المقالات

16 مايو 2020

علاقة الكنيسة بالمقدس السماوي

إن الكنيسة على الأرض لا يمكنها أن تحيا بدون حضور المسيح بذبيحته الخلاصية في سر الافخارستيا وليست الافخارستيا تكرارًا لذبيحة الصليب التي قدمت مرة واحدة، ولكنها امتدادًا لها على طقس ملكي صادق الذي قدّم قربانه من الخبز والخمر وبالإفخارستيا ترتبط الكنيسة برأسها ورئيس كهنتها الأعظم الرب يسوع الجالس عن يمين عرش الآب في السماء، خادمًا للأقداس السمائية (انظر عب 8: 1، 2). وتلقب الكنيسة الإفخارستيا بأنها الذبيحة الناطقة السمائية فالكنيسة والحال هكذا هي سلم يعقوب المنصوب على الأرض ورأسه في السماءوالملائكة صاعدة ونازلة عليه والرب واقف على قمته بمجد عظيم أي أن الكنيسة تحيا في غربة على الأرض ورأسها في السماء. وفي مسيرتها علىالأرض تسير متطلعة دائمًا نحو السماء حيث المسيح جالس عن يمين العظمة. وقد أقام الرب في الكنيسة وكلاء أسرار الله للاحتفال بالأسرار المقدسة على الأرض. فالأسقف كوكيل الله (انظر تى1: 7) يحتفل بسر الإفخارستيا بكهنوت على طقس ملكي صادق يخدم به الأسرار المقدسة،ويقدّم مفاعيل الخلاص لشعب المسيح بسلطان الروح القدس، الذي به منح السيد المسيح الكهنوت لرسله القديسين بعد قيامته من الأموات، وذلك ليغفروا الخطايا على الأرض ما أجمل هذا الارتباط بين السيد المسيح الرأس وبين الكنيسة التي هي جسده (هي جسده ليس بالمعنى الحرفي ولكن بالمعنى الاعتباري).. هي العروس، والمسيح الإله الكلمة المتجسد هو عريسها. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
09 مايو 2020

أيقونة السيد المسيح على المنديل

لقد ترك السيد المسيح صورته مطبوعة على المنديل "Mandilum" وعلى الكفن المقدس. وقد انطبعت بصورة معجزية تذكارًا للأجيال. وعنها أخذ الفنانون على مدى العصور مثال صورة وجه السيد المسيح ويحرص الأرثوذكس البيزنطيون في الفن الخاص بأيقوناتهم أن يكون وجه السيد المسيح أقرب ما يكون للوجه المطبوع على المنديل وعلى الكفن المقدس. لقد ترك السيد المسيح للأجيال المتعاقبة كلامه مدونًا في الأناجيل المقدسة وصورته على المنديل والكفن المقدس لأنه سبق أن قال لتلاميذه: "إن أنبياءَ وأبرارًا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا. ولكن طوبى لعيونكم لأنها تبصر، ولآذانكم لأنها تسمع" (مت13: 17، 16) إذن فقد طوّب السيد المسيح في العهد الجديد كلًا من الرؤية والسمع لِما يخص أعماله، وأقواله، وظهوره، وتعاليمه وعن هذه الطوبى كتب القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى "الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة" (1يو1: 1) وقد حفظت الكنائس الأرثوذكسية هذا التقليد الرسولي الذي استلمته الكنيسة من السيد المسيح وصارت الكنيسة تحتفل وترفع البخور وتوقد الشموع أثناء قراءة الإنجيل المقدس لأنه كلام السيد المسيح ويقول الشماس(قفوا بخوف أمام الله، وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس). ويقول الأب الكاهن(مبارك الآتي باسم الرب؛ ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح..). كما أنها صارت تحتفل وترفع البخور وتوقد الشموع أو القناديل أمام أيقونةالسيد المسيح؛ وبخاصة أيقونة الصلبوت التي تحمل ذِكرى آلامه. والتي يصل الاحتفال بها في يوم الجمعة العظيمة إلى الذروة ويتلو ذلك تكريم أيقونة الدفن في نهاية الصلوات إلى فجر الأحد حينما يبدأ تكريم أيقونة القيامة لمدة أربعين يومًا وتضاف إليها أيقونة الصعود في عيد الصعود إلى صلوات رفع بخور أحد العنصرة في يوم الخمسين وبهذا يسير الأمران معًا: الرؤية (للأيقونة)، والسمع (عند قراءة الإنجيل) تمامًا كما قصد السيد المسيح "طوبى لعيونكم لأنها تبصر، ولآذانكم لأنها تسمع" (مت13: 16) أليست الكنيسة ككل هي أيقونة السماء على الأرض فكيف لا تحوى أيقونة للسيد المسيح؟!وكما إننا لا نقدم العبادة لكتاب الإنجيل كما لو كان هو الله الكلمة وليس كلمة الله المدوّنة في الكتب المقدسة، هكذا فنحن لا نعبد أيقونة السيد المسيح وكأنها هي السيد المسيح نفسه إن تكريم الأيقونات Veneration of Icons لا يتعارض إطلاقًا مع الوصية. ففي الوصايا العشر قال الرب لشعبه في القديم "لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن" (خر20: 4، 5). أي أن ما نهي عنه الرب في الوصية هو عبادة الصور والتماثيل التي يعبدها الوثنيون وكأنها الآلهة التي يُقدّم لها السجود ولكن من الجانب الآخر؛ أمر الرب موسى النبي بأن يصنع من خراطة الذهب كروبين (أي ملاكين) فوق غطاءتابوت العهد يتجهان الواحد نحو الآخر؛ وينظران نحو غطاء التابوت ويبسطان أجنحتهما (انظر خر37: 6-9) حتى تلامس أجنحة الواحد منهما الآخر فوق غطاء التابوت وكان تابوت العهد في قدس الأقداس. وكان مجد الرب يتراءى لموسى فوق غطاء التابوت تحت جناحيّالكروبين؛ وكان موسى يسمع صوت الرب وهو يكلّمه "من على الغطاء الذي على تابوت الشهادة من بينالكروبين" (عد 7: 89) وفي عهد سليمان الملك عند تدشين الهيكل في أورشليم حينما "أدخل الكهنة تابوت عهد الرب إلى مكانه في محراب البيت في قدس الأقداس إلى تحت جناحيّ الكروبين لأن الكروبين بسطا أجنحتهما على موضع التابوت وظلل الكروبان التابوت وعصيه من فوق" (1مل8: 6، 7)، قيل "أن السحاب ملأ بيت الرب. ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب لأن مجد الرب ملأ بيت الرب" (1مل8: 10، 11) وكان العابدون من الشعب يدخلون إلى الهيكل وهم يرددون: "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز5: 7) لم تكن العبادة تقدَّم للكروبيم؛ بل للرب الساكن في بيته المقدس والساكن في السماوات، والذي سماء السماوات لا تسعه وكان في القدس مذبح البخور والكهنة يبخرون في وجود تابوت العهد والكروبيم (انظر 1مل 6: 23-28) ونقش الكروبيم على ستور خيمة الاجتماع وعلى جدران الهيكل "وجميع حيطان البيت في مستديرها رسمها نقشًا بنقر كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج" (1مل6: 29). "والمصراعان من خشب الزيتون ورسم عليهما نقش كروبيم ونخيل وبراعم زهور" (1مل 6: 32) ولم يعتبر هذا كله مخالفًا للوصية إن الأيقونة المدشّنة بالميرون هي (ميناء خلاص لكل من يلجأ إليها بإيمان) (من طقس تدشين الأيقونة) هي مثل جهاز التليفون إذا تم توصيل الحرارة إليه وتحمل رقم القديس صاحب الأيقونة الصلاة تصل إلى السماوات والبخور هو العلامة المنظورة للصلاة في الكنيسة وشركة الصلاة مع القديسين. وقد أبصر يوحنا في سفر الرؤيا في السماء حول العرش الإلهي الأربعة وعشرين قسيسًا وفي أيديهم مجامر من ذهب يرفعون بخورًا الذي هو صلوات القديسين (انظر رؤ5: 8) وإيقاد الشمع أمام الأيقونة هو لتأكيد أن السيد المسيح هو نور العالم. وبالنسبة للقديسين أن حياتهم كانت منيرة بالمسيح الذي قال أيضًا لتلاميذه: "أنتم نور العالم" (مت5: 14) وتظهر أهمية الشموع بصفة خاصة حينما توجد كنيسة بلا تيار كهربائي في الصلوات المسائية والليلية، أو التي في الصباح الباكر جدًا. وهذا كان الوضع إلى عهد قريب قبل اختراع التيار الكهربائي إن الأيقونة في الكنيسة في حال مثل هذا بدون الشمع أمامها؛ لا يراها أحد من الناس وتكون الشمعة هي تقدمة حب نحو من أناروا العالم بقداستهم وعند قراءة الإنجيل أيضًا تضاء الشموع لنفس الأسباب ولأن الإنجيل قد أنار العالم، والسيد المسيح قد "أنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تى1: 10). أي بواسطة بشرى الخلاص بموت السيد المسيح وقيامته ولا يفوتنا هنا أن نشير أنه في كلٍ من التقليد الأرثوذكسي الشرقي والبيزنطي قد تلازم تكريم الأيقونة مع تكريم الإنجيل المقدس. لأن السيد المسيح ترك لنا صورته على المنديل والكفن وكلامه فيالإنجيل، ولم يترك تمثالًا مجسّمًا لصورته. ومن هنا لم تُدخِل الكنائس الأرثوذكسية التمثال في تقليدها وطقوسها التي تجرى داخل الكنيسة في أثناء الصلوات المقدسة إن للتمثال أبعاد ثلاث (طول - عرض - ارتفاع). أما الأيقونة فلها بعدين، وبعدها الثالث هو عمق أو علو روحانية صاحب أو صاحبة الأيقونة. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
02 مايو 2020

أنا هو القيامة والحياة

هناك فرق بين أن يقول السيد المسيح أنا أمنح القيامة والحياة، وأن يقول "أنا هو القيامة والحياة" (يو11: 25)لأن قوله "أنا هو القيامة" يعني أنه هو نفسه سيقوم بحسب الجسد إلى جوار أنه هو ينبوع القيامة بالنسبة للبشر كما أنه هو الحياة كقول القديس يوحنا الإنجيلي "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضئ في الظلمة" (يو1: 4، 5)هناك فرق بين قيامة لعازر من الأموات وقيامة السيد المسيح، لعازر أقامه السيد المسيح، أما المسيح رب المجد فقد أقام نفسه بسلطانه الإلهي كما أن قيامة لعازر كانت قيامة مؤقتة أعقبها الموت مرة أخرى. أما السيد المسيح فقد قام لكي لا يسود عليه الموت فيما بعد لأنه لم يكن ممكنًا أن يُمسك منه هناك فرق بين سيارة نضع فيها بضع لترات من البنزين لتعطيها دفعة من الطاقة تسير بها بضعة كيلومترات ثم تتوقف. وبين الينبوع الذي ينبع منه البنزين إذا وجد في سيارة فإنها سوف تسير إلى ما لا نهاية ولا تتوقف على الإطلاق كما أنها يمكنها أن تعطى وقودًا لباقي السيارات إن اتحاد اللاهوت بالناسوت في السيد المسيح قد أعطى للناسوت إمكانية التحرر من الموت بصفة نهائية بحسب التدبير. ولكن السيد المسيح قد "ذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد" (انظر عب2: 9). أي أنه أخذ جسدًا قابلًا للموت ولم يتدخل اللاهوت لكي يمنع الموت عن الناسوت في وقت الصلب والفداء. ولكنه في مسألة القيامة قد برهن على أن الذي مات هو هو نفسه الله الكلمة الذي هو بلا شك أقوى من الموت بحسب لاهوته "وتعيّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات" (رو1: 4) إن القيامة بالفعل كانت هي أقوى دليل على ألوهية السيد المسيح،لهذا قال هو نفسه لليهود: "متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو" (يو8: 28). أي أن البرهان الأقوى على لاهوته سيتحقق عند قيامته من الأموات بعد أن يصلبه اليهود ويقتلونه معلقين إياه على خشبة. أي حينما يرتفع على عود الصليب إن الانتصار على الموت في جسم بشريتنا لم يكن ممكنًا أن يتحقق إلا بتجسد وحيد الآب، الذي هو كلمة الله، الذي اتخذ طبيعتنا البشرية -بلا خطية- لكي يعبر لنا بها من الموت إلى الحياة، لأن الحياة التي فيه كانت أقوى من الموت الذي لنا لذلك فهناك علاقة وثيقة بين قول السيد المسيح: "أنا هو القيامة" (يو11: 25) وبين معنى التجسد الإلهي، لأنه بتجسده قد أعطى لطبيعتنا البشرية إمكانية القيامة في شخصه المبارك وعن ذلك كتب معلمنا بولس الرسول: "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع" (أف2: 6). وقال أيضًا: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس" (كو3: 1) لقد صار المسيح هو حياتنا كلنا وقيامتنا كلنا.. صار هو "باكورة الراقدين" (1كو15: 20) وصرنا نحن متحدين معه بشبه موته وقيامته في المعمودية "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه" (كو2: 12). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
18 أبريل 2020

الأختام والتوثيق على القبر

إن محاولة اليهود مقاومة تحقيق قول السيد المسيح عن قيامته في اليوم الثالث قد أدت إلى توثيق القيامة بأختام الدولة الرومانية لأن الوالي بيلاطس قال لليهود عندكم أختام وحراس فافعلوا ما تريدون فذهبوا وختموا القبر بالأختام الخاصة بالدولة، ووضعوا الحراس وبهذا تم عمل محضر بالأختام وبوضع الحراس وتم توثيق القيامة لأن القبر الفارغ في بداية اليوم الثالث كان برهانًا قويًا على قيامة الرب بالرغم من الحجر والأختام والحراس لقد ختم اليهود على جسد الرب في يوم السبت، وتصوّروا بذلك أنهم قد تخلّصوا منه معطين إياه راحة إجبارية (على النظام اليهودي)..!!ولكن الرب قد ختم على كنيسته في يوم أحد العنصرة (في يوم الخمسين) بختم الروح القدس. مثلما قام في أحد السبوت أي في يوم الأحد معلنًا أن الحياة الجديدة والراحة الحقيقية هي في أول الأسبوع الجديد أي في يوم الأحد إن أول الأسبوع الجديد هو اليوم الثامن الذي يقع خارج الأسبوع القديم وهو إشارة إلى الحياة الجديدة وإلى الحياة الأبدية التي تقع خارج هذا الزمان الحاضرلقد تم توثيق ميلاد السيد المسيح في بيت لحم بالاكتتاب الأول الذي صدر به أمر من أوغسطس قيصر وجرى إذ كان كيرينيوس والي سوريا (انظر لو2: 2) وتم توثيق موت السيد المسيح بحكم الإعدام صلبًا الذي أصدره الوالي الروماني بيلاطس ممثل قيصر روما في أورشليم في ذلك الحين،ولابد أن توثق أحكام الإعدام عند الوالي وتم توثيق قيامة السيد المسيح بمحضر ختم القبر الذي طلبه اليهود وأصدر الوالي الروماني أمرًا بتنفيذه وبوضع الحراس إلى اليوم الثالث وذلك بعد أن تأكد من جنوده عن موت السيد المسيح بعد أن طعنه جندي بالحربة حقًا لقد ولد السيد المسيح وصلب ومات وقبر وقام من الأموات في اليوم الثالث. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
25 نوفمبر 2019

التناول من جسد الرب ودمه

يتساءل البعض هل عندما نتناول جسد الرب يسوع المسيح المتحد بلاهوته تحت أعراض الخبز فنحن نمضغ اللاهوت؟ وهل عندما نشرب دم الرب يسوع المسيح المتحد بلاهوته تحت أعراض الخمر الممتزج بالماء فنحن نشرب اللاهوت؟وللإجابة على ذلك نقول أن يد السيد المسيح في جسده المصلوب على الصليب والمتحد بلاهوته عندما دقوا فيها المسمار فإن المسمار خرق يده المتحد باللاهوت ولكنه لم يخرق اللاهوت. وآلام جسده عمومًا المتحد باللاهوت في ذبيحة الصليب لم تقع على اللاهوت لأن اللاهوت غير قابل للألم. والكنيسة في القرون الأولى حرمت بدعة مؤلّمي اللاهوت (ثيئوباسخايتس).واللاهوت حاضر في كل مكان ولا ينتقل من مكان إلى آخر لذلك عندما نذكر صعود السيد المسيح بجسده الممجد القائم من الأموات نقول في القداس الإلهي (الغريغوري) [وعند صعودك إلى السماوات جسديًا وأنت مالئ الكل بلاهوتك]. نقول عن صعوده جسديًا؛ وجسده متحد بلاهوته ولكن لاهوته لا يصعد من الأرض إلى السماء بل هو في الأرض وفي السماء في آنٍ واحد. وعندما كان موجودًا بجسده المتحد باللاهوت على الأرض، كان في نفس الوقت في حضن الآب بلاهوته كقول إنجيل القديس يوحنا الرسول عن السيد المسيح وصعوده بالجسد «الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو1: 18). وقول القديس أثناسيوس الرسولي: [وحضن الآب لا يخلو أبدًا من الابن بحسب ألوهيته] (مجموعة آباء ما قبل وما بعد نيقية، السلسلة الثانية، المجلد الرابع صفحة 85 طبعة سبتمبر 1978 الإنجليزية).إذًا ففي التناول نحن نمضغ الجسد المتحد باللاهوت ولكن لا نمضغ اللاهوت الذي لا يتجزأ بالمضغ. ونحن نشرب الدم المتحد باللاهوت ولكن اللاهوت لا ينتقل من الفم إلى البلعوم ثم إلى المرّيء لأنه كائن في كل مكان. وباتحادنا بجسد الرب الحقيقي وبدمه الحقيقي نتحد بالحياة الأبدية حسب وعده الصادق «مَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي» (يو6: 57). وأيضًا قوله «إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ» (يو6: 53). وقوله «لأَنَّ خُبْزَ اللَّهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ» (يو6: 33)، «وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ» (يو6: 51). وفي وعده المقدس قال السيد المسيح «مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ» (يو6: 56)، «مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ» (يو6: 54-55). أي أن جسده هو مأكل حقيقي ودمه هو مشرب حقيقي. وكما هو وسيلة للثبات في المسيح فإنه يمنح الحياة الأبدية لأنه يمنح استحقاق القيامة في اليوم الأخير. فالاتحاد بالمسيح في التناول هو اتحاد بالحياة الأبدية لأنه هو "ينبوع الحياة" بالنسبة لنا. لذلك نقول في قطع صلاة النوم في الأجبية عن السيدة العذراء مريم أنها [أم قادرة رحيمة معينة والدة ينبوع الحياة ملكي وإلهي يسوع المسيح رجائي] (القطعة الثالثة). نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
18 نوفمبر 2019

عمل الله

عمل الله ينبغي أن نفهم أنه يفوق توقع البشر. لذلك قال إشعياء النبي «مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟» (إش53: 1). وتكلم بعد ذلك مباشرة عن تقديم السيد المسيح نفسه كذبيحة عن خلاص العالم وقال «كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ» (إش53: 7). وقال «إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ» (إش53: 10). وقال أيضاً إنه «حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ» (إش53: 12). إنها أنشودة الخلاص تغنّى بها إشعياء النبي وهو يقول عن المسيح الفادي المخلص «مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا» (إش53: 5).لذلك بدأ كلامه بقوله «مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟». وفى نفس الاتجاه كتب معلمنا بولس الرسول إلى أهل أفسس عن عمل الله «الْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَكْثَرَ جِدّاً مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا» (أف3: 20).ما أجمل هذه الكلمات أن الله يعمل «أَكْثَرَ جِدّاً مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ». فنحن نطلب ونصلي ونتصور أن يعمل الله ويستجيب. ولكن الحقيقة أنه يستجيب بما يفوق ما نطلبه، وبما يفوق ما نفتكر فيه بمراحل.لذلك بدأ بولس الرسول كلامه هذا بقوله «بِسَبَبِ هَذَا أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ. لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ، لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ» (أف3: 14-19).عمل الله أيضاً قال عنه موسى النبي لشعب إسرائيل عندما تعقبهم فرعون بجيشه ومركباته «لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ الَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ الْيَوْمَ... الرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ» (خر14: 13 و14).وقال الرب لموسى «ارْفَعْ أَنْتَ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى الْبَحْرِ وَشُقَّهُ فَيَدْخُلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ. وَهَا أَنَا أُشَدِّدُ قُلُوبَ الْمِصْرِيِّينَ حَتَّى يَدْخُلُوا وَرَاءَهُمْ فَأَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَكُلِّ جَيْشِهِ بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ» (خر14: 16 و 17).من يتصور أن شعبًا أعزل في البرية يهزم جيشًا مُسلَّحًا بمركباته وفرسانه. ومن يتصور أن يعبروا البحر الأحمر إلى برية سيناء بدون أيّة وسيلة للعبور. وحدث ذلك إذ «مَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ فَأَجْرَى الرَّبُّ الْبَحْرَ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ اللَّيْلِ وَجَعَلَ الْبَحْرَ يَابِسَةً وَانْشَقَّ الْمَاءُ. فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ» (خر14: 21، 23).إن هذا يذكرنا بالشعر الذى كتبه مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث عن الكنيسة القبطية إذ خاطبها قائلاً:اسألي عهد المعز فهو بالخبرةِ يعلمْاسأليه كيف بالإيمان حرّكتِ المقطمْ جبلٌ قد هُزَّ منكِ وإذا شئتِ تحطمْ نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
04 نوفمبر 2019

فلسَي الأرملة

إنها قصة عجيبة حدثت فى وجود الرب يسوع فى الهيكل: "جاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع. فدعا تلاميذه وقال لهم: الحق أقول لكم: إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا فى الخزانة. لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12 42- 44) والأسئلة التى قد تتبادر إلى الذهن عند قراءة هذه الواقعة المؤثرة هى كما يلى أولاً: كيف تتبرع أرملة فقيرة فى خزانة بيت الرب وهى تحتاج إلى مساعدة؟ ثانياً: كيف تتبرع بكل ما عندها، كل معيشتها. مع أن الناموس طالبها بالعشور فقط؟! ثالثاً: لماذا سمح السيد المسيح لهذه الأرملة أن تفعل ذلك، ثم تخرج وليس معها ما تقتات به وهى أرملة فقيرة؟! رابعاً: لماذا لم يأمر تلاميذه بمنحها مبلغاً من المال لمساعدتها بعد أن صارت لا تملك شيئاً بل "ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12: 44)؟ إن القصة قد بدأت هكذا "جلس يسوع تجاه الخزانة ونظر كيف يلقى الجمع نحاساً فى الخزانة. وكان أغنياء كثيرون يلقون كثيراً فجاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع" (مر12: 41، 42)أراد السيد المسيح أن يلقن تلاميذه درساً فى العطاء، وأن يعطيهم فكرة عن مقاييسه التى تختلف عن مقاييس عامة البشرأراد أن يفهموا أن قيمة عمل الإنسان فى نظره لا تتوقف على حجم هذا العمل، ولكن على المشاعر والدوافع التى تقترن به، وأن كل فضيلة تخلو من الحب والاتضاع لا تحسب فضيلة عند الله لاشك أن هذه الأرملة قد امتلأ قلبها بمحبة الله ولهذا أعطت كل ما عندها، كل معيشتها. وبالفعل عاشت الوصية التى تقول "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك" (مت22: 37)وفى تواضعها لم تخجل من أن تضع قدر ضئيل جداً من المال فى وسط الأغنياء الذين يملكون الكثير ووضعوا نقوداً كثيرة. لقد عرضت نفسها لسخرية واحتقار الآخرين، ولكن دافع الحب عندها جعلها تقدم أقصى ما عندها حتى ولو بدا ضئيلاً فى أعين الآخرين لقد عاشت هذه المرأة الوصية بغض النظر عن حالتها الشخصية فبالرغم من فقرها الشديد إلا أنها أرادت أن تنال بركة العطاء وتقديم العشور. ولكن ماذا تكون عشورها؟!.. ربما لا توجد عملة متاحة من النقود تساوى عشر الفلسين. وحتى لو وُجدت فإنها أرادت أن تقدم تكريماً لرب الجنود يتخطى الحد الأدنى للعطاء وهو العشور.. لذلك "ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12: 44)، ولسان حالها يقول {اقبل يا رب تقدمتى المتواضعة التى لا تليق بجلالك.. ولكن هذا هو كل ما عندى}0 موقف السيد المسيح كان عطاء هذه المرأة عظيماً جداً فى عينى الرب لذلك لم يعترضها ولم يمنعها ولم يجرح مشاعرها بأن يمنحها صدقة فى ذلك التوقيت بالذات كانت الملائكة تسبح بتسابيح البركة وكان المشهد عظيماً إهتزت له أعتاب السماء على مثال سلم يعقوب حاضراً بملائكته الأطهار صاعدين ونازلين وسجّل الإنجيل المقدس هذا المشهد العجيب ليكون عبرة للكنيسة فى جميع الأجيال إنها أنشودة حب ابتهج لها قلب السيد المسيح وأراد أن يلفت أنظار تلاميذه ليقفوا مبهورين أمام هذا المشهد العظيم الذى كان حضوره فيه هو مصدر جلاله وعظمته وخرجت الأرملة الفقيرة بكل وقار القداسة، محاطة بجماهير الملائكة الذين اجتذبهم حب هذه المرأة وتواضعها إن هذه الأرملة الفقيرة التى كانت غنية بمحبتها وتواضعها هى رمز للكنيسة التى ترملت بعد خروجها من الفردوس وقال لها الرب بفم اشعياء النبى "لا تخافى لأنك لا تخزين. ولا تخجلى لأنك لا تستحين. فإنك تنسين خزى صباك وعار ترملك لا تذكرينه بعد. لأن بعلك هو صانعك رب الحنود اسمه ووليك قدوس إسرائيل إله كل الأرض يُدعى. لأنه كإمرأة مهجورة ومحزونة الروح دعاك الرب، وكزوجة الصبا إذا رذلت قال إلهك. لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة، وبإحسان أبدى سأرحمك قال وليّك الرب.." (أش54: 4-8) لاشك أن الرب قد أحسن كثيراً إلى هذه المرأة الأرملة الفقيرة بعد خروجها من الهيكل وتولاها بعنايته بعد أن قدّمت له كل ما عندها.. كل معيشتها وهكذا أيضاً الكنيسة من خلال القديسة مريم العذراء قد قدّمت كل ما عندها بكل الحب والاتضاع جسداً وروحاً إنسانياً عاقلاً إتخذه الرب ناسوتاً كاملاً من العذراء مريم ليدخل به مع البشرية فى عهد جديد. وكان هذا الجسد والروح الإنسانى اللذين إتخذهما الرب هو ما يرمز إليه فلسَي الأرملة اللذان لهما أعظم قيمة فى عينى الرب "ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا فى الخزانة" (مر12: 43) وهكذا نسمع الرب يقول هذه الأنشودة الشعرية بفم اشعياء النبى "أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية: هأنذا أبنى بالإثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك وأجعل شُرفك ياقوتاً وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة وكل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيراً" (أش54: 11- 13) بعد ميلاد الرب البتولى من العذراء مريم بفعل الروح القدس، صار السيد المسيح هو كل ما عندها، كل معيشتها. وليس للعذراء مريم فقط بل للكنيسة كلها كان السيد المسيح هو كل ما عندها، كل معيشتها كما نقول فى أوشية الإنجيل {لأنك أنت هو حياتنا كلنا}وجاء يوم الفداء وقدّمت العذراء مريم راضية على الصليب ابنها الوحيد ناسوتياً، وقدّمت الكنيسة كل ما عندها، كل معيشتها فى خزانة الرب.. وقبل الآب تقدمة البشرية إليه، التى هى نفسها عطية الآب للبشرية.. وكانت أعظم تقدمة.. وكان سلم يعقوب.. وكان رضى الآب نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
28 أكتوبر 2019

«بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ» (لو21: 19)

قال السيد المسيح لتلاميذه: «بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ» (لو21: 19). وقال معلمنا يعقوب الرسول: «وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ» (يع1: 4)، وقال أيضًا: «هَا نَحْنُ نُطَّوِبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ» (يع 5: 11). ويقول معلمنا بولس الرسول: «لْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا» (عب12: 1)، ويقول إن المحبة «تَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (1كو13: 7). وفي سفر الرؤيا يقول «هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ. هُنَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ وَإِيمَانَ يَسُوعَ» (رؤ14: 12).إن الصبر يحتاج إلى إيمان بعمل الله، والصبر يعطي فرصة للرب أن يعمل «أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا» (أف3: 20). والصبر في التعامل يمنع تصعيد المشاكل، وكذلك يعطي فرصة للطرف الآخر لمراجعة النفس. وعلينا أن نصبر على احتمال الآلام والتجارب ومحاربات الشياطين.التجارب نوعان: النوع الأول هو الآلام والضيقات التي يسمح الله بها لإختبار محبة القديسين، والنوع الثاني هو الخطايا التي نطلب في الصلاة الربانية ونقول «وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ» (مت6: 13). الآلام نحتملها بصبر أما التجارب الشريرة فنرفضها ونحارب فيها طالبين معونة الله لكي يتمجد الله باقتنائنا حياة القداسة كقول معلمنا بطرس الرسول «هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ. وَلِهَذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً» (2بط1: 4-7)، ويكمل «لِذَلِكَ بِالأَكْثَرِ اجْتَهِدُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ. لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَنْ تَزِلُّوا أَبَدًا. لأَنَّهُ هَكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ» (2بط1: 10، 11).الصبر يلزم في احتمال الآلام والصعاب التي تُختبَر بها محبتنا للرب وتُختبًر ثقتنا في الجزاء الأخروي.الشيطان يشتكي ضد القديسين أمام الرب مثلما قال: «هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟» (أي1: 9). والسؤال هنا هل نحن نعبد الله لأنه يغمرنا بالخيرات أم لأننا نحبه ونعترف بفضله لأنه هو الذي أعطانا نعمة الوجود كما أنه وفَّي دين الخطايا التي علينا بدم الصليب؟هل نعرف قيمة الوجود مع الله في شركة الحب؟ ومعروف طبعًا أن المحبة تُختبر بالألم. والمسيح نفسه أعطانا مثالًا لمحبته لنا بالآلام التي احتملها من أجل خلاصنا. إذا كان المسيح هو رأس الكنيسة والكنيسة هي جسده الاعتباري فلا يمكن أن نتصور جسدًا متنعمًا تحت رأس مكلل بالشوك! ولكن معلمنا بولس الرسول قال: «أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا» (رو8: 18). وقال أيضًا: «كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذَلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا» (2كو1: 5). ولكن من جانب آخر توجد تعزيات للصابرين حتى في وسط آلامهم. كشهداء صاحبت آلامهم معجزات ورؤى وإعلانات سمائية فلم ينهزموا أمام نيران التعذيب، بل صاحبت شهادتهم معجزات شفاء باهرة جذبت الكثيرين إلى إعلان إيمانهم بإله هؤلاء الشهداء. هناك فرق شاسع بين أفراح العالم وتعزيات الروح القدس. وقال السيد المسيح لتلاميذه: «إنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ وَلَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ» (يو16: 20). نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
21 أكتوبر 2019

أنتَ عَلِمْتَ سُبُلِي (مز141: 4 )

ربما يسعى الإنسان ويجاهد لكي يطلب الله ولكن المحاربات الشيطانية تلاحقه، مثل إنسان ترك العالم وترك مباهج الدنيا وذهب للدير للرهبنة، ويجد الشيطان يقف له بالمرصاد ليكدّر حياته ليلًا ونهارًا في حرب مستمرة، فيجد في كلمات المزامير تعزيه له ويقول للرب: «أنتَ عَلِمْتَ سُبُلِي» (مز141: 4). أنت تعرف يا رب لماذا أتيتُ إلى هذا المكان، أليس لكي أحيا معك؟ وأنت قلت في القديم مخاطبًا الأمة اليهودية: "قَدْ ذَكَر«تُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ، مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ، ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ» (إر2: 1). هكذا يقول الرب لكل نفس تتبعه وتحبه: أنا لا أنسى أنكِ خرجتِ ورائي في البرية أيتها النفس.. لا أنسى غيرة صباكِ ومحبة خطبتكِ. لا أنسى أيام خطبتكِ الحلوة التي كانت بيننا، غيرة صباكِ عندما كنتِ غيورة في محبتك القوية في بداية علاقتنا معًا.. خروجكِ ورائي في البرية أي ترك محبة العالم كما قال الكتاب: «اخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي» (رؤ18: 4)، فمن يعيش في العالم لابد أن لا يحب العالم كما قال الكتاب: «لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ» (1يو2: 15). خروجكِ ورائي في البرية التي هي مكان قفر ليس فيه تعزيات أو مباهج عالمية، أرض ليس فيها ماء من ماء العالم.هل نستطيع ونحن نصلي بهذا المزمور، أن نقول لله: أنت يا رب علمتَ سبلي أي أنت عرفتَ مسلكي؟ إن الإنسان الذي يسير في طريق الله ولا يُعوِّج مسلكه، إذا زادت عليه الحرب الروحية يصرخ إلى الله ويقول له: أنقذني يا رب فإني أسير في طريقك. أنتَ عَلِمْتَ سُبُلِي.. كما قال أيضًا: «يَا رَبُّ قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي. أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي. فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ. مَسْلَكِي وَمَرْبَضِي ذَرَّيْتَ وَكُلَّ طُرُقِي عَرَفْتَ» (مز139: 1-3). أنت تعلم كل شيء يارب، أنت تعلم إني أحبك. ويعود ليقول له: «اخْتَبِرْنِي يَا اللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا» (مز139، 23-24). أنت تعرف مسلكي يا رب وأنا مستعد إن كان فيَّ أي خطأ أعلمني به لكي أصلحه.أنا سأسير حسب أقوالك مثل الصلاة التي تُقال في القداس الغريغوري: [أقدم لك يا سيدي مشورة حريتي وأكتب أعمالي تبعًا لأقوالك]. وأنا أسير يا رب في طريقك، إذا نظرتَ فيَّ أمرًا رديئًا اختبرني وامتحني واعرف قلبي وأفكاري، وفتش فيَّ إن كان فيَّ طريق باطل لكي تعرّفني وتهديني إلى طريق أبدي. يجب أن يسكب الإنسان نفسه أمام الله باستمرار ويقول له: يا رب إن كان فيَّ طريق باطل عرّفني وسوف لا أعاند.لا يوجد إنسان بدون أخطاء، ولكن إلى أي مدى يكون الإنسان مستعدًا أن يتنازل عن الخطأ؟ وإلى أي مدى تكون له العزيمة أن يترك طريق الخطية ويسلك في طريق الله؟ وإلى أي مدى يستطيع أن يتجاوب مع إنذارات الروح القدس في داخله؟ إذا كان الإنسان يطلب مشيئة الله بكل قلبه يستطيع أن يقول للرب في وقت الضيق: أنتَ عَلِمْتَ سُبُلِي أو أَنْتَ عَرَفْتَ مَسْلَكِي. نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل