أساسيات فى الخدمة ج1

سنتحدث عن أربعة نقاط هامة وهم :0
4) التلمذة .
5) القدوة والتسليم .
6) الجدية .
7) التشجيع .
4) التلمذة :
=============
إنَّ الإتضاع يولد التلمذة فالإنسان المتضع يحب أن يتعلم ويتتلمذ وأن يكون له مصدر يتعلم منه وكل ما يحتفظ الإنسان باتضاعه كل ما يحتفظ بروح التلمذة .. فالذي يفقد الإتضاع يفقد أيضاً التلمذة فلا يوجد إنسان يتتلمذ وهو متكبر .. وربنا يسوع المسيح دعا تلاميذه لكي يتلمذوا وقال لهم ﴿ فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ﴾ ( مت 28 : 19) .. فشعور الخادم باستمرار أنه تلميذ يُعتبر من أهم الأشياء في الخدمة فعلى الخادم أن يشعر أنه تلميذ عند كل الناس .. والخادم الناجح هو الذي يتعلم باستمرار فيتعلم من أولاده ومن أمين الخدمة ومن أبونا الكاهن فكل مصدر أمامه يتعلم منه .. ونجد أنَّ هذا التعليم ينمو ويزيد وذلك لأنَّ عند الخادم حب للتلمذة ولا يشعر أنه كبر أو اكتفى وذلك لوجود روح المحبة لديه .
فجيد أن يجلس الإنسان تحت قدمي معلم حتى يتعلم منه وهذا هو سر قوة القديسين فنجد أنَّ القديس كان شغوف لكي يتعلم ولهذا نجد أنَّ آباء الرهبنة كان لكلٍ منهم تلميذ .. فمثلاً الأنبا شنودة رئيس المتوحدين تلميذه الأنبا ويصا .. الأنبا باخوميوس تلميذه الأنبا تادرس والأنبا بولس البسيط تلميذ الأنبا أنطونيوس .. فنجد دائماً روح التلمذة والتلمذة هي تعليم حياة وليست مجرد تعليم كلام فالتلمذة هي تسليم حياة للواقع والإنسان الذي يريد أن يعيش في جو الخدمة لابد أن يكون عنده روح التلمذة وروح التعليم وأن يكون شغوف لكي يُضيف كل يوم لخبرته خبرة جديدة ولتعليمه تعليم جديد فيتتلمذ على الآباء والخدام وعلى العظات والعشيات .. وعندما يرى نماذج جيدة يكون لديه اشتياق أن يجلس تحت أقدامهم ولهذا فروح التلمذة أمر هام في حياتنا وقد كان تيموثاوس تلميذ للقديس بولس الرسول بالحياة فكان يذهب معه في الخدمة ويجلس معه فعلمه القديس بولس وسلمه الحياة وسلمه أيضاً فكره .. ويقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس ﴿ ما سمعته مني بشهودٍ كثيرين أودعه أُناساً أُمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً ﴾ ( 2تي 2 : 2 ) .. فبولس علَّم تيموثاوس وتيموثاوس علَّم أُناساً آخرين وهذه هي التلمذة .
إنَّ كنيستنا كنيسة تلمذة .. لا يوجد أحد في الكنيسة بدون مُعلم فالتلميذ له مُعلم وهو الخادم والخادم له مُعلم وهو أب اعترافه .. فلا يوجد أحد كبير نفسه في الكنيسة ولذلك فالكنيسة كلها كنيسة تلاميذ وربنا يسوع أطلق على الآباء الذين كرزوا وسلموا الإيمان لنا إسم * تلاميذ * .. فكلنا تلاميذ في مدرسة ربنا يسوع المسيح .. ومن ضمن الأمور المهمة في الخدمة هي أن يعيش الخادم بروح التلمذة لأنَّ التلمذة مبدأ أساسي في الحياة .. وكانت توجد تلمذة في العهد القديم فمثلاً إيليا كان تلميذه إليشع وكان إليشع يحترم ويستفاد من إيليا وكان عندما يرى إيليا كان يمجده ويقول له ﴿ يا أبي يا أبي مركبة إسرائيل وفرسانها ﴾ ( 2مل 2 : 12) .. فإليشع يرى أنَّ معلمه قوة جبارة .. ويشوع تلميذ موسى وقد تتلمذ على موسى بالحياة وبالفعل إلى أن جاء الوقت وقال موسى ليشوع أنه سيكون القائد وأيضاً قال الله ليشوع ﴿ كما كنت مع موسى أكون معك ﴾ ( يش 1 : 5 ) .. وبولس الرسول تتلمذ على يد حنانيا وكان غمالائيل مُعلمه في اليهودية .. فعلى الإنسان أن يستفيد من روح التلمذة ويتتلمذ على كل كتاب وكل شريط عظة وممكن يتتلمذ الإنسان على يد آباء مازالوا أحياء أو على يد آباء تنيحوا مثل أبونا المتنيح بيشوي كامل وذلك عن طريق تعاليمهم الموجودة حتى الآن .. فالتلميذ الناجح مثل النحلة التي تأخذ فائدة من كل زهرة حتى يُصبح لديه رائحة حلوة .
5) القدوة والتسليم :
=======================
التسليم هو تتابع التعليم أي شخص يسلم لشخص .. والتسليم يعني روح التقليد الذي في الكنيسة .. وأيضاً تُعتبر القدوة مبدأ هام في الخدمة فالخادم نفسه نموذج فلا يجب أن يقول كلام ويفعل شئ آخر .. فمثلاً عندما يتكلم الخادم عن المحبة والتسامح والإتضاع فلابد أن تكون هذه الصفات فيه ولكن قد لا يكون عنده أي شئ من هذه وقد لا يحب المحيطين به وقد يصل الأمر إلى إدانة الناس .. فأجمل شئ في الخدمة أن يكون الخادم قدوة نافعة ولهذا يقول سيدنا البابا عبارة جميلة وهي ﴿ الخادم في الكنيسة هو درس في حد ذاته فالخادم وسيلة إيضاح للفضائل ﴾ .
فمن الخادم نتعلم الصلاة والوداعة .. المحبة والتواضع .. فإذا أراد المخدوم أن يتعلم فضيلة فسينظر إلى الخادم وقد لا يتذكر المخدوم كلام الخادم ولكنه يتذكر مواقفه أي أنَّ المحبة العملية هي التي تبقى وتظل قدوة التصرف وقدوة المحبة وقدوة الإتضاع هي الباقية والقدوة لا تأتي بالتمثيل أو التظاهر أو الرياء لأنَّ كل فعل غير مفعول من القلب يتضح .. فالإنسان الذي يُظهر نفسه متضع تستطيع أن تفرقه عن الإنسان المتضع بالحقيقة .. فعلى الإنسان أن يكون قدوة صالحة وصورة لربنا يسوع المسيح .. وعندما كلم صموئيل النبي الشعب قال لهم إن كان قد أخذ شئ من أحد أو ظلم أحد أو قال كلمة رديئة على أحد فهو بهذا يريد أن يكون قدوة للمؤمنين .. ويقول معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس ﴿ كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الإيمان في الطهارة ﴾ ( 1تي 4 : 12) .
فالقدوة أساس روح الخدمة ولهذا يقول رب المجد ﴿ تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب ﴾ ( مت 11 : 29 ) .. وأيضاً ﴿ من منكم يبكتني على خطية ﴾ ( يو 8 : 46 ) .. فالخادم يُعتبر نموذج ولهذا فالمخدوم يقلد الخادم ويتشكل بشكله وبفكره وفي كلامه وفي تصرفه وفي ملابسه .. ولهذا فعلى الخادم أن يكون ملح جيد لأنه إن فسد الملح فبماذا يملح ( مت 5 : 13) .. فلابد أن نقدس ذواتنا من أجل الرسالة التي أعطاها الله لنا وأن نكون قدوة .
فمثلاً على الخادمة أن تلبس ملابس حشمة داخل الخدمة وخارجها لأنَّ أولادها قد يروها في أي وقت .. وهناك كتاب هام وهو * البابا كيرلس مدرسة الفضائل * فكل إنسان يستطيع أن يتعلم الفضائل من البابا كيرلس لأنه هو فضيلة فنتعلم منه الصلاة والإحتمال والبذل والعطاء .. وهناك قصة جميلة وهي يُحكى أنَّ إنسان كان يجلس عند الأنبا أنطونيوس ولم يتحدث فقال له الأنبا أنطونيوس لماذا لا تتكلم وتسأل مثل باقي إخوتك ؟ فقال له * يكفيني النظر إلى وجهك يا أبتي * .. فالتسليم حياة وعلى الخادم أن يُسلم روحه وفكره ولا يكون ذلك مجرد كلام أو نظريات .
6) الجدية :
============
إحذر من أن تأخذ الخدمة باستهتار أو بكسل فالخدمة هي عمل الله ويجب على الخادم أن يكون عنده روح بذل وتضحية وحب وعطاء .. ومن أكثر الأشياء التي تتعب الخدمة هي أنَّ هناك بعض من الخدام يدخلوا الخدمة منظر أو ديكور أو ليُطلق عليهم إسم خادم .. وقد يظن البعض أنَّ الخدمة ستعطي للخادم مجد أو كرامة ولكن الخدمة عطاء وحب .. وعلى الخادم أن يتعب والخدمة تتطلب من الخادم أن يضحي بأمور أخرى من ضمنها الوقت .. وقد يأخذ وقت من دراسته للخدمة ولهذا فالخدمة عطاء وليست أخذ .. وأيضاً الخدمة تحتاج إلى مجهود في التحضير وتجهيز الدرس .. ويقول سفر أرميا آية هامة وهي ﴿ ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة ﴾ ( أر 48 : 10) .. وسمة هذا الجيل أنَّ أكثر أولاد الكنيسة خدام ولكن من منهم يتعب في الخدمة ؟ فسنجدهم عدد قليل وقد قال معلمنا بولس الرسول عن الخدمة أن نَنفِق ونُنفَق .. * فنَنفِق * تعني أنه يدفع أو يعطي من ماله .. و * نُنفَق * أي نتعب وهذه هي جدية الخدمة .. وأيضاً ﴿ من أجلك نمات كل النهار قد حُسبنا مثل غنمٍ للذبح ﴾ ( رو 8 : 36 ) .
ومن أجمل النماذج عن الجدية هو نحميا النبي فكان الناس تبني بيد والسلاح جانبهم وعندما وجد نحميا الناس خائفة ومُحبطة وفيها ضعف فقال لهم ﴿ إله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبني ﴾ ( نح 2 : 20 ) .. ومن كثرة جدية العمل أنَّ نحميا وغلمانه لم يكن لديهم وقت لكي يخلعوا ملابسهم وكل ذلك لكي يبنوا أسوار أورشليم .. وعندما كان يذهب أي أحد ليشرب كان يذهب ومعه سلاحه وهذه هي الجدية ولكن كل شخص على قدر طاقته .. وهناك قول لسيدنا البابا وهو ﴿ إذا تعب الخدام فالناس سترتاح وإذا استراح الخدام فالناس ستتعب ﴾ .. ولكن كل شخص على قدر طاقته .
فمثلاً في مثل الوزنات يوجد من أخذ وزنة وآخر وزنتين والأخير خمسة وزنات ولكن الأهم هي الأمانة لنسمع هذا القول ﴿ كنت أميناً في القليل فأُقيمك على الكثير ادخل إلى فرح سيدك ﴾ ( مت 25 : 21 ) .. ويقول القديس بولس الرسول لتيموثاوس ﴿ تمم خدمتك ﴾ .. وأيضاً ﴿ اعمل عمل المبشر ﴾ ( 2تي 4 : 5 ) .. فالخدمة تريد جدية وأمانة ونجد مدى غيرة وأمانة معلمنا بولس الرسول في خدمته فكان يطوف كل البلاد ولهذا يقول ﴿ قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان وأخيراً قد وُضع لي إكليل البر ﴾ ( 2تي 4 : 7 – 8 ) .. ويُحكى على خادم كان يخدم في القرى فكان يجمع الناس في منزل ويرنموا ثم يقول لهم كلمة وبعد ذلك ينصرفوا فبعض الناس غير مسيحية أمسكوا هذا الخادم وضربوه وقالوا له * إذا حضرت في المرة القادمة سنكسر رجلِيك * .. فذهب هذا الخادم إلى الأسقف وحكى له ما حدث وقال له ماذا أفعل ؟ هل أذهب مرة أخرى أم لا ؟ فقال له الأسقف كما تريد .. فقرر الخادم أن يذهب وفعلاً هؤلاء الناس أمسكوا الخادم وكسروا رجليه وقالوا له إذا حضرت المرة القادمة فستموت وذهب هذا الخادم إلى الأسقف مرة أخرى وحكى له ما حدث ثم قال له ماذا أفعل ؟ فقال له الأسقف إن أردت أن تذهب فاذهب وإذا كنت لا تريد فلا تذهب فقرر هذا الخادم أن يذهب مرة أخرى لهذه القرية وفعلاً أمسكوه هؤلاء الناس وضربوه حتى استُشهد هذا الخادم .. وهنا سؤال هام هل الخادم يشعر بخدمته .. أو أنَّ خدمته مجرد شكل ؟ فاحذر من أن تكون الخدمة شكل أو وسيلة لتأخذ بها كرامة أو مجد في الكنيسة .
7) التشجيع :
===============
يقول القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي ﴿ شجعوا صغار النفوس أسندوا الضعفاء تأنوا على الجميع ﴾ ( 1تس 5 : 14) .. وكلمة * صغار النفوس * تعني الذي يشعر أنه ضعيف أو أنه أقل من غيره فعندما ترى إنسان صغير النفس فعليك أن تشجعه وإذا عرفت أنَّ هناك شخص في ضعف لابد أن تستر عليه ولا تُشهر به وإذا رأيت شخص أقل منك فعليك أن تشجعه ولا تحتقره وتصلي من أجله .. وأحد علماء النفس يقول ﴿ أنه من الممكن أن يعيش إنسان بدون أكل لمدة أسبوع وبدون ماء لمدة ثلاثة أيام وبدون أكسچين لمدة 3 دقائق ولكنه لا يمكن أن يعيش بدون تشجيع دقيقة واحدة ﴾ .. أي أنَّ التشجيع أهم من الهواء الذي نتنفسه لأنه مهم للبناء النفسي .. ولذلك فنحن نحتاج إلى التشجيع في الخدمة وفي الحياة .
ولكن أحياناً يتكلم الإنسان بطريقة فيها إحباط أو تعب للناس أو تعيير مثل أصحاب أيوب الذين قالوا له أنَّ ما أصابه هو نصيب الأشرار .. وقالت له امرأته بارك الله ومت ( أي 2 : 9 ) .. فلابد أن تشعر بالضعفاء ولهذا يقول الكتاب المقدس ﴿ اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم ﴾ ( عب 13 : 3 ) .. وأيضاً ﴿ قوموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة ﴾ ( عب 12 : 12) .. والمقصود * بالأيادي المسترخية * أي الأيادي غير العاملة التي لا تصلي فعلينا أن نشجعهم لكي يصلوا ويعيشوا مع الله .. ويُحكى عن الأنبا مقار أنه في ذات يوم سأل تلاميذه وقال لهم * إذا رأيتم إنسان يغرق فماذا ستفعلوا ؟ فقالوا له أنهم سينقذوه .. ولكنه قال لهم ولكني أرى غير ذلك فأنا أرى أنكم إذا رأيتم إنسان يغرق فإنكم تشدوه إلى أسفل وليس إلى فوق * .. وعندما أرسل الله موسى النبي حتى يخلص الشعب ويتكلم أمام فرعون قال موسى أنه لا يستطيع أن يتكلم لأنه ثقيل الفم واللسان ولكن الله شجعه ( خر 4 : 10) .. وأيضاً شجع الله أرميا وقال له ﴿ لا تقل إني ولد ﴾ ( أر 1 : 7 ) .. والله شجع جدعون القاضي بالرغم من أنَّ عشيرته من أصغر عشائر إسرائيل ولهذا يقول في سفر يؤئيل ﴿ ليقل الضعيف بطل أنا ﴾( يؤ 3 : 10) .. والله أيضاً شجع يشوع عندما أمسك بالقيادة بدل موسى وقال له لا تخف تشدد وتشجع .. وشجع الله اللص اليمين الذي شعر بخطيته وقال له ﴿ اليوم تكون معي في الفردوس ﴾( لو 23 : 43 ) .. وعندما صعد الله إلى السماء قال ﴿ ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر ﴾ ( مت 28 : 20 ) .. فعلى الإنسان أن لا يتصيد أخطاء الناس ولكن يصطاد فضائلهم ويشجعهم ويقول لهم كلمة طيبة .. والإنسان الذي يشجع ويحترم الآخرين يكون محبوب جداً فعلينا أن نشجع بعضنا في الخدمة ونشجع أولادنا وأن يكون لدينا نظرة تبني وأن يكون عند الخادم روح التشجيع التي تبني وليست التي تهدم .ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين