بين القدوة والتعلق

أولادنا في الخدمة في بعض الأحيان يأخذوننا كقدوة وهذا شئ مطلوب .. ولكن أحياناً أخرى تتحول المسألة إلى تعلق .. شئ مهم جداً في الخادم أن يكون قدوة .. ومعلمنا بولس أوصى تلميذه تيموثاوس بطريقة واضحة ومباشرة بقوله ” كن قدوةً للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الإيمان في الطهارة “ ( 1تي 4 : 12) .. وربنا يسوع المسيح عندما تجسد كان من ضمن تدابير تجسده لكي يكون قدوة .. ” تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خُطواته “ ( 1بط 2 : 21 ) .
من رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل كورنثوس .. ” فمن هو بولس ومن هو أبلوس .. بل خادمان آمنتم بواسطتهما وكما أعطى الرب لكل واحدٍ “ ( 1كو 3 : 5 ) .. إن كورنثوس بلد غنية ومنفتحة كرز بها معلمنا بولس وذهب أيضاً إليها أبلوس وهو رجل فصيح وفيلسوف .. وقيل عنه في سفر الأعمال أنه كان خبيراً في طريق الرب ( أع 18 : 25 ) .. عندما ذهب إلى كورنثوس مدينة تحب الفلسفة فكان له مُحبين هو وبولس لكنهم لم يعتبروا أنهما أشخاص توصلهم للمسيح .. فجاء معلمنا بولس لكي يُصحح المفاهيم وقال لهم ليس الغارس شيئاً ولا الساقي شيئاً بل الله الذي يُنمي ( 1كو 3 : 7 ) .
(1) المسيح هو هدف الخدمة :
نطلب من الناس أن تحب المسيح وتُخلص للمسيح .. فإن الرب يسوع في صلاته الوداعية يقول ” أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته ..... أنا أظهرت اسمك للناس “ ( يو 17 : 3 ، 6 ) .. الخدمة هدفها أن يعرفوك أنت وحدك .. لأن الخادم وسيلة وليس هدف .. لأن المخدوم يبدأ معي – أي الخادم – ولا ينتهي معي .. لأننا نقضي فترة مع المخدوم طالت أم قصُرت فإنها ستنتهي .. المهم أن المخدوم يصل إلى المسيح في النهاية حتى إذا انتهت علاقتي به تظل علاقته مع الله مستمرة .. أعرَّفه الطريق إلى الله .
يُقال على الخادم أنه حضرة شفافة يرى من خلاله ولا يمنع الرؤية .. فكثيراً يُقال لخادم أنا عرفت المسيح يو ما عرفتك .. لأن هذا هو هدف الخدمة .
هدف الخدمة أن يتمجد ويتبارك ويرتفع إسمك العظيم القدوس .. تجعله يحب المسيح ويحب الجهاد الروحي ويعرف الوصية وأساسيات الحياة مع الله فيعرف يذوق ويحب ويستمر .. نذوقه جمال شخصيات الكتاب المقدس .. عذوبة ألحان الكنيسة .. جمال سِيَر القديسين .. جمال وعطايا الروح القدس .. أعرَّفهم كيف يحصلون على التعزية ويُصادقون الإنجيل ويكون هو سراج لرجله .. أعرَّفه عن المصادر وكما يقول المَثَل ” لا تعطي الفقير سمكة بل علمه كيف يصطاد “ .. أي أعرَّف المخدوم كيف يأتي بالمعلومة وما هو مصدر المعلومة .. على الخادم أن يزود المخدوم بكل المعلومات ويعرفه الطريق في الفترة التي ينبغي أن يمكث فيها مع الخادم .
يوحنا المعمدان كان مطلوب منه أن يُهيئ الشعب ليكون مُستعد للرب في ستة أشهر .. لذلك يجب أن يكون الهدف واضح .
أهم ما يشغلنا المسيح وليس أنفسنا .. لذلك كلنا يُكمِّل بعض وليس منا منافسين لأننا نعمل لأجل ملكوته السماوي .. هدفنا خلاص النفس .. نحن نُشكِّل مجموعة هدفها واضح وعلينا أن نعطي في مرحلة ابتدائي محبة الله .. في الإعدادي العقيدة والكنيسة والقديسين .. وفي ثانوي الجهاد الروحي والكتاب المقدس .
في الخدمة كل واحد يُكمِّل الآخر .. من يقول اللحن .. من يفتقد .. من يقول الدرس .. من يجهز المكان .. فالهدف واحد والله هو العامل بنا ونحن نخدم من أجله .. معلمنا بولس كان يذهب إلى مدينة يلقي عظة ولكن لا يُعمد – يوجد آخر يقوم بهذا – ثم يتركها ويذهب بلد آخر ثم يرجع ليفتقد الأخوة ( ) .. هدفه أن يعرفوا المسيح وليس هو .
(2) الخط الفاصل بين القدوة والتعلق :
قد لا يحتاج المخدوم إلى كلام ولكن يحتاج إلى نموذج .. فالقديس أغسطينوس يقول ” لا يخلُص عن طريقك إلا من يُحبك “ .. يجب أن تكون العلاقة أساسها المسيح وتوصل له حتى لا يتحول الموضوع إلى تعلق بالخادم .. حتى لو كان هناك تعلق يكون تعلق بالمسيح .. أي الذي يجمعنا هو عاطفة مقدسة في المسيح يسوع .
جميل أن يكون المسيح في خدمته وفي كلامه وتعليمه وعلاقاته مع المخدومين .. لذلك لو أردنا أن نأخذ الخط الفاصل بين القدوة والتعلق سنطرح بعض الأسئلة وعلينا معرفة إجابتها :
س : الإنسان في تعليمه ماذا يُظهر ؟ كلامنا ماذا يُظهر أنا أم المسيح ؟ مقدار الحديث عن نفسي المقصود به أن المخدوم يُعجب بي أم بالمسيح ؟ أحد الآباء يقول أن الإنسان في حياته يمر بأربعة مراحل :
1. مرحلة أنا لا المسيح .
2. مرحلة أنا والمسيح .
3. مرحلة المسيح وأنا .
4. مرحلة لا أنا بل المسيح .
أبونا ميخائيل إبراهيم كان يقول ” لو كان هناك ما هو حسن فهو من المسيح .. ولو كان هناك ما هو سيئ فإنه مني أنا “ .
س : ما مدى محبتي لإخوتي الخدام ؟ هل هي علاقة غيرة وأحب أن أزيد عنهم ؟ ما أجمل ما قاله يوحنا المعمدان عندما قالوا له أن يسوع يُعمد فقال لهم ” ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقُص “ ( يو 3 : 30 ) .. يجب أن يكون هذا شعار في الخدمة نقوله من قلوبنا .. ما مدى قبولي لموهبة أخويا ؟ موهبة الآخر تُكمِّل ضعفي وتُضيف علينا .
س : ما مدى مشاعري عند انجذاب المخدومين إلى غيري ؟ ما أجمل عبارة أبونا ميخائيل إبراهيم عندما يقول ” ليتمجد الله بي أو بغيري ويُفضل بغيري “ .. يرغب في الإختفاء عن الأنظار وهو راضي ما دام غيري قادر أن يفعل ما أفعلهُ أنا .. علينا أن نشعر أن هذا رصيد لجسد الله الواحد .
س : ما الذي يفعله الخادم عندما يكتشف أن هناك مخدومين مُتعلقين به بشكل ملحوظ ؟ هل يحاول ضبط ذلك ويوجه ذلك بشكل سليم ؟
س : ما مقدار الصلاة من أجل المخدومين وطرح آلامهم وضعفاتهم أمام الله ؟ ما دمت أصلي من أجلهم معناها إني أضع المسيح بيني وبينهم وبذلك تكون العلاقة صحيحة وكلما زادت الصلاة ستجد نفسك تحب أن تقل وغيرك يزداد .. الصلاة لهم هي صمام الأمان بينك وبينهم .. لذلك نجد أحد الآباء القديسين يقول ” ليتنا نتكلم مع المسيح عن مخدومينا أكثر من أن نُكلم مخدومينا عن المسيح “ .
س : ما هي حدود علاقتك بالمخدوم في أمور داخلية ربما لا تخصك ؟ أحياناً يقتحم الخادم حياة المخدوم لمعرفة أسرار خاصة يجب أن لا يعرفها .. المفروض أن أعرف ظروف المخدوم لكي أعرف كيف أخدمه .. ولكن ليس أكثر حتى لا يتحول الأمر إلى لون من ألوان التطفل .. لأنه يشعر أن المخدوم هذا مِلكه .. على إنه جهاز اشتراه .. فالكنيسة تحاول أن تعلمنا أن نخرج من أنفسنا إلى الآخر .. ومن عزلتنا إلى جسد المسيح كله .. جميل أن تعرف ما هو يسمح به لك أن تعرفه لأن عملنا عمل محبة .
الخادم كالقطار الذي يوصل المخدوم إلى حيث ينبغي أن يصل .. حتى لو كان ذلك بطريقة مريحة فإنه ينبغي أن يتركه في المكان الصحيح والمناسب .. القطار سريع ومُريح وجميل لكنه له دور ينتهي بمجرد الوصول إلى المكان الصحيح .. الخادم سِلك يمشي به التيار .. هو نفسه ليس له قيمة ولكن قيمته من التيار – أي المسيح – .معلمنا بولس يُشبِّه نفسه بالخاطبة فيقول ” خطبتكم لرجلٍ واحدٍ لأُقدم عذراء عفيفة للمسيح “ ( 2كو 11 : 2 ) .. وكأن بولس يتحدث لكل واحد ويكلمه عن المسيح ليقدمه للمسيح .. الخادم هكذا في النهاية يفرح بعشرتهم ويسعد باستمرارهم .. ” لكي نُحضر كل إنسانٍ كاملاً في المسيح يسوع “( كو 1 : 28 ) .. هذا هو دور الخادم وكلما تعمقنا في علاقتنا بالمسيح يسوع كلما عرفنا كيف نوصَّل المخدومين له ربنا يعطينا خدمة تُرضيه وتفرحه وتمجد إسمه القدوس ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ولإلهنا المجد دائماً أبدياً آمين