الحياة رسالة من خلال حياة موسى النبى

Large image

بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين
فلتحل علينا نعمته وبركته من الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين
حياتنا نحياها لأجل رسالة .. ولابد أن نعرف أنَّ ظروفنا في حياتنا تخدم رسالة حياتنا وهذا يظهر من خلال حياة موسى النبي .. جيد عندما يقول الكتاب ” لما كَبُرَ موسى أنه خرج إلى إخوته لينظر في أثقالِهِم “ ( خر 2 : 11 ) .
تخيل موسى النبي ابن ابنة فرعون أي لا يوجد مِثله في مصر .. مُدلل .. مُثقف .. خرج لينظر أثقال شعبه .. شَعَرَ أنَّ له رسالة .. هكذا كل واحد منا له رسالة .. ماذا أفعل ؟ لا تقل لا أعرف أن أفعل شيء .. لا .. صعب تعيش في حدود نفسك فقط أو في حدود أسرتك الصغيرة .. لا .. لابد أن تعرف أنَّ الله قد يستخدمك في عمل عظيم .
جميل نحميا عندما أرادوا أن يجعلوه يترك السور وبُناءه قال لهم لا ” إني أنا عامل عملاً عظيماً “ ( نح 6 : 3 ) .. ثق أنَّ الله يُعدِّك بشخصيتك وبيئتك وثقافتك لعمل شيء عظيم .. هو صانعك وصانع ظروفك لتخدم رسالة وكل إمكانية أعطاها لك هي لخدمة رسالة يطلبها منك وليس بالصدفة .
ولنرى حياة موسى النبي وظروفه وكيف كانت :
أولاً : يصدُر أمر بقتل الأطفال الذكور المولودين في بني إسرائيل .
ثانياً : يُولد موسى النبي في نفس الوقت وكان جميل المنظر جداً .. ويسمح الله أنَّ القابلتين لا تُخبران بولادته ويتركانه حي .. وينمو الطفل قليلاً قليلاً .
ثالثاً : يسمح الله أن يُوضع الطفل موسى في سل له صفات خاصة ويُوضع في النيل حتى لا يغرق .. وتجده ابنة فرعون عندما خرجت لتستحم ومعها خادماتها وتسمع صوت الطفل فتُخرِج السل من الماء .. كان المفروض أن تقتله لكنها وجدت أنَّ منظره جميل فأخذته ابن لها .
ويتربى موسى في قصر فرعون أفضل تربية وينال أفضل ثقافة لأنَّ الله أراد أن يُعطيه ثقافة القصر وثقافة مصر ليكون له شخصية قوية تتحدى فرعون ويتعلّم ذلك داخل قصر فرعون .
هكذا الله وضع في حياتي ظروف لأخدم رسالة أعدَّني من أجلها .. وفي قصر فرعون يسمح الله أن تطلب ابنة فرعون مُرضِعة للطفل موسى فيأتون لها بأُمُّه .. أي أنه رضع من أُمُّه وبذلك جمع الاثنان معاً جمع حضن أُمُّه وانتمائه لشعبه شعب الله مع ثقافة فرعون وثقافة المصريين .. أراد الله أن يعطيه الإنتماء لشعبه وأن يتهذب بكل حكمة المصريين .. أُمُّه أرضعته اللبن وأرضعته الإيمان أيضاً .
تقول له أنت لستَ ابن لابنة فرعون بل نحن شعب الله وإيماننا كذا وكذا وأجدادنا كذا وكذا .. وشعبك مُضطهد ومُضطهده هو فرعون .. فَنَمَى وهو يعلم مَنْ هو ومَنْ هم شعبه ومَنْ هو فرعون .. ولما كبر خرج ليرى أثقال شعبه ووجد مُشاجرة بين يهودي ومصري فتدَّخل وقتل المصري دون قصد .. وفي اليوم التالي خرج أيضاً مرة أخرى فوجد مُشاجرة بين يهوديان وعندما أراد التدَّخل لتهدئة الأمر قال له أحدهما هل تريد أن تقتلني كما قتلت المصري أمس ؟ فعرف أنَّ الأمر صار معروف للجميع فخاف وهرب إلى البرية وظلَّ بها أربعين سنة .. حتى ضيقاته حوَّلها الله لخدمة خلاص الشعب لأنه في البرية تعلَّم طول الأناة والحُلم بدلاً من اتكاله على ذراعه البشرية القوية .. الله يستخدم ضعفاتنا لخلاص نفوسنا .
ماذا كان يفعل موسى في البرية ؟ كان يرعى الغنم .. هذا العمل به دروس كثيرة ومعظم رُعاة الشعب كانوا رُعاة غنم وحتى ربنا يسوع سمَّى نفسه " الراعي الصالح " ورُعاتنا يمسكون عصاة اسمها " عصا الرعاية " .. هكذا الله أراد موسى راعي حمَّله هذه المسئولية بدلاً من اتكاله على ذراعه البشري كما تعلَّم في قصر فرعون .. موسى الذي كان له سلطان في قصر فرعون ويأمر وينهي يتضع ويعمل راعي غنم أربعين سنة ليُعلِّمه الله كيف يتكل عليه .
كل هذه الأحداث ما كانت تحدث بدون قصد الله ليخدم رسالته في الخلاص ويتحول من شخص مُدلل مُكرَّم إلى شخص بسيط راعي غنم .. الله حقَّق جزء من خطته في القصر وجزء منها في البرية ليتعلَّم الرعاية والصبر والهدوء .
عندما دخل حزقيال النبي بيت الفخَّاري ووجده يعمل وعاء لكنه تلف فعاد وصنعه وعاء آخر كما حَسُنَ في عينيهِ .. هكذا الله جعل موسى النبي وعاء آخر .. وأنا أيضاً الله يشكِّلني وعاء آخر كما يحسُن في عينيهِ لخدمة رسالة الخلاص .. الله جعل موسى أكثر هدوء وعمق و....... سخَّر كل الأمور ليجعله خليقة جديدة .. الذي تهذَّب بكل حكمة المصريين وفلسفتهم شَعَرَ بضعفه .. ولما طلبه الله ليُخرِج الشعب من أرض مصر أعلن ضعفه لله .. الله تركه أربعين سنة في البرية ليُعلِّمه الصبر والاتضاع والحكمة والهدوء و....... أكثر صفة تميَّز بها موسى النبي هي الحُلم قال عنه الكتاب أنه كان حليم جداً أكثر من الجميع ( عد 12 : 3 ) .. والحُلم هو خليط من الصبر والحكمة والهدوء و......
عندما تكلّم عليه هارون ومريم إخوته عندما تزوج بالمرأة الكوشية دافع عنه الله وأصابهما بالبرص .. موسى النبي بحلمه صلى عنهما .
الله استخدم في موسى النبي كل مؤهلاته .. كل تجربة تمر بحياتنا لها قصد تخدم خلاصنا ورسالتنا مهما كانت قاسية .
كانت هناك سيِّدة تجاربها كثيرة جداً في حياتها وفي أحد المرات كانت تُعاتب الله فجاءها صوت يقول " مازلت أعمل " .. لأنه يراها تحتاج إصلاح في أمور مُعيَّنة .. الله أحياناً يضغط علينا ليصنعنا وعاء أكثر جمال .
يقول القديسون ” تحوَّل موسى من رجل غضوب ويثور ويقتل إلى مُهدئ لغضب الله “ .. كان موسى يُهدِّئ غضب الله على شعبه ويشفع عنهم .. يقول لله ” ارجع عن حمو غضبك “ ( خر 32 : 12 ) .. كل هذه الصفات كان مِمّا تعلَّمه في البرية وفي القصر .
كل ما يسمح به الله هو لصالح رسالتنا وخلاصنا .. ظروفك .. كنيستك .. الناس الذين تتعامل معهم .. التجارب التي تُصيبك .. كل ذلك لصالح خلاصك ورسالتك .
بولس الرسول منذ طفولته تعلَّم الفريسية والناموس .. عرف الأعياد والذبائح والخِتان والشريعة و...... صار مُدقق جداً .. وكان نابغة ومُميز جداً وسط جيله في دراسته فأرادت عائلته أن تُنمي دراسته أكثر فأرسلته ليدرس اليونانية بأعلى مستوى ثقافي في وقته وأتقن اليونانية والشِعر والفلسفة اليونانية .. وبذلك تعامل مع اليهود وأخذ ثقافتهم وناموسهم وتعامل مع الأمم وأتقن لغتهم وثقافتهم وأخيراً استخدمه الله فعرف كيف يتعامل مع اليهود ومع الأمم .
قرأ العهد القديم بالعبرية واليونانية وطابقه مع العهد الجديد .. ظلَّ ثلاثة سنوات في صحراء العربية أعاد فيها دراسة العهد القديم في ضوء العهد الجديد .. كان القديس أُوغسطينوس صديق لبولس الرسول وكان له شهوتان أن يرى ربنا يسوع بالجسد وأن يرى بولس الرسول .. أيضاً القديس يوحنا ذهبي الفم كان يقرأ رسائل بولس الرسول يومياً لأنها عميقة جداً .. ويقول الآباء ” إن أردت أن تفهم العهد القديم اقرأ رسائل بولس “ .. تعرف ما هي الأعياد وما هي الذبائح وما هو الماء الخارج من الصخرة ومَنْ هو يشوع بالنسبة للمسيح ومَنْ هو ملكي صادق بالنسبة للمسيح و...... مُعلِّمنا بولس الرسول شرح كل هذا لأنَّ الله سمح أن يكون له الثقافة العبرية والثقافة الموسوية والثقافة اليونانية ليصل بكل هذا إلى خلاص نفسه ولرسالته .. إذاً اعرف أنَّ ظروفك تتخطّى نفسك لرسالة في حياتك .
يوسف الصديق .. تدليل والده وبيع إخوته له وسِجنه و..... لرسالة في حياته .. جيد أن يستخدمني الله .. في أحد المرات قال موسى النبي لله ” فقال موسى للرب ...... حتى أنك وضعت ثِقَل جميع هذا الشعب عليَّ . ألعلي حبلت بجميع هذا الشعب ....... “ ( عد 11 : 11 - 12 ).
عندما قال الله له اذهب إلى قصر فرعون لتُخرِج الشعب من أرض مصر اتضع أمام الله جداً وقال له أنا ثقيل اللسان فقال له الله سأجعل هارون لسان لك ( خر 4 : 10 – 16) .. الله استخدمه وهو صار شفيع .. وتفاوض في نفس القصر الذي تربى فيه لكن ليس مع فرعون الذي ربّاه بل مع فرعون آخر .. كان عليه أن يخاف ويهاب الموقف لكن كان لموسى مهابة شديدة .. الله استخدمه في خروج الشعب من مصر وفي قيادة الشعب في رحلة البرية وصار موسى رئيس الأنبياء ومن شدة تعلُّق الشعب به خبّأ الله جسده .
إن سمح الله لك أن تكون مُدرس .. مهندس .. طبيب .. مُحاسب .. محامي .. فاعلم أنك لن تكون مدرس لنفسك أو محاسب لنفسك بل لله .. الله يستخدم المدرس لجذب النفوس والطبيب ليعمل أعمال رحمة ويُنقذ الناس ويشهد للمسيح و...... أنت لستَ لنفسك الأمر أكبر من ذلك بكثير .. الله يُعدَّك ليستخدمك لرسالة عظيمة .. عندما تعرف أنَّ لديك رسالة تتعزَّى وكما يقول أهل العالم ” ما استحقَّ أن يُولد مَنْ عاش لنفسه “ .
أنت لك رسالة في الحياة .. فكَّر ماذا يريد الله منك ؟ الله يريد أن يتمجد بك وفيك وله رسالة يستخدمك فيها ويجعلك مصدر سلام وفرح وتعزية وجذب قد يجذب إنسان مدينة وقد يفرح إنسان هو ومَنْ حوله معه .. هناك مَنْ يُخصص حياته كلها لاختراع شيء مُعيَّن ليس لنفسه بل للبشرية .. يشعر برسالته .. كثيرون أفنوا حياتهم دون أن يروا ثمر لِمَا فعلوه .
أبونا ميخائيل سعد المُتنيح كاهن كنيسة السيِّدة العذراء بسموحة كان يجمع تبرعات لمشروع أسماه " بيت النِعمة " واستهزأ الجميع بالمشروع لأنَّ منطقة سموحة كانت مهجورة على حدود الأسكندرية والجميع قال إنه يحلم وخياله واسع ولم يشجعه أحد على بُناء بيت النِعمة حتى شعب كنيسته .. والآن هذا المبنى .. مشروع بيت النعمة شيء عظيم .. مستشفى وقاعة عزاء وبيت مُسنين وبيت مُغتربات و..... الله يستخدمك لهدف .
عِش هذا الهدف برجاء .. كثيرون يتعبون ويتركون بصمة وأثر عظيم وآخرون عاشوا لأنفسهم ولم يذكرهم أحد .. اعرف ماذا يريد منك الله .. عملك ليس لك شهادتك ليست لك .. دراستك ليست لك .. ظروفك .. إمكانياتك .. كل شيء أخذته من الله ليستخدمك لرسالة .. أعطاك ما يفيدك ليستخدمك وسيسألك عنه .
الله يُعطيك أن تكتشف عطاياه لك وماذا يريد منك ليستخدمك بنفس طبعك ومواهبك إن كنت طويل الأناة .. روحاني .. رياضي .. عازِف .. صوتك جميل .. مُتأمل .. خادم .. كل الأمور والعطايا منه جميلة استخدمها في رسالتك .. اعرف بماذا سمح الله لك واستخدمه لحسابه .
أحد الفتيات كانت تخدم أُمها المريضة طريحة الفِراش سنوات وكأنَّ الله يعدَّها لخدمة المرضى .. وبعد أن انتقلت الأُم للسماء جاءت الفتاة تطلب أن تخدم خدمة مرضى خاصة الأمراض الصعبة .. الله يُعدِّك لرسالة تمِّمها بأمانة .
الله يريد منا الكثير فلا تعِش لنفسك
بل عِش رسالتك وعطايا الله
ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته
له المجد دائماً أبدياً آمين

عدد الزيارات 1108

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل