التلمذة

من سفر الملوك الثاني بركاته على جميعنا آمين .. « ثم قال له إيليا امكُث هنا لأن الرب قد أرسلني إلى الأردن .. فقال حي هو الرب وحية هي نفسك إني لا أتركك .. وانطلقا كلاهما .. فذهب خمسون رجلاً من بني الأنبياء ووقفوا قُبالتهما من بعيدٍ .. ووقف كلاهما بجانب الأردن .. وأخذ إيليا رداءه ولفَّهُ وضرب الماء فانفلق إلى هنا وهناك فعبرا كلاهما في اليبس .. ولما عبرا قال إيليا لأليشع اطلب ماذا أفعل لك قبل أن أُوخذ منك .. فقال أليشع ليكن نصيب اثنين من روحك عليَّ .. فقال صعَّبت السؤال .. فإن رأيتني أُوخذ منك يكون لك كذلك وإلاَّ فلا يكون .. وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نارٍ وخيل من نارٍ ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء .. وكان أليشع يرى وهو يصرخ يا أبي يا أبي مركبة إسرائيل وفرسانها .. ولم يرهُ بعد .. فأمسك ثيابه ومزقها قطعتين .. ورفع رداء إيليا الذي سقط عنه ورجع ووقف على شاطئ الأردن .. فأخذ رداء إيليا الذي سقط عنه وضرب الماء وقال أين هو الرب إله إيليا ثم ضرب الماء أيضاً فانفلق إلى هنا وهناك فعبر أليشع .. ولما رآه بنو الأنبياء الذين في أريحا قبالته قالوا قد استقرت روح إيليا على أليشع .. فجاءوا للقائه وسجدوا له إلى الأرض .. وقالوا له هوذا مع عبيدك خمسون رجلاً ذوو بأسٍ فدعهم يذهبون ويُفتشون على سيدك لئلا يكون قد حمله روح الرب وطرحه على أحد الجبال أو في أحد الأودية .. فقال لا تُرسلوا .. فألحوا عليه حتى خجل وقال أرسلوا .. فأرسلوا خمسين رجلاً ففتشوا ثلاثة أيامٍ ولم يجدوه .. ولما رجعوا إليه وهو ماكث في أريحا قال لهم أما قلت لكم لا تذهبوا .. وقال رجال المدينة لأليشع هوذا موقع المدينة حَسَن كما يرى سيدي وأما المياه فَرَدِيَّة والأرض مُجدبة » ( 2مل 2 : 6 – 19) .
من هذا الجزء نرى نموذج للتلمذة بأن يكون الشخص بيشرب من روح مُعلمه .. إن الخدمة تلمذة وأيضاً الحياة المسيحية كلها لأنها حياة تُعاش .. والحياة يلزمها ممارسة وتسليم وقدرة .. نموذج .. لذلك نتحدث في ثلاث نقط :0
1. ضرورة التلمذة .
2. شروط التلمذة .
3. بركات التلمذة .
أولاً : ضرورة التلمذة :
صعب أن يرسم الإنسان لنفسه منهج .. لابد أن تسلك حسب منهج آباء ومُعلمين ويستلم منهج مُعاش بخبرة مُعاشة يسلك بها .. هي ضرورة لأن لا يوجد من يتقن مهنة دون أن يُمارسها .
فالحياة الروحية تحتاج ممارسة وعليه أن يستلمها من مَنْ مارسها قبلاً .. يجب أن نكون تلاميذ عند مُعلِّم يرسم الطريق له ويشجعه ويدربه .. يعيش بالإرشاد والمشورة .. وبقدر أمانة التلميذ في تنفيذ نصيحة مُعلِّمه بقدر ما نعمة ربنا تفيده .. يحتاج إلى إرشاد يقول له إذا نمى .. أو تكبَّر .. إذا اشتهى .. كل هذا يحتاج لتعليم .. نعيش في مبدأ حياة .. لذلك أحب الرب يسوع أن يُسمِّي من ساروا معه في بداية حياته ( تلاميذ ) حملوا فكره وتعاليمه وسيرته .. تلاميذ في مدرسة الروح .. التلمذة ضرورة لذلك تجد في كنيستنا الجميع تلاميذ من أصغر تلميذ في مدارس الأحد .. للخدام .. للشمامسة .. الكهنة .. الأساقفة .. للبطرك .
لا يوجد من يعيش مع الله بطريقة روحية سليمة بلا مُرشد .. لأن الذين بلا مُرشد يسقطون مثل أوراق الخريف .
ثانياً : شروط التلمذة :
+ الشعور بالإحتياج إليه .. والرغبة في التعلم .. وعندما أُعلن احتياجي روح الله يُعلمني .. أيضاً بقدر اتضاعي ننال النعمة .
سأل تلميذ مُعلمه وقال : لماذا انقطعت المشورة من أفواه المُعلمين ؟ .. فقال له عندما وجد الله أن الذي يسمع يسمع ولا يعمل إنقطعت المشورة من أفواه المُعلمين .. وقال له أيضاً : أنت تسأل عن تفاصيل المدينة وأنت لم تقلع من الميناء بعد .
إنسان يبحث عن كلمة .. ويريد الأفضل .. يشعر أنه محتاج إلى معرفة .
الإتضاع .. تجد كثيراً من يسمع ليس للتعليم بل لكي يُقيِّم .. فكيف يكون هذا تلميذ وهو لا يرغب في التعلم والإتضاع ؟!! .. الأنبا أنطونيوس باتضاعه مجرد إنسانة قالت له إن هذا المكان ليس مكان رهبان ومن يريد أن يترهب عليه أن يدخل إلى داخل البرية .. فذهب وكانت هذه المرأة وكلامها سبب بركة له .. لأن قلبه متضع ويعرف كيف يسمع .
من يقول إنه غني ومستغني كيف يتعلم .. كما رأينا في أليشع الذي رفض أن يترك إيليا .
+ الثقة في المُعلم .. كيف يسمع أحد لشخص لم يثق فيه ؟!! .. إن أليشع سمعناه يقول « يا أبي يا أبي مركبة إسرائيل وفرسانها » .. يراه جيش عظيم .. من يريد أن يتتلمذ يرى مُعلمه كملاك الله .. أحد الآباء الكهنة كان لا يحب أن يكون كاهناً بل راهب فذهب إلى أبونا بيشوي كامل وقال له ذلك فماذا أفعل ؟ فقال له أبونا بيشوي بل كاهن لأنك ستنفع الخدمة أكثر .. فنفِّذ الكاهن هذا الكلام لأنه كان يثق تماماً في مُعلمه وفي تعاليمه .
+ الطاعة .. سمعنا في السنكسار عن البطرك الذي أتت له أفكار شديدة فذهب إلى أب اعترافه وقال له ذلك .. فطلب منه أن يذهب إلى الدير ويقوم بتنظيف دورات المياه من الفضالات وتنظيف البئر أيضاً .. وظل البطرك ينفذ هذا الأمر لفترة وهو مُتخفي حتى زال عنه هذا الفكر الشرير .. بعدها ذهب ثانياً إلى أب اعترافه وقال له إن الأفكار تلاشت فطلب منه الرجوع إلى مكانه .. كل هذا بكل طاعة دون تردد .
نفِّذ قانون يعطيه لك مُعلمك .. حتى لو كنت غير مقتنع نفِّذ .. فهناك سمة في الحياة الأرثوذكسية وهي أن التسليم يسبق العقل والعقل يسبق التسليم .. الممارسة تسبق العقل لذلك نجد في الكنيسة الأرثوذكسية يتناول الطفل قبل أن يعرف .. أما الكنيسة الكاثوليكية يعرف الطفل ثم يتناول .. لذلك فإن التعليم الأرثوذكسي يعلمك كيف تكون تلميذ وكيف تكون خاضع .
ثالثاً : بركات التلمذة :
1. أن تعيش في أمان لأنك ألقيت بهمك على غيرك .. بقدر ما ألقيت بمسئولية حياتك على مُعلمك فأنت ألقيت عليه مسئولية خلاصك .. إذن التلميذ يعيش في بركة .. « بركة إله أبي » .. ومَنْ يُحمل على كتف مُعلمه الله يحميه من التيه في الطريق .. وبقدر أمانة وطاعة الفرد بقدر ما يُؤمِّن الله سلامته وخلاصه على يد مُعلمه .. حتى لو كان مُعلمه دون المستوى .. بقدر طاعتك وأمانتك الله سيُؤمِّن لك الطريق .
لذلك الآباء القديسين نسمعهم يقولون « ثق في مُعرِّفك أياً كان .. فإن لم يُعطيك الله بسبب بره .. سيُعطيك الله بسبب إتضاعك » .. « من يقبل نبياً باسم نبيٍ فأجر نبيٍ يأخذ .. ومن يقبل باراً باسم بارٍ فأجر بارٍ يأخذ » ( مت 10 : 41 ) .. إن الله سيعطيك كلمة على فم هذا الرجل أي المُعلم .. إذن من بركات التلمذة الأمان .
2. وإنها تحفظ الإتضاع .
3. تضمن تواصل الأجيال .. وتجعلك تحافظ على التراث .. ولا تمس الموروث كي يكون الفكر واحد من جيل إلى جيل .. وتقول الآية « ما سمعتهُ مني بشهودٍ كثيرين أودعهُ أُناساً أُمناء يكونون أكفاء أن يُعلِّموا آخرين أيضاً » ( 2تي 2 : 2 ) .. إن من يرفض التلمذة يرفض المرجعية ويرفض خبرات الآخرين ويعتد برأيه وفكره إقتني قلب التلميذ باستمرار .. الإنسان المجتهد والذي يعطيه روح مُتجدد الله يعطيه وعي لكي يتعلم من أي شئ .. حتى وإن كانت حشرة .. لا تفقد مبدأ التلمذة في حياتك واطلب من الله أن يعطيك روحين من روح مُعلمك ..وأن يكون دائماً محمول على نفس فكرة " إله مُعلمك " .. كن تلميذ مخلص .. فإن كل من رغب في العِلم شعر بإنه في مزيد من الجهل الله يعطينا حياة تلمذة حقيقية نعيش تلاميذ ونحيا تلاميذ ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين