المقالات

29 مايو 2020

رُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي

«فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ» (تكوين 1: 1-2)هكذا كان الروح القدس عاملاً في الخليقة منذ اللحظة الأولى. لكن عندما أخطأ الإنسان الأول، وزاغ نسلُهُ سريعاً من وراء الله، قال الله: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ. لِزَيَغَانِهِ هُوَ بَشَرٌ» (تكوين 6: 3). أي لا يدوم أو لا يبقى روحي في الإنسان على الدوام. وهكذا فارق روحُ الله الإنسانَ. ولم يعد يحل الروح القدس على الناس عامة، بل كان يرسل الله روحَه على الأنبياء والقضاة في العهد القديم لتنفيذ مقاصده فحسب: «فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قَرْنَ الدُّهْنِ وَمَسَحَهُ فِي وَسَطِ إِخْوَتِهِ. وَحَلَّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِداً» (1صموئيل 16: 13). ولمعرفة داود النبي أنه من الممكن أن يفارقه روحُ الربِّ، كما فارق شاول الملك (1صموئيل 16: 14)، كانت صلاة داود الدائمة: «لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ، وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي» (مزمور 51: 11) أما بعد أن حلَّ الروحُ القدس على الربِّ يسوع في المعمودية، نالت البشرية كلُّها إمكانية أن يحل عليها الروح القدس «يَقُولُ اللهُ وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ، أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً، وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً» (أعمال 2: 17) ولم يعد حلول الروح القدس حلولاً مؤقتاً، بل أصبح سُكنى وإقامة ثابتة فينا: «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ» (يوحنا 14: 16)، «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ» (1يوحنا 2: 27) يقول القديس كيرلس الكبير في تفسيره لإنجيل القديس يوحنا (7: 39)[لم يقبل المسيحُ الروحَ لنفسهِ هو، بل بالحري لنا نحن فيه، لأن جميعَ الخيرات إنما بواسطته تتدفَّق فينا نحن أيضاً. فنظراً لأن آدم أبانا الأول لما تحوَّل بالغواية إلى المعصية والخطيئة، لم يحفظ نعمةَ الروح، وبذلك فقدت أيضاً الطبيعةُ كلُّها فيه عطيةَ الله الصالحة. فكان لابد أن الله الكلمة الذي لا يعرف التغيير يصير إنساناً، لكي إذ يقبل العطية بصفته إنساناً يحتفظ بها بدوام لطبيعتنا… فقد صار الابنُ الوحيد إذن إنساناً مثلنا، لكي إذ يستعيد من جديد في نفسهِ أولاً الخيرات الصالحة، ويجعل نعمة الروح متأصلةً من جديد فيه، يتمكن بذلك أن يحفظها بثبات لطبيعتنا كلِّها… فكما أنه بتحوُّل الإنسان الأول قد اجتاز فقدان الخيرات الصالحة إلى سائر طبيعتنا، هكذا أيضاً أعتقد أنه بواسطة ذاك الذي لا يعرف التغيير، سيعود الثبات في اقتناء العطايا الإلهية إلى سائر جنسنا]. نيافة الحبر الجليل الانبا إبيفانيوس الأسقف الشهيد رئيس دير القديس أبو مقار
المزيد
06 مايو 2024

فانفتحت أعينهما

في عشية قيامة ربنا يسوع من بين الأموات، انطلق اثنان من تلاميذه عائدين إلى بلدتهما عمواس ، ولأنهما كانا منشغلين طوال الطريق بالحديث حول صلب الرب يسوع وخبر قيامته، لذلك صارا مهيئين لظهور الرب لهما والسير معهما (لوقا ٢٤ : ١٣-٣٥) وفي الطريق تواصل الحوار حول رجاء إسرائيل، المسيا (أعمال ٢٦: ٦-٧) الذي طالما انتظرته الأجيال التقية (لوقا (۲: ۳۸)، ليخلص الشعب الذي اختاره الرب، من تحت وطأة عبودية جسدية وروحية. وعندما وصلا إلى مشارف قريتهم، ألزما الرب بأن يقضي الليل عندهما، لأن النهار أوشك على الانتهاء، فلما اتكاً معهما، أخذ خبزاً وبارك وكسر وناولهما ، فانفتحت أعينهما وعرفاه» (لوقا ٢٤ : ٣٠-٣١) لحظة كسر الخبز والتناول من جسد الرب ودمه الأقدسين هي أقدس لحظة في حياتنا على الأرض، إن كانت تُحسب هذه اللحظة من أيامنا الأرضية؛ لأنها لحظة الثبوت المتبادل بين رب المجد يسوع وبيننا : «من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه» (يوحنا ١: ٥٦) ؛ كما أنها اللحظة التي فيها نحيا بحياة الله: «فمن يأكلني فهو يحيا بي» (يوحنا ٦: ٥٧). الأن الخبز الذي نأكله ليس خبزاً ساذجا، بل إفخارستيا مكونة من شقيف: الواحد أرضي والآخر سماوي، كما يقول القديس إيرينيئوس، أو بحسب تعليم القديس يوحنا ذهبي الفم : الشيء الذي ترتعد الملائكة من مجرد رؤياه، ولا تجسر أن تنظر إليه بدون رعدة، بسبب شدة البريق المنبعث منه، هذا بعينه هو الذي نأكله لذلك يصرخ الكاهن في القداس الإلهي قائلاً: «القدسات للقديسين»؛ لنا نحن المؤمنين، الذين نشعر بعدم استحقاقنا للاقتراب من المذبح المقدس؛ معترفين بفم الكاهن: «أن لاهوته لم يفارق ناسوته، لحظة واحدة ولا طرفة عين، يُعطى عنا خلاصاً، وغفراناً للخطايا، وحياة أبدية لمن يتناول منه إن أفضل وسيلة نعبر بها عن إيماننا بربنا يسوع المسيح هي التناول من جسده ودمه الأقدسين ، لأنه كلما أكلتم من هذا الخبز، وشربتم من هذه الكأس، تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء» (كورنثوس الأولى ١١: ٢٦)؛ أو حسب منطوق القداس الإلهي: «تبشرون بموتي وتعترفون بقيامتي وتذكرونني إلى أن أجيء». لأن أي طعام مادي نأكله يتحول فينا إلى عناصر طبيعتنا البشرية، أما خبز الحياة فإنه هو الذي يحولنا إلى طبيعته الخاصة، حسب قول القديس غريغوريوس النيسي؛ لأن «من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد» (يوحنا ٦: ٥٨) . نيافة المتنيح الانبا أبيفانيوس اسقف دير ابو مقار ببرية شهيت
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل