المقالات
27 مارس 2025
بدعة سيمون الساحر
بدعة السيمونيه:
نسبة إلى سيمون الساحر هذا الذى كان يستعمل السحر ودُهش به شعب السامره ثم لما آتى الرسولان بطرس ويوحنا إلى السامره ليمنحا الروح القدس للمعمدين قال لهم " اعطيانى أنا أيضاً هذا السلطان هتة أى من وضعت عليه يدى يقبل الروح القدس " (أع19: 8) فأنتهره بطرس قائلاً: لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتنى موهبة الله بدراهم . ليس لك نصيب ولا قرعه فى هذا الأمر لأن قلبك ليس مستقيماتً أمام الله "(أع 8: 21،20) وقد عرفت الكنيسه شناعة هذه الخطيه فأطلقت أسم السمونيه على كل من يتاجر فى الوظائف الكنسيه أو الحصول على درجات الكهنوت مقابل المال واتباع سيمون يدعون السيمونيون لأنهم عبدوا سيمون كالإله الأول وربط به امرأه تدعى هيلانه التى أدعى سيمون أن فكره الأول تجسد منها وكانت هيلانه امراه عاهره تتجول معه ظهرت البدع في المسيحية منذ عصر الرسل أنفسهم إذ يروي لنا سفر أعمال الرسل عن أول بدعة في المسيحية في إصحاحه الثامن عندما يؤرخ لنا القديس لوقا أن عندما اعتنق سيمون الساحر السامري المسيحية واعتمد أراد أن يشتري موهبة الروح القدس بالمال فزجره الرسول بطرس وطرده " فَانْحَدَرَ فِيلُبُّسُ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ وَكَانَ يَكْرِزُ لَهُمْ بِالْمَسِيحِ. وَكَانَ الْجُمُوعُ يُصْغُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى مَا يَقُولُهُ فِيلُبُّسُ عِنْدَ اسْتِمَاعِهِمْ وَنَظَرِهِمُ الآيَاتِ الَّتِي صَنَعَهَا. لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الَّذِينَ بِهِمْ أَرْوَاحٌ نَجِسَةٌ كَانَتْ تَخْرُجُ صَارِخَةً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَكَثِيرُونَ مِنَ الْمَفْلُوجِينَ وَالْعُرْجِ شُفُوا فَكَانَ فَرَحٌ عَظِيمٌ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ قَبْلاً فِي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ اسْمُهُ سِيمُونُ يَسْتَعْمِلُ السِّحْرَ وَيُدْهِشُ شَعْبَ السَّامِرَةِ قَائِلاً: «إِنَّهُ شَيْءٌ عَظِيمٌ!». وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتْبَعُونَهُ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ قَائِلِينَ: «هَذَا هُوَ قُوَّةُ اللهِ الْعَظِيمَةُ». وَكَانُوا يَتْبَعُونَهُ لِكَوْنِهِمْ قَدِ انْدَهَشُوا زَمَاناً طَوِيلاً بِسِحْرِهِ. وَلَكِنْ لَمَّا صَدَّقُوا فِيلُبُّسَ وَهُوَ يُبَشِّرُ بِالْأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ وَبِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدُوا رِجَالاً وَنِسَاءً. وَسِيمُونُ أَيْضاً نَفْسُهُ آمَنَ. وَلَمَّا اعْتَمَدَ كَانَ يُلاَزِمُ فِيلُبُّسَ وَإِذْ رَأَى آيَاتٍ وَقُوَّاتٍ عَظِيمَةً تُجْرَى انْدَهَشَ. وَلَمَّا سَمِعَ الرُّسُلُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ أَنَّ السَّامِرَةَ قَدْ قَبِلَتْ كَلِمَةَ اللهِ أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا اللَّذَيْنِ لَمَّا نَزَلاَ صَلَّيَا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ يَقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ - غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَمِدِينَ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. وَلَمَّا رَأَى سِيمُونُ أَنَّهُ بِوَضْعِ أَيْدِي الرُّسُلِ يُعْطَى الرُّوحُ الْقُدُسُ قَدَّمَ لَهُمَا دَرَاهِمَ. قَائِلاً: «أَعْطِيَانِي أَنَا أَيْضاً هَذَا السُّلْطَانَ حَتَّى أَيُّ مَنْ وَضَعْتُ عَلَيْهِ يَدَيَّ يَقْبَلُ الرُّوحَ الْقُدُسَ». فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاَكِ لأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَقْتَنِيَ مَوْهِبَةَ اللهِ بِدَرَاهِمَ. لَيْسَ لَكَ نَصِيبٌ وَلاَ قُرْعَةٌ فِي هَذَا الأَمْرِ لأَنَّ قَلْبَكَ لَيْسَ مُسْتَقِيماً أَمَامَ اللهِ. فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هَذَا وَاطْلُبْ إِلَى اللهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ لأَنِّي أَرَاكَ فِي مَرَارَةِ الْمُرِّ وَرِبَاطِ الظُّلْمِ». فَأَجَابَ سِيمُونُ: «اطْلُبَا أَنْتُمَا إِلَى الرَّبِّ مِنْ أَجْلِي لِكَيْ لاَ يَأْتِيَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمَا".(أع 5:8-24)
وجاء في بعض الكتب الأبوكريفية أن سيمون سافر إلى روما فعظم شأنه
يقول القديس يوستينوس الذي إلى السامرة أن أتباع سيمون كانوا كُثراً وانهم اعتبروه الإله الأعلى وأشركوا معه أنوية Ennoia الفكر الذي انبثق عنه فتجسد في امرأة اسمها هيلانة. وجاء في الدفاع ضد هذه الهرطقة للقديس ايريناوس أن سيمون قال بإله ذكر أعلى Sublimissima Virtus وبفكر Ennoia منبثق عن هذا الإله الأعلى انثى موازية له وأن أنوية هذه خلقت الملائكة الذين خلقوا العالم وأن هؤلاء الملائكة حبسوا أنوية في جسم امرأة وأوقعوا بها أنواعاً من الإهانات وأن أنوية هذه هي هيلانة امرأة مينيلاوس الزانية في صور. ومما قاله سيمون بموجب رواية القديس ايريناوس أن الإله الأعلى أظهر نفسه بصفة الابن بيسوع بين اليهود وبصفة الآب بين السامريين في شخص سيمون وفي بلاد أخرى بصفة الروح القدس ومما نقله أفسابيوس المؤرخ عن هيغيسبوس أن مينانذروس الكبَّاراتي وذوسيثفس وكليوبيوس جميعهم ادعوا الإلوهية في القرن الأول وعلّموا مثل ما علّم سيمون الساحر. ويرى البعض أن مينانذروس تتلمذ على يد سيمون وعلّم في السامرة وأنطاكية.
بدعة السيمونية
من اخطر البدع التى واجهت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
سِيمون
شراء موهبة الرب بدراهم
من أخطر البدع التى واجهت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وتغلغلت فيها وعصفت بها فى بعض الأزمنة أثناء الإضطهاد الإسلامى الشديد حيث كانوا يلزم الولاة بطاركة القبط بمبالغ ضخمة من المال فكانوا يضطرون إلى الجولان على بيوت الأقباط فى الوجه البحرى ثم القبلى لجمع هذه الأموال وقد يضطرون إلى بيع مراكز الأساقفة بدراهم وهذا لتسديد ما طلب منهم للوالى أو الخليفة وقد أنشأ هذه البدعه سيمون الساحر وقد أنضم إلى الكنيسة الأولى أملاً فى الحصول على القوة الإلهية عارضاً مالاً على الرسل ظاناً منه أن قوة الرسل الإعجازية إنما هى قوة سحرية يتعلمها ويمارسها مع الناس للحصول على المال كما كان يفعل قبل إيمانه، وقد أطلق أسم السيمونية فيما بعد على بيع مراكز الأسقفيات كما سبق واوضحنا من قبل ومن الآباء البطاركة الذين أشتهروا بالسيمونية - كيرلس الثالث [75] كان يدعى داود بن لقلق - حاول بكل السبل [بالرشاوى والوسائط والحيل أن يرسم بطريركا ] - وبسببه ظل الكرسي خاليا 20 سنة، ونجح أخيرا في الوصول لغايته إذ دفع 3 آلاف دينار للحكومة - رسم باسم كيرلس الثالث - أعاد السيمونية. - استولى على أموال الأديرة. - وأخيراً أجبره الأساقفة على عقد مجمع قدموا فيه طلباتهم لتحديد إختصاصاته .
من هو سيمون؟
سيمون هو ساحر أدهش شعب السامرة بسحره، فكانوا يقولون أن سحره شيء عظيم، وكان يرضى شهوة نفسه من العظمة وترديد الناس لإسمه كما كان يجنى أرباحاً طائلة من سحرة فقداعتقدأهل السامرة أن قوة إلهية عظيمة حلت فيه! وذهب فيلبس الرسول والشماس يكرز بالإنجيل في السامرة ورأى سيمون المعجزات التي تجري على يد فيلبس، فأيقن أنها تجري بقوة أعظم من سحره، فآمن واعتمد ولازم فيلبس مندهشاً من المعجزات التي يجريها . ويبدو أن إيمانه لم ينشأ عن إقتناعه بقوة إلهية حقيقية إنما كان عن خداع فقد ظن أن في المسيحية قوة سحرية أقوى من قوة سحره. وقد ردت قصة سيمون في الإصحاح الثامن من سفر الأعمال (9-24) وسمعان هو اسم عبراني معناه ((السامع)) وسمع بطرس ويوحنا عن عمل الله في السامرة، فنزلا إليها. وأجرى الرب بهما معجزات أخرى شبيهة بتلك التي حدثت يوم الخمسين (أعمال 2) فأندهش سيمون أكثر، وأسرع طالباً معرفة تلك القوة السحرية العظيمة مقدماً المال ثمناً لذلك، فوبخه بطرس بشدة وطلب منه أن يتوب وقد عرفت الكنيسة الأولى شناعة هذه الخطيئة فأطلقت اسم السيمونية على كل من يتاجر في الوظائف الكنسية وقد واجه الكارزون الأولون بالمسيحية مقاومة من السحرة، مثلما جرى مع عليم الساحر الذي قاوم بولس الرسول (أعمال 13: 6 و 7). ولكن قوة معجزات التلاميذ هزمت السحرة كما هومت قوة الرب التى حلت فى موسى سحرة فرعون .
هل السيمونية فئة من البدعة الغنوسية؟
وقد كان لسيمون أتباع أعجبوا بقوة سحرة أطلق عليهم اسم السيمونيون اعتبروا سيمون نبياً لهم . وهم شيعة صغيرة من شيع الغنوسيين يقول اوريجانوس عنهم أنهم ليسوا مسيحيين لأنهم يعتبرون سيمون مظهر قوة إلهية ويقول ايريناوس أن سيمون هذا هو أبو الغنوسيين،ولكن لم يتأكد ألعلاقة بين السيمونية والهرطقة الغنوسية فهى علاقة غير معروفه تماماً. وذلك لسبب بسيط هو أن السيمونية تعتمد على السحر فى الإنتشار أما الغنوسية فتعتمد على الفلسفة ولعل الصواب جانب الآباء المسيحيين الأولين الذين ربطوا بين سيمون الساحر (أعمال 8) مع فكرة الغنوسية.
إيمان سيمون الساحر
"وكان قبلاً في المدينة رجل اسمه سيمون، يستعمل السحر، ويُدهش شعب السامرة، قائلاً أنه شيء عظيم" كان استخدام السحر أمرًا شائعًا في العالم القديم. في البداية كان السحرة يدرسون الفلسفة وعلم التنجيم والأفلاك والطب الخ. لكن صار اسم "السحرة" يشير إلى الذين يستخدمون معرفة الفنون بغرض التعرف على المستقبل، بدعوى أن ذلك يتحقق خلال تحركات الكواكب، ويشفون المرضى بالتعاويذ السحرية (إش 2: 6؛ دا 1: 20؛ 2: 2). وقد حرّمت الشريعة ذلك (لا 19: 31؛ 20: 6) "وكان الجميع يتبعونه، من الصغير إلى الكبير، قائلين: هذا هو قوة اللَّه العظيمة".يرى بعض الدارسين أن سيمون هذا هو الذي أشار إليه المؤرخ يوسيفوس، الذي وُلد في قبرص، وكان ساحرًا. استخدمه فيلكس الوالي لكي يغوي دروسللا Drusilla أن تترك زوجها عزيزوس Azizus وتتزوجه. لكن رفض بعض الدارسين ذلك، لأن سيمون هنا غالبًا ما كان يهوديًا أو سامريًا، كرَّس حياته لدراسة فنون السحر درس الفلسفة في الإسكندرية، وعاش بعد ذلك في السامرة ادعي أنه المسيح، ورفض ناموس موسى، وكان عدوًا للمسيحية، وإن كان قد اقتبس بعض تعاليمها لكي يجتذب بها البعض "وكانوا يتبعونه لكونهم قد اندهشوا زمانًا طويلاً بسحره"إذ رأى عدو الخير كلمة الله يتجسد، وربما أدرك أن مملكته تنهار، بذل كل الجهد لإقامة العقبات في كل موضع، فحث سيمون على عمل السحر زمانًا طويلاً، وخدع الجميع من الصغير إلى الكبير كان سيمون الساحر (ماجوس) شخصية خطيرة، لها سمعتها في الأوساط التاريخية والعلمية، استخدم وسائل شيطانية كثيرة، وحسبه الجميع قوة الله العظيمة. وبحسب القديس إيريناوس كان يجول بامرأة تدعى هيلانة، تُدعي أنها من تجسد سابق من إله العقل، أو من فكر الإدراك الإلهي الذي خرجت منه كل القوة الملائكية والمادية. ويقدم القديس هيبوليتس تقريرًا شاملاً لمنهجه القائم على أساس غنوسي، دعاه "الكشف الأعظم" ويروي الشهيد يوستين كيف استطاع هذا الساحر أن يجتذب أشخاصًا يكرسون حياتهم لنظامه بواسطة قوة السحر، ليس فقط في السامرة، بل وفي إنطاكية أيضًا وروما. وقد عُمل له تمثال في روما نُقش عليه: "تذكار لسمعان الإله المقدس". وقد أثار الحكام في روما ضد المسيحيين. ويُقال أنه دخل في صراعٍ مريرٍ مع القديس بطرس انتهي بدحره. وبتقرير العلامة أوريجينوس بقت جماعة السيمونيين تخرب في الكنيسة حتى منتصف القرن الثالث.
"قوة الله العظيمة"، وتعني: "الله القوي" أو "يهوه الجبار". جاء في كتاب اليوبيل (أبوكريفا يهودي) أن الشعب في مصر كان يخرج وراء يوسف ويصيحون El- El wa abir El، ومعناه "الله والقوة الذي من الله". ويرى البعض أن الترجمة الدقيقة لعبارة "قوة الله العظيمة" هي "هذا هو قوة الله، الإله الذي يُدعى العظيم" تسبب سيمون في عزل بيلاطس بنطس، فقد أعلن أنه سيذهب إلى جبل جرزيم، ويستخرج من تحت أنقاض هيكل جرزيم الآنية التي كان يستخدمها موسى نفسه. فانطلقت وراءه الجماهير، مما اضطر بيلاطس أن يرسل حملة من الجنود فحدثت مذابح رهيبة اشتكى السامريون للحاكم الروماني في سوريا، فأبلغ روما التي استدعت بيلاطس بلا عودة يروي هيبوليتس أنه في استعراض له بروما طلب أن يدفنوه حيًا، مدعيًا أنه سيقوم في اليوم الثالث، فدُفن ولم يقم "ولكن لمّا صدقوا فيلبس، وهو يبشّر بالأمور المختصّة بملكوت اللَّه، وباسم يسوع المسيح، اعتمدوا رجالاً ونساء"يقول لوقا البشير: "ولكن لما صدقوا فيلبس" ، وكأنهم قارنوا بين الحق الذي شهد له فيلبس الرسول، والسحر والأعمال المبهرة التي مارسها سيمون، فأعطى الروح القدس قوة لكرازة فيلبس حطمت أباطيل إبليس وجنوده.
يقرن القديس فيلبس ملكوت السماوات بالعماد باسم يسوع المسيح.
في عرضٍ رائعٍ، يقدم لنا الشهيد كبريانوس خبرته بخصوص معموديته، قائلاً: [إنني مثلك، ظننت مرة إنني كنت حرًا، مع إنني كنت أسيرًا، مقيدًا في ظلمةٍ روحيةٍ. نعم كنت حرًا، أحيا كيفما أشاء. ولكنني كنت في فراغٍ إلي زمنٍ طويلٍ. كنت أبحث على الدوام عن شيءٍ أؤمن به. مع تظاهري بأنني واثق من نفسي، كنت كموجةٍ تلطمها الريح. كنت أيضًا أنجذب إلي كل أمور هذه الحياة معتزًا بالممتلكات والسلطة. بينما كنت أعرف في قلبي أن كل هذه الأمور ليست إلا كفقاعةٍ علي البحر، تظهر الآن ثم تتفجر لتزول إلي الأبد. مع تظاهري باليقين الخارجي، كنت أعرف أنني مجرد تائه في الحياة، ليس لي خطة أسلكها، ولا مسكن تستقر فيه نفسي يمكنك أن ترى إنني لم أعرف شيئًا عن الحياة الحقيقية، الحياة الجديدة المقدمة لنا من فوق. لأنني كنت أبحث عن الحق خلال خبراتي الذاتية، معتمدًا علي طرق منطقي الذاتي، لذا بقي الحق مراوغًا. وإذ اعتمدت علي فهمي الخاص، كان نور الحضرة الحقيقية لله مجرد إشراقة بعيدة سمعت أن رجالاً ونساءً يمكنهم أن يُولدوا من جديد، وأن الله نفسه أعلن طريق تحقيق هذا الميلاد الجديد بالنسبة لنا، وذلك لمحبته للخليقة التائهة مثلي.
في البداية ظننت أن هذا مستحيل. كيف يمكن لشخص مثلي عالمي وعنيف أن يتغير ويصير خليقة جديدة؟ كيف يمكن لمن هو مثلي أن يعبر من تحت المياه ويعلن أنه قد وُلد من جديد؟ هذا بالنسبة لي أمر غير معقول، أن أبقى كما أنا جسمانيًا، بينما يتغير صُلب كياني ذاته، وأصير كأنني إنسان جديد لم أرد أن أترك عدم إيماني، ومقاومتي لهذه الفكرة بأنني أولد من فوق. لقد اعترضت: "نحن من لحمٍ ودمٍ، مسالكنا طبيعية، غريزية، مغروسة بحق في أجسامنا. إننا بالطبيعة نقدم أنفسنا على الغير، ونسيطر ونتحكم ونصارع لكي نغلب الآخرين مهما كانت التكلفة. توجد بعد ذلك عادات اقتنيناها حتى وإن كانت تضرنا، صارت هذه العادات جزًء منا، كأنها أجسامنا وعظامنا. كيف يُمكن لشخصٍ أحب الشرب والولائم أن يصير ضابطًا لنفسه ومعتدلاً؟ كيف يمكنك أن تستيقظ صباحًا ما وبمسرةٍ ترتدي ثوبًا بسيطًا وقد اعتدت علي الملابس الفاخرة وما تجلبه من الأنظار والتعليقات؟ كيف يمكنك أن تحيا ككائنٍ متواضعٍ بينما قد نلت كرامة في أعين الجماعة؟
هكذا كان تفكيري الطبيعي، إذ كنت في عبودية لأخطاء لا حصر لها تسكن في جسدي. بالحقيقة يئست من إمكانية التغيير. فقد تكون تلك العادات ضارة لي، لكنها كانت جزءً مني. لذلك كان التغير مستحيلاً، فلماذا أصارع؟ فإنني كنت أشبع رغباتي بتدليلٍ ولكن في يومٍ أخذت خطوة وحيدة بسيطة وضرورية متجهًا نحو الله تواضعت أمامه وكطفل قلت "أؤمن" نزلت تحت المياه المباركة فغسلت مياه الروح الداخلية وسخ الماضي، وكأن بقعة قذرة قد أُزيلت من كتانٍ فاخرٍ، بل وحدث ما هو أكثر أشرق نور عليَّ كما من فوق اغتسلت في سلامٍ لطيفٍ. تطهرت في الحال. قلبي المظلم يتشبع بحضرته، وعرفت عرفت أن الحاجز الروحي القائم بيني وبين الله قد زال تصالح قلبي وقلبه أدركت الروح، نسمة الآب، قد حلّ فيّ من هو فوق هذا العالم. وفي تلك اللحظة صرت إنسانًا جديدًا منذ ذلك الحين وأنا أنمو في معرفة كيف أحيا بطريقٍ ينعش حياتي الجديدة المعطاة لي ويعينها. ما كنت أتشكك فيه صار لازمًا أن أتعامل معه بكونه الحق واليقين. ما كنت أخفيه يلزم أن يخرج إلي النور. بهذا ما كنت أسيء فهمه بخصوص الله والعالم الروحي بدأ يصير واضحًا.
وأما عن عاداتي الخاصة بإنساني القديم، فقد تعلمت حسنًا كيف تتغير... حيث تُعاد خلقة هذا الجسد الأرضي بواسطة الله. في كل يوم أنمو علي الدوام، صرت أكثر قوة، وحيوية في روح القداسة.
الآن أخبرك ببساطة الخطوة الأولي في طريق الروح: قف أمام الله كل يومٍ بوقارٍٍ مقدسٍ، كطفلٍ بريءٍ ثق فيه. هذا الاتجاه يحمي نفسك. يحفظك من أن تصير مثل الذين ظنوا أنهم متأكدون أنهم يخلصون، فصاروا مهملين. بهذا فإن عدونا القديم، الذي يتربص دومًا، أسرهم من جديد.
لتبدأ اليوم أن تسير في طريق البراءة، الذي هو طريق الحياة المستقيمة أمام الله والإنسان. لتسر بخطوة ثابتة. أقصد بهذا أنك تعتمد علي الله بكل قلبك وقوتك.
ألا تشعر به، الآب، إذ هو موجود حولك؟ إنه يود أن يفيض عليك... فقط اذهب إليه وأنت متعطش للحياة الجديدة... افتح الآن نفسك واختبر نعمته، التي هي الحرية والحب والقوة، تنسكب عليك من أعلى، تملأك وتفيض.
افتح نفسك أمامه الآن، هذا الذي هو أبوك وخالقك. كن مستعدًا أن تنال الحياة الجديدة وتمتلئ بها... هذه التي هي الله نفسه.]
"وسيمون أيضًا نفسه آمن، ولمّا اعتمد كان يلازم فيلبس، وإذ رأى آيات وقوات عظيمة تُجرى اندهش"استطاع سيمون في البداية أن يميز بين الحق والباطل، وما هو من الله وما هو من الشيطان، فآمن وصار مرافقًا لفيلبس الرسول. لقد أبهرته الآيات والقوات العظيمة، وللأسف اندهش فاشتهاها، وصمم أن يشتريها بالمال القديس أغسطينوس يقول: " عندما نسمع: "من آمن واعتمد خلص" (مر 16: 16)، فبالطبع لا نفهم ذلك على من يؤمن بأيّة طريقة، فالشيّاطين يؤمنون ويقشعرّون (يع 2: 19). كما لا نفهم ذلك على من يتقبّلون المعموديّة بأيّة طريقة كسيمون الساحر الذي بالرغم من نواله العماد إلا أنه لم يكن له أن يخلص. إذن عندما قال: "من آمن واعتمد خلص" لم يقصد جميع الذين يؤمنون ويعتمدون بل بعضًا فقط، هؤلاء الذين يشهد لهم أنهم راسخون في ذلك الإيمان الذي يوضّحه الرسول: "العامل بالمحبّة" (غل 5: 6) " القديس كيرلس الأورشليمي: " حتى سيمون الساحر جاء يومًا إلى الجرن (أع 13: 8) واعتمد دون أن يستنير، فمع أنه غطس بجسمه في الماء، لكن قلبه لم يستنر بالروح. لقد نزل بجسمه وصعد، أما نفسه فلم تُدفن مع المسيح ولا قامت معه (رو 4: 6، كو 12: 2) ها أنا أقدم لكم مثالاً لساقطٍ حتى لا تسقطوا أنتم. فإن ما حدث كان عبرة لأجل تعليم المتقرّبين لهذا اليوم (يوم العماد) إذن ليته لا يكون بينكم من يجرب نعمة اللَّه، لئلا ينبع فيه أصل مرارة ويصنع انزعاجًا (عب 15: 12)! ليته لا يدخل أحدكم وهو يقول: لأنظر ماذا يعمل المؤمنون! لأدخل وأرى حتى أعرف ماذا يحدث؟! (أي يدخل لمجرد حب الاستطلاع) أتظن أنك ترى الآخرين وأنت (في نيتك أن) لا ترى؟! أما تعلم إنك وأنت تفحص ما يحدث معهم، يفحص اللَّه قلبك؟! "
بدء فكرة السيمونية Simony
"ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة اللَّه، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا". القديس يوحنا الذي سبق فطلب مع أخيه يعقوب من رب المجد يسوع أن يرسل نارًا ليحرق قرية سامرية (لو 9: 25 الخ)، هو نفسه الآن ينطلق مع القديس بطرس، منتدبين من الكنيسة في أورشليم، لمساندة القديس فيلبس في خدمته في السامرة. ذهبا الآن لكي تنزل نار الروح القدس الذي يجدد القلوب ويسكب المحبة الإلهية فيها، ويشَّكل النفوس لتصير العروس المقدسة للسيد المسيح إذ قبل السامريون الكلمة بأعداد كبيرة صار العمل يحتاج إلى أيدٍ أخرى للعمل بجانب القديس فيلبس. إنها أول حركة كنسية جريئة من أورشليم، أن تبعث رسولين إلى خارج اليهودية لخدمة السامريين، لينضم سامريون إلى العضوية الكنسية إرسال بطرس ويوحنا إلى السامرة من قبل الكنيسة في أورشليم يؤكد العمل الكنسي الجماعي، ودور الكنيسة في أورشليم القيادي، وأنه لم يكن بين الرسل رئيس، بل كان الكل متساوين في السلطان الرسولي. لا يحمل القديس بطرس رئاسة ليرسل رسلاً، بل في تواضعٍ وحبٍ وشركةٍ أطاع صوت جماعة الرسل الذين أرسلوه مع القديس يوحنا للعمل بحكمة. اختار الرسل القديس بطرس المعروف بغيرته واندفاعه ومعه القديس يوحنا المعروف بهدوئه ورقته؛ وقد حدث انسجام بينهما مع اختلاف سماتهما، إذ شعر كل منهما محتاجًا للآخر. فاختلاف السمات أو المواهب علامة صحية للكنيسة مادام الحب مع التواضع يعملان في حياة الجماعة.
"اللذين لمّا نزلا صلَّيا لأجلهم، لكي يقبلوا الروح القدس".
"لأنه لم يكن قد حلّ بعد على أحدٍ منهم،غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع".
"حينئذ وضعا الأيادي عليهم،فقبلوا الروح القدس".
كان المؤمنون قد نالوا سرّ العماد، الآن وضع الرسولان بطرس ويوحنا الأيادي ليحل الروح القدس عليهم. وقد تسلم الأساقفة هذا التقليد أو التسليم: "وضع الأيادي"، وقد دُعي سرّ المسحة" أو "سرّ الميرون" حيث يسكن الروح القدس في أعماق النفس، ويقدس حياة المؤمن، ويقوده لكي يحمل أيقونة المسيح، وسأتحدث عنه في ملحقٍ خاص به في نهاية الحديث عن هذا الإصحاح لقد سبق فأوصى تلاميذه ألا يدخلوا مدينة للسامريين (مت 10: 5)، الآن بعد صعوده وإرسال روحه القدوس فتح أبوابها لهم ليكرزوا ويعمدوا قام القديس فيلبس بتعميدهم باسم الرب يسوع، فلماذا لم يضع يده عليهم ليحل عليهم الروح القدس؟ يرى البعض أن موضوع قبول الأمم للإيمان ونوالهم سرّ العماد وحلول الروح القدس كان أمرًا غاية في الخطورة، لم يكن ممكنًا لليهود المتنصرين في البداية أن يقبلوه. فلو تم ذلك خلال فيلبس وحده لأخذ اليهود المتنصرين منه موقفًا متشددًا، وربما حسبوا عمله باطلاً. لهذا قام بالكرازة والعماد، وجاءت كنيسة الختان ممثلة في شخصي بطرس ويوحنا تثبت صحة العمل بوضع الأيادي ليقبلوا الروح القدس. فما فعله الرسولان لا يقلل من شأن القديس فيلبس، ولا يضعه في موقف العجز عن وضع اليد لقبول الروح القدس، إنما كان بخطة إلهية لتأكيد وحدة العمل جميعًا في فتح باب الإيمان للأمم كان قبول الروح القدس في بداية الكرازة يختلف من حالة إلي أخرى حسب ما يراه الروح من أجل ظروف الكنيسة القديس كيرلس الأورشليميي قال: " أيام موسى كان الروح يُعطي بوضع الأيدي (عد 11: 29)، وبوضع الأيدي يعطي بطرس الروح. "
"ولما رأى سيمون أنه بوضع أيدي الرسل يُعطى الروح القدس، قدّم لهما دراهم" ظن سيمون أنه قادر أن ينال سلطان الرسل في صنع الآيات والعجائب بدفع دراهم للرسل، ولم يدرك أن الرسل أنفسهم تمتعوا بها كنعمةٍ مجانيةٍ، مُقدمة لهم من الله نفسه؛ وأن هؤلاء الرسل قد باعوا كل ما لهم ليتبعوا المصلوب. فما أراد أن يقدمه لهم سيمون ليس له موضع في قلوبهم ولا في فكرهم مع أن سيمون قد قبل الإيمان المسيحي، لكن قلبه كان لا يزال أسيرًا لعمل أمور فائقة خلال السحر، ولعله ظن في السلطان الرسولي أنه نوع من السحر، ولكن بطبيعة أخرى غير التي مارسه قبل الإيمان إنه مثل بلعام، قدم مالاً ليقتنى الموهبة، فكانت غايته نوال مكاسب مادية وراء هذا العمل أخيرًا فإن تصرف سيمون يكشف عما في قلبه من كبرياء واعتداد بالذات القديس أغسطينوس قال: " أحب سيمون الساحر سلطان المسيحيين أكثر من البرّ. "
"قائلاً: أعطياني أنا أيضًا هذا السلطان، حتى أي من وضعت عليه يدي يقبل الروح القدس" يرى القديس ايريناؤس أن سيمون الساحر ظن أن ما يمارسه الرسل من عجائب هو عن معرفة أعظم للسحر وليس بقوة الله، لذلك أراد اقتناء هذه الموهبة بدراهمٍ، لكشف السرّ له. لقد أظهر رغبته في التعرف على أسرار أعظم للسحر عوض إيمانه بالله وتوبته العلامة ترتليان يقول: " لا يقدر أن يرجو ملكوت السماوات من يفسد السماء بإصبعه وعصاته السحرية (أي باستخدامه النجوم في السحر)." القديس إيريناؤس يقول: " إذ تقبلت الكنيسة العطايا مجانًا من الله تخدم الآخرين مجانًا. "القديس كيرلس الأورشليمي يقول: " لم يقل: "أعطياني أنا أيضًا شركة الروح القدس" بل قال: "هذا السلطان"... لقد قدم مالاً لمن ليس لهم مقتنيات، مع أنه رأى الناس يقدمون ثمن الأشياء المُباعة ويضعونها عند أرجل الرسل. "القديس أغسطينوس يقول: " عندما رأى سيمون ذلك ظن أن هذه القوّة هي من البشر، فأراد أن تكون له هو أيضًا. ما ظنّه أنه من البشر، أراد أن يشتريه من بشر. "
"فقال له بطرس: لتكن فضتك معك للَّهلاك، لأنك ظننت أن تقتني موهبة اللَّه بدراهم" كشف له القديس بطرس عن جريمته، وهي اعتقاده أنه قادر أن يقتني المواهب الإلهية التي لا تُقدر بثمن بدفع دراهمٍ يؤمن القديس بطرس أن محبة المال مدمرة للنفس، فإن كان قلب سيمون مرتبطًا بهذه الرذيلة إنما يهلك مع ما لديه من فضة، التي حتمًا تزول وتتبدد، بل والأرض كلها تزول. لقد ربط نفسه بما هو زائل فينحدر مع ما ارتبط به ظن سيمون أنه قادر أن يشتري من الله إحساناته الإلهية وعطاياه السماوية بالمال؛ وهو بهذا يهين الله الكلي الحنو.
"ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الأمر، لأن قلبك ليس مستقيمًا أمام اللَّه" "نصيب": تستخدم في توزيع الميراث حيث ينال كل شخص نصيبه منه. فإذ كان قلب سيمون غير مستقيمٍ لم يعد يُحسب ابنا لله القدوس، وبالتالي ليس من حقه أي نصيب في الميراث. وكأن ما يشغل ذهن المسيحي ليس نواله النصيب من الميراث، مهما بلغت قيمته، وإنما التمتع بالبنوة لله، والثبات فيها، عندئذ ما يناله من مواهب في هذا العالم، أو من ميراث في الحياة الأبدية، هو ثمر طبيعي للبنوة الفائقة "قرعة": كانت تستخدم حين تتحقق نصرة جيشٍ ما، فيجمع الغنائم وتُستخدم القرعة في توزيعهما. ليس من حق سيمون أن يتمتع بالقرعة، لأنه عزل نفسه عن جيش الله، ولم يعد بالجندي الصالح الذي يهدم حصون إبليس ويسحقه بالنعمة تحت قدميه، فأي قرعة تعمل لحسابه؟
أخيرًا، فإن علاج الموقف ليس مجرد التراجع عن طلب الموهبة بدراهمٍ، بل التحول من الاعوجاج أو عدم استقامة قلبه إلى الاستقامة والقداسة والإخلاص في محبته لله لقد آمن سيمون واعتمد، لكنه أصر على الاعوجاج وعدم التمتع بالحياة الجديدة التي في المسيح يسوع. فالله يراه حسبما يكون قلبه عليه، لأنه فاحص القلوب والكلي تُنسب السيمونية لسيمون الساحر الذي ظن أنه قادر أن يقتني مواهب الروح القدس بدراهمٍ، إما لمكسبٍ مادي أو لنوال كرامةٍ زمنيةٍ. تناقض السيمونية عمل الروح، لأن مواهب الروح تقدم لمن باعوا العالم وصلبوا الذات مع الشهوات من أجل المجد السماوي. فمن كان نصيبه السماء لا ينتظر مكاسب مادية أو مجدًا زمنيًا جاء في إبيفان Epiphan [قال سيمون عن نفسه أنه الابن، وأنه لم يتألم حقيقة، بل بدا لهم هكذا.] [وأنه جاء بنفسه بين اليهود بكونه الابن، وبين السامريين الآب، ولبقية الأمم بكونه الروح القدس.]في دفاعه الموجه إلى أنطونيوس بيوس كتب الشهيد يوستينوس [كان يوجد سيمون السامري من قرية تدعى Gitton في أيام حكم كلاديوس قيصر في روما مدينتكم الملكية، هذا صنع أعمالاً وسحرًا، وذلك بواسطة الشياطين العاملة فيه. لقد حسبوه إلهًا وكُرم بينكم بعمل تمثال له، حيث أقيم في نهر التيبر بين جسرين، وحمل هذا النقش "Simoni Deo Sanceto" الذي هو "سيمون، اللَّه القدوس."] وذكر القديس إيريناؤس والعلامة ترتليان ذات القصة القديس كيرلس الأورشليمي قال: " سيمون الساحر هو مصدر كل هرطقة، هذا الذي جاء عنه في سفر أعمال الرسل أنه فكَّر أن يشتري بمالٍ نعمة الروح القدس، فسمع القول: "ليس لك نصيب في هذا الأمر" الخ.، وعنه أيضًا كُتب: "منا خرجوا، لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا" (1 يو 19: 2) هذا الإنسان بعدما طرده الرسل جاء إلى روما، حيث استمال إليه زانية تدعى هيلين Helene. وقد تجاسر بفمه المملوء تجديفًا أن يُدعي أنه هو الذي ظهر على جبل سيناء كالآب، وظهر كيسوع المسيح بين اليهود، ليس في جسدٍ حقيقيٍ بل كان يبدو هكذا، وبعد ذلك كالروح القدس الذي وعد المسيح أن يرسله كمعزٍ لقد خدع مدينة روما حتى أقام له كلوديوس تمثالاً نقش عليه من أسفل بلغة الرومان: Simoni Deo Sancto، وهى تعني "إلى سيمون اللَّه القدوس" القديس ايريناؤس قال: " اشترى سيمون من صور، وهي مدينة فينيقية، زانية معينة تدعى هيلين، اعتاد أن يأخذها معه، معلنًا أن هذه السيدة هي أول إدراكات ذهنية، وأنها أم الجميع، بواسطتها أدرك منذ البداية خلقة الملائكة ورؤساء الملائكة. " كشف له الرسول عن سمات شخصيته الخفية وهي "عدم استقامة قلبه"؛ فجريمته تكمن في أعماقه، ولا تقف عند ما نطق به أو سلك به. فهو في حاجة إلى تجديدٍ داخليٍ للقلب. إنه يحمل فكرًا عالميًا ماديًا، أو طبيعيًا، لا يقبل ما لروح لله، فكيف ينال مواهب الروح؟
"فتبْ من شرِك هذا، وأطلب إلى اللَّه، عسى أن يغفر لك فكر قلبك".
قدم له الرسول العلاج وهو "التوبة"، فقد آمن واعتمد، لكن لم يرجع إلى الله بالتوبة... متى قدم توبة يمكنه أن يرفع عينيه إلى الله، فيراه غافر الخطايا، مهما كان جرمها. فالصلوات والطلبات والتضرعات لن تُقبل بدون التوبة.
"فكر قلبك": إنك محتاج ليس فقط إلى التوبة عن تصرفك بطلب مواهب الله المجانية بدراهم، وإنما أيضًا عن فكر قلبك الذي تخفيه في داخلك، لكنه ظاهر أمام الله طالبه أن يحول نظره عن المال الذي بين يديه، أو الذي يتوقع نواله، كما يحوله عن حب السلطة والكرامة، ليتطلع إلى أعماقه ويكتشف ما بلغه قلبه من فسادٍ ونجاسةٍ ويصرخ إلى الله مخلصه ليغفر له خطاياه مع قوله: "لتكن فضتك معك للهلاك"، بمعنى دعْ سيدك في جيبك لدمارك، يفتح له باب التوبة: "تب من شرك هذا".
"لأني أراك في مرارة المرْ، ورباط الظلم".
"مرارة": تشير الكلمة هنا إلى السائل الأخضر باصفرار الذي يوجد خفية في الكبد، فإن الخطية تفيض في داخل النفس سائلاً مرًا، يُفقد القلب سلامه، والنفس فرحها، ليعيش الإنسان مرْ النفس، أحيانًا بلا سبب خارجي نال سيمون شهرة عظيمة، حسده الكثيرون عليها، وظنه الكثيرون من أسعد الناس وأقواهم، أما القديس بطرس فرأى مرارته الداخلية، وقيود نفسه التي تكبله وتحبسه داخل الظلمة "لأني أراك في مرارة المر ورباط الظلم" أدرك القديس بطرس كيف دخل الشيطان بسيمون إلى الكنيسة ليفسدها، فقد كان لعمله هذا أثره على الشرق والغرب إلى قرابة ثلاثة قرون. بل ولازال عدو الخير يبذل كل الجهد لإفساد كنيسة الله بالسيمونية. إنه لا يزال يثمر سيمون علقمًا وأفسنتينًا (تث 29: 18) يفضل البعض ترجمتها: "مرًا وأفسنتينا".
"رباط الظلم" الأصل اليوناني معناه "قيود الشر". كان الرسول بولس يطالبه بالتوبة والرجوع إلى الله، وهو يراه مقيدًا بقيود الشر القديس يوحنا الذهبي الفم قال: " لماذا لم يضرباه بالموت كما حدث مع حنانيا وسفيرة؟ فإنه حتى في الأوقات القديمة الذي جمع الحطب في يوم السبت قُتل (رجمًا) ليكون عبرة للآخرين (عد ١٥: ٣٢)، ولم يحدث هذا بعد في الأمثلة التي بعد ذلك، هكذا في المناسبة الحاضرة لقديس يوحنا الذهبي الفم قال: " هذه كلمات تحمل سخطًا شديدًا. لكنه لم يعاقبه، حتى لا يكون الإيمان بالإكراه، ولكي لا يبدو الأمر فيه قسوة، لكي يفتح باب التوبة، فإنه يكفي لإصلاح أمره أن يقنعه ويخبره بما في قلبه حتى يجتذبه إلى الاعتراف بخطئه. فإن قوله: "أطلبا أنتما إلى الرب من أجلي" هو اعتراف أنه ارتكب خطأً تًمثل الخطية هنا بالمرارة، السم القاتل، الحرمان من الفرح، هذه كلها من عمل الخطية بكونها مدمرة لكل ما هو صالح، كما تُمثل أيضًا بقيود العبودية والحرمان من حرية الحركة والعمل، والتمتع بالبرّ الإلهي (مز 116: 16؛ أم 5: 22؛ رو 7: 23- 24) "فأجاب سيمون وقال: أطلبا أنتما إلى الرب من أجلي، لكي لا يأتي عليّ شيء مما ذكرتما" اظهر سيمون انزعاجًا شديدًا بسبب اللعنة التي حلت عليه، لكن يبدو أنه لم يكن جادًا في توبته. لقد طلب الرسول بطرس منه أن يتوب وأن يصلي، لكي ما يكشف الله عن خطاياه كما يكشف له عن نعمة الخلاص، حيث ينال مغفرة خطاياه ويتمتع بالبركات الأبدية، أما سيمون فيبدو أنه لم يكن يشغله خلاص نفسه، بل يشغله ما تحل به من إهانات وفقدان للكرامة، أي عقوبة الخطية. لهذا لم يطلب من الرسولين أن يسنداه بصلواتهما لأجل توبته، بل لكي لا تحل به العقوبة. حسن أن نطلب صلوات الآخرين عنا، على أن تكون سندًا لنا في صلواتنا؛ نطلبها في شعورٍ حقيقي بالحاجة إلى التوبة، لا بالخوف من العقوبة الإلهية أمام الناس لقد تمثل سيمون بفرعون في طلبه من موسى الصلاة عنه (خر 8: 28، 32)، وأيضا يربعام (1 مل 13: 6). هكذا يطلب أحيانًا الأشرار الصلاة من أجلهم، مع تشبثهم وإصرارهم على ممارسة الشر.
المزيد
20 مارس 2025
بدعة ستورنينوس
من الذين ظهروا في عصر الرسل أيضاً هو ستورنينوس الذي علّم في أنطاكية في عهد تريانوس الامبراطور (98-117) فصادف نجاحاً ملموساً. وقال بإله واحد أب خلق القوى والملائكة ورؤساهم. وأن سبعة من هؤلاء الملائكة كوّنوا العالم المنظور ثم قُدّر لهم أن يرمقوا الإله الأعلى بالرؤيا فخلقوا الإنسان على صورة هذا الإله ولكنهم جعلوه يزحف. فشمله الإله الأعلى بعطفه وحنانه لأنه كان على مثاله فأمر أن ينصب فيمشي على قدميه -الإنسان-. ومما يعزى إليه أيضاً أنه جعل إله اليهود أحد هؤلاء الملائكة وجعل الباقين مصدر وحي الأنبياء وأشرك الشيطان في هذا الوحي في بعض الأحيان. وجعل الملائكة السبعة في نزاع متواصل مع الإله الأعلى كما جعل هذه الإله يفصل عن نفسه مخلصاً ليقضي على هؤلاء الملائكة ويخلص الإنسان وأولئك البشر الذين أسعدهم الحظ بأن ينالوا من الإله الأعلى نعمة تمكنهم من الخلاص. والمخلّص في عُرْف ستورنينوس لم يولد ولادة بشرية ولم يكن له جسم بشري وعلّم أيضاً أن الزواج والتوالد من إعمال الشيطان وفرض عفة وزهداً شديداً ولم يدّعِ الألوهية ولهذا لاقى رواجاً في أنطاكية حيث علّم.
المزيد
13 مارس 2025
بدعة تاتيانوس السوري
ولد تاتيانوس في الجزيرة السفلى في حديابين من أبوين وثنيين فتربى في الوثنية. ثم طلب الحكمة فرحل وتجول وأقام في بلاد اليونان مدة من الزمن وانتهى في روما. وعاشر اليونانيين والرومانيين ومارس طقوسهم فلم يجد في أديانهم إلا ضلالاً وفساداً. فهو يقول: "لقد رأيت هذه الأشياء واشتركت في ممارسة الأسرار وتفحصت جميع الطقوس التي أنشأها المخنثون والخناثي فوجدت جوبيتر الروماني يستلذ الدم البشري والذبائح البشرية وكذلك أرتميس فإنها أجازت مثل هذا. ووجدت شياطين آخرين يقذفون انفجارات من الشر. وعندئذ عدت إلى نفسي أبحث عن السبل التي تقودوني إلى الحقيقة فوقعت يدي على مصنفات برابرة أقدم من آراء اليونانيين وأقرب من ضلالتهم إلى الحق الإلهي. فراقت لي سذاجتها وتجلى لي صدقها وحسن عندي تعليمها بوحدانية الله. وثبت لدي أن الطقوس الوثنية تقود إلى الدينونة والعقاب وأن هذه الأسفار تخرج من العبودية وتخلّص من ربقة الطغاة وجمهور المعلمين" ويرى العلماء الباحثون أن تاتيانوس اعتنق المسيحية في رومة ولزم يوستينوس الفليسوف وأخذ عنه وانتصر للمسيحية ودافع عنها. ولكنه خالف أستاذه في موقفه من الفلسفة اليونانية. فيوستينوس وجد شيئاً من الحقيقة في ما صنّفه رجال الفكر اليوناني واحترم فلسفتهم. أما تاتيانوس فإنه انثني على اليونانيين بالملام الشديد فانهال على فلسفتهم وعلومهم وفنونهم ولغتهم وعذلها عذلاً وأنشأ تاتيانوس بعد استشهاد معلمه مدرسة في روما علّم في الدين وشرح الأسفار. والتف حوله عدد من الطلبة بينهم ردودن Rhodon وصنف تاتيانوس لمناسبة الأستذة خطاباً في أربعة أجزاء خص الأول منها بالكوسمولوغية فأبان موقف المسيحيين من الإله الخالق وعلاقة الكلمة بالآب وكيفية خلق العالم والإنسان والملائكة. وبحث في الجزء الثاني من هذا الخطاب في الشياطين والشيطنة وشدد في الثالث النكير على الحضارة اليونانية فأظهر مُحالية الفلسفة اليونانية وسمو التجسد المسيحي ورذائل المسرح اليوناني والتناقض بين الفلسفة اليونانية والشرع اليوناني وتفوق المسيحية. وأبان في الجزء الرابع من هذا الخطاب عهد الآداب المسيحية وساقه الغرور إلى الإنحراف عن الإيمان القويم وأخذ عن الغنوسيين وغيرهم من هراطقة القرن الثاني فانكفأ إلى وطنه حوالي السنة 172 وأقام مدة في أنطاكية فقيليقية فالرها. وجمع في الرها الأناجيل الأربعة في كتاب واحد أسماه "من خلال الأربعة Diatessaron" و"الإنجيل الرباعي" وكتبه باليونانية أولاً ثم بالسريانية فتليَ في كنائس الرها وأقليم الفرات زماناً مديداً -حتى القرن الخامس- حتى أبطَله رابولا أسقف الرها بالأناجيل المنفصلة. وقد عثر المنقبون في دوره في سنة 1934 على جزء من الدياتيسرون باليونانية يعود فيما يظهر إلى ما قبل السنة 254 ونُقل إلى الأرمنية في القرن السادس وإلى العربية في القرن الحادي عشر وذلك على يد الراهب أبي الفرج ابن الطيب. ودعي ب "الرباعي" ويرجح العلماء المدققون أن تاتيانوس هو مؤسس مذهب الأنكراتيت. وهؤلاء قوم "من غلاة الأغفة نسجوا على بعض منوال المرقيونية واستهواهم الإفراط في الزهد فحرموا أكل اللحم وكل ذي نفس والخمر والزواج" واستعاضوا عن الخمر بالماء في سر الأفخارستية فسموا "الا كواريون" أيضاً. ولا نعلم شيئاً عن وفاته يشكل وجود هذا الكتاب -الإنجيل الرباعي- دليلاً قاطعاً على أن كنيسة القرن الثاني كانت قابلة للأناجيل الأربعة.
المزيد
27 فبراير 2025
بدعة سابيليوس
هو صاحبة البدعة السابيلية المعروفة بأسمه، والسابيلية تعلم بأن الآب والابن والروح القدس هم شخص واحد وليس ثلاثة أقانيم. فنقول "أن الآب أعطى الناموس فى العهد القديم، ثم ظهر هو نفسه بأسم الابن فى التجسد، وبعد أن أختفى المسيح بالصعود ظهر هو نفسه باسم الروح القدس. أى أن الثالوث هو ثلاث ظهورات متوالية فى التاريخ لشخص واحد، وليس ثلاثة أقانيم لهم جوهر واحدوقد وُلد سابيليوس في نهاية القرن الثاني ومات عام 261 م تلميذ نوئيتوس الهرطوقي أحد أساقفة بطلومايس بالخمس مدن الغربية. كان قد تربى في مدينة رومية، وتتلمذ لنوئيتوس الهرطوقي وأصبح كاهنا وهو ليبي الجنسية تعلّم في روما واستقر بها.. وأخذ عنه تعاليمه التي تنحصر في أن الإله أقنوم واحد أعطى الناموس لبني إسرائيل بصفته الآب، وصار إنسانًا في العهد الجديد بصفته الابن، وحلّ على الرسل في علّية صهيون بصفته الروح القدس وأصبح سابيليوس كاهنا وهو ليبي الجنسية تعلّم في روما ومن ثم أتى مصر وأضل كثيرين ببدعة مؤداها أن الله نفسه هو الذي كفر عن خطايا البشر وأنكر الأقانيم الثلاثة هذه البدعة التي جددها فيما بعد رجل يدعى أوسابيوس مجدد بدعة سابيليوس قال فيها أن الأقانيم وجوه ثلاثة وليست طبيعة في جوهر الله فسمى الله قبل التجسد (آب) وفى تجسده يسمى (ابن) وفى عطاياه يسمى (الروح القدس) وعقد ديونيسيوس الاسكندرى مجمعا في الإسكندرية سنه 261م حرم فيه سابيلوس ولكن أتباعه لجأوا إلى أسقف رومية وكان يدعى ديونيسيوس أيضا واتهموا بطريركهم الاسكندرى بالهرطقة. وفى تسرع حرم الأسقف الروماني البطريرك الاسكندرى وأرسل له رسالة إلى الأسقف ديونيسيوس الروماني أفهمه فيها بالأمر فشعر أسقف رومية بخطأه وانتهى النزاع الذي يسمونه تاريخيا (نزاع الدينيسيون).
وتتلخص تعاليم هذه البدعة فيما يلي:
الله الأزلي الذي خلق العالم وكل ما فيه خرج عن صمته وعن راحته بخلق هذا العالم، وعندما خلقه أصبح الله الآب
عند التجسد، فالله نفسه، نفس الشخص والجوهر هو الذي تجسّد في الإنسان يسوع الناصري أي أن الإله الذي تجسّد في يسوع الناصري ليس الابن أو اللوغوس بل هو الله نفسه، أي أن الآب أصبح ابناً وهو الذي صُلب وتألم ومات.
بعد الصعود، فالروح الذي حلّ على التلاميذ يوم الخمسين هو نفس الشخص الذي كان يعمل في العهد القديم، وهو نفسه الذي صار ابناً أي أن الآب والابن والروح القدس هم طرق أعلن بها الأقنوم الواحد عن ذاته. فكان الآب قبل التجسد، وأظهر نفسه -الآب-كابن منذ التجسد إلى الصعود، فالروح القدس فيما بعد الصعود وقال القديس أبيفانيوس عن أصحاب هرطقة سابيليوس: كل خطأهم وقوته هو أنهم يأخذون (يستخرجون) عقائدهم من بعض الأبوكريفا، خاصة المسمّى "إنجيل المصريين"، كما يسميه البعض، لأنه مكتوب فيه مثل هذه الأشياء الناقصة كأنها جاءت سراً من المخلص، كالتي كشفها للتلاميذ أن الأب والابن والروح القدس واحد ونفس الشخص والأقنوم.
أولاً: محتوى تعاليم نوئيتوس
بدأت هذه الهرطقة بتعاليم من نوئيتوسNoetus حيث أعتقد تابعوه "مؤلّمي الآب"(*) وكانت هرطقتة بسيطة حيث ظن فى أن الإله أقنوم واحد أعطى الناموس لبنى أسرائيل بصفته الآب وصار أنساناً فى العهد الجديد بصفته الأبن وحل على الرسل فى علية صهيون بصفته الروح القدس ولهذا أعتبر أن ما حّل بالابن من آلام قد حّل على الآب، لهذا دعيت هذه الفئة بأسم " مؤلمى ألآب "
ثانياً: محتوى تعاليم سابليوس:
وقد قام سابيليوس شرح ما تُعلِّمه الكتب المقدسة عن الآب والابن والروح القدس بنوع يختلف عن نوئيتوس، فاعتقد أن جزءً من الطبيعة الإلهية أُفرز من الله الآب وكوّن الابن بالاتحاد مع الإنسان يسوع المسيح، وأن جزءً آخر انفصل عنه فكوّن الروح القدس، وفى هذا هرطقة لسبب بسيط أنه جزء الإله، وأعتقد سابليوس أن عقيدة الثالوث فى المسيحية في الله الواحد عقيدة صعبة وغير مقبولة ومرفوضة من اليهود والوثنيين رفضاً تاماً لذا فكر سابليوس فى تبسيط وشرح هذه العقيدة فى بدعة مكونة من مراحل ثلاث كما يلى: -
المرحلة الأولى الله الأزلي الذي خلق العالم وكل ما فيه خرج عن صمته وعن راحته بخلق هذا العالم، وعندما خلقه أصبح الله الآب الخالق جوهراً واحداً وشخصاً واحداً، ووحدة واحدة وهو نفس الشخص من الخلق إلى التجسد.
المرحلة الثانية: عند التجسد، فالله نفسه، نفس الشخص والجوهر هو الذي تجسّد في الإنسان يسوع الناصري أي أن الإله الذي تجسّد في يسوع الناصري ليس الابن أو اللوغوس بل هو الله نفسه، أي أن الآب أصبح ابناً وهو الذي صُلب وتألم ومات.
المرحلة الثالثة: بعد الصعود، فالروح الذي حلّ على التلاميذ يوم الخمسين هو نفس الشخص الذي كان يعمل في العهد القديم، وهو نفسه الذي صار ابناً أي أن الله أخذ شكل الآب في بداية الخلق، وفي التجسّد انتحل شكل الابن وبعد ذلك انتحل شكل الروح القدس مما سبق يمكن تلخيص نعتقده أنه يؤمن بوجود إلاه قام بأدوار ثلاثة في ثلاث حقبات مختلفة من الزمن. لاقى تفسير سابليوس رواجاً عظيماً حتى أطلق كثيرون عليه الانتحالية السابلينية، وقد اقتنع بفكره الكثير من معلمي الكنيسة لسهولتها وعدم تعقيدها.
لماذا ترك سابيليوس روما وذهب إلى مصر؟
نشر بدعة سابيليوس في روما ومصر أول من اعتنق بدعة نوئيتوس وسابيليوس زفيرينوس أسقف رومية وكاليستوس خليفته، وساعدا المبتدعين على نشر بدعتهما حتى انتشرت تلك الهرطقة وعمَّت أنحاء الغرب. غير أن كاليستوس سام أساقفة وقسوسًا وشمامسة من الذين تزوّجوا ثانية وثالثة، ثم أباح العماد لمغفرة الخطايا وادّعى بأن الأسقف لا يُقطَع من الكهنوت مهما ارتكب من الآثام. ولما لم يوافقه سابيليوس على ذلك حرمه، فجاء إلى مصر سنة 257م،
موقف الكنيسة من سابليوس:
قام البابا كاليستوس بإصدار حرماناً ضد سابليوس وأتباعه عام 220م، ويقول بعض المؤرخين أن سابليوس قد ظل في روما بعد حرمانه ولكن البعض الآخر يرى أنه حضر إلى مصر ونشر تعاليمه بها. وبرغم دفاع الكنيسة ضد هذا المذهب إلا أنه انتشر بسرعة كبيرة في أماكن كثيرة جداً من المسكونة وأخذ ينشر فيها بدعة مؤلّمي الآب فجذب إليه كثيرين، ولما اعرف بالبابا ديونيسيوس أمره قاومه بشدة، وانتهى الأمر أخيرًا بحرم سابيليوس في مجمع عقد سنة 261م. السابيلية السابيلية Sabellianism أو Modelist أو المونارخية (الوحدانية المطلقة) Monarchiaism، وفي الغرب تدعى مؤلمي الآب Patripassianism. ترجع هذه الحركة إلى عصر الشهيد يوستين الذي أدان القائلين بأن "الابن هو الآب" (حوار مع تريفو 128). جاءت هذه الحركة أولاً كرد فعل خاطئ لمقاومة الفكر الغنوصي في القرن الثاني، حيث كان الغنوصيون يتطلعون إلى الابن والروح القدس أنهما أيونان صادران عن الله الأسمى، وانهما أقل منه، فأراد البعض تأكيد الوحدانية بين الثالوث فسقطوا في نوعٍ من السابيلية. وجاءت أيضًا كرد فعل ضد الأريوسية في القرن الرابع (استخدمها مارسيلليوس أسقف أنقرة Marcellus of Ancra لنزع فكرة التدرج عند الثالوث القدوس. لقد أوضح ترتليان في مقدمة مقاله ضد براكسيس Praxeas، بأن هذه الهرطقة إنما ظهرت خلال الرغبة في تأكيد الإيمان الأرثوذكسي.
هرطقة / بدعة سابيليوس
وفى نفس الرسالة يشير أيضا إلى تعاليم سابيليوس الهرطوقية التى إزدادت إنتشاراً فى وقته ويقول: " أما عن التعليم الذى أثير الآن فى بيولمايس التى فى بنتابوليس، المملوء كفراً وتجديفاً على الرب القدير الآب، وربنا يسوع المسيح، والمتضمن شكوكاً كثيرة بخصوص أبنه الوحيد بكر كل خليقة، الكلمة المتأنس، وقصوراً شديداً فى معرفة الروح القدس، فنظراً لأنه قد وصلتنى رسائل من كلا الطرفين ومن الأخوة لمناقشة الأمر، فقد كتبت بضع رسائل لمعالجة الموضوع وضعت فيها بمساعدة الرب كثيراً من التعاليم على قدر أستطاعتى، وها أنا أرسل إليك نسخاً منها الجزء التالى نقل عن المؤرخ القس منسى يوحنا
إنتشار بدعة نوئيتوس
وكان سابيليوس أول من أعتنق بدعة نوئيتوس وسابيليوس زفيرينوس أسقف روما وكاليسطوس خليفته وساعد المبتدعين على نشر بدعتهما حتى أنتشرت هذه البدعة فى الغرب، ومما زاد الطين بله أن كاليسطوس سام اساقفة وفسوساً وشمامسة من الذين تزوجوا ثانية وثالثة - ثم اباح العماد لمغفرة الخطايا - وأدعى أن الأسقف لا يقطع من الكهنوت مهما جنى من آثام - سابسليوس فى مصر وبدعته مؤلمى الآب ولكن سابيليوس لم يوافقة على الأعمال الأخيرة فحرمه فترك روما وذهب إلى مصر سنة 257 م وأخذ ينشر فيها بدعته التى أساساها بدعة نوئيتوس وهرطقة " مؤلمى الاب "
ما هو محتوى عقيدة مؤلمى الآب؟
وهم يعتقدون أن الذات نفسه لا أحد أقانيمه هو الذى كفر عن خطايا البشر .
مجمع محلى
وقد أضل سابيليوس ببدعته هذه كثيرين من المؤمنين وبعض الأساقفة، فوقف البابا ديونيسييوس وقفة البطل الباسل وقاوم ضلالهم فى منشور أرسله إلى الأسقفين أمونيوس وأفراندر، ولما لم يتمكن من أرجاع سابيليوس حرمه فى مجمع عقده بالأسكندرية سنة 261 م بعد أن فند فى رسالة كل تعاليمه الفاسدة .
الأسقف الرومانى يحرم الأسقف المصرى
فرأى أنصار سابيليوس أنهم فى حاجة إلى من يشد أزرهم فأغراهم بعض الدخلاء من الرومانيين على الشر والشقاق فكتبوا إلى ديونيسيوس أسقف روما كتاباً فيه يرمون بطريركهم بالهرطقة والبدعة، وكان السقف الرومانى شاباً قليل الخبرة والمعرفة بالنسبة إلى البطريرك السكندرى الذى كان واسع الأطلاع كثير الخبرة فى التعامل مع الكل، فسار ديونيسيوس الرومانى سير الأعتساف وأرتكب متن الشطط وعقد مجمعا حرم فيه ديونيسيوس البطريرك المصرى، بل وأرسل يعلمه بالحكم ويسأله عما إذا كان عنده شئ يدافع به عن نفسه، الأمر الذى عده البطريرك المصرى جسارة من أسقف روما وأهانة له، غير أنه لعظم تقواة وتمسكه بأوامر الديانة المسيحية، لم يرض أن يقابل الشر بالشر بل عمد إلى قلمه وأرسل إليه رساله يوضح له فيها العبارات التى أشكل عليه فهمها، فكانت تلك الرسالة حداً فاصلاً فى النزاع الذى يسميه المؤرخون " نزاع الديونيسيين " وأقتنع الأسقف الرومانى بأنه تسرع وأخطأ فى عمله وأحترم البابا الأسكندرى ووقف بجانبة فى دحض بدعة بولس السيماساطى أسقف أنطاكية
البدع و الهرطقات في القرون المسيحية الأولى
أ- تعريفها: عندما نتتبع تاريخ الفكر المسيحي، وخاصة التعاليم المختصة بشخص الرب يسوع، نلاحظ ظهور عدداً كبيراً جداً من المذاهب والمعلمين الذين يحاولون الإجابة على سؤال السيد »من يقول الناس إنى أنا«. وكما سبق ورأينا كيف حاد الكثيرون عن الطريق الصحيح عند محاولتهم الإجابة على هذا السؤال. وأثناء هذا نادى بعض اليهود المسيحيين بوحدانية الله وبأن الله واحد سامٍ عظيم لا يمكن تقسيمه واشترك بعض المعلمين في هذه الطريقة ولكنهم بعد فترة خرجوا بتعليم جديد يُسمى موداليسم وظهر العديد حوالي عام180م، منهم نوتوس المسميرني، وانتشر هذا المذهب في روما في أيام البابا زفيرنوس (202-217).
(*) هذه الفقرة من حاشية المؤرخ القس منسى يوحنا ص 117: " أن اول من نشر بدعة "مؤلمى ألاب" هو أبراكسياس الذى وفد على رومية من أسيا الصغرى وفتح مدرسة بث فيها ضلالة وأستطاع أن يجذب إلى هرطقته زنيرينوس أسقف روما وكاليسطوس خليفته وقام بعد أبرااكسياس تلميذة نوثيتوس بنشر بدعته، فلما علم البابا ديونيسيوس أن هذه البدعة أخذت تتسلط على عقول الرومانيين كتب لثوثيتوس رسالة طويلة شرح فيها التعليم الصحيح وفند بدعته، التاريخ لا يقر الباباوين فى صحة أعتقادهم لأنهم الذين ينادون بصحة (عصمة) باباواتهم، ولولا باباوات الأسكندرية لأصبحت الكنيسة الرومانية مجموعة من الهرطقات (تعليق من الموقع: الروح القدس هو الذى يحرك قادة الكنيسة فى الدفاع عن الأيمان والرب يسوع هو الذى يفرحنا بخدمة كلمته، ولكن الرب يستخدمنا هو الذى ينمى، ولا يوجد واحد معصوم من الخطأ ألا الرب يسوع الذى قال من منكم يبكتنى على خطية، والكتاب قال الجميع زاغوا وفسدوا ... ليس من يعمل صلاحاً ولا واحد)
بدعة سبليوس البدعة " السابيلية " أو " الشكلانية" أو "الحالانية" (modalisme)
أو بدعة المبدأ الواحد (Monarchianisme)
محتوى بدعة سبليوس:
أعتقد أن الإله هو أقنوماً واحداً ظهر فى ثلاثة أشكال للأب والأبن والروح القدس وليس ثلاثة أقانيم أو أحوال: حال الآب، وحال الابن، وحال الروح القدس، وكان يبحث عن وحدانية الإله ورأى أن هذه الوحدانية لا تتفق مع وجود ثلاث أقانيم فالتمييز في الإله ليس بين أقانيم بل بين أحوال وأشكال ثلاثة اتخذها الإله الواحد في الزمن. لذلك نستطيع أن نخلع عليه ثلاثة أسماء، فندعوه تارة الآب لأنه مبدأ الكون وخالقه، وتارة الابن لأنه تجسّد وصار إنساناً، وتارة الروح القدس لأنه يملأنا بحضوره,
الرد:
وعلى هذا أصبح هناك أنفصالاً وتغييراً إلهياً متميز غير ثابت وهذا فى حد ذاته ضد الفكر عن ثبوتية الإله وليس عن قدرته, ولم يستطع هذا الفكر تفسير ظهور الأقانيم الثلاثة فى وقت واحد وقت عماد السيد المسيح، ويتعارض هذا الفكر أيضاً فى أن هذه الأقانيم الثلاثة موجودة فى التوراة فى آيات كثيرة وقبل والمسيحية نفسها، وينتج من فكر هذه البدعة أن الآب نفسه هو الذي تجسّد في الزمن في أحشاء مريم العذراء ووُلد منها طفلاً وتألّم وصُلب ومات وقام، ممّا يناقض مناقضة صريحة كل تعاليم العهد الجديد حول المسيح والآب، انه الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. وهذا الأقنوم هو الذي أخذ من مريم العذراء طبيعة بشرية وصار إنساناً خاضعاً مثلنا للألم والموت إلاّ أن المسيحية تعود فتؤكّد، في شخص المسيح أيضاً، سموّ الله، فتقول ان المسيح لم يخضع للألم والموت إلا في طبيعته البشرية. وهذا ما ستوضحه الكنيسة في المجامع اللاحقة التي سنأتي على ذكرها في القسم الثالث من هذا البحث ويذكر المؤرّخ يوسابيوس أسقف قيصرية في كتابه "تاريخ الكنيسة" (ك 7: ف 6) أن ديونيسيوس أسقف الاسكندرية (190- 264) كان ينعت أصحاب تلك البدعة بالتجديف والكفر وعدم الاحترام للآب والابن والروح القدس
زمن ومكان ‘إنتشار هذه البدعة:
في أواخر القرن الثاني وفي النصف الأول من القرن الثالثبدأت هذه البدعة في الإنتشار فى آسيا الصغرى وروما وشمالي أفريقية . ومن أهم دعاتها نوئيطوس الذي بشّر في أزمير بين سنة 180 وسنة 200، وبراكسياس الذي نشر تعاليمه في قرطاجة ورومة، وسابيليوس أسقف بطوليمَائيس في الخمس المدن، وقد كان له تلامذة كثيرون في رومة، ودُعيت البدعة نفسها أيضاً باسمه: السابيلية وتجد دحضاً لتعاليم نوئيطوس في كتاب "دحض جميع الهرطقات" المنسوب إلى القديس ايبوليتوس الروماني (170- 235)، ودحضاً لتعاليم براكسياس في كتاب لترتوليانوس عنوانه "ضد براكسياس"
المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية سنة 381 م
في القانون الأول من قوانين المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية سنة 381 م نجد أنهم ذكروا السابيلية بين البدع التي يجب نبذها، ومنذ ذلك الوقت فقدت عندئذٍ قوّتها كتنظيم خاص، إلاّ أنّ آراءها ظلت شائعة عند بعض الناس لبعض الوقت ثم تلاشت وقد اشار إلى هذه البدعة البابا القبطى خريستودولو ال 66 فى الرسالة التى أرسلها إلى البطريرك يوحنا 11 الأنطاكى ال 64 فقال عن سبليوس: فنرزل هذا الهوس ومعه هوس سبليوس الذى جمع الثالوث الأقدس فى أقنوم واحد قائلاً أن هذا الأقنوم دعى العهد القديم أباً وفى زمان التأنس إبناً وفى حلول الروح وبعده روحا قدساً، فلم يعط الثالوث الأقدس ما يجب له من الكرامه بحسب كونه أقانيم حقيقية ذات طبيعة واحده إلهيه معبودة
بعض أقوال الآباء ورسائلهم والقوانين التى أقروها
أولا: الرسالة التى أرسلها البابا القبطى خريستودولو ال 66 إلى البطريرك يوحنا 11 الأنطاكى ال 64
ثانيا: نسخة من قوانين الأنبا كيرلس الثانى البابا رقم 67
الرسالة المدونة فى كتاب إعتراف الآبآء الخريده النفيسه فى تاريخ الكنيسه للأسقف الأنبا إيسوزورس طبع القاهره 1923 الجزء الثانى ص 341- 345
الإعترافات: هى رسائل مدونة كانت ترسل إلى كنائس أخرى دليل لأستمراراًوحدة الإيمان وللتأكيد على الصلة الأخوية وهذه الرسائل مرسلة غلى الكنيسة الأنطاكية
أولا: الرسالة التى أرسلها البابا القبطى خريستودولو ال 66 إلى البطريرك يوحنا 11 الأنطاكى ال 64
نؤمن معترفين بالآب والإبن والروح القدس الطبيعه الواحده اللاهوتية ذات الكرامة والعظمة والمجد ذات الثلاثة أقانيم المتساوية فى الجوهر ثلاثة مفترقة بالأقانيم غير منفصله فى الجوهر ذات لاهوت واحد وربوبية ومشيئة وقوة واحده وسلطان وملك واحد، توحيد بتثليث وتثليث بتوحيد إجتماع منقسم وإنقسام مجتمع وهى إله واحد خالق مالا يرى وما يرى ينفصل بالتثليث ويعبد بالتوحيد وهذا تفصيل ما أجملناه إن الآب علة العلل والد منذ الأزل غير مولود وهو ينفرد بهذه الخاصية خاصة الأبوه والولاده والأبن مولود من الآب قديماً قبل كل الدهور وهو أزلى مع أبيه ولأقنومه خاصة البنوة لأنه مولود من الآب فلا يدعى أباً ولا ولداً والروح القدس منبثق من الآب لا يدعى أباً ولا إبناً ولأقنومه خاصة الإنبثاق من الآب، ونفهم أن كل واحد من هذه الأقانيم هو إله ورب لأن الجوهر فى الثلاثة واحد لا يتباعد ولا ينقسم، وإذا قلنا مطلق القول إله واحد فلا يبطل قولنا تسمية القانيم وتمييزها لأن خاصة كل واحد من ألقانيم ثابته دائمة أبداً، وتمييز الأقانيم لا يجعل قسمه فى لاهوت الواحد، لأن هذا الواحد ثابت دائماً لأن الثالوث الأقدس متحد بغير إنفصال ومنفصل بإتحاد هذا السر العظيم يجل عن التعريف والتكييف والتحديد لا تقدر الخلائق العلوية أو السفلية أن تصل إلى كنهه: وما شرحناه لرئآستك ايها الأخ السعيد هو نتيجه ما تعلمناه من الآباء المتآلهى القلوب خزانة سرآئر بيعة الرب المقدسة فنحن متبعون خطواتهم متمسكون بآرائهم ولذلك فإننا نحرم ونرزل إعتقاداً بوليناريوس الإسكندرى أسقف اللاذقية الذى جعل فى الطبيعة الإلهية مراتب ومقادير إن واحداً عظيم وآخر أعظم منه وثالث أكثر عظمة من كليهما وأردف رأيه الفاسد بأن الآب وحده غير محدود بالقوة والجوهر وأما الأبن فمحدود بالقوة فقط دون الجوهر واما الروح القدس فمحدود فى كليهما فنرزل هذا الهوس ومعه هوس سبليوس الذى جمع الثالوث الأقدس فى أقنوم واحد قائلاً أن هذا الأقنوم دعى العهد القديم أباً وفى زمان التأنس إبناً وفى حلول الروح وبعده روحا قدساً، فلم يعط الثالوث الأقدس ما يجب له من الكرامه بحسب كونه أقانيم حقيقية ذات طبيعة واحده إلهيه معبودة – نحرم مع هذين أريوس الكافر بلاهوت الإبن وتجديف مقدونيوس على الروح القدس ومعهم نذل كل ضال منافق مبتدع حائد عن الإيمان المستقيم .
ونؤمن معترفين أن إبن الإله الأزلى الواحد من الثالوث الأقدس المولود من طبيعة الآب بلا إبتداء النور الأزلى الذى به كان كل شئ وبه قيام كل شئ عندما شاء فى آخر الزمان أن يخلص جنس البشر الذى إنحط فى هوة الفساد والهلاك ويرده إلى حسن صورته الأولى أحنى ذاته من علو سمائه بحيث لم يبتعد عن كرسى مجده ونزل على الأرض نزول قطرات المطر على الصوف والناء على الرض القاحلة وحل فى بطن العذراء الطاهرة البتول دائماً بواسطة بشرى جبرائيل رئيس الملائكة وقوله لها: " السلام لك يا ممتلئة نعمة الرب معك " ثم قوله: " الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك لذلك المولود منك قدوس وإبن العلى يدعى " وتجسد من الروح القدس ومن جسدها الطاهرة وتأنس من غير إنتقال ولا إختلاط بل بإتحاد طبيعى أقنومى ذلك الإبن الأزلى المولود من الآب أزلياً ميلاداً يفوق الإدراك حفظ ختوم عذره والدته بحبلها به وولادتها له لأنه الإله صار إنساناً كما قال الإنجيل: " والكلمة صار لحماً وحل فينا " وبعد أن ولد جعل يتصرف مع البشر لصلاح حياتهم متمماً سياسة الخلاص للعالم باسره .
واحد هو الإله المتجسد واحد من إثنين من لاهوت وناسوت مسيح وأقنوم ورب ووجه واحد وطبيعة واحدة لإله الكلمة المتجسد وبهذا التجسد لم يزد عدد رابع على الثالوث الأقدس ولا طبيعة ثتنية على طبيعة الإله الواحدة، ولما تألم بجسده كان تألمه حقيقياً لا وهماً ولا خيالً وكان ذلك لنجاة ذرية آدم وكان يشعر بالألم بالجسد دون اللاهوت المنزه عن الآلم وقد تألم بإرادته منه دون قسر ولا إلزام ومات كذلك على خشبة الصليب، وأظهر قدرته قدوة لاهوته بقيامته المجيدة وبعد ختام هذا التدبير أصبح جسده الذى لم يدن منه التلف ويعبث به فساد غير قابل للألم إلى ما شاء تعالى .
هذا الإله الكلمة المتجسد المتألم المصلوب المائت لما صار إنساناً إستمر إلهاً بلا إستحاله ولا تغيير فى طبعه الإلهى وكذلك الناسوت الذى تأله بهذا الجسد وهذا الإتحاد لم يفقد طبعه الحسى ويتغير ويكتسب عكس المادة وهذا لا يمنع أن يكون معه واحداً بلا إفتراق لأن الإتحاد كان ولا يزال طبيعياً أقنومياً إلى ما شاء الكريم المنان، وبناء على ذلك ننفر من الذى يقول أن المسيح طبيعتان من بعد الإتحاد العجيب كما ننفر من الوحش المفترس .
فهذا هو إعتقادنا أيها السيد شقيقنا وأخونا فى الخدمة هذا الإعتقاد الذى يردد صدى تعليم الرسل الذى تلهج به كنيسة الكرسيين الجليلين أعنى كرسى بطرس العظيم ومرقس البشير المؤسسين الراسخين على صخرة الأمانة الأرثوذكسية وقاعدة الإيمان ومينا الخلاص المؤدى غلى الحياة الأبدية والحصن الحصين الذى يضمنا ويحمينا جميعاً من الكوارث والآفات والسر العظيم فى كمال العبادة والسفينة الواقية من الغرق البلغة إلى المينا مينا الفرح والنعيم، والجوهرة الثمينة والنظام الذهبى الذى حرزناه جميعاً ووجدنا معرفته الإلهية التى لا تبيد .
بهذا نتمسك وعليه نتكل هذا هو الإعتقاد والإعتماد الموفق والأمانة الأمينة الغير المخوفه فى هذه الدنيا الفانية التى بها نرجو الحياة فى الآخرة الدائمة عند الظهور الأخير المخوف ظهور ربنا ومخلصنا لما يجئ بمجده الإلهى مع ملائكته المقربين ليدين الأحياء والأموات، هذا هو الميراث الأفضل والغنى العظيم الذى ورثناه من الآباء القديسين الإجلاء وتسلمناه من السادة منيرى العالم بتعاليمهم .
ولهذا البابا خمسة فصول من رسائله الدورية السنوية مدونه فى كتاب إعترافات الآباء ويذكر فى آخر فصل منها: أنه من رسالته الثالثة والعشرين – وكل فصل يحتوى نفس التعبير عن كيفية الإعتقاد بسر التجسد حسب المعنى الوارد فى الرسالة السابقة .
ثانيا: نسخة من قوانين الأنبا كيرلس الثانى البابا رقم 67
• إنتهى إلى مسكنتى ان قوماً بلتمسوا رشوة على عمل الكهنة فمن تعدا واخذ رشوه أو وعد برشوه حتى يصير فى ذلك بالمكر والخديعة فلا يقبل رياسته ويكون عندكم كالوثنى والعشار وهو مقطوع ومحروم من كنيسة الله هو ومن عمله لا يترك فى الرياسة من كان متعلماً فى نفسه ومحتقر على الناس ويرى نفسه أنه أعظم الناس وهو محقور عند الله مغرور من كهنوته أى أسقف أو قس لم يقبل توبة خاطئ إذا تاب ويرجع عن خطاياه فليقطع من كنيسة الله لأنه خالف قول المسيح الذى فرح بالخاطئ يجب على كل أسقف أن يفتقد كنيسة المسيح والأديره والذى يجمعه (نقود) يصرفه فى عمل القرابين ووقود الكنائس وإقامة المبانى وإقامه الصلوات فى أوقاتها ومن خالف هذه ا القانون فهو مطلوب من الرب يجب أن يتعهد كل أسقف حال كهنته وأديرته ونواحيه وأن لا يبطلوا من الخمس كتب شيئاً فى كل يوم قداس وهو: البولس والقتاليقون (الكاثيليكون) والأبركسيس والمزمور والإنجيل ويقروا لكل واحد من هذه الكتب أوشيه، ولا يؤخروا منهم شيئاً فمن ألغى فى قداسه شيئاً من قراءات هذه الكتب الهمسة فغنه محروم من الرب ما عدا خميس العهد ويفتقد الرئيس إلى الشعب والكهنة ألا يشهدوا بشئ إلا بعد معرفته وصحته فمن خالف ذلك حكم عليه بما يوجب مخالفته يجب على كل أسقف أن يتعاهد جميع كهنتة وشعبه بالتعاليم الإلهية التى تخلصه من الرب وتخلصهم من خطاياهم فكل نفس تهلك فراعيها مطالب بها لا يجوز لأسقف ولا لقس ولا لشماس ولا لعلمانى أن يساكن إمرأة إلا أن تكون أمه أو أخته أو عمه أو خاله تحرم عليه فمن خالف ذلك فقد وجب عليه الحكم يجب على الأسقف ان يتقدم فى كرسيه إلى الكهنة والضهعا والأيتام والأرامل وسدد حاجاتهم ويقوم بما لا بد منه وإلا كان مثل قاتل اخيه
يجب على الأسقف ألا يستصحب الا من تحمد طريقته ويعرف خبره من من الشيوخ والرهبان أو من الشيوخ العلمانيين أهل الثقة وأن يفتقد قيمة الكنائس فمن وجده موافق ولا يصلح لخدمة تلك الكنيسة صرفه وإستخدم من يقوم بالخدمة من هو الصالح .
يجب على الأسقف أن لا يمكن أحد من الرهبان الذى فى كرسيه أن يقيم فى الريف إلا أن يكون يدبر الأمور تدبيراً حسناً .
أى أسقف أو قس أو شماس تعدى حكم الكنيسة لمساعيه أو لشئ من أمور العالم فى يوم الأحد لا فى بيع ولا فى شراء ولا فى شغل يستغلوا فيه بل يلازموا الكنيسة والصلوات وسماع الكتب والوصايا والقرآئات والقرابين ولا يتكلم أحد منهم فى أوقات القداسات حتى ينالوا من السراير المقدسة
يجب على جماعة الكهنة والعلمانيين أن يحترزوا إذ جرى بينهم خلاف أو أمر من أمور الدنيا أن يمضى أى أحد منهم إلى غير حاكم الكنيسة بل يمضوا إلى أسقفهم ليفصل بينهم
لا يجب أن يخبز القربان إلا فى فرن الكنيسة ولا تعجنه إمرأة فمن تعدى ذلك فهو محروم وكل كاهن يعلم به ولا يخبر أمره إلى الأسقف فهو شريكه فى الخطية
يجب على جماعة النصارى أن يصوموا صوم الأربعين يوما صوم الميلاد وصوم التلاميذ والأربع والجمعة السنة كاملة ما عدا الخمسين يوماً فقط إلا إذا كان طفل أو مريض
يجب على الأساقفه أن يحترزوا فى الزواج ولا يكللوا لأحد إلا بعد التقصى عن الرجل والمرأه يمعرفة حقيقتهم وأن ليس لأحدهم خداع أو غش (والأسباب الأخرى التى تمنع الزواج كالجنون والمرض ..ألخ)
لا يتزوج إمرأه بنت إلا بعد بلوغها فمن خالف ذلك فهو ممنوع وكذلك كهنه كل ناحية يعتمدوا ذلك
يجب على جماعة الكهنة والعلمانيين إكرام الأسقف فمن ذكره بشئ قبيح أو شتيمة فقد خالف أمر ربه لأنه قال: لا تشتم رئيس شعبك فى السفر الخامس من التوراه
يجب أن يحترزوا الكهنة والعلمانيين فى أيام الصوم المقدس وأن يأكلوا شئ من الأطعمه التى يأكلونها فى أيام الفطار ولا يأكل أحد سمك ولا يشرب خمراً ليقدم صوماً نقياً خالصاً
المزيد
20 فبراير 2025
خلاف تحديد الفصح
من تاريخ الكنيسة - يوسابيوس القيصرى (264 - 340 م)
الفصل الثانى والعشرون
الأساقفة الذين أشتهروا وقتئذ
فى السنة العاشرة من حكم كومودس أرتقى فيكتور الأسقفية خلفاً لأليوثيروس الذى شغلها 13 سنة، وفى نفس السنة، بعد أن أكمل يوليانوس سنته العاشرة أؤتمن ديمتريوس على أيبروشية الأسكندرية، وفى ذلك الوقت كان لا يزال سرابيون (الثامن بعد الرسل) معروفاً جداً كأسقف كنيسة أنطاكية، وترأس ثيوفيلس فى قيصرية فلسطين، وكان نركسيوس السابق ذكرة لا يزال مؤتمناً على كنيسة أورشليم وفى نفس الوقت كان باتسيلوس أسقفاً فى كورنثوس باليونان، وبليكراتس أسقفاً على إيبروشية أفسس، وعلاوة على هؤلاء كان هنالك آخرون كثيرون بارزون بطبيعة الحال، ولكننا دونا فقط أسماء من وصلت إلينا كتابة صحة إيمانهم.
الفصل الثالث والعشرون
المسألة التى أثيرت وقتئذ بخصوص الفصح
1 - وقد أثيرت وقتئذ مسألة ليست هينة، لأن جميع إيبروشيات آسيا أعتقدت - بناء على تقليد قديم - أن اليوم 14 القمرى، هو اليوم الذى أمر فيه اليهود أن يذبحوا خروف الفصح، هو الذى يجب أن يحفظ كعيد فصح مخلصنا لذلك كان يجب أن ينتهى صومهم فى ذلك اليوم، بغض النظر عن وقوعه فى أى يوم من ألأسبوع ولكن لم تجر العادة فى سائر كنائس العالم إنهاء الصوم فى ذلك الوقت لأنه جرت عادتهم، التى تسلموها من التقليد الرسولى، والتى لا تزال سارية إلى ألان، أن لا ينهوا أصوامهم فى أى يوم آخر سوى يوم قيامة مخلصنا.
2 - ولهذا السبب عقدت المجامع وأجتمع الأساقفة، واتفق الكل برأى واحد، بعد تبادل الرسائل، على أصدار أمر كنسى بأن سر قيامة الرب يجب أن لا يحتفل به فى أى يوم آخر سوى يوم الرب، وأننا يجب أن تختم الصوم الفصحى فى هذا اليوم فقط، ولا يزال موجوداً ما كتبه أولئك الذين أجتمعوا فى فلسطين وقتئذ، الذين رأسهم ثيوفيلس أسقف قيصرية، ونركيسوس أسقف أورشليم، ويوجد ايضاً مكتوب عن الذين أجتمعوا فى روما لبحث نفس المسألة، وهو يحمل أسم ألأسقف فيكتور، وأيضاً ما كتبه أساقفة بنطس الذين رأسهم بالماس بإعتبارهم اكبر منه سناً، وأساقفة ايبروشيات بلاد الغال التى كان إيريناوس أسقفاً لها، وأساقفة أواسراهونى
3 - ورسالة شخصية لباتشسلوس أسقف كنيسة كورنثوس، ورسائل لأشخاص آخرين كثيرين نطقوا بنفس الرأى والحكم، وأعطوا أصواتهم بنفس المعنى، وكان ما تقدم هو رأيهم الجماعى.
الفصل الرابع والعشرون
النزاع فى آسيا
1 - على أن أساقفة آسيا - يتزعمهم بوليكراتس - قرروا التمسك بالعادة القديمة المسلمة إليهم، وقد كتب هو نفسه رسالة وجهها إلى فيكتور وإلى كنيسة روما بين فيها التقليد الذى تسلمه، وذلك فى الكلمات التالية:
2 - " أننا نحتفل باليوم المضبوط دون أضافة أو حذف، لأنه قد رقد فى آسيا أيضاً أنوار عظيمة ستقوم ثانية فى يوم مجئ الرب عندما يأتى بمجدمن السماء ويطلب جميع القديسين، بين هؤلاء فيلبس، أحد الرسل الأثنى عشر، الذى رقد فى هيرابوليس، وأبنتاه العذراوان الطاعنتان فى السن، وأبنه أخرى عاشت فى الروح القدس، وتستريح ألان فى أفسس.
3 - وعلاوة على هؤلاء يوحنا الذى كان شاهداً ومعلماً، والذى أتكأ فى حضن الرب، وإذا كان كاهنا لبس الصدرة المقدسة، وقد رقد فى أفسس.
4 - وبوليكاريوس أسقف أزمير الذى كان اسقفاً وشهيداً، وثريس وهو أسقف وشهيد من بومينيا، الذى رقد فى أزمير.
5 - وهل هناك حاجة لذكر ساجارس الأسقف والشهيد الذى رقد لادوكية، أو المغبوط بابيروس أو ميليتو الخصى الذى عاش كلية فى الروح القدس ورقد فى ساردس منتظراً الأسقفية من السماء عندما يقوم من الأموات.
6 - جميع هؤلاء أحتفظوا باليوم 14 من الفصح وفقاً للأنجيل، ولم ينحرفوا، بل متبعين قاعدة الإيمان، وأنا أيضاً بوليكراتس، أصغركم جميعاً، أتصرف حسب تقليد أقربائى، الذين اتبعت بعضهم عن قرب، لأن سبعة من أقربائى كانوا أساقفة، وأنا الثامن، وكان أقربائى دائماً يحتفلون اليوم الذى كان الشعب يرفعون فيه الخمير.
7 - لذلك فإننى أيها الأخوة، أنا الذى عشت 65 سنة فى الرب، وإلتقيت بالأخوة فى كل العالم، وتصفحت كل سفر من الكتاب المقدس، لا أفزع من الكلمات المخيفة، لأن من هم أعظم منى قالوا: يجب أن نطيع ارب الإله أكثر من الناس.
8 - بعد ذلك كتب عن جميع الأساقفة الذين كانوا حاضرين معه وفكروا نفس تفكيره وهاك كلماته: -
" وفى أستطاعتى ذكر الأساقفة الذين كانوا حاضرين، الذين أستدعيتهم كرغبتكم والذين لو كتبت أسنائهم لجمعت سفراً ضخماً، أما هم، وقد راوا حقارتى، فقد وافقوا على الرسالة، عالمين أننى لم احمل شعرى ألبيض عبثاً، بل كنت دوماً أضبط حياتى بالرب يسوع. "
9 - عندئذ حاول فيكتور رئيس كنيسة روما، أن يقطع كل أيبروشيات آسيا فى الحال من وحدة الكنيسة العامة، وكذا الكنائس التى وافقتهت كهراطقة، وكتب رسائل أعلن فيها: حرم جميع ألأخوة هناك.
10 - ولكن هذا لم يرضى جميع الأساقفة، فطلبوا إليه أن يراعى ما هو للسلام، وأن يراعى وحده ومحبة الجوار، ولا تزال كلماتهم موجودة، وفيها توبيخ عنيف لفيكتور.
11 - من بينهم إيريناوس، الذى أرسل رسائل بإسم الأخوة فى بلاد الغال، الذى كان يترأس عليهم، مصرحاً بأن سر قيامة لارب يجب أن يحفظ فقط فى يوم الرب، وحقاً فعل، إذ نصح فيكتور بأن لا يقطع كنائس لله برمتها حافظت على تقليد عادة قديمة، وبعد كلمات كثيرة يستأنف الحديث قائلاً:
12 - " لأن النزاع ليس محصوراً فى اليوم فقط، بل يتعلق أيضاً بطريقة الصوم، فالبعض يظنون أنهم يجب أن يصوموا يوماً واحداً، وغيرهم يومين، وغيرهم أكثر، والبعض يحسبون يومهم 40 ساعة نهاراً وليلاً.
13 وهذا الإختلاف فى حفظ الصوم لم ينشأ أيامنا، بل فى أيام آبائنا قبل ذلك بوقت طويل، ويبدوا أنهم لم يراعوا الدقة التامة، وهكذا تركوا لأنسالهم عادة تتفق مع بساطتهم وطريقتهم الخاصة، ومع ذلك فقد عاش جميع هؤلاء فى سلام، ونحن أيضاً نعيش فى سلام مع بعضنا بعضاً، وعدم الأتفاق فى صوم يؤيد الأتفاق فى الإيمان.
14 - ويضيف إلى هذه الكلمات التالية الخليقة بإثباتها:
" وبين هؤلاء كان المشايخ قبل سوتير رئيس الكنيسة التى تدبرها أنت الآن، نعنى انيسيتوس وبيوس وهيجينوس وتلسفوروس وزيستوس، وهم لا حفظوه بأنفسهم ولا سمحوا بذلك لمن بعدهم، ومع أنهم لم يحفظوه فكانوا فى سلام مع من أتى إليهم من الأيبروشيات التى حفظته، وبالرغم من أن حفظه كان يقاوم جداً ممن لم يحفظوه.
15- " ولكن لم يبعد أحداً قط من الكنيسة لهذا السبب، فالمشايخ قبلك الذين لم يحفظوه أرسلوا العشاء الربانى لمن حفظوه فى الإيبروشيات الأخرى.
16 - وعندما كان المغبوط بوليكابوس فى روما، وفى وقت أنيسيتوس، وأختلفا قليلاً فى بعض امور أخرى، حل السلام بينهم فى الحال، دون أن يتشاجرا بصدد هذا الأمر، لأن أنيسيتوس عجز عن أن يقنع بوليكاربوس بالعدول عن أتباع ما كان يمارسه دوماً مع يوحنا رسول ربنا وباقى الرسل الذين أختلط بهم، وكذلك عجز بوليكاربوس عن إقناع أنيسيتوس لحفظه، إذ قال أنه يجب أتباع العادات التى مارسها المشايخ فبله.
17 - ورغم أن الحالة على هذا الوجه فقد أحتفظا بعشرتهما معاً، وتنازل أنيسيتوس عن خدمة العشاء الربانى فى الكنيسة إلى بوليكاربوس، كعلامة إحترام، وأفترقا فى سلام، من حفظ ومن لم يحفظ، محتفظين بسلام كل الكنيسة "
18 - هكذا صار إيريناوس - وحسناً سمى بهذا الأسم، صانعاً سلام فى هذه الناحية، إذ قدم النصائح وأرسل الرسائل اللازمة على هذا الوجه من أجل سلام الكنائس، وتبادل الرسائل، فى هذه المسألة التى كانت تحت البحث، ليس فقط مع فيكتور بل ايضاً مع أغلب قادة الكنائس " الفصل الخامس والعشرون
كيف وصل الجميع إلى أتفاق بخصوص عيد الفصح؟
أما الذين فى فلسطين السابق ذكرهم مؤخراً، ذركيسوس وثيوفيلس ومعهما كاسيوس أسقف كنيسة صور، وكلاروس أسقف كنيسة بتولمايس، ومن أجتمعوا معهم فإنهم إذ ذكروا أموراً كثيرة عن التقليد الخاص بالفصح الذى وصل إليهم بالتعاقب من الرسل، أضافوا الكلمات التالية فى ختام ما كتبوه:" إجتهدوا أن ترسلوا نسخاً من رسالتنا إلى كل كنيسة، لكى لا نعطى فرصة لمن يخدعون نفوسهم بسهولة، ونعرفكم بأنهم فى الأسكندرية يحفظونه فى نفس اليوم مثلنا، لأن الرسائل قد حملت منا إليهم ومنهم إلينا، حتى لأننا نحفظ اليوم المقدس بنفس الطريقة وفى نفس الوقت "
المزيد
13 فبراير 2025
فصح يونان النبى
يعرف (فطر) صوم يونان بـ(فصح يونان) وهو اصطلاح كنسي فريد لا يستخدم إلا بالنسبة لعيد القيامة المجيد الذي يطلق عليه أيضا (عيد الفصح) مما يدل علي أن الكنيسة تنظر إلي قصة يونان علي أنها رمز لقصة المسيح مخلصنا. فالفصح كلمة عبرانية معناها (العبور) أطلقت في العهد القديم علي عيد الفصح اليهودي تخليدا لعبور الملاك المهلك عن بيوت بني إسرائيل في أرض مصر (الخروج12:13, 23)
فنجا بذلك أبكارهم من سيف الملاك الذي ضرب أبكار المصريين، وتخليدا أيضا لعبور بني إسرائيل البحر الأحمر (الخروج14, 15) إلي برية سيناء فأرض الموعد. ولقد كان ذلك العبور القديم رمزا إلي الحقيقة الأعظم خطر، وهي (العبور) بجميع بني آدم من عبودية الجحيم إلي حرية مجد أولاد الله في المسيح، وقد تم هذا العبور بصلب المسيح وبقيامته المجيدة، إذ عبر هو له المجد بالنيابة عن، بموته بديلا عنا وفادي، فصار عبوره هو عبورا لنا نحن،
وقد عبرنا نحن فيه، ولما كانت قيامة المسيح بسلطان لاهوته هي برهان نجاح عملية العبور، لذلك كان عيد القيامة هو عيد (الفصح) الجديد، إذ هو عيد (العبور) إلي الفردوس والمنشود الذي فتحه المسيح له المجد. بقيامته المجيدة.
إذن كيف يسمي (فطر) صوم يونان بـ (فصح) يونان، إلا إذا كانت الكنيسة نظرت إلي يونان النبي علي أنه رمز إلي المسيح له المجد؟
لقد قال رب المجد بفمه الطاهر (إن هذا الجيل شرير، يطلب آية فلا يعطي إلا آية يونان النبي. لإنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان لهذا الجيل... وأهل نينوي سيقومون في يوم الدينونة مع هذا الجيل ويدينونه،
لأنهم تابوا عندما أنذرهم يونان. وهوذا أعظم من يونان هنا (لوقا11:19-32), (متي12:38-41).
نعم إن المسيح له المجد أعظم من يونان النبي بقدر ما يعظم (الرب) عن العبد، و(الخالق) عن المخلوق، وهو كما قال بفمه الطاهر: (أعظم من سليمان) (لوقا11:31),(متي12:42) وأعظم من أعظم مواليد النساء يوحنا المعمدان (متي 11:11), (لو7:25)
هو (الأبرع جمالا من بني البشر) (مزمور44:2), (السعيد القدير وحده، ملك الملوك ورب الأرباب، الذي له وحده الخلود، ساكنا في نور لا يقترب منه... الذي له الكرامة والعزة الأبدية) (1تيموثيئوس6:15, 16), (الرؤيا - الجليان17:14), (19:16).
صوم يونان النبى ( صوم أهل نينوى )
المزيد
06 فبراير 2025
بدعة بيرلوس
بدعة بيرلوس أسقف بصرة سنة 244 م
محتوى بدعة بيرلوس أسقف بصرة
أن السيد المسيح قبل ولادته من العذراء لم يكن له لاهوت متميز، بل أنه كان له لاهوت الأب أى أن المسيح لم يكن له وجود قبل ولادته من مريم، وأنه فى ولادته دخلت وأتحدت بالأنسان النفس الإنسانية التى أصلها من الإله، وأنها بلا شك فائقة كل النفوس البشرية لأنها منبثقة من الطبيعة ألإلهية .
مكان أنتشار هذه البدعة
أنتشرت هذه البدعة ما بين النهرين وبين القبائل العربية التى نقلتها إلى بلاد العرب، فسمع بها أوريجانوس فذهب إلى بلاد العرب (السعودية الآن) ودحض تعاليم بيرلس وفند آراؤه وأنعقد مجمع فى بصرة سنة 244 م وتمكن أوريجانوس من أن يبين خطأ هذا الفكر ولما كان من هذا العلامة من رجاحة فكر وقوة فى الحجة فقد أستطاع أن يرد بيرلس الأسقف إلى الإيمان السليم، وأصبح بعد ذلك صديقاً لأوريجانوس ومن أكبر المدافعين عنه فيما بعد .
وذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى عام 244م تحت عنوان ضلالة بيريلوس:
1- أنحرف بيريلوس السابق التحدث عنه كأسقف لبوسترا ببلاد العرب - عن تعاليم الكنيسة، وحاول ادخال آراء غريبة عن الإيمان، فقد تجاسر على القول: أن مخلصنا وربنا لم يكن له وجود سابق بكيفية متميزة، وأنه لم يكن موجوداً من تلقاء ذاته قبل حلوله بين البشر، وانه ليس فيه أى شئ من اللاهوت بذاته، بل لاهوت حلول الآب فيه.
2- وقد تناقش معه أساقفة كثيرون فى هذا الصدد، أما اوريجانوس فإذ دعى مع غيره نزل إليه أولاً للتحدث معه للتأكد من آرائه الحقيقية، وإذ وقف على آرائه وعرف خطأها، وأقنعه بالحجج والبراهين المختلفة، رده إلى العقيدة القويمة، وأعاده إلى أرائه السابقة السليمة.
المزيد
31 يناير 2025
أقوال مأثورة للأنبا انطونيوس
ولئن كان القديس أنطونيوس شبه أميّ لكنه تخرج كالرسل في مدرسة الروح القدس، وأخذ عن المتوحدين الذين سبقوه في هذه الطريقة وعاصروه. وصار أباً ومعلماً لعشرات الآلاف من الرهبان. وأخذ عنه تلاميذه الأقربون، ودونوا عنه رسائل روحية وأقوال مأثورة نورد فيما يأتي بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر:
الاعتدال:
كلما لجأ الإنسان إلى الاعتدال عاش بسلام القلب بخلوه من الاهتمامات الزائدة بأمور كثيرة. لكن التعلّق بأمور هذا العالم ينشىء كدراً ويعود صاحبه التذمر على اللّـه. وهكذا تقودنا شهوات أنفسنا إلى الأتعاب ونتخبط في ظلمة الحياة الأثيمة.
الشره:
كل خبزك بسكينة وهدوء وإمساك. وإياك والشره فأنه يطرد خوف اللّـه من القلب، والحياء من الوجه ويجعل صاحبه مأسوراً من الشهوات ويضل العقل عن معرفة اللّـه. أجعل لك مرة واحدة في النهار للقيام بحاجة الجسد لا للشهوة ولا تاكل حتى تشبع.
تجنب الحديث الغليظ والكلام الباطل:
إياك والغلظة في الحديث لأن الذكي بالروح يتصف بالتواضع والعفة أكثر من كل شيء. يكتب الرسول بولس قائلاً: «لا تطفئوا الروح لا تحتقروا النبؤات» (اتس 5: 19، 20) ولتعلموا أنّ لا شيء يطفئ الروح مثل الكلام الباطل.
التواضع والغيرة:
لقد صليت لأجلكم حتى تقبلوا ذلك الروح الناري العظيم الذي اقتبلته أنا. وإذا أردتم اقتباله حتى يسكن فيكم فقدموا أولاً أتعاب الجسد واتضاع القلب. ويرفع أفكاركم للسماء ليلاً ونهاراً. اطلبوا ذلك الروح الناري بقلب مستقيم وسيعطى لكم. هكذا قبله إيليا التشبي واليشع وغيرهما من الأنبياء.
لا تتوهم بأنك عالم وحكيم لئلا يذهب تعبك سدى، وتمر سفينتك فارغة. ارفض الكبرياء وأعتبر جميع الناس أبرّ منك.
عندما تهب الريح هادئة يستطيع كل قبطان أن يفتكر في نفسه متعظماً، وأن يباهي بمهارته لكن عندما تتغير حال الرياح فجأة فحينئذٍ تنكشف خبرة الربان الحقيقية.
المواظبة على القراءة والعمل:
أتعب نفسك في قراءة الكتب المقدسة فهي تخلصك من النجاسة. فأذا جلست في قلايتك فلا تفارق هذه الاشياء: 1ـ القراءة في الكتب المقدسة،2ـ التضرع إلى اللـه،3ـ شغل اليد. وإن الراهب الذي يكون في قلايته غير ذاكر اللّـه تعالى، ولا قارئ في الكتب المقدسة، يكون كالبيت الخرب خارج المدينة التي لا تفارقه الاوساخ.
الطاعة :
إن الطاعة والمسكنة يخضعان الوحش لنا.
الكذب:
إياك والكذب فهو يطرد خوف اللّـه من الإنسان.
التفكير في الموت:
تفكر في كل يوم أنه آخر ما بقي لك في العالم فأن ذلك ينقذك من الخطيئة.
دائرة الدراسات السريانية
المزيد
30 يناير 2025
القديس أنطونيوس الكبير
كاتب القصة:
في أواسط القرن الرابع للميلاد فاحت رائحة فضائل القديس الأنبا أنطونيوس الذكية في أرجاء المعمورة فكتب بعض المتوحدين الأتقياء في الغرب إلى القديس أثناسيوس الرسولي 373 مستفسرين منه عن صحة الأمور العجيبة التي قيلت عن هذا الحبيس البار،والناسك القديس فأجابهم القديس أثناسيوس بكتاب باليونانية شرح فيه بالتفصيل ما رآه بنفسه أو سمعه ممن عاشروا الأنبا أنطونيوس. ويقول في مقدمته«إنني أسرعت في الكتابة إليكم عما أعرفه أنا شخصياً إذ رأيت أنطونيوس مراراً، وعما استطعت أن أتعلمه منه، لأنني لازمته طويلاً، وسكبت ماء على يديه، وفي كل هذا كنت أذكر هذه الحقيقة أنه يجب أن لا يرتاب المرء إذا ما سمع كثيراً، ومن الناحية الأخرى يجب أن لا يحتقر الرجل إذا ما سمع عنه قليلاً» وقد نُقلت هذه القصة إلى السريانية أنارت سيرة القديس الأنبا أنطونيوس الطريق أمام جمهور غفير من الشبان، فتركوا العالم، وتبعوا الرب يسوع، وامتلأت برية مصر بالمتوحدين والمتوحدات، والرهبان والراهبات، بل ازدهرت حياة الرهبانية في العالم المعروف. ذلك أن القديس أثناسيوس كاتب قصة حياة القديس أنطونيوس، حملها إلى روما في زيارته إياها عام 339، وأشاع في إيطاليا طريقة الأنبا أنطونيوس في النسك فانتشرت وكانت أقوى عامل لازدهار الحياة النسكية في غرب أوربا، ولما درسها أوغسطينس 430 بعدئذ ساعدت على توبته وقد وصف القديس أثناسوس القديس أنطونيوس بقوله «إنه أبو الرهبان وكوكب البرية»، ويعد أول مصابيح البرية ومؤسس الرهبنة التي هي فلسفة المسيحية الروحية.
نشأة مار أنطونيوس:
ولد أنطونيوس في بلدة «قِمَن» (وهي كوم العروس اليوم) في صعيد مصر، حوالي سنة 251م من أسرة مسيحية تقية وتربى في كنف والدين فاضلين أحبهما كثيراً وأطاع أوامرهما، وكان يرافقهما بالذهاب إلى الكنيسة لعبادة اللّـه بالروح والحق لم يكن للفتى أنطونيوس رغبة في تحصيل العلوم الدنيوية، فنشأ أمياً أو شبه أمي، ولكنه كان يتلذذ بسماع كلمات الإنجيل المقدس، ويحفظ عن ظهر قلبه حوادثه، وآياته الكريمة ولما أكمل العشرين من عمره نال سر العماد المقدس وبعيد ذلك بمدة قصيرة انتقل والداه إلى الخدور العلوية تاركين له مالاً دثراً، وأختاً وحيدة أصغر منه ألقيت على عاتقه مسؤولية العناية بها.
اعتزاله العالم:
تألم أنطونيوس جداً على وفاة والده، ووقف يتأمله وهو جثة هامدة باردة ويقول: أليست هذه الجثة كاملة ولم يتغير منها شيء البتة سوى توقف هذا النفس الضعيف!؟.. وخاطب أنطونيوس أباه الميت قائلاً: «أين هي عزيمتك، وأمرك، وسطوتك العظيمة، وهمتك العالية بجمع المال الكثير!؟ إنني أرى أن ذلك قد بطل، وقد تركت كل شيء ورحلت.. فيا لهذه الخسارة الفادحة، والحسرة الجسيمة! فإن كنت أنت يا أبتاه قد تركت هذا العالم مجبراً، أما أنا فسأعتزله طائعاً، كيلا يخرجوني منه مثلك يا أبي كارهاً» بدأ أنطونيوس الشاب التقي يكثر من التأمل بحقارة هذا العالم وبأمجاد السماء. وحدث مرة بينما كان يصلي في الكنيسة، والكاهن يتلو الإنجيل المقدس، جذب انتباهه قول الرب للشاب الغني: «إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني» (مت19: 21). واعتبر أنطونيوس كلام الرب يسوع موجهاً إليه. وأن الرب بهذا الكلام يدعوه ليترك كل شيء ويتبعه كما فعل الرسل الأطهار (مت19: 27ـ 29) فللحال خرج أنطونيوس من الكنيسة، وعاد إلى بيته مصمماً على أن ينفذ الوصية بحذافيرها، فوزع على الفقراء ما ورثه من والديه من مال وعقار، ومن جملة ذلك ثلاثمائة فدان من الأراضي الممتازة، واحتفظ لأخته بيسير من المال فقط. وقد ازداد إيماناً واندفاعاً عندما سمع الرب يقول أيضاً في الإنجيل المقدس: «فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل، وماذا نشرب، وماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الأمم، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها، لكن أطلبوا أولاً ملكوت اللّـه وبره، وهذه كلها تزاد لكم، فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه، يكفي اليوم شره» (مت6: 31ـ 34). لما سمع الشاب أنطونيوس هذا الكلام وزع البقية الباقية من الإرث على المحتاجين، وأودع أخته بيتاً لبعض العذارى التقيات، واعتزل العالم، وانفرد متنسكاً في مكان قريب لبلدته، إذ لم يكن نظام الرهبنة قد ظهر بعد وبدأ يسترشد ببعض المتوحدين، فقد كان في القرية المجاورة واحد منهم طاعن في السن وقد اعتزل الناس منذ نعومة أظفاره ـ والعزلة عبادة ـ فكان يتعبّد مكثراً من الصوم والصلاة، فقصده أنطونيوس وسمع منه عن حياة الزهد، والنسك، والتوحد، واقتدى بسيرته الفاضلة، كما قصد أنطونيوس غيره من المتوحدين الذين سبقوه في طريقة النسك هذه، وأخذ عنهم ذلك وأفاد من خبرتهم لبلوغ الكمال المسيحي، وشابه بذلك النحلة التي تنتقل من زهرة إلى أخرى ترتشف الرحيق لتعطي الشهد الفاخر وخرج أنطونيوس بعدئذ هائماً على وجهه في البرية حتى وصل إلى شاطئ النهر فسكن إلى جانب جميزة، وصادف أن شاهد مرة نسوة يستحممن في النهر أمامه، فلامهن قائلاً: أما تخجلن مني وأنا رجل متوحد أعبد اللّـه في هذا المكان!؟ فأجابته إحداهن: على المتعبدين المتوحدين أن يعبدوا اللّـه في البرية الداخلية لا على ضفاف الأنهار، فاعتبر أنطونيوس هذا الكلام رسالة له من اللـه، فترك المكان حالاً وسكن في البرية الداخلية حيث أقام له صومعة قرب وادي العربة.
جهاده في حياة النسك، والتجارب التي طرأت عليه:
وكان الشيطان يحاربه بالملل والكسل، كاد أن يغلبه مدخلاً اليأس في قلبه، فسئم أنطونيوس حياة النسك، وشعر كأن الصلاة عبء ثقيل، وأمام هذه التجربة الصعبة سكب أنطونيوس نفسه أمام اللّـه بتواضع، وذرف الدموع السخينة، وهو يطلب حياته الروحية، فظهر له ملاك الرب بشكل رجل متشح برداء طويل ومتمنطق بمنطقة من جلد ولابس زنار صليب كالإسكيم وقد غطى رأسه بقبعة، وهو جالس يضفر الخوص، ثم يقوم يصلي، ويعود يضفر الخوص، ثم يقوم ثانية للصلاة، وأنطونيوس يتأمله مندهشاً، فالتفت أخيراً إلى أنطونيوس قائلاً له: «اعمل هكذا تسترح» ثم اختفى عنه، فعلم أنطونيوس أن الرب أرسل ملاكه ليعلمه كيفية عبادة اللّـه بالصلاة وعمل اليدين، فاتخذ أنطونيوس زي الرهبنة وخاصة الإسكيم الرهباني على الشبه الذي كان الملاك متشحاً به، وأكثر من العمل في ضفر الخوص، وهكذا تخلص من تجربة الملل والكسل، وعاد إليه نشاطه وعلو همته في الصوم والصلاة وعمل اليدين. وكان ينفق جزءاً مما يحصل عليه من عمل يديه لأجل القوت ويوزع الباقي على الفقراء وعاد إبليس يحاربه ثانيةً، وفي هذه المرة كانت التجربة القاسية بتذكير أنطونيوس بحياته الأولى حيث كان يعيش في بحبوحة ورفاه ويقارن ذلك بالشقاء الذي يتحمله في حياة النسك، والزهد، والتقشف، كما شنَّ عليه إبليس أيضاً حرب الجسد، فألهبه بالشهوة الدنسة، وملأ رأسه بالأفكار الأثيمة. وحدث ذات مرة أن جمع إبليس أمام أنطونيوس كل آلات الطرب واللهو واللذات الدنيئة والنساء. أما أنطونيوس فتواضع أمام الرب الإله وطلب معونته تعالى، وكان يغمض عينيه ويقول للأبالسة: «عجباً منكم! كيف تجعلون لي مقداراً أكثر مما أنا عليه بكثير، وتحسبون لي حساباً كأني شيء مهم، وتحتالون في سقوطي مع أني ضعيف عن مقاومة أحد أصاغركم، أبعدوا عني وعن ضعفي فإني مسكين وتراب ورماد» وهكذا كان أنطونيوس يغلب إبليس باتضاعه واتكاله على اللّـه فتزول عنه الأفكار الأثيمة، كان يردد مع الرسول بولس: «لا أنا بل نعمة اللّـه التي معي» (1كو15: 10) وانفرد أنطونيوس في ناؤوس خال، حيث حبس نفسه فترة من الزمن كثَّف فيها الصلاة، وأكثر من الصيام فلما رأى الشيطان نسكه الصارم وعبادته الحارة، حسده وضربه ضرباً موجعاً وتركه بين حي وميت فلما أتى أصدقاؤه الذين يحضرون إليه ما يقتات به، ووجدوه على تلك الحال، حملوه إلى الكنيسة واعتنوا به، وإذ وجد أنطونيوس نفسه قد تماثل إلى الشفاء قليلاً عاد إلى مكانه الأول، فعاد إبليس إلى محاربته بخيالات كثيرة إذ ظهر له في أشكال وحوش وذئاب وأسود وحيات وعقارب، وكان إبليس صور له أن هذه الوحوش الشرسة تهم لافتراسه وتمزيقه إرباً إرباً. أما أنطونيوس فكان يرسم على نفسه علامة الصليب ويصلي بحرارة فكانت الأبالسة تتوارى من أمامه كالدخان، وتلك الوحوش تذوب كالشمع أمام النار، وكان أنطونيوس يستهزئ بالشياطين قائلاً لهم: «لو كان لكم علي سلطان لكفى واحد منكم لمحاربتي، ولكن حيث أن اللّـه تعالى قد جردكم من كل قوة لهذا تحتالون أن تخيفوني بكثرتكم»، وكان يترنم بالمزمور الذي بدؤه: «يقوم اللّـه ويتبدد أعداؤه» (مز68: 1) وفي كل تجاربه كان أنطونيوس يستمد قوته من اللّـه تعالى الذي يرمق خائفيه بعينه الساهرة. ونتيجة لخبرته الروحية هذه قال يوماً لتلاميذه إني أبصرت مصابيح من نار محيطة وسمعت صوت اللّـه القدوس يقول: «لا تتركوهم ما داموا مستقيمي الطريقة» فلما أبصرت هذا تنهدت وقلت: «ويلك يا أنطونيوس: إذ كان هذا العون محيطاً بالرهبان، ومع ذلك فالشياطين تقوى عليهم أحياناً!» فجاءني صوت الرب قائلاً: إن الشياطين لا تقوى على أحد، لأني منذ أن تجسدت سحقت قوتها عن البشريين، ولكن كل إنسان يميل إلى الشهوات ويتهاون بخلاصه، فشهوته هي التي تصرعه وتجعله يقع». فصحت قائلاً: «طوبى لجنس الناس وبخاصة الرهبان، لأن لنا سيداً هكذا رحيماً ومحباً للبشر» ويذكر القديس أثناسيوس أن الأنبا أنطونيوس «كان يسهر طويلاً لدرجة أنه كثيراً ما كان يقضي الليل كله مصلياً دون أن ينام، وهذا لم يفعله مرة واحدة بل مراراً حتى عجب منه الآخرون وكان لابساً شعراً، ولم يستحم بماء طوال حياته (النسكية) وكان يأكل مرة واحدة في اليوم، بعد الغروب، وفي كثير من الأحيان مرة كل يومين، أو مرة كل أربعة أيام، أما طعامه فكان الخبز مع قليل من الملح، وشرابه الماء فقط.. وكان يكفيه أن ينام على حصير خشن، ولكنه غالباً كان ينام على الحضيض» وتتلخص فلسفته في الزهد بقوله: «إن قوة النفس تكون سليمة عند الإقلال من ملذات الجسد، ولذلك فالرسول بولس يقول: «حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي» (2كو12: 10) فإن التقدم في الفضيلة والاعتزال عن العالم من أجلها يجب ألا يقاسا بالزمن بل بالرغبة وثبات العزيمة، ولم يبال الأنبا أنطونيوس بالماضي بل كان كل يوم كأنه في بداية نسكه يبذل جهداً أكثر شقاء نحو النمو مكرراً لنفسه قول الرسول بولس: «انس ما هو وراء، وامتد إلى ما هو قدام» (في3: 14) وقول النبي إيليا القائل: «حي هو الرب الذي أنا واقف أمامه اليوم» (1مل18: 15) ولما بلغ الأنبا أنطونيوس الخامسة والثلاثين من عمره، اجتاز نهر النيل شرقاً وتوغل في البرية فوجد حصناً قديماً، مهجوراً، في داخله مجرى ماء، أوت في ثغوره الثعابين الغدارة والزحافات الفتاكة فاتخذ الأنبا أنطونيوس قلاية له، فغادرته الأفاعي والزحافات حالاً، فسد مدخله وحبس فيه نفسه ولم يغادره أعواماً عديدة ولم يأذن لأحد أن يدخل إليه، بل كان من يأتي إليه يقف خارجاً ويستمع إلى كلمات الوعظ والإرشاد. وكان معارفه يدلون إليه من فوق كمية من الخبز مرتين في السنة وبعد قضاء عشرين عاماً معتزلاً الناس عابداً اللّـه متزهداً، ذاع صيته في الأقطار، وبإلهام رباني خرج من الحصن مملوءاً من الروح القدس والحكمة، صحيح الجسم قويه، على الرغم من التقشف الشديد المضني. تفوح منه رائحة القداسة، ويشع في محيّاه نور المسيح. ومضى إلى الفيوم ووعظ الإخوة هناك وثبتهم على حياة النسك، ثم عاد إلى حصنه وأنعم اللّـه عليه بموهبة شفاء المرضى، فقصده الناس من كل فجٍّ عميق، فكان يعظهم بكلمة الحياة، ويصلي لأجلهم فينالون شفاء النفس والجسد واقتدى بنسكه كثيرون، وتتلمذوا عليه آخذين عنه طريقة الزهد والنسك، التي دعيت بعدئذٍ بالرهبنة بشروطها الثلاثة: البتولية، الفقر الاختياري، والطاعة. وكان يتفقد الرهبان في البرية بين الفينة والفينة، ويرشدهم إلى طريق الكمال بالقول والمثال. وعمّر لهم أديرة وسنّ لهم قوانين انضباطية تنضم لهم الحياة المشتركة. ويعتبر القديس الأنبا أنطونيوس مؤسساً للحياة الرهبانية الأولى، نصف النسكية التي تمتاز بانفراد كل راهب أو ناسك في قلايته أو صومعته خمسة أيام في الأسبوع ويجتمعون معاً أيام السبت والأحد والأعياد في ديرهم المجاور لأماكن إقامتهم، للاشتراك في الأسرار الإلهية وقصد الأنبا أنطونيوس الإسكندرية عام 311 إبان شدة مكسيمينس رغبة منه في الاستشهاد في سبيل المسيح يسوع. فكان يتفقد المعترفين في سجونهم ويعزيهم ويشجعهم على الثبات حتى الموت على الإيمان المستقيم الرأي. وكان الحاكم قد أصدر أمراً بأن لا يظهر راهب في المدينة، أما الأنبا أنطونيوس فلم يبالِ بذلك بل كان يجاهر بالإيمان أمام الناس وحتى أمام الحاكم ذاته ببسالة فائقة. وشاء اللّـه تعالى أن يحفظه لمنفعة الكنيسة فلم يستشهد وعاد إلى ديره سالماً. وتنبأ الأنبا أنطونيوس عن خراب البيعة وتسلط الهراطقة عليها مدة من الزمن، وعودتها إلى عقيدتها المستقيمة الرأي وتقاليد آبائها كما تنبأ عن نمو الرهبنة وازدهارها. وهو الذي ألبس الأنبا مكاريوس الاسكيم الرهباني وانبأ بما يكون منه، وزار الإسكندرية للمرة الثانية وذلك سنة 355م، يوم كان الأريوسيون يفتكون برجال الكنيسة والمؤمنين باضطهاد عنيف أثاروه ضد المؤمنين، فخرج الأنبا أنطونيوس من عرينه يدافع عن الإيمان المستقيم الرأي ويعزي المعترفين، ويزور المسجونين مشجعاً اياهم على الثبات على الإيمان ويسفه الهراطقة الأريوسية الشنيعة، فتحمل في سبيل ذلك عذاباً أليماً وهدى العديد من الهراطقة الى الإيمان، وشاء اللّـه أن يبقيه حياً هذه المرة أيضاً لخير الكنيسة فلم يستشهد وزاره البطريرك اثناسيوس الرسولي، وكتب سيرته كما مر بنا. وكتب اليه الملك قسطنطين وأبناه قسطنطينوس وقسطنس خطابات طمعاً بنيل بركته، ورجوه أن يجاوبهم، ففعل بإلحاح تلاميذه عليه. وكانت أجوبته منطوية على النصائح الأبوية، والتذكير بالحياة الأبدية. وقد فرحوا بها كثيراً وقبل وفاة القديس الأنبا بولس أول المتوحدين الحبساء ( 347)، زارها الأنبا انطونيوس، بإلهام رباني وسمع منه قصته كما أنبأه الأنبا بول عن دنو أجله، وأن اللّـه أرسله ليقوم بمراسم دفنه، فحزن الأنبا أنطونيوس كثيراً وبكاه بكاء مراً. واهتم به وكفنه بعباءته التي أهداها اليه الأنبا اثناسيوس الرسولي البابا الاسكندري العشرون، وصلى عليه وأودعه لحداً حفره أسدان أرسلهما اللّـه اليه، وأخذ قميصاً من خوص كان عليه ورجع الى تلاميذه وأخبرهم بقصته، وقد عمَّر الأنبا بولس نحواً من مئة وثلاث عشرة سنة ولما شعر القديس الأنبا انطونيوس بدنو أجله، جمع تلامذته الرهبان ووعظهم، وأوصاهم أن يدفنوا جسده في التراب ويخبئوه تحت الأرض. وأناط هذه المهمة إلى تلميذيه أماثاس وكاريوس، ومما قاله في وصيته: «حافظا على كلمتي حتى لا يعرف المكان أحد سواكما. لأنني في قيامة الأموات سأتقبل جسدي بلا فساد من المخلص» وأمر بتوزيع ثيابه وأن تعطى للأسقف أثناسيوس (الفروة) أي جلد الخروف والرداء الذي كان مضطجعاً عليه والذي أعطاه إياه جديداً الأسقف أثناسيوس نفسه، ولكنه عتق مع القديس أنطونيوس. وإن تعطى (الملوطة) الجلد لتلميذه انكونيوس الاسقف سرابيون. وان يعطى عكازه لتلميذه الانبا مكاريوس وأن يحتفظا لهما بالثوب المصنوع من الشعر وأن يأخذا أيضاً ما تبقى له، ومما قاله لهما : «أما الباقي فخذاه يا ولديَّ لأن انطونيوس راحل ولن يبقى معكما فيما بعد». وهكذا رقد بالرب وكان عمره مئة وخمسين سنة. وذلك في 17 كانون الثاني ( يناير) عام 356م، وقام بدفن جسده حسب وصيته تلميذاه اماثاس ومكاريوس وتعيد له كنيستنا السريانية المقدسة وبقية الكنائس في 17 كانون الثاني من كل عام ومما هو جدير بالذكر أن القديس الأنبا أنطونيوس حتى ساعة انتقاله الى الخدور العلوية، لم تضعف قوته، ولا تناثرت أسنانه ولا تغيرت سحنته وبحسب نبوته أزدهرت الرهبنة فقبل وفاته كان عدد الرهبان الذين يدبرهم في مصر قد بلغ مائة ألف، ولم تنقض خمسون سنة بعد ذلك حتى كان عدد الرهبان في براري مصر مساوياً تقريباً لعدد سكان البلاد وظلت رفاته مخفية حتى عام 561م حين اكتشفت، ووضعت في كنيسة بمدينة كابون القريبة من الإسكندرية، ونقلت عام 635م إلى القسطنطينية، وفي القرن الحادي عشر إلى مدينة فيينا في شمال مارسليا فرنسا واستقرت أخيراً في كنيسة يولياني في مدينة آرل الواقعة على مصب الرون غرب مارسيليا. وقد ظهرت منها معجزات كثيرة.
دائرة الدراسات السريانية
المزيد