المقالات

22 فبراير 2024

أبا كراجون الشهيد

كان من أهل البنوان وكان أولاً لصًا فاتفق معه شابان في اللصوصية، ومضوا إلى قلاية راهب فوجدوه ساهرًا في الصلاة. انتظروا إلى أن ينتهي من الصلاة ويرقد، ولكنه ظل واقفًا يصلى حتى انحلّت قلوبهم وجزعوا. وفى الصباح خرج إليهم الشيخ فخرّوا ساجدين أمامه وألقوا سيوفهم فوعظهم وعلّمهم ثم ترهَّبوا عنده.أما القديس أبا كراجون فقد أجهد نفسه في عبادات كثيرة وتنبأ له الشيخ أنه سينال إكليل الشهادة على اسم المسيح، وقد تم قوله إذ أنه بعد ست سنوات أثار الشيطان الاضطهاد على الكنيسة فودع القديس أبيه وأخذ بركته ومضى إلى نقيوس واعترف باسم السيد المسيح أمام الوالي المعين من قِبَل مكسيميانوس قيصر، فعذبه كثيرًا ثم أخذه معه إلى الإسكندرية وهناك عذّبوه إذ علّقوه في صاري مركب خمس دفعات والحبال تتقطع. فوضعوه في زِق من جلد وطرحوه في البحر فأخرجه ملاك الرب من الماء وأمره أن يمضى إلى سمنود، فمرّ في طريقه على بلدة البنوان فعرفه أهلها وكان كل من به مرض يحضر إليه فيُشفى بصلاته. ولما وصل إلى سمنود أجرى الله على يديه جملة عجائب منها أنه أقام بصلاته ابنة الوزير يسطس من الموت، فآمن الوزير وزوجته وكل جنوده ونالوا إكليل الشهادة وكان عددهم تسعمائة خمسة وثلاثين رجلاً. أما القديس فقد أرسلوه إلى الإسكندرية وبعد أن ساموه العذاب بمختلف الأنواع قطعوا رأسه ونال إكليل الشهادة، فظهر ملاك الرب لقسٍ من منوف في رؤيا وعرفه عن مكان جسد القديس فأتى وأخذه، وبعد انقضاء زمن الاضطهاد بنوا له كنيسة على اسمه في البنوان ووضعوا جسده بها. القمص تادرس يعقوب كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج عن كتاب قاموس أباء الكنيسة وقديسيها مع بعض شخصيات كنسية
المزيد
15 فبراير 2024

أبا آري الشطانوفي الشهيد

كان أبا آري Ariكاهنًا بقرية شطانوف التابعة لبشاتيPchati، بشاتي بالقبطية هي "نيقيوس" مكانها حاليًا زاوية رزين مركز منوف، كانت أسقفية قديمة جدًا اتسم هذا الأب بحياة تقوية مقدسة، وحب شديد لرعية المسيح الذي وهبه عطية شفاء المرضى وإخراج الشياطين، بل وكان يرى ملاك الرب عن يمين المذبح أثناء ممارسته سر الأفخارستيا (القداس الإلهي). مواجهته الأضطهاد في عهد دقلديانوس أرسل حاكم بشاتي إلى أبا آري جماعة من الجند يأتون به إليه، وإذ عاد وجد الحاكم جالسًا في منصة القضاء يحاور المسيحيين دهش الوالي عند رؤيته للكاهن إذ شعر بمهابته، فسأله أن يذبح للآلهة فيهبه كرامات كثيرة وعظيمة. أما القديس فأخذ يستخف بهذه الوعود معلنًا إيمانه بالسيد المسيح تعرض القديس للجلد بعنف وقسوة، فظهر له المخلص يعزيه قائلاً له: "تشجع يا مختاري أبا آري، تشجع في الجهاد الحسن، فإن ميراثًا عظيمًا محفوظ لك في السماوات مع كل القديسين من أجل أتعاب شهادتك والآلام التي سوف تتحملها من أجل اسمي"، ثم لمس السيد المسيح جسمه فشفاه رأى الكثيرون هذا المنظر وسمعوا الحديث الإلهي فهتفوا معلنين إيمانهم، فاغتاظ الحاكم وأمر بسجنه. وفي اليوم التالي إذ اُستدعي وُجد في السجن يرتل ويسبح الله. أمر الحكم بطرحه في مرجل به زيت وأشعلوا النار تحته، لكن الله أرسل رئيس الملائكة ميخائيل وخلصه. في الإسكندرية بعثه الحاكم إلى أرمانيوس والي الإسكندرية حتى يبعده عن شعبه ولا يستميل الكثير من أهل المنطقة للإيمان، وقد تعرض هناك لعذابات كثيرة.إذ رأى السجان نعمة الله عاملة في هذا الكاهن جاء إليه بابنه الأعمى وسأله أن يصلي من أجله ويضع يديه على رأسه، وبالفعل انفتحت عينا الابن.سمع أرمانيوس بما حدث، وكيف جذب كثير من الوثنيين إلى الإيمان وهو في السجن، فاستدعاه وصار يعذبه حتى ألقاه في أتون نار متقد والرب أنقذه.صغر الوالي في عيني نفسه جدًا، وأمر بقطع رأس القديس آري. عندئذ رفع الأب القديس ذراعيه وصلى وسجد ثلاث مرات وسلم عنقه للسياف، وكان ذلك في منطقة تتيادورون Tatiadoron جنوب المدينة.بعد استشهاده حمله يوليوس في أكفان جديدة إلى شطانوف كطلب الشهيد نفسه حيث استقبله شعبه بالتسابيح. تعيد له الكنيسة في التاسع من شهر مسرى. القمص تادرس يعقوب كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج عن كتاب قاموس أباء الكنيسة وقديسيها مع بعض شخصيات كنسية
المزيد
08 فبراير 2024

أبا أبيللين

نسكه يحدثنا القديس جيروم عن راهب التقى به يدعى أبيللين Abba Apellen عُرف بنسكه الشديد، وأيضًا وُهب عمل المعجزات بطريقة خارقة من أجل بساطة قلبه.قال عنه أنه في مرات كثيرة إذ كان يتحدث مع الإخوة في بساطة عن صنع المعجزات بكونها أمرًا سهلاً بالنسبة لهم، كثيرًا ما كان يضع النار في حضنه ولا يحترق. وكان يقول لهم: "إن كنتم بالحق خدام الله اظهروا ذلك بالمعجزات العجيبة".عُرف بنسكه الشديد منذ صباه، أحيانًا متى كان في البرية وحده، تثور فيه شهوة أكل العسل فيجد عسل النحل على صخرة، لكنه كان يمتنع، قائلاً في نفسه: "ابتعدي عني أيتها الشهوة الشريرة، فقد كُتب: اسلكوا في الروح ولا تكملوا شهوة الجسد" (غلا 5: 16)، ويترك عسل النحل على الصخرة ويرحل.حدث مرة أن صام ثلاثة أسابيع في البرية، فوجد الفاكهة تحته، عندئذ قال: "لن أذقها ولا ألمسها لئلا أسيء إلى أخي أي إلى نفسي (أي يعثر جسده)، إذ هو مكتوب: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" (مت 4: 4)، وصام أسبوعًا آخر، ونام قليلاً ليرى في حلم ملاكًا يقول له: "قم وكلّ ما استطعت". عندئذ قام فوجد ينبوع ماء وخضراوات حوله أكثر مما كان يطلب، عندئذ شرب ماء وأكل أعشابًا خضر، وهو يقول: "لا أجد ما هو أحلى وأبهج من ذلك في أي مكان!". عندئذ وجد في ذلك الموضع كهفًا صغيرًا سكن فيه أيامًا قليلة بلا طعام، وإذ بدأ يشعر بالجوع ركع وصلى فوجد طعامه بجانبه: خبزًا ساخنًا وزيتونًا وفاكهة متنوعة. استخدامه لتيس قال أيضًا القديس جيروم أنه كان يفتقد الإخوة الذين كانوا يعيشون بالقرب منه في البرية من حين إلى آخر. في إحدى المرات كان مشتاقًا أن ينطلق إلى بريته، وأن يحمل بعض البركات الضرورية التي قدمها له الإخوة، وإذ كان سائرًا في الطريق وجد بعض التيوس تأكل فقال لهم: "باسم يسوع المسيح ليأتِ أحدكم ويحمل هذا الحمل"، وللحال جاءه تيس منهم، فوضع يديه على ظهره وجلس عليه، وسار به إلى مغارته في يوم واحد.في دفعة أخرى نشر الطوباوي خبزه في الشمس، وإذ جاءت الحيوانات المفترسة كالعادة تشرب من ينبوع الماء، فإن كل حيوان اقترب من الخبز مات. عبوره النيل على ظهر تمساح في مناسبة أخرى ذهب إلى جماعة رهبان في أول الأسبوع فوجدهم لا يتممون الأسرار المقدسة، فانتهرهم قائلاً: "لماذا لا تتممون الخدمة؟" أجابوا: "لأنه لم يأت إلينا كاهن من عبر النهر"، عندئذ قال لهم: "إني أذهب واستدعيه" أجابوه: "يستحيل أن يعبر شخص النهر من أجل عمقه ومن أجل التماسيح التي تقتل البشر". أما هو فذهب قليلاً إلى حيث المكان الذي منه يتم العبور عادة، وقد جلس على ظهر تمساح وعبر. وإذ وجد الكاهن أن أبيللين يرتدي ثيابًا قديمة ومهلهلة تعجب لاتضاعه وفقر مظهره، ثم تبعه. جاء إلى النهر ولم يجد الكاهن قاربًا يعبر به، وإذ بأبيللين ينادي التمساح بصوته فأطاع وجاء إليه، وكان مستعدًا ليحمل على ظهره الرجل القديس. توسل الطوباوي لدى الكاهن أن يأتي ويجلس معه على ظهر التمساح لكنه خاف وتراجع. أما الإخوة الساكنون في الجانب الآخر فإنهم إذ رأوا الطوباوي يجلس على ظهر التمساح في الماء، وقد عبر به إلى البر وخرج خافوا.قال الطوباوي للتمساح: "إنك قتلت كثيرين لذلك فالموت هو أفضل شيء لك"، وللحال مات الحيوان (دون أن يمسه أحد). معرفته الأسرار الداخلية يذكر القديس جيروم أن هذا الأب جلس مع الإخوة ثلاثة أيام، وكان يحدثهم عن الوصايا، وقد كشف لكل إنسان خطيته الداخلية في صراحة مملوءة محبة، فدهش الكل من أجل صدق معرفته لأسرارهم الداخلية.كما روى لنا بعض قصص لنبوات نطق بها تحققت. ثقته العجيبة في أبوة الله في قامته الروحية العالية عاش بلا همّ، يثق في أبوة الله ورعايته له. ففي إحدى المناسبات إذ كان الإخوة في المغارة لم يكن يوجد طعام، وإذ بملاك الرب يظهر في شكل أخ يحضر طعامًا في الحال... وقد تكرر ذلك بصورة مختلفة. القمص تادرس يعقوب كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج عن كتاب قاموس أباء الكنيسة وقديسيها مع بعض شخصيات كنسية
المزيد
01 فبراير 2024

تعبيرات كنسية

1. أبا Abbot, Abbé يُعطى هذا اللقب لبعض الشخصيات الرهبانية كرؤساء الأديرة أو من له تلاميذ في الحياة الرهبانية. الكلمة مأخوذة عن الآرامية "أبا Abba" تعني "أب Father"، أُستخدمت في العهد الجديد 3 مرات: (مر 14: 36؛ رو 8: 15؛ غلا 4: 6) تستخدم أحيانًا كلمة "أنبا" لتحمل ذات المعنى مثل الأنبا انطونيوس*، والأنبا باخوميوس* حاليًا صارت قاصرة على المتمتعين بدرجة الأسقفية وحدهم. 2- أبوليناري: من كان تابعًا لبدعة أبوليناريوس Apollinarius الصغير (حوالي عام 310- 390 م) بن أبوليناريوس الكبير رجل البلاغة البيروتي كان أبوليناريوس غيورًا في دفاعه ضد الأريوسية التي أنكرت لاهوت السيد المسيح، وقد سيم أسقفًا على لاودكية حوالي عام 360 م، وكان صديقًا حميمًا للقديس أثناسيوس الرسولي*، لكنه في دفاعه عن لاهوت السيد المسيح انحرف مدعيًا أن لاهوت السيد المسيح قام بدور روحه الإنسانية أيضًا، بمعنى أخر أن السيد المسيح كامل في لاهوته لكنه ناقص من جهة ناسوتيته أو له الجسد الإنساني دون الروح الإنسانية هذا الفكر لم يكن واضحًا فيه قبل عام 371، وإن كان قد أدانه مجمع بالإسكندرية عام 362. وفي الفترة ما بين 374، 380 عقدت عدة مجامع محلية بروما أدانت أبوليناريوس، حتى إذ انعقد المجمع المسكوني الثاني بالقسطنطينية عام 381 قام بإدانته. 3. آريوسي: أي من سقط في بدعة آريوس (حوالي عام 250 – 336م). كان آريوس ليبيي المولد، تلميذ لوكيان (لوسيان) الأنطاكي*، ويرى البعض أنه درس أيضا في مدرسة الإسكندرية. سيم شماسًا بالإسكندرية في عهد البابا بطرس خاتم الشهداء* وقد أظهر منذ بدء حياته ميولاً متطرفة متمردة، فقد أنضم إلى ميليتوس أسقف أسيوط المنشق على البابا والذي أراد أن يغتصب عمله، وقام بسيامة كهنة بالإسكندرية دون استشارته، وقد استفحل الأمر حتى عندما سجن ميليتوس مع البابا كون له حزبًا من الأساقفة منشقًا على الرئاسة الكنسية على أي الأحوال حذر البابا بطرس تلميذيه اخيلاس (ارشلاوس) والكسندروس* من أريوس لا لانضمامه لحزب ميليتوس وإنما لإنكاره لاهوت السيد المسيح. وبعد استشهاد البابا استطاع آريوس بثوبه المخادع أن ينال رضا البابا الجديد اخيلاس حتى رسمه قسًا على الكنيسة الرئيسية ببوكاليا بالإسكندرية، وإذ سيم الكسندروس بعد أخيلاس أدرك خطورة آريوس لا على الإسكندرية وحدها بل على الفكر المسيحي كله، خاصة إنه صاحب مواهب في الوعظ ونَظَمَ أغاني شعبية صارت بعض الجماهير تطرب لها في الأسواق وقد امتلأت بالسموم القاتلة للإيمان. اضطر البابا أن يعقد مجمعًا محليًا بالإسكندرية ليحرمه، وبسببه انعقد المجمع المسكوني الأول في نيقية سنة 325 حيث حرمت بدعته، وكان للقديس أثناسيوس الرسولي* دوره الرئيسي في هذا المجمع.كان آريوس مخادعًا، استطاع أن يضم حتى بعض الأساقفة إلى صفه بكونه الرجل الغيور والخادم المضطهد، فكان يتهم البابا الكسندروس بالسابيلية أي بالتابع لبدعة سابليوس التي تدعي أن الثالوث القدوس أقنوم واحد يظهر تارة إنه الأب وأخرى الابن وثالثة الروح القدس، ومن جهة أخرى كان يخفي بدعته تحت ألفاظ مضخمة كالقول بان الابن ولد قبل كل الدهور لكنه يحجب أحيانا كلماته بأنه كان قبل ولادته غير موجود، فالأب لم يكن دومًا أبًا استطاع أن يكسب أوسابيوس النيقوميدي في صفه ليقف بجانبه، يسنده ما استطاع ضد البابا الإسكندري "أثناسيوس" لدى الإمبراطورعندما أراد الإمبراطور أن يلزم البطريرك الكسندروس بالقسطنطينية أن يقبله في الشركة سمح الله بموت آريوس في مرحاض عام على أثر آلام في بطنه! 4-.إسكيم: هو شبه حزام من الجلد يلبسه الراهب عندما يتقدم روحيًا ويدخل في حياة أشبه بالوحدة ولو في داخل الدير. لبس الاسكيم له طقسه الخاص، وهو يساعد الراهب في صنع المطانيات (السجود) الراهب الذي يلبس الاسكيم يلتزم بقوانين خاصة كعمل عدد معين من المطانيات والأصوام، الأمر الذي يصعب الالتزام به لغير المتوحدين، لهذا ألغي قداسة البابا شنودة الثالث طقس لبس الاسكيم عند سيامة الأساقفة الجدد، حتى لا يتثقل ضمير الأسقف إذ لا يستطيع ممارسة قوانين الإسكيم أثناء جهاده في الرعاية وسط شعب الله. 5-. الأم Abbess، وهو لقب خاص برئيسة دير، أما الراهبات فكن يدعون أخوات. 6. أيقونة وهي من أصل يوناني تعني صورة، وهي تمثل شخص السيد المسيح أو أحد السمائيين أو القديس أو مجموعة منهم أو أحد أحداث العهدين القديم أو الجديد، مُدشنه بزيت مسحة الميرون. 7. بيزنطه: الاسم القديم لمدينة القسطنطينية، عاصمة الدولة الرومانية الشرقية، دعاها قسطنطين على اسمه عام 330، حاليًا مدينة أنقرة عاصمة تركيا صارت كلمة "بيزنطي" تعني ما هو منسوب لمدينة بيزنطة، وبالأكثر منتسب لكنيسة القسطنطينية وطقوسها. 8. بطريرك: المعنى الحرفي يعني "أب" أو "رأس العائلة"، وكان اللقب خاصًا بالآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، وفي المفهوم الكنسي كان خاصًا بأساقفة الايبارشيات الرئيسية الخمس: "روما، إسكندرية، القسطنطينية، إنطاكية، أورشليم" يكون البطريرك من الجانب الإداري والكنسي يرأس أساقفة كل الايبارشيات الصغرى الخاضعة له. حاليًا صار هناك بطاركة كثيرون هم أشبه برؤساء أساقفة محليين. 9. بيلاجي: التابع لبيلاجيوس Pelagius، راهب بريطاني أو ايرلندي في نهاية القرن الرابع وبدء القرن الخامس، نادى بأن الإنسان يخلص بجهاده الذاتي، منكرًا فاعلية النعمة الإلهية، وقد قام كثير من الآباء يقاومون الفكر البيلاجي خاصة القديس أغسطينوس*. هذا والبيلاجية تتجاهل الخطية الأصلية، أو انتقال خطية آدم إلينا. أدانه مجمع بقرطاجنة عام 411، ومجمعان بقرطاجنة وميلفس Milevis عام 416، وطلبا من أنوسنت الأول أسقف روما (410- 417) أن يحرمه. 10. راهب: عُرفت الرهبنة بصورتها المنتظمة منذ ظهور حركة الرهبنة على يدي القديس أنبا أنطونيوس الكبير*، لذا دُعي "أب الأسرة الرهبانية"؛ تقوم حركة الرهبنة على الأسس التالية: البتولية، الطاعة، الفقر الاختياري، التفرع للعبادة. وقد ظهرت ثلاثة أنواع رئيسية للرهبنة: أ. نظام الوحدة (المتوحدون)، حيث يعيش الراهب في قلايته (حجرته) كما في عزلة داخل الدير أو في مغارة خارج الدير، يمارس حياة التأمل مع العبادة والعمل اليدوي. ب. نظام الشركة، أقامه القديس باخوميوس. أب الشركة، حيث يعيش جماعة الرهبان معًا داخل سور واحد، يشتركون في صلوات يومية وأيضا في الطعام، كل يمارس عملاً يناسب إمكانياته أو مواهبه في الدير حسبما يشير رئيس الدير. ج. نظام الجماعات، أقامه القديس آمون* وأيضا القديس مقاريوس الكبير*، حيث يعيش الرهبان في قلالي أو مغاير متقاربة، يجتمعون معًا في السبت والأحد، وهو نظام متوسط بين الوحدة والشركة. 11-. السائح: إن كان نظام الشركة يُمثل النظام العام الذي يحتمله الكثيرون، فإن نظام الوحدة يحتاج إلى جهاد أعظم أما السياحة فتعني أن المتوحد يترك قلايته أو مغارته لينطلق في البرية (الصحراء) الداخلية ليعيش سنوات لا يرى وجه إنسان، يقتات على بلح من نخلة أو بعض الأعشاب مع ماء ينبوع، والبعض كانت الغربان تطعمهم يوميا الأنبا بولا أول السواح*. 12- شهيد: كل من سلم حياته للموت من أجل الإيمان بالسيد المسيح، سواء كان كاهنًا أو من الشعب، أيا كان جنسه أو سنه وللإيضاح مرّ بالكنيسة في العصر الروماني عشر مراحل للاضطهاد في أيام الأباطرة: أ. نيرون (عام 64 م الخ). ب. دومتيان 81- 96 م. ج. تراجان 9- 117 م. د. مرقس أورليوس 161- 180 م. ه.. سبتميوس ساويرس 193- 211 م. و. مكسيموس التراثي 235- 238 م. ز. داكيوس "ديسيوس" 249- 251 م. ح. فالريان 253- 260 م. ط. أورليان 270- 275 م. ى. دقلديانوس وشريكه مكسيمانوس 284- 312 م. ويلاحظ أن الإمبراطور الواحد قد يثير اضطهادًا إلى حين ثم يتوقف، لكن الولاة في البلاد المختلفة يمارسون الاضطهاد حسب أمزجتهم الشخصية، ولعل أمرّ ضيق هو ما حّل في أيام دقلديانوس، وقد اشتهر في أيامه ثلاثة ولاة بمصر كانوا يتفننون في التعذيب، حتى كان الولاة خارج مصر متى أرادوا التنكيل بأحد ببشاعة يرسلونه إلى واحد منهم خاصة أريانا والي أنصنا. هؤلاء الولاة هم: أ. أريانا* أو أريانوس والي انصنا (بجوار ملوي)، وكان يجول الصعيد كله ليمارس هوايته.... انتهت حياته بقبول الإيمان المسيحي واستشهاده. ب. أرمانيوس والي الإسكندرية. ج. بومبيوس والي الفرما على حدود شمال شرقي القطر المصري. 13. قلاية: يقصد بها حجرة الراهب أو مغارته، داخل الدير أو خارجه. 14. المانية: هرطقة ابتدعها معلم فارسي يدعى ماني Manes (حوالي 216- 276 م)، ولد ببلدة Seleucia - Ctsiphon عاصمة فارس. احتضن الفكر الغنوسي القائم على مبدأ خطير هو "الثنائية dualism "، إذ يوجد إله الخير خالق الروح، وإله الشر خالق المادة خاصة الجسد. الأول موجد النور والثاني موجد الظلمة. في رأيه أن الشيطان الأسود سرق النور وجعله حبيسًا في ذهن الإنسان يحتاج إلى من يحرره، وإن يسوع قد جاء وأيضا الأنبياء وماني نفسه بهذا القصد، تحرير النور المحبوس. ولما كان الإنسان مخلوقًا من عنصرين: الروح والجسد، يحمل النور والظلمة، فإن رسالته هي تحرير هذا النور بمقاومته للجسد ومعاداته له وتحطيمه، لهذا فالزواج في نظره نجاسة وأكل اللحم دنس. 15. معترف: الشخص الذي يسقط تحت اضطهاد فيحتمل السجن من أجل المسيح أو عذابات لكنه لم يستشهد. 16. موعوظ: الشخص الذي قبل الإيمان وصار تحت التعليم الكنسي الإنجيلي حتى ينال سّر ويدخل في العضوية الكنسية. 17. ناسك: كان تعبير "ناسك" يستخدم قبل ظهور كلمة "راهب"، يخص جماعات النساك الذين ينفردون في أكواخ في القرى للعبادة، أو ينطلقون إلى البراري أفرادًا أو جماعات يستخدم هذا التعبير حاليًا عن الإنسان الذي يمارس "الرهبنة" في أي شكل من أشكالها مع تقشف شديد، خاصة في نظام الوحدة. 18. نسطورى: من اعتنق هرطقه نسطور أسقف القسطنطينية (مات عام 451 م) الذي نادى بأن السيد المسيح يحمل شخصيتين أو هو أقنومان وله إرادتان منفصلتان: فهو الإله الابن والإنسان يسوع، وأن القديسة مريم ولدت يسوع الإنسان ونال اللاهوت في المعمودية فالمولود منها ليس ابن الله، بل إنسان مجرد، وإن اللاهوت فارق الناسوت عند الصلب لم يبق من النساطرة سوى قلة من الأشوريين في العراق حاليًا. 19. الهنبازين: أحد أدوات التعذيب التي كان يستخدمها الرومان، وكان أريانا والى أنصنا* يجد لذته في رؤية المسيحيين يُعذّبون بها. هي أشبه بدولاب مكون من عجلتين مثبت فيها سكاكين حديدية يوضع الشخص بينهما فيتعرض لجراحات نافذة من الأمام والظهر. ملاحظة: إلى وقت قريب، بل وحتى الآن يظن البعض أن الأقباط والسريان والأرمن والهنود والأثيوبيين أصحاب الطبيعة الواحدة monophysism بمعنى أن اللاهوت ابتلع الناسوت تمامًا، وأننا أوطاخيون لكننا نحن نؤمن بغير ذلك، أن السيد يحمل طبيعة واحدة هي اتحاد من طبيعتين بلا امتزاج ولا انفصال ولا تغير، فاللاهوت لم يبتلع الناسوت ولا تغير عن طبعه إنما اتحد مع الناسوت أبديًا. القمص تادرس يعقوب كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج
المزيد
25 يناير 2024

قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض الشخصيات الكنسية

إنجيل عملي مفتوح توجد مجموعة من سير الشهداء والنساك والرعاة والكتّاب الروحيين ومن الشعب، تتلاحم معًا كأشجار متنوعة في فردوس واحد، غرسه الله القدوس بيمينه، وسقاه بمحبته الإلهية الفائقة المعلنة ببذل كلمة الله المتجسد حياته على الصليب، وبعمل روحه القدوس غير المنقطع.ما أسجله هنا ليس هو كل ما بلغ إلينا من سير للقديسين والآباء وإنما أستطيع أن أقول إنها أشبه بعينات تُمثل مجموعة من سير من الشرق والغرب التحم الكل معًا مع اختلاف ثقافاتهم ولغاتهم وظروفهم لتقديم إنجيل ربنا يسوع المسيح حيًا عمليًا في حياة البشرية..... لندرك ما قاله الرسول بولس: "أنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد، وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد" (1كو4-5) ليتنا نُدرك موقعنا، فيعلم كل منا أن يكون حجرًا حيًا، في بيت الرب الروحي الواحد، أينما وجُد موقعه أو كان حجمه أو شكله، إذ يقول القديس بطرس: "الذي إذ تأتون إليه حجرًا حيًا مرفوضًا من الناس ولكن مختار من الله كريم، كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حية بيتًا روحيًا كهنوتًا مقدسًا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح" (1بط2: 4-5) هذا وإذ نقدم أمثلة من سير الآباء والقديسين إنما لنتمثل بهم في الرب، كل منا حسب موهبته، منصتين لقول الرسول بولس: "كونوا متمثلين بي كما أنا أيضا بالمسيح" (1كو11: 1). تاريخ الآباء وسيّر حياتهم مع محبتي الشديدة لكتابة سير القديسين وأعمالهم الروحية وتراثهم وعرض أفكارهم، لا كعمل تاريخي بحت أو دراسي، إنما كعمل روحي يمس حياتنا، كثيرًا ما ترددت في كتابة هذا القاموس، وقد بدأت فيه أكثر من مرة ثم توقفت لشعوري بالعجز الحقيقي عن تقديم ما في قلبي وفكري من جهة هذا العمل، فإن حياة القديسين في جوهرها ليست أعمالاً ظاهرة قدر ما هي حياة داخلية والتهاب روحي، كقول المسيح نفسه: "جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو إاضطرمت؟" (لو12: 49 (وأيضا “ها ملكوت الله داخلكم" (لو17: 21). هذا اللهيب الداخلي أو الملكوت الإلهي لا يمكن للغة أن تعبر عنه ولكن إذ سمحت لي عناية الله بتقديم هذا العمل المتواضع أرجو توضيح بعض النقاط الهامة في عرض سير الآباء والقديسين التي يصعب توضيحها كما ينبغي خلال عرضنا لكل سيرة. أولاً: بخصوص القديسين: في اللغة العربية كلمة "قدوس" التي تعادل "قدوش" بالعبرية، "وهاجيوس" باليونانية، "وأجيوس" بالقبطية تخص الله وحده، الذي في محبته لخليقته لم يجعل فقط الإنسان الذي يكرس قلبه له قديسًا وإنما حتى الموضع الذي يكرس للعبادة لله بيتًا مقدسًا، والأدوات التي تستخدم فيه مقدسة! إذن فالقديسون في الحقيقة هم أناس الله الذين قدموا قلوبهم وحياتهم وأعمالهم لله كعمل محبة، هذا ما دفع الرسول بولس إلى دعوة مؤمني فيلبي وكولوسي وأفسس ورومية قديسين في مقدمة رسائله لهم، بكونهم أعضاء جسد المسيح القدوس، الذين صاروا شعب الله الجديد المقدس له.يرى العلامة أوريجينوس أن من يدرس الفلسفة مثلاً يُحسب فيلسوفًا بعد شوط معين وإن كان لا يوجد من بلغ نهاية شوط الفلسفة، وهكذا العلم، بنفس المعنى فإن القديس هو من أحب القداسة والتصق بها مجاهدًا فيها بنعمة الله، سالكًا في طريقها وإن كان لم يبلغ إلى كمال مشتهاه بعد. ما نود تأكيده هنا في مفهومنا للقديسين الآتي: 1. القداسة ليست حكرًا على فئة معينة، إنما هي عطية الله المجانية يهبها للكاهن، كما للشعب، وللراهب كما للمتزوج، وللشيخ كما للطفل مادام الإنسان يتجاوب مع هذه العطية عمليًا، ويقبلها في حياته ويسلكها لست بهذا أقلل من أهمية التكريس سواء للحياة التأملية أو الخدمة، إنما أود أن يطمئن كل مؤمن أن عطية الله مقدمة للجميع وسنرى في القاموس الذي بين أيدينا عينات مختلفة سواء من جهة المواهب أو القدرات أو السن أو المركز الاجتماعي أو الثقافي الخ فكنيسة الله تضم قديسين من كل نوع! 2. كثيرًا ما يرتبط في ذهن البعض أن القداسة هي القيام بأعمال خارقة مثل الصوم لفترات طويلة أو صنع معجزات إنما نقول وإن كان الله يهب قديسيه ما هو فائق للطبيعة في أحيان كثيرة، إنما ما نطّوبهم عليه هو غلبتهم الداخلية على الشر، وحياتهم وشركتهم مع الله في ابنه يسوع المسيح. بمعنى آخر القداسة هي عطية روح الله القدوس الذي يثبتنا في الابن القدوس ليكون لنا موضع في حضن أبيه القدوس؛ القداسة هي عمل الثالوث القدوس فينا. بمعنى آخر هي تجاوب عملي مع نعمة الله لكي نحمل مسيحنا القدوس فينا، نشاركه سماته ونمتثل به، فنقول مع الرسول بولس: "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل2: 20). 3. إن كانت الكنيسة تقوم بالتقنين Canonization لتقدم لأبنائها أسماء القديسين من شهداء ومعترفين وآباء أساقفة وكهنة ورهبان وشعب فإنها إنما تقدم ما قد عرفه المؤمنون من قديسين وتبقى بلا حصر من القديسين سحابة شهود لا يعرفها إلا الله وحده، لهذا تقيم بعض الكنائس عيدًا باسم "كل القديسين"، سواء الذين تعرفهم وتطّوبهم بالأسماء أو لا تعرف أسماءهم هنا أيضا يليق بنا أن نؤكد أن القديسين لا يصيرون هكذا خلال التقنين، إنما يأتي التقنين ليكشف عن قديسين ننتفع بصلواتهم ونمتثل بهم، كما فعلت الكنيسة القبطية في السنة الخمسين من نياحة القديس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم والجيزة، فقرر المجمع المقدس ذكر اسمه في القداس الإلهي مع سحابة القديسين. 4. بحكمة إلهية تُقيم الكنيسة أعيادًا للقديسين في تذكار نياحتهم أو استشهادهم أو نقل رفاتهم الخ إذ يسكب هذا على الكنيسة في جهادها نوعًا من الفرح الروحي المستمر، فهي لا تنح كمن فقدت أعضاء لها بل تسبح الله وتشكره وتطلب صلوات القديسين كسند للمجاهدين.هنا أود تأكيد أن التطويبات أو التمجيدات الأصلية التي تُمارس إنما تبرز "عمل الله" في حياة القديس وتؤكد عطيته المجانية، فتلهب قلوب الشعب حبًا، وتفتح أمامهم الرجاء، ليكون لهم نصيب مع هؤلاء القديسين. ثانيًا: بخصوص الحياة الرهبانية: 1. لسنا ننكر أن هذا القاموس يضم سير كثير من الرهبان والراهبات والمتبتلين، لكن يجب أن نوضح نقطتين هامتين، الأولى أن البعض يظن خطأ أن الرهبنة والقداسة أمر واحد، مع أن الرهبنة هي طريق فاضل إن سلكه الإنسان روحيًا وبحكمة أما القداسة فهي عطية الله لكل المؤمنين الصادقين في إيمانهم عمليًا، سواء كانوا رهبانًا أو متزوجين. أما النقطة الثانية فهي أن الحياة الرهبانية في حقيقتها ليست حياة منفصلة عن الحياة المسيحية العامة، بمعنى آخر الرهبان ليسوا طبقة منعزلة عن جماعة المؤمنين الرهبنة هي حياة إنجيلية حقه، أو قل هي ممارسة للحياة المسيحية التي يجب أن يعيشها المؤمن أينما وُجد، وأيا كان مركزه الكنسي أو الاجتماعي ومهما كانت ظروفه. فالرهبنة إنما تقدم مناخًا أفضل للتمتع بالإنجيل المقدم للجميع. 2. سير القديسين خاصة الرهبان منهم مبتورة لا تكشف عن الحقيقة الكاملة، إنما تمس بعض الجوانب دون الأخرى، لأسباب كثيرة منها: أولاً: كان الرهبان بوجه عام خاصة في مصر يميلون لإخفاء فضائلهم وإبراز رذائل غالبًا ليست فيهم حتى أن القديس يوحنا كاسيان الذي عاش قرابة تسع سنوات في الجو الرهباني المصري دُهش لهذا الموقف الفريد وسجله لنا في كتاباته، وعلة ذلك انهم يطلبون المجد الأبدي لا المجد الباطل الزمني. ثانيًا: كان التدريب الأول والرئيسي في الحياة الرهبانية، بل وفي الحياة المسيحية بوجه عام، هي التدرب على "السكون"، لا بمعنى التوقف عن الكلام وإنما التمتع بحياة سرّية مع الله لا يدركها أحد، هي سر الشركة الخفية بين الله والنفس. هذا التدريب الروحي الحيوي يجعل حديثنا عن القديسين مبتورًا، إذ تبقى حياة القديس في جوهرها حياة داخلية لا يعلنها للغير. ربما هو ما عناه القديس أنبا أنطونيوس الكبير حينما أعلن أن الراهب كالسمكة إن خرج من قلايته (حجرته) كما من الماء يموت. هنا لا يقصد "القلاية" بالمفهوم المادي البحت، فإن القديس نفسه كان يخرج ويلتقي مع فلاسفة وجماهير مؤمنين، بل ونزل إلى الإسكندرية أكثر من مرة ليسند المعترفين الذين تحت الضيق ويعاون البابا اثناسيوس الرسولي* في مقاومته للأريوسية... لكنه بقيّ في قلاية قلبه له حياته الخفية التي لا يكشف أسرارها للغير. بنفس الروح أيضا عندما زار البابا ثاوفيلس الإسكندري (23)* رهبان الإِسقيط سأل الأنبا بموا* Pambo أن يقول كلمة منفعة، أما الأخير فصمت، وإذا ألح عليه الرهبان أن ينطق بكلمة ينتفع بها البابا قال: "إن لم ينتفع بصمتي فإنه لن ينتفع بكلماتي". وأيضا يقول القديس نيلس* أسقف أنقره: "يستحيل أن يصير الماء الذي به وحلاً نقيًا مادامت هناك حركة مستمرة، هكذا يستحيل أن تصير راهبًا بدون سكون".من هذا كله يمكننا أن نؤكد أن ما سُجل لنا عن آبائنا لا يمثل الحقيقة كاملة، لأن أمورهم الداخلية الحية لم يكشفوها لأحد، إنما ما ورد إلينا عنهم هو مجرد ملاحظات رآها الذين حولهم سواء كانوا تلاميذ لهم أو زملاء أو زائرين. بمعنى آخر ما ورد عنهم هي تصرفاتهم حسب الظاهر أما أعماقهم فخفية! ثالثًا: ما يجب تأكيده هنا أن ما ورد في سير الآباء خاصة الرهبان في غالبيتها صادقة ودقيقة لكنها تظهر غير كاملة، لأن ما سجله المشاهدون لهم سجلوا ما يرونه غير عادي بالنسبة لهم، فجاء مثلا كتاب "بستان الرهبان" يركز على النسكيات والتقشفات لكنه لم يركز كثيرًا على قراءة الكتاب المقدس الخ لأن الأمور الأخيرة طبيعية بالنسبة لكل مسيحي لا تحتاج إلى تسجيل. بمعنى آخر أن "بستان الرهبان" مع ماله من أهمية فائقة في الكشف عن بعض الجوانب الخاصة بالحياة الرهبانية، لكن يلزم ربطه بالحياة المسيحية العادية في ذلك الحين، والتي لم يسجلها المشاهدون والكتّاب في مذكراتهم عن الرهبان هذا ونود تأكيد أن أغلب ما سُجل لنا هو ما بلغه هؤلاء الآباء من قامات روحية دون عرض لتفاصيل حياتهم الأولى وجهادهم الممتد لسنوات. 3. أن الحركة الرهبانية في كل صورها "الوحدة والشركة ونظام الجماعات" ليست حركة كهنوتية لكنها حركة شعبية، انطلق الشعب إليها لا لتولي مراكز قيادية في الكنيسة وإنما لممارسة حياة مسيحية على مستوى ملائكي خلال ظروف أفضل بتكريس كل الوقت ما استطاع الإنسان للعبادة وممارسة الحياة الإنجيلية على مستوى أعمق فأعمق. 4. في قراءتنا لسير الرهبان النساك والمتوحدين نسمع عن جهاد شديد في الحياة النسكية والتقشف، حتى بلغ البعض مستوى يفوق حاجة الطبيعة، كالصوم أيامًا كاملة بلا طعام ولا شراب أو السهر ليالٍ بلا نوم في العبادة فماذا يعني هذا؟ أولاً: في جهادهم لم يقصدوا الدخول في سباق في النسك لذاته، إنما خلال ضبطهم للجسد أرادوا الانطلاق بالروح لتمارس في حرية ما استطاعت حياتهم في الرب، وكأن النسك في سلبيته حرمان للجسد من ملذاته لكن في إيجابّيته ممارسة الروح لانطلاقها نحو السماويات. أقول أن الكثير من الآباء في نسكهم لم يهدفوا بلوغ درجة معينة من حرمان الجسد إنما خلال انطلاق الروح كثيرًا ما ينسى الجسد احتياجاته أحيانًا حتى الضرورية. هذا ما نراه بصورة باهتة في حياتنا اليومية حين ينشغل إنسان بعمل مفرح وبهيج فينسى أكله وشربه ونومه وأحيانا ينسى الزمن نفسه ليقضي أحيانًا يومًا أو يومين وهو لا يدري إن كان قد أكل أم لم يأكل أعطى مثلاً عمليًا معاصرًا: عندما أراد أبونا عبد المسيح الأثيوبي أن يقدم أكلة شهية وعمل محبة لأحد الرهبان المعاصرين (حاليًا أسقف) احضر علبة مستخدمة من فوارغ المعلبات دون أن يغسلها، ملأها ماءً وأوقد تحتها بعض الأعشاب الجافة، ثم وضع "ملوخية جافة مع حلاوة طحينية"، حاسبًا ذلك أكلة شهية وكرم ضيافة عظيم ما فعله لم يكن في ذهنه نسكًا، لكن خلال حياته الطويلة الملتهبة بالروح لم يعد للطعام تذوقا بالنسبة له، فما قد نحسبه نحن طعامًا لا يُطاق يظنه هو ترفًا وتدليلاً! مرة أخرى رأيته بنفسي عندما أراد أحد رهبان دير السريان أن يكرمه ويقدم له كوب شاي قبل سفره، سكب على الشاي ماء ثم ملحًا وكرر ذلك مرارًا ثم شرب وكأنه قد سمح لنفسه من أجل المحبة أن يشرب هذا المشروب الشهي!!! ثانيًا: إن كان العمل الروحي يمس النفس والحياة الداخلية لكنه لا يتجاهل الجسد وتصرفاته، فإن كانت سير القديسين تهتم بدور الجسد في العبادة من احتمال للصوم وعمل مطانيات وخضوع وتذلل فإن هذه الشركة مع النفس عربون لشركة المجد الأبدي التي يتمتع بها الجسد مع النفس في الأحضان الإلهية. بمعنى آخر شركة الجسد في العبادة بوجه عام والصلاة بوجه خاص هي نبوة عن مجد قيامته في اليوم الأخير كما أن الإنسان ليس جسدًا بحتًا، فهو أيضا ليس نفسًا مجردة، لكنه يحمل العنصرين متفاعلين معًا ومشتركين سواء في الجهاد أو في التراخي، في العبادة الحالة كما في فعل الشر، ولا يمكن الانحياز لعنصر على حساب الآخرخلال هذا المنظار الروحي يمكننا أن نميز بين النسك المسيحي عن غيره أنه ليس عداوة للجسد ولا تحطيمًا له، لكنه مشاركة منه في الأتعاب للتمتع بالأمجاد. بمعنى آخر المسيحي ليس مقاومًا للجسد في ذاته إنما مُدبرًا له وضابطًا لشهواته، مُقدمًا جسده ذبيحة حب لله، كقول الرسول بولس: "أطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (رو 12: 1). 5. لا نجد للرهبان تراثًا أدبيًا كبيرًا، فقد أتجه غالبية رهبان مصر إلى الحياة العملية والتأمل دون الكتابة وإن كنا لا ننكر فئة النساخ خاصة في أديرة الشركة، لكنهم غالبًا ما ينسخون الكتب الكنسية كالكتاب المقدس والقراءات والتسابيح الكنسية مع عظات لغيرهم، أما بالنسبة لهم فكل منهم يود أن ينعم بالفكر اللاهوتي لا خلال الكتابة بل خلال الحياة التعبدية. هذا ما أعلنه القديس أوغريس البنطي الذي عاش في مصر، وإن كان له كتابات هنا روحية كثيرة، لكنه يقول "إنك تكون لاهوتيًا إن كنت تصلي بالحق، وتصلي بالحق إن كنت لاهوتيًا". 6. مادمنا نقرأ سير لرهبان تركوا العالم ليكرسوا حياتهم للعبادة يلزمنا أن نتفهم نظرتهم للعالم ودورهم فيه من جهة نظرتهم للعالم، فإن "العالم" في عيني الراهب الحق له معنيان، العالم الحاضر المضاد للعالم العتيد، أي شهوات العالم ومحبة ملذاته أو الارتباك بهمومه، هذا هو العالم الذي يليق بنا أن ننبذه ونهرب منه. أما "العالم" بمعنى سكانه أو البشرية فهذا نحبه في الرب "محب البشر" إن كان الله أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد من أجله (يو3: 16)، فيليق بالراهب مهما بلغ توحده أن يحمل في قلبه حبًا صادقًا للعالم يتزايد في كل تقدم روحي وينمو بلا توقف هنا نفهم "الوحدة" ليس انعزالاً عن البشرية بل اتحادًا في الله محب البشر، حتى إن اعتزلنا البشر جسديًا فإننا نحملهم بالحب الحق في قلوبنا. المتوحد الحقيقي إذ يترك العالم بمباهجه واضطراباته ليعيش في السكون يسمع تنهدات البشرية وصرخاتها التي قد لا تجد من ينصت إليها في وسط دوامة العالم الراهب بقلبه الملتهب روحيًا أكثر حساسية ورقة لآلام البشرية وأتعابها وتنهداتها.... يقدم نفسه في صلواته ومطانياته ونسكياته ذبيحة حب عن إخوته لأجل خلاصهم. بهذا يمكنني أن أقول أن المتوحدين والسواح الحقيقيين أقرب إلى العالم (البشرية) بقلوبهم من الذين يخدمون وسط العالم بأجسادهم وفكرهم! 7. الرهبنة مع مالها من أنظمة متباينة تشترك في أمر واحد هو: "التهاب الروح بعمل الروح القدس الناري". فالسالك في نظام الشركة أو المتوحد أو السائح الحقيقي يليق به أن يحيا بالروح.... بهذا حتى إن خضع لنظام معين أو تدبير ديري معين إنما يعيش في داخله على مستوى "الحرية". هذا الالتهاب هو سمة المسيحي الحق، راهبًا كان أو عاملاً في العالم، راعيًا أو مخدومًا، شابًا أو طفلاً أو شيخًا..... الكل يلزم أن يتمتع بما جاء من أجله السيد المسيح القائل: "جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟" (لو12: 49). 8. خلال الأحاديث السابقة يمكننا أن ندرك في سير القديسين الرهبان خطًا هامًا هو عدم الفصل الكامل بين الحياة التأملية والحياة العاملة بصورة قاطعة، فالمسيحي بوجه عام والراهب كمسيحي إنما يقدم حياته في الرب ذبيحة متكاملة، يشترك الجسد مع الفكر والنفس، ويعمل الكل معًا بتناغم وانسجام؛ فإن قدم عملاً ماديًا يمزجه بالعبادة وإن تعبد للرب لا يفصله عن العمل أيا كان نوعه! 9. في دراستنا لسير الآباء خاصة بعض الرهبان تواجهنا مشكلة الذين تقمصوا صورة الغباوة والجهالة، فالقديسة أناسيمون* تظاهرت كهبيلة وفي عصرنا الحالي أبونا عبد المسيح المناهرى كان يتظاهر بالهزل.... فبماذا تفسر هذا؟ هل يريدنا الله أن نكون جهلة ونتصرف بلا حكمة؟ أولاً: نود توضيح نظرة العالم للمسيحيين في العصر الرسولي، ألا وهي اتهامهم بالغباوة والجهل لأنهم يعبدون إلهًا مصلوبًا، وكما يقول الرسول بولس: "صرنا منظرًا للعالم للملائكة والناس؛ نحن جهال من أجل المسيح وأما أنتم فحكماء في المسيح، نحن ضعفاء وأما أنتم فأقوياء، أنتم مكرمون وأما نحن فبلا كرامة" (1كو4: 9-10). مرة أخرى يقول: "لا يخدعن أحد نفسه، إن كان يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلاً لكي يصير حكيمًا، لأن حكمة هذا الدهر هي جهالة عند الله، لأنه مكتوب: الآخذ الحكماء بمكرهم" (1كو3: 18-19) لا يفهم من هذا أن الإيمان مضاد للفكر أو العقل، وإلا حسبنا رسالة الإيمان مقدمة لغير العقلاء أو لغير البشر من الكائنات الأرضية..... فإن كان الله يهتم بتقديس الجسد كما النفس فبالأولى يكرم الفكر أو العقل ويقدسه، إنما وقد ارتبط الإنسان ببطنه وزحف عليها في تراب هذا العالم تعلق قلبه كما فكره بالزمنيات وحسب الفكر السماوي غباوة والانشغال بالأبدية جهالة.... بل وتطلع إلى "الصليب" أداة الحب الإلهي غباوة وعثرة (1كو 1: 23) نستطيع الآن أن نتعرف على "الجهالة في المسيح" (1كو4: 9) بكونها تعٍد للفكر فوق حدود الحواس والقيم البشرية حين ينعم الإنسان بعربون الحياة السماوية فتمتص كل طاقاته فيها. بهذا يراه العالم غريبًا عنه وجاهلاً وغبيًا! ثانيًا: قصة أليكسوس الروماني* تكشف لنا أحد أسرار التجاء البعض إلى مثل هذه التصرفات فهو ابن أحد الأشراف المعروفين وقد عاش كشحاذ لكنه وهو شحاذ كسب كثيرين من الشحاذين للرب ورفعهم بالنعمة الإلهية، كما كان له دوره الفعّال الخفي حتى شهدت السماء له. وكأن البعض التجأ إلى هذه الطرق ليعيش وسط الفئات المعدمة والمحتقرة والمطرودة لكي يعمل كواحد منهم، وفي هذا لا يعيش خاملاً ولا سلبيًا إنما يشهد إيجابيًا بعمل الله فيه وفاعليته فيمن هم حوله لقد عاشت القديسة أناسيمون كهبيلة لكنها قادت بسيرتها كثيرين للتوبة وصارت سائحة لها دورها في حياة السواح أنفسهم وكأن المسيحي لا يستطيع أن يوقف عمل نعمة الله فيه حتى وإن أراد بكل طاقاته أن يخفيها. ثالثًا: سيرة أبينا عبد المسيح المناهري تكشف لنا جانبًا آخر لهذه التصرفات، فإنه تظاهر بالغباوة ليفلت من العمل كسكرتير للبابا، لكنه وهو في ببا كان له دوره الحّي وكان يشفي باسم الرب كثيرين بل وأقام ميتًا كما شهد أناس لا يزالون أحياء! كان وراء تظاهره بالغباوة يحمل قوة الله وتعزية الروح لا لنفسه وحده وإنما لكثيرين. ثالثًا: بخصوص سير الشهداء: 1. يضم هذا القاموس سيرًا لعدد من الشهداء، وإن كان التاريخ قد قدم لنا أسماء كثيرة لشهداء لا نعرف عن حياتهم سوى أنهم استشهدوا من أجل الإيمان، بل وقدم لنا مدنًا بأكملها قد استشهدت لا يعرف أحد أسماء من كان بها، لهذا يمكننا القول بأن ما ورد هنا من سير إنما أشبه بعينات..... هذه العينات أيضا لا تقدم صورة كاملة عن حياة الشهداء للأسباب التالية: أ. إن كان الله قد سمح بعنايته أن يُعطي نعمة لبعض محبيه في أعين الولاة مثل يوليوس الأقفهصي* ليهتم بأجساد الشهداء ويلتقي بهم قبيل استشهادهم مسجلاً ما رآه بعينيه خلال ممارسة الآلام والميتات التي سقطت على الشهداء، لكن آلاف الشهداء قدموا حياتهم ذبيحة حب ولم يُسجل لنا أحد عنهم شيئًا. ب. ما سجله البعض عن أحداث الاستشهاد إنما تكشف الجوانب الظاهرة في حياة الشهيد أما الحياة الداخلية والمشاعر المقدسة التي يجتازها فغالبًا ما يحتفظ بها الشهيد في قلبه رأسماله الأبدي وسرّ تذكيته لا يكشفها للآخرين. 2. حقا أن الكثيرين من الوثنين قبلوا الإيمان بالسيد المسيح عند رؤيتهم عمله العجيب في حياة شهدائه بل وسلموا أنفسهم للاستشهاد على اسمه، ولم يكن هذا انفعالاً عاطفيًا سريعًا إنما هو عمل نعمة الله الفائقة، كتلك التي عملت في حياة ديماس اللص اليمين حين شاهد السيد المسيح مصلوبًا، فسأله أن يذكره في ملكوته، وكان له النصيب الفوري: "اليوم تكون معي في الفردوس". أما بالنسبة للمؤمنين فكان استشهادهم امتدادًا طبيعيًا لحياة تُمارس يوميًا هي "الموت مع المسيح والقيامة معه وفيه". فالاستشهاد في الحقيقة خبرة مسيحية يومية، وكما يقول القديس أكليمندس الإسكندري: (من يتبع وصايا المخلص يحمل شهادة (مارتيري) في كل أعماله، بممارسته ما يريده السيد، ومناداته اسم الرب على الدوام. إنهم (المؤمنين) هم شهداء بالعمل لحساب ذاك الذي يثقون فيه فيصلبون الجسد مع شهواته وأهوائه)إن كنا نعرض في الغالب الحقبة الأخيرة من حياة الشهيد فإنها لا تأتي فجأة، لكنها هي امتداد لحياة إيمانية عاملة عاشها في الرب، بقبوله الصلب مع المسيح وتمتعه بالقيامة أو بحياة المسيح المقامة عاملة فينا. 3. في سير الشهداء يقدم لنا الكتّاب أحداث الاستشهاد الخارجية، كشجاعة الشهيد أو احتماله الألم بصبر أو حواره مع القضاة والولاة، لكن هناك أمور يصعب تسجيلها. فالشهداء في غالبيتهم يدخلون المعركة لا ليتقبلوا آلامًا أو ضيقًا من أشخاص معينين، إنما يصارعون ضد عدو الخير نفسه إبليس. إنهم لا يتطلعون حتى إلى مضطهديهم كمقاومين لهم أو أعداء، إنما عدوهم الحقيقي هو الشيطان الثائر على المسيح الساكن في داخلهم، أما المحامي عنهم وشفيعهم فهو الروح القدس. المعركة في حقيقتها هي داخل النفس بين الله والشيطان، وليس بين ولاة ومسيحيين! لقد سجل أوريجينوس* مشاعر الشهداء معلنًا أن السيد المسيح هو الذي يدعو للاستشهاد، وهو الذي يحتمل الآلام، وهو الذي يُقدم الإكليل، وهو الذي يتقبله. بمعنى آخر "المسيح" هو المقصود في هذه المعركة، يدخلها خلال أعضاء جسده ليغلب بهم عدو الخير. في هذا يقول يوسابيوس المؤرخ عن الشماس سانكتوس: [أعلن فيه المسيح المتألم مجدًا عظيمًا، طرح المقاوم، وأظهر للغير كيف أنه حيث يوجد حب الله لا يوجد مجال للخوف وحيث يوجد مجد المسيح فلا مجال لما يؤلم] تاريخ الكنيسة 5: 1: 23.وجاء عن القديسة بلاندينا* أن المعترفين رأوا في لحظات استشهادهم أن القائمة التي ربُطت فيها في ساحة الاستشهاد قد صارت في أعينهم صليبًا، وأنهم نظروا بأعينهم الخارجية شكل أختهم قد تحول إلى ذاك الذي صلب من أجلهم، أي اختفت معالم وجهها لتظهر معالم وجه المسيح المصلوب هذه الصورة لم تكن فريدة، إنما بلا شك تمتع بها غالبية الشهداء، لذا تقدموا للاستشهاد بقوة وفرح وبهجة قلب. 4. هناك بعض الأمور تكررت في كثير من سيّر الشهداء حتى ظن البعض أنها من صنع النساخ في كتاباتهم لميامر الشهداء، مثل ظهور ملائكة، بل ظهور السيد المسيح نفسه للشهداء، وتمتع الكثيرون بموهبة شفاء وإخراج الشياطين حتى اللحظات الأخيرة من حياتهم على الأرض، وتمتع البعض بمعانية الفردوس ولو إلى لحظات! لكننا نعلل هذا بأن الله لا يترك مؤمنيه خاصة في وقت الضيق، فكلما تقسى قلب فرعون تظهر أعمال الله الفائقة؛ بمعنى آخر كانت الأمور لازمة لمساندة الشهداء، كما رافقت الرسل عند كرازتهم وسط الأمم الوثنيين الآلام هي المناخ الأصيل للتمتع بأمجاد إلهية داخلية، والصليب هو طريق التلامس مع بهجة القيامة. لهذا لا نعجب إن رأينا أطفالاً لم يبلغوا بعد العاشرة يتقدمون للألم بفرح، وأمهات يقدمن أطفالهن للذبح، وشابات من أصل ملوكي يتهللن بالعذابات إنها ليست شجاعة بشرية، ولا قدرات خارقة، إنما عطية الله لهم في أعماقهم مع إعلانات سماوية خاصة لتسندهم! 5. بقيّ لنا أن نؤكد بأن الله لا يطالبنا بإثارة الغير لكي يمارسوا الاضطهاد فننال إكليل الشهادة، إذ يقول السيد المسيح: "متى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى" (مت10: 23). ويقول القديس اكليمندس الإسكندري: [إن كل من يقتل رجل الله يخطئ ضد الله فإن من يقدم نفسه أمام كرسي الحكم (لأثاره الوالي ضده) يكون مجرمًا بموته]. وقد سنَّ القديس بطرس خاتم الشهداء* قوانين صريحة في هذا الشأن سبق لنا نشرها في كتابنا عن "البابا بطرس". ومع هذا فقد سمح الله بدعوة البعض للتقدم للاستشهاد لتعزية المضطهدين أو لعمل كرازي كما نرى في سيرة الشهيد أبادير* وغيره الخ. القمص تادرس يعقوب كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج وللحديث بقية
المزيد
22 ديسمبر 2023

اللقاء الثاني مع حواء الأولى

سألني الملاك المرافق لي في الفردوس: لقد التقيت بأول رجل خلقه الله، أتريد أن تلتقي بأول امرأة؟ لاحظ الملاك على وجهي اشتياقاً للتعرف عليها، فأمسك بيدي وشعرت كأنه حملني على جناحيه، وانطلق بي إلى حواء الأولى. لم أعرف بماذا أدعوها، فقد أدركت أنه في المسيح ليس ذكر وأنثى(غلاطية ٢٨:٣) التقيت بها، فوجدتها كملاك الله تتسم بالحيوية والبشاشة، كل كيانها يتهلل بالله ويسبحه سألتها: ما هي مشاعرك نحو هؤلاء البلايين من نسلك يا أم كل حي» (تكوين ٢٠:٣) ابتسمت وقالت لعلك أتيت إلى إنسان آخر، فأنا لست أم كل حي، لأنني للأسف أعطيت القفا لخالقي وعصيته، فصرت أما للموتى بالخطايا، لا للأحياء ولكن شكرًا لمخلصي القدوس، نزل إلينا بكونه آدم الأخير، وأقام من جنبه المطعون حواء الجديدة أو الأخيرة، وهي عروسه السماوية، الكنيسة.صرت أنا ابنتها، وتهللت نفسي لأني أرى كثيرين من نسلي حسب الجسد حملوا في نفوسهم أمومة عجيبة، بالحب حملت نفوسهم كثيرين من الموتى، وقدمت لهم آدم الأخير، يسوع المسيح، واهب القيامة والحياة الأبدية.أريد أن أهمس في أذنك، لكن ليس كهمسات الحية التي خدعتني وقتلتني وأنا في جنة عدن: ضع في قلبك أن نفسك يجب أن تكون أما ولودة، ولتحسب كل البشرية حتى الذين يضطهدونك ويسخرون بإيمانك أنهم أولاد وبنات لك. حين تدخل مخدعك أبسط يديك لتحتضن البشرية كلها بالحب وتطلب لأجلها، فتصير أعماقك ملكوت الله، أم كل حي. للأسف إني قدمت لآدم الثمرة الممنوعة فطردنا من جنة عدن، هوذا حواء الجديدة، الكنيسة، تقدم للبشرية الثمرة المحبوبة السيد المسيح. تقدم جسده ودمده كي يختبروا عربون السماء، وتنفتح أمامهم أبوابها! إني مشتاقة إلى يوم قدومك هذا وتتقدم أمام الرب وأنت تترنم: ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله (عبرانيين (۱۳:۲) القمص تادرس یعقوب ملطى كاهن كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس سبورتنج
المزيد
15 ديسمبر 2023

لقاء قي الفردوس مع مريم وأول موكب للتسبيح !

إذ التقيت بمريم أخت موسى وهارون، قلت لها "هالني أول موكب للتسبيح للرب في تاريخ البشرية، حيث رنم موسى وبنو إسرائيل هذه التسبحة للرب،وقالوا: أرنم للرب فإنه قد تعظم... فأخذت مريم النبية أخت هرون الدف بيدها وخرجت جميع النساء وراءها بدفوف ورقص، وأجابتهم مريم رنموا للرب فإنه قد تعظم» (خروج ۲۰۰۱:۱۵-۲۱). اسمحي لي أن أسألك لقد عاش أخوك قرابة ٤٠ عاما في القصر الملكي الوثني، و ٤٠ سنة في البرية، فمن الذي علمه التسبيح ؟ وعشت أنت وهرون أخوك تعانيان منذ طفولتكما من مرارة الشعب الذي كان تحت السخرة والمذلة. حيث فقد شعبكما الفرصة للتجمع المتهلل بالتسبيح، فمن علمكما مع الشعب هذا التسبيح ؟ أخبريني هل كان للشعب الذي يصرخ بمرارة من أجل العبودية (خروج ۲۳:۳) أن يعلم أطفاله وشبابه التسبيح ؟ هل كان الشيوخ والرجال والنساء يحملون روح التسبيح بينما كانوا يعانون من السخرة كل يوم ؟ أجابتي مريم "حقا ما تقوله كان بمثل حالنا المؤلم للغاية، إذ كان أقسى بكثير مما عاني منه أولادنا وبناتنا فيما بعد في أرض السبي ببابل، الذين قالوا: «على أنهار بابل جلسنا. على الصفصاف في وسطها علقنا أعوادنا. كيف نرنم ترنيمة الرب في أرض غريبة" (مزمور ۱۳۷) لكنني أود أن أخبرك أن الضيق هو أعظم مدرسة تعلمنا بنعمة الله التسبيح، وترفع قلوبنا كما إلى العرش الإلهي لتنضم إلى خورس السمائيين كمثال بذلك عاش داود الملك والنبي يعدنا بقرون يعاني من الألم منذ صباه حتى نهاية حياته على الأرض، وتخرج في مدرسة الألم "مرنم إسرائيل الحلو" (صموئيل الثاني١:٢٣ ) كل مزاميره التي بدأت بالصراخ من الألم، انتهت بالتسبيح والشكر، كالقول "يارب رحمتك إلى الأبد" (مزمور ۸:۱۳۸) أو ما يعادلها. وفي وسط الضربات العشرة في مصر كلما تقسى قلب فرعون كنا جميعا نجتمع بالروح ونلمس مراحم الرب العجيبة وعندما أثار الشيطان فرعون وجنوده أن يلحقوا بنا بعد خروجنا لقتلنا، ولم يكن أمامنا طريق للهروب، فتح لنا الرب طريقا يابسا في البحر، وأعلن لنا عن حبه العجيب ورعايته لنفوسنا، كنا تسير في الطريق الضيق والمياه عن يميننا وعن يسارنا،أما بصيرتنا الداخلية فتمتعت بالسماء المفتوحة وقلوبنا اشتركت مع القوات السماوية في التسبيح، وإن كانت ألسنتنا قد صمتت تماما، فلم تجد وقتا للحديث مع بعضنا البعض .أريد أن أسالك تطلع هنا إلى أطفال بيت لحم وهم خير من يشتركون مع السمائيين في التسبيح، من علمهم التسبيح ؟ صمت قليلاً ثم قلت لها " قولي لي كلمة منفعة يا أيتها النبية المرنمة ، إذ قدت النساء بدفوف ورقص وأنت قد تعديت التسعين من عمرك "أجابتني: "ليت معلمو التسبيح في الكنيسة يراعون أن ترتفع قلوبهم للتسبيح بخشوع وتواضع ومخافة الرب. ولا يتشامخون بأنهم حفظة للتراث الكنسي. ليت كل شماس يدرك أنه إن انفرد باللحن، وتشتت فكر أي مؤمن في الكنيسة لعدم شركته في التسبيح، يطلب دم هذا المؤمن المسكين من هذا الشماس ليت كل قائد في الكنيسة أيا كان دوره ألا يعجب بصوته أو ينطق بكلمات مضغومة لا يفهمها المتعبدون، ليته يدرك أنه يخطئ في حق الله ويستهين بخلاص إخوته الكنيسة ليست مسرحا للتمثيل بل هو موكب يصعد من مجد إلى مجد(كورنثوس الثانية ١٨:٣ )حيث يصرخ كل قلب "اجذبني وراءك فنجري(نشيد١:١). القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس سبورتنج
المزيد
13 أبريل 2023

خميس البصخة

فى هذا اليوم تمم السيد المسيح له المجد آخر فصح له فى حياته على الأرض حسب الجسد.. وقد كان مخضعا ذاته منذ ولادته لجميع أنواع الفرائض والشرائع والطقوس اليهودية مع إنه غير محتاج إلى ممارستها، وفى هذا اليوم أتم الفصح الذى كان يرمز إليه وإلى ذبيحته على الصليب.. هذا الفصح كما كان هو الفصح الأخير فى حياة السيد المسيح على الأرض.. كان كذلك الفصح الأخير الذى يجب على اليهود أن يتمموه، إذ جاء الفصح الحقيقى الرب يسوع ذبيحتنا الكاملة، وبعدما تمم الفصح خرج يهوذا لينفذ الشر الذى أنتواه فى قلبه، وقد غسل الرب أرجل تلاميذه.. وأسس سر التناول..، قدم جسده ودمه الأقدسين للتلاميذ وأوصاهم بأن يكون صنع هذا السر وممارسته هو محور حياتهم الروحية ومحور اجتماعاتهم إلى أن يجىء ثانية فى مجيئه الثانى للدينونة، وخاطبهم فى حديث روحى طويل بدأه فى العلية واستمر فى الطريق إلى بستان جثسيمانى.. واستمر أيضا فى البستان، ثم صلى صلاته المؤثرة فى البستان، وفى نهاية اليوم عند منتصف الليل تقريبا أسلم ذاته إلى أيدى الذين أتوا ليقبضوا عليه. الأعداد للفصح:- خرج السيد المسيح ومعه تلاميذه من قرية بيت عنيا قاصدا أورشليم ليصنع الفصح فيها.. وعبر مع تلاميذه وادى قدرون.. وكانت أورشليم مكتظة باليهود القادمين إليها من جهات متفرقة ليعيدوا فيها، وكان الزحام فى هذه السنة شديدا لأن الجميع كانوا يتوقعون أن يعلن لهم (يسوع الناصرى) ذاته معلنا أنه المسيح المنتظر، وكذلك لأن هذه السنة كانت سنة اليوبيل، عبر السيد المسيح وادى قدرون الذى الذى كان مضروبا فيه الآف الخيام لكى تستوعب من لم تستوعبهم المدينة، مر فى طرقات المدينة التى كانت قد غسلت هى ومبانى المدينة غسيلها السنوى، كما أن القبور خارج المدينة كان قد أعيد طلاؤها باللون الأبيض، أما الهيكل فقد كان يتم تنظيفه بإستمرار ولدى دخول السيد المسيح المدينة سأله التلاميذ أين يريد أن يأكل الفصح؟ لم يفصح لهم السيد المسيح عن المكان ولكنه أعطاهم علامة الرجل حامل الجرة، وهى علامة تعتبر علامة مميزة وكافية، لأن حمل الجرار كانت تقوم به السيدات، لم يرد ان يعرف يهوذا المكان حتى يستطيع ان يتمم الفصح فى هدوء، وكذلك يؤسس سر الأفخارستيا، وكان يريد أن يتم القبض عليه فى البستان بعيدا عن المدينة فى هدوء لكى لا يحدث شغب فى المدينة، وكذلك لأن سقوط الأنسان كان فى بستان أراد الرب أن يبدأ خلاص الأنسان من البستان، وأيضا لكى يقدم ليهوذا الأسخريوطى محاولة أخرى لخلاص نفسه إذ قد يذكره المكان (حين يأتى للقبض على السيد المسيح) بليالى الصلاة التى كان يسهرها مع السيد المسيح والتلاميذ كم كان مؤلما على نفس السيد المسيح وهو يمر فى شوارع المدينة الحبيبة إلى قلبه.. مدينة الملك العظيم التى توشك أن تتنكر لمن جاء لإفتقادها وتسلمه إلى الموت.. موت الصليب ذهب بطرس ويوحنا ووجدا كما قال لهما السيد المسيح وأعدا الفصح.. وقد كان الرجل حامل الجرة هو مارمرقس كاروز ديارنا المصرية، والمكان الذى أعد فيه الفصح هو بيته الذى صار أول كنيسة يقام فيها سر الأفخارستيا (مت 26: 17- 19)، (مر 14: 12- 16)، (لو 22: 7- 13) يلاحظ أن اليهود قد أكلوا الفصح فى مساء يوم الجمعة، وكان يوم السبت هو أول أيام الفطير، وهذا واضح مما كتب فى البشائر الأربعة حول أحداث محاكمة السيد المسيح وصلبه.. مع ملاحظة أن اليوم اليهودى بحسب الشرع يبدأ من الغروب وينتهى قبل الغروب التالى، ولهذه التوقيتات أهمية كبيرة عند دراسة أحداث الفصح والمحاكمة والصلب.. ألخ ففى انجيل معلمنا لوقا البشير يقول: وجاء يوم الفطير الذى كان ينبغى أن يذبح فيه الفصح. (لو 22: 7).. وواضح من مضمون هذا الكلام أن يوم الفطير عند اليهود قد تأجل، لماذا؟ وفى يوحنا 18: 28 يقول البشير (ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية وكان صبح (أى صبح يوم الجمعة الذى تمت فيه المحاكمة..الخ) ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكى لا يتنجسوا فيأكلون الفصح).. وذلك لأن من يأكل الفصح يجب أن يكون طاهرا عد 8: 6 – 11 ومعنى ذلك أنه حتى صباح الجمعة لم يكونوا أكلوا الفصح بل كانوا يستعدون له محترسين لكى لا يتنجسوا بالدخول إلى دار الولاية الوثنية ليمكنهم أكل الفصح طاهرين فى غروب اليوم نفسه وفى يوحنا 19: 13، 14 يقول (فلما سمع بيلاطس هذا القول أخرج يسوع وجلس على كرسى الولاية.. وكان استعداد للفصح، ونحو الساعة السادسة (أى الظهر) فقال لليهود.. ألخ) ومن النصوص الواردة فى متى 26: 3 – 5، مر 14: 1، 2.. نفهم أن رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب تآمروا على أن تكون محاكمة السيد وصلبه ليس فى يوم عيد الفصح، وعليه لا يكون يوم الجمعة الذى تمموا فيه مؤامرتهم هو عيد للفصح بل هو استعداد كما ذكر يوحنا وفى يو 19: 31 يقول (ثم إذ كان استعداد فلكى لا تبقى الأجساد على الصليب فى السبت لأن يوم ذلك السبت كان عظيما سأل اليهود بيلاطس ان تكسر سيقانهم ويرفعوا) ومن هذا نفهم أن الفصح كان يوم السبت الذى يبدأ من مساء الجمعة نفهم أيضا من مسألة مشترى حقل الفخارى متى 27: 3 – 7، ومشترى الكتان مر 15: 26، ولو 23: 53، وتسخير سمعان لحمل الصليب بعد رجوعه من عمله بالحقل متى 27: 32 ومر 15: 21، ولو 23: 26 وذلك لأنه لوكان يوم الجمعة هو عيد الفصح لما جاز فيه العمل والبيع والشراء..الخ. أما إذا قيل كيف جاز للسيد المسيح أن يصنع الفصح اليهودى قبل ميعاده الذى عينته الشريعة؟ فنجيب عليه: حاشا للسيد أن يخلف مواعيد الشريعة التى هو ربها. وإنما رؤساء اليهود هم الذين اتفقوا فيما بينهم على تأخير الفصح عن ميعاده القانونى حتى يتمكنوا من محاكمة السيد وقتله قبل حلول العيد لئلا يكون هناك شغب فى الشعب متى 26: 3 – 5 إن يوسيفوس المؤرخ اليهودى يقول أن سيدنا أكل الفصح فى تلك السنة ليلة الجمعة فى الميعاد. أما اليهود فأخروه إلى ليلة السبت بسبب إئتمارهم على صلبه والخلاصة من كل هذا أن السيد اكل الفصح اليهودى فى ميعاده القانونى حسب الشريعة واليهود هم الذين أخروه لثانى يوم لسبب فى أنفسهم والآن نقول ما أحكم وأدق صنع ربنا له المجد فى سائر تصرفاته ومواعيده فإن خروف الفصح اليهودى وهو يرمز لسر جسده ودمه وسر صلبه المجيد. كانت تقضى الشريعة أن يشتريه اليهود فى اليوم العاشر من الشهر ويحفظونه حتى اليوم الرابع عشر منه ويذبحونه فى مساء ذلك اليوم بين العشائين أى بين المغرب والعتمة خر 12: 3، 6 هكذا ربنا جاء إلى أورشليم فى العاشر من الشهر يوم أحد الشعانين وقبله أهلها مخلصا لهم، وبقى فيها وفيما جاورها من القرى إلى يوم الخميس الرابع عشر من الشهر. وفى الميعاد الناموسى أى بعد غروب الخميس قدم خروف الفصح هو وتلاميذه وحدهم كأنما ذلك بحالة سرية وخفية عن مجموع الأمة اليهودية. وبتقديمه إياه ختم لشريعة اليهودية شريعة الظل والرمز الآخذة فى الأختفاء عب 8: 13 وشرع حالا فى شريعة النور والحق الآخذه فى الأستقرار والظهور عب 9: 8 – 23 فضحى بجسده ودمه بوجه سرى وغيرمنطوق بعظمته مسلما إياه لتلاميذه الأطهار تحت شكل الخبز المختمر والخمر الممزوج بالماء فى سر الأفخارستيا المجيد، حيث كان لا بد للضحية التى أشارت إليها الطقوس اليهودية الأحقاب الطويلة أى جسده ودمه من أن تقدم وتضحى فى ميعادها الشرعى تماما. لأنه مهما كان شر البشر وتلاعبهم بمواعيده فإن ذلك لا يعيقه عن إتمام إرادته المقدسة فى ميعادها بكل إحكام. فما أدق وأرهب هذا التوافق العجيب؟! بل لنتأمل أيضا كيف أنه فى الميعاد الذى كان اليهود يستعدون فيه لذبح خروف الفصح علنا وجهرا، كانوا هم أيضا يقتلون المرموز إليه بذلك الخروف.. معلقا على الصليب جهرا وعلنا. وكما لم يكسروا عظم ذاك لم يكسروا عظم هذا أيضا وفى نهاية ذلك النهار عينه..(الجمعة) كما ذبحوا الخروف كذلك يسوع أسلم الروح فى يدى الآب وبعدها طعنوه بالحربة فخرج منه دم وماء ودفنوه فى قبر جديد فى نفس المساء مت 27: 57 حينما كانوا يدفنون خروف الفصح فى بطونهم. الفصح الأخير:- ذهب السيد المسيح إلى بيت مارمرقس حيث كان الفصح معدا، وقد كان خروف الفصح يأكلونه سابقا وهم واقفين.. ولكن فى هذا الوقت كانت قد أدخلت عليه بعض التعديلات ومنها أنهم كانوا يأكلونه متكئين، ونجد هنا السيد المسيح قد إتكأ وعلى يمينه يوحنا الحبيب.. وعن يساره يهوذا الأسخريوطى، ربما رتب السيد المسيح إتكاءهم بهذا الترتيب ليكون السيد المسيح وهو فى وضع الأتكاء قريبا من يهوذا، لكى يستطيع السيد المسيح أن يحادث يهوذا همسا ولا يدينه علانية أمام باقى التلاميذ، وأيضا لكى يتم المكتوب " آكل خبزى رفع على عقبه " (لمزمور 41: 9) إذ كان يأكل من نفس الطبق مع السيد المسيح دعا السيد المسيح هذا الفصح فصحه وأنبأ التلاميذ أن هذا هو الفصح الأخير الذى يأكله معهم وأنه بتمامه يصير وفاؤه وانقضاؤه، ثم يدخل معهم فى عهد جديد بدمه وهذا هو ملكوت الله.. ثم أخذ الكأس الأولى (من أربعة كئوس كانت تشرب مع الفصح) بإعتباره رب الأسرة وقال إن هذه هى آخر مرة يشرب فيها الخمر الأرضية كجزء من ممارسات العهد القديم.. تحذيرات ليهوذا:- صرح السيد المسيح لتلاميذه أن أحدهم سيسلمه.. فابتدأ كل واحد منهم يحزن فى داخله ويشك فى نفسه، وتحول هذا الشك إلى سؤال للرب: هل أنا هو يارب؟.. فأشار إلسيد المسيح مرة أخرى لما جاء فى المزامير: " إن الذى يغمس يده معى فى الصحفة هو الذى سيسلمنى " ولكى يكمل تحذيره ليهوذا أكمل السيد المسيح " إن ابن الأنسان ذاهب كما هو مكتوب عنه، ولكن الويل لذلك الرجل الذى بواسطته يسلم ابن الأنسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد ". هنا السيد المسيح يستعمل لقبا لاهوتيا وهو لقب " ابن الأنسان " سبق أن استعمله من قبل، وورد أيضا فى نبوات دانيال النبى: " كنت أرى فى رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن انسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه، فأعطى سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " (دانيال 7: 13، 14) بل وحذر يهوذا فى كلام صريح من النهاية المحتمة التى تنتظره إن ظل مصرا على شره وللعجب أن يهوذا يسأل السيد المسيح مثلما سأله باقى التلاميذ " هل أنا هو يا معلم " مما جعل السيد المسيح يجيبه بصراحة وقال له: " نعم أنت هو "السيد المسيح استخدم نفس الكلمات التى تحدث بها داود النبى عن أخيتوفل الجيلونى الذى كان مشيرا له وكان يأكل على مائدته، ثم خانه وانضم إلى ابشالوم فى تمرده على أبيه داود، وكانت نهايته بأن مضى وخنق نفسه ومات (2- صموئيل 15، 16، 17) وكان التحذير واضحا.. ولكن يهوذا كان قد أغلق قلبه وفى محاولة أخرى للسيد المسيح مع يهوذا بعدما رد على سؤاله أخذ لقمة وغمسها فى الصحفة التى أمامهم، وقدم اللقمة إلى يهوذا وقال مكملا حديثه معه فى تأكيد واضح " إنه هو الذى سأعطيه اللقمة التى أغمسها "يقول الأنجيل للقديس يوحنا أنه بعد اللقمة إذ لم تجد معه كل تحذيرات الرب، وترك قلبه (وهو بكامل إرادته) مفتوحا للشيطان.. إمتلكه الشيطان إمتلاكا. ثم يذكر الأنجيل: " أما يهوذا فبعد أن أخذ اللقمة خرج على الفور، وكان الوقت ليلا " مشيرا فى ذلك ليس إلى التوقيت الزمنى فقط، (إذ أنه من المعروف أن خروف الفصح يؤكل مساءا) ولكن أيضا إلى حالة الأظلام الروحى التى كان عليها يهوذا " لأن الذى يمشى فى الظلام لا يدرى إلى أين يذهب " (يوحنا 12: 35) – هؤلاء ينابيع لا ماء فيها وغيوم تسوقها الزوبعة ولهم حفظ ضباب الظلمة " (2- بط 2: 17) ذهب يهوذا إلى بيت قيافا مخبرا إياه بوجود السيد المسيح مع تلاميذه فى بيت (مرقس) وأنه فى الأمكان القبض عليه فى هدوء هناك (متى 26: 21- 25)، (مر 14: 18 – 21)، (لو 22: 21 – 23)، (يو 13: 18، 21- 30). غسل الأرجل:- تقوم الكنيسة المقدسة فى إحتفالها بيوم خميس العهد بإتمام ثلاثة طقوس هى على الترتيب: 1. صلوات الساعات النهارية للبصخة. 2. اللقان وغسل الأرجل. 3. القداس الإلهى (تتميم سر الأفخارستيا). وهذا الترتيب هو نفس الترتيب الذى راعاه الرب فى هذا اليوم، إذ أنه بعد ما تمم الفصح، قام عن العشاء وغسل أرجل تلاميذه.. ثم قدم لهم جسده ودمه الأقدسين تحت أعراض الخبز والخمر. خدمة غسل الأرجل:- هذه الخدمة هى إعلان حب إلهى.. يسوع وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب، أحس بذلك الإحساس الذى يجيش فى قلب كل انسان عندما يشعر أن وقت انحلاله قد حضر، يحاول أن يعبر بكل وضوح عما يجيش بصدره وقلبه لأحبابه، حين يذكر القديس يوحنا غسل السيد المسيح لأرجل تلاميذه فإنه يسبقها بعبارة جميلة ومؤثرة عن حب السيد المسيح اللانهائى لخاصته.. إنه وهو الله لم يستنكف أن يقوم عن العشاء ويغسل أرجل تلاميذه فى درس عملى عن المفهوم الحقيقى للعظمة.. السيد المسيح أحب خاصته، وأظهر لهم حبه اللانهائى، إن حب السيد المسيح لخاصته لم ينقص فى أى فترة وفى أى ظرف، ولكن الرب اتخذ من هذه المناسبة فرصة لإظهار أقصى حدود محبته فقد أحبهم إلى غاية الحب لم يكن اتضاع الرب منافيا مع شعوره بعظمته وقدرته وسلطانه وأن كل هذه الأمور لم تكن عقبة فى إعلان حبه واتضاعه إلى المنتهى بل زادته اتضاعا وحبا لخاصته أراد الرب بحبه واتضاعه أن ينزع الكبرياء من نفوس تلاميذه، ونحن أيضا: كانت بين التلاميذ مشاجرة من منهم يكون الأكبر؟ فقال لهم يسوع ملوك الأمم يسودونهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين، وأما أنتم فليس هكذا بل الكبير فيكم ليكن الأصغر والمتقدم كالخادم لأن من هو أكبر الذى يتكىء أم الذى يخدم أليس الذى يتكىء ولكنى أنا بينكم كالذى يخدم..! فقام عن العشاء: ولا شك أن التلاميذ تفرسوا فيه عندما قام عن العشاء ماذا يفعل، وإذ به (يخلع ملابسه) الخارجية وفيها ذلك الثوب المنسوج كله بغير خياطة وغالبا هذه هى الثياب عينها التى اقتسمها الجنود عند الصليب. وأخذ منشفة: هذا هو المنديل الذى كان يلبسه العبيد والخدم والحشم عند قيامهم بخدمة أسيادهم.. فياله من منظر رائع بهر التلاميذ ويوحنا الذى يصفه لنا بكل دقة ووضوح، وإتزر بها كما يتمنطق العبد الواقف عند خدمة سيده، هل خزى التلاميذ بعدما ألقوا على بعضهم هذا السؤال من هو العظيم بينهم لأن الرب أراد أن يقوم بهذه الخدمة الجليلة لتلاميذه القديسين فقام بها على أكمل وجه وصورة. المسيح يغسل أرجلهم:- ثم صب ماء وأبتدأ يغسل أرجلهم ويمسحها بالمنشفة، كان ممكن للرب أن يغسل الأرجل ويكلف أحدهم بمسحها أو يعاونه فى هذه الخدمة أو فى بعضها إلا أنه رضى أن يقوم هو وحده بكل أركانها حتى متى جاء الوقت المبارك على الصليب يقول لله الآب كل ما أمرتنى به عملته فلا يدعى إنسان ولا يبقى لأى أحد مجال أن يدعى أنه كانت له يد فيما عمل السيد المسيح فقال على الصليب " قد أكمل " إن الماء يرمز إلى النقاوة والتطهير، ويرمز إلى الحياة، ويرمز إلى عمل الروح القدس أو إلى الروح القدس نفسه قام السيد المسيح عن المائدة وخلع رداءه وأتزر بمنشفة، وصب ماء فى المغسل وإبتدأ يغسل أرجل تلاميذه، إن هذا المنظر لا شك أنه يدهش الأنبياء والملائكة والقديسين فى السماء، إنه يدهش أبونا ابراهيم لأنه حينما رأى قديما ثلاثة رجال فطلب منهم بحب وكرم جزيل إن كنت قد وجدت نعمة فى عينك فلا تتجاوز عبدك ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة (تك 18: 3) أما اليوم فالرب بنفسه يتكىء على الأرض ويتزر بالمأزرة ويغسل أرجل تلاميذه القديسين وأدهش لوط الذى استقبل الملاكان فى سدوم وقال ميلا إلى بيت عبدكما وبيتا واغسلا أرجلكما ثم تبكران وتذهبان (تك 19: 2) وعندما جاء إلى بطرس الرسول الذى وجد فى هذا العمل إهانة لمعلمه، ولكن حين قال له السيد المسيح: " إن لم أغسل رجليك فليس لك معى نصيب " طلب بطرس أن يغسل السيد المسيح ليس رجليه فقط بل أيضا يديه ورأسه، رد عليه السيد المسيح " إن الذى استحم لا يحتاج إلا إلى أن يغسل قدميه فإنه طاهر كله " أى أن المؤمن الذى اغتسل فى المعمودية وصار طاهرا ولكن بحكم حياته فى العالم فإنه يحتاج فقط إلى التوبة عن الخطايا والسهوات قام السيد المسيح عن العشاء، خلع ثيابه، أخذ منشفة إتزر بها، ثم صب ماء فى مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ، ويمسحها بالمنشفة هذه الخطوات السبع التى خطاها الرب يسوع فى غسل أرجل تلاميذه القديسين إنما تحمل بين طياتها وثناياها رمزا ضمنيا إلى الخطوات الخالدة التى اتخذها الفادى فى تنفيذه تدبير الفداء العجيب للبشرية كلها: فقيامه عن العشاء يرمز إلى تركه أمجاد السماء،وخلع ملابسه يشير إلى إخلاء نفسه،وأخذه المنشفة يشير إلى تجسده فى جسم بشريتنا،وإتزاره بالمنشفة يرمز إلى أخذه صورة العبد،وصبه الماء فى المغسل يرمز إلى بذل دمه الثمين لأجلنا،وغسله أرجل تلاميذه يكنى به عن تطهيره للعالم بالمعمودية،ومسحه أرجلهم كناية عن تقديس العالم بسر الميرون المقدس بركات عجيبة فى سر غسل أرجل التلاميذ إنما يشير إلى كل هذه البركات العجيبة التى تمت نحو الفداء المبارك الذى قدمه الرب للبشرية مما جعل أبونا القديس بولس الرسول فى رسالته إلى فيلبى يقول" فليكن فيكم هذا الفكر الذى فى المسيح يسوع أيضا الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله لكنه أخلى نفسه آخذا صورة العبد صائرا فى شبه الناس وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب " (فى 2: 5)وبعد أن أتم غسل الأرجل شرح لهم معنى عمله هذا وأوصاهم بالأقتداء به، وأيضا ذكرهم بأن ليس كلهم طاهرون، إشارة إلى يهوذا الذى أسلمه من المؤكد أن يهوذا الإسخريوطى لم يحضر غسل الأرجل، لأنه كما اتضح أنه غادر بيت القديس مرقس الرسول بعدما غمس السيد المسيح اللقمة وأعطاه. وكان هذا أثناء أكل الفصح. تأسيس سر الأفخارستيا:- بعد أن أكل السيد المسيح الفصح الأخير مع تلاميذه وغسل أرجلهم بعد خروج يهوذا الأسخريوطى، أخذ خبزا وبارك وشكر وكسر وقدمه إلى تلاميذه قائلا لهم: أن هذا هو جسده الذى يقدم فداء وكفارة عن خطايانا وأمسك كأسا ممزوجة من خمر وماء وقال لهم بفمه الإلهى الطاهر: أن هذا هو دمه المسفوك عن خطايا العالم وهذه الكأس هى غير الأربعة كئوس التى كانت تشرب أثناء أكل الفصح.. لأن الفصح كان قد تم أكله ورفع من على المائدة من قبل غسل الأرجل يقول البعض أن السيد المسيح قد أسس سر الأفخارستيا فى حضور يهوذا الأسخريوطى.. وأن يهوذا قد اشترك فى التناول قبل خروجه، إلا أن هذا القول مردود عليه من قول السيد المسيح: " إنه هو الذى سأعطيه اللقمة التى أغمسها ". ثم غمس اللقمة وقدمها ليهوذا بن سمعان الأسخريوطى " (يو 13: 26)، وواضح أن النص هنا لا يتكلم عن التناول، فالتناول ليس فيه غمس. سر الأفخارستيا:- إن تأسيس سر الأفخارستيا فى الليلة الأخيرة للسيد المسيح، له دلالة هامة، وترتيب بحكمة إلهية فائقة، لقد تحدث السيد المسيح عن الخبز الحى، وعن أكل جسده، فى أكثر من مناسبة، مرة للتلاميذ ومرات للجمهور، وهناك من تقبل هذا الكلام، وآخرون لم يفهموه بل وتركوه ومضوا، ولم يتراجع السيد المسيح عن أى كلمة أو حرف، مما قاله بل ترك لمن يرجعون للخلف أن يمضوا.. لقد اعترض اليهود على كلام السيد المسيح، هذا الأعتراض المبنى على حكم العقل والحواس الجسدية قائلين (كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل؟ يو 6: 51، 52). وأيضا أعترض الكثيرون من تلاميذه نفس الأعتراض الحسى والعقلى قائلين " إن هذا الكلام صعب من يقدر أن يسمعه؟ " فماذا كان جوابه لهم؟ كان جوابه لهم مبنيا على إباحة استعمال العقل، ولكن فى حدود سلطانه فقط. قال (أهذا يعثركم فإن رأيتم ابن الأنسان صاعدا إلى حيث كان أولا).. أى أنكم لو عملتم مقارنة عقلية بسيطة بين ماصنعته أمامكم من المعجزات الحسية وما سترونه من آية صعودى بالجسد إلى السماء مستقبلا، وبين ما أقوله لكم اليوم من أن الخبز الذى أنا أعطيه لكم هو جسدى، لعرفتم قدرتى وصدقتم قولى، ولم تجدوا شيئا يعثركم، ثم كمل جوابه قائلا (الروح هو الذى يحى. أما الجسد فلا يفيد شيئا لأن كلامى هو روح وحياة). أى لا تأخذوا السر تحت حواسكم الجسدية. ويكفيكم من جهة هذه الحواس ما صنعته أمامكم من المعجزات وما سترونه بعيونكم من صعودى إلى السماء فتؤمنون بالمقارنة إلى ذلك بكل أقوالى وأسرارى إن السيد المسيح لم يلغ استعمال العقل البشرى لأنه موهوب منه، إنما أباح استعماله فى حدود السلطان الممنوح له من الله. التلاميذ الأثنى عشر استعملوا عقولهم فى حدود هذا السلطان فآمنوا بأن الخبز الذى سيعطيه المسيح لهم هو جسده ولو لم تتحقق عقولهم وحواسهم من ذلك تحققا ماديا واليوم نجد من الطوائف ما يرفض أن قرره السيد المسيح، فليمضوا مع من مضوا، فمن لا يأكل من جسد السيد المسيح ويشرب من دمه فهو لم يستفد من ذبيحة الصليب أو من عملية الخلاص التى أتمها السيد المسيح له المجد. لأن السيد المسيح صلب ومات عن البشرية كلها.. ولكن الذى يأكل من جسده ويشرب من دمه هو فقط الذى أستفاد من عملية الفداء..، عندما أشبع السيد المسيح الشعب من الخبز والسمك، ثم تبعوه ليأكلوا من هذا الخبز، وجه أنظارهم إلى الخبز الحى.. ولهذا فلابد فى هذا المجال أن نتحدث بإيجاز عن سر الأفخارستيا. (أسماء السر ورموزه):- لهذا السر أسماء كثيرة، وكل منها يدل على معنى مخصوص من مفاهيمه ومقاصده السامية ومنافعه الفائقة للطبيعة. وكلها مأخوذة من نصوص وروح الكتاب المقدس، وهذه بعضها: الأفخارستيا وهى كلمة يونانية معناها الشكر، سر الشكر، مائدة الرب، المائدة الربانية، العشاء السرى، العشاء الربانى، سر التناول، الأسرار الألهية، المائدة الرهيبة، الذبيحة المقدسة، الجسد والدم، الذبيحة غير الدموية، خبز الحياة، المائدة المقدسة، الخبز السماوى، طعام الحياة، سر الأسرار، الوليمة الألهية، الوليمة السماوية، السر المجيد،.. إلى غير ذلك من الأسماء الدالة على سموه وعظمته. سمو السر:- أسرار الكنيسة السبعة هى نعم فائقة جليلة سماوية، ينالها المؤمن بمواد يقدسها الروح القدس باستحقاقات سر الفداء العظيم الذى أكمله ربنا يسوع المسيح على الصليب، وهى سرية باطنية ينالها المؤمن تحت العلامات والمواد المنظورة التى تتقدس كما رسم لها الله تعالى وما هى إلا بمثابة قنوات ومجارى تتدفق فيها النعم من نهر الفداء العظيم، لذلك من طقسها رسم الصليب وذكر الفداء وأنه وإن كانت جميعها سامية جليلة لخلاص المؤمنين وتقويتهم فى الحياة الروحية والجسدية..الخ إلا أن العشاء الربانى أسماها مقاما، وأغزرها فيضا وأعمها شمولا، وأكثرها إظهاراللحب الفائق فى سر الفداء العجيب للأسباب الآتية:- أولا: سموه عن الأدراك حيث أن المادة المنظورة فى كل سر غيره تلبث كما هى غير متغيرة ولا مستحيلة، ولكن فى سر التناول لا تلبث المادة أى الخبز والخمر على حالها بل تستحيل أو تتغير، أما الخبز فإلى ذات جسد المسيح وأما الخبر فالى دمه، وذلك بوجه سرى يفوق الفهم كما شاءت سلطته وقدرته العلوية. ثانيا: عظم الموهبة والنعمة التى ينالها المتقدم لهذا السر فان ربنا له المجد يهب المؤمنين بعضا من مواهب الخلاص بواسطة الأسرار الأخرى كل بحسب غايته وطبيعته، إلا أنه فى هذا السر يقدم لنا ذاته المقدسة غذاء وشرابا فتجرى إلينا وفينا حياته وتصير حياتنا كما أنه بذلك يجعل المؤمنين جميعا جسدا واحدا أو روحا واحدا. ثالثا: أن الرب يقدس بروحه الأقدس سائر الأسرار ولكنه فى هذا السر يحضر بلاهوته وناسوته معا، فيلهب قلوبنا بالأشواق المقدسة والعبادة الحارة لشخصه المبارك. رابعا: أن الأسرار الأخرى من بركات ذبيحة الفداء أما هذا السر فهو الذبيحة نفسها. ظروف اقامة السر كالوعد ونصوصها الصريحة:- لماذا أسس رب المجد سر الأفخارستيا فى الليلة الأخيرة؟؟ ما الفرق بين سر الأفخارستيا، وذبيحة الصليب؟؟ إن الظروف التى أسس فيها هذا السر تعطينا دليلا واضحا على صدق العقيدة الأرثوذكسية. (أولا) نجد السيد المسيح مارس أولا الفصح اليهودى الذى كان يرمز لهذا السر وبعد اتمامه وختمه شرع فى تأسيس الفصح الجديد أى أنه خرج من الظل إلى الحقيقة ومن الصورة والمثال إلى الواقع وكما كان العهد القديم مثبتا بدم الحيوانات، هكذا نجده ثبت العهد الجديد بدمه الثمين ولو كان ثبته بالخمر فقط كما تزعم بعض الطوائف لكان العهد القديم أشرف من العهد الجديد وهذا لم يقل به أحد. (ثانيا) إن السيد سلم السر لتلاميذه فى آخر ليلة من حياته على الأرض والانسان عادة فى مثل هذه الساعة يتوخى الأيضاح والأفصاح لا الأبهام والتأويل، مهما عاش كل حياته يتكلم بالمجاز والألغاز، فهل السيد المسيح الذى كان يفسر لسامعيه كل اقواله يصدر منه إبهام وألغاز وقت الإيضاح والإفصاح؟ حاشا.. (ثالثا) إذا رجعنا إلى نصوص الأناجيل الثلاثة التى وردت فيها حادثة تأسيس السر وهى فى متى 26 ومرقس 14 ولوقا 22 نجدها تصف وليمة حدثت فعلا، وليس هناك فى وصفها مجال للأبهام بل هى غاية فى الصراحة والأفصاح. لأن جميعها تنص أن السيد أخذ خبزا وبارك وشكر وكسر وأعطى تلاميذه قائلا: خذوا كلوا هذا هو جسدى والخمر قائلا اشربوا هذا هو دمى.. أليست هذه الألفاظ تصف أفعالا حدثت بالتمام (أخذ – وبارك – وشكر – وكسر – وأعطى – وقال -..الخ) وقد فهم الرسل أقواله وأفعاله كما تفهمها الكنيسة الآن وسلموها لها فى مفترق أنحاء المعمورة سالمة كاملة كما هى. وآمنت بها الأمم الكثيرة المختلفة الأجناس والمجامع المقدسة لمدة أجيال عديدة وأزمنة مديدة فهل خدع السيد المسيح تلاميذه وهم أيضا خدعوا الكنيسة والأمم والمجامع وبقيت هذه الضلالة راسخة بالكنيسة حتى القرون المتأخرة؟ هل هذا منطق معقول؟ ومن يتجاسر أن يقول ذلك أو يؤمن بغير ما سلمه المسيح لتلاميذه وسلمه هؤلاء للكنيسة وباق فيها إلى اليوم. بعض افتراءات الطوائف ضد الكنيسة الأرثوذكسية والرد عليها:- دحض استعمال الفطير:- سارت الكنيسة بأسرها شرقا وغربا من فجر المسيحية حتى القرن ال 11 على أن تقدم مادة الجسد فى هذا السر المبارك من الخبز المختمر وقد استمرت الكنائس الأرثوذكسية وستستمر على ذلك إلى أن يجىء الرب فى مجيئه الثانى. إلا أن الكنيسة البابوية منذ ذلك القرن أجازت تقديم المادة فطيرا عوض الخبز المختمر وأصل هذه البدعة يرجع إلى أبو ليناريوس المبتدع الذى ظهر فى القرن الرابع وجدف قائلا: إن المسيح فى تجسده من البتول صار جسدا بلا نفس بشرية ولا عقل بشرى، زاعما أن لاهوت السيد قد ناب فيه عنهما وبناءا على هذا الزعم الفاسد صار يقدس سر الشكر بالفطير خلوا من الخمير والملح مشيرا بذلك إلى عقيدته فى ناسوت المسيح، وقد حرم هذا التعليم فى المجمع المسكونى الثانى سنة 381 م ومن الغريب أن الكنيسة البابوية تنكر تعليم أبو ليناريوس بخصوص ناسوت مخلصنا، ولكنها تجيز تقديم مادة السر من الفطير مع أن هذا مبنى على ما تنكره كما ذكرأما الأدلة التى تقدمها الكنيسة الأرثوذكسية على مخالفة الكنيسة الرومانية فى ذلك للطقس الذى وضعه ربنا له المجد فهى كما يلى: أولا: الأنجيليون الثلاثة الذين تكلموا عن تأسيس السر قالوا بصريح العبارة (خبزا) مع العلم بأن كلا من الكلمتين (الخبز) و (الفطير) كانت تستعمل لغرض لا تستعمل له الأخرى، وقد فرق الكتاب بينهما بصريح اللفظ والمعنى. فالفطير له أسمه الخاص، ولا يمكن أن يطلق عليه اسم الخبز عد 6: 9. ثانيا: عندما تكلم بولس الرسول وقال سلمتكم ما تسلمت من الرب أنه فى الليلة التى أسلم فيها ذاته.. الخ ذكر مادة السر وسماها (خبزا) 1 كو 11: 23، وهذا يطابق ما أوضحه سفر الأعمال عن الكنيسة فى فجر عصورها حيث يقول فى ص 2: 42 وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات (أع 2: 46، 20: 7، 1 كو 10: 16، 17). ثالثا: كلمة (آرطوس) اليونانية التى تكلم بها الوحى تعنى حبزا مختمرا مرتفعا لا هابطا، أما الكلمة الأخرى التى تعنى (فطيرا) فهى (آزيموس) ولم ترد مطلقا فى أثناء الكلام عن السر، وعليه فمن يقولون أن المسيح أخذ خبزا فطيرا كأنهم يجعلون العبارة متناقضة هكذا (آرطوس آزيموس) أى خبزا مرتفعا (يعنى مختمرا) بلا خمير وكيف يكون الخبز الواحد مختمرا وبلا خمير؟. رابعا: قد سارت الكنيسة بأسرها على تقديم السر بمادة الخبز حتى القرن ال11 حيث انشقت الكنيسة الرومانية فى ذلك، فهل كانت سائرة على خطأ كل هذه القرون؟ ومما يؤيد ذلك أننا لو رجعنا إلى أقوال الآباء الأقدمين كيوستينوس فى احتجاجه الأول، وإيريناوس ضد الهرطقة، والذهبى الفم، وكيرلس الأورشليمى تجدهم لم يذكروا مادة السر إلا بلفظه الخبز الأعتيادى أو الخبز المختمر والقديس أبيفانوس رئيس أساقفة قبرص المتنيح سنة 403 م عندما تكلم عن هرطقة الأبيونيين قال: (أنهم كانوا يتمسكون بالشريعة الموسوية وأنهم كانوا يتممون سر الأفخارستيا بفطير وماء فقط) موضحا أن ذلك مخالف لعادة الكنيسة لقد حرصت كنيستنا الرشيدة المؤيدة بالروح القدس على تقديم الذبيحة الإلهية من خبز مختمر لا كفطير، لأن الفطير يشير إلى حياة السيد المسيح له المجد قبل الصلب فقط وأعماله كانت خالية من الخمير الذى هو رمز الشر، أما وقد حمل خطايانا فى جسده على الصليب وقدم ذاته ذبيحة خطية عنا.. لذلك لزم جدا أن يضاف الخمير فى الخبز المقدم فى القداس إشارة إلى الخطية التى حملها فى جسده لأن ذبيحة القداس الألهى تشمل الصليب وما قبل الصليب ولكن الكنيسة لم تكتف بوضع الخمير فقط، بل لزم أن يدخل النار حتى تموت هذه الخميرة ثانيا كما ماتت الخطية فى جسد المسيح المقام من الأموات، فالخميرة موجودة فى قربان القداس ولكنها ميتة بفعل النار، وكما أبطلت النار فعل الخميرة كذلك أبطل المسيح الخطية يقول البعض من أين جىء بالخبز المختمر للسيد المسيح فى وقت كان محظورا على بنى إسرائيل تواجد للخمير فى بيوتهم أثناء أكل الفصح؟ وللأجابة على ذلك نشير إلى أن السيد المسيح أتم طقس الفصح قبل اليهود بيوم كامل، وفى موعده حسب شريعة موسى النبى، بسبب ما ذكرناه سابقا.. وهذا معناه أن الأستعداد عند اليهود كان يوم الجمعة.. وهذا يعنى وجود خبز مختمر فى بيوت اليهود يوم الخميس مساءا حيث أتم السيد المسيح الفصح، إذا يتبين من كل ما ذكر أن وجود الخمير مساء يوم الخميس ليلة الجمعة حيث صنع السيد الفصحين معا أمر ميسور جدا وبهذا يسقط الأعتراض من أساسه. دحض من ينكرون أن سر الأفخارستيا هو رمز فقط:- لا يوجد حديث أكثر قوة من حديث مخلصنا الذى تكلم بشكل واضح لا غموض فيه أو لبث، وعندما تشكك البعض من كلامه لم يلتفت إليهم، فالله عندما أوصى العبرانيين بنظام الذبائح بواسطة موسى وهارون والكهنة، هل كان يمكن أن يعترض أحدا من اليهود على هذه الطقوس، برغم عدم فهمهم فى ذلك الحين الغرض (الجوهرى)، الذى ترمز إليه تلك الذبائح؟ كذلك بالنسبة لسر الأفخارستيا الذى ثبته لنا السيد المسيح له المجد، هل يجوز لنا نحن البشر بعقولنا وتفكيرنا المحدود أن نناقش رب المجد فى هذا الأمر لقد ورد فى انجيل القديس لوقا 22: 19، 20 (وأخذ خبزا وشكر وكسر وأعطاهم قائلا هذا هو جسدى الذى يبذل عنكم..وكذلك الكأس، قائلا هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى الذى يسفك عنكم) فما دام هناك جسد يبذل ودم يسفك فهذا هو الذبيحة الحقيقية ثم لنلاحظ قوله العهد الجديد، ونحن نعلم أن العهد القديم تثبت بذبائح ودم الحيوانات (خر 24) فلا بد إذا لثبات العهد الجديد من ذبيحة أسمى ودم أعلى بمقدار ما سما العهد الجديد عن العهد القديم، إذا من نفس النصوص الإلهية والمقارنة بين العهدين نعرف يقينا بأن هذا السر ذبيحة مقدسة إن الذين يجردون العهد الجديد من الذبيحة الحسية ويكتفون بالقول أن ذبيحته هى الصلوات والصدقات ليس إلا، يجعلون العهد القديم أشرف من العهد الجديد، لأن الصلوات والصدقات كانت موجودة أيضا ومحتمة فى العهد القديم، وفوق هذا فإن ذبائح العهد القديم مع أنها كانت يصور شيئا مزمعا كيانه فى المستقبل أعنى به صلب المسيح، فانها كانت تقدم بصورة حسية مادية من ثيران وخرفان..الخ، فإذا من باب أولى ذبيحة العهد الجديد التى تصور موت المسيح الذى سبق حدوثه وتم فعلا. بل أحرى أن يقال أنها ذات ذبيحة الصليب يجب أن تكون حسية مادية لا معنوية فقط كالصلوات ولو عرف المكتفون بالصلوات والصدقات معنى الذبيحة الحقيقية وما يتعلق بها لأدركوا مقدار شططهم فيما يتمسكون به، لأن الذبيحة الحقيقية لها شرطان ضروريان (الأول): أن تكون غايتها الأساسية التعبد والمذلة لله، فكل التقدمات والذبائح الموسوية أمر الرب بتقديمها بحال حسية منظورة تعبدا له واعترافا بربويته، ولكى تتجسم العبادة الباطنية الغير المنظورة، تبعا لتركيب الأنسان الطبيعى من روح مقترن بجسد، فكل انفعالات الروح الباطنية تتم وتظهر جسديا، ولا يمكن أن تكون عبادتنا الباطنية كاملة إلا إذا اقترنت بالذبائح الحسية لأننا لسنا أرواحا مجردة كالملائكة أما الشرط (الثانى) فهو ضرورة تقديم الذبيحة لله ذاته كما كان يفعل بمحرقات العهد القديم ةإلا فأنها تفقد الغرض الأساسى المقصود من تقديمها وهو التعبد لله تعالى. وعليه فكل ما يعطى ويقدم للناس من صدقات وحسنات لا يعتبر ذبيحة لله ذاته، (لأن معظم البشر من أديان وعقائد مختلفة) يفعلون ذلك من باب التعاطف بين البشر ومساعدة الأنسان والنتيجة من كل هذا أنه لا يمكن أن تخلو ديانة العهد الجديد من ذبيحة حسية مادية، كما لا يمكن اعتبار الصدقات ذبائح حقيقية لأن الذبيحة الحقيقية هى التى تقدم لله ذاته وبها نعترف بألوهيته ونقر بربوبيته لنا وتعبدنا له نضيف على ذلك أن السيد المسيح له المجد أعطى للجموع خبزا عاديا ليأكلوا (مع سمكا)، ولم يقل لهم وقتئذ أنه جسده.. وأكل الناس وشبعوا وكانت هناك بركة كبيرة بزيادة الفائض من الكسر والخبز حوالى أثنا عشر قفة مملوءة، وفى هذه المعجزة لم يقل لهم السيد المسيح أن هذا الخبز هو جسده، فلماذا يخلط دعاة (الرمز) الأمور ببعضها؟. الأعتراض على مزج الخمر بالماء:- يعترضون قائلين كيف تمزجون الخمر بالماء فى ممارسة السر مع أن الأنجيل لم ينص بهذا؟ الجواب عليه: اننا أخذنا ذلك من التقليد بالتسليم من الرسل أنفسهم الذين تسلموه من السيد له المجد. وإذا كان الأنجيل لم يذكر عن السيد أنه مزج الخمر بالماء فإنه لم يقل أيضا أن ما أعطاه لتلاميذه هو خمر صرف غير ممزوج يردون بالأعتراض على التقليد، فنوضح لهم أهمية التقليد فى كنيستنا الأرثوذكسية، وضرورة التمسك به وهنا نذكر بعض أقوال الآباء عنه: فالقديس أبيفانيوس أسقف قبرص المتنيح سنة 403 م قال: " إن التقليد لا بد منه، لأن الكتاب المقدس لا يتضمن كل شىء، على أن الرسل الأطهار تركوا أشياء فى الكتاب وأشياء فى التقليد – وأسابيوس المؤرخ يقول فى محاماته عن الأنجيل (إن رسل المسيح قد ألفوا أمورا بعضها مكتوب وبعضها غير مكتوب لتحفظ كأنها ناموس غير مكتتب) جاء فى أوامر الرسل هكذا (وقد أخذ الكأس ممزوجة خمرا وماء وقدسه، وأعطاهم قائلا اشربوا منه) – أما عن الآباء القديسين، فقد ذكره القديس ايريناوس فى كتابه ضد الهراطقة ويوستينوس فى احتجاجاته، والقديس كبريانوس بالقرن الثالث يقول (من التقليد تعلمنا مزج الخمر بالماء فى القداس) رسالة 63.وعلاوة على أن هذا التقليد غير مناقض للوحى كما ذكرنا فى مستهل الكلام، فإننا نجد فى الأنجيل إشارة عن مزج الخمر بالماء حيث يقول عن صلب السيد المسيح: (ولكن واحدا من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء) يو 19: 34، 1 يو 5: 6، 8 وهناك إشارة أوضح فى أقوال سليمان الحكيم عندما تكلم عن السيد المسيح وبناء كنيسته بالسبعة الأسرار، قال وهو يشير عن هذا السر (الحكمة " أى المسيح " ذبحت ذبحها مزجت خمرها) أم 9: 2 وفى ع 5 يقول السيد المسيح اشربوا من الخمر التى مزجتها. فمن قوله عن الخمر أنها مزجت وهو يشير إلى هذا السر نفهم بوضوح مزج الخمر بالماء. لذا نجد الكنيسة تسلمت هذا الأمر منذ ابتدائها. هل هناك فرق بين ذبيحة الصليب وذبيحة القداس؟:- لا فرق بين ذبيحة الصليب وذبيحة القداس من حيث الضحية نفسها. إذ يقول الكاهن معترفا بالقداس (أؤمن أؤمن أؤمن وأعترف إلى النفس الأخير أن هذا هو الجسد المحيى. الذى لإبنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. أخذه من سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة الطاهرة مريم. وجعله واحدا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير. واعترف الأعتراف الحسن أمام بيلاطس البنطى وأسلمه عنا على خشبة الصليب المقدسة بإرادته وحده عنا كلنا، بالحقيقة أؤمن أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين، يعطى عنا خلاصا وغفرانا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه. أؤمن أؤمن أؤمن أن هذا هو بالحقيقة آمين) وذلك تبعا لقول السيد (والخبز الذى أنا أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم) وقوله (إن لم تأكلواجسد ابن الأنسان.. الخ) يو 6: 51، 53 وعندما نرجع إلى النصوص المتعلقة بتسليم السر من السيد له المجد إلى تلاميذه الأطهار ليلة صلبه نجده فوق تأكيده لهم أن ما يسلمه إليهم هو جسده ودمه بالذات، حيث قال جسدى ودمى فإنه قد جعل (مزية غفران الخطايا) التى لذبيحة الصليب هى بذاتها الهبة أو المزية التى لذبيحة العشاء السرى حيث جاء فى متى 21: 26 – 28 (وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدى وأخذ الكأس وشكر واعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا) وفى مرقس 14: 22 – 24 يقول (خذوا كلوا هذا هو جسدى ثم أخذ الكأس وشكر واعطاهم فشربوا منها كلهم وقال لهم هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يسفك من أجل كثيرين) وجاء فى رسالة بولس الرسول الأولى لكورنثوس 12: 27 – 29 (إذا أى من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرما فى جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الأنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس لأن الذى يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب) والخلاصة مما سبق أن ذبيحة الصليب وذبيحة القداس هما ذبيحة واحدة أشرقت مرة على الصليب ؛ وتشرق كل يوم على مذابحنا.. وهى هى واحدة لا تكرار ولا فرق بينهما لا فى الضحية نفسها ولا فى مزاياها ولا فى مقدمها، لأن مقدمها فى الحالتين هو السيد المسيح بصفته رئيس كهنة (فالأولى قدمها بنفسه والثانية أسسها وأعطى لوكلائه العاملين بأسمه وتفويضه أن يقدموها) الذبيحة الأولى كانت على الصليب، كانت منظورة أمام العين البشرية جسدا ودما. أما الثانية فهى غير منظورة بالعين الجسدية، هى جسد ودم فى شكل الخبز وعصير الكرمة الذبيحة الأولى الصليبية قوتها واستحقاقاتها عامة، أما الثانية فقوتها واستحقاقاتها خاصة مستمدة من الأولى.. ويستفيد منها من يتناولها فقط ولعلنا ندرك الآن لماذا رتب السيد المسيح له المجد أن يؤسس سر الأفخارستيا فى اليوم السابق مباشرة لصلبه.. للعلاقة الوثيقة والواحدة بين الذبيحتين. تحذيرات الرب لبطرس وللتلاميذ:- السيد المسيح كان يعلم أن الشيطان سينتهز فرصة صلبه لكى يهز إيمان التلاميذ كما فى غربال لكى يسقطهم، وأعلم الرب بطرس أنه سينكره ثلاث مرات قبل صياح الديك، ثم حادث الرب تلاميذه منبها إياهم إلى ضرورة الأستعداد الروحى التام.. وتحدث عن سيف الروح، وكلمة الله (أفسس 6: 7) إلا أن التلاميذ لم يفهموا قصده وأشاروا إلى وجود سيفين.. فطلب منهم السيد المسيح الكف عن هذا الفهم الخاطىء، وكذلك حادثهم عن مجده. وقال قد تمجد أبن الأنسان معتبرا أن صلبه هو أعظم أمجاده حيث سيغلب قوى الشر، وبهذا يتمجد الله فيه مستوفيا عدله، وسيمجده الله سريعا بالظواهر التى صاحبت صلبه ثم قيامته.. وكذلك عندما يجلس عن يمين العظمة ويأخذ اسما فوق كل اسم كذلك أوصى السيد المسيح تلاميذه بأن يحبوا بعضهم بعضا، والحب وصية قديمة، إلا أنه أعطاها مفهوما جديدا، إذ قال إن درجة هذا الحب المطلوب هى أن يكون هذا الحب كحب السيد المسيح لنا إذ أسلم نفسه فداء عنا..! هذا الحب هو علامتنا كمسيحيين. التسبيح بالمزامير:- ثم سبح السيد المسيح مع تلاميذه حسب طقوس الفصح. حديث الرب الوداعى للتلاميذ:- وقبل أن يخرج السيد المسيح مع تلاميذه من بيت مارمرقس بدأ معهم حديثه الوداعى الطويل والذى سجله لنا القديس يوحنا فى أربعة اصحاحات هى الأصحاح الرابع عشر، والخامس عشر، والسادس عشر، والسابع عشر، بدأ حديثه فى العلية فى بيت مارمرقس واستمر طوال الطريق وكذلك فى بستان جثسيمانى المكان الذى أختاره ليتم القبض عليه فيه حدثهم وهم فى العلية عن السماء موضع راحتهم، وعن أنه هو الطريق ولا يوجد طريق سواه، وحدثهم عن إستجابة الله لصلواتهم وعن الروح القدس المعزى الآخر الذى سيرسله إليهم، والذى سوف يمكث معهم إلى الأبد، وعن الشركة الدائمة بينه وبينهم بعد إنطلاقه.. وحدثهم أيضا عن إرشادات الروح القدس لهم، وترك سلامه الذى يفوق كل عقل، وكذلك حدثهم عن إغتباطه بإنطلاقه ثم قال لهم: " لكن لكى يعرف العالم أنى أحب أبى وأنى أعمل ما أوصانى به أبى. قوموا ننطلق من هنا " (يو 14: 31). وطبعا الأنطلاق ليس للهرب ولكن إلى البستان المكان الذى اختاره ليتم القبض عليه فيه، والذى يعلم يهوذا أنه سيجد فيه السيد المسيح إذ لم يجده فى بيت مارمرقس إذ لم يجده فى بيت مارمرقس إذ كان قد قضى الليالى الكثيرة مع السيد المسيح والتلاميذ فى الصلاة فى هذا البستان وفى الطريق حادثهم السيد المسيح عن الثمار المطلوبة منهم وعن المحبة التى فى قلوبهم تجاه كل الناس وتجاه بعضهم البعض.. وحدثهم عن بغضة العالم وأهل العالم لهم.. وحدثهم ثانية عن المعزى روح الحق الذى يشهد للسيد المسيح (يو 15) وكذلك حدثهم فى الطريق عن المتاعب التى تنتظرهم ولكنه سيرسل لهم المعزى الذى سيبكت الأشرار على خطاياهم، ومن يفتح ذهنه لعمل روح الله يقبله الله، وحدثهم عن لقائه بهم بعد قيامته وأنه سوف يستجيب طلباتهم، وأنه سيترك حالة التواضع هذه ويعود إلى مجده.. (يو 16)..ولكن يبدو أن التلاميذ حتى هذة اللحظة كانوا غير مدركين تماما لموضوع الفداء ودور السيد المسيح وهو مقبل على الصلب..، ومثلهم مثل بقية الشعب اليهودى كانوا يتطلعون إلى المسيا الذى يخلص الشعب من نير الحكم الرومانى.. وإلى إعادة مجد الدولة العبرية وفى البستان قدم فى حديثه صلاة من أجل أن يمجده الله كما مجد هو الله الآب (شهد له يهوذا بأنه أسلم دما بريئا، شهدت له زوجة بيلاطس، وشهدت له عناصر الطبيعة، شهد له بيلاطس، شهد له هيرودس، شهد له لونجينوس " قائد الكتيبة "، اللافتة التى علقوها على الصليب لم تدنه بشىء)، وكذلك صلى من أجل تلاميذه لكى يحفظوا ويتقدسوا ويتمجدوا. (يو 17). الآم الرب فى البستان:- طلب السيد المسيح من تلاميذه البقاء فى البستان، وأخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا، وطلب منهم السهر والصلاة، ثم انتحى جانبا فى صلاة حارة، صلى ثلاث مرات وكان يعود كل مرة ليجد بطرس ويعقوب ويوحنا نائمين كان حزنه واكتئابه ليس آلاما جسدية وإنما صراع روحى رهيب، هو كذبيحة محرقة موضع سرور أمام الأب، وموضع سرور لنفسه، ولكن أن يكون ذبيحة خطيئة وإثم وتقع عليه جميع خطايا العالم منذ خلقته وحتى يوم القيامة.. لا يكون هذا موضع سرور لنفسه ولا للأب، ولم يذكر العهد القديم أن ذبيحة الخطيئة والأثم رائحة سرور أمام الله، من هنا نفهم كيف أن الأب اشتم ذبيحة السيد المسيح كرائحة سرور وهو يمثل ذبيحة المحرقة، وكيف أن الآب حجب وجهه عن السيد المسيح وهو يمثل ذبيحة الخطية وهو يرفع جميع خطايا العالم فى جميع العصور وهو البار الذى " لم يعمل ظلما ولم يكن فى فمه غش " (إشعياء 53: 9)، ومن هنا نفهم لماذا صرخ السيد المسيح نحو الآب قائلا: " إلهى..إلهى..لماذا تركتنى.. " (وهو يمثل ذبيحة الخطيئة).إن الذين حاولوا رسم صورة السيد المسيح وهو على الصليب، (وبرغم إجتهاداتهم الفنية)،.. لم يتوصلوا بعد لرسم الصورة الحقيقية التى تعبر عن الآم السيد المسيح وهو على الصليب.. وجهه ملطخ بالدماء.. والطين من تكرار سقوطه على الأرض.. الآلام النفسية من استهزاء الرعاع به، وهو الخالق القادر على إبادتهم بنفخة من فمه، وحزنا على البشرية الساقطة.. تقلصات جسمه وعضلاته من الآم الجلد بالسياط، ودق المسامير، وحمل خشبة الصليب..، نريد فنانا روحيا يتفاعل مع أحداث الصليب.. يرينا مع صورة المسيح فى خلفية الصورة ذبيحة المحرقة.. وذبيحة الخطية.. إنها دعوة لكل فنان مجتهد..!. هذه الآلام النفسية والجسدية كانت مهولة.. صرخ السيد المسيح من شدة الألم معبرا عن رغبته الطبيعية فى تجنب الألم ولكنه جاء خصيصا من أجل هذا، لذلك قال: " يا أبتاه إن شئت فجنبنى هذه الكأس " ثم قال بعدها: " لتكن لا مشيئتى بل مشيئتك " خضعت مشيئته الناسوتية كما هى خاضعة دائما لمشيئته اللاهوتية، ليس له مشيئة منقسمة بل مشيئة واحدة هى مشيئة الآب التى هى مشيئة الأبن بإستمرار ظهر له الملاك يمجد لاهوته ليتقوى ناسوته. وتقول كتب الكنيسة أن هذا الملاك هو رئيس الملائكة جبرائيل وأنه جاء يسبح الله قائلا: " لك القوة " (لوقا 22: 43) ظاهرة العرق الدموى هى ظاهرة نادرة، لأنه فى الأحوال العادية حين يزداد الألم بالإنسان حتى لا يستطيع أن يتحمل، ففى هذه الحالة غالبا ما يفقد الإنسان وعيه، ولكن إذا لم يحدث هذا فإن الشعيرات الدموية المحيطة بالغدد العرقية يزداد الضغط عليها فتنفجر وينضح الدم من البشرة مختلطا بالعرق، وهذا لا يحدث من جبهة الأنسان فقط بل من الجسم كله. ويكون نتيجة إختلاط الدم بالعرق أن يحدث نسمم فى جسم الأنسان وهذا ما أبرزه القديس لوقا الأنجيلى والطبيب القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس أسبورتنج عن كتاب أحداث الأسبوع الأخير
المزيد
12 أبريل 2023

أربعاء البصخة

اعتكف السيد المسيح طوال هذا اليوم فى قرية بيت عنيا، بعد أن ترك الهيكل مساء يوم الثلاثاء، وفى نيته عدم العودة إليه البتة، وذلك بعد أن قال لليهود " هوذا بيتكم يترك لكم خرابا لأنى أقول لكم أنكم لا تروننى من الآن حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الرب.. (مت 23: 38 - 39) ونلاحظ هنا أن يسوع قال لليهود: " بيتكم ".. ولم يقل " بيت أبى ".. للدلالة على بدء تخلى رب المجد عن الأمة اليهودية التى رفضته من خلال مطالعتنا للبشائر الأربعة نستخلص حوادث هذا اليوم:- انجيلا معلمنا متى (26: 6 – 13). ومعلمنا مرقس (14: 3 – 9)، يذكران لنا حادثة سكب قارورة الطيب على رأس مخلصنا فى بيت سمعان الأبرص.. وهى غير مريم أخت لعازر التى سكبت الطيب يوم السبت على قدمى الرب ومسحتهما بشعر رأسها، فى بيت لعازر. الحادثة الثانية فتشترك الأناجيل الأربعة فى ذكرها وهى خيانة يهوذا الأسخريوطى واتفاقه مع رؤساء الكهنة وقواد الجند على الثمن ليسلمهم المخلص (مت 16: 14)، (مر 14: 10 – 11)، (لو 12: 3 – 6)، (يو 13: 1 – 3). القمص تادرس يعقوب ملطى عن كتاب أحداث الأسبوع الأخير
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل