يا أورشليم يا أورشليم - جمعة ختام الصوم

بعد رحلة جميلة للصوم قدمت فيها الكنيسة صلوات وتنهدات وميطانيات أتت جمعة ختام الصوم التي تكلم بها عن أورشليم التي يجب أن تكون أورشليم جديدة .. قبل أن يقبل يسوع على أورشليم والصليب صار حوار بينه وبين الفريسيين وقالوا له أخرج من هنا لأن هيرودس يريد أن يقتلك لم يقولوا له ذلك إشفاقاً على يسوع بل نوع من الإستفزاز وكأنهم يخبروه أنه إن لم يقتلوه هم سيجد آخر يقتله .. السيد المسيح ذاهب أورشليم ليواجه الصليب وهيرودس خائف منه على نفسه ومركزه .
الذي يقرأ الكتاب ويربطه يجد أن هيرودس سأل عن المسيح مرتين .. مرة قالوا له أنه يوحنا المعمدان فإنزعج لأنه كان قد قتله فقال ﴿ هذا هو يوحنا المعمدان قد قام من الأموات ولذلك تعمل به القوات ﴾ ( مت 14 : 2 ) .. الذي يعيش بفكر هيرودس ومرتبط بالعالم يصير يسوع بالنسبة له مزعج وليس مصدر راحة وفرح بل خوف فيريد أن يقتله .. الإنسان المرتبط بالعالم عندما يجد صوت الله يحركه يرفض ويريد أن يقتله ويقول نريد أن نقضي وقت مرح بينما الشخص الروحاني يمتلئ سلام من صوت الله حتى ولو كان به لون من التوبيخ يحتفظ به في قلبه ويجعله لخلاصه .. بينما الإنسان المرتبط بالعالم تعاليم يسوع له مزعجة فيريد أن يقتله .
هيرودس سمع عن أعمال يسوع .. قد نقول له هذه فرصة يا هيرودس كي تتوب لكنه لم يستجيب .. هيرودس من عائلة معروفة أنها دموية فقد قتل إثنان من أولاده وأخ له وقتل المائة وأربعة وأربعين ألف أطفال بيت لحم .. أي أن يسوع بالنسبة له مزعج لذلك قال له يسوع ﴿ إمضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أُخرج شياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أُكمل ﴾ ( لو 13 : 32 ) .. ها أنا جئت لأعتق أولادي من سلطان العدو وأزعزع مملكة الشيطان وأشفي مرضى وأظل يومين وفي اليوم الثالث أقوم .. هنا يسوع يعلن أنه أحب إتمام الخلاص .. يسوع أقبل لأورشليم وقال ﴿ لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أورشليم ﴾ ( لو 13 : 33 ) .. قال ذلك وهو خارج أورشليم وكأنه يقول أنا أعلم أن هذا آخر دخول لي لأورشليم وسأُصلب وأنا جئت لأتمم الخلاص لأنه لا يهلك نبي خارج أورشليم .. هذا حال أورشليم القديمة التي رفضت نداءات الله وإنذاراته .اليوم الكنيسة إجتمعت لترفض أورشليم القديمة وأحبت أورشليم الجديدة .. الكنيسة التي تمتعت بالصوم جاءت اليوم لتدين أورشليم القديمة .. ربنا يسوع أحب أورشليم وأراد مرات أن تعود له لذلك قال ﴿ كم مرة أردت أن أجمع أولادِك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا ﴾ ( لو 13 : 34 ) .. ألهذه الدرجة أحببت يا الله أورشليم ؟ كم هي عظيمة محبتك يجيب نعم لكن هذه هي أورشليم القديمة النافرة من محبة الله .. النفس التي تكتشف محبة الله تفرح تخيل مشاعر دجاجة صغيرة تحتمي تحت جناح أمها – يا للسعادة والأمان – الله شملنا بهذه البركة .. يسألك لماذا تضطرب ؟ أنت تحت جناحي إن أتى ضرر سأتلقاه بجناحي وأحميك .. أدخل قلب الله لتشعر بملء الله وأمانه لذلك ذكر الله أورشليم أنها سافكة دماء والله يسجل دينونته عليها .. لذلك قال لها ﴿ يا أورشليم يا أورشليم ﴾ ( لو 13 : 34 ) .. أسلوب به تودد وعتاب .. هذا الأسلوب تكرر في الكتاب في مواقف مختلفة .. يا إبراهيم يا إبراهيم .. شاول شاول ( أع 9 : 4 ) .. مرثا مرثا ( لو 10 : 41 ) .. أي أنا أحبك جداً لماذا لا تبادلني الحب ؟ أنا أعرف أعماقك .. أسلوب يعبر عن حب وأسف .. تخيل لو أورشليم قبلت يسوع ودافعت عنه كيف يكون حالها ؟ تخيل لو ظلت مستقبله المسيح كيف كان حالها ؟
المدينة التي كان المفروض أن تكون مدينة الله واستقبلت المخلص وبها أقدس شعب هي المدينة التي رفضته وقتلته .. لذلك لم تكن أول مرة يعاتبها فيها لذلك قال لها ﴿ كم مرة أردت ﴾ .. كان دائماً يتودد لها ويرسل لها .. ﴿ بسطت يديَّ طول النهار ﴾ ( أش 65 : 2 ) .. مثل الدجاجة التي تخبئ تحت جناحيها لكنهم شعب متمرد .. كان يمكن لله أن يحميها من الرومان والإستعمار .. هي إسمها أورشليم أي مدينة السلام أي هي المفروض أن تكون مصدر السلام في العالم لكن للأسف رفضت ملك السلام .
كم من نفوس يريد الله أن يملأها سلام لكنها ترفض .. ولنرى في العهد القديم كم تودد الله لأورشليم وأرسل لها أنبياء كلموها .. يتودد ويرسل ولنقرأ سفر أشعياء وسفر أرميا .. أرسلت لهم لكنهم لم يميلوا آذانهم وصلَّبوا رقابهم .. الله يسجل دينونة أورشليم .. هي أمة لم تسمع صوتي لذلك تستحق التأديب .. ﴿ هوذا بيتكم يُترك لكم خراباً ﴾ ( مت 23 : 38 ) .. بيتها هو هيكلها .. قلبها النابض عندما يُترك خراب إنتهى الأمر .. كيانك يتوقف على قلبك أي هيكلك .. إن خرب هيكلك خرب كل كيانك .
لما خرب الهيكل صارت أورشليم بلا قيمة لا يأتي إليها زوار .. ﴿ طرق صهيون نائحة لعدم الآتين إلى العيد ﴾ ( مرا 1 : 4 ) .. صهيون تبكي القلب الذي ليس به ذبائح يكون في حزن ولا يصير له قيمة لأن الهيكل هو مصدر البهجة .. قلبك مصدر بهجتك إرفع ذبيحة لله بيد مرفوعة وكما يقول داود النبي ﴿ ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية ﴾ ( مز 141 : 2 ) .. ﴿ نقدم عجول شفاهنا ﴾ ( هو 14 : 2 ) .. كل مرة تقول * قدوس * تقدم ذبيحة .. صارت أورشليمك الداخلية مصدر عبادة وصار كيانك كله مصدر عبادة وتسبيح به رائحة المسيح الذكية .. لذلك عاتب رب المجد يسوع أورشليم القديمة وسجل دينونتها أما أورشليم الجديدة التي هي مصدر فرح الكنيسة .. خلال الصوم المقدس قرأت الكنيسة سفر أشعياء كله أول يوم قرأت الإصحاح الأول واليوم الأخير قرأت الإصحاح ألـ 66 .
في أول يوم تقرأ أشعياء * 1 * وفيه يدين الله أورشليم .. ﴿ فحين تبسطون أيديكم أستر عينيَّ عنكم ﴾ ( أش 1 : 15) .. ﴿ كل الرأس مريض وكل القلب سقيم من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جرح وأحباط وضربة طرية لم تعصر ﴾ ( أش 1 : 5 – 6 ) .. لكن بعد أن قضت فترة الصوم وأرضت إلهها صارت مسرة لله فيقول لها في أشعياء 66 إفرحوا مع أورشليم .. ﴿ هأنذا أدير عليها سلاماً كنهرٍ ومجد الأمم كسيلٍ جارفٍ فترضعون وعلى الأيدي تُحملون وعلى الركبتين تُدللون ﴾ ( أش 66 : 12) .. هذه قراءة اليوم .. أدير عليها سلاماً كنهر بينما الإنسان القديم يُترك له بيته خراباً لأنه دبر لله قتله أما أورشليم الجديدة ونحن شعبها مجتمعين حوله وهو باسط جناحه علينا ويقول لنا هأنا أدير عليكم سلام كنهر .. على الأيدي تحملون وعلى الركبتين تدللون .. أنت قريب مني وتذوقت محبتي لذلك سأضعك على ركبتيَّ وأدللك .. يا لكرامة النفس التي ترضي الله وتعيش مخافته .
أحياناً نقول أن الله غير راضي عنا وأنه قاسي يجربنا كثيراً .. أقول لك أنت لم تذق محبة الله الذي تذوق محبة الله يجد نفسه وسط التجربة والشدة لكنه يشعر أن الله يحوطه النفس القريبة لله تجد كل أعماله صالحة .. وكل ما يعمله هو تقدمة حب لهذه النفس لذلك الكنيسة تقول لك كم أنت محظوظ في محبة الله .. اليوم له مذاقة خاصة لنا فرحة أن الصوم غيرنا وحولنا من أورشليم مرفوضة إلى أورشليم جديدة محبون لله جداً .. هي أورشليم الجديدة .. أبواب صهيون .. العروس الحقانية التي إقتناها المسيح بدمه .. كل واحد منا له نصيب في جسد ودم المسيح وله الحق في دخول السماء .. تشترك في جسد الكنيسة الجديد وتأخذ نعمة الملكوت .. كنيسة لا تقتل الأنبياء بل تستقبل كلمة الله بفرح وكل كلمة تقول المجد لك يارب وتخبئها في قلبها لتثمر فيه وتعمل .. نفس تقبل كل كلمة هذه هي النفس التي تغيرت وقبلت المسيح .
اليوم تذكرك الكنيسة بأورشليم الرافضة لله وأورشليم القابلة لله التي سلامها كنهر وعلى الأيدي تُحمل .. لا تستكثر على نفسك غنى الله ولا تقف بعيداً عن عطاياه .. لا تكون أنت النفس المكتئبة والكنيسة في حالة فرح قل له فرح نفس عبدك .. قل له إن لم قد تغيرت فغيرني أنت وإن كنت أقتل رسلك إجعلني لا أضيع الفرصة لأتحول إلى أورشليم جديدة .. لأني لا أضمن أن عمري يمتد للعام القادم لأتغير في الصوم التالي لذلك غيرني الآن .. لا تستعفى من بركات الله التي يهبها مجاناً لنا الكنيسة توجه كل نفس قاسية وتشجع كل نفس فرِحة بالله فتعال مهيأ للفرح والعبادة ليثمر الله فيك ويثبت قصده ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين