الخادم بين الانتماء والاغتراب

من سفر صموئيل النبي بركاته على جميعنا آمين .. « وقال داود لأوريا انزل إلى بيتك واغسل رجليك .. فخرج أوريا من بيت الملك وخرجت وراءهُ حِصَّة من عند الملك .. ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده ولم ينزل إلى بيته .. فأخبروا داود قائلين لم ينزل أوريا إلى بيته .. فقال داود لأوريا أما جئت من السفر .. فلماذا لم تنزل إلى بيتك .. فقال أوريا لداود إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي .. وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر .. فقال داود لأوريا أقم هنا اليوم أيضاً وغداً أُطلقك .. فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده .. ودعاه داود فأكل أمامه وشرب وأسكره وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده وإلى بيته لم ينزل » ( 2صم 11 : 8 – 13 ) .
نرى مدى انتماء أوريا الحثي الجندي .. أي رتبة صغيرة في الجيش ولكن نرى مدى إخلاصه وأمانته وغيرته .. وهذا هو الإنتماء فأنه :0
1- الإنتماء إحتياج .
2- سلبيات الإغتراب .
3- شروط الإنتماء .
أولاً .. الإنتماء كضرورة ( إحتياج ) :
الجميع يحتاج إلى الإنتماء وهو أنواع .. ننتمي للجنس البشري .. ثم ننتمي لنوع جنسه .. ثم إلى وطنه .. ثم إلى مجتمعه .. ثم عائلته .. هذه إنتماءات طبيعية .. أيضاً الإنتماء الديني .. الطائفي .. العرقي .. كل هذا داخل الإنسان لأنه إن عاش غريب فقد الهاوية وداخله يشعر بخلل .
إحتياج نفسي عند الإنسان أن يعيش داخل مجموعة .. ومهم أن يكون هناك إنتماء لبعضنا ولكنيستنا وبلدنا ولغتنا وانتماء لكل ما سبق .
رأينا موقف أوريا الذي لا يرى نفسه شخص هامشي بل شخص مؤثر وينتمي إلى هذه المجموعة وغيور على الإنتصار .. يشعر أنه جزء من هذا الكيان يميل إلى هذه المجموعة وأن إنتصارهم هو إنتصاره .. جزء من مجتمع يأخذ منه ويعطيه .
أيضاً بالنسبة لنا في الكنيسة .. إنها تعطينا وعليها أن تأخذ منا .. فنحن حلقة في دائرة فإن أقوى إنتماء لابد أن يكون إنتماء ديني كنسي أرثوذكسي .. الكنيسة تحقق لي وجودي وكياني .
الإنتماء يعمل على توسيع دائرة الإنسان ويُخرجه من أنانيته .. أما بالنسبة للإنتماء على المستوى الروحي أعلى من مجرد إنتماء لبلد .. وعليك أن تنتمي إلى المسيحية .. الإبروشية .. الأرثوذكسية .. الكنيسة .. ثم للخدمة داخل الكنيسة .. ثم للأسرة التي تخدم فيها داخل الكنيسة .. الشخص المُنتمي تجده مُخلص .. غيور .. مُنتج .
ثانياً .. سلبيات الإغتراب :
تشعر أنك غريب عن المسيحية .. وعن الإبروشية .. والأرثوذكسية .. والكنيسة .. وعن كل إخوته .. إحساس صعب جداً أن تعيش بدون دفء مجموعة .. إحساس مؤلم وقاتل .. كل شئ في حياته هو فيه مُتفرج .. لا يتأثر ويشعر بالغربة .
وإنه لا يكتفي بالغربة .. بل يعيش حياة النقد ( النقد الهدام ) .. دائماً يشعر بأنهم أهملوه وهو لم يُوظَّف فتتكون عنده مشاعر ما تجاه المجموعة .. وربما يكون هذا الإغتراب من الشخص .. ويمكن أن يكون السبب فيها بعض الظروف .
أحياناً نصنع غرباء عن أنفسنا بأننا لا نوظف طاقات أو إمكانيات .. إن الغريب هذا يمكن أن يكون أداة سهلى في يد أحد فنجده يميل لديانة أخرى أو طائفة أخرى أو جماعة متمردة من داخل الطائفة .. هو شخص مكمن أمراض .
صعب أن نعيش داخل كنيستنا ونحن غرباء .. الغريب لا يتفاعل مع أي قضية فيُصبح ناقد ومتمرد .. سلبي .. إن المشغول بشئ إيجابي لا تشغله السلبيات .. ما أجمل نحميا عندما طلبوه مجموعة من الأعداء وهو يبني سور أورشليم فرفض وقال لهم « إني أنا عامل عملاً عظيماً » ( نح 6 : 3 ) .. من يعيش حياة الإنتماء يشعر أن نقائص غيره هي نقائصه هو مثل عزرا وهو يصلي ويتضرع لله من أجل شعبه ويطلب منه أن يعفو ويرحم بما فيهم هو فيقول " إرحمنا " وليس " إرحمهم " .
ثالثاً .. شروط الإنتماء :
الإحساس بالجسد الواحد .. لسنا أفراد بل أعضاء في جسد واحد .. لذلك أشعر بوحدانية الجسد .. لذلك تقدس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قربانة واحدة ويقول القديس أوغسطينوس « أنتم في الكأس .. أنتم داخل الصينية » .. تجد نفسك عندك إحساس بالآخر في ألمه وضعفه وخطيته .. وعندما يكون عندك هذا الإحساس تشعر أن الآخر لا يُقلل منك وترغب أن تعمل في مجموعة عمل .. وتكون العلاقة ليس بها أي تنافس ولكنها علاقة تكامُل .
في الإنتماء نشعر بالجماعة والتكامل .. إنتمي لكنيستك وكن مُخلص لها لأفرادها ولنظافتها وصيانتها .. خدمتها .. الكل يُكمِّل الآخر والكل له دور ومهم .. وحذاري أن تنظر للكنيسة من الخارج .. أو يسمع لأُناس وظيفتها فقط أن تنقد .. فالحكيم يقول « مُشيع المذمة هو جاهل » ( أم 10 : 18) .. ليس عيب أن تنقد أو تقول رأي ولكن بثلاث شروط تقول هذا :0
أ- محبة .
ب- إتضاع .
ج- أن يكون لديك الإستعداد بأن الرأي يمكن أن لا يُنفذ .
إنتمي لجماعتك الصغيرة ثم للجماعة الأكبر فالأكبر .. جميل أن تشعر بالوحدة وأن تكون أمين في الدور الصغير الذي سمح الله لك به .. القديس أثناسيوس الرسول كان يقسم الإسكندرية على سبعة أجزاء ويضع مُشرف على كل جزء وكل جزء يقسمه إلى سبع أجزاء ويضع عليه مُشرف .. لكي يكون الجميع تحت أعين البعض لمعرفة ظروف الجميع .. لذلك يقول معلمنا بولس « مُلاحظين لئلا يخيب أحد من نعمة الله » ( عب 12 : 15) .
لا تكن غريب عن مسيحك .. أو مسيحيتك .. أو كنيستك .. وعندما تجد من هو غريب فعليك بعلاجه وذلك عن طريق محبتك وافتقادك .ربنا يعطينا نعمة لكي نكون أعضاء فاعلة ويكون لنا نصيب في جسده المقدس ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين