المقالات

22 ديسمبر 2025

كيف تعترف

استعدادا للعام الجديد : 1 - لا بد أولا أن تقتنع بأنك مخطئ لكى تعترف بذلك أمام الله وأمام الأب الكاهن أما الذي يبرر ذاته أو يرى أنه على حق في تصرفاته فطبيعي أنه سوف لا يعترف. 2- في الاعتراف تعترف بخطاياك أنت وليس بخطايا غيرك ولا تلق التهمة على غيرك كما فعل آدم وحواء . 3- اجلس أولا وحاسب نفسك حتى لا تنسى. 4- كن مركزا في كلامك حتى لا تضيع وقت أب الاعتراف ووقت باقي المعترفين المنتظرين. 5- الاعتراف ليس هو في سرد حكايات إنما في ما تحكيه أذكر أين أخطأت لأن الاعتراف هو أن تدين ذاتك أمام الله في سمع الكاهن . 6- أذكر خطايا العمل وخطايا الفكر والقلب واللسان والحواس والنية بنوعيات وليس حكايات . 7- أذكر أيضاً أخطاءك بالنسبة إلى العبادة وكل وسائط النعمة كالصلاة والقراءة والصوم والاجتماعات الروحية .. الخ 8- الذكر اخطاءك بالنسبة إلى الفضائل الرئيسية کالایمان والتواضع والمحبة والوداعة وباقي ثمار الروح( غل ٢٢:٥ ) . 9- لا مانع من ذكر مقارنة بما قبل، وهل أتت في نمو روحي أم تأخر أم توقف أم فتور . ١٠- تقدم إلى الاعتراف بروح التوبة والخشوع مصمما من كل قلبيك على عدم الرجوع، مبتدأ من أسباب الخطية. ١١- ليكن يوم الاعتراف يوماً مثالياً له طابع خاص سواء في الاستعداد له أو في ما بعد الاعتراف بحيث لا تصرف تصرفاً يفقدك حرارتك الروحية. ۱۲- في عزيمتك على التوبة احترس من الاعتماد على ذاتك ، وإنما صل باستمرار أن يتحك الرب قوة . ١٣ - قد يحاربك الشيطان بعد الاعتراف ليسقطك ويوقعك في اليأس، وتتشوه البداية الجديدة التي بدأت بها فاحترس جداً وتنبه لكل محاربة وإن سقطت لا تقل لا فائدة وإنما قم بقوة أوفر وعزيمة أصدق . ١٤ - اعط أهمية كبيرة لمقاومة الخطايا المتكررة . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
21 ديسمبر 2025

الأحد الثانى من شهر كيهك لو 1 : 26 - 38

و في الشهر السادس ارسل جبرائيل الملاك من الله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة الى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف و اسم العذراء مريم فدخل اليها الملاك و قال سلام لك ايتها المنعم عليها الرب معك مباركة انت في النساء فلما راته اضطربت من كلامه و فكرت ما عسى ان تكون هذه التحية فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لانك قد وجدت نعمة عند الله و ها انت ستحبلين و تلدين ابنا و تسمينه يسوع هذا يكون عظيما و ابن العلي يدعى و يعطيه الرب الاله كرسي داود ابيه و يملك على بيت يعقوب الى الابد و لا يكون لملكه نهاية فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا و انا لست اعرف رجلا فاجاب الملاك و قال لها الروح القدس يحل عليك و قوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله و هوذا اليصابات نسيبتك هي ايضا حبلى بابن في شيخوختها و هذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرا لانه ليس شيء غير ممكن لدى الله فقالت مريم هوذا انا امة الرب ليكن لي كقولك فمضى من عندها الملاك بشارة الملاك للعذراء ليتنا نتأمل اليوم في بشارة الملاك جبرائيل للعذراء القديسة مريم وكلماته معها التي تكشف لنا عن شخصيتها الفريدة وشركتها مع الله لعلنا نأخذ بركة لحياتنا بشفاعتها. تحية الملاك تحية الملاك للعذراء خالية من المجاملات وتختلف عن تحية الناس انها تكشف عن حقيقة العذراء أمام الله ،و التي وما زالت أسراراً غاية في العمق لأن العذراء القديسة لم تكن لاحد : لأنها كانت كلها للرب فمن يا ترى يعرف سرها أو من يستطيع أن يخبر بما في قلبها انها جنة مغلقة ينبوع مختوم كما يقول سليمان الحكيم . ممتلئة نعمة " السلام لك يا ممتلئة نعمة" الامتلاء من النعمة يسبقه دائماً تفريغ القلب من العالم والعالميات ومن يا ترى بلغ هذا الاخلاء والتفريغ لله مثل العذراء عاشت بكليتها لله لم تأخذ من العالم لا اسم ولا مركز ولا شهوة ولا سلطان ولا كرامة ولا مجد الناس ولا ملكية فى شيء عاشت في العالم ومع الناس ،ولكن قلبها كان مسكنا لله وليس لآخر طوباك يا ممتلئة نعمة "واشفعى فينا لكي يعطينا الرب أن نمتلىء من النعمة" عندما نتكلم عن العذراء القديسة نتكلم عن ملئها من النعمة ،وحينما تخدم العذراء تخدم من ملء النعمة كل حركة فى حياتها كانت ممسوحة بالنعمة . "أشفعى فينا أن تصير حياتنا وكلامنا بنعمة في كل حين ، مملحاً بملح لكي يعطى نعمة للسامعين" "أشفعى فينا يا ممتلئة نعمة لكي تصير حياتنا نوراً للعالم وملح للأرض وتكون سبب بركة وخلاص لكل أحد". الرب معك لم يختبر أحد من الناس حياة الوجود مع الله ، قدرك أيتها العذراء القديسة هكذا شهد لك جبرائيل المبشر أن الرب الإله حال معك لانك خضعت بكليتك لحبه الإلهى واتضعت أمامه حتى تطلع من السماء فلم يجد من يشبهك ،وها جبرائيل يحمل إليك بشارة حلول ابن الله في أحشائك طوباك يا من عرفت كيف تكون الحياة مع الله فأنعم عليك بالاتحاد به كجنين في بطنك وها أنت صرت مثل قسط الذهب الذي صار المن مخفى فيه "أشفعي فينا يا من في داخلك أستراح ابن الله وقدم نفسه فيك خبز الحياة نازلا من السماء من عند الآب" "أشفعى فينا يا كرسى الله .وأفتحى أمامنا باب الاتحاد بالله وعلينا أن نقترب إلى خبز الحياة ونأخذ جسد الكلمة من على المذبح ونحيا به من الموت ونثبت فيه وهو فينا ". مباركة أنت في النساء بسبب حواء دخلت اللعنة والخطيئة إلى العالم وبسبب العذراء صار الخلاص والفداء لجنسنا صرت بركة وسبب بركة وتبارك في نسلك كل قبائل الأرض السماوات تطوبك أيتها العذراء القديسة وكل البشر يكرمونك من أجل أنك صرت بركة للجميع حتى الذين يشكرون الإيمان يتشفعون بك في ضيقتهم يعرفون حقاً انك مباركة فى النساء أشفعى فينا لكي نكون باتحادنا بالمسيح وعمل روح القداسة بركة لكل أحد نحب بعضنا من قلب طاهر فنكون تلاميذ الرب نقدم المسيح للعالم و نسمى كسفراء نقول للناس تصالحوا مع الله فنكون مباركين وسبب بركة. فلما رأته أضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية . ما أجمل اتضاعك يا أمى العذراء انك في عينى نفسك لا تستحق كل هذا السلام لهذا أضطربت لم تقبلى مدحاً من إنسان ولا أخذت أجرة من الناس كانت حياتك السرية مع الله تخشى كلام الناس وفضول المديح الكاذب . علميني يا أمي وأشفعي في أن أكون في اتضاع مثل سيدى الذي قال" مجداً من الناس لست أقبل " هذا طريق صعب انه ضد طبيعتي التي تريد أن تتعظم أمام الناس وتقبل مجد العالم علمنى أعمل في الخفاء وأصلى في المخدع وأبغض حب الظهور وأنكر ذاتى ولا أفرح بكلام الناس عنى بل أضطرب حتى لو مدحنى ملاك من السماء إن العذراء القديسة لم تضطرب من منظر الملاك مثلما قيل عن زكريا الكاهن" فلما رآه زكريا أضطرب ووقع عليه خوف " لانها كانت تنظر في داخلها منظراً أعظم من ملاك ، إذ صار قلبها عرشاً لله ومسكناً لروحه القدوس ، إنما هي أضطربت من كلامه ومديحه. تلدين ابناً وتسمينه يسوع : إن اسم يسوع معناه المخلص . القديسون عرفوا قيمة هذا الاسم المبارك أسم الخلاص الذي لربنا يسوع فعشقوا هذا الاسم وصار في أفواههم تسبحة دائمة وصلاة بلا انقطاع أما العذراء القديسة مريم فهي أول من تلامس مع أسم يسوع على مستوى الاتحاد ، فلم يكن أسم يسوع كلمة في فمها بل كان الكلمة التي في أحشائها ،ولم تكن العلاقة بين العذراء القديسة وجنينها الإلهى مجرد علاقة جسدية بل كان هناك رباط آخر وهو إدراك العذراء ومعرفتها بأسم الجنين " يسوع المخلص" ومعرفتها بقوة الخلاص روحيا . لذلك هتفت قائلة " تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصي " ان العذراء لم تحمل الرب كجئين في بطنها فقط ، بل كقوة للخلاص تمتعت بها العذراء في روحها وفي أحشائها الباطن شفاعتها تكون معنا آمين . المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات روحية فى قراءات أناجيل آحاد السنة القبطية
المزيد
20 ديسمبر 2025

‏ما‏ ‏هي‏ ‏أهداف‏ ‏التجسد؟

كانت‏ ‏هناك‏ ‏مشاكل‏ ‏خطيرة‏ ‏أساسية‏ ‏فرعية‏ - ‏أمام‏ ‏البشرية‏ ‏بعد‏ ‏سقوطها‏, ‏ولم‏ ‏يكن‏ ‏هناك‏ ‏حل‏ ‏آخر‏ ‏سوي‏ ‏أن‏ ‏يتجسد‏ ‏الله‏ ‏الكلمة‏, ‏ليحل‏ ‏هذه‏ ‏المشاكل‏ ‏التي‏ ‏يستحيل‏ ‏أن‏ ‏يحلها‏ ‏غير‏ ‏الله‏ ‏ذاته‏. ‏وهذه‏ ‏المشاكل‏ ‏هي‏:‏ ‏1- ‏مشكلة‏ ‏التعرف‏ ‏علي‏ ‏الله‏:- ‏فالله‏ ‏روح‏ ‏غير‏ ‏محدود‏, ‏والإنسان‏ ‏ملتصق‏ ‏بالمادة‏ ‏ومحدود‏. ‏فهل‏ ‏يبقي‏ ‏الله‏ ‏عاليا‏ ‏في‏ ‏سمائه‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏الإنسان‏ ‏الملتصق‏ ‏بالمادة‏ ‏والحسيات؟‏ ‏وهل‏ ‏من‏ ‏المستطاع‏ ‏أن‏ ‏يصعد‏ ‏الإنسان‏ ‏إلي‏ ‏سماء‏ ‏الله‏ ‏رغم‏ ‏محدوديته‏ ‏وضعفه‏. ‏وهكذا‏ ‏تجسد‏ '‏كمعلم‏ ‏حكيم‏' -‏بحسب‏ ‏تعبير‏ ‏القديس‏ ‏أثناسيوس‏- ‏ليصير‏ ‏قريبا‏ ‏منا‏ ‏ومحسوسا‏ ‏لدينا‏.‏ ‏2- ‏مشكلة‏ ‏موت‏ ‏الإنسان‏:- ‏ وهي‏ ‏المشكلة‏ ‏الجوهرية‏ ‏والأساسية‏. '‏أجرة‏ ‏الخطية‏ ‏هي‏ ‏موت‏' (‏رو‏23:6). ‏هذا‏ ‏حكم‏ ‏إلهي‏ ‏لا‏ ‏رجعة‏ ‏فيه‏. ‏ليس‏ ‏لأنه‏ ‏مجرد‏ ‏إدانة‏ ‏غاضبة‏ ‏علي‏ ‏الشر‏, ‏بل‏ ‏لأن‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏الميل‏ ‏الطبيعي‏ ‏للنفس‏ ‏والروح؟‏ ‏ومن‏ ‏يقيم‏ ‏الأجساد‏ ‏بعد‏ ‏دفنها‏ ‏وانحلالها؟‏ ‏ومن‏ ‏يعطيها‏ ‏أن‏ ‏تتحول‏ ‏إلي‏ ‏أجساد‏ ‏نورانية؟‏ ‏ليس‏ ‏سوي‏ ‏الله‏ ‏قطعا‏.‏ ‏3- ‏فساد‏ ‏الطبيعة‏ ‏البشرية‏:- ‏ سقط‏ ‏الإنسان‏, ‏وتلوثت‏ ‏طبيعته‏, ‏وأصابها‏ ‏الفساد‏, ‏وكان‏ ‏من‏ ‏الممكن‏ ‏طبعا‏ ‏أن‏ ‏يسامحه‏ ‏الله‏ ‏رغم‏ ‏أنه‏ ‏حذره‏ ‏من‏ ‏العصيان‏. ‏لكن‏ ‏المشكلة‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏في‏ ‏رغبة‏ ‏الله‏ ‏أن‏ ‏يصفح‏, ‏بل‏ ‏في‏ ‏طبيعة‏ ‏الإنسان‏, ‏ومن‏ ‏يجددها‏ ‏له‏ ‏مرة‏ ‏أخري‏, ‏بعدما‏ ‏أصابها‏ ‏من‏ ‏الفساد‏. ‏وهذا‏ ‏العمل‏ ‏يستحيل‏ ‏علي‏ ‏الإنسان‏ ‏الساقط‏, ‏وعلي‏ ‏أي‏ ‏نبي‏ ‏أو‏ ‏ملاك‏, ‏فالكل‏ ‏مخلوق‏ ‏ومحدود‏, ‏وخلق‏ ‏الإنسان‏ ‏من‏ ‏جديد‏ ‏يحتاج‏ ‏إلي‏ ‏الخالق‏ ‏نفسه‏.‏ ‏4- ‏مشكلة‏ ‏سطوة‏ ‏الشيطان‏:- ‏لقد‏ ‏أخضع‏ ‏الإنسان‏ ‏نفسه‏ ‏بنفسه‏ ‏تحت‏ ‏سطوة‏ ‏الشيطان‏, ‏فقبض‏ ‏عليه‏ ‏وضغط‏ ‏عليه‏, ‏وحتي‏ ‏عند‏ ‏موت‏ ‏الأبرار‏ ‏كانوا‏ ‏ينزلون‏ ‏إلي‏ ‏الهاوية‏, ‏وإذا‏ ‏كان‏ ‏الفردوس‏ ‏مغلقا‏, ‏وكان‏ ‏إبليس‏ ‏يقبض‏ ‏علي‏ ‏نفوسهم‏ ‏هناك‏. ‏تري‏, ‏من‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يطلق‏ ‏البشرية‏ ‏من‏ ‏قبضة‏ ‏إبليس‏, ‏سواء‏ ‏الأحياء‏ ‏علي‏ ‏الأرض‏, ‏أو‏ ‏الأرواح‏ ‏البارة‏ ‏التي‏ ‏في‏ ‏الجحيم؟‏ ‏من‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يقتحم‏ ‏هذا‏ ‏المجهول‏, ‏ليفك‏ ‏أسر‏ ‏المسببين؟‏ ‏يستحيل‏ ‏أن‏ ‏يفعل‏ ‏هذا‏ ‏سوي‏ ‏الله‏ ‏نفسه‏.‏ نيافة‏ الحبر الجليل ‏الأنبا‏ ‏موسي أسقف‏ ‏الشباب
المزيد
19 ديسمبر 2025

“التسبيح بهجة الكنيسة”

«فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلَامَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَ ذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلَامِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ» (لو 1: 39 – 45). «فَقَالَتْ مَرْيَمُ: تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَ ذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي …» (لو 1: 46 – 48). إن كلمة البهجة كلمة أشمل وأعمق من كلمة الفرح، وكلمة البهجة ذُكِرَت في جزء الإنجيل السابق مرتين. إنَّ التسبيح هو الصورة الأرقى والأرفع التي نقدِّمها في الصلاة، قد تكون الصلاة مجرَّد كلمات ننطق بها باعتبار أن الإنسان كائن ناطق، فالله هو الذي أعطاه قدرة النطق ثم جاءت اللغة، وتعدَّدت لغات كثيرة في بلاد مختلفة ويبقى التسبيح هو الصورة الأرفع مقامًا في مُخاطبة الله، عندما نُخاطب الله نستخدم لغة التسبيح، والتسبيح باختصار هو الصلاة التي يُصاحبها الموسيقى أو النغمة، والتسبيح في الكنيسة يأخذ المساحة الأكبر في العبادة. فكل صلواتنا عبارة عن تسبيح، مثال صلاة العشية هي عبارة عن تسبيح سواء في ألحان الشمامسة وصلوات الكاهن والشعب في مشاركته ومرداته وكل هذه أشكال من التسبيح، وأيضا القداس تسبيح وهناك تسبحة نصف الليل وهناك التسبحة الكهكية وهناك تسابيح الأعياد والترانيم والألحان … فهناك زَخَم وتُراث كبير في كنيستنا القبطية. لماذا التسبيح بهجة الكنيسة؟ أولًا: التسبيح صلاة حيَّة متجدِّدة ترسم العقيدة في القلوب: فالتسبيح يجعل الصلاة التي نقدِّمها متجدِّدة في كل مرة لأنه إذا كانت الصلاة مجرَّد كلمات ستكون مع الوقت غير مُستساغة للأذن فالتسبيح عماده الألحان، فكنيستنا بها أكثر من ١٠٠ لحن، منها ألحان صغيرة جدًّا مثل كيرياليسون، ونقولها بطُرُق كثيرة أو هللويا نقولها أيضا بطُرُق كثيرة، لكن التسبيح الذي عماده الألحان هو أكثر وسيلة تحافظ على العقيدة فالتسبيح ليس مجرد كلمات حلوة، لكن الألحان التي في التسبيح أحد الوسائل التي تحافظ على العقيدة الأرثوذكسية التي نعيشها ونؤمن بها، والتسبيح لأننا نكرِّره في كثير من المناسبات حسب كل مناسبة يكون التكرار وسيلة لحفظ العقيدة من الانحراف أو النسيان، وتكون العقيدة ماثله أمامنا باستمرار إن التسبيح يشرح العقيدة والإيمان وهو يرسم العقيدة في وجداننا، بمعنى أنه يجعل المسيحي يعي معنى الحياة القبطية الأرثوذكسية ويكون له حساسية كبيرة لها، بحيث أنه إذا جاءت فكرة غريبة أو تعليم غريب يشعر به ويرفضه كذلك عندما نُعمِّد الطفل وهو في عمر الأيام تُعلَّم الأُم أن تُحضِر الطفل الصغير إلى الكنيسة، حتى تنسكب ألحان الكنيسة داخل وجدانه بحيث ينمو الطفل رويدًا رويدًا وفى داخل وجدانه الحياة الكنسية ويكبر الطفل وهو ابن النعمة ويكون مليئًا بالروح وتكون الكنيسة بالنسبة له الحضن الكبير الذي يحتضنه فالتسبيح هو الصلاة الحية المتجدِّدة، التي تشرح العقيدة وترسمها في الوجدان بسهولة خلال مراحل العُمر. ثانيًا: التسبيح يُنشِّط الروح وهو دواء لسلامة النفس: عندما تدخل أي كنيسة أو أي دير قديم قد تشبَّعت جدرانه بآلاف التسابيح على مدى مئات السنوات، تشعر بالخشوع، فالتسبيح هو تنشيط للروح، ومن التداريب الجميلة في أديرتنا: صلاة التسبحة التي يقوم بها الرهبان في الساعة الرابعة صباحًا وتنتهي التسبحة في حدود الساعة السادسة صباحًا!! وهنا يصبح الإنسان أكثر نشاطًا ومن الأمور اللطيفة التي نتعلَّمها في الدير، أنه عند ضرب جرس نصف الليل، يقوم الراهب برشم نفسه بعلامة الصليب ويقول: ”قدوس قدوس قدوس أقوم قبل ما الشيطان يدوس“، ويقول القديس باسيليوس: [الألحان هي هدوء للنفس وراحة للروح وسلطان السلام الذي يُسكِّن الأمواج، ويُسكِّت عواصف حركات قلوبنا] ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [لا شيء يُعطي للنفس أجنحة وينزعها من الأرض، ويخلِّصها من رباطات الجسد ويُعلِّمها احتقار الأمور الزمنية مثل التسبيح بالنغمات الموزونة]. وهناك دراسات كثيرة في العالم تتكلَّم عن معالجة بعض الأمراض بالموسيقى، فالتسبيح يُنشِّط الروح وهو أيضًا دواء للنفس. ثالثًا: التسبيح يُحوِّل الإنسان إلى قيثارة: القيثارة هي آلة وترية بها حوالي عشرة أوتار وتُعطي نغمًا جميلًا. وحرف اليوتا هو الحرف العاشر في اللغة القبطية، وهو أول حرف في اسم إيسوس (يسوع)، فأحد الألقاب التي نُخاطب بها السيد المسيح هو اليوتا ”اليوتا التي دلَّتنا على اسم الخلاص يسوع“ ونقرأ في إحدى التأملات، أن للإنسان جسدًا ونفسًا، الجسد له خمسة حواس والنفس لها خمسه قدرات مثل العقل والوجدان والعواطف … فيصبحوا عشرة: خمسة للنفس وخمسة للجسد!! وكأن كل إنسان عبارة عن قيثارة، عندما تعزف بالألحان والتسابيح يشعر الإنسان بالسعادة الداخلية فالقيثارة هي رمز للإنسان الذي له عشرة أوتار والتسبيح يضبط هذه الأوتار العشرة فيشعر الإنسان وهو يُسبِّح أنه ونفسه وروحه وعقله وقدراته كلها متناغمة مع بعضها، كما نقول في تسبحة كيهك: ”قلبي ولساني يُسبِّحان الثالوث“ فالقلب تعبير عن الروح و الحياة الداخلية، واللسان يُعبِّر عن النُّطق والعقل بمعنى أن كل كيان الإنسان يشترك في التسبيح، فالتسبيح هو الذي يُحوِّل الإنسان إلى حالة فرح داخلي، ويشعر الإنسان بحالة من السعادة الداخلية، ويتحوَّل كيانه كله إلى قيثارة وهي التي تُعطيه الراحة النفسية. لذلك يستخدم الأطباء الموسيقى، التي تُعطي نوعًا من الراحة الداخلية مثل موسيقى التسبيح التي نسبح بها ويقول القديس جيروم: [إنَّ المؤمنين قد صاروا أنهارًا تفيض عليها المياه من النهر الأصلي ربنا يسوع، تُصفِّق بالعمل الروحي المستمر كما بالأيدي، تُسبِّح للثالوث القدوس بالسلوك الحي]، وهذه هي بركات التسبيح الثلاثة، تعطينا صلاة متجدِّدة، ونشاطًا للروح، وتُعطينا بهجة وفرحًا داخليًّا تقول أمنا العذراء مريم: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي» فعندما نربط بين كلمة تبتهج ومُخلِّصي نسميها: ”بهجة الخلاص“، ونقول في الأجبية في صلاة الساعة السادسة: ”ملأت الكل فرحًا أيها المُخلِّص لما أتيت لتُعِين العالم يا رب المجد لك“. فعندما يُسبِّح الإنسان ويعيش بهجة الخلاص، يمتلئ بهذه البهجة الداخلية وهذا ما نسميه السعادة الروحية. ماذا سنصنع عندما نذهب إلى السماء؟ وهنا نتساءل ماذا سنفعل في السماء؟!! إننا سنعيش حالة من التسبيح الجديد المستمر، مثل الإنسان عندما يستخدم شيئًا جديدًا لأول مرة، فإنه يتكوَّن لديه إحساس بالسعادة، وهذه السعادة والبهجة هي حياة السمائيين تمامًا مثل فرحة الطفل الصغير بلبس العيد ولكن هذا الإحساس الجديد يظل جديدًا دائمًا، بمعنى أنه لن يأتي وقت يشعر فيه الإنسان بالملل، فيظل هذا الإحساس بالسعادة في كل لحظة وكل وقت، لذلك نُسمِّي الحياة الأبدية بالحياة الجديدة، لأنها جديدة دائمًا، فلا تأتي لحظة نشعر فيها أن هذه الحياة أصبحت قديمة!! فصلاة التسبيح عبارة عن كلمة ونغمة. الكلمة تخرج من العقل واللسان والنغمة تخرج من القلب. والكلمة مع النغمة تُكوِّن المشاعر والأحاسيس. فمثلًا عندما نسمع لحن ”ابؤرو“، نشعر بالفرح، في المقابل عندما نسمع لحن ”أمونوجنيس أو غولغوثا“ نشعر بالحزن والخشوع وبعض الألحان ترجع للموسيقى الفرعونية، فالكنيسة القبطية حفظت الموسيقى الفرعونية مع تغير الكلمات، فالموسيقى هي أقدم الفنون ويقول سفر المزامير: «سَبِّحِيهِ يَا أَيَّتُهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. سَبِّحِيهِ يَا جَمِيعَ كَوَاكِبِ النُّورِ» (مز ١٤٨: 3) فالموسيقى التي هي عماد التسبيح هي من أقدم الفنون، وهي علم له قواعد ونظريات وحروف تُدرَّس وهي لغة تُكتَب وتُقرأ وتُسمَع ويتعلَّمونها في كليات التربية الموسيقية، وهناك ما يُسمَّى النوتة الموسيقية. ومن المعروف أن أول آلة موسيقية عُرِفَت في تاريخ البشر هي الصفارة. والثانية هي التصفيق ثم تطوَّرت إلى أن وصلت لدرجة الغناء بكل أشكاله وأنواعه، والموسيقى المُصاحبة للألحان عادة ما يُستخدَم فيها الآلة الموسيقية الطبيعية أي الحنجرة والأحبال الصوتية التي من المعروف أنها أكثر أعضاء جسم الإنسان حساسية، بمعنى أن الإنسان عليه أن ينتبه لها، فلا يشرب ما هو بارد جدًّا أو ساخن جدًّا أو حار جدَّا الحنجرة والأحبال الصوتية لها طريقة في التمدد وطريقة في الاستخدام يتعلَّمها من يعمل في الغناء وقد يكون التسبيح في الكنيسة باستخدام آلة من الآلات الموسيقية الموجودة في الكتاب المقدَّس، مثل الناقوس أو المثلث، وهي آلات بسيطة وبصورة عامة النغمات البطيئة تُعطي مشاعر الحزن، والنغمات السريعة تُعطي مشاعر الفرح والمرح والنغمات المُثيرة مثل الأغاني العسكرية تُعطي نوعًا من الحماس ومن أشهر طرق الترتيل في كنيستنا الترتيل من خلال خورسين بحري وقبلي فأحد الخورسين يقوم بترتيل ربع، ويقوم الخورس الثاني بالرد عليه وهكذا … وفترة الصمت لكل خورس لها فائدتان أولًا الراحة وثانيًا الصلاة أي رفع القلب في صلاة صامتة. وتُسمَّى طريقة المرابعة (طريقة الأنتيفون)، وهي أشهر وأسهل طريقة. وهناك طريقة ثانية وهي أن شخصًا يقول والجموع ترد عليه مثل بعض تسابيح كيهك، وهناك طريقة ثالثة وهي أن الجميع يشارك وهي طريقة تُستَخدم كثيرًا، وهناك طريقة رابعة، وهي أن شخصًا يُرتِّل والباقي يستمع إليه، ولكن هذه الطريقة غير مستحبة في الكنيسة ما عدا ما يحدث في صلاة القداس الإلهي، حيث يوجد مرد للأب الكاهن وحده ومرد للشماس وحده وعمومًا طالما هذه التسابيح سواء طويلة أو قصيرة يُغلِّفها روح الاتضاع تصير صلاةً مرتفعةً، ولكن عندما يقع الإنسان في فخ الإعجاب بنفسه أو بصوته هنا يقع في فخ الذات، فلا تصير صلاةً ولا تصير تسبيحًا وإذا أخذت مديح الناس لا تصعد إلي الله ولا حتى إلى سقف الكنيسة!! وقد ذكر لنا الكتاب المقدَّس، أسماء كثيرٍ من المُسبِّحين مثل: يوبال وتوبال ومريم أخت موسى، وداود النبي وآساف والملائكة، إلخ … وسفر الرؤيا مليء بتسابيح كثيرة وهو السفر الذي يؤهِّلنا للسماء، ولكن من المُلاحظ أن جميع تسابيح سفر الرؤيا هي تسابيح جماعية وهي تعبير عن الحياة في السماء لذلك نحن نعيش التسبيح على الأرض، لكي ما نُكمِّله في السماء إنَّ الناقوس من الآلات الموسيقية البسيطة، وهو يُمثِّل الشفتين، وهو تمثيل أيضًا للنغمات التي تخرج من الحنجرة والأحبال الصوتية أمَّا المُثلَّث فهو آلة موسيقية لضبط الإيقاع، لكي ما تكون الفترات الزمنية في اللحن متوازنة، والكلام متماشي النغمة، فينساب اللحن لأعماق الإنسان. الخلاصة أنه يجب على الإنسان أن يعيش في التسبيح بتوافقية، بمعنى أن ذهنه يكون مشغولًا بكلمات التسبحة، بحيث يعيش فيها، وتنساب نغماتها في داخله فنلاحظ أن تسابيح شهر كيهك أخذت الصورة الشعبية، وسُمِّيت سهرات سبعة وأربعة، وهي تسمية شعبية والمقصود بها أن الكنيسة تُرتِّل في هذه السهرات السبع ثيؤطوكيات الخاصة بالعذراء مريم، وكل يوم له ثيؤطوكية خاصة بها، وهذا يجعلنا نعيش مع أمنا العذراء، كل أيام الأسبوع. وأيضا نفهم العبارة التي قالتها في تسبحتها: «تَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي»، وكأن أمنا العذراء وضعت عنوان: ”بهجة الخلاص“ ونحن نعيش هذه البهجة من خلال التسبيح. أما الأربعة، فالمقصود بها الأربعة هوسات، و”هوس“ هي كلمة قبطية معناها تسبحة وأربعة هوسات التسبحة هي قطع من الكتاب المقدَّس الهوس الأول عبارة عن تسبحة مریم النبيَّة أخت موسی النبي وهو جزء من سفر الخروج ١٥ الهوس الثاني عبارة عن مزمور الشكر ١٣٦، الهوس الثالث هو صلاة الفتية الثلاثة وهم في أتون النار، وكيف يدعون الخليقة كلها للتسبيح، أما الهوس الرابع فهو عبارة عن آخر ثلاثة مزامير ١٤٨، ١٤٩، ١٥٠ وهذه التسابيح تُعِد للإنسان مكانًا وسط القديسين ويتخلَّل هذه الهوسات ألحان غاية في الإبداع من حيث الموسيقى أو الكلمات، وهذه الهوسات الأربع تُصليها الكنيسة مع بعض المدائح التي وُضِعَت بطريقة شعرية وأحيانا أبجدية، لكي ما تجعل المؤمنين يتمتَّعون ويشعرون بالبهجة وخصوصًا في شهر كيهك وهو الشهر الرابع في السنة القبطية، حيث نفرح فيه بأمنا العذراء ونعيش الاختبار ببهجة الخلاص وقد بدأت بهجة الخلاص مع تجسُّد ربنا يسوع المسيح وميلاده العجيب حين سبَّحت الملائكة النشيد الخالد: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلَامُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لو 2: 14) وصار العهد الجديد هو مسيرة التسبيح وبهجة القلوب حتى إلى السماء وطننا الغالي. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
18 ديسمبر 2025

كيف نصوم

ليس الصوم هو مجرد انقطاع عن الطعام وليس هو الاقتصار على الأطعمة النباتية إنما هو أعمق من هذا الصوم ليس فضيلة للجسد وحده انما الروح تشترك فيه مع الجسد إن كان الصوم ارتفاعاً عن مستوى الطعام أو عن مستوى الجسد والمادة بوجه عام فهذا كله مجرد وسيلة تؤدى إلى عمل أكبر وهو إعطاء فرصة للروح لكي ترتفع إلى فوق إذن ما هو عمل الروح خلال الصوم ؟ الصوم فترة تذلل تنسحق فيه الروح أمام الله بالتوبة والدموع وانكسار القلب فترة فيها يتضع القلب وتعرف الذات ضعفها وتقف أمام الله كتراب ورماد لذلك تصلح المطانيات الفترات الصوم وباذلال الجسد تصل إلى إذلال النفس وبهذا تصل الروح إلى الإتضاع وبالإنضاع نفتح أبواب السماء والصوم فترة مناسبة لغذاء الروح إن بعد الروح عن ضغطات الجسد هو العنصر السلبي في الصوم أما العنصر الايجابي فهو في التصاق الروح بالله وذلك عن طريق الصلاة والتأمل والهذيذ في الالهيات والتعمق في القراءة الروحية وأيضاً عن طريق التراتيل والأغاني الروحية و مترنمين في قلوبكم للرب و بهذا وبغيره تحاول الروح أن تصل إلى النقاوة التي تؤهل بها لأن تكون هيكلا للرب فتلتصق بالله وتذوقه وتعاشره وتتمتع به وتصل إلى الحب الالهى وعندئذ يتحول الصوم الى متعة روحية ويشعر الصائم أن تناول الطعام أصبح ثقلا عليه لانه يرجعه إلى استعمال الجسد وكان قد استراح منه إلى حين طول ساعات انقطاعه في الصوم ننسى هذه الأرض تماماً أو تتحول أرضنا إلى سماء. مجلة الكرازة العدد الخمسون عام 1980
المزيد
17 ديسمبر 2025

أعظم من ولدته النساء

أود أن أحدثكم اليوم عن رجل وصفه الرب بأنه أعظم من ولدته النساء ، وأنه أفضل من نبي وسنحاول أن تتأمل في بعض جوانب من حياته يوحنا المعمدان شخصية تقف فى مفترق عهدين يمكن اعتباره آخر أنبياء العهد القديم ويمكن اعتباره من رجال العهد الجديد الملاك الذي أعد الطريق أمام السيد المسيح . عظمة يوحنا : وكان يوحنا إنساناً عظيماً ، وفى عظمتة تذكر ثلاث ملاحظات : أولا : انه كان عظيما بشهادة السماء نفسها كثيرون شهد لهم الناس بالعظمة وكانت شهادات خاطئة أو زائفة أو متعلقة أو عن جهل أما يوحنا المعمدان فكانت عظمته حقيقية ويقينية شهد بها ملاك الرب الذي بشر بميلاده ( لو ١٥:١ ) بل شهد بها الرب نفسه ( متى ۱۱ : ۱۱ ) . وهكذا لصقت العظمة بيوحنا حتى قبل أن يولد. ثانيا : لم يكن عظيما فقط وانما أعظم من كل البشر وفي هذا قال عنه السيد المسيح نفسه للجموع ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا ؟ أنبياً ؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي فان هذا هو الذى كتب عنه ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ. طريقك قدامك الحق أقول لكم إنه لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ( متی ۱۱ : ۷ - ۱۱ ) . ثالثا : كانت عظمة يوحنا عظمة امام الرب : قال الملاك الذي بشر بميلاده لأنه يكون عظيماً أمام الرب (لو 1 : ١٥ ) حقاً اننا نقف مذهولين أمام عبارة عظيماً أمام الرب فأمام الرب كلنا لا شيء تراب ورماد تختفى كل عظمة ويستد كل فم أما أن يكون إنسان ما عظيماً أمام الرب فهذا شيء عجيب وعجيب جداً يدل على تواضع الرب وتشجيعه الخليقته ويدل أيضاً على قيمة هذا الانسان في قلب الله فما هو السر في عظمة يوحنا هذه العظمة العجيبة ؟ أعمال عظيمة قد قيلت عنه : منها أنه و يرد كثيرين إلى الرب إلههم. يرد العصاة إلى فكر الأبرار ،و يهيىء للرب شعباً مستعداً و يهيىء الطريق قدام الرب ،و يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته وفي كل ذلك نسأل الملاك الذي بشر بميلاده عن سر هذه العظمة العجيبة فيجيبنا بقوله إنه "من بطن أمه يمتلى بالروح القدس" ( لو ١ : ١٥ ) حقاً هذه هي سر عظمة يوحنا سمعنا في الكتاب المقدس أن الروح القدس حل على كثيرين في العهد القديم : حل روح الرب على شمشون وعلى شاول وعلى داود وعلى كثير من الأنبياء ولكن لم نسمع مطلقاً عن أحد من هؤلاء أنه" من بطن أمه "قد امتلأ بالروح القدس هذا الأمر قد اختص به يوحنا المعمدان ، لم يسبقه اليه أحد ومن نتائج هذا الامتلاء انه ارتكض بابتهاج في بطن أمه تحية للجنين الالهى وهو في بطن العذراء لقد أوتى المعرفة التي يميز بها الرب وهو ما يزال جنيناً في الشهر السادس في بطن القديسة اليصابات بل أنه أيضاً أوتى روح العبادة وهو في بطن أمه أمر لم نسمعه عن أحد من الأنبياء أو القديسين من قبل لقد عرف المسيح وآمن به وسجد له في البطن قبل أن يولد المسيح قالت عنه أمه اليصابات و ارتكض الجنين بابتهاج في بطني لقد ابتهج بالرب فرح به فرح بالخلاص الذي كان مزمعاً أن يأتي إلى العالم من بطن العذراء ! . عجیب مثل هذا الابتهاج من جنين لا يدرك ولا يعى : ولكن يزول العجب إذ كان هذا الجنين ممتلئاً من الروح القدس والروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله ، ( ۱ کو ۱۰:۲ ) . نذير الرب : كان يوحنا المعمدان مفرزاً للرب قبل أن يولد الله العارف بالمستقبل الفاحص القلوب والمدرك الخفيات كان يعرف من سيكون هذا الانسان يوحنا لذلك اختاره الرب لنفسه . وكما يقول الرسول عن الرب ومختاريه "الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم "هؤلاء مجدهم أيضا ( رو ۸ : ۳۰ ) الله نظر إلى المستقبل فرأى قلب هذا الملاك يوحنا ورأى ماذا يمكن أن يفعل فاختاره لنفسه ودعاه وصار نذيرا للرب قبل أن يولد وخمراً ومسكراً لا يشرب وأعد له الرب نوع خدمته قبل أن يولد إنه يذكرنا بقول الرب لأرمياء النبي "قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيا للشعوب ، ( ار ١ : ٥ ) "عرفتك " نعم هذه المعرفة السابقة هي سر الاختيار تماماً كما حدث في اختيار الرب ليعقوب دون أخيه عيسو وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيراً أو شراء ولكن الله كان يعرف خاصته يعرف ماذا سيكون يعقوب وماذا سيكون عيسو لذلك قال لأمهما رفقه و في بطنك امتان ومن أحشائك يفترق شعبان وكبير يستعبد لصغير . ( تك ٢٥ : ٢٣ ) ولعل أعظم ما في حياة يوحنا أنه عمد المسيح له المجد أتى إليه السيد المسيح ليعتمد منه كباقى الناس ومن أجل الطاعة قام يوحنا بعماد المسيح واستحق لذلك أن يرى الروح القدس هيئة حمامة وأن يسمع صوت الاب قائلا " هذا هو إبنى الحبيب الذي به سررت " ( متی ٣: ١٦ -١٧ ) وهكذا تمتع بالثالوث الأقدس ، روحاً وحساً. وتظهر عظمة يوحنا المعمدان فى أنه تم عمله العظيم في مدة قصيرة لعلها ستة أشهر او أزيد قليلا هذه الستة أشهر هي الفرق بين عمره وعمر المسيح وكل منهما بدأ عمله في نحو الثلاثين من عمره وخدم يوحنا هذه الستة أشهر ولما ظهر المسيح بدأ يختفى هو وفى هذه المدة الوجيزة استطاع يوحنا أن يهدى كثيرين إلى التوبة وأن يشهد شهادة قوية للرب وأن يمهد الطريق أمام المسيح وأقنع العالم كله بأن قوة الخدمة ليست في طولها وإنما في عمقها في مدى فاعليتها وتأثيرها أليس عجيباً أن كثير من الخدام النافعين لا يتركهم الرب يخدمون طويلا يكفى أنهم قدموا عينة للخدمة وعينة للبر قدموا شهادة للرب وقدموا مثالا يحتذى واكتفى الله بما فعلوه وأطلقهم بسلام وتبرز عظمة يوحنا في أنه عاش بكماله على الرغم من أن عصره كان مظلما كان عصراً شريراً وكان أشر ما فيه قادته الروحيون من أمثال الكهنة والشيوخ والكتبة والفريسين والصدوقيين وقد قام فيه من قبل بعض المعلمين الكذبة مثل ثوداس ويهوذا الجليلي اللذين تكلم عنهما عمالائيل ( أع ه ) وقد أزاغا كثيرين وكان عصراً يمتاز بالحرفية والبعد عن الروح ويتميز رجال الدين فيه بالرياء والكبرياء وعلى الرغم من وجود أضواء بسيطة مثل حنة النبية وسمعان الشيخ وزكريا الكاهن وأمثالهم إلا أن العصر في مجموعه كان فاسداً يكفى أن الرب وصفه بأنه "جيل فاسق وشرير ' ( متی ۱۲ : ۳۹ ) ولكن يوحنا لم يتلذ من فساد جيله بل على العكس كان بركة لجيله وسبب هداية وتوبة ومن عظمة يوحنا انه كان ابن الجبال كان رجل برية ورجل زهد ونسك وكل ذلك ترك اثره في حياته وفي صفاته طارده الموت من صغره عندما قتل هيرودس الأطفال فأخذوه إلى البرية وعاش في البرارى طوال عمره " ينمو ويتقوى بالروح " ( ۱ : ۸۰) . عاش ناسكاً "و خمراً ومسكراً لا يشرب ."( لو ١٥:١ ) " يلبس وبر الابل ومنطقة من جلد على حقويه ويأكل جراداً وعسلا برياً "( مر ٦:١ ) هكذا تدرب في البرية على حياة الزهد وصدق مار اسحق حينما قال ان مجرد نظر القفر يميت من القلب الحركات العالمية وفي البرية تعلم الصلاة والتامل وتعلم الشجاعة والصلابة وتعلم الايمان أيضا أعده الله في مدرسة البرية كما أعد العذراء في الهيكل فنشأ شجاعاً لا يهاب إنساناً، يصلح أن يكون صاحب رسالة وكانت رسالته هي اعداد الناس للتوبة ومن عظمة يوحنا يوحنا المعمدان انه كان شجاعا جريئا يقول الحق بكل قوة مهما كانت النتائج حقا ان الزاهد لا يخاف أخطأ هيرودس الملك فمن كان يجرؤ أن يوبخه أو يواجهه بكلمة الحق ؟ من الذى يعلق الجرس في عنق القط ؟ ! ليس غير يوحنا المعمدان هو الوحيد الذي استطاع أن يقول لهيرودس "لا يحل لك" القاء هيرودس في السجن فلم يهتم انما يخاف السجن انسان يحب متع العالم وملاذه ويخشى ان يحرمه السجن منها أما إنسان ناسك كيوحنا زهد كل ملاذ العالم وتركها بارادته ففي أي شيء يتعبه السجن ؟ ! ربما يقال له : ستتعطل خدمتك بالسجن ولا ترشد ولا تعمد ولا تهدى الناس إلى التوبة أما يوحنا فلا يهتم ولا يقول : أن كان هذا الباب مفتوحاً من الله فلا يستطيع أحد أن يغلقه . ان كان الله يريد يوحنا أن يبشر فسيبشر ولا يستطيع أحد في الوجود أن يمنعه وان كان الله لا يريد فلتكن مشيئته بهذا المنطق كان يوحنا يشهد للحق وليحدث بعد ذلك ما يكون وكان ما كان وقطعت رأس يوحنا ولكن هذا الصوت الصارخ في البرية ظل يدوى في أذن هيرودس يزعج ضميره وأفكاره و نومه و صحوه ويقول له فى كل وقت " لا يحل لك " ان صوت يوحنا لم يمت بموت يوحنا بل ظل مدويا ضد أعداء الحق وظل هيرودس يخاف يوحنا حتى بعد موته فعندما أحس هيرودس بكرازة المسيح القوية وبمعجزاته قال لغلمانه « هذا هو يوحنا المعمدان قد قام من الأموات ولذلك تعمل به القوات " !! ( متى ١٤ : ٢ ) . إن يوحنا قد عامل هيرودس الملك كما عامل باقى الناس كان يدعو الكل إلى التوبة سواء في ذلك الملك أم الجند أم القادة أم أفراد الشعب الكل سواء أمام شريعة الله الكل في حاجة إلى التوبة الملك محتاج إلى من يوبخه على خطيته كما يحتاج الفرد العادى لكي يتوب وإن لم يتب الملك فيكفي يوحنا أنه شهد للحق وأنه نادى بالتوبة كانت معموديته هي معمودية التوبة ورسالته هي دعوة للتوبة ينادي في الناس "توبوا فقد اقترب ملكوت السموات " (متى ٢:٣) وكان شديداً في دعوته يوبخ وينتهر ويبكت وكان الناس يقبلون تبكيته بقلب مفتوح ونجح يوحنا في خدمته " خرج اليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم " ( متى ٦:٣ ) ولما رأى الجموع قد كثرت حوله حول انظارهم منه الى المسيح بذل كل جهده لكي يختفى هو ويظهر المسيح ولعل هذه هي أبرز فضائل يوحنا واقدس أعماله كان يقول لهم " أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتى بعدى سيعمدكم بالروح القدس و نار "( متی ۱۱:۳ ) "أنا عمدتكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس "( مر ٨:١ ) وكما كان يجذبهم إلى معمودية أخرى أفضل من معموديته كان يجذبهم بالأكثر إلى صاحب تلك المعمودية الذي هو أقوى منه وأعلى وأقدم كان ينادى فى الناس "يأتى بعدى من هو أقوى منى الذي لست أنا أهلا أن أنحنى وأحل سيور حذائه" ( مر ٧:١ ) " يأتي بعدی رجل صار قدامي لأنه كان قبلى " ( يو ١ : ٣٠ ) "لست أنا المسيح بل اني مرسل أمامه "( يو ٢٨:٣ ) لم يكن تفكير يوحنا منحصرا في ذاته وانما في المسيح لم يكن يبحث عن مجد ذاته وانما عن ملكوت المسيح كان يدرك تماماً أنه ليس هو النور وانما ليشهد للنور (يو ٨:١) إذن فهو مجرد إنسان جاء للشهادة ليشهد للنور ليؤمن الكل بواسطته كان يعرف أنه مجرد سابق أمام موكب الملك الآتى كل عمله أن يعد الطريق الملك واستطاع يوحنا أن يحفظ طقسه ولا يتجاوز حدوده كانت الذاتية ميتةعند يوحنا لم يكن لذاته وجود في خدمته كان المسيح بالنسبه اليه هو الكل في الكل ليته يكون درسا للخدام الذين يبنون ذواتهم على حساب الخدمة أو يتخذون الخدمة مجرد مجال لاظهار ذواتهم !! أروع كلمة تعبر عن خدمة يوحنا هي قوله عن المسيح " ينبغى أن ذلك يزيد وأنى أنا أنقص "( يو ٣٠:٣ ) هذه العبارة هي سر نجاح خدمته وهي المبدأ الذي صار عليه في كل خدمته لذلك عندما بدأت كرازة المسيح وأخذت تكتسح خدمة يوحنا ابتهج يوحنا وفرح وقال "اذن فرحى هذا قد كمل و من له العروس فهو الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالإبن ان يرى حياة بل يمكث العريس عليه غضب الله" ( يو ٣ : ٣٦:٢٦ ) حالما تقابل يوحنا مع المسيح قال له « تفضل هذه العروس انها لك اذا تسلمتها لمجرد ان أوصلها لك حقاً انه من واجبي أن أوصلها لك نظيفة ومزينة وأنادى لها أولا بالتوبة وأقول لها أيتها العروس هوذا العريس مقبل فاستعدى للقائه" على أن اعظم ما في حياة يوحنا كان هو عماده للمسيح وفي العماد ترى موقفين عظيمين فى الاتضاع للرب ويوحنا يوحنا يقول اللرب و أنا محتاج أن أعتمد منك أنا أيضاً خاطي أحتاج إلى معمودية التوبة معترفاً بخطاياي كهؤلاء الباقين وأنا محتاج أن أعتمد منك أنت أنني أمام هؤلاء الناس معلم أما أمامك أنت فأنا تلميذ بسيط امام الناس أنا نبى وملاك ولكن أمامك انا عبد وتراب هم يعتمدون منى وأنا أعتمد منك حقاً انني من سبط لاوى ومن بنی هارون كاهن ابن كاهن وأنت حسب الجسد من سبط يهوذا وليس من سبط الكهنوت ولكننى لا أنى أنك مصدر كل سلطة كهنوتية أنت معطى الكهنوت ومنشؤه أنت كاهن إلى الأبد على طقس ملكى صادق كما تنبأ داود في المزمور ( مز ١١٠ : ٤ ) لذلك أنا محتاج أن أعتمد منك ان كل العظمة التي كانت تحيط به لم تنسه ضالة ذاته التي شعر بها أمام المسيح وكأنه يقول " من أنا حتى أعمد المسيح ؟ ! كما قالت أمه من أين لى هذا أن تأتى أم ربي إلى " أنا مجرد تراب ورماد كيف أضع يدى على رأس الرب خالق هذه اليد ؟ ! ان كل الآلاف الذين يأتون اليه لم ينسوه حقيقة نفسه وكل التوبيخات التي يوبخ بها الناس الخطاة لم تنسه توبيخاً يوجه إلى ذاته كشخص - أمام الله - يشعر أنه خاطى وهكذا قال للرب "أنا محتاج أن أعتمد منك " وكانت هذه العبارة تحمل اعترافاً ضمنياً نلاحظ أن الرب لم يقل له "كلا " انك غير محتاج للعماد بل قال له " اسمح الآن لانه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر "( متى ٣ : ١٥ ) ." حينئذ سمح له "! ! ونحن نقف منذهلين أمام عبارة " اسمح الآن " وهي تخرج من فم الرب موجهة إلى واحد من عبيده انه تعبير مؤدب ولطيف ليتنا نأخذه تدريباً روحياً لنا يقول لعبده " اسمح الآن " أنا احتاج الى سماح منك أطلب موافقتك است آمرك وانما اسمح ويقول وحينئذ سمح له ما أعجب هذا أى شرح لى سيفقد هذا الموقف قوته لذلك سأصمت عنه انه درس في الاتضاع وآداب الحديث يقدمه لنا عماد المسيح لنتعلم وتتدرب قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عظة البابا يوم 5/12/1980
المزيد
16 ديسمبر 2025

ترنيمة المصاعد / حجارة حية

هوت رأس المطرقة النحاسية على كتلة الجبل الحجري مرارًا لتقطتع منه أحجارًا كبيرة، تفصلها بعد ذلك بأسافين نحاسية طويلة إلى قطع أصغر. وبينما اعتدّت القطع الحجرية الكبيرة بنفسها وقوتها، تناثرت الصغيرة يائسة لا تدري أيّ مصير ينتظرها!مضت أسابيع عانت فيها الحجارة من ضجيج أصوات الآلات، وآلام المطرقة الحادة فوق رؤوسها، تعرّضت كل واحدة منها لعمليات تقويم واستعدال لتكون في أفضل صورة تصلح للبناء.. وبدا أن الأتعاب في طريقها إلى الإنتهاء الآن، فما ان انتهى العمل في الأحجار، حتى امتدت الأيادي تجمعها كلها في صفوف متراصة لتنقلها إلى حيث تُبنى المدينة، وسورها الحصين.أصغت الحجارة بلهفة إلى حديث الرجال عن تلك المدينة الجديدة التي سيُنقَلون إليها، مدينة السلام، أورشليم.. لكم كان الاسم مُحبَّبًا، وقعه أراح أتعابهم وآلامهم طوال الأشهر السابقة. أيّة سعادة ملأتهم حينما عرفت الأحجار أنها لن تشترك في بناء المدينة المقدسة، بل بيت الرب نفسه! في أجسامها ستتردد صلوات وتسابيح إلى مدى الأيام، لطالما وقفت هناك شامخة!في الطريق الصاعد إلى أورشليم، كانت الحجارة تترنم معًا نشيدها، "ترنيمة المصاعد"، رددها من بعدهم كل الصاعدون الجبل للصلاة في المدينة المقدسة..«فَرِحْتُ بِٱلْقَائِلِينَ لِي: "إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ نَذْهَبُتَقِفُ أَرْجُلُنَا فِي أَبْوَابِكِ يَا أُورُشَلِيمُ...أُورُشَلِيمُ ٱلْمَبْنِيَّةُ كَمَدِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ كُلِّهَاحَيْثُ صَعِدَتِ ٱلْأَسْبَاطُ - أَسْبَاطُ ٱلرَّبِّ – لِيَحْمَدُوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ...لِيَسْتَرِحْ مُحِبُّوكِ. لِيَكُنْ سَلَامٌ فِي أَبْرَاجِكِ، رَاحَةٌ فِي قُصُورِكِمِنْ أَجْلِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا أَلْتَمِسُ لَكِ خَيْرًا".»في خلال شهور قليلة كان للمدينة الحصينة سور متماسك لا تنفصم رُبُطه.. اتخذ كل حجر منها موضعه، من صغيرهم إلى كبيرهم.وتلاشت مخاوف الحجارة باختلافها، اذ لم يوجد حجر وحده.. لم يوجد مرذول ولا مُهمَّش ولا من لا قيمة له؛ بل من كان يبدو ضعيفًا بالأمس، أصبح سندًا يسد ثغرة لكي لا تنفذ منها الثعالب الصغيرة.. ومن كان قويًا كبرج عظيم ثم سقط وترضّض، وجد حجارة تسنده وتحميه متى أعاده البناءون إلى موضعه برفق.استراحت الأحجار بعد حين مطمئنة، متماسكة، لا تتزعزع بعد.. وإن استمرت في تسابيحها السرية، تجاوب بها تسابيح البشر المتردّدة في جوانبها:"مباركة هي أورشليم التي تقبل إليها وفيها الجميع..مباركة هي أورشليم، حيث يحيا الساكنون مطمئنون، متفقون بمحبة حقيقية إنجيلية، يسبحون الله معًا مثل قيثارة تنشر نغماتها حبًا وسلًاما على الأرض كلها..مباركة هي أورشليم، مسكن الله مع الناس، على الأرض وفي السماء.." ماجي حسني
المزيد
15 ديسمبر 2025

لماذا أتى..؟!

"إيفا" فتاة لطيفة أوصاها والداها عند خروجها للمدرسة بعدم شراء أيّة مأكولات من الباعة الجائلين، لأنها تكون مكشوفة ومعرّضة للتلوث..وعدَتْ "إيفا" أن تطيع، ولكنّها بسبب إغراء البائع لها اشترت منه وأكلت، رغم تحذيرات والديها.. وفعلاً كان الطعام ملوثًا، ودخل الميكروب جسمها.. بدأت تشعر بالمرض يدبّ في كيانها والآلام الشديدة تعتصرها، فقد أُصيبَت بحالة تسمُّم خطير..وصلَتْ المنزل بصعوبة، وعندما فتحت والدتها الباب فوجئت بها شاحبة الوجه، لا تستطيع الكلام وتتحرّك بصعوبة بالغة.. فبادرتها الأم: هل أكلتِ من الأكل الملوَّث الذي قلت لكِ لا تأكلي منه؟.. لم تستطع "إيفا" الردّ بل ارتمت على أقرب سرير كالجُثّة الهامدة في انتظار الموت الأكيد..!ما هو الحل؟+ هل تكفي التوبة؟!هل تعتذر لوالديها، وتتأسّف لهم كثيرًا وتطلب المغفرة.. وتتوب عن هذا العمل؟.. هل هذا سينقذ حياتها؟!.. إنّها تموت.. ومهما اعتذرت وتابت فلن تُحَل المشكلة ولن تحيا!+ هل تحتاج إلى مزيد من الوصايا؟هل يؤنبها والداها على عدم طاعتها، ويوصيانها بعدم تكرار مثل هذه الأفعال الخاطئة؟ ولكن ما فائدة كلّ هذا والبنت تموت..؟! كلّ هذه الوصايا لن تستطيع أن تُحييها.. فهي تحتاج لمَن يُحيِيها..!+ هل نغيِّر الجوّ المحيط بها؟بأن يغطّيها والداها بالأغْطية، أو يعملوا لها كمّادات بسبب حرارتها المرتفعة.. أو.. أو.. كلّ هذه الأشياء من الخارج لن تُعالِج المرض الذي يسري في الدم.. في الداخل..!عندما جاء الطبيب أشار بأنّ الحلّ الوحيد لإنقاذ حياة "إيفا" (وهي كلمة قبطيّة تعني بالعربيّة "حواء"):1- مَصل أو مضاد حيوي قوي جدًا.. أقوى من الميكروب.2- يدخل الدواء إلى داخل جسمها، ويتّحد بها ويسري في دمها.3- يُعطَى الدواء بجرعات متتالية منتظمة، حتى نقضي على سيطرة الميكروب اللعين.. فيضمحلّ المرض تدريجيًا وتبدأ الحياة تدبّ فيها من جديد.4- تعيش طوال حياتها على جرعات ثابتة ممتدّة المفعول من الدواء، تتناولها بانتظام، حتى تظلّ السيطرة كاملة على الميكروب ولا ينتعش من جديد..!+ هذه القصّة تمثّل مأساة الإنسان، عندما سقط بغواية إبليس ودخل ميكروب الخطية في كيانهِ، ولوّث طبيعته، وبدأ الموت يدب فيه.. والحلّ الوحيد كان أن نأخذ قوّة تتّحد بكياننا، لنغلب ميكروب الخطية الذي فينا.. وهو ما نلناه عندما أخذ ربنا يسوع عجينة البشرية من السيدة العذراء، واتّحد ببشريتنا ليحيينا ويعطينا قوّة تشفينا من الخطيّة وآثارها..!+ لم يكُن ممكنًا أن يكتفي آدم بالتوبة والاعتذار لله، ولا تكفي وصايا وشرائع العهد القديم، ولا يصلُح العلاج من الخارج بتغيير الجوّ المحيط، بالنظافة والأخلاقيات.. فالمرض من الداخل ولابد أن يكون العلاج أيضًا من الداخل.. بدواء قوي هو نعمة المسيح التي كان التجسُّد هو مفتاحها الأول.. ونحن نتزوّد بها من خلال الأسرار الكنسيّة المُقدَّسة..من هنا تأتي أهمية التناول المنتظم ليثبت المسيح فينا، ويظلّ مستوى النعمة مرتفعًا في داخلنا، وبالتالي يظلّ الإنسان العتيق، أي تيّار الخطيّة، مقهورًا فاقدَ القدرة والتأثير.. أمّا إذا أهملنا في التزوُّد المنتظِم بالدواء أي بوسائط النعمة فسيبدأ ميكروب الخطيّة في الانتعاش، وتظهر آثاره الخطيرة فينا مرة أخرى..![فكرة المقال مأخوذة عن نبذة "لماذا التجسّد؟" للقس بيشوي صدقي] القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
14 ديسمبر 2025

الأحد الأول من شهر كيهك لو 1 : 1 - 25

اذ كان كثيرون قد اخذوا بتاليف قصة في الامور المتيقنة عندنا كما سلمها الينا الذين كانوا منذ البدء معاينين و خداما للكلمة رايت انا ايضا اذ قد تتبعت كل شيء من الاول بتدقيق ان اكتب على التوالي اليك ايها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به كان في ايام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة ابيا و امراته من بنات هرون و اسمها اليصابات و كانا كلاهما بارين امام الله سالكين في جميع وصايا الرب و احكامه بلا لوم و لم يكن لهما ولد اذ كانت اليصابات عاقرا و كانا كلاهما متقدمين في ايامهما فبينما هو يكهن في نوبة فرقته امام الله حسب عادة الكهنوت اصابته القرعة ان يدخل الى هيكل الرب و يبخر و كان كل جمهور الشعب يصلون خارجا وقت البخور فظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور فلما راه زكريا اضطرب و وقع عليه خوف فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لان طلبتك قد سمعت و امراتك اليصابات ستلد لك ابنا و تسميه يوحنا و يكون لك فرح و ابتهاج و كثيرون سيفرحون بولادته لانه يكون عظيما امام الرب و خمرا و مسكرا لا يشرب و من بطن امه يمتلئ من الروح القدس و يرد كثيرين من بني اسرائيل الى الرب الههم و يتقدم امامه بروح ايليا و قوته ليرد قلوب الاباء الى الابناء و العصاة الى فكر الابرار لكي يهيئ للرب شعبا مستعدا فقال زكريا للملاك كيف اعلم هذا لاني انا شيخ و امراتي متقدمة في ايامها فاجاب الملاك و قال له انا جبرائيل الواقف قدام الله و ارسلت لاكلمك و ابشرك بهذا و ها انت تكون صامتا و لا تقدر ان تتكلم الى اليوم الذي يكون فيه هذا لانك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته و كان الشعب منتظرين زكريا و متعجبين من ابطائه في الهيكل فلما خرج لم يستطع ان يكلمهم ففهموا انه قد راى رؤيا في الهيكل فكان يومئ اليهم و بقي صامتا و لما كملت ايام خدمته مضى الى بيته و بعد تلك الايام حبلت اليصابات امراته و اخفت نفسها خمسة اشهر قائلة هكذا قد فعل بي الرب في الايام التي فيها نظر الي لينزع عاري بين الناس. بشارة الملاك لن كريا قرب ملء الزمان ، ودنا الموعد الذي حدده الله لتجسده . وكان لابد أن يسبقه من يعد ، يهيء الطريق أمامه ، وكان لابد لهذا السابق أن يكون أعظم مواليد النساء حتى يستحق أن يقوم بهذه الخدمة الجليلة . فأى والدين اختارهما الله لياتمنهما على هذا العظيم الذى سيسبقه ؟ يصفهما الإنجيل قائلا :"و كانا كلاهما بارين أمام الله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم " كان كلاهما بارين أمام الله ، أي أن الله نظر إلى كل منهما وفحصه فوجده باراً ، لم يذكر الإنجيل لنا شيئاً عن ما كانا يظهران به أمام الناس ، فليس لهذا الأمر وزناً عند الله ، ولم يذكر له وزن عند زكريا واليصابات ، ومسكين هذا الإنسان الذي يفهم أن يظهر باراً أمام الناس وينسى أن الله لا يقبل الوجوه ولا يهتم برأى الناس لكنه يفحص أعماق الإنسان الداخلية وكانا أيضاً "سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم " أين نحن من زكريا وإليصابات ، نحن الذين أصبحنا نفحص وصايا الله لنختار منها ما يناسبنا وما يناسب عصرنا وظروفنا ونترك ما لا نراه غير مناسب أما زكريا وإليصابات فقد كانت وصايا الرب وأحكامه عندهما فوق مستوى الجدل والمناقشة وفوق مستوى الفحص والتحليل لذلك كانا سالكين في جميع الوصايا والاحكام بلا لوم لقد كانت وصايا الرب عندهما السلوك وليس للمعرفة في بيت مثل هذا لابد أن ينشأ الطفل باراً قديساً ، ولابد أن يكون مختاراً من الله ومحبوباً لديه لعلنا إذن لا تخطىء إن قلنا ان قلقنا على مستقبل أولاد لا يعيشون فى مثل بيت زكريا واليصابات لأننا لا نعيش في البر ولا نسلك في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم فلا نقدم لهم القدوة بقدر ما نقدم العثرة ولا نشعر بعمل الله في حياتنا بقدر ما نشعر بحرب الشيطان حولنا ولم يكن لهما ولد إذ كانت اليصابات عاقراً وكانا كلاهما متقدمين في أيامهما لم يكن لهما ولد أى لم يكن لهما ثمر في الجسد. ولكن ثمار الروح كانت وفيرة - فسلوكهما في وصايا الرب وأحكامه كلها جعلتهما بركة لمن حولهما ،وبرهما صعد أمام الله ثمرة شهية مفرحة ومع ذلك فعقر اليصابات كان عاراً وخزياً ( إذ كانت كل أمرأة تشتهى أن يأتي من نسلها المسيح ) . فالمرأة العاقر قد حكم عليها أن المسيح لن يأتي من نسلها ،وقد كانت هذه هي شهوة كل امرأة - كان عاراً أمام القرعة أن يدخل إلى الهيكل الذى للرب و يبخر ، كان الكاهن الشيخ يكهن في نوبة فرقته أمام الله و لعل كلمة" أمام الله " هنا تعبر عن شعوره الداخلي الذي كان مؤكداً يختلف عن شعور كثيرين من أخوته الكهنة إذ كانت وظيفة الكهنوت عندهم عملا يؤدونه مثلما يؤدى كل إنسان عمله ، أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب و يبخر - هذه القرعة رآها هو ـ وباقى الكهنة مصادفة أن تقع عليه - أما الحقيقة فهي أن الله قد دبر هذا الأمر حتى يبلغه البشارة المفرحة التي أعدها له في غير موعدها - فهناك عند مذبح البخور ظهر له ملاك الرب واقفاً من يمين المذبح - وقد كانا طبيعيا أن تحيط الملائكة بمذبح البخور حتى تحمل هذا البخور و تصعد به إلى الله ( الذي هو صلوات القديسين ) ولكن لم يكن طبيعياً أن يظهر له هناك ملاك الرب ففي خدمته الكهنوتية الطويلة لم يسبق أن ظهر له ملاك ولا أحد من أخوته لذلك فلما رآه زكريا أضطرب ووقع عليه خوف فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سمعت وأمرأتك اليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا . ظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور. الواقع أن ملاك الرب يقف دائما في هذا المكان لا يفارق يمين مذبح البخور ويصعد التقدمة والصلوات ويرفع البخور إلى فوق أمام المذبح الناطق السمائي ولكننا لا نراه من أجل ضعف بصيرتنا فكلما أقتربنا من المذبح وكلما قدمنا بخور صلوات وسكبنا ذبيحة التسبيح فلنتذكر أن الملاك واقف هناك وأنه فى وقت القبول سيقول لنفسى و لا تخف لان طلبتك قد سمعت ولكن على أن لا أضطرب ولا يضعف قلبي إذا ما تأخرت الاستجابة هناك ملء الزمان ووقت معين من قبل الرب من أجل طلبتي ولا بد أن أطلب ولا أكف عن الطلب وأنتظر الرب وأقول" صبرت ننسى لناموسك " ان في نهاية صلواتنا فى الكنيسة نقول " يا ملاك هذا اليوم الطاهر إلى العلا يهذه التسبحة وأذكرنا أمام الرب ليغفر لنا خطايانا" لنثق أن الملاك ينتظر ختام تسبحتنا ليرفعها إلى فوق وفي نهاية القداس يصرف الكاهن ملاك المذبح لينطلق إلى فوق حاملا بخورنا ويعود حاملا استجابة طلبتنا كم يفرح الملاك عندما يحمل بخورنا ويفرحنا عندما يحمل إلينا استجابة الرب لها. المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات روحية فى قراءات أناجيل آحاد السنة القبطية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل