المقالات

05 مايو 2020

اِرْفَعُوُا أَيُّهَا الْرُؤسَاءُ أَبْوَابَكُم

في تمثيلية عيد القيامة المجيدة التي تجري حالياً في كنيستنا القبطية، بعد أن يعلنَ الشماسان الواقفان خارج الهيكل قيامة الربِّ من بين الأموات، يقولا: «اِرْفَعُوُا أَيُّهَا الْرُؤسَاءُ أَبْوَابَكُم، وَارْتَفِعِي أَيَّتُهَا الأَبْوَابُ الدَّهْرِيَّةُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ الْمَجْدِ» (مزمور 24: 7). وفي الحقيقة هذا هو مزمور عيد الصعود في كنيستنا القبطية لقد أخطأ الإنسان قديماً، وطُرد من حضرة الله، «وَأَقَامَ (اللهُ) شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ» (تكوين 3: 24). وهكذا أُغلقت أبوابُ السماء في وجه الإنسان ولكن، بعد أن قام الربُّ يسوع من بين الأموات، صعد إلى السماء حاملاً معه الطبيعة البشرية، حسب قول معلمنا بولس الرسول: «أَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (أفسس 2: 6). لذلك كان يجب أن تُفتح أبوابُ السماء ثانية في وجه الإنسان المخلوق جديداً في المسيح يسوع، ولم تكن السماءُ مغلقةً في وجه الربِّ يسوع، بل في وجهنا نحن، نحن الذين كان يحملنا في جسده يقول القديس أثناسيوس في كتاب تجسد الكلمة (25: 5-6): [لقد جاء الربُّ لكي يُحدِرَ الشيطان، ويُطهِّر الهواء، ويُهيِّئ لنا طريق الصعود إلى السموات، كما يقول الرسول: «عبر الحجاب أي جسده» (عبرانيين 10: 20) وهكذا لما رُفِعَ طهَّر الهواء كما يقول: «رأيتُ الشيطان ساقطاً كالبرق» (لوقا 10: 18). ثم افتتح طريقاً جديداً صاعداً إلى السموات قائلاً أيضاً: «ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية» (مزمور 24: 7). لأنه لم يكن الكلمة هو المحتاج إلى فتح الأبواب، إذ هو ربُّ الكلِّ، ولم يكن شيءٌ من المصنوعات مغلقاً أمام خالقه، بل نحن الذين كنا نحتاج إلى ذلك، نحن الذين كان يُصعدنا معه بجسده الخاص؛ فكما أنه قدَّم هذا الجسد للموت من أجل الجميع، هكذا أيضاً بواسطته قد أعدَّ طريق الصعود إلى السموات] ومزمور الصعود هذا معروف أيضاً في الكنائس الأرثوذكسية الأخرى، تقول خدمة مساء عيد الصعود في كنيسة أنطاكيا الأرثوذكسية[إن الربَّ قد صعد إلى السماوات لكي يرسل المعزي إلى العالم، فالسماوات هيأت عُرْسَهُ، والغمام هيأ ركوبه، الملائكة يتعجبون إذ يشاهدون إنساناً أعلى منهم، الآب يقتبل في أحضانه من هو معه أزلياً، الروح القدس يأمر جميع ملائكته: ارفعوا يا رؤساء أبوابكم، فيا جميع الأمم صفقوا بالأيدي لأن المسيح صعد إلى حيث كان أولاً… يا يسوع الحلو، أنت من الأحضان الأبوية لم تنفصل، ولو تصرفت على الأرض مثل إنسان. اليوم ارتقيت بمجد إلى جبل الزيتون، وبإشفاق منك أصعدت طبيعتنا الهابطة وأجلستها مع الآب]. نيافة الحبر الجليل الانبا إبيفانيوس الأسقف الشهيد رئيس دير القديس أبو مقار
المزيد
25 يناير 2020

وَتَكُونُونَ لِي قِدِّيسِينَ

اعتاد القديس بولس الرسول في افتتاحية رسائله أن يخاطب المؤمنين واصفاً إياهم بالقديسين، فيكتب مرة قائلاً: «إِلَى الْقِدِّيسِينَ فِي كُولُوسِّي، وَالإِخْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسِيحِ» (كولوسي 1: 2)، ومرة أخرى: «إِلَى جَمِيعِ الْمَوْجُودِينَ فِي رُومِيَةَ أَحِبَّاءَ اللهِ مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ» (رومية 1: 7). بل ويصف أيضاً أهل كورنثوس بنفس الصفة برغم المشاكل الكثيرة التي كانت موجودة بين مؤمني هذه الكنيسة: «إِلَى كَنِيسَةِ اللهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ، الْمُقَدَّسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الْمَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ» (كورنثوس الأولى 1: 2) كلمة القديسين حسب معناها اللغوي تعني المكرَّسين لله، أو الْمُفرَزين لله، أي الذين هم من نصيب الله. لذلك خاطب الله الشعب في القديم قائلاً: «وَتَكُونُونَ لِي قِدِّيسِينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ أَنَا الرَّبُّ. وَقَدْ مَيَّزْتُكُمْ مِنَ الشُّعُوبِ لِتَكُونُوا لِي» (لاويين 20 : 26). أي اخترتكم من وسط جميع الشعوب لتكونوا شعباً خاصاً لي إن مجرد التكريس لله، حسب المعنى اللغوي، لا يجعل الإنسان بالضرورة قديساً، فقد كان أولاد عالي الكاهن مكرَّسين لله ولخدمة خيمة الاجتماع، لكن الله رفضهم وأماتهم لأنهم لم يكونوا أمناء لهذا التكريس (صموئيل الأول 4: 11) والقديس بولس الرسول لم يصف المؤمنين بالقديسين لأنهم مكرَّسون لله، فهم لم يكونوا كذلك بالمعنى اللغوي. بل السبب الرئيسي لقداسة الإنسان أنه نال من قداسة الله، أو أصبح شريكاً لقداسة الله: «لأَنَّ أُولَئِكَ (أي آباءنا الجسديين) أَدَّبُونَا أَيَّاماً قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هَذَا (الرب الإله) فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ» (عبرانيين 12: 10). ولا يأتي الاشتراك في قداسة الله إلا بالروح القدس نفسه الذي نناله بميلادنا الجديد في المعمودية. يقول القديس أثناسيوس الرسولي في الرسالة ضد الأريوسيين (1: 46)[الرب نفسه يقول بفمه في إنجيل يوحنا: «من أجلهم أقدِّس أنا ذاتي، ليكونوا هم أيضاً مقدَّسين في الحق» (17: 19). كيف تمّ ذلك؟ وكيف يقول ذلك إلا بما معناه: ”أنا كوني كَلمةُ الآب، أُعطي الروح القدس لذاتي الصائر إنساناً، وأُقدِّس به ذاتي الصائر إنساناً، حتى يكونوا جميعاً مقدَّسين فيَّ أنا الحق (لأنَّ كلمتك هو حقٌّ)“ فإن كان من أجلنا يقدِّس ذاته، ويفعل ذلك بعد أن صار إنساناً، فمن الواضح تماماً أن حلول الروح القدس عليه في الأردن، كان حلولاً للروح علينا نحن، بسبب أنه كان حاملاً جسدنا نحن، فلم يكن ذلك من أجل ارتقاء الكلمة ذاته،بل بالحري من أجل تقديسنا نحن، حتى نشترك في مسحته ويُقال عنا: «أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله ساكن فيكم؟» (كورنثوس الأولى 16:3)]. نيافة الحبر الجليل الانبا إبيفانيوس الأسقف الشهيد رئيس دير القديس أبو مقار
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل