اعماق الخادم

يقول معلمنا بولس لتلميذه تيموثاوس « ما سمعتهُ مني بشهودٍ كثيرين أودعهُ أُناساً أُمناء يكونون أكفاء أن يُعلِّموا آخرين أيضاً » ( 2تي 2 : 2 ) .. إن الخدمة الكنسية هي عمل إلهي .. إذن على كل من يعمل في الكنيسة وكل من يعمل لله أن يكون على علاقة بالله لكي تحصل على توجيهات الله وتسير على سياسته .
الأساس الروحي والبناء الروحي للخادم هو أساس الخدمة .. لذلك نتحدث عن نقطتين هما :
1. ما هي الخدمة ؟
2. صفات الخادم .
أولاً : ما هي الخدمة ؟
الخدمة هي امتداد لتدبير خلاص الرب يسوع .. ما فعله يسوع من حب وتسليم ذات وصليب وفداء ووصايا .. فإننا مؤتمنين على هذا الفعل .. نحن نُكمل تسليمه للأجيال ( أي الخلاص ) .. فعلينا أن نُبشر بموته ونختبر محبته ونزرع تعاليمه عند أحبائنا .
أمنَّ الله على نقل خيراته للآخرين .. هذا أمر جوهري وسري جداً .. الخدمة استمرار لعمل الله .. فإن من محبة الله لنا إنه سمح لنا أن نخدمه .. إن من صلاة الكاهن السرية يقول « أنت يا الله من كثرة صلاحك إحتملت أن نصير لك خدام » .. إذن الخدمة بالنسبة لأولاد الله هي ضرورة وليست إختيارية .. ووجدنا القديس يوحنا فم الذهب يقول « لا يوجد مسيحي لا يخدم » .. طالما تمتعت ببنوة الله فعليك أن تخدم لأنك ابن والباقين هم إخوتك .
الخدمة رسالة التفاعل بها يأتي عندما أتفاعل أنا مع الخلاص .. في هذا الوقت لا أطيق أن أتمتع به بمفردي .. هو الذي غفر لي خطاياي .. أحبني .. أعطاني .. « ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب » ( مز 34 : 8 ) .. مثل ما فعلت السامرية عندما تلامست مع المسيح .
أرميا النبي قبل السبي وصلت الناس إلى ذروة الخطية .. رغم كلام أرميا لهم .. حتى مَلْ جداً منهم وقال إنه لا يخدم ثانية .. ثم وجدناه بعدها يقول « قد أقنعتني يارب فاقتنعت وألححت عليَّ فغلبت ..... فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه فكان في قلبي كنارٍ مُحرقةٍ محصورةٍ في عظامي فمللت من الإمساك ولم أستطع » ( إر 20 : 7 – 9 ) .. رأينا أيضاً معلمنا بولس الذي يكرز في كل مكان ( المجمع اليهودي .. البيوت .. الشوارع .. الأسواق ) أيضاً كان يكرز في السجن حتى وصل تكريسه في بيت قيصر .
عندما تختبر عمل المسيح في حياتك هنا ستُصبح خادم .. حتى لو لم يكن لك الشكل أو المكان مثل مارمرقس كاروز الديار المصرية ولكن الذي عنده هو الإرادة والنفس التي تشهد للمسيح .
إن الخدمة هي انفعال لإنسان شعر وذاق .. إعرف المسيح وادخل معه في عشرة .. قدم مشاعرك لكي ينقل الفائدة للآخرين .. وبقدر صدقك في ما تقول ومقدار فرحك هم الدليل إن خدمتك مقبولة عند الله .. وانتظر لأن عمل الله متدرج .. فقط كن أمين فيما تفعل أما الثمر على الرب .
المعروف أن الكلام يستمد قوته من قائله .. عليك أن تشعر فقط أن الكلام ليس نظريات وكلمات أو معلومات .. ولكن الموضوع هو فكر روحي ونعمة روحية تنتقل عن طريق قناة ونحن شهود لعمل الله وأدوات في يده .
ثانياً : صفات الخادم :
يجب على الخادم أن يكون له حياته الخاصة .. فالقديس مارإسحق يقول « الكلام عن العسل شئ ومذاقة العسل شئ آخر » .. أن تعرف الله شئ وأن تكون تذوقت الله شئ آخر .. وعندما يأتي إليك عطشان لا يصح أن ترسم له ماء على الحائط .. إذن الخادم الذي نريده هو الخادم الذي يشهد له المخدع والمذبح أكثر ما يشهد له المنبر .
الأمر ليس حركة اجتماعية أو نشاط .. الخادم عليه الإهتمام أولاً بحياته الداخلية ( صلاته .. إنجيله .. قداسه .. عِشرته .. قراءاته ) .. إننا نعرف إن الأجيال تضعُف كثيراً بسبب التكنولوچيا .. الإنترنت .. دِش .. إنفتاح .. صداقات .. أماكن ترفيه .. لهو .. وتظهر براعة الخادم في كل هذا لأن تأثير الخدمة يظهر بالأكثر في وسط الشر .
كيف تتكلم على الشفاء وأنت أول المرضى ؟ كيف يكون الخادم غير مُبالي بأمر خلاصه ؟ فعليك أن تقف مع نفسك وتجاهد في التخلص من خطاياك وترفضها .. وإذا وقعت قم سريعاً .. وكلمة الله على أفواهنا وفي قلوبنا .. ولا ننقطع أبداً عن التسبيح والتوبة والمواظبة وعاشقين لكلمة الله ومُحبين لكنيستنا .
هذه هي البداية لكي يُعلِّم ويخدم وتكون خدمته لها تأثير .. المهم هي المصداقية فيما تقدمه وما ترغب في توصيله للمخدوم .
الخادم يقدم نكهة لها طعم .. هذه النكهة هي وعاءك الشخصي .. وهذا الوعاء له طعم .. ويوجد طعم يُحبب وهناك طعم يتعب .. ما هي أهدافك واشتياقاتك ؟
معلمنا بولس الرسول يقول « خطبتكم لرجلٍ واحدٍ لأُقدم عذراء عفيفةً للمسيح » ( 2كو 11 : 2 ) .. على الخادم أن يأتي بالنفوس إلى الله مثل قصة أليعازر الدمشقي الذي جاء بسارة العروس إلى أبونا إسحق العريس ليتزوجها وهو في الطريق أخذ يُحدثها عن العريس حتى وصلا إليه .
هذا هو دور الخادم مثل أليعازر الدمشقي عندما أخبر سارة بأن إسحق أحن وأطيب من أبيها .. إنه معطاء أكثر من أي شئ .. وأنه هو المُغني وهو المُشبع .. تخيل لو لم تكن قد عرفت هذا الكلام عنه واختبرته بنفسك هل تستطيع أن تقول هكذا ؟
إن معك الكنيسة والإنجيل .. أي هدايا عليك أن تعطيها لغيرك .. ضع أهداف لنفسك ولخدمتك وقيِّمها .. ولا تستمر في الخطأ لأن الله لا يُحاسبنا لماذا أخطأنا ولكن سيُحاسبنا بشدة لماذا استمرينا في الخطأ .. وسيُطالبنا بثمن توسلاته السابقة .
الله دعانا دعوة الخدمة .. فهي دعوة تقديس وإكرام .. فأنت خادم مع سيد ملوك الأرض .. يطلب منك عمل ويطلب أن تقول كلام .. « تُبشرون بموتي وتعترفون بقيامتي وتذكرونني إلى أن أجئ » .
القديس الشيخ الروحاني يُخاطب الله ويقول له « من رآك واحتمل أن لا يراك .. من سمع صوتك واحتمل أن يحيا بدون سماع عذوبة صوتك » .. نراه في مخدعنا وفي مذبحنا .. نراه في إنجيله وأولاده والثمر والتوبة لأن كل شخص عاش المسيح أثمر للمسيح .. وكل من عاش خارج المسيح لم يأتي بنفس للمسيح وإن كان في حظيرة المسيح .
ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته
له المجد دائماً أبدياً آمين