"... بشفاعات والدة الإله، وطلبات الملائكة، ودم الشهداء،
وصلوات القديسين..."
"أيتها العذراء القديسة والدة الإله بغير زرع بشر،
اشفعي من أجل خلاص نفوسنا".
5- ليتورجية حميم الطفل:
الكنيسة القبطية كأم تهتم بأطفالها حتى قبل العماد، ففي اليوم الثامن من ميلاد الطفل يشترك الكاهن والشمامسة مع الأسرة في طقس خاص يسمى "حميم الطفل"، فيه يقدمون الشكر للرب من أجل عطية هذا الطفل، ويسألونه أن يعده للميلاد الروحي. في هذه المناسبة تذكر الكنيسة عائلة الطفل بابن الله الوحيد الذي ولد من القديسة مريم، إذ يردد الكل:
"لأن غير المتجسد تجسد،
والكلمة تجسم.
غير المبتدئ صار مبتدأ،
غير الزمني صار تحت الزمن..."
يا مريم سيدتنا، والدة الإله،
يا مريم أم مخلصنا،
اشفعي فينا ليغفر لنا خطايانا".
أخيرا فأنني أحسب أنه يسهل جدا إدراك مركز القديسة مريم في كل الليتورجيات الخاصة بالكنيسة القبطية التي لم أتحدث عنها.
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مار جرجس سبورتنج
عن كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي
المزيد
11 أغسطس 2025
رموز القديسة مريم في التسابيح القبطية
1- خيمة الاجتماع: ثيؤتوكية الأحد تدعو القديسة مريم "القبة الثانية وقدس أقداس خيمة الاجتماع الخ..." ويلاحظ أنه في البشارة يقول الملاك جبرائيل: "قوة العلي تظللك (ابيسكيازين)" لو1: 35، مستخدما نفس الفعل "ابيسكيازين" (في العبرية شكن أي يسكن) الذي استخدم في خيمة الاجتماع حيث كان الله يسكن في وسط شعبه، وهو ذات الفعل الذي استخدم في لحظات تجلي السيد المسيح حيث كان الرب حاضرا وسط اثنين من أنبيائه وثلاثة من تلاميذه حيث كانت السحابة تظللهم. جاء في سفر الخروج (40: 35) أن موسى لم يكن قادرا على دخول الخيمة، لان الرب سكن "شكن" فيها ومجد الرب ملأها، أما القديسة مريم فهي الخيمة الحقيقية التي سكن الرب فيها وسط شعبه. أن موسى لم يستطع أن يدخل الخيمة بسبب مجد الله، فمن يقدر أن يقدر أن يتفهم سر القديسة التي حملت الله نفسه في أحشائها المقدسة؟
"من يقدر أن ينطق بكرامة القبة التي صنعها موسى على جبل سيناء؟!
شبهوك بها، يا مريم العذراء،القبة الحقيقية،التي في داخلها الله".ثيؤتوكية الأحد
2- تابوت العهد: شبهت القديسة مريم بتابوت العهد المصنوع من الخشب الذي لا يسوس مغشى بالذهب من الداخل والخارج."وأنت يا مريم العذراء،متسربلة بمجد اللاهوت من الداخل والخارج".ثيؤتوكية الأحد
تابوت العهد الذي يمثل حضرة الله، وبقى في بيت عوبيد آدوم ثلاثة شهور قبلما يحضره داود إلى بيته (2 صم 6)، والقديسة مريم الحاملة للرب نفسه بقيت ثلاثة شهور في مدينة اليهودية. كان حمل التابوت يبعث في الشعب فرحا، وجعل داود يرقص أمام الرب (2صم6، 1 آي 15: 29)، وهكذا وصول القديسة مريم بعث في اليصابات الفرح وركض الجنين –يوحنا المعمدان- في أحشاء أمه مبتهجا. والعجيب أن الفعل الخاص بركض الجنين (سكيرتان) في لوقا 1: 41، 44، هو بعينه الذي استخدم عند فرح داود ورقصه أمام التابوت، وهو عادة يستخدم في الكتاب المقدس ليعبر عن رقصات الفرح المصاحبة لحضور الرب (مز 114: 4، 6، حكمة 9: 9، ملاخي 4: 2) والخاص بالفرح السماوي (لو 6: 23). حقا أن القديسة مريم _ تابوت الله الحقيقي، صارت سر فرح كل الخليقة: "السلام لوالدة الإله،تهليل الملائكة!"
ثيؤتوكية الثلاثاء
"تكلموا بكرامات من أجلك يا مدينة الله،لانك أنت مسكن جميع الفرحين" ثيؤتوكية الأربعاء
3- غطاء التابوت: كان غطاء التابوت يسمى في العبرية "شكينا أو مسكن"، إذ كان يمثل كرسي الرحمة الخاص بالله، يظلله كار وبان. وكان الله يظهر بين الكار وبين في لون أزرق رمز السماء، ومن هناك أعتاد الله أن يتحدث مع موسى. القديسة مريم هي هذا الغطاء، رمز الكنيسة، حيث يجلس الله على عرش رحمته وسط شعبه، وهي ممتلئة بالخليقة السماوية كاروبا الذهب مصوران مظللان على الغطاء بأجنحتهما كل حين يظللان على موضع قدس الأقداس في القبة الثانية وأنت يا مريم ألوف ألوف وربوات ربوات يظللان عليك" مسبحين خالقهم،وهو في بطنك هذا الذي أخذ شبهنا... ثيؤتوكية الأحد
4- قسط المن : أنت هي قسط الذهب النقي،المن الخفي في داخله،خبز الحياة الذي نزل إلينا من السماء،
وأعطى الحياة للعالم وأنت أيضا يا مريم حملت في بطنك،المن العقلي الذي أتى من الآب.ولدته بغير دنس،وأعطانا جسده ودمه الكريمين فحيينا إلى الأبد..."ثيؤتوكية الأحد
في العهد القديم عال الله شعبه بالمن، أما الآن فيعطينا المن العقلي الذي نزل من السماء في أحشاء العذراء. وكما يقول الرب نفسه: "آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان. أن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" يو6: 49_51. يليق بنا أن نعرف أن القديسة مريم لم تكن مجرد إناء، بل تقبل المن المخفي جسده منها.
5- المنارة الذهبية: أنت المنارة الذهب النقي،الحاملة المصباح المتقد كل حين الذي هو نور العالم غير المقترب إليه الذي تجسد منك بغير تغيير كل الرتب العلوية لم تقدر أن تشبهك أيتها المنارة الذهبية الذي في بطنك يا مريم العذراء، أضاء لكل إنسان آت إلى العالم لأنه هو شمس البر، ولدته، وشفانا من خطايانا..." ثيؤتوكية الأحد
هكذا صارت القديسة مريم أعظم من كل الطغمات السمائية، لأنها حملت النور الحقيقي أضاء ولم تستطع خليقة ما أن تعاين جوهره!
6- العليقة المتقدة نارا: العليقة التي رآها موسى في البرية،والنار مشتعلة فيها ولم تحترق أغصانها،هي مثال مريم العذراء غير الدنسة،التي أتى وتجسد منها كلمة الآب ونار لاهوته لم تحرق بطن العذراء وأيضا بعدما ولدته بقيت عذراء.ثيؤتوكية الخميس
العليقة ليس فقط لم تحترق بل كانت مخضرة ومزهرة بجمال (حز3: 1- 3) كما جاء في الطقس الأرمني: "أنت اشتعلت بالشمس كالعليقة ولم تحترقي، بل قدمت للبشر خبز الحياة، وتشفعت فينا لكي يغفر لنا المسيح خطايانا"صلاة البركة
ويقول القديس أفرام السرياني: "حملت في أحشائها السيد المسيح، كعليقه جبل حوريب التي حملت الله في لهيبها" وجاءت كلمات السيد المسيح موجهة إلى أبيه بخصوص أمه في لحظات انتقالها كما رواها البابا ثيؤدوسيوس الإسكندري تقول: "تقبل مني يا أبي الصالح،العليقة التي حملت نار اللاهوت ولم تحترق.أقدمها لك يا أبي، هبة ملوكية اليوم،ألا وهي نفس أمي البتول".
7- عصا هرون: مرتفعة أنت بالحقيقة أكثر من عصا هرون،أيتها الممتلئة نعمة،ما هي العصا إلا مريم؟!
لأنها مثال بتوليتها.حبلت وولدت بغير زرع بشر،ابن العلي، الكلمة الذاتي.ثيؤتوكية الأحد
العصا التي بلا حياة أزهرت (عد 17: 8) رمزا للقديسة مريم التي أنجبت "الحياة".
8- سلم يعقوب: أنت هي السلم الذي رآه يعقوب ثابت على الأرض، ومرتفع إلى السماء،والملائكة نازلون عليه.ثيؤتوكية الثلاثاء
9- الجبل العقلي: كلمة الله الآب الحي،نزل ليعطي الناموس على جبل سيناء هو أيضا نزل عليك، أيها الجبل الناطق هذا هو الحجر الذي رآه دانيال، قد قطع من جبل.ولم تلمسه يد إنسان البتة،هو الكلمة الصادر من الآب،آتى وتجسد من العذراء بغير زرع بشر، حتى خلصنا.ثيؤتوكية الثلاثاء
رموز أخرى:
قدمت لنا التسابيح اليومية رموز ومثالات أخرى للقديسة مريم مثل مجمرة هرون، باب حزقيال، فلك نوح، مدينة الله، السحابة المنيرة التي يجلس عليها الله (أش 19)، أورشليم الجديدة إلخ...
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مار جرجس سبورتنج
عن كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي
المزيد
04 أغسطس 2025
القديسة مريم في الطقس القبطي
يصعب علي جدا أن أقدم عرضا كاملا لمركز القديسة مريم السامي في الكنيسة القبطية في هذا المقال المختصر فالقديسة مريم تذكر في كل تسبحة يومية وفي كل ليتورجية وفي كل "صلوات السواعي" النهارية والليلية كما نحتفل بأعياد مريمية مختلفة سنوية وشهرية هذا بجانب تكريما لها في بعض الأعياد السيدية مثل البشارة والميلاد ودخول السيد المسيح الهيكل وهروب العائلة المقدسة إلى مصر وتذكار أول معجزة صنها يسوع بقانا الجليل الخ أما أيقونتها فلها سمات خاصة، وتحتل مركزا معينا في مبنى الكنيسة القبطية الأيقونات ونغمات التسبيح المريمية مدهشة جدا، خاصة ألحان الشهر المريمي (شهر كيهك) الذي يسبق عيد الميلاد.
1- القديسة مريم في التسبحة اليومية:
تعطي الكنيسة القبطية اهتماما خاصا بالتسبيح بكونه تعبيرا عن طبيعة الكنيسة السماوية تتقبلها خلال اتحادها بالسيد المسيح المقام من الأموات فمن القرون الأولى وضعت تسابيح خاصة بكل يوم من أيام الأسبوع تقدمها الكنيسة ذبيحة حب يرفعها المؤمنون من أجل انطلاق قلوبهم للسماء استعدادا مستمرا خلال الأسبوع للتمتع بالشركة في لتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي) هذه التسابيح البسيطة العذبة استخدمت أيضا لتعليم الشعب المعتقدات الأرثوذكسية وحمايتهم من الهرطقات هذا بجانب ما للاجتماع الكنسي اليومي للتسبيح من فاعلية لحفظ روح وحدة الكنيسة.
كل تسبحة يومية تضم الصلاة الربانية صلاة الشكر مجموعة من المزامير مقتطفات من الكتاب المقدس أربع هوسات (تسابيح) ولبش (تفسير) كما تتضمن ثيؤتوكية خاصة باليوم أي تسبحة خاصة بتمجيد الثيؤتوكوس (والدة الإله) إلخ...
ملامح الثيؤتوكيات:
1- في الثيؤتوكيات يكرر الشعب اسم"مريم" كعلامة على الصداقة الوثيقة التي تربط بينهما والرغبة الأكيدة في دعوتها باسمها في العهد القديم لم يحمل هذا الاسم إلا أخت موسى وهرون (خر 15: 20)، (عدد 12: 1-5) ومريم من نسل يهوذا (1أخ 4: 17) وقد وجدت تفاسير متابينة لمعنى هذا الاسم من الجانب اللغوي نذكر منها:
(أ) كما أن اسمي موسى وهرون مصريان أصيلان فانه يحتمل أن يكون اسم أختهما أيضا مصريا"مريام" مشتقا عن كلمتين "ميري" مأخوذة من فعل (مر) أي يحب، فتعني "محبوبة" "يام" كان مستخدما لدى المصريين للإشارة إلى الاسم الإلهي العبري "يهوه" بهذا فان ميريام تعني "المحبوبة لدي الله".
(ب) يرى الحاخامات القدامى أن اسم مريم يحمل رمزا لمرارة العبودية التي عانى منها إسرائيل في مصر كلمة "مريم في نظرهم مأخوذة عن العبريةMerur جاءت عن قسوة معاملة المصرين لهم.
(ج) يرى بعض الكتاب المصرين الأوائل أن الكلمة العبرية "مريام"، جاءت مشتقة عن كلمتين:
"مار" يعني "مر" "يم" يعني "بحر" فكلمة "مريم" تعني "مرارة البحر".
(د) يرى بعض أن كلمة "مريم" هي مؤنث الكلمة الآرامية "مار" (سيد)، فتعني "سيدة".
2- استخدمت الثيؤتوكيات عددا كبيرا من ألقاب القديسة مريم مأخوذة عن أعمالها المتباينة وامتيازاتها المختلفة، مثل: "القبة الثانية"، قدس الأقداس، وعاء المن الذهبي، المنارة الذهبية، المجمرة الذهب.
سيدتي، القديسة، غير الدنسة، العذراء الحقيقية، الحمامة الحسنة، الزهرة القديسة، الحجر الثمين الثيؤتوكوس، والدة عمانوئيل، أم الملجأ، أم القدوس، والدة الإله، والدة السيد، والدة الحبيب، أم يسوع المسيح، أم ابن الله فرح حواء، بهجة الأجيال فخر يهوذا، كرازة موسى، صديقة سليمان، ابنة يواقيم" "عليقة موسى المشتعلة، الحقل غير المفلح الذي انتج ثمرة الحياة، الكنز الذي اشتراه يوسف ووجد فيه اللؤلؤة المختفية، مرضعة ذاك الذي يقوت كل جسد، جبل (سيناء) العاقل، الجبل الذي رآه دانيال، الكاملة، الطاهرة، فرح الملائكة أم المسيح، أم كل حي" "السماء الثانية، الباب الشرقي، أورشليم مدينة ربنا، الفردوس العاقل العروس الطاهرة للعريس الطاهر، غير الفاسدة التي بلا عيب، الإناء المختار، العبدة.
معمل الاتحاد غير المنفصل (بين اللاهوت والناسوت) "فخر كل العذارى، سماء جديدة، المرأة (الواردة في رؤ 12)، "الشفيعة".
3- الثيؤتوكيات غنية جدا بالرموز الخاصة بالقديسة مريم مقتبسة من الكتاب المقدس مع عرض لاهوتي بسيط وعميق لأعمال القديسة وامتيازاتها وعلاقتها بالثالوث القدوس والسمائيين والمؤمنين وكل الجنس البشري.
4- خلال هذه التسابيح توضح الكنيسة سر التجسد وسر خلاصنا مع جوانب كثيرة من لاهوت السيد المسيح من أمثلة ذلك: الله الكلمة الذي صار إنسانا بغير افتراق، واحد من اثنين: اللاهوت القدوس غير الفاسد، والناسوت الطاهر من غير زرع بشر مساو لنا كالتدبير. ثيؤتوكية الأحد
لم يزل إلها، أتي وصار ابن بشر، لكنه هو الإله الحقيقي، أتي وخلصنا. ثيؤتوكية الخميس
5- لا حاجة لنا أن نشير إلى الثيؤتوكيات وما تحمله من اتجاه اسخاتولوجي (أخروي)إذ فيها تعبر الكنيسة القبطية عن حياتها فالثيؤتوكيات تشرح طقوس العهد القديم كرموز وإشارات لسر التجسد من جانب الملكوت السماوي نعطي مثالا لهذا الاتجاه الأخروي بما ورد في ختام الثيؤتوكيات الواطس (من الأربعاء إلى السبت)، إذ جاء فيها: "يا ربنا يسوع المسيح حامل خطية العالم،احسبنا مع خرافك الذين عن يمينك عند ظهورك الثاني، المخوف، لا نسمع برعدة أنني لست أعرفكم، بل تكون مستحقين لسماع الصوت، الممتلئ فرحا، الذي لرأفتك، يصرخ قائلا: "تعالوا إلي يا مباركي أبي،رثوا الحياة الدائمة إلى الأبد يأتي الشهداء حاملين عذابا تهم،ويأتي الصديقون حاملين فضائلهم يأتي ابن الله في مجده ومجد أبيه،ويجازي كل واحد كأعماله التي صنعها..."
6- هذه الثيؤتوكيات في الواقع هي تسابيح لتورجيا تهيئنا روحيا للشركة في لتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي) للتمتع بالتناول من المن الحقيقي جسد ودم يسوع المسيح ابن القديسة مريم.
7- تلقيبها بالثيؤتوكيات يكشف لنا عن الأساس اللاهوتي الرئيسي في تكريم الأقباط للقديسة مريم ألا وهو أنها "ثيؤتوكوس" أي والدة الإله هذا بجانب الجوانب الأخرى مثل دوام بتوليتها وصداقتها القوية لاخوتها أي الجنس البشري كله.
8- في النصوص والتسابيح المريمية الأصلية تضع الكنيسة خطأ واضحا بين شخص يسوع المسيح الذي يلزم له العبادة، والقديسة مريم التي يليق بها التكريم كما يقول القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص: "لنكرم مريم وليعبد المسيح".
كما يحزرنا القديس أمبروسيوس في هذا الشأن قائلا "بلا شك يلزم أن يعبد الروح القدس حين نعبد ذاك الذي تسجد بالروح القدس لكنه يلزم ألا يطبق أحد هذا على مريم فهي هيكل الله لا إله الهيكل أننا نعبد ذاك الذي عمل في الهيكل وحده".
9- تحثنا الثيؤتوكيات على التوبة.
مراحمك يا إلهي غير محصاة...الخطايا التي صنعتها ياربي لا تذكرها،ولا تحسب آثامي، فان العشار اخترته،والزانية خلصتها،واللص اليمين يا سيدي ذكرته وأيضا الخاطي يا يسدي علمني أن أصنع توبة.
ختام ثيؤتوكيات آدام
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مار جرجس سبورتنج
عن كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي
المزيد
19 أبريل 2025
سبت الفرح والتهليل
لقاء حول ظهور النور في سبت الفرح
في جلسة عائلية بعد الاحتفال بعيد القيامة المجيدة، الذي كان يُدعى « عيد الفصح المسيحي » سألت الفتاة الصغيرة أن ( حنة ) لماذا يظهر النور في سبت النور من قبر المسيح وليس في أحد القيامة ؟
أجابت والدتها سوسنة : إذ تجسد كلمة الله وصار إنسانًا ليُخلصنا بصلبه، مات بإرادته في نهاية الجمعة العظيمة. مع بدء السبت انطلقت نفسه إلى الهاوية، فاهتزت أسوارها واستقبله الراقدون الذين ماتوا وكانوا يؤمنون بمجيء المسيح المخلص. انطلقت نفوس أطفال بيت لحم الذين قتلهم هيرودس ومعهم الآباء ابراهيم وإسحق ويعقوب وعائلاتهم والمؤمنون من نسلهم وأيوب البار وأمثاله في موكب عظيم يضم البلايين يقدمون الشكر والتسبيح تهللت كل القوات السمائية من ملائكة ورؤساء ملائكة وشاروبيم وسيرافيم وغيرهم في منظر جميل ورائع، الكل كانوا يسبحون المخلص بتسبحة جديدة، إذ رأوا ما كان سرًا إلهيا مخفيًا عنهم دهشوا لمحبة الله لبني البشر الذين صاروا كملائكة الله وقد انضموا إلى خورس الملائكة للتسبيح نحن أيضا نفرح في سبت الفرح ونتغنى بتسابيح المؤمنين الذين عاشوا في العهد القديم والعهد الجديد فظهور النور في يوم السبت يدعونا أن نهنئ الراقدين بتمتعهم بالقيامة قبلنا، ونحسب فرحهم في يوم السبت بداية لفرحنا يوم الأحد.
مارك : اخبريني يا أمي هل في السماء سننضم نحن الخطاة الضعفاء مع هؤلاء المسبحين لمسيحنا المصلوب القائم من الأموات؟
سوسنة : لماذا تقول هذا يا مارك ؟ انجيلنا معناه « الأخبار السارة » فهو يدعونا أن نلتقي مع مسيحنا مفرح القلوب بالتوبة.
مارك : أليست التوبة تعني الحزن على خطايانا ؟
سوسنة : التوبة هي رجوع إلى مخلصنا السماوي مفرح القلوب، ففي مثال الابن الراجع إلى أبيه (لوقا١٥)، عاد الابن إلى أبيه حزينًا على خطاياه ومتهللا بأبيه الذي انطلق إليه وحضنه وقبله، ودخل به إلى البيت ليجد وليمة عظيمة أعدها أبوه له. فالتائب مثل داود النبي كان يبكي على خطاياه وكانت دموع الفرح أيضًا تتدفق من عينيه إذ يرى ويلمس حب الله له !
لماذا كل هذه التسابيح في سبت النور ؟
آن : لاحظت يا أبي أننا في سبت الفرح نسبح بتسابيح كثيرة لأناس في أجيال متعددة مثل موسى النبي، وحنة أم صموئيل، وحبقوق النبي، ويونان النبي، وحزقيا ملك يهوذا، وابنه منسى الذي كان أشر ملوك يهوذا لمدة أكثر من خمسين عامًا وتاب في آخر أيامه، وإشعياء النبي، وإيليا النبي، وسليمان النبي وسمعان الشيخ، وغيرهم كثيرون الكنيسة كل هذه التسابيح ؟ لماذا وضعت
الأب دانيال : وضعت الكنيسة هذه التسابيح لأشخاص في أجيال متنوعة، وأيضًا في ظروف مختلفة، رجال ونساء، لكي تجعلنا دائما في رجاء بدون يأس مهما كانت خطايانا ما دمنا نطلب نعمة الله وحبه ونؤمن في جدية أنه غافر الخطايا، ونجاهد كأبناء واثقين في محبة أبينا السماوي.
مارك : كيف يفرح كل المؤمنين، خاصة إذا ظلمهم الناس أو ضايقوهم أو أصيبوا بمرض شدید؟
الأب دانيال : هلم نرى كيف يريدنا ربنا أن نعيش متهللين به على الدوام انظر عندما تجلى السيد المسيح أمام بطرس ويعقوب ويوحنا على جبل تابور، رأوا السيد المسيح كله نور حتى سقطوا على الأرض، وكان معه موسى النبي الذي عانى الكثير من الشعب في البرية حتى طلبوا قتله هو وأخيه هرون الكاهن، كما ظهر إيليا النبي الذي كانت الملكة إيزابيل وزوجها الملك أخاب يطلبان قتله، ترى كيف كان حال موسى وإيليا وهما مع السيد المسيح المنير ببهاء عظيم في تجليه ؟!
مارك : حتما كان نور المسيح منعكسا عليهما، وكانا يتحدثان معه بفرح شديد عن ما سيقدمه المسيح للبشرية بصلبه وقيامته.
دانيال : وماذا كان حال بطرس ويعقوب ويوحنا ؟
مارك : لقد طلب بطرس لنفسه وليعقوب وليوحنا من الرب المنير : ( جيد يا رب أن نكون ها هنا » (مت ١٧ : ٤)، فالثلاثة اشتهوا أن يعيشوا إلى الأبد على الجبل مع السيد المسيح وموسى وإيليا.
دانيال : هل كان يفكر موسى وإيليا في الذين كانوا يريدون قتلهما ؟
مارك : حتما إن ما كان يشغلهم هو الشكر والتسبيح لهذا المخلص المنير، الذي يهبهم انعكاس مجده عليهما.
دانيال : ونحن أيضًا نتألم قليلاً في العالم، لكن السماء ترحب بنا والرب وملائكته ينتظروننا بفرح.
صلاة منسى بين التسابيح
آن : يقول الكتاب المقدس عن منسى بن حزقيا الملك الصالح أنه أشر ملوك يهوذا قيل عنه إنه أضل الشعب ليعملوا أقبح من الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل (۲مل ۲۱ : ۹) ، « وجعل أيضا يهوذا يخطئ بأصنامه » (۲مل ۲۱ : ۱۷) ؟
سوسنة : حقا قضى منسى أغلب ملكه الذي استمر ٥٥ عامًا يمارس شرورا خطيرة، لكنه في أواخر حياته تاب، وجاء في صلاته الواردة في الترجمة السبعينية للعهد القديم" الآن أحني ركبتي قلبي، وأطلب من صلاحك. أخطأت يا رب أخطأت، وآثامي أنا عارفها. ولكن أسأل وأطلب إليك يا رب اغفر لي، ولا تهلكني بآثامي لأنك أنت إله التائبين فأسبحك في كل حين كل أيام حياتي، لأنك أنت هو الذي تسبح لك كل قوات السماوات، ولك المجد إلى الأبد آمين لقد صار منسى شاهدًا عجيبا الله غافر الخطايا، مراحمه أعظم من كل الخطايا كل من يتطلع إليه لا ييأس مطلقا من مراحم الرب.
تسبحة الثلاثة فتية القديسين
مارك : لماذا نسبح الله بتسبحة الثلاثة فتية القديسين الذين كانوا يتمشون في وسط النار وهم متهللين، وتسمي الكنيسة هذه التسبحة الهوس الثالث نرددها كل يوم، أما في سبت النور فلها لحن رائع يردده حتى الأطفال الصغار وهم متهللين، يقولون سبحوه مجدوه، زيدوه علواً إلى الأبد رحمته، فهو المسبح، والمجد، والمتعالي علي الأدهار ، وإلى الأبد رحمته.
سوسنة : إننا نردد هذه التسبحة كل يوم لأن الكنيسة تكشف لنا أن ظلم الأشرار حتى ولو صدر عن أباطرة وملوك، يحوّله الله إلى مصدر فرح وتهليل، لأن النار صارت للفتية كأنها ندى رقيق ولطيف رأى الامبراطور في النار الذي أعدها لحرق الثلاثة فتية شخصا يصاحبهم، قال عنه إنه شبيه بابن الآلهة يليق بنا ألا نخاف من أية ضيقة مهما كانت شديدة فالله يحولها لفرح قلوبنا ومجدنا الأبدي.
صلاة ختامية
وقفت الأسرة كلها للصلاة، وقام الفتى الصغير بالصلاة قائلاً نشكرك يا رب، لأنك مفرح قلوبنا بصليبك فرحت الطغمات السماوية، لأنك حطمت الهاوية ووهبتنا أن نتمتع بالفردوس لم نعد نخاف الموت، إذ نراك ترحب بنا وتدهش الملائكة أننا ننضم إليهم نعمتك تسندنا، حتى إن كنا في وسط النار نسبحك مع الثلاثة فتية القديسين نعتذر لك عن كل أخطائنا وشرورناهب لنا أن نتقدس ونتمتع ببرك !
بموتك تحوّل الراقدين في الهاوية إلى خورس للتسبيح نردد بالحقيقة مع الرسول بولس أقمتنا من موت الخطية
وأجلستنا في بهجة السماوات. »
أحببتنا، ونحن نشتاق أن نراك !
نعم، تعال سريعا أيها الرب يسوع. آمين.
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج
المزيد