المقالات

20 نوفمبر 2023

المحبـة من ثمار الروح القدس

وأما ثمر الروح ، فهو محبة فرح سلام » (غل ٥ : ٢٢) أنواع من المحبة : المحبة الحقيقية لا يمكن اقتنائها إلا بعمل الروح القدس في الإنسان هذه المحبة الممنوحة من الروح القدس تختلف تماماً عن أي محبة بشرية أخرى إنها ليست نوعاً من المودة أو الأنس أو الإعجاب المتبادل كما أنها لا تنبع من عواطف جسدية أو إنفعالات غريزية من الأبوة والأمومة في الإنسان أو في الحيوان إنها ليست محبة جسدية ولا نفسية ولكنها محبة روحية، لا تؤثر فيها عوامل الجسد أو النفس محبة الرجل للمرأة التي تبدو جميلة في نظره، هي نوع من المحبة التي تقوم على دوافع واعتبارات حسية وجسدية . ومحبة الأم لأولادها هى نوع من المحبة التي تقوم على دوافع نفسية وجسدية معاً ومحبة أى شخص لإنسان آخر له شخصية جذابة هو نوع من المحبة النفسية أما المحبة التي من الروح القدس فهي لا تقوم على هذه الأمور، ولا تتأثر بها ؛ لأن ما يبدو قبيحاً في الجسد، قد يبدو جميلاً في الروح . وما يبدو كثيباً للنفس قد يبدو مسراً للروح . السيد المسيح كمثال : فلتنظر مثلاً إلى السيد المسيح الذي قيل عنه «أنت أبرع جمالاً من بني البشر» (مزه (۲) قد قيل عنه أيضاً « لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ، ولا منظر فنشتهيه ، محتقر ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن » ( أش ٥٣ : ٢، ٣) . كيف يتفق القول الأول مع القول الثاني ؟! ما قيل عن السيد المسيح أنه لا صورة له ولا جمال، قد قيل عن فقره وزهده وعن آلامه الجسدية : عن جراحات الصليب الثخينة ، وعن آثار الكرابيج التي مزقت جسده الطاهر، حتى أن اشعياء النبي قد أضاف فى نفس النبوة عنه فقال : « وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به » (آش ٥٣: ٣) أي أن الجراحات التي ملات جسده المبارك قد جعلت من ينظر إليه لا يحتمل النظر لفظاعة المنظر، فيستر وجهه بيديه لكي لا ينظر ما أصابه من التشويه في نفس الوقت نحن نعلم أنه لا يوجد في الوجود أجمل من مشهد الصليب حيث ذلك الحب العجيب الذي تشدو به كل الخليقة العاقلة إذ ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه » (يو ١٥ : ١٣ ) . مثال المحبة الزوجية : إن المحبة الروحية هى فوق مقاييس الزمان والحس والمكان . جده أحد الزوجين لهذا فمحبة الرجل لزوجته والمرأة لرجلها - إن كانت لها البعد الروحي الممنوح من الله - لا تتأثر باصابة أحد الزوجين بمرض في ، أو بتشويه فى منظره لإصابته في حادث أو ما شابه .... إننا نقف جميعاً مذهولين أمام طلب للطلاق من بحجة أن الطرف الآخر قد أصابته بلية مثل المرض. وهنا نرى في التخلى طعنة لا يعبر عنها فى حق الوفاء والمحبة الزوجية. أين ذهبت المحبة السابقة، وكيف ضاعت ؟! إنها لم تكن تابعة من عمل الروح القدس ولهذا أثرت عليها عوامل الزمن . تأثير الروح القدس في القلب والحواس : محبة الله تمنع عن القلب كل محبة غريبة، وتمنع الشهوات، وتقدس الحواس . ففى مثل العشر عذراى (مت ٢٥) نرى الخمس العذارى الحكيمات وقد ملأن الآنية من الزيت مع المصابيح والإناء هو القلب والمصباح هو الحاسة فإن كانت الآنية ممتلثة من الزيت تنير المصابيح، وهكذا إن كان القلب ممتلكاً وثمرة المحبة التي يمنحها، فإن الحواس تكون منيرة كقول السيد المسيح « إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً، وإن كانت عينك شريرة فجدك كله يكون مظلماً » ( متى ٦ : ٢٣،٢٢). من الروح القدس محبة الله فى القلب - كثمرة من ثمار الروح القدس ترفع الإنسان فوق مستوى الجسد والحواس والعوامل النفسية، حتى يحتمل الآلام والتعبير أو العذاب الجسدى، والعذاب النفسي . لأن الروح تعبر فوق كل عوامل الزمان والمكان، لتتنسم عبير الأبدية في المسيح. هكذا استقبل الشهداء الموت بفرح ولم يحبوا حياتهم حتى الموت» (رؤ ۱۲ : ۱۱) ، لأن حب الله الغالي في قلوبهم كان أقوى من الموت . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد السادس والعشرون عام ١٩٨٩
المزيد
13 نوفمبر 2023

كيف نحب ؟ قوة المحبة

"اجعلني كخاتم على قلبك كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت الغيرة قاسية كالهاوية لهيبها غيب لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء ىء المحبة والسيول لا تغمرها. إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقاراً" (نش ۸: ٦، ٧) ما معنى أن المحبة قوية كالموت ؟ معنی ذلك أن المحبة مستعدة أن تبذل ذاتها إلى حد الموت ..مثلما قيل عن الشهداء إنهم لم يحبوا حياتهم حتى الموت » ( رو ۱۲ : ۱۱). فالمحبة حتى الموت هي أعلى درجات المحبة هؤلاء الشهداء قد تعلموا المحبة من الله نفسه لأن «الله بين محبته لنا إذ ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا » (روه : ۸). وليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحيائه » (يو١٥: ١٣ ) لقد وضع الرب لنا مثالاً في المحبة لتتعلم منه وهكذا أحب القديسون الله حينما نظروا محبته القوية الجارفة « فى هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا » ( ١ يو٤ : ١٠ ) . المحبة تتخطى كل الصعاب هذه المحبة القوية يبدو أمامها الصعب سهلاً. فهى تضح بالمال والجهد وتبذل نفسها بلا تأخير إنها لا تنتظر سؤال الآخرين وتوسلاتهم، بل تسعى نحوهم بشغف تبحث احتياجهم تترفق بالضعفاء لا تتوقف عن العطاء تحمل أثقال الآخرين تمسح دموع المنكسرين تكتسح جميع الصعاب والعقبات تتخطى كل الإعتبارات المحبة في صلابتها وقوتها تستطيع أن تظل صامدة إلى النهاية لا تتراجع بسبب وعيد أو تهديد.. لا يرهبها المرض، ولا يثنيها عن تحقيق الغرض لا ترجع أبداً فارغة لا ترعبها الشياطين بكل ثقل المحاربات المؤلمة لأن مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء المحبة والسيول لا تغمرها » (نش ۷:۸) إنها نار إلهية تضطرم فى القلب ولا يمكن أن تنطفىء لأنها تستمد قوتها وفاعليتها من الله «محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا » (روه : ه). لهذا يلزمنا أن نتسحق أمام الله باتضاع متضرعين باستمرار، لكي تمتلىء قلوبنا من فاعلية هذا الروح النارى الذى حل على الكنيسة في يوم الخمسين. المحبة والصليب إن المحبة لا تطرح الصليب عن كاهلها، لكي تجد سعادتها بعيداً عنه بل تعانق الصليب بفرح . لأنها في الصليب عاينت مجد المحبة الإلهية، وصار الصليب بالنسبة لها ينبوعاً منه تستقى وتفيض على الآخرين كما قال السيد المسيح « من آمن بی كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى » » يو٧ : ۳۸) . يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية » (يو٤ : ١٤ ) . لا يمكن أن نفصل بين الحب والحياة، لأن الله هو الحب وهو الحياة فبدون الحب لا يكون للحياة وجود ولا معنى وخارج دائرة الحب لا يصير لوجودنا معنى . بل هناك الضياع بعيداً عن الله حيث تهيم النفس بلا هدف لا تدرى لوجودها سبب، ولا تلمس لحياتها وجود وهذا هو الموت بعينه إن الإنسان الذي يبذل ذاته بالصليب، يجد ذاته في الله لأنه حيثما توجد المحبة، فهناك يوجد الله لأن « الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت فى الله والله فيه» (ايو ٤ : ١٦). ولا ننسى أن الله هو الذى به نحيا ونتحرك وتوجد » (أع ۱۷ : ۲۸ ) . لغة المحبة المحبة هى اللغة التي تفهمها كل شعوب العالم. إنها تتكلم بجميع الألسنة وتدخل سريعاً إلى قلوب الآخرين . إنها لغة السماء.. فقبل أن تحل مواهب الروح القدس على التلاميذ ليتكلموا بجميع الألسنة تكلم ! الله مخاطباً العالم كله بلغة المحبة على الصليب. فالصليب هو كلمة حب نطق بها الله في سمع البشرية كلها ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً » (أش ١١: ١٠). عن هذا تكلم القديس بولس الرسول فقال: «الله يعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة . كلمنا في هذه الأيام الأخيرة فى ابنه » (عب ۱ : ۱، ۲). أي أن الله قد كلمنا بكل كلام المحبة، وبكل كلام الحياة في المسيح إن الصليب هو مفتاح لغة المحبة، وهو مفتاح الحياة. هو السر الخفى وراء كل عمل من أعمال المحبة في حياتنا نحن لا نعرف اللغة التى ينطق بها السمائيون، وما هي لغة الملائكة ! ولكنها بكل تأكيد هي لغة المحبة بالدرجة الأولى... ربما عن هذه اللغة تنبأ أشعياء النبى حينما تكلم عن المسيحية في مصر فقال « فى ذلك اليوم يكون فى أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان (اش ۱۹ : ۱۸)إن لغة المحبة هي لغة الشكر والتسبيح ، وهي اللغة التي تجمع الخليقة كلها في فرح وسعادة حول الله ينبوع الحب والحياة. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الخامس والعشرون عام ١٩٨٩
المزيد
06 نوفمبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟ المحبة المترجيّة

الرجاء فى المحبة: الرجاء في المحبة ليس هو نوعاً من الوهم أو الخيال، ولكنه على العكس يستند إلى حقيقة جميلة، وهي استطاعة المحبة أن تغير ما حولها أمامنا مثال محبة المسيح التي استطاعت أن تصالح الناس مع الله ، وأن تحوّل الخطاة إلى قديسين. لهذا قال السيد المسيح "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. ولم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة " (مر۲ : ۱۷ ) إنسان خاطيء مثل اللص اليمين كان في البداية يعير السيد المسيح مع اللص الآخر « واللصان اللذان صلبا معه كانا يعيرانه » (مر١٥: ٣٣) . ولكنه شعر بالخجل أمام محبة السيد المسيح الغافرة وذلك حينما سمعه يصلى من أجل صالبيه ومعيريه ويقول «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» لقد أخجلته هذه المحبة الغافرة التى لم ترد الإساءة بمثلها ، بل استطاعت أن تفكر فى غيرها، وأن تنسى ذاتها بالكامل في أحرج الأوقات ، لأنها كانت مفعمة بالرجاء الرجاء في تحرير الآخرين من الأنانية والظلم والإنحصار حول الذات . المحبة والحرية : إن المحبة فى خروجها عن الذات، تستطيع أن تخترق ذوات الآخرين بقوة، لكى تهدم أصنام الذات ولكي تحطم حواجز الأنانية، ليكتشفوا أنهم مدعوون إلى ممارسة المحبة، أو إلى ممارسة الحرية لأنه حيث روح الرب هناك حرية » (٢كو٣ : ١٧ ) . وهنا نجد المفهوم الحقيقي للحرية ؛ أن يتحرر الإنسان من عبوديته لذاته، لكى لا يعيش معزولاً، سجيناً للذات . ولا يتحقق ذلك إلا بإتحاده بالله من خلال المحبة لينقله الروح إلى كل موضع حيث عطاء الذات المتدفق على مثال المسيح . خلاص العالم : العالم كان غارقاً فى ظلام الخطية الدامس، ولكن السيد المسيح رآه بمنظار المحبة القادرة على تغيير الواقع المحيط بها . وهو يتحول من الظلمة إلى النور «الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، والجالسون فى كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور» (مت ٤ : ١٤-١٦ ) .ورآه وهو يمتلىء بالقديسين ورأى الكنيسة عروسه المحبوبة، وهى تتألق بمجد الحب الإلهى «تمشى شعوب المخلصين بنورها، وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها (رؤ ٢١ : ٢٤) رأى الملكوت وهو ممتلىء بالقديسين الذين نالوا الميراث الأبدى ، لأجل عظم محبتهم للملك المسيح حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم » (مت ١٣ : ٤٣ ) حقاً إن المحبة تستطيع أن ترجو كل شيء أن لا يخيم ظلام الحاضر على نور المستقبل المشرق. ذلك المستقبل الذي تحققه المحبة بقوتها وفاعليتها وقدرتها على التغيير. المحبة لا تيأس : قد تبدو الطرق والأبواب مغلقة أمام المحبة، ولكنها لا تستطيع أن تتوقف عن العمل . إنها تعمل خارج الباب. كما أن المسيح «تألم خارج الباب» (عب ۱۳ : ۱۲ ) إنها تعلم أنها حتى لو رفضت اليوم، فسوف تظهر قيمتها في الغد أو بعد الغد إنها تعلم أنها تحمل قيمتها في قدرتها على العطاء، وليس في قدرة الآخرين على قبولها . مثلما قيل عن الرب « إن كنا غير أمناء فهى يبقى أميناً لن يقدر أن ينكر نفسه »(۲تی ۲ :۱۳) إنها تتألق وهى مرفوضة أكثر مما وهي مقبولة، لأنها حينئذ تكون بلا مقابل إذ يواجهها الرفض وتبقى أمينة على الدوام المحبة الحقيقية لا تحتج بالصعاب ، بل تتخطى كل العقبات حتى تحقق أهدافها فى النهاية لا نفشل في عمل الخير، لأننا سنحصد في حينه . إن كنا لا نكل» (غل ٦ : ٩ ) . المحبة ترجو كل شيء : ترجو أن ينتصر الخير فى النهاية ترجو أن تتألق المحبة إلى الأبد ترجو أن تجد راحتها بعد التعب « كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده » ( لو ٢٤ : ٢٦ ) . ترجو أن يستعلن ملكوت الله و يأتى إلى كل قلب ترجو أن تتجدد الحياة بكاملها « فننظر سماوات جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها البر» (٢بط ۳ : ۱۳). حقاً لا شيء أعظم من المحبة . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الرابع والعشرون عام ١٩٨٩
المزيد
30 أكتوبر 2023

كيف تحب الآخرين ؟المحـبَة لا تحتد

" المحبة لا تحتد " ( ۱ کو ۱۳ : ٥ ) الإحتداد هو الغضب الذى يظهر فى أسلوب التخاطب أو التعامل مع الآخرين. وهو نوع من الانفعال الحاد الذي يتعارض مع التعامل المبنى على المحبة. الإنسان وهو محتد تتغير ملامحه ونبرات صوته ، بطريقة قد يفزع منها الطرف الآ ر، وقد يجرح الإحتداد مشاعره، وتتوه في وسط ذلك كلمات اللطف والمجاملة والمحبة . لماذا لا يجب أن نحتد ؟ المحبة تحرص على صحة من تحب، وعلى مشاعره، وهدوء قلبه ونفسيته، وهى تسمى باستمرار لتمنح الآخرين راحة وسلاماً وسعادة قلبية، ولا يرضيها أن يحدث انزعاج من أي نوع لنفس من تحب . والمحبة تحرص على عدم المساس بكرامة الآخرين ولهذا فهي لا تحتد على كبير ولا على الصغير لا " تحتد على الكبير احتراماً لمقامه ولا تحتد على الصغير حفظاً لكرامته " والمحبة تسعى للتفاهم والحوار الهادى البناء، ولهذا فهى لا تحتد، لأن الاحتداد يوقف الحوار، ويمنع الاستماع إلى الرأى الآخر، ويتعارض مع المودة التي تشجع الآخرين على التعبير عن رأيهم بصراحة الاحتداد ينشىء الخصومة والقطيعة ويولد الخوف في نفوس الآخرين ويمنعهم من التعامل خوفاً من المواجهة والاحتداد يحمل كثيراً من معانى الكبرياء، والغطرسة، وحب السيطرة، وعدم الرغبة في منح الآخرين فرصة المشاركة في الموقف، أو فى اتخاذ القرار وهو (أى الاحتداد) يحمل معنى نفاذ الصبر، وعدم الاحتمال، والضيق والتبرم والرغبة فى التخلص من الآخرين أو من آرائهم وأسلوبهم في التعامل إذا حدث الإحتداد بين زوجين فإن هذا يعنى عدم إقتناع الطرف المحتد بشخصية الطرف الآخر، وعدم الارتياح للعيشة معه، ويولد فى الطرف الآخر الإحساس بالخذلان ، وخيبة الأمل، والفشل في التعبير عن النفس. ربما يكون الاحتداد هو بسبب عصبية الطبع، ولكن الطرف الآخر ربما لا يفهم ذلك، ويشعر أنه هو السبب في الاحتداد الحادث مقابله ومن هنا تبدأ الأمور فى أن تتعقد الذي يحتد يفقد سيطرته على أعصابه، وعلى الفاظه،وعلى تصرفاته، وقد تصدر منه قرارات صعبة يندم عليها فيما بعد ... وقد تصدر منه تعبيرات يصعب إصلاحها، وإصلاح تأثيرها في أنفس سامعيه والذى يحتد يفقد كثيراً من محبة الآخرين التي تعب في غرسها في قلوبهم فالغضب يأتي كعاصفة تقتلع الأشجار، وكل ثمرة جميلة ، ولا تترك وراءها سوى الدمار وعوامل الانهيار. الإحتداد قد يضيع تعب السنين في لحظة ، ، كما أنه يولد الأنين في قلوب الآخرين . كيف نتخلص من الإحتداد ؟ الإنسان الحكيم لا يتكلم ولا يتصرف في شيء وهو محتد من الداخل، بل يصرف الغضب أولاً لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله » (یع ۱ : ۲۰ ) الإحتداد الداخلى يظهر فى كلام الإنسان، وفى تصرفاته . لهذا ينبغي أن يعمل الإنسان على صرف الغضب أولاً بالوسائل التالية :- ١ - الصلاة والتضرع لكى يعيد الله للقلب سلامه وهدوءه. ومن المفيد أن يخلو الإنسان إلى نفسه حينما يتحرك فيه الغضب . ٢ - أن يتذكر الإنسان أن الغضب لا يحل المشكلة، بل تحل المشاكل بالصبر والحكمة وطول الأناة . ٣- أن يتذكر الإنسان أن الغضب يزيد المشاكل تعقيداً وحتى لو حلها فإن هذا الحل يكون وقتياً لأنه لم يين على الإقتناع، بل هو وليد الخوف من الغضب . ٤- أن يتذكر الإنسان مواقف جميلة لمن غضب منه أخيراً . وحينما يتذكر إحساناته القديمة ومحبته الأولى، فإن الغضب يهدأ في قلبه ، ويتشبه بالله فى لطفه وطول أناته حينما قال قد ذكرت لك غيرة صباك ، محبة خطبتك ، ذهابك وراثي في البرية » (أر٢ : ٢). ه ـ أن نتعلم من السيد المسيح الذي قيل عنه إنه «لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته» (مت ۱۲ : ۱۹). والذى قال «تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم» (مت ۱۱ : ۲۹). نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الحادى والعشرون عام١٩٨٩
المزيد
23 أكتوبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟ المحبة - لاتتفاخر ولاتنتفخ

تكلمنا فى المقال السابق عن المحبة التي لا تتفاخر ولا تنتفخ ، ونورد الآن بعض أقوال الآباء القديسين التي تؤكد هذا المعنى قال أنبا إيليا «أى منفعة للمحبة حيث تكون الكبرياء » ومعنى قوله هذا : إن الكبرياء لا تجتمع مع المحبة الحقيقية وقال شيخ : «إذا لم يأت علينا قتال، حينئذ ينبغى أن نتضع جداً عالمين أن الله لمعرفته بضعفنا رفع عنا القتال، وإن افتخرنا يرفع عنا ستره فنهلك» وقيل أيضاً : « ليس هناك شفاء لوجع المفتخر. لأنه بقدر ما يتعالى بأفكاره بقدر ما ترتفع معرفة الله عن نفسه، وإلى عمق الظلمة يهبط » .أليس هذا هو نفس المعنى الذي ذكره الرب عن الشيطان الذي أظلمت معرفته عن الله لسبب كبريائه إذ قال عنه في سفر حزقيال « أفسدت حكمتك لأجل بهائك » ( حز ۲۸ : ۱۷ ) قال شيخ : «إن أردت أن تنجح في إطفاء الغضب والرجز، فإقتن الإتضاع ولتكن لك طاعة ورجاء في كل أحد، لأن الغضب والرجز يسوقان الإنسان إلى الهلاك، ويبعدانه عن الله أما الإتضاع فإنه يحرق الشياطين والطاعة هي التي جاءت بابن الله وسكن فى البشرية (أى سكن بين البشر)، والإيمان خلص الناس، والرجاء لا يخزى وأما المحبة فهي التي تدع الإنسان لا يسقط ولا يبتعد عن الله الذى يريد أن يخلص ، عليه أن يقطع هواه في كل شيء، ويقتنى الإتضاع، وليكن الموت بين عينيه » . وقال شيخ آخر «أريد أن أكون مغلوباً بإتضاع، أفضل من أن أكون غالباً بافتخار». وقيل أيضاً : «لو كنا حكماء ونجعل أنفسنا جهالاً ، فإننا نستريح ونتنيح » وقال القديس برصنوفيوس : « لا تحسب نفسك شيئاً ، وأنت تتنيح . جاهد أن تموت من كل الناس ،وأنت تخلص قل لفكرك : إني قدمت ووضعت في القبر، فماذا لي مع الأحياء ، وبذلك لن يقدر شيء أن يحزنك إن الطاعة مطفئة لجميع سهام العدو المحماة، أما المحبة فهى المزود العظيم الذي يشد كل استرخاء، ويشفى كل الأمراض».قال أنبا موسى الأسود : «حب الاطراء من شأنه أن يطرد المعرفة » وقال أيضاً: «على مثال الصدأ الذي يأكل الحديد ، كذلك يكون مديح الناس الذى يفسد القلب إذا مال إليه. وكان يلتف اللبلاب على الكرم فيفسد ثمره، كذلك السبح الباطل يفسد نمو الراهب إذا كثر حوله » . وقال شيخ : « من مدح راهباً بحضرته، فقد أسلمه بأيدى أعدائه » وقال أنبا موسى : « تمجيد الناس يولد للإنسان البذخ وتعظم الفكر » وقيل عن الأب ألينوس إنه كان مرة يخدم والأخوة جالسون عنده يمدحونه ، وهو لا يجيبهم البتة، فقال له إنسان منهم : «لماذا لا تجيب الآباء وهم يسألونك ؟». فقال «لو أجبتهم نصرت مثل من يقبل المديح » من أقوال الآباء عن الإتضاع قال شيخ : « إن خاتم المسيح الظاهر هو الصليب، وخاتمه الباطن هو الإتضاع، فهذا مثل صليب الرب، وذلك مثل خلقه » . وقال آخر : «الإتضاع هو شجرة الحياة التي لا يموت آكلوها » وقال أنبا موسى الأسود « تواضع القلب يتقدم الفضائل كلها، والكبرياء هي أساس الشرور كلها » فمن كل ما تقدم ذكره فى المقال الحالي والمقال السابق نرى أن المحبة الحقيقية تمنع الإنسان من أن ينشغل بذاته، لأنه ينجذب بالحب نحو الله وهو بهذا يتحرر من الأنانية ومن سلطان الذات، وبالتالي يتحرر من الكبرياء ويقتنى الإتضاع الحقيقي في تعامله مع الله ومع الناس إن ينسى ذاته من فرط محبته. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد العشرون عام ١٩٨٩
المزيد
16 أكتوبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟ المحبة التي لا تتفاخر ولا تنتفخ

"المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ " ( ١كو١٣ : ٤ ) المحبة تسعى بطبيعتها لتكريم الآخرين، وتجد سعادتها فى أن تنكر نفسها لتكرم غيرها وذلك عملاً بنصيحة القديس بولس الرسول «مقدمين بعضكم بعضاً فى الكرامة» (رو۱۲ : ۱۰). «حاسبين البعض أفضل من أنفسهم » ( في ٢ : ٣) ولأن المحبة تفرح بتكريم ،غيرها، فإنها تنسب إليهم الفضل في كثير من الأمور، وتعمل وتنسب الفضل لمن تحب إنها من خلال منظار الحب ترى في تكريم الغير تحقيقاً لأهدافها، لأن في تكريمهم تمجيداً للفضيلة التي فيهم، وإبرازاً العمل نعمة الله بواسطتهم، وتشجيعاً لهم على المزيد من العمل لمجد الله لهذا كله فالمحبة لا تتفاخر، ولا تحاول أن تبدو متفوقة على من تحب ، أو أن تمدح ذاتها متفاخرة على الآخرين، أو أن تنتقص من شأنهم لكي تبدو في صورة المتفوق . الإنتفاخ يتعارض مع المحبة : حينما نقصت المحبة في قلب إبليس من نحو الله ، بدأ ينتفخ ويتفاخر وبالرغم من حكمته الكبيرة، إلا أن الكبرياء سيطرت على أفكاره، لأنها صارت خالية من المحبة «أفسدت حكمتك لأجل بهائك » ( حز ۲۸ : ۱۷ ) المحبة تمنع الكبرياء عن القلب، لهذا قيل أن «من يثبت في المحبة يثبت فى الله والله فيه» «لأن الله محبة» (١يو٤ : ١٦ ) إن المعرفة وحدها قد تقود إلى الكبرياء، أما المحبة فهى محفوظة على الدوام، وتحفظ المعرفة من الظلمة العقلية جميل أن يمتلىء العقل بالمعرفة التي تجعل المحبة تزداد أما المعرفة التي تقود إلى الإنحصار حول الذات، وإنهيار المحبة فهى معرفة باطلة ومفسدة للعلاقة مع الله ومع خليقته العاقلة لهذا ترى أن وصية المحبة الله هى الوصية الأولى والعظمى، والثانية مثلها - محبة القريب وبهذا يكمل الناموس كله والأنبياء (متى ٢٢ :٤٠) المحبة هي السر الخفى الذى يتدفق من قلب الله نحو الخليقة وهى الرباط المقدس الذي يربط الخليقة بالله . ويربطها بعضها ببعض على مثال الحب الكائن في الثالوث القدوس منذ الأزل المحبة هى سر الحياة، وهى رباط الكمال، وهي الوصية الأولى والأخيرة، والجديدة القديمة التي لا تشيخ، ولا تسقط أبداً لهذا صلى السيد المسيح قبل الصليب مباشرة، وخاطب الآب قائلاً: «أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتنى وعرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به، وأكون أنا فيهم»( يو ١٧: ٢٥، ٢٦) كانت أحلى طلبة للسيد المسيح هي أن يسكب الآب محبته في قلوب تلاميذه والذين أحبهم، وأن يحفظ فيهم الحب بعضهم نحو بعض «أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحداً كما نحن» (يو ١٧ : ١١) ونلاحظ أيضاً كيف ربط السيد المسيح بين الحب والمعرفة «أنا عرفتك الحب الذى أحببتنى به » ، «عرفتهم اسمك ليكون فيهم الحب»فالمعرفة السليمة الحقانية تقود إلى الحب، والحب يقود إلى المعرفة ويحفظها لهذا نرى حول عرش الله الشاروبيم الممتلئين أعيناً( أى ملء المعرفة) والسارافيم المتقدين بالنار ( أى ملء المحبة المشتعلة ) فليمنحنا الله معرفة مفعمة بالحب،وحباً ممتلئاً بالمعرفة الخالية من الإنتفاخ والكبرياء والعجرفة .( للحديث بقية ) نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد التاسع عشر عام ١٩٨٩
المزيد
09 أكتوبر 2023

كيف تحب الآخرين ؟

(المحبة ) لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق(١كو ١٣ : ٦) المحبة تتمنى لمن تحب أن يسلكوا في الحق وليس في الإثم أو الباطل هي تحزن لأجل من يسلكون حسب هواهم في الشر وتتألم لأجلهم وتفضل دائماً أن تراهم في طريق الحق. معلمنا بولس الرسول كخادم كان يبكى حينما يتذكر الذين انحرفوا عن جادة الصواب من بين أحباته ومخدوميه وكتب يقول "كثيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً أذكرهم الآن باكياً وهم أعداء صليب المسيح " ( فى ۳ : ۱۸). المحبة لا يمكن أن تفرح بهلاك الخاطيء، لأنها تتشبه بالله الذي يشاء أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون »(١تى٤:٢) المحبة تحزن كثيراً من أجل البعيدين عن الله ومن أجل البعيدين عن الطريق المؤدى إلى الحياة الأبدية، وتتمنى أن يخلصوا ، وأن يُقبلوا إلى معرفة الحق السيد المسيح بكى على أورشليم قائلاً: «إنك علمت أيضاً ما هو لسلامك، ولكن الآن قد أخفى عن عينيك ، لأنك لم تعرفى زمان افتقادك ) ( لو ١٩ : ٤٢ ) وعن محاولاته المتكررة مع أورشليم، لكي تسلك في طريق الحق، وتصنع مشيئة الله الذى أحبها قال «كم مرة أردت أن أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ، وأنتم لم تريدوا مت ۲۳ : ۳۷، لو ١٣ : ٣٤) ظلت محبة المسيح تنتظر وتقرع على الباب، حتى رفضت بصورة واضحة، حينما سمرت على الصليب خارجاً عن أورشليم «تألم خارج الباب» (عب ۱۳ : ۱۲ ) ومع ذلك فإن السيد المسيح لم يرفض شعبه، ولكن بقيت محبته تنتظر توبتهم وعودتهم إليه إن أرادوا . مثال داود و شاول : حينما أخطأ شاول الملك إلى الرب، واختار الرب داود ومسحه ملكاً على اسرائيل بيد صموئيل النبي، ابتدأ شاول يحقد على داود ، وملأت الغيرة قلبه، وذلك بالرغم من أن داود لم يفعل شيئاً ليسيء إلى شاول على الإطلاق، بل قدم له بكل محبة وكان مخلصاً له على الدوام وحاول شاول الملك مراراً أن يقتل داود ولم يتمكن، وطارده في البرية عدة مرات، وانقذه الرب من يده. وفى النهاية هرب داود، ولجأ إلى أخيش معوك ملك جت .وبعد أن عاش داود شريداً، مطارداً من شاول لسنوات عديدة، جاء اليوم الذي قتل فيه شاول في معركة جبل جلبوع . وتوقع البعض أن يفرح داود بمقتل شاول وثلاثة من بنيه في أن بعضهم اسرع ليبشر داود بهذا الخبر. وكانت المفاجأة أن داود قد حزن كثيراً وتأوه، وصار يرثى بنشيد القوس شاول و يوناثان ورجال الحرب الذين قتلوا . وقال أن يتعلم بنو يهوذا هذا النشيد"اَلظَّبْيُ يَا إِسْرَائِيلُ مَقْتُولٌ عَلَى شَوَامِخِكَ. كَيْفَ سَقَطَ الْجَبَابِرَةُ لاَ تُخْبِرُوا فِي جَتَّ لاَ تُبَشِّرُوا فِي أَسْوَاقِ أَشْقَلُونَ، لِئَلاَّ تَفْرَحَ بَنَاتُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، لِئَلاَّ تَشْمَتَ بَنَاتُ الْغُلْفِ. يَا جِبَالَ جِلْبُوعَ لاَ يَكُنْ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ عَلَيْكُنَّ، وَلاَ حُقُولُ تَقْدِمَاتٍ، لأَنَّهُ هُنَاكَ طُرِحَ مِجَنُّ الْجَبَابِرَةِ، مِجَنُّ شَاوُلَ بِلاَ مَسْحٍ بِالدُّهْنِ. مِنْ دَمِ الْقَتْلَى، مِنْ شَحْمِ الْجَبَابِرَةِ لَمْ تَرْجعْ قَوْسُ يُونَاثَانَ إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَيْفُ شَاوُلَ لَمْ يَرْجعْ خَائِبًا. شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ الْمَحْبُوبَانِ وَالْحُلْوَانِ فِي حَيَاتِهِمَا لَمْ يَفْتَرِقَا فِي مَوْتِهِمَا. أَخَفُّ مِنَ النُّسُورِ وَأَشَدُّ مِنَ الأُسُودِ. يَا بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ، ابْكِينَ شَاوُلَ الَّذِي أَلْبَسَكُنَّ قِرْمِزًا بِالتَّنَعُّمِ، وَجَعَلَ حُلِيَّ الذَّهَبِ عَلَى مَلاَبِسِكُنَّ. كَيْفَ سَقَطَ الْجَبَابِرَةُ فِي وَسَطِ الْحَرْبِ يُونَاثَانُ عَلَى شَوَامِخِكَ مَقْتُولٌ. قَدْ تَضَايَقْتُ عَلَيْكَ يَا أَخِي يُونَاثَانُ. كُنْتَ حُلْوًا لِي جِدًّا. مَحَبَّتُكَ لِي أَعْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ." (۲صم ۱ : ۱۹ - ٢٦ ) كان داود يغار على مجد الله، فلم يفرح بنصرة الوثنيين والغلف على شاول الملك وجيشه. كما أن عداوة شاول له لم تنسه الصداقة الأولى، والمحبة القديمة والعشرة الحلوة، فصار بيكي و ينوح على أحبائه القدامى كان داود يتمنى أن يخدم شاول، إذ كان من قواد جيشه، وأن يضع مواهبه كمسيح للرب في خدمة المملكة، وتزوج ميكال ابنة شاول ، وتمنى أن يسكن سالماً في كتف حماء الملك. ولكن أحلام داود تبددت أمام عاصفة الحقد التي اجتاحت حياة شاول ، أنه أوشك ان يقتل ابنه يوناثان لسبب محبته واخلاصه لداود حتى ولكن المحبة التي لا تفرح بالإثم ، بل تفرح بالحق، فى حياة داود ظلت أمينة إلى النهاية وصارت مثلاً يحتذى لجميع الأجيال .ولم يكن هذا أمراً عارضاً في حياة داود ، بل تكرر في علاقته بابنه ابشالوم الذى قام ضده وطرده من كرسيه في أورشليم. وطارده بجيش كبير ليقتله. ولكن داود بالرغم من ذلك كان يتوسل إلى قواد جيشه والجنود أن يترفقوا بالفتى أبشالوم . وحينما مات أبشالوم في المعركة انزعج داود وصعد إلى علية الباب وكان يبكي ويقول هكذا وهو يتمشى يا ابنى ابشالوم یا ابنی ابشالوم يا ليتني مت عوضاً عنك يا ابشالوم يا ابنی (۲صم ۱۸ : ۳۳) . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد السادس عشر عام ١٩٨٩
المزيد
02 أكتوبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟ الثقة في المحبة

" المحبة لا تظن السوء " ( ١كو ١٣ : ٥ ) . المحبة تعطى نوعاً من الثقة دائما الإنسان يثق فيمن يحب يثق في أمانته، في اخلاصه في صدقه وصراحته معه لهذا فالمحبة لا تظن السوء، وهى ترى الجانب النير من الأمور، وتفترض حسن النية في الآخرين. ولا تحكم على أحد ممن تحب، دون أن تعطيه فرصة للدفاع عن نفسه لهذا فالعتاب هو سياج لحماية الثقة التي للمحبة العتاب يحمى المحبة من ظنون السوء . ولكن العتاب يحسن أن يستخدم فقط عند الضرورة، وليس في كل الأمور كبيرها وصغيرها، لئلا ينطبق عليك قول الشاعر: إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لن تلقى الذى لا تعاتبه فكن واحداً أوصل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة وبجانبه إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأى الناس تصفو مشاربه ؟ كيف نصون الثقة التي للمحبة : ۱ - رؤية الجانب النير : الحقيقة غالباً يكون لها في تقديرنا وجهان وجه مضىء ووجه مظلم فلا ينبغي أن نلتفت كثيراً إلى الجانب المظلم، بل للتركيز على الجانب المضيء حتى يتأكد العكس مثال ذلك : إذا قابلك شخص بوجه متجهم غير بشوش ، وشعرت أنه لم يحسن استقبالك فريما نظن أن هناك سوء تفاهم بينك وبينه ، أو أنه لم يعد يحبك مثل الأول ومن جانب آخر قد تعلل ذلك بأنه حزين أو مهموم بسبب ظروف صعبة يمر بها في حياته، أو أنه مريض أو متوعك أو مثقل ببعض الأمور المتعبة أو ببعض المشاكل التي يبحث لها عن حل فالجانب النير هنا ، هو افتراض أن ما حدث هو بسبب ظروف عابرة لا تخصك، وأنه لا يوجد شيء يعكر صفو العلاقة بينكما ومن الممكن الإنتظار لملاحظة ما يحدث في المستقبل، فإذا تكرر الوضع فمن الممكن الإستفسار عن سبب التعب البادي على الوجه وفى مرحلة تالية يأتي العتاب إن لزم الأمر.عموماً يلزمنا أن ندرب أنفسنا أن نبحث عن الجانب النير قبل أن نتأثر ونقتنع بالجانب الآخر، وهذا يقودنا إلى مبدأ آخر، وهو أن لا تحكم على إنسان دون أن نناقشه ونعطيه فرصة للدفاع عن نفسه . ٢ - عدم التسرع في الحكم بدون فحص : "هذا المبدأ ذكره القديس نيقوديموس، كعضو في مجمع السنهدريم أثناء الجلسات التحضيرية لمحاكمة السيد المسيح إذ قال ألعل ناموسنا يدين إنساناً لم يسمع منه. أولاً ويعرف ماذا فعل"(يو ٧: ٥١) وقد أكد السيد المسيح هذا المعنى حينما أوصى في عظته على الجبل لا تدينوا لكي لا تدانوا ، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون . وبالكيل الذى به تكيلون يكال لكم » (مت ۱:۷) إذا كنا نحب أن يحكم الناس علينا في ضمائرهم أو بأقوالهم، دون أن يعرفوا قصدنا الحقيقي ودوافعنا ، فيلزمنا نحن أن لا نحكم على الناس، دون أن تسألهم وتفهم دوافعهم الحقيقية يلزمنا أن نفترض حسن النية عند الآخرين، إلى أن يثبت عكس ذلك، لأن هناك مبدأ قضائياً أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته فلا أقل من أن يكون ميزاننا في الحكم مثل ميزان القوانين الوضعية فى العالم، من حيث درجة عدالتها من الممكن إذا تسرعنا فى الحكم، ولم نفترض حسن النية، أن نخسر محبة الكثيرين، وتنهار علاقتنا بهم بدون سبب معقول أو مقبول فلنطلب من الرب بلجاجة أن يحفظ لمحبتنا بساطتها حتى لا تظن السوء ، ولقلوبنا نقاوتها لكي تثبت في المحبة. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الخامس عشر عام ١٩٨٩
المزيد
25 سبتمبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟ المحبة غير الحاسدة

الحسد هو خطية مشهورة من خطايا الشيطان، وبسبب هذا الحسد دخل الموت إلى العالم حينما حسد الشيطان أبوينا الأولين . أمثلة من الحسد :+يوسف الصديق حسده اخوته وحاولوا أن يقتلوه ، ثم باعوه للإسماعيليين ... السيد المسيح حسده رؤساء كهنة اليهود، فأسلموه لحكم الموت على يد بيلاطس الحاكم الرومانى «الذي علم أنهم أسلموه حسداً» (مت ۲۷ : ۱۸) . وقد أعماهم الحسد عن أن ينظروا محبة السيد المسيح لهم، وسعيه من أجل خيرهم وخلاصهم، فجازوه عوض محبته شراً. وأيوب البار حسده الشيطان، وأصابه بكثير من البلايا محاولا أن يقتلع محبته لله مدعياً أنه لا يتقى الرب مجاناً (أى ١ : ٩) سبب الحسد : من الواضح أن الحسد ينبع من الأنانية، والانحصار حول الذات، وهو ضد المحبة تماماً فالذى يحب يفرح لخير الآخرين، ونموهم وتقدمهم في كل شيء، بل يعمل جاهداً ليحقق كل ذلك في حياة الذين يحبهم الوالدان مثلاً يندر أن نراهما يحسدان أولادهما على ما يحققونه من تقدم في طفولتهم أو في شبابهم، بل على العكس يعتبران ذلك نوعاً من الأحلام التي يسعدان كثيراً بتحقيقها ، ويجاهدان بكل قوة الأجل ذلك . فالمحبة هي تجعلهما يفرحان بخير الأبناء .لماذا يكره الإنسان أن يأتى الخير لغيره ؟ ولماذا يأكله الحسد حتى يتمنى أن يزول هذا الخير؟ ولماذا تلتهب فيه هذه النار الحاسدة التي تفنى كل علاقته مع الآخرين ؟ السبب هو عدم المحبة .... مخاطر الحسد : يقول الكتاب حياة الجسد هدوء القلب، ونخر العظام الحسد» (أم ١٤: ٣٠) . الحسد يتعب الذين يقتنونه في داخل قلوبهم أكثر مما يتعب المحسودين لهذا فحينما نطلب في صلاة الشكر أن ينزع الرب عنا الحسد، فإننا نعنى أن ينزع عنا حسد الشياطين، وأن ينزع الحسد من قلوبنا نحو الآخرين الحسد يعمى البصيرة الروحية، فلا يستطيع الحاسد أن يرى نور المحبة ولا نور ملكوت الله ومجده إنه لا يفرح بالخير للغير، ولا بالخير أن ينتشر أما ملكوت الله فهو إنتشار الخير واتساع نطاقه، حتى أن الصلاح الكائن في الله يشمل كثيراً من الخلائق التي على صورته، والفرح الكائن في الله يشمل كثيراً من الكائنات العاقلة التي تفرح بوجودها معه وهكذا .ما أعظم الفارق بين حسد الشيطان للقديسين، وبين محبة معلمنا بولس الرسول الذى قال إن لى حزناً عظيماً ووجعاً في قلبي لا ينقطع. فإنى كنت أود لو أكون أنا نفسى محروماً من المسيح ، لأجل إخوتى أنسبائى حسب الجسد» (رو۹: ۲، ۳). إنها درجة عالية من المحبة لا نستطيع أن نفهمها ، إلا من خلال رؤيتنا للإتحاد بالله من خلال الحب ولعلنا هنا نقول : محال أن يصير محروماً من المسيح من وصل في محبته إلى درجة الإستعداد للحرمان من أجل الآخرين، دون أن يكون قد ارتكب ذنباً يستوجب ذلك ؟ عاقبة الحسد : الحسد يضر الحاسد ، أكثر مما يضر المحسود، وربما لا يضر المحسود بل يفيده . يضر الحاسد لأنه ينخر فى عظامه، ويؤذى كيانه ومشاعره وقد يتعب صحته تعباً كبيراً... ويضره لأنه يخسر محبة الآخرين، ولا يستطيع أن يكتشف محبتهم له ويضره لأنه خطية ضد المحبة، فيحرمه من الشركة مع الله كلى المحبة .و يضره لأنه يعمى بصيرته عن معرفة الحق، فيحرمه من معاينة ملكوت الله ، إذا استمر ثابتاً فى الحسد إلى النهاية مثل الشيطان. ومن جهة أخرى ، فإن المحسود ينال معونة من الله ضد الحاسد، مثلما صنع الرب الفداء لإنقاذ البشرية من حسد الشياطين ومثلما أنقذ يوسف من حسد إخوته، ورفعه وجعله سيداً لهم ومثلما بدد حسد الكتبة والفريسيين ورؤساء كهنة اليهود ، حينما قام السيد المسيح منتصراً من بين الأموات ومثلما ذكر أيوب وشفاه من بلاه، وعوضه أكثر مما كان وأنقذه من حسد الشيطان ومثلما كلل قديسين بأكاليل لا تذبل : أولئك الذين احتملوا الآلام، وإختبرت محبتهم فوجدت ثابتة، ولم يحبوا حياتهم حتى الموت، بل تمسكوا بمحبة الله إلى النهاية. ولهذا فقد غلبوا الشيطان بدم الخروف وبكلمة شهادتهم، ولم يقو حسد المشتكى أن يضرهم في شيء بل على العكس نالوا الأكاليل . المحبة لا تحسد ( ١كو ٤:١٣ ) : فلنحرص أن تكون محبتنا خالية من الحسد، ولتكن صلاتنا بلجاجة أمام الله ليحمى قلوبنا من هذا الحسد الدفين، الذي يتسلل إلى القلب خفية، ويفسد كثيراً من ثمار المحبة. ولنتذكر دائماً أن المحبة تطرد الحسد ، وأن الحسد يطرد المحبة . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الرابع عشر عام ١٩٨٩
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل