المقالات

03 نوفمبر 2020

الملكة هيلانة المحبة للمسيح

ذهبت الي اورشليم مدينة الهنا ،لتبحث تحت كوم رابية الجلجثة ،واستمرت في سعيها باجتهاد ،الي ان وجدت الخشبة العتيدة،مع الخشبتين اللتين صلب عليهما اللصان ،مع السيد عليهما،وقد وضعت ميتا علي الصلبان الثلاثة ،فلما وضع علي احدهم ،،،قام الميت حيا للوقت ،،،،كذلك تميز صليب المخلص بالمكتوب علية ...عظيمة هي هيلانة التي اجتهدت وسعت باشتهاء مقدس لتري خشبة عود الصليب ،،ولم تمل البتة حتي وجدتة ،فيالها من غنية صالحة وملكة تقية،اخذت الوف الجند ورافقتهم الي جلجلة الاقرانيون ،وهناك اظهر الرب صليبة ،وعندئذ سجدت الملكة لملك الملوك،وقد وجدت ايضا المسامير الخلاصية..الطوبي لك ايتها العظيمة الملكة هيلانة ام الملك قسطنطين ،لانك رفعت علامة الخلاص والافتخار. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
02 نوفمبر 2020

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (14) حياة الطهارة

مفهوم الطهارة وأهميتها .. الطهارة تعني قداسة الفكر والمشاعر والسلوك.. بالبعد عن الخطية والشهوة والانحرافات الاخلاقية فيحيا الانسان نقياً وعفيفاً فى أفكاره وفى أقوال فمه ونظرات عينيه وأحاديثه وكل طرقه وحياته الداخلية والخارجية معاً . الطهارة ليست طهارةَ اليدين والرجلين والجسد، فتلك نظافة في نظر المسيحية ولا ترقى ابداً لمستوى الطهارة ، وعكس الطهارة هو النجاسة ، نجاسة القلب والفكر الذي تصدر عنه الافكار والاتجاهات والمشاعر والسلوك والقرارات الخاطئة . اننا نؤمن ان الرب قدس الطبيعة الإنسانية عندما اتحد بها وصار ملتزما بها وراعيا لها ومدبرا لخلاصها وعندما صعد الى السماء وجلس عن يمين الاب احتفظ بجسده الذي أخذه من القديسة مريم وهكذا دخلت الطبيعة الإنسانية الي أعماق السماء كما أصبح الله في أعماق الإنسان لقد أصبح الإنسان بالعماد ابناً لله وبالميرون المقدس اصبح مكرسا للرب وصار هيكلا للروح القدس ومسكنا للرب وعضوا فى الكنيسة التي هي جسده السري. وفى هذا يقول الإنجيل {ألستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وإنكم لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم وفى أرواحكم التي هي من الله } (1كو 6: 19-20).كما ينبه علينا باهمية العفاف {ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء للمسيح، أفآخُذ أعضاء اعضاء واجعلها أعضاء زانية؟ حاشا} (1كو6:15) لقد خلق الله الانسان طاهراً على صورته ومثاله.. ووهبه كل الامكانيات اللازمة للطهارة والنقاوة الداخلية . ان الانسان يقع فى النجاسة والخطية لا لانها أقوى منه ولكن من أجل تراخيه وكسله عن الجهاد او سعيه وراء الشهوات المحرمة . العفاف والطهارة هم سر قوة الانسان ونجاحه فى الحياة . ان يوسف العفيف أنتصر فى كل مجالات الحياة رغم الضيقات والتجارب الخارجية لانه كان أمينا طاهراً عفيف القلب واللسان والفكر والسلوك فى بيت أبيه ، وعندما ذهب ليسأل عن سلامة أخوته الحاسدين له، وفي بيت فوطيفار عندما راودته امرأة سيده ثم فى السجن . لقد خلصه الله من جميع ضيقاته ورفعه من اجل طهارته . ولهذا وهبه حكمة من روحه القدوس وبحسن تدبيره انقذ مصر واهلها واهله من المجاعة الى حاقت بهم ، بعكس ذلك شمشون الجبار الذى ارتمى فى أحضان دليله وأستسلم لشهواته فخانته وسلمته لاعدائه فقعلوا عينيه وجعلوه يعمل كثور يدور على الطاحون . + الطهارة تظهر فى تعاملك مع الجنس الاخر.. فإنك تتعامل معهم كأخوة أحباء باحترام ونقاء دون إزالة للكلفة أو خدش للحياء وإنما بود وإعزاز كأعضاء معك في جسد المسيح أو في أسرة الإنسانية. ولكن إذا شعرت أن شخصاً منهم قد سرق اهتمامك وتفكيرك وخيالاتك حينئذ بنضج ووعي يكون لديك إمكانية لضبط لعواطفك واتخاذ ما تراه مناسبا بالحرص والجهاد او الابتعاد ، فنحن نحتفظ بعواطف الحب الزيجى لشريك حياتنا فى سر الزواج المقدس والذى تكون فيه العلاقات الزوجية مقدسة وتعبيراً راقيا عن المحبة دون ابتزال او شهوة امتلاك انانى للآخر. والطهارة هي النظرة المقدسة للجسد سواء جسدك أو جسد الآخر. فالطاهر هو الذي ينظر إلي كل أعضائه بالتكريم كمكان يسكن فيه روح الله. إن الانسان الطاهر لا يشتهي ولا يتطلع للجمال الجسدي للآخر لأنه يعرف أن الجمال باطل والحسن غش كما يقول الحكيم والجمال الحقيقي يحترم فيه الانسان ككل كهيكل لله . اننا فى تقديرنا للآخرين لا نشتهيهم ونقدرهم ولا نريد أن نمتلكهم ونستهلكهم بل إن نقييم الآخرين كشخصيات لا كمجرد أجساد. فالجسد هو الغلاف الخارجي ولكن الذي نحترمه بالأكثر هو ما يحويه هذا الغلاف من طباع ومفاهيم وقامة روحية وفكر وإرادة وشخصية. اننا كابناء وبنات الله لا نشترك مع أهل العالم فى كلامهم او افكارهم او أفعالهم الخاطئة بل بالاحرى نوبخها بقداسة سريرتنا وسيرتنا كما كان لوط يعذب نفسه البارة بافعالهم الاثمة { اذ كان البار بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم يعذب يوما فيوما نفسه البارة بالافعال الاثيمة (2بط 2 : 8) فالمؤمن الحقيقى يأخذ الامور بجدية وروحانية . انها ليست مزاح او تسلية او قضاء وقت بل هي قضية حياة أو موت، أبدية أو هلاك، إيمان أو انحلال، قداسة أو استهزاء؛ تمايز وشهادة أو انجراف في التيار. إاننا نقدس الحياة والجسد والجنس سواء ما يختص بالحياة الزوجية أو النظرة السليمة لأعضاء الجسد. فالشاب المسيحي الذي أدرك قيمة كرامة جسده يحرص على أن يلبس الرب يسوع ولا يشاكل هذا الدهر ولا يسلك في طريق الأشرار وفى مجلس المستهزئين لا يجلس لأن ذهنه قد استنار وحياته قد تجددت وأصبح حريصا على أن يرضى الرب في طرقه ويحفظ الوصية عن حب لذاك الذى صلب وقام لاجله ...فنحن لا نشابه أهل العالم في أهدافهم وطرقهم وألفاظهم وسلوكهم. { ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2) + اقتناء الطهارة يأتى من عمل نعمة وعطية الروح القدس في المؤمن ولكنها تحتاج إلي جهاد وسهر ويقظة قلب. نحن لا نستطيع بمفردنا أن نجعل أنفسنا أطهاراً ولكننا نستطيع أن نصلى ونجاهد ونطلب من الله ان يهبنا طهارة الفكر والعواطف والسلوك ويقوينا لكي نحتفظ بطهارتنا فى المسيح يسوع ربنا وعمل نعمته وفعل روحه القدوس. من أجل هذا نصلى كل يوم للروح القدس طهرنا من دنس الجسد والروح وانقلنا إلي سيرة روحانية لكي نسعى بالروح ولا نكمل شهوة الجسد ونطلب من الله ان يجدد فى أحشائنا نعمة روحه القدوس ، روحاً مستقيماً ومحيياً روح النبوة والعفة، روح القداسة والعدالة والسلطة لانها قادر علي كل شئ وهو ضياء نفوسنا . + الطهارة وتحقيق الذات .. الذي يحيا طاهراً لا يحقق ما تتطلبه الوصية فقط وإنما يحقق ذاته وينجح أولاً. ويصبح الإنسان كما يريده الرب. يحرص على أن تظهر االطهارة والقداسة في حياته ويرفض أن يطمسها بالحياة الشهوانية والتصرفات الجسدانية. ويقول رجال علم النفس أن الشاب الطاهر تحيا غرائزه وتنمو في انسجام واتفاق وتكامل بعكس الشاب الشهواني إذ يسيطر عليه الانهماك في الملذات الجنسية، الأمر الذي يجعل بقية الدوافع في خلل وارتباك. فالطهارة مطلب نفسي وروحى. لهذا نرى الشاب الطاهر حقيقة الذي لا يعاني كبتاً أو قهراً يحيا في سلام ونضارة وفرح وسعادة تخلو نفسيته من العقد النفسية والهموم والأحزان وتأنيب الضمير وأوجاع النفس المختلفة. النجاسة تقدم لذة وقته للخاطئ ولكن هل هذه اللذة تؤدي إلي الشبع الكامل والشعور بالاستقرار النفسي الحقيقي؟. يجب ان نتأكد أن الله لا يريد سوى سعادتنا وهو لم يخلق الجنس ليعذبنا به وإنما لنستخدمه في مجراه الإنساني السوي فنتمتع بكل طاقتنا فلا نحاول أن نستخدم أجهزتنا بطريقة غير تلك المخلوقة من أجلها، حقاً إن حياة الطهارة تؤدي إلي السعادة النفسية فهي مطلب نفسي وإنساني كما هي وصية إلهية وفضيلة روحية، والطهارة تحمي الإنسان من الأمراض الجنسية وتحفظ نضارة الشباب ، ولذلك تجد وجه الشاب الطاهر يختلف تماماً عن وجه الساقط في بالوعة الشهوات الجنسية. ورغم تقدم الطب في معالجة الأمراض لكن مازالت للنجاسة ضحايا كثيرة مثل أمراض الايدز والكبد الوبائى والزهري والسيلان علاوة على الامراض النفسية ومن قلق وكابة وانفصام الشخصية واليأس وغيرها . السيد المسيح والحياة الطاهرة المقدسة ... + ان الرب الهنا يتميز بالقداسة ويدعونا اليها { اني انا الرب الهكم فتتقدسون وتكونون قديسين لاني انا قدوس ولا تنجسوا انفسكم } (لا 11 : 44) بالتجسد الإلهى صار الكلمة جسداً وحل بيننا وشابهنا فى كل شئ ما عدا الخطية وحدها ، لم يفعل خطية ولا وجد فى فمه غش ومرة بكت السيد المسيح اليهود قائلاً {من منكم يبكتني على خطية فان كنت اقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بي }(يو 8 : 46) من اجل هذا دعانا القديس بطرس ان نتبع خطواته { بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا انتم ايضا قديسين في كل سيرة }(1بط 1 : 15). فان ارادة الله قداستنا وامتناعنا عن الشر { لان هذه هي ارادة الله قداستكم ان تمتنعوا عن الزنا} (1تس 4 : 3). لاننا مدعوين كابناء الله الى حياة الطهارة والقداسة وملكوت السموات {فاذ لنا هذه المواعيد ايها الاحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد و الروح مكملين القداسة في خوف الله} (2كو 7 : 1). فاننا بدون القداسة والطهارة لن نعاين الملكوت او الله { اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى احد الرب} (عب 12 : 14). من اجل هذا دعانا لحياة التوبة المستمرة وان نصنع ثمارا تليق بحياة الطهارة والقداسة { فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة و لا تبتدئوا تقولون في انفسكم لنا ابراهيم ابا لاني اقول لكم ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم} (لو 3 : 8). + اهتم السيد المسيح بطهارة الحواس لانها ابواب الفكر { ليس احد يوقد سراجا ويضعه في خفية ولا تحت المكيال بل على المنارة لكي ينظر الداخلون النور.سراج الجسد هو العين فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا ومتى كانت عينك شريرة فجسدك يكون مظلما.انظر اذا لئلا يكون النور الذي فيك ظلمة.فان كان جسدك كله نيرا ليس فيه جزء مظلم يكون نيرا كله كما حينما يضيء لك السراج بلمعانه } لو 33:11-36. كما علمنا ان نحترس من النظرات الخاطئة او اللمسات الخاطئة التى تنحرف بعاطفة الانسان وتجعله يزنى فى قلبه { قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تزن. واما انا فاقول لكم ان كل من ينظر الى امراة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها والقها عنك لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم} مت 27:5-30. + طهارة القلب واللسان والسلوك . دعانا السيد المسيح الى الحرص نقاوة القلب وطهارته لانه من فضلة القلب يتكلم الفم { كيف تقدرون ان تتكلموا بالصالحات وانتم اشرار فانه من فضلة القلب يتكلم الفم. الانسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يخرج الصالحات والانسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور.ولكن اقول لكم ان كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساب يوم الدين. لانك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان} مت34:12-37. وبين لنا اهمية الطهارة والنقاوة الداخلية التى تقود الى حياة مقدسة فى الرب { ثم دعا الجمع وقال لهم اسمعوا وافهموا. ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الانسان.حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له اتعلم ان الفريسيين لما سمعوا القول نفروا. فاجاب وقال كل غرس لم يغرسه ابي السماوي يقلع. اتركوهم هم عميان قادة عميان وان كان اعمى يقود اعمى يسقطان كلاهما في حفرة. فاجاب بطرس وقال له فسر لنا هذا المثل. فقال يسوع هل انتم ايضا حتى الان غير فاهمين. الا تفهمون بعد ان كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف ويندفع الى المخرج. واما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر وذاك ينجس الانسان.لان من القلب تخرج افكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف. هذه هي التي تنجس الانسان واما الاكل بايد غير مغسولة فلا ينجس الانسان} مت 10:15-20. هكذا وبخ السيد المسيح الفريسيين الذى اهتموا فقط بالنظافة الخارجية دون القلب ومحبة الله والحق والرحمة والإيمان {و فيما هو يتكلم ساله فريسي ان يتغدى عنده فدخل و اتكا. واما الفريسي فلما راى ذلك تعجب انه لم يغتسل اولا قبل الغداء. فقال له الرب انتم الان ايها الفريسيون تنقون خارج الكاس والقصعة واما باطنكم فمملوء اختطافا وخبثا. يا اغبياء اليس الذي صنع الخارج صنع الداخل ايضا . بل اعطوا ما عندكم صدقة فهوذا كل شيء يكون نقيا لكم.ولكن ويل لكم ايها الفريسيون لانكم تعشرون النعنع والسذاب وكل بقل وتتجاوزون عن الحق ومحبة الله كان ينبغي ان تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. ويل لكم ايها الفريسيون لانكم تحبون المجلس الاول في المجامع والتحيات في الاسواق. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم مثل القبور المختفية والذين يمشون عليها لا يعلمون} لو 37:11-44. + هكذا كرز التلاميذ بحياة الطهارة والتعفف.. فما عاشوه وتعلموه من معلهم الصالح ساروا به وعلموه . لان غاية الوصايا هى المحبة من قلب طاهر{ واما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وايمان بلا رياء (1تي 1 : 5). هكذا يوصى القديس بولس الرسول { اخيرا ايها الاخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن ان كانت فضيلة وان كان مدح ففي هذه افتكروا. وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورايتموه في فهذا افعلوا واله السلام يكون معكم} فى 8:4-9. اننا رغم أغراءات العالم نسلك فى حياة الطهارة فى البتولية او فى الزواج المقدس كما يحق لإنجيل المسيح { فمن ثم ايها الاخوة نسالكم ونطلب اليكم في الرب يسوع انكم كما تسلمتم منا كيف يجب ان تسلكوا وترضوا الله تزدادون اكثر. لانكم تعلمون اية وصايا اعطيناكم بالرب يسوع. لان هذه هي ارادة الله قداستكم ان تمتنعوا عن الزنا. ان يعرف كل واحد منكم ان يقتني اناءه بقداسة وكرامة. لا في هوى شهوة كالامم الذين لا يعرفون الله. ان لا يتطاول احد ويطمع على اخيه في هذا الامر لان الرب منتقم لهذه كلها كما قلنا لكم قبلا وشهدنا.لان الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة. اذا من يرذل لا يرذل انسانا بل الله الذي اعطانا ايضا روحه القدوس. واما المحبة الاخوية فلا حاجة لكم ان اكتب اليكم عنها لانكم انفسكم متعلمون من الله ان يحب بعضكم بعضا} 1تس 1:4-9 + الأهتمام بطهارة الحواس واللسان والفكر والقلب والجسد .. ان ابتعادنا عن العثرات والاعثار بالحواس يجعلنا فى بعد عن الافكار الخاطئة ، بهذا يوصينا السيد المسيح ان نبتعد عن من يعثرنا ولو كان انسان مهم لنا كاليد اليمنى او العين { ويل للعالم من العثرات فلا بد ان تاتي العثرات ولكن ويل لذلك الانسان الذي به تاتي العثرة .فان اعثرتك يدك او رجلك فاقطعها والقها عنك خير لك ان تدخل الحياة اعرج او اقطع من ان تلقى في النار الابدية ولك يدان او رجلان. وان اعثرتك عينك فاقلعها والقها عنك خير لك ان تدخل الحياة اعور من ان تلقى في جهنم النار ولك عينان} مت 7:18-9. لهذا ايضا نوصى بناتنا وابنائنا ان لا يكونوا عثرة فى ملابسهم او تصرفاتهم كما اوصانا القديس بطرس الرسول { ولا تكن زينتكن الزينة الخارجية من ضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب. بل انسان القلب الخفي في العديمة الفساد زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن}1بط 3:3-4. اننا نحافظ على عفة الاذان بتعودها على سماع التراتيل والعظات والعيون بتطلعاتها للسماء والقديسين والايدى بان لا تمتد الى ما لغيرها ولا نفرح بربج قبيح او رشوة او عيش مسرف بل تسرع فى خدمة المحتاجين والعطاء ونبتعد بلساننا عن الادانة والتهكم والكذب والكلام الغير بناء اما القلب اى الانسان الداخلى فيمتلئ بمحبة الله والمشاعر المقدسة والعواطف الروحية { فوق كل تحفظ احفظ قلبك لان منه مخارج الحياة} (ام 4 : 23). اننا نحرص على نقاوة قلوبنا بالتوبة والانشغال بمحبة الله والأمتلاء من ثمار ومواهب الروح القدس فلا يجد ابليس سواء بالافكار او العواطف غير المقدسة مكاناً له فى قلوبنا ونرى الله ونعاين مجده { طوبى للانقياء القلب لانهم يعاينون الله }(مت 5 : 8). كيف نقتني حياة الطهارة .. + تجنب السلبيات والعثرات .. يجب علينا ان نحرص على البعد عن كل مسببات الخطية والشهوة سواء التى تاتى من داخل الانسان او من الخارج .. فيجب علينا تجنب العثرات التى تأتى من الجسد كالطعام الدسم او الذائد الذى يولد حرارة الجسد لاسيما قبل النوم ، ونمارس الصوم باعتدال ومعه تواضع القلب والصلاة لله ليهبنا حياة الطهارة والعفة ونتجنب الكسل والفراغ ونهتم بنقاوة قلوبنا ونبعد عن الكبرياء كسبب لابتعاد نعمة الله المقوية عنا { قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح} (ام 16 : 18).كما ان البعد عن الاسباب الخارجية من قراءات او مشاهدات خاطئة او علاقات معثرة تغلق الباب على حروب الشهوة من اجل هذا يوصينا الانجيل بالبعد بل بالهروب من العثرات { اما الشهوات الشبابية فاهرب منها واتبع البر والايمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي (2تي 2 : 22). + التوبة الصادقة.. بدون التوبة الصادقة تظل الحياة في صراع، والقلب في انقسام، والسقوط والقيام متكرر، ويزرع فينا الشيطان روح اليأس والانهزام. أما العزم الصادق على الحياة مع المسيح والجهاد الدءوب للحفاظ على النعمة المعطاة بالروح، فهذه هي وحدها التي تحمينا من خطورة الانزلاق وهاوية السقوط. ليس معنى هذا أن الحرب ستنتهي للابد ، وليس معنى هذا أن لا نتعرض للتجارب ، ولكن الذي نعنيه هو أن القلب سيكره الخطيئة مهما عرضت، وسيرفضها مهما ثقلت وسينهض من الكبوة إذا النفس عثرت يشبه الآباء القديسون الفارق بين التائب وغير التائب بالحمل والخنزير، الحمل قد يعثر ولكن سرعان ما ينفض التراب ويقوم من كبوته ولا يطيق الوحل على فروته. تنعشه النظافة وتزيده صحة ووزناً، أما الخنزير فحتى لو عطرته بالعطور الغالية فإنه يجري وراء المزبلة ليأكل منها ويتقلب في مراغة الحمأة.نحتاج إلى توبة واعتراف والصلاة بالروح لننال الطهارة ونكون آنية مقدسة وهياكل طاهرة وأعضاء حية في الجسد المقدس لتنفيذ مقصد الآب . كما ان حضور القداسات والتقرب من الاسرار المقدسة يجعل المسيح يحل بالايمان فى قلوبنا ويقدسنا جسدا ونفسا وروحا . فنثبت فى المسيح كما تثبت الاغصان فى الكرمة ونأتى بثمر ويدوم ثمرنا . + الصلاة بالروح والحق.. الله روح ويريدنا ان نصلى اليه بالروح والحق وتكون صلواتنا عشرة محبة مع الله وسيرنا معه احساس صادق بوجوده الدائم معنا ، يسمع ويستجيب لنا كعريس للنفس البشرية من اجل هذا قال القديس بولس الرسول { فاني اغار عليكم غيرة الله لاني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح} (2كو 11 : 2). نحيا حياة الصلاة والتسبيح. إننا بالصلاة تسمو غرائزنا وتتسامى طاقتنا العاطفية إلى المحبة الكاملة الصادقة مع الله ، نشكره على احساناته ونبثه همومنا وضعفنا ونطلب منه فى صلة دائمة ان يقودنا فى موكب نصرته . + القراءة فى الإنجيل والكتب الروحية .. ان كلمة الله قوية وفعاله { لان كلمة الله حية و فعالة و امضى من كل سيف ذي حدين و خارقة الى مفرق النفس و الروح و المفاصل و المخاخ و مميزة افكار القلب ونياته} (عب 4 : 12). وهى تنقى الانسان الذى يقرائها { انتم الان انقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به} (يو 15 : 3) فيجب علينا ان نعطى لها الاهمية بالدارسة والعمل بها كما ان كتابات الاباء الغنية بالروحانية تجذبنا الى حياة النقاوة وتهبنا مادة مقدسة للصلاة وتحفظ الفكر مقدساً فى الرب . كما ان قراءة سير القديسين والتعلم من حياتهم ومصادقتهم كامثلة حية للحياة الطاهرة تقودنا الى حياة مقدسة . + الصوم المقدس .. الصوم المقبول وباعتدال وارشاد يغلب الشيطان ولاسيما نهم البطن ويقوى الروح ويضبط أهواء الجسد.. الصوم رياضة روحية عظيمة يعطى فرصة للروح أن تنطلق في العبادة بلا عائق الصوم الإنقطاعي مع الصلاة والحياة الروحية الحقة يجعل الجسد شفافا رقيقا ويخفف ارتباط الإنسان بالأرض ويوجه اهتماماته إلى السمائيات {ليس بالخبز وحدة يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله} الصوم تدريب على طاعة الله واختبار إماتة شهوات الذات، فيه خشوع وانسحاق وفيه زهد عن العالم وتوبة عن الخطايا. وكلما ارتبط الصوم بالصلاة والسجدات والتذلل أمام الله يصبح فعالا ويحرق افكار النجاسة الخاطئة. +أستغلال الطاقاتك بايجابية روحية .. لدى كل إنسان منا طاقات ومنها الطاقة العاطفية والفكرية والبدنية والجنيسة فيمكننا ان نستخدمها للبناء او الهدم . علينا ان نستخدم طاقاتنا فى البناء الروحى السليم ونتسامى بغرائزنا وطاقاتنا ولا ندع انفسنا فريسة للفراغ والضياع بل نعمل وننجح ونتميز فى دراستنا وعملنا ونمارس الانشطة والخدمات الكنسية والوطنية . وننمى مواهبنا سواء القراءة او كالرسم او الموسيقي او الاشغال اليدوية او الرحلات او خدمة الكنيسة وانشطتها فى افتقاد المرضي والمحتاجين والقرى المحتاجة او بالرياضة الجسدية التى تكسب الجسم القوة والنشاط وتخفف الضغوط والتوترات { لان الرياضة الجسدية نافعة لقليل ولكن التقوى نافعة لكل شيء اذ لها موعد الحياة الحاضرة و العتيدة} (1تي 4 : 8). ان الطهارة والعفاف المسيحى يعنى قلباً ملتهباً بالحب الإلهي الذي يشبع النفس ويملأ الفراغ الداخلي ويحل مشكلة العزلة والملل والسأم، ويغمر قلب الانسان بنعمة الروح القدس الوديع الهادئ فتنطفئ كل شهوة خاطئة وتهدأ حركات الجسد واعضاءه وتمتلئ النفس فرحاً وسلاماً ونعيماً. وتنمو فينا طاقات المحبة الإيجابية ونوجهها التوجيه السليم . شئ من التاريخ المسيحى الاول من نص الدفاع عن المسيحية موجه إلى الإمبراطور الروماني هارديان للقدِّيس يوستينوس الشهيد عاش من 100م فى نابلس بفلسطين حتى استشهد فى 165م بروما الباب الثاتي : تعاليم الديانة المسيحيةالانتقال من الظلمة إلى النور – الطهارة في الزمن الماضي، كنا نُسرّ بالفجور، أما اليوم فإن الطهارة هي كل ملذَّاتنا كنا نستسلم للسِحر، أما الآن فإننا نكرِّس أنفسنا للَّه الصالح. كنا نحب المال والممتلكات ونبحث عنها أكثر من كل شيء، أما الآن كل أموالنا مشتركة يقاسمنا فيها الفقراء كانت الأحقاد تفصلنا عن بعضنا البعض، وكانت الفروق بين العادات والتقاليد لا تسمح لنا بقبول الغريب في بيتنا، أما اليوم بعد مجيء المسيح، فإننا نعيش معًا، ونصلِّي من أجل أعدائنا، ونحاول أن نكسب مضطهدينا الظالمين أرى أنه يحسن أن نذكِّركم ببعض تعاليم المسيح نفسه. وعليكم بفضل مقدرتكم وسلطانكم الإمبراطوري، أن تحكموا إذا كانت التعاليم التي أخذناها ونسلِّمها هي تعاليم مطابقة للحق الطهارة {كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها} (مت 5: 28-29). {خير لك أن تدخل ملكوت اللَّه أعور من أن تكون لك عينان وتطرح في جهنم النار}(مر 9: 47). {ليس الجميع يقبلون هذا الكلام، بل الذين أُعطي لهم. لأنه يوجد خِصيان وُلدوا هكذا من بطون أمَّهاتهم. ويوجد خِصيان خَصاهم الناس. ويوجد خِصيان خَصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات. من استطاع أن يقبل فليقبل} مت 19: 11-12 وهكذا، فإن الذين بحسب القانون البشري يعقدون زواجًا مضاعفًا. اما لدينا الذين ينظرون إلي امرأة ليشتهوها متساوون في الذنب أمام ربنا. فهو لا يمنع الزنا فحسب، بل يمنع نيَّة الزنا أيضًا، لأن أفكارنا معلومة لدى اللَّه مثل أعمالنا إن رجالاً ونساء كثيرين، إذ تعلَّموا منذ الصبا في ناموس المسيح، ظلُّوا أنقياء حتى سن الستين والسبعين، وإني اَفتخر بأن أذكر لكم بعض أمثلة هؤلاء في كل الطبقات. وهل يلزم أن أذكركم أيضًا بالعدد الغفير من أولئك الذين تركوا الرذيلة لكي يخضعوا لهذه التعليم؟ والمسيح لم يدع الأبرار والأطهار للتوبة، بل الكفرة والمرذولين والأشرار. ألم يقل: "لم آت لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة" (مر 2: 17). لأن الآب السماوي يفضل توبة الخاطئ على معاقبته.. القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد
01 نوفمبر 2020

الألحان المستخدمة في القداس الإلهي

هي موسيقي تحرك المشاعر، إما تخاطب الروح مثل الحان الكنيسة وتجذب العاطفة نحو الله، وأما جسدية (تخاطب الغريزة) مثل حفلات ما بعد الأكاليل والـD.J. وذلك لا يصلح ولا يناسب أولاد الله. فالألحان هي موسيقي تخاطب الروح وتحرك العواطف وتجذب الإرادة نحو الله وتثير الدفوع والخشوع. فالهزات هي نبرات لحنية والهدف منها الإحساس بالكلمات والحركات لذلك سيدنا قداسة البابا شنوده قال المفروض تدرس النوتة الموسيقية للألحان الكنسية. إذًا الكنيسة علي مر العصور بعمل الروح القدس تجسد المعاني الروحية من خلال موسيقي الألحان في الصلاة. لذلك نجد: الكلمات + الحركات تحتاج للفهم الكلمات + الألحان تعطي إحساس بالتوبة. الحركات + الألحان تعطي إيضاح الطقس الكنسي لذلك علي الطالب الإكليريكي معرفة مغزى الطقس (فهم – توبة – حركات – كلمات – الحان) لذلك نجد عند عدم ثبات الطقس عند البروتستانت وصلوا 6000 طائفة!! الالتزام بطقس ثابت في صلاة القداس قد يتساءل البعض: لماذا نلتزم بطقس ثابت في الصلاة؟ الرد: عدم وجود ثبات في الطقس أدي إلى أن البروتستانت طلع منهم أدفنتست، شهود يهوه، لكن ثبات الطقس المُسَلَّم من جيل إلى جيل يحفظ التقليد والتسليم عبر الأجيال. الطقس مصدر مهم من مصادر التقليد (Tradition) لأن التقليد هو التسليم الشفاهي لحياة معاشه. لذلك يقول بولس الرسول في (1 كو 11:11) سلمتكم ما قد تسلمته، التقليد ليس محاكاة (Timition) ولكن تسليم لأن المحاكاة هي حركي ظاهري لا يفيد كثيرًا لأن ليس له جوهر ومن هنا كانت أهمية الثبات في الطقس يحفظ التقليد والتسليم عبر الأجيال. طبعًا التقليد دون فهم يسيء للطقس، إذًا يجب فهم الكلمات، الحركات، الألحان. إذًا عمل الروح القدس لا يتغير لذلك عندنا ثبات في الطقس وفي الصلاة. لذلك: 1- الطقس لا يتغير ولكن يتجدد فهمه روحيًا. 2- يجعل الطقس له قوة مؤثرة ومتجددة عبر الأيام بدليل الإنسان يخرج من القداس ويريد سماعه مره أخري. لأن عمل الله ممتد غير محدود لأن الله غير محدود. 3- والكلمات مستوحاة من الكتاب المقدس. 4- شمولية طقس القداس "شامل كامل" وكأن السيد المسيح يحتضن العالم كله من خلال القداس الإلهي. الطقس يعبر عن الإيمان الثابت. س: ما الفرق بين العبادة قديمًا في العهد القديم والعهد الجديد؟ ج : نوعية العبادة تعلن عن مصير الإنسان بعد الموت، ففي العهد القديم كان المصير هو الجحيم لذلك كانت واجهة العبادة إلى الغرب تشير للموت عبادة موت، نوع العبادة كانت تظهر بشاعة الخطية (الدم والنار) ورئيس الكهنة كان يدخل مرة واحدة قدس الأقداس في السنة يرش الدم، فهل يمكن تخيل رائحة قدس الأقداس بعد سنة.. صعبة جدًا.إشارة لسلطان الخطية الذي يعطي هذه الرائحة وبشاعتها. أما في العهد الجديد: المصير هو الحياة الأبدية فالعبادة تشير إلى الحياة ننظر للشرق إشارة للحياة، لأن السيد المسيح هو شمس البر، الشر إشارة للحياة، كما تشرق الشمس تدب الحياة علي الأرض واتساع العبادة يشير إلى قوتها.العبادة في العهد الجديد عبادة غير دموية (روحية) ذبيحة البخور والخبز والخمر المتحول إلى جسد ودم كريم لذلك نجد فرق بين مذبح النحاس في العهد القديم تقدم عليه ذبائح دموية أما المذبح في العهد الجديد يقدم عليه بخور ذبيحة روحية.ولذلك اتسعت العبادة إشارة إلى قوتها وعظمتها هناك صلاة جميلة في القداس الباسيلي لذهبي الفم بالخولاجي أما الخروف فروحي وأما السكين فنطقية غير جسمية نطقيه (ليس مادية "روحية")، جسمية (غير جسدية). نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
31 أكتوبر 2020

المقالة الخامسة عشرة في ذكر الآباء المتوفين

يوجعني قلبي فتوجعوا معي يا إخوتي العبيد المباركين، تعالوا فأسمعوا أن نفسي توجعني وجوانحي تؤلمني، أين الدموع ؟ وأين التخشع ؟ حتى أحمِ جسمي بالدموع والزفرات. من ذا ينقلني ويخلصني من مكان غير مسكون ؛ حيث لا يوجد ألبته صوت أبناء البشر ؛ حيث يكون الصمت وعدم جلبة، حيث لا يكون رهج يقطع الدموع، ولا مفاوضة شعب تعوق البكاء.فكنت أرفع صوتي وأبكي لدى الإله بعبرات مرة، وأقول بزفرات: أشفيني يارب لكي أبرأ ؛ لأن قلبي يوجعني فوق الإفراط ؛ وزفراته لا تتركني لحظة أن أنال راحة. لأنني أعاين قديسيك كذهب منتخب، تأخذهم من هذا العالم الباطل إلى نياحة الحياة. بمنزلة الفلاح الفهيم العاقل الذي إذا رأى الأثمار بالغة حسناً يقطعها بإسراع لئلا تضرها عوارض ما وتفسدها.هكذا أنت أيها المخلص تجمع المصطفين العاملين أعمالهم ببر ؛ ونحن الوانيين والمسترخين بالنية تبقينا في قساوتنا وثمرنا لا يتغير عن ماهيته. لأن ليس له نية ليبلغ في الأعمال بلوغاً حسناً ؛ ويقطف كما يليق ؛ ويجعل في مخزن الحياة ؛ لأن ثمرنا ليس له دموع لتوصله إلى تناهي البلوغ ؛ ولا تخشع لتتناهى نضارته من نسيم العبرات.ولا تواضع ليظلله من الحر الكثير، ولا هجر قنية لينتقل من الأمور المضادة، ولا محبة اللـه الأرومة القوية الحاملة الثمر، ولا عدم الاهتمام بالأمور الأرضية، ولا سهر، ولا عقل متيقظ في الصلاة.فعوض هذه الأشياء الحسنة ؛ والفضائل الصالحة له أضدادها غيظ مذموم، وغضب ييبسان الثمر لئلا ينمو فينتفع به، وكثرة قنية، والضجر العظيم ينقلانه إلى أسفل.هذه المصائب كلها تشتمله ؛ ولا تتركه ينتهي إلى البلوغ كما يليق ليستوي ؛ ويصلح لصاحبه الفلاح السماوي.ويلك ويلك يا نفس تكلمي وأبكي إذ فقدت بسرعة الآباء الكاملين ؛ والنساك الأبرار.أين الآباء ؟ أين الكاملون ؟ أين القديسون ؟ أين المستفيقون ؟ أين المتيقظون ؟ أين المتواضعون ؟ أين الودعاء؟ أين الصامتون ؟ أين الساكتون؟ أين المتورعون ؟ أين العادمون القنية ؟أين المتخشعون المرضو اللـه الذين كانوا يقفون في الصلاة النقية قدام اللـه كملائكة منيرين يبكون حتى يبلوا الأرض بعبرات الخشوع الحلوة ؟ أين المحبو اللـه الموعبو محبة ؛ الذين لم يقتنوا شيئاً على الأرض ؛ بل حملوا صليبهم ؛ وأتبعوا المخلص أتباعاً دائماً ؛ وسلكوا في الطريقة الضيقة متأملين حذرين أن يسقطوا في الهفوات.أو في برية غير مسلوكة ؛ وفاقدة الماء ؛ ومظلمة ؛ بل سلكوا طريق الحق الممهد ؛ طريق وصايا الرب ؛ سائرين في الطريق المملوء استنار ؛ إلا وهو أوامر المسيح ؛ خادمين اللـه بسيرة حسنة وبحرارة، حزناء باختيارهم في العالم الباطل.فلهذا أحبهم اللـه جداً ؛ وضمهم إلى ميناء الحياة ؛ وإلى الفرح الخالد وليستبشروا هناك ؛ ويتنعموا في فردوس النعيم ؛ وفي خجلة الختن الباقي ؛ لأنَهم ساروا من هنا بفرح إلى الإله القدوس ومعهم المصابيح معدة.فليس فينا نحن فضيلة أولئك ؛ ولا نسكهم؛ ولا حميتهم ؛ ولا مسكهم؛ ولا ترتيبهم ؛ ولا ورعهم ووداعتهم وتخشعهم ؛ ولا زهدهم في القنية ؛ وليس لنا سهرهم، وليست فينا محبة اللـه ؛ ولا تحنن الإله ؛ ولا تألم الأعضاء.لكننا متنمرون غير مستأنسين، ولا يحتمل بعضنا بعضاً ألبته، فألسنتنا هي محمية ؛ نتكلم بِها على بعضنا البعض، كلنا نلتمس الكرامة ؛ ونؤثر التشرف ؛ ونبتغي الراحة لأنفسنا ؛ ونحب القنيات.نحن مسترخون غير مثابرين على الصلوات، أقوياء في الهذيان وفي الدوران غير خاضعين، ضعفاء في السكوت، نشيطون إلى التنعم، مقطبون في الحمية والمسك، باردون في المحبة، حارون في الغضب، عاجزون في الصالحات، حرصون في السيئات.ترى من لا ينتحب، من لا يبكي على محبتنا الموعبة رخاوة، إن أولئك الآباء إذ صاروا قبلنا مرضين للرب خلصوا أنفسهم، ما كانوا متراخين، ولم يتخذ الكاملون فكرين لكن فكراً واحداً وهو كيف يخلصون.وكانوا مرآة صافية للناظرين، وكان الواحد منهم يستطيع أن يبتهل إلى اللـه من أجل أُناس كثيرين ؛ واثنان منهم إذا وقفا أمام اللـه في الصلوات النقية كانا يقدران أن يستعطفا الإله المتعطف كما يليق عن ألوف أناس.ويلك يا نفس في أي زمان أنت.ويلنا يا أحبائي إلى أية حمأة المساوي بلغنا ؛ ونحن نريد أن ينكتم أمرنا؛ ولكون ناظر النفس لا يتيقظ من كثرة العمي والتنزه فلذلك لسنا قادرين أن نتأمل الحزن المنصوب.وها الآن الأبرار والصديقون يختارون ؛ ويجمعون إلى ميناء الحياة ؛ لكي لا يعاينوا الحزن والشكوك التي تتبعنا من أجل خطايانا. كان أولئك ينتحبون ونحن نتناعس، أولئك يجمعون ونحن نتناوم، أولئك يحفظون ونحن ننجذب إلى العالم الباطل، أولئك يذهبون إلى اللـه بدالة ونحن نتنزه على الأرض. حضور الرب قد وقف على الأبواب ونحن نتشكك ونتقسم، الصوت السماوي متهيئ أن يبوق بأمر الرب ويزعزع الكل بصوته المفزع فينهض الموتى ليستوفي كل أحد نظير عمله. قوات السماوات مستعدة وقوفاً في مواكبهم ؛ أيوافوا بتقوى أمام الختن إذا جاء بمجد في سحب السماء ليدين الأحياء والأموات ؛ ونحن غير مصدقين.أترى كيف نكون يا إخوتي في تلك الساعة المخوفة ؟ كيف نعتذر إلى اللـه هناك عن توانينا في خلاصنا ؟ إن لم نحرص الآن ونبكي بوقاحة ونتوب توبة حسنة بتواضع نفس ووداعة كثيرة، فكم كل واحد منا مزمع أن ينتحب في ضغطته ؟وإذا تندم يقول بدموع غزيرة: ويلي أنا الخاطئ، ماذا داهمنى بغتة ؟ كيف عبر عمري وغاب عني بالجملة ؟ كيف سُرق زماني أنا المتنزه الطموح ؟ أين تلك الأيام الهادئة التي قضيتها في التنزه حتى أتوب بمسوح ورماد ؟ لكن لا ينتفع من كثرة هذه الأقوال.وإذا شاهدنا القديسين يتطايرون بمجد في السحب ؛ سحب الأهوية لاستقبال الرب ملك المجد ؛ ونعاين ذاتنا في ضغطة عظيمة. ترى من منا يستطيع أن يحتمل ذلك الخزي والتعيير المض ؟فلنفيق يا إخوتي ؛ فلنستفق يا أحبتي، ولنتيقظ أيها المحبو اللـه، ولننهض يا خلان اللـه.أيها الأولاد المحبوبون من الإله الآب، لنصغين إلى ذاتنا ؛ ولنجمعن أفكارنا قليلاً من هذا العالم الباطل ؛ ولنبحث أمام اللـه بعبرات غزيرة متضرعين بوقاحة وحرص وزفرات قلب ؛ لينجينا من النار التي لا تطفأ، والعذاب المر، لئلا نفارق السيد الحلو الذى أحبنا وبذل ذاته على الصليب من أجلنا.وأنا غير المستحق الخاطئ، أتضرع إليكم وأطلب إلى جماعتكم ؛ أن تذرفوا من أجلي دموعاً في صلواتكم وطلباتكم النقية ؛ طالبين لي التخشع لأبكي معكم ؛ وليستضئ قليلاً قلبي الأعمى.وأطلب إلى الإله المخلص القدوس ؛ لكي ما يعطيني نشاطاً وحرصاً فأتوب ما دام يوجد وقت تقبل فيه الدموع ؛ وأخلص معكم. يا إخوتي أنا غير مستحق الحياة، يا أحبتي أطلب إليكم أن تقبلوا استغاثة إفرآم الخاطئ أخيكم المسترخي ؛ ولنحرص كلنا أن نستغفر الإله القدوس ما دام لنا زمان ؛ لأن ها الرب قد وقف على الأبواب ليفني العالم الباطل.وله السبح إلى الأبدآمـين هذا هو اليوم المتقدم والمشرف ؛ فلنسبح بتشريف أسرار الابن الوحيد ؛ ولنصرخ بالتسبيح في الكنيسة التي هي عروس المسيح ؛ مشيدين بانتصار الآباء الأبرار ؛ ولنرتل مدائح القاطنين القفر ؛ واصفين جهاد الذين تركوا المدن ؛ وآثروا بشوق أن يسكنوا البرية لمنفعة كافة الذين يسمعونه ؛ لكي بصلوات الآباء الأبرار ؛ وبصلوات السامعين يخلص المتكلم. لأن الآباء الأبرار لم يبتعدوا منا إذ اشتقنا إليهم ؛ ولم نفارق جلالهم كأنَهم غرباء عنا لأنَهم يبتهلون دائماً من أجل هفواتنا.وليسوا ذوي مقامات دنيئة بل مشرفون ولا حقيرين بل مكرمون، ولا فاقدي العلم بل علماء لأنَهم كانوا معلمين لكل الناس بأعمالهم الصالحة لأنَهم كانوا قد تعلموا من سيدهم أن يجولوا الجبال مغتذين كاغتذاء الوحوش.كانوا تامين مملوءين عدلاً ؛ وإذ صاروا أعضاء الكنيسة لم يفصلوا أنفسهم من الرعية لأنَهم أولاد الاستنارة المقدسة ؛ ولم ينقضوا الناموس بل حفظوا الكهنوت ؛ وحفظوا الوصايا ؛ ولم يقاوموا الشريعة بل كانوا حارين في الأمانة.وحين كان الكهنة المكرمون يقفون قدام المائدة المقدسة يقربون الخدمة كانوا هم أول من يمدون أيديهم فيقبلون بأمانة جسد السيد الذي كان معهم دائماً.كانوا كحمام طائر في العلاءِ، نصبوا مساكنهم في الصليب ؛ تائهين في مواضع مقفرة كالغنم.فحين سمعوا صوت الراعي عرفوا في الحين سيدهم الصالح، كانوا تجاراً قد خرجوا يلتمسون الدرة النفيسة، كانوا مجتهدين مختبرين في جهاد العبادة الحسنى.أصغوا إلى مسامعكم ؛ أميلوا آذانكم حتى أصف لكم سيرة الآباء القاطنين البرية، أجمعوا فكركم وسافروا به معنا إلى وسط الصقع المقفر فسنشاهد هناك عجباً عظيماً ؛ ومجداً ؛ ولنذهبن في طرفة فنسطر رسوماً صالحة وعجيبة رسوم سيرتِهم.فإن الشوق إليهم يضطرني كثيراً أن أذهب فأعرف من كنوز سيرتِهم، وأرهب أن أتقدم إليهم سراً ؛ وإذا حضرت عندهم ولو مدة يسيرة وأراهم يحنون ركبهم ليبتهلوا إلى اللـه ؛ يستطيعون أن يجعلوني أنا الموجود الضعيف متأيداً متوطداً.إذا مدوا أيديهم ورفعوها إلى السماء ؛ يقوموا نطقي لكي ما أمدحهم بأمانة، إذا تضرعوا يقف معقولي ثابتاً ويفرح بوداعتهم، وكذلك لساني يتلذذ إذا تنغم بوصف سيرتِهم.إذا سكب واحد منهم سحابة دموع عن هفواتي فللحال يستجاب له، أولئك القديسون شابَهوا المسيح نفسه، واقتنوا البيوت في البرية لأنه لا يمنع من كنوزه الصالحة الذين يقصدونه في الساعة التاسعة والعاشرة ؛ بل يعطيهم أولاً بما أنه سيد صالح كإعطاء الأجرة للفاعل الذي عمل في الساعة الحادية عشرة في كرمه بنشاط ؛ فقد فتح المخزن والغنى يعطي للمريدين أن يتقدموا ويتسربلوا بالمجد الذي كانوا يلتمسونه دائماً.فلنتخذ رسماً حسنة شريفة ؛ ونصير مشابِهين لسيرتِهم، فمن يريد أن يحرص ويذهب فيلبس الحلة التي لهم ويستغنى بثروتِهم.ومن قام عندهم يبدأ في الحين أن يعطي للذين يسألونه طلباتِهم، لأنَهم يعطون لكافة من يسألهم، ويمنحون الكل المواهب التي اقتنوها.فلنتقدم فنأخذ منهم عطية نفيسة صلاة وترتيلاً، نأخذ محبتهم التي هي أشرف وأرفع من جواهر كريمة وزبرجداً شريفاً، وعوض اللؤلؤ فلنأخذ أمانتهم القوية المشرفة التي من أجلها صاروا تائهين في الجبال والآكام والمغائر والثقوب.هب لي يارب قوة وتأييداً للساني لئلا ينغلب من تعب سيرتِهم ولأصف شيئاً من جهادهم البهي، فلهذه الحال إذا نَهضنا فلنطرح أسلحة الشيطان ونعطف قلبنا ونجعل لنا أجنحة حمامة ؛ ونطير فنبلغ حتى نشاهد سيرتِهم.لأنَهم تركوا المدن وضوضاءها ؛ وتاقوا إلى الجبال والبراري أكثر منها، فنمضي فنشاهد مساكن أولئك، وكيف هم جالسون كالموتى في القبور، نذهب فنعاين تنعم الذين يتنعمون بفرح بين الجبال.نمضي فنبصر الماقتين للعالم والمؤثري التصرف في البراري أكثر جداً، نذهب فنشاهد أجساد أولئك كيف قد تسربلت بشعورهم، نمضي فنعاين مسوحهم التي لبسوها بسرور ممجدين اللـه، نذهب فنشاهد وجوههم كيف بتقطيبها قد ضاعفوا بِها نفوسهم. نمضي فنبصر الملائكة معهم مهللين ومرتلين بسرور جزيل ؛ نذهب فنشاهد طاساتِهم الممزوجة بدموعهم، نمضي فنبصر موائدهم مملوءة دائماً من البقول البرية، هلموا فلنبصر حجارة أولئك التي يضعونَها تحت رؤوسهم.فلنذهب ونأخذ من شعور القديسين ؛ لنتخذ السيد متعطفاً علينا، إن شاهدهم لص يجثوا ساجداً لأنَهم متدرعوا الصليب دائماً.إذا أبصرت الحيوانات الوحشية مسوحهم ؛ للحين تبتعد منهم ناظرين عجباً عظيماً، كل ما يدب يدوسونه بأرجلهم ؛ لأنَهم لابسون ومحتذون أمانة العدل.إذا أبصرهم الشيطان في الحال يفرق منهم ويعج بتوجع هارباً في الحين، لأنَها تكسرت ربوات فخاخ نصبها وراءهم ؛ ولم يمكنه بالجملة أن يضرهم لأنَهم لم يكونوا مسترخين مثلنا نحن الجهال بل منتصبون بشهامة في محاربة العدو إلى أن سحقوه تحت أقدامهم إلى النهاية، وسحقوا أفكاره واغتيالاته، ولم يجزعوا من كافة حيلة.فكان إن أراهم غنى لم يعتدوا به شيئاً بل يحتقرونه ويطئونه كالصخرة، لأن الغنى كان لهم في السماوات مع الملائكة القديسين.والجوع ما كان يحزنَهم لأنَهم كانوا يغتذون من خبز المسيح النازل من السماوات القدسية، إن العطش لم يلهبهم لأن المسيح كان لهم في أنفسهم وفي لسانَهم عين الحياة. لم يستطع الخبيث أن يزعج فكراً واحداً من أفكارهم ؛ لأنَهم وضعوا أساس أمرهم على الصخرة.وقطنوا المغائر والكهوف كأنَهم في القصور المزخرفة، والجبال والروابي التي كانت تكتنفهم كانوا يؤثرونَها بمنزلة أسوار عالية، وكانت الأرض والجبال لهم مائدة، وعشائهم كانت الحشائش البرية، ومشربَهم اللذيذ الماء من الأودية، وخمرهم الماء من ثقوب الصخور.وكانت لهم كنائس ألسنتهم التي بِها كانوا يكملون صلواتَهم الاثنتا عشر ساعة التي يشتمل عليها النهار، كانت لهم صلاة إلى سيدهم، والتمجيد الذي كانوا يرتلون به في الجبال والمغائر كان يقدم إلى اللـه ذبيحة حسنة مقبولة. هم كانوا كهنة لأنفسهم.ويشفون بصلواتِهم أمراضنا لأنَهم شفعاء لنا كل حين،لم يعقلوا رؤيات عالية، ولا كانوا يلتمسون التصدر في المجالس لأن شرفهم كان التواضع. صاروا مشابِهين للسيد المسيح الذي تمسكن من أجلنا نحن الأشقياء.لم يعطوا أنفسهم نياحاً في العالم إذ كانوا منتظري النياح الذي هناك.فلنصيرن متشبهين بالقاطنين في الجبال ؛ ومشاركين لسيرتِهم، لأن أولئك كانوا جائلين مع الوحوش كأنَهم وحوش، وكالطيور كانوا يطيرون في الجبال، يرعون كالآيلة مع الوحوش الوحشية.ومائدتِهم كانت مستعدة دائماً ؛ لأنَهم كانوا يرتعون العشب الأخضر والحشائش بمداومة ؛ جائلين في الجبال كسروج واضح ضيائها، وكان الذين بشوق كثير يقتربون إليهم يستضيئون بضيائهم.كان الآباء الذين في البرية سوراً منيعاً ؛ فلذلك أي موضع كانوا يسكنونه يجعلونه أميناً أنيساً، إلى أي صقع انتهى واحد من الآباء يصير جميع الموضع الذي يحيط به أنيساً موعباً سلامة.كانوا يتطايرون إلى الروابي نظير جمع الحمام ؛ ومثل النسور في الجبال الشامخة، لا يتنعم رؤساء العالم بالقصور والسقوف المذهبة كما يسر هؤلاء بالجبال والمغائر، وربما الملك يضيق به البلاط أما هؤلاء فواسعة عليهم ثقوب الأرض ورحبة كثيراً.الثياب الشعرية التي لبسها الآباء الأبرار وابتهجوا بِها أكثر من الملابس البرفيرية ؛ فهذه رثت وبليت، والمسح من أجل صبر الآباء القديسين بُجل ووقر، لأنَهم رفضوا الكبرياء وآثروا التواضع الجزيل، مقتوا كل شرف العالم الباطل ؛ وها هم يشرفون من كافة الناس من أجل غزارة تواضعهم ووداعتهم.فالملوك ما اقتنوا مثل هذه الراحة ؛ نظير الراحة التي أقتناها الآباء في البرية، لأن المسيح كان بَهجتهم، رعوا في البرية الحشائش كالوحوش كانوا ينتظرون الفردوس المطرب.إذا ضعفوا من الجولان في الجبال كانوا يضجعون على الأرض كأنَهم في نعيم لذيذ، إذا ناموا كانوا يقومون بإسراع كأنَهم أصوات أبواق ملوكية يسبحون المسيح المشتهى، وكانت مواكب الملائكة معهم دائماً وتحصنهم وتحفظهم كل وقت، ونعمة السيد كانت معهم سرمداً.ولم يخدعهم العدو، وحين كانوا يحنون ركبهم يصنعون قدامهم طيناً وينشدون من عبراتِهم غدراناً، إذا ختموا تسبيحهم يقوم السيد وعبيده يخدمون مرادهم.إذا حلك الظلام ؛ في الحين يرفعون أجنحتهم ؛ ويطيرون في كافة المسكونة، لأنَهم لم يكن لهم مسكن ظاهر ؛ لأن مسكن الآباء القديسين الحقيقي هو عدن، حيث تغرب لهم الشمس هناك يحلون، وحيث ما يلحقهم الليل هناك يجعلون منزلهم.ما كانوا يذكرون قبراً ؛ لأنَهم كانوا موتى ؛ وإنصلبوا للعالم بالشوق إلى المسيح ؛ لأنه حيث كان أحدهم يسكن يصير له ذلك الموضع قبراً.وكثيرون منهم إذا أحنوا رؤوسهم في الصلاة ؛ تنيحوا بِهدوء أمام السيد، آخرون استندوا إلى صخرة ؛ وسلموا نفوسهم إلى سيدهم، آخر بينما كان يتمشى في الجبال مات وصار له الموضع قبراً ومدفناً معاً.آخر دفن ذاته بارتسام الشكل فقبض بنعمة سيده، آخر بينما كان يرعى خضرة السيد نعس فتوفى في مائدته، آخر حين كان واقفاً في تلاوة التمجيد خطفت منه نعمة نسمته.آخر بينما هو واقف في الجبال مرتلاً ومتضرعاً ختم الصلاة بنفسه، كانوا منتظرين النهاية القدسية، الصوت الذي ينهض فيزهرون كالأزهار الفائحة نسيم الطيب.إذا أمرت الأرض أن تبرز الموتى يينعون في الحين ويزهرون كالسوسن الأبيض، وحينئذٍ السيد عوض العمل الكثير والتعب الذي احتملوه من أجل محبة المسيح يعطيهم الحياة الدائمة سرمداً.وبدل شعورهم يمنحهم إكليلاً مضفوراً شريفاً، وعوض المسوح التي شقوا بلبسها يعطيهم حلة العرس المجيدة، عوض الحشائش وضيقة الماء يصير لهم المسيح مطعماً ومشرباً، وبدل ثقوب الأرض التي سكنوها يمنحهم المسيح الفردوس المعظم، ولكونَهم لم يأثروا أن يكون لهم حِرز في العالم هو يخول لهم السرور العظيم.أنه غير ممكن أن نوضح بالكلام الفرح الجزيل الذي يحصل فيه كافة القديسين ؛ الذين باختيارهم حزنوا وضيقوا على أنفسهم في هذا العالم، الذين ناصبوا وجاهدوا الآلام النجسة ؛ وغلبوا العدو ؛ وحفظوا وصايا الإله العلى.فلذلك يطوب الملائكة القديسين ؛ ويقولون لهم: مغبوطون أنتم الذين من أجل شوق المسيح دبرتم مركبكم تدبيراً سديداً في الأرض بفطنتكم ؛ وبغزارة صبركم، وقومتم وصايا المسيح السيد الصالح بحق.فلذلك وصلتم إلى الميناء الصاحي واتخذتم المسيح الذي تُقتم إليه، نَسر معكم أيها المغبوطون لأنكم نجوتم من فخاخ العدو ؛ وجئتم إلى المسيح الذي كللكم وصرتم وارثين ملكه، وحين يرى الخبيث نفسه مغلوباً يجلس فينتحب ويقول ببكاء:الويل لي أنا الشقي ؛ وماذا أصابني أنا المُحطم ؟ كيف غُلبت ؟ أني أنا سبب هذا الأستخزاء، لأني أنشأت معهم الحرب بإلحاح كثير، ولما هُزمت من المعركة الأولى والثانية كان يجب أن أفطن أن المسيح معهم.فالآن إذ حاربت القديسين العجيبين فازداد ثوابِهم بذلك وغُلبت، فانْهزمت بخزي عظيم ؛ ملطخاً رأسي بالدماء من جراحاتي ؛ لأنني نصبت الفخاخ لاقتنصهم ؛ فأخذوها وكسروا بِها رأسي، ونشابي الحاد الذي أرسلته إليهم تناولوه بدهاء وقتلوني به.أنا حاربتهم بآلام مختلفة ؛ وهزموني بقوة الصليب، فبواجب تألمت بِهذه أنا الجزيل الغباوة، إذ أوضحت المجاهدين بغير اختياري مدربين مختبرين، لأنه كان سبيلي أن أرتدع من آلام المسيح لأنه هدم كافة قوتي، كنت عملت كل الأشياء حتى يُصلب ؛ فبموته دفعني إلى الموت.وهذا الأمر أصابني نظيره من الشهداء؛ إذ صرت عاراً وخزياً وضحكاً، لأنني حركت الملوك، وأعددت لكي ما إذا عاينوها يُذهلون ويجحدون المسيح، فليس أنَهم لم يُذهلوا فقط من آلام العذاب المختلفة بل إلى الموت اعترفوا بالمسيح.هكذا الآن لما أردت أن أغلب هؤلاء بالقتالات غُلبت فانْهزمت بخزي عظيم ؛ ولن أستطيع أن أحمل العار الذي حل بي أنا المتشامخ بالعظائم، تحطم عزي وكافة اقتداري من أناس حقيرين.أما بعد فلست أعلم ماذا اصنع أو بماذا أعتذر، إن الحقيرين والأميين قد أخذوا إكليل الظفر وأنا الشقي احتضنت بالخزي، أظلميت تحيرت نفذت قوتي.ماذا أعمل أنا الشقي ؟ وماذا أصنع ؟فأهرب إذاً من هؤلاء المجاهدين الشجعان ؛ وأذهب إلى أصدقائي المتوانيين بنيتهم ؛ حيث لا يكون لي تعب ؛ ولا أحتاج لحيل.لأنني آخذ منهم رباطات وأشدهم بِها ؛ وإذا قيدتَهم بالقيود التي يسرون بِها يكونون فيما بعد تحت يدي ؛ ويحصلون لي مثل عبيد، ويعملون دائماً مشيئتي باختيارهم.وإذا غلبتهم أعود إلى ذاتي قليلاً مفتخراً كبطل ظافر ؛ فإنَهم وإن كانوا يسقطون إلى الهوة لكن مع هذا أتلذذ أنا بِهلاكهم، وأسر إذا اقتدتَهم إلى طريق التهلكة ليكونوا لي مشاركين في النار التي لا تطفأ.فإذ قد عرفنا يا إخوتي ضعفه ؛ فلنصغين إلى ذاتنا مغايرين الآباء ؛ فإنَّا إن سلكنا الطرق التي سلكوها ؛ فسنجد فيها يسوع المسيح مرشداً وموازراً إيانا ؛ فإذا أبصر العدو معنا المسيح النور الحقيقي فهو لا يجترئ بالجملة أن ينثني بنظره إلينا، لأن النور الذي فينا يعمي عينيه.وكما تقدمت فقلت لكم أيها الإخوة المحبون للمسيح أقول: احرصوا بنا أن ننقي قلوبنا حتى نجذب إلينا معونة نعمة المخلص حتى لا يقتدر العدو علينا، لأن السفهاء الأغنياء يرومون أن يعطوه قوة علينا بإبعادنا من اللـه بمخالفتنا وصاياه المقدسة ؛ ليجدنا العدو عراة من النعمة ؛ فيقتادنا ويرشدنا إلى طريقه.فأتضرع إذاً وأتوسل إليكم دائماً ؛ أن نَهرب من الخبيث مبتعدين منه ؛ ولنحل ونفك القيود التي قيدنا بِها باختيارنا ؛ ملتجئين إلى المسيح حاملين نير تحننه الصالح الخفيف ؛ حتى إذا سلكنا في طرق وصاياه الصالح نصل إلى المدينة التي أعدها اللـه للذين أحبوه. ويليق المجد والكرامة وعظم الجلالة بالآب والابن والروح القدس ؛ إلى أبد الدهور. آمين. مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
30 أكتوبر 2020

فاض قلبي بكلام صالح

الملء يسبق الفيض.. «... القَلْب... مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ» (أم4: 23). هناك حفظ القلب مِمّا هو سائد في العالم من الشرور والخطايا بأن يسهر الإنسان على مداخل النفس: العين والأذن واللسان حتى لا يتسرّب إلى داخله شيء من النجاسات أو الشرور. ولكن الحركة الإيجابية هي أن يمتلئ القلب من النعمة ويمتلئ من روح الله، من كلّ ما هو جليل وطاهر، من كل ما هو نور وحق.فإن امتلأ القلب بهذه الحاسيات الإلهية يصير كنز القلب صالحًا كقول الرب.«خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي... » (مز119: 11).. فصارت كلمة الرب تسكن هناك وهي «حَيَّةٌ (قوية) وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ» (عب4: 12).«أَبْتَهِجُ أَنَا بِكَلاَمِكَ كَمَنْ وَجَدَ غَنِيمَةً وَافِرَةً (غنائم كثيرة)» (مز119: 162).. يتحصّل القلب بفرح على كلمة الحياة الأبدية بابتهاج لا يُعبَّر عنه.. يجد فيها لذّة لا تدانيها لذّة.. يمتلئ بها الداخل ويغتني، ويَستغني بها عن كلّ غِنى أرضي.«وُجِدَ كَلاَمُكَ (حلو) فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ» (إر15: 16) قال الرب لحزقيال لما أراه في الرؤيا الكلمة الإلهية المكتوبة في دَرَج الكتاب.. قال له الرب: «كُلْ مَا تَجِدُهُ..» فخضع حزقيال للأمر وقال: «فَفَتَحْتُ فَمِي فَأَطْعَمَنِي... فَصَارَ فِي فَمِي كَالْعَسَلِ حَلاَوَةً» (حز3: 1–3). فأطعم جوفه للشبع.عندما تسكن كلمة الرب بغنى في القلب، وعندما تجد في القلب أرضًا صالحة، تُثمِر الكلمة «ثَلاَثِينَ وَسِتِّينَ وَمِئَةً» (مت13).سُكنى الكلمة في القلب تُغيِّر القلب الحجري إلى قلب لحم. أي أنّ الكلمة الإلهية تُرَقِّق المشاعر، وتجعل الإنسان رحيمًا رقيقًا، ذا ضمير حساس مرهَف لعمل الصلاح والإحسان والشعور بالضعيف والمظلوم والذين في ضيقة.ومتى مَلَكَت الكلمة على القلب، صارت توجُّهات القلب كلّها نحو الصلاح والحقّ، وصار مضبوطًا بالحب، وصار البذل والعطاء منهجًا للحياة.عمل الكلمة في القلب لا يمكن شرحه، فهي ضابطةٌ للسلوك، وضابطة للكلام والتصرفات، ضابطة للطبع والمزاج، ضابطة للصحو والنوم والفرح والحزن.. بحيث أنّ الكلمة تقود وتوجِّه وتُحَكِّم.قال أب فاضل لآخر كان يشتمه: "كنت قادرًا أن أردّ عليك، ولكن ناموس إلهي أغلقَ فمى".ملء القلب من نعمة الكلمة يأتي من اللهج فيها النهار والليل.«لَوْ لَمْ تَكُنْ شَرِيعَتُكَ لَذَّتِي (هي تلاوتي)، لَهَلَكْتُ حِينَئِذٍ فِي مَذَلَّتِي» (مز119: 92).. القلب الطالب ناموس الرب يجد فيها مسرته عندما يمتلئ القلب يفيض، فتجري الكلمة على اللسان بدون مانع ولا عائق، تتدفّق كالنهر الجارف طبيعيًّا بدون تَكَلُّف. يفيض القلب فيضانًا دائمًا كقول الرب: «تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» (يو7: 38). قال الرسول: «لَسْنَا كَالْكَثِيرِينَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللهِ» (2كو2: 27).الكلمة الفائضة من قلب مملوء نعمة، لا تحتاج إلى فلسفة الكلام الكلمة الفائضة من قلب مملوء نعمة، لا تحتاج إلى زُخرف الألفاظ وجمال اللغات الكلمة الفائضة من قلب مملوء نعمة، لا تحتاج إلى جدل لإثبات، بل هي تحمل قوّة الله للعمل في القلب.لا تحتاج للتمثيل، وحركات الوُعَّاظ، وعلو الصوت وخفضه، وكلّ المؤثّرات البشريةهي بعيدة عن الكلام االمَلِقُ (اللين) لكي تُرضي السامعين، أو تشتري وِدّهم. فالرسل الكذبة وصفهم القديس بولس أنّهم بالكلام المَلِق يخدعون قلوب السُلماء ويُغرِّرون بهم، وهم يخدمون بطونهم ومصالحهم ويعملون لحساب ذواتهم لا لحساب المسيح. «لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ لاَ يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ بَلْ بُطُونَهُمْ. وَبِالْكَلاَمِ الطَّيِّبِ وَالأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ» (رو16: 18).لذلك فالفيض من ينبوع الروح يكون لحساب المسيح وحده، والروح هو الذي يعمل في الكلمة.. ألا تذكُر كيف رجع الخدام الذين أرسلهم الكتبة والفريسيون ليأتوا بالمسيح؟ كيف أنّهم رجعوا يقولون: «لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَانِ!» (يو7: 46) لأنهم استمعوا إلى كلمات النعمة الخارجة من فمه المبارك كلّ من يمتلئ يفيض.. هكذا عرفنا الآباء القديسين، وهكذا قنَّنت الكنيسة أقوال الآباء القديسين الذين فسروا لنا الكتب وحفظوا لنا الإيمان. وهذا أيضًا ما كتبه القديس بطرس: «بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (1بط1: 21). أيها الأخ الحبيب ليجعل الله كلمته الحيّة تدخُل بالحقّ إلى أعماق قلبك ونفسك وتعمل عملها العجيب كما قال الرب: «لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ» (إش55: 11). وليجعل قوله كاملاً فيك: «اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ» (لو6: 45). المتنيح القمّص لوقا سيداروس
المزيد
29 أكتوبر 2020

شخصيات الكتاب المقدس أخيتوفل

"وخنق نفسه ومات" 2صم 17: 23 مقدمة كان أخيتوفل واحداً من أقرب الناس إلى الملك داود، وهو الرجل الذي يطلقون عليه "يهوذا الاسخريوطي العهد القديم"،... إذ كانت له نفس الشركة والمكانة التي كانت ليهوذا الاسخريوطي، من ابن داود، ابن الله،.. وكلاهما باع صديقه، ووصل إلى نفس المصير!!... كان الرجل من أبرع الحكماء وأعظمهم، ولم يوجد له نظير بين رجال داود في الفهم والحكمة،... ولكنه على قدر ما امتلأ من المعرفة والحكمة، فرغ من الحب والفضيلة، -في لغة أخرى- كان عقلاً دون قلب، ومن ثم حق أن يوصف أنه الميكافيلي الإسرائيلي، الذي لا مبدأ له، والذي ظهر قبل أن يعرف العالم الميكافيلي الحديث في العصور الأخيرة، الميكافيلي الذي وضع أبشع قاعدة خلقية: إن الغاية تبرر الواسطة!!كان أخيتوفل كتلة من الحكمة والذكاء، ولكنه وقد تخلى عن الحق والرحمة لم تعد له الحكمة النازلة من فوق، بل الحكمة الأرضية النفسانية الشيطانية، الممتلئة بالتحزب والغيرة والتشويش، وكل أمر رديء،... وأضحت مأساته مأساة العالم كله، المتقدم في المعرفة، والمتخلف في الأخلاق، والغارق في الدم والتعاسات والأحزان والآلام،.. لم يقتل داود أخيتوفل، ولم يشتر أحد الحبل ليهوذا سمعان الاسخريوطي،... ولكن كليهما مضى وخنق نفسه ومات،... وإذا كانوا في العادة يقولون إن ذكاء المرء محسوب عليه، وإذا كان الكتاب يقول إن أخيتوفل انطلق إلى بيته إلى مدينته وأوصى لبيته وخنق نفسه، ونحن لا نعلم ماذا أوصى لبيته، لكننا سنجتهد أن نفتح وصيته الرهيبة التي خلفها وراءه للأجيال وللتاريخ، ومن ثم يحق لنا أن نراه من النواحي التالية: أخيتوفل الصديق القديم أغلب الظن أننا لانستطيع أن نفهم أخيتوفل قبل أن نقرأ المزمور الخامس والخمسين، ومع أن داود تنبأ في هذا المزمور عن يهوذا سمعان الاستخريوطي، إلا أن عينه في الوقت نفسه كانت على أخيتوفل الجيلوني صديقه الخائن الذي تمرد عليه، وشارك أبشالوم في ثورته ضده، ولم يكن أخيتوفل إلا رمزاً لذلك الذي قبل يسوع المسيح، وهو يسمعه يقول: "يا صاحب لماذا جئت؟".. وسنعرف أخيتوفل من داود إذا عرفنا يهوذا سمعان الاسخريوطي من ابن داود، من يسوع المسيح، ومع أن الفارق بعيد ولا شك بين داود والمسيح، وما فعل داود مع أخيتوفل، وفعل يسوع المسيح مع يهوذا الاسخريوطي إلا أن كليهما كان الشخص الذي قيل فيه: "لأنه ليس عدو يعيرني فاحتمل ليس مبغضي تعظم علي فأختبيء منه، بل أنت إنسان عديلي ألفي وصديقي الذي معه كانت تحلو لنا العشرة إلى بيت الله كنا نذهب في الجمهور" فإذا أحسست معه حرارة الحب والود، في ذاك الذي رفعه داود إلى مستوى العديل الأليف الصديق، فإنك تقترب من ذاك الذي رفعه يسوع المسيح إلى المركز بين تلاميذه الاثنى عشر، وإذ تقرأ من خلال القول: "الذي معه كانت تحلو لنا العشرة" وهي تحمل رنين الماضي الجميل الحافل بأرق المشاعر وأجمل الذكريات، فإنك يمكن أن ترتفع إلى العتبات المقدسة، وأنت تذكر السنوات اثلاث التي قضاها الاسخريوطي مع يسوع المسيح،.. وإذا أردت أن تتغور في حنايا الماضي، فإنك لا يمكن أن تجد أفضل من اللحظات التي كان يذهب فيها داود وصاحبه، ويسوع المسيح وتلميذه، إلى بيت الله في وسط الجمهور المرنم المتعبد!!... فإذا أردت أن تتعرف أكثر على هذه الصداقة، فإنك ستجدها واضحة الملامح، من حيث كونها الصداقة النافعة، والصداقة الحلوة والصداقة الدينية،.. أما أنها كانت الصداقة النافعة، فهذا مما لا شك فيه، فداود لا يختار صديقاً أو المسيح لا يأخذ تلميذاً، إلا إذا كان هذا المختار يتميز بميزات ووزنات وهبات تؤهله لهذا الاختيار، ومع أننا سنترك الآن يهوذا الاسخريوطي كالتلميذ المؤتمن على أمانة الصندوق، والوحيد بين التلاميذ الذي أختير من اليهودية ولم يؤخذ من الجيل، فإنه مما لا شك فيه أن الذكاء الخارق لأخيتوفل كان يقف على رأس الأسباب التي جعلت داود يقربه إلى ذاته ودائرته، وأن هذا الذكاء كان لازماً جداً في حل الكثير من العوائص والمشكلات التي كانت تجابه داود والأمة بأكملها، ومن ثم كانت مشورة أخيتوفل على ما وصفت به كمن يسأل بكلام الله!!.. وكانت من أهم أسباب تعلق داود به،... على أنه واضح أيضاً أن الرجل لم يكن ذكياً مجرداً من الإحساس والعاطفة، بل كان متقد المشاعر، حلو الحديث، دافق العاطفة: "تحلو العشرة معه" أو في -لغة أخرى- أنه لم يكن قريباً إلى عقل داود فحسب، بل إلى قلبه أيضاً، ولعل داود عاش طوال حياته يذكره بالأسى والألم، كلما ذكر الأوقات الجميلة الحلوة التي امتدت في حياتهما سنوات متعددة طويلة،.. ولم تكن صداقة الرجل لداود بعيدة عن محراب الله،.. أو هي نوع من الصداقة الأدبية أو الاجتماعية التي تربط الناس بعضهم ببعض، بل هي أكثر من ذلك كثيراً، إذ كانت الصداقة التي عاشت كثيراً تحت محراب الله في بيته المقدس، وكان من الممكن لهذه الصداقة أن تستمر وتبقى، لو عاشت في ظلال الله،.. ولكن أخيتوفل، قبل أن يفقد صداقته لداود فقد الصلة والصداقة بالله، وتهاوت مشاعره الدينية الأولى، وأضحت مجرد ذكريات لماضي لم يعد، وتاريخ ولى وتباعد!!.. أخيتوفل الخائن المتمرد ولعلنا هنا نلاحظ أكثر من أمر، فنحن أول كل شيء نصدم بالصداقة المتغيرة المتقلبة، وما أكثر ما نراها في اختبارات الناس، وحياة البشر، على اختلاف التاريخ والعصور والأجيال،.. فإذا كان السياسيون يؤكدون بأنه لا توجد بين الدول ما يمكن أن نطلق عليه الصداقة الدائمة أو العداوة الدائمة، فأعداء الأمس قد يكونون أصدقاء اليوم، والعكس صحيح إذ يتحول أوفى الأصدقاء، إلى أقسى الخصوم وأشر الأعداء،... فإن هذه القاعدة تكاد تكون مرادفة للطبيعة البشرية المتقلبة، وليست وقفاً على السياسة أو السياسيين،.. ومع أني لا أعلم مدى الصدق أو العمق، في القول الذي ألف الناس أن يقولوه، إنه ليست هناك صداقة قوية حارة عميقة إلا بعد عداوة، إلا أني أؤمن بتبادل المواقع بين الأصدقاء أو الأعداء على حد سواء، فما أكثر ما يقف الصديق موقف العدو، وما أكثر ما يتحول العدو إلى الصديق المخلص المحب الوفي... وأغلب الظن أن أخيتوفل في مطلع صداقته مع داود، لم يكن يتصور بتاتاً أنه سيأتي اليوم الذي سيتحول فيه عدواً، لا يخاصم داود فحسب، بل يطلب حياته أيضاً!!... وهل لنا هنا أن نتعلم الحكمة، فنعرف أنه يوجد صديق واحد لا يمكن أن يتغير أو يتبدل في حبه على الإطلاق،.. وهو أقرب إلينا من أقرب الأقربين، ومهما تكن العوامل التي تقربنا أو تفصلنا عن أقرب الناس إلينا، لكننا نستطيع -على أي حال- أن نقول مع داود: "إن أبي وأمي قد تركاني والرب يضمني"، أو مع بولس: "في احتياجي الأول لم يحضر أحد معي بل الجميع تركوني لا يحسب عليهم ولكن الرب وقف معي وقواني لكي تتم بي الكرازة ويسمع جميع الأمم فأنقذت من فم الأسر"... وفي الوقت عينه علينا ألا نضع رجاءنا كثيراً في الصداقة البشرية، فهي -مهما امتدت أو قويت أو استعت- لا تأمن الثبات أو التغير أو الانقلاب!!وإذا كان السؤال الملح بعد ذلك: لماذا انقلب أخيتوفل على داود، ويهوذا الاسخريوطي على يسوع المسيح،... ومع أنه من الواجب أن نضع هنا مرة أخرى التحفظ ونحن نقارن بين الصداقتين، إذ أن يهوذا الاسخريوطي لم يكن له أدنى عذر في الانقلاب على المسيح أو الغدر به على النحو البشع، الذي جعله يبيعه بثلاثين من الفضة، أو يسلمه بالقبلة الغاشة المخادعة المشهورة، وإن كان من الواضح أنه سلمه بعد أن تبين أنه لم يعد هناك ثمة لقاء بين أطماعه وأحلامه في مركز أو جاه أو مال، وبين حياة المسيح وخدمته ورسالته في الأرض!!.. أما أخيتوفل فقد كان وضعه يختلف، إذ كان له من الأسباب ما يمكن أن يثير ضيقه وحفيظته من داود، وقد جاءت هذه الأسباب أثر سقوط داود في خطيته الكبرى مع بثشبع، وبثشبع بنت أليعام، وأليعام هو ابن أخيتوفل الجيلوني، وقد كانت هذه الخطية بمثابة الذبابة الميتة التي سقطت في طيب العطار، لتنته وتفسده، ومن تلك اللحظة تباعد الرجلان، وامتلأ قلب أخيتوفل بالكبرياء والحقد والضغينة، ولم يكن يرضيه البتة، إلا دم داود، سواء بسواء مثل دم أوريا الحثي الذي ذهب ضحية هذه الفعلة الرهيبة الشنعاء!!... ومن المعتقد أنه عاد إلى مدينته جيلوه، وبقى هناك في ثورة أبشالوم الذي استدعاه لمساندته ضد أبيه،... ومن الملاحظ أن ذكاء أخيتوفل الخارق، قد أعطاه نوعاً من الكبرياء لم يستطع معه أن يتسامح مع داود أو يغفر له، بل لعله وقد سمع عن غفران الله للرجل الذي كان يمكن أن تهلكه هذه الخطية، وتضيع حياته الأبدية، وفي الوقت عينه سمع عن عقاب الله الذي لابد أن يتم، بسبب العثرة التي أوجدتها هذه الخطية، كان يتصور أنه من الجائز أن يستخدمه الله لإتمام هذا العقاب، أو المشاركة فيه، عندما سمع عن الثورة التي قادها ابنه ضده!!لم يستطع أخيتوفل أن يغفر، ومع أنه كان من الممكن أن يتسع فكره وقلبه للملك التائب، الذي وإن كان قد سقط، إلا أنه حاول أن يصلح ما يمكنه إصلاحه من آثار هذا السقوط بضم بثشبع، والصلاة من أجل ثمرة السقوط، لعل الله يبقي على الولد، كما أنه عزى زوجته الضحية، وأنجب منها ابنه الآخر سليمان الذي أحبه الرب، وأحبه ناثان أيضاً، وتولى تربيته، وكان يمكن لأخيتوفل أن ينظر إلى بثشبع وابنها نظرة ناثان النبي، النظرة المليئة بالحب والحنان والعطف والترفق، وأن يكون لسليمان ولداود المشير والناصح والمعين والمساعد، لكن أخيتوفل، لم يكن هكذا، بل وعجز عن أن يكون هكذا، لأنه قد ضرب بأمرين ملآه إلى الحد الذي لا يمكن معه الصلح أو الغفران أو اللقاء!!... وهما: الكبرياء والحقد، وويل للإنسان الذي تسيطر عليه هاتان العاطفتان، وويل للناس منه إذ واتته الفرصة للتصرف في ملء غله وحقده وطغيانه وكبريائه!!.ومن الثابت أن الجريمة الكبرى للرجل ليست مجرد التمرد على داود، أو أخذه بكل أسباب الحقد والضغينة والقسوة والشر بل إنه غيب الله تماماً عن المشهد، ولم تعد دوافعه إتمام المشيئة الإلهية حسبما تصورها أو تخيلها، بل كانت دوافعه أرخص وأخس وأحط من كل ذلك بما لا يقاس،.. وإذا كان يهوذا الاسخريوطي قد أتم إرادة الله في تسليم يسوع المسيح، لكن العبرة لم تكن في هذا التسليم الذي كان لابد أن يتم بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق، إنما العبرة كل العبرة، كانت في الدوافع المنحطة الرخيصة التي سيطرت على الرجل عند التسليم!!.. وهكذا كان أخيتوفل الذي قتله الحقد الأعمى، فهو لا يهدأ أو يستريح حتى يسفك دم داود، وهو يقترح لذلك أن ينتخب اثنى عشر ألف رجل، ليسعى وراءه وهو متعب مرتخي اليدين، فيهرب كل الشعب الذي معه، ويضربه هو وحده!!... أو قصاري الأمر أن دم داود هو الذي يشفي غليله، ويهديء ثائرته!!على أن الوجه القبيح للرجل، هو أنه من أقدم الناس الذين آمنوا بأن الغاية تبرر الواسطة، لقد أراد أن يفصل بين داود وابنه أبشالوم فصلاً أبدياً بالمنكر البشع، إذ قال لأبشالوم: "أدخل إلى سراري أبيك اللواتي تركهن لحفظ البيت فيسمع كل إسرائيل أنك قد صرت مكروهاً من أبيك فتشدد أيدي جميع الذين معك"... وفي الحقيقة أن هذا السبب المذكور يخفي وراءه السبب الأعمق، وهو الانتقام البشع من جنس ما فعل داود بحفيدته بثشبع،.. وإذا كان المبدأ الذي أطلقه ميكافيلي في قاموس السياسة الأوربية، طرح كل المباديء الأخلاقية، وذبحها في سبيل حصول الأمة على ما تريد، دون أدنى وازع من نوازع الضمير والإنسانية، فإن أخيتوفل الجيلوني كان من أقدم الذين آمنوا بهذا المبدأ -إن صح أنه مبدأ- وشجع على تطبيقه على النحو الفاضح الذي فعله أبشالوم فوق السطح في القصر الملكي،... رداً لفعل داود الذي أبصر من فوق السطح حفيدته بثشبع وهي عارية!!.لم تكن رغبة أخيتوفل في الواقع إتمام المشيئة الإلهية، والتي لا يمكن أن يتممها الإنسان بهذا الأسلوب البشع الشرير الخاطيء، إذ أن الله لا يمكن أن يعالج الخطية بخطية مثلها، وقد حق لمتى هنري أن يقول: "إن هذه السياسة الملعونة، التي اتبعها أخيتوفل، لم تكن سياسة من يريد أن يتمم مشيئة الله، بل مشيئة الشيطان"... ومع ذلك فإن الله، وإن كان لا يرضى على القصد الشرير، إلا أنه يستطيع السيطرة عليه لإتمام مشيئته العظيمة العليا، أو كما قال يوسف لإخوته: "أنتم قصدتم لي شراً أما الله فقصد به خيراً لكي يفعل كما اليوم ليحمي شعباً كثيراً".. وقد شارك أخيتوفل في تمام المشيئة الإلهية بمشورته الرهيبة، وإن كانت دوافعه الشريرة تتباعد عن الدافع الإلهي بعد السماء عن الأرض!!.. إن الحكمة في الواقع حيث قصدها الله، كعطية منه للإنسان، هي ذلك الإلهام الذي يمنحه للعقل البشري، فيما يستغلق عليه من أمور، أو يواجه من مشاكل، أو يقابل من صعوبات، ومثل هذه الحكم تختلف تماماً عن الحكمة البشرية، أو بالحري الشيطانية التي تنزع إلى الشر، وتبتكر كل الوسائل الشريرة الآثمة، التي تفتق عنها العقل البشري طوال أجيال التاريخ،.. فإذا قيل: وكيف يستطيع الإنسان إذاً التفرقة بين الحكمتين؟ كان الجواب فيما أورده الرسول يعقوب، إذ أن الحكمة الأرضية النفسانية الشيطانية هي حكمة أخيتوفل المقترنة بالغيرة والتحزب والتشويش والأمر الرديء،.. على العكس من الحكمة الإلهية: "وأما الحكمة التي من فوق فهي أولاً ظاهرة، ثم مسالمة مترفقة مذعنة، مملوءة رحمة وأثماراً صالحة عديمة الريب والرياء".. ومن الواضح أن خيانة أخيتوفل وغدره وتمرده وثورته ضد داود، لم تكن تعرف شيئاً من هذه الأخيرة على وجه الإطلاق!! وهل هناك من شك في أن أخيتوفل رمى بثقله الكامل إلى جانب الشر والفساد، وهو أول من يعلم أنه لا يمكن أن يضع بتاتاً داود وأبشالوم في كفتي ميزان، وأين الثري من الثريا، وأين البطل والحماقة والفساد والرذيلة والشر، من الخير والجود والإحسان والرحمة!!.. ولكنها الخطية التي أعمت أخيتوفل الجيلوني، أحكم المشيرين في عصره!!.. أخيتوفل والمصير التعس وأي مصير تعس وصل إليه الرجل! لقد مضى وخنق نفسه، وفعل ذات الشيء الذي فعله يهوذا الاسخريوطي فيما بعد،... ولكني أرجو أن تتمهل لكي تتساءل متى خنق نفسه؟!!.. ولعلك تتصور أنه فعل ذلك بعد أن أوصى بيته، لكن الحقيقة أبعد وأعمق من ذلك كثيراً، لقد قتل الرجل نفسه قبل ذلك بفترة طويلة،.. لقد مات يوم لم يعد يعرف شيئاً في الأرض سوى المرارة والحقد والكراهية والانتقام، يوم انقطع عن بيت الله ليصل بينه وبين الشيطان بأقوى الأسباب، يوم افترسه الغيظ، إذ خرج من أورشليم إلى جيلوه ليجد هناك الروح النجس: "متى خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة وإذ لا يجد يقول أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه فيأتي ويجده مكنوساً مزيناً ثم يذهب ويأخذ سبعة أرواح أخر أشر منه فتدخل وتسكن هناك فتصير أواخر ذلك الإنسان أشر من أوائله".. وإذا كان الكتاب قد قال بعد ذلك عن يهوذا الاسخريوطي، أنه بعد اللقمة دخله الشيطان، وخرج من حضرة المسيح ليواجه ليله المحتوم، فإن أخيتوفل فعل الشيء نفسه عندما ودع داود إلى غير رجعة في طريقه إلى الليل الطويل العميق البعيد الذي وصل إليه!!.. وآه لك يا أخيتوفل! وآه لك أيها الرجل الذي استبدلت داود بأبشالوم كما استبدل الاسخريوطي المسيح برؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين! وآه لك أيها الرجل الذي انتهيت من تلك اللحظة قبل أن يدرك الناس أو تدرك أنت أن نهايتك قد جاءت وأنت لا تعلم!!... أجل متى يموت الرجل وأين ينتهي؟!!.. إنه لا يموت بمجرد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، أو يسكن قلبه عن النبض والحركة، فهذا وهم وخداع علمنا المسيح أن ننبذه ونرفضه، يوم دعا واحداً من الشباب أن يتبعه، واستأذن الشاب أن يمضي أولاً ويدفن أباه،.. وأكد له المسيح أنه ليس في حاجة إلى أن يفعل هذا، إذ أن الكثيرين هناك، وهم مستعدون ومؤهلون لمثل هذا العمل: "دع الموتى يدفنون موتاهم وأما أنت فاذهب وناد بملكوت الله"... إن الفرق في عرف المسيح بين الكثيرين ممن يحملون النعش إلى مثواه، وبين البيت المحمول، هو فرق موهوم متى كان الموتى الذين يدفنون الميت بعيدين عن الحياة التي يعطيها الله بلمسته الأبدية،.. وقد أكد هذه الحقيقة بصورة أخرى عكسية عندما قال أمام قبر لعازر: "أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد"... مات أخيتوفل الجليوني كيهوذا الاسخريوطي قبل أن يخنق كل منهما نفسه ليخرج من العالم إلى الظلمة الأبدية!!مات أخيتوفل الجيلوني يوم أن تسمم نبعه، فلم يعد الرجل الذي ينطق بالحكمة، كمن يعطي الجواب للحائر والتعس والمنكوب بكلام الله، يوم كان النبع غزيراً مترعا فياضاً بالماء النقي الحلو الرقراق،.. آه لك أيها النبع، ما الذي غيرك لتتحول إلى حمأة تقذف بالقذر والكدر والطين؟!! أين الحكمة الجميلة والماء السلسبيل؟!! لقد ضاع كل هذا لأنك لم تعد الرجل الذي يذهب مع داود إلى بيت الله، بل أضحيت شريراً قاسياً عاتياً في الشر، فحق فيك ما قيل: "أما الأشرار فكالبحر المضطرب لأنه لا يستطيع أن يهدأ وتقذف مياهه حمأة وطيناً".. وداعاً أيها النبع الرقراق يوم لم يعد للناس فيك إلا الماء المسموم العكر!!.. والسؤال بعد هذا كله: لماذا مضى أخيتوفل إلى جيلوه ليخنق نفسه؟!!.. هل خنق الرجل نفسه لأنه امتلأ بجنون الكبرياء عندما رفض أبشالوم أن ينصاع إلى حكمته مؤثراً عليها حكمة حوشاي الأركي؟ وهل يطيق أخيتوفل أن يسمع أبشالوم وكل رجال إسرائيل وهم قائلون: "إن مشورة حوشاي الأركي أحسن من مشورة أخيتوفل".. وهل بلغ الهوان به إلى أن يوجد في إسرائيل كلها من يمكن أن يستشار وهو موجود، ومن هو حوشاي الأركي هذا الذي يمكن أن يقف نداً له حكمته أو مشورته؟ فإذا كانت الأمة كلها تقدم عليه حوشاي، فإن الموت عنده أفضل بما لا يقاس من الحياة نفسها؟!!... على أن البعض يعتقد أن هناك سبباً آخر أضيف إلى هذا السبب، إذ أن الرجل لم يذهب إلى جيلوه، وهو مرجل متقد من الغيظ والغضب والكبرياء المهدورة الذليلة، بل أن الأمر أبعد وأعمق، لقد ذهب إلى هناك مأخوذاً بجنون الفشل واليأس والقنوط،.. لقد لفظت حكمته، وأدرك الرجل من اللحظة الأولى أن الثورة ستمني بكل تأكيد بالفشل والضياع والهزيمة، وأن حكمة حوشاي الأركي هي المنحدر أو الهوة التي تسقط فيها بدون قرار، وسينتهي كل شيء، على أسوأ ما يمكن أن تكون النهاية والمصير، فلماذا يبقى ليرى هذا كله؟!! ولماذا يبقى ليقتله داود أو واحد من رجاله على أبشع صورة ومثال؟!!.. وإذا لم يكن من الموت بد، فإن من حقه -كما تصور- أن يجعله بيده، لا بيد واحد من الأعداء أو الخصوم، الذين لا يمكن أن يأخذوه بالرفق والحنان والرحمة، لقد أصيب أخيتوفل الجيلوني، كما أصيب يهوذا الاسخريوطي، بأقسى نوع من الجنون، إذ أصيب باليأس المطبق الذي لا يترك للإنسان فرجة أو مخرجاً من أمل أو رجاء!!.. كانت خيانة أخيتوفل من أبشع الخيانات، وكانت مشورته المخيفة من أخبث وأشر وأحط المشورات، لكن البعض يعتقد أن داود كان على استعداد أن يقدر الجرح العميق الغائر في صدر الرجل، والذي شارك هو في صنعه، وكان على استعداد أن يتسامح مع الرجل أو يغفر له، لو أنه عاد تائباً نادماً مستخزياً عما فعل، ولكن أخيتوفل لم يفعل، لأنه جن بالكبرياء الذي يمنعه من الانحناء، وجن باليأس الذي أغلق في وجهه أي بصيص من رجاء أو أمل!!... وذهب الرجل كما ذهب يهوذا الاسخريوطي على بعد ألف عام آتية من الزمن!!لم يقتل أحد أخيتوفل الجيلوني، كما لم يقتل أحد يهوذا الاسخريوطي،.. لقد قتل كل منهما نفسه بالحبل الذي فتله بيديه، والذي وضعه في عنقه، لقد مات الرجلان لأن يد العدالة الإلهية امتدت إليهما، اليد القوية التي أطبقت على عنقيهما لتطرحهما في الظلمة الخارجية الأبدية، كما تطرح كل من لا يتعظ أو يتحكم لشتى الإنذارات التي لابد أن يرسلها الله، قبل أن يقضي قضاءه الإله المحتوم،مات أخيتوفل الجيلوني وذهب إلى مصيره التعس ليحق عليه ما قاله السيد المسيح عن الآخر: "كان خيراً لهذا الرجل لو لم يولد".. أجل وهذا حق، لأن الذي يودعونه كثيراً يطالبونه بأكثر، وإذا كانت العدالة الأرضية تضع أشد العقاب، على المجرم الذي يرتكب الجريمة مع سبق المعرفة والإصرار والترصد، وهي لا تستطيع أن تأخذه بما تأخذ به الغر الغرم الجهول، فبالأولى تكون عدالة السماء،.. مات أخيتوفل الجيلوني، وذهبت عنه حكمته ليموت موت الجاهل الأحمق، وليضحى الصورة الغربية المتكررة في كل الأجيال والعصور، للإنسان الذي يقتل نفسه بمدثرات "الحكمة" البشرية التي تتفنن كل يوم بالمخترعات العلمية والنفسية في تعذيبه وقتله!!.مات أخيتوفل الجيلوني، دون أن يفلح في القضاء علي داود، لأن الملك القديم وفي نفسه من الحكمة الجهنمية الشريرة بالاتجاه إلى الله في الصلاة يوم قال: "حمق يا رب مشورة أخيتوفل"... وهل لنا شيء آخر في هذا العالم الحاضر الشرير أكثر من الصلاة، لنقي أنفسنا من مشورته الرهيبة الآثمة الشريرة،.. كان داود في اللحظة التي رفع فيها هذه الصلاة مسكيناً عاجزاً مشرداً طريداً،.. واستمع إلى صلاة الرجل البائس المسكين، وضرب على مشورة أخيتوفل بالضلال، فلم تفلح، ومات أخيتوفل، ولم يمت داود،... وعاش القائد وذهب المتمرد،... وضاعت الحكمة الآثمة القاسية الشريرة، ليبقى المسكين الذي أودع أمره بين يدي الله في ذلة وخضوع!!أي أخيتوفل! أي يهوذا الاسخريوطي القديم لا نملك أن نتركك دون أن نقف لنسكب دمعة حزينة على قبرك البائس، كم نسكب دموعنا الغزيرة علي الرجل الذي أطل على وجه المسيح، ومع ذلك قدر أن يبيعه ويخونه!!..
المزيد
28 أكتوبر 2020

الشيطان: صفاته وحيله

أول وأهم صفة للشيطان أنه شرير, يحب الشر ويعمل على نشره بكافة أنواع الطرق. ويكره الخير والخيرين ويقاتلهم. وهوايته هي إسقاط الآخرين. وهو في قتاله للبشر, لا يهدأ مطلقًا ولا يملّ ولا يستريح. هو مشغول بالجولان في الأرض والتمشي فيها, يبحث عن فريسة لكي ينقضّ عليها والعجيب أنه قوى في عمله. استطاع في الأجيال القديمة أن يلقى غالبية العالم في الوثنية, وفي تعدد الآلهة, وفي إغرائهم بألوان من الخطية والدنس. بل إنه صرع أشخاصًا كثيرين وسيطر عليهم. ولكن ليس معنى هذا أن نخافه, بل نحترس منه, طالبين معونة الله للتغلب عليه والنجاة من حيله... والشيطان خبير بالحروب, وخبير بالنفس البشرية إنه يحارب الإنسان منذ أكثر من سبعة آلاف سنة, منذ أبوينا الأولين آدم وحواء. فأصبحت له خبرة طويلة في حربه مع البشرية. وقد صادف في قتاله أنواعًا شتى من نفوس البشر. فصار أقدر مخلوق على فهم النفس البشرية وطريقة محاربتها, إذ قد درسها جيدًا واختبرها, وعرف نواحي القوة والضعف فيها, ومتى تقاومه ومتى تستسلم له. وتحرّس في أسلوب محاربتها فهو إذن عالم نفساني, وعلم النفس عنده ليس مجرد نظريات, إنما هو خبرات على المستوى العملي, وبنطاق واسع جدًا, شمل البشرية كلها. لذلك فهو يعرف متى يحارب وكيف يحارب؟ ومتى ينتظر؟ ومن أي الأبواب يدخل إلى الفكر أو إلى القلب؟وهو في كل ذلك ذكى وصاحب حيله, ويتميز بالخبث والمكر والدهاء.ومن مظاهر ذكائه أنه قد يغيّر خططه وأساليبه لتوافق الظروف المتاحة له ومن صفاته الكذب والخداع والأضاليل, ليصل بذلك إلى غرضه لذلك لا يصح أن نصدق الشيطان في كل ما يقوله وما يقدمه من إغراءات يمكن للشيطان أن يستخدم الكذب والخداع فيما يقدمه من رؤى وأحلام كاذبة. وما أكثر الأحلام الكاذبة التي يضل بها الناس, أو يظهر لهم في هيئة ملاك أو أحد القديسين, ويرشدهم بطريقة مضللة!وكذب الشيطان يظهر أيضًا في ما يضعه على أفواه السحرة والعرافين وأمثالهم. وما يقوله على أفواه المنجمين ومدعى معرفة الغيب مثل المشتغلين بقراءة الكف, أو ضرب الرمل, أو قراءة فنجان القهوة أو معرفة البخت والطالع بأنواع وطرق شتى. ولما كان من الثابت دينيًا أنه لا يعرف الغيب سوى الله وحده, لذلك كل من يضع الوصول إلى معرفة الغيب لا يكون صادقًا في ادعائه ويظهر كذب الشيطان كذلك في استشارة الموتى أو تحضير الأرواح فقد ينطق في أمثال تلك الجلسات, مدعيًا أنه روح فلان من الناس. ويقول للحاضرين بعض معلومات تخدعهم مما يعرفه عن أخبار ذلك الشخص أو أسرته. فإذا صدقوه يبدأ بالتدريج بقول ما يضللهم وإغراءات الشيطان كلها ألوان من الكذب. حيث يصور للإنسان سعادة تأتيه من وراء الخطية, سواء في لذة أو سلطة أو مكسب أو جاه أو مجد... ثم يجد الإنسان أن كل ذلك سراب زائل وأشياء فانية. وهذا أسلوب الشيطان باستمرار: أنه يزخرف طريق الخطيئة, ويضفى عليه أوصافًا من الجمال تغرى من يقع في حبائله. وأيضًا أحلام اليقظة التي يقدمها لضحاياها, كلها أكاذيب: ولكنه يقدمها لهم كنوع من المتعة بالخيال, تخدرهم عن العمل الإيجابي النافع, فيعيشون فترة في وهم هذه الأحلام, يبنون قصورًا من رمال, ومتعة وأفراحًا من الخيال. ثم يستيقظون لأنفسهم فلا يجدون شيئًا. ويكون الشيطان قد أضاع وقتهم, وعطلهم عن العمل المجدي, وأراحهم راحة كاذبة!ومن أكاذيب الشيطان أن يوهم المنتحر بأن الموت سيريحه من متاعبه! ويظل يركز على هذه النقطة: إنه لا فائدة له من هذه الحياة, ولا حلّ لمشاكله إلا بالموت, حيث يتخلص من كل تعبه ويستريح. وإذ ينخدع المنتحر بهذا الفكر ويقتل نفسه, لا يجد تلك الراحة الموهومة. بل يجد نفسه في الجحيم, في تعب لا نجاة منه, ولا تقاس به كل متاعب الدنيا. ويكتشف أن الموت ليس هو نهاية لحياته المتعبة, بل بداية لحياة أخرى أكثر تعبًا وألمًا وتقريبًا غالبية الخطايا, يضع الشيطان وراءها أكذوبة من أكاذيبه: فهو يوحى للسارق بأن سرقته سوف لا تُكتشف. ويوحي ذلك أيضًا لكلٍ من المرتشي والمهرّب والغشاش. وهو في ذلك يكذب, لأنه حتى إن كان أحد لا يرى هؤلاء, فالله يرى وكل شيء مكشوف أمامه. وكذلك فإن الشيطان يوحى للقاتل أن من ينوى قتله يستحق القتل, أو أنه بقتله يغسل العار الذي يلوث شرفه, أو أن قتله يريح نفس قريب له.ولعل أخطر أكذوبة قدمها الشيطان لبعض البشر, هي الإلحاد كما أنه كذب على الوجوديين حين صوّر لهم أن وجود الله يعطل وجودهم. وكذب على بعض الشيوعيين زاعمًا أن الله يعيش في برج عال لا يهتم بالمجتمع الإنساني, تاركًا الظالم يظلم, والغنى يستعبد الفقير!من صفات الشيطان أيضًا أنه لحوح لا يملّ من الإلحاح وربما يعرض الفكر الواحد مراتٍ ومرات. ومهما قوبل بالرفض, يستمر في عرضه. فربما بكثرة الضغط والإلحاح, يستسلم الإنسان له ويخضع.. وهو لا يخجل أبدًا من الفشل, بل يعود ويستمروالشيطان في إلحاحه على الناس، لا يعترف بالعقبات، ولا تهمه درجة الإنسان الروحي الذي يهاجمه, ولا مركزه. إنما يضرب ضربته, وليحدث بعد ذلك ما يحدث. إنه يلقى سمومه في كل حين على كل أحد. وربما الذي لا يهلك بها اليوم, يهلك غدًا, أو بعد سنة أو أكثرفالشيطان مثابر نشيط لحوح, دائب على العمل, لا يثنيه الفشل عن الاستمرار, ولا ييأس من علو قدر الناس. هو ماضٍ في خطته. والذي لا يستطيع أن يدنس جسده, فعلى الأقل يدنس فكره ولما كانت باقي صفات الشيطان وكل حيله, أوسع من هذا المقال, فإلى اللقاء في مقال آخر إن أحبت نعمة الرب وعِشنا. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
27 أكتوبر 2020

القُمُّص بِيشُوي بُطْرُس(من رواد مدارس احد اسكندرية)

وُلد ثروت بطرس فى ٦ ديسمبر ۱٩٤۲ بمدينة نقادة محافظة قنا ، من أسرة كهنوتية ؛ فكان جده القمص متياس ، لذلك تربىَ في وسط تقوى أصيل ، جعله يذهب في شبابه ليتتلمذ في خدمة الدياكونية الريفية على يد المتنيح الطيب الذكر أنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة ؛ حيث أخذ يجُوب البلاد والنجوع واعظاً ؛ إلى أن أتى إلى القرى المحيطة بغرب الإسكندرية في طريقها الصحراوى بإرشاد القمص بولس بولس رائد الدياكونية ومدارس الأحد الشهير . أسس الشماس ثروت فروع مدارس الأحد واجتماعات الوعظ للكبار كخادم مكرس في كتيبة الدياكونية الريفية، فبدأ أول خدمة في منطقة الصحراوى (مصر - إسكندرية) على جانبي الطريق لأطراف متباعدة منها (منطقة كينج مريوط -المستعمرة - عبد القادر - العرجى - العامرية - الناصرية - قرى النهضة - العشرة آلاف - النوبارية - بهيج - برج العرب - الغربنيات - الحمام - الضبعة..) حيث كان الأخ ثروت بطرس يجمع الناس في خدمة كرازية بدأها في البيوت والحقول وبذرها من لا شيء؛ بلا إمكانيات ولا زاد ولا زواد ؛ حتى دعته النعمة ليكون كاهناً للمذبح المتنقل في الصحاري والبراري ؛ يفتقد ويزور كل بيت وموضع ؛ بداية من ضواحي الإسكندرية إلى مشارف محافظة مطروح ؛ قبل أن تُبنىَ كنيسة هناك آنذاك ؛ لكنه تشرَّب فكر الإنجيل وكرازة بشارته التي تأسَّست عليها منهجية مدارس الأحد ؛ فأسس الكنيسة كمعنىً وكحياةٍ أولاً؛ حتى أفاض الله عليه بالعطايا عندما بنى الكنيسة كمبنىً ؛ بل وكنائس وقباب ومنارات أعدها العَليُّ لسُكناه ومواضع لرضاه ؛ لأجل استصلاح الصحاري والجُدُوب ؛ لزراعة فلاحة الله ببذار الكلمة .سيم كاهناً في ٤ / ٧ / ١٩٧٥ بيد الأنبا باخوميوس مطران البحيرة والخمس مدن الغربية ؛ بإسم القس بيشوي ؛ وصار باكورة كهنة المذبح المتنقل في القطر المصري لقطاع الصحراء الغربية ..بداية من بوابات الاسكندرية ومحيطها الصحراوي والساحلي .ليكون المذبح المتنقل والقداسات اليومية زاده الوحيد ، حاملاً الأوانى المقدسة للقرى المجاورة (في شنطته المتهرئة الشهيرة)، رافعاً الصعائد والقرابين ومفسراً لكلمة الحياة ، محباً للتكريس وللصلاة والكتاب المقدس ولخدمة الأطفال والكبار، ولخدمة الفقراء والأعضاء المتألمة، وأيضاً اهتم بأعمال التنمية والترقية الريفية؛ محولاً الطريق الصحراوي إلى طريق عامر بالبيع والكنائس المقدسة ؛ وَفِيًّا للروح والطريقة التي تسلمها من رُوَّاد التربية الكنسية والدياكونية الريفية على يد الخدام الكبار أنبا صموئيل أسقف الخدمات الأول وأنبا أثناسيوس مطران بني سويف وم. يوحنا الراهب وم. يسي حنا ود. طلعت عبدة حنين وجيل الأولين الذين رفعوا عيونهم إلى السماء؛ وثبتوا أرجلهم على أرض واقع الإنسان المعذب ؛ كي يعبُروا إليه بالمعونة؛ من أجل الخلاص والإشباع والنجاة والحرية التي صنعها ابن الإنسان الكلمة المتجسد من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا... حقيقة صارت مدارس الأحد هي ثمرة الكنيسة ؛ وأيضاً الكنيسة صارت ثمرتها ؛ فهناك كنائس بدأتها مدارس الأحد؛ وكانت المباني الكنسية تالية لها .. وقد لمستُ ذلك في عشرات الفروع التي أنشأها أبونا القمص بيشوي بطرس ؛ عندما كان يبدأ خدمة قرية بإنشاء فرع لمدارس الأحد واجتماعاً للكبار يتحول إلى كنيسة ومذبح وذبيحة وليتورجيا ما بعد الليتورجيا ، في خدمة العطاء والتوزيع التي أجاد فُنُونها؛ وتطوَّر معها كخادم مُبدع في بساطته ؛ غنياً في افتقاره ؛ بناءاً حكيماً في أرض مَذَلَّته .ترقىَّ إلى رتبة القمصية في ۲٨ فبراير ۱٩٩۲ وقد أعطاه الله من فيض نعمته ، فمن كنيسة في كُوخ صغير؛ صارت كنيسة وكاتدرائية ضخمة؛ ومقراً لأسقفية جديدة وحديثة . رُسم لخدمتها عشرات وعشرات من الآباء الكهنة والمكرسين.. هذا وقد بنى مقودا بذراع الله الرفيعة ؛ أكثر من ٢٠ كنيسة لتكون منائر ومذابح لله وخدمات وملاجئ وبيوت لخدمة الحالات الخاصة ومستشفى لعلاج وخدمة الفقراء ؛ وأعمال مجيدة صار فضل القوة فيها لله الذي استخدم هذا الخادم البسيط والنقي ليكون آلة عمله ؛ حتي يتكامل ويزداد العمل بجهاد وأتعاب آباء جُدُد يستكملوا التسليم حسبما تسير كنيستنا على مر الأزمان . إن الخادم الغلبان ثروت بطرس (القمص بيشوي) رمزٌ وعلامة لخدام مدارس الأحد والدياكونية والقرى المجاورة؛ يجُول ويصلي ويبني ويعطي في خدمة نارية ؛ مهموماً بمحيط رعيته نارياً في خدمته ؛ محباً للفقراء وللتعمير ، يجول في الخلاء وقيظ الشمس حتى أخرجه الرب إلى الرَّحْب والسعة . وستبقى الخفيات في أعماله أكثر من المُعلَنَات ، وسيكافئه الرب عنها جميعاً . وعن روحة البسيطة والوثَّابة الطموحة التي استقاها من تلمذته للمتنيح أنبا صموئيل ومن قيادة القمص بولس بولس لخدمته ، ومن إرشادات أبيه الروحي القمص بيشوي كامل ؛ لذلك تمنطق وغسل الأرجل وأكمل الطاعة وصار قربانةً مطحونة وصعيدة مسحوقة مُقدَّمة كصعيدة حُب؛ ناطقة على المذبح وكشمعة أضاءت الأرجاء ، حاملاً على كتفه صليب الأتعاب والمسافات والظروف والصعاب، عندما مات مِيتات كثيرة في بناء وتأسيس النفوس والمباني بمشورات الله .تنيح بسلام فى ٥ مارس ۲٠۱۳ الموافق ٢٦ أمشير ١٧٢٩ وستبقى سيرته مثالاً للوُعاظ المتجولين ولخدام القرى المجاورة والمذبح المتنقل إلى يوم مجيء السيد الرب . القمص اثناسيوس جورج كاهن كنيسة الشهيد مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
26 أكتوبر 2020

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (12) العطاء

مفهوم العطاء وبركاته .. مفهوم العطاء .. فى عصر يسوده التكالب على المادة والاقتناء والانانية نرى ابناء الله يعطون أنفسهم اولاً لله ثم يبذلون أنفسهم فى سعادة من أجل أخوتهم لاسيما المحتاجين والفقراء متذكرين كلمات الرب يسوع ان الغبطة فى العطاء { في كل شيء اريتكم انه هكذا ينبغي انكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع انه قال مغبوط هو العطاء اكثر من الاخذ} (اع 20 : 35). العطاء ليس هو عطاء المال فقط ، ولكنه يشمل العطاء في كل شئ بالبذل والمحبة والتضحية والتشجيع والخدمة والوقت والمال والعواطف الصادقة . ان العالم بما فيه من غزارة فى الانتاج وسوء فى التوزيع، ومن فيه من فقراء ومحرومين واناس بلا مسكن مناسب واناس تموت من سوء التغذية او انعدام الماء النظيف او الحرمان من الرعاية الصحية والتعليمية والاخلاقية فى حاجة ليرى محبة الله المعلنة فى المسيح يسوع من خلال المؤمنين ليري الناس اعمالنا الصالحة ويمجدوا ابانا الذى فى السموات . ان العطاء وعمل الرحمة يشمل كل أشكال الرحمة والعطاء والمساعدة المادية والمعنوية والنفسية والروحية للمحتاجين والفقراء بصفة عامة والكنيسة واحتاجاتها فى الخدمة المادية والروحية وكل عمل يهدف الى أظهار رحمة الله الحانية على كل احد فى حكمة فى العطاء والتوزيع فلا يؤخد مال المحتاجين ويعطي للمحتالين فى عالم يموت فيه ربع مليون كل يوم من الجوع يجب ان يُقدم عمل الرحمة للمحتاجين من اي جنس او دين وامة ولاسيما أهل بيتنا وخاصتنا المحتاجين {وان كان احد لا يعتني بخاصته ولا سيما اهل بيته فقد انكر الايمان وهو شر من غير المؤمن} (1تي 5 : 8). العطاء تشبه بالله واشتراك فى العمل معه ... ان الله هو الرازق ومعطي جميع الخيرات ، وهو الخالق القدير الذي يملك كل شيء والذي يعطي بسخاء ولا يعير وهو يريد ان يشركنا معه فى كل عمل صالح {ولكن من انا ومن هو شعبي حتى نستطيع ان ننتدب هكذا لان منك الجميع ومن يدك اعطيناك} (1اخ 29 : 14) . { وهو يفعل خيراً يعطينا من السماء أمطاراً وأزمنة مثمرة ويملأ قلوبنا طعاما وسروراً}أع17:14. الله هو الذى أمطر مناً من السماء أربعين عاماً ليأكل الشعب ولم تفرغ خزائنه، وأعطاهم لحماً ليأكلوا أربعين يوماً صباحاً ومساءً . وهو الذي عال إيليا النبى عندما كان الرب يرسل له غراباً بخبز ولحم صباحاً ومساءً كل يوم.. فمن أين وكيف؟ وهل تعلم أن الغربان من أشد الطيور نهماً وأكلاً للحوم؟ ثم ذهب ايليا بامر الرب إلى امرأة أرملة لديها ابن وحيد. وبسبب المجاعة لم يبق لديها إلا كف من الدقيق والزيت ليكفيها هي وابنها لوجبة واحدة قادمة { وفيما هي ذاهبة لتاتي به ناداها وقال هاتي لي كسرة خبز في يدك. فقالت حي هو الرب الهك انه ليست عندي كعكة ولكن ملء كف من الدقيق في الكوار وقليل من الزيت في الكوز وهانذا اقش عودين لاتي و اعمله لي ولابني لناكله ثم نموت. فقال لها ايليا لا تخافي ادخلي واعملي كقولك ولكن اعملي لي منها كعكة صغيرة اولا واخرجي بها الي ثم اعملي لك ولابنك اخيرا . لانه هكذا قال الرب اله اسرائيل ان كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص الى اليوم الذي فيه يعطي الرب مطرا على وجه الارض. فذهبت وفعلت حسب قول ايليا واكلت هي وهو و بيتها اياما. كوار الدقيق لم يفرغ وكوز الزيت لم ينقص حسب قول الرب الذي تكلم به عن يد ايليا} 1مل 11:17-17. ان عطاء المرأة من اعوازها كان أمتياز لها . الرب الخالق لا يحتاج ولكنه يحبنا ويريد أن نشترك معه في عمله ونكون جزء من تتميم مقاصده . هو يريدنا أن نكون أعضاء بره. يريد أن يعطي بنا ويشبع من خلالنا ، فنجد الشبع والعطاء يرتد إلينا فائضاً يملأ كل احتياجتنا بل ويزيد ويفيض . العطاء نمو لخبرتنا الإيمانية... قبلت الأرملة دعوة الرب لتقدم الخبز لإيليا أولاً. فاختبرت حياة الإيمان كما حصلت على المكافآت وتسديد الاحتياجات. وهناك أرملة أخرى قدمت فلسين هم كل ما عندها ومدحها السيد المسيح لانها وثقت فى الله الذي يدبر كل احتياجاتنا حسب غناه فى المجد {ذوقوا وانظروا ما اطيب الرب طوبى للرجل المتوكل عليه.اتقوا الرب يا قدسيه ، لانه ليس عوز لمتقيه. الاشبال احتاجت وجاعت واما طالبو الرب فلم يعوزهم شئ} مز 8:34-10. العطاء امتياز خاص بحياة الإيمان بالرب، لذا يدعونا للعطاء ليعلمنا حياة الايمان وليس بالحسابات البشرية المعقدة والمخاوف النفسية. أعطوا بالإيمان وأنتوا تنتظروا حصاداً وفيراً فى الارض وفى السماء { اعطوا تعطوا كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في احضانكم لانه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم} (لو 6 : 38) . وبينما نرى البعض يجعل من المال الها يتعبد له نري ابناء الله يستخدمون اموالهم وممتلكاتهم وحياتهم للنمو في الايمان والعطاء ويفيض عليهم الله ببركاته { لا يقدر خادم ان يخدم سيدين لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الاخر او يلازم الواحد و يحتقر الاخر لا تقدرون ان تخدموا الله والمال. وكان الفريسيون ايضا يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزاوا به. فقال لهم انتم الذين تبررون انفسكم قدام الناس ولكن الله يعرف قلوبكم ان المستعلي عند الناس هو رجس قدام الله} لو13:16-15. العطاء والبركة والخير .. ان الله كآب صالح يدرك حاجتنا لان نري خيراً ومكأفاة ليس في السماء فقط بل وعلى الارض ايضا { اكرم الرب من مالك ومن كل باكورات غلتك فتمتلىء خزانتك شبعا وتفيض معاصرك مسطارا } ( ام 3 : 9 – 10}.{ ايسلب الانسان الله فانكم سلبتموني فقلتم بم سلبناك في العشور و التقدمة. قد لعنتم لعنا واياي انتم سالبون هذه الامة كلها.هاتوا جميع العشور الى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا قال رب الجنود ان كنت لا افتح لكم كوى السماوات وافيض عليكم بركة حتى لا توسع} ملا 8:3-10. العطاء وعمل الرحمة ينجي من الشر واقراض لله يعود علينا بربح جزيل {من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفة يجازية} ( ام 19 : 17). الله ليس بظالم حتى ينسى تعب المحبة وعمل الرحمة { هذا وان من يزرع بالشح فبالشح ايضا يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات ايضا يحصد} (2كو 9 : 6). {طوبى للذي ينظر الى المسكين في يوم الشر ينجيه الرب }(مز41 :1). العطاء ومحبة الله لنا .. ان كنا نريد ان نكون محبوبين للرب يجب ان نعطي بسرور وسخاء ليس عن أضطرار او بتغصب {كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن او اضطرار لان المعطي المسرور يحبه الله} (2كو 9 : 7).والخير الذي نصنعه اليوم نجده ولو بعد أيام كثيرة لنا ولابنائنا من بعدنا { ارم خبزك على وجه المياه فإنك تجده بعد أيام كثيرة }( جا 11 – 1 }. { كنت فتى وقد شخت ولم أر صديقاً تخلى عنه ولا ذرية له تلتمس خبزاً }( مز 37 – 25 ) . {فاذا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لاهل الايمان }(غل 6 : 10). العطاء وقبول الصلاة وغفران الخطايا .. لقد أمر الله أشعياء قائلا ناد بصوت عال لا تمسك ارفع صوتك كبوق واخبر شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم أن سخط الله قد اشتد عليهم بسبب خطاياهم وكبريائهم وعدم الرحمة لديهم { يقولون لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ ويعاتبهم ها أنكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء. أمثل هذا يكون صوم اختاره يوما يذلل الإنسان فيه نفسه يحني كالأسلة رأسه ويفرش تحته مسحا ورمادا هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب. أليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحرارا وقطع كل نير. أليس أن تكسر للجائع خبزك و أن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك إذا رأيت عريانا أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك. حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك. حينئذ تدعو فيجيب الرب تستغيث فيقول هأنذا} (أش2:58-9).إن العلاج لاستعطاف الله قد أعطي لنا في كلمات الله نفسه فالتعاليم الإلهية تعلمنا ما ينبغي أن نفعله ، ان نرحم اخوتنا . لأن من لا يرحم لا يستحق مراحم الله ولا يتحصل على أي نصيب من العطف الإلهي حتى لو صلي مادام ليس لديه رحمة نحو طلبات الفقير هذا ما أعلنه الروح القدس في الإنجيل فطوبى للذي ينظر إلى المسكين في يوم الشر ينجيه الرب (مز 41: 1) وروفائيل الملاك يشهد بذلك ويحث على أن تعطي الصدقة باختيار وسخاء قائلا الصلاة جيدة مع الصوم والصدقة لان الصدقة تنجي من الموت وتطهر من الذنوب (طو: 8-9). الأجر السمائي ... ما من شئ يبقى لنا كنز فى السماء مثل أعمال الرحمة والعطاء للمحتاجين {طوبى للرحماء لانهم يرحمون (مت 5 : 7) من اجل هذا يوصينا السيد المسيح بان نكنز في السماء بعمل الرحمة { لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا} مت 19:6-21. ان مقياس دخولنا للسماء هو عطائنا ومحبتنا {ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم.لاني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني.عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فاتيتم الي. فيجيبه الابرار حينئذ قائلين يا رب متى رايناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك.ومتى رايناك غريبا فاويناك او عريانا فكسوناك.ومتى رايناك مريضا او محبوسا فاتينا اليك. فيجيب الملك ويقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم} مت 34:25-40. يا له من جزاء عظيم أن نطعم السيد المسيح عندما يكون جائعا او نسقيه عندما يكون عطشانا او نستضيفه غريبا او نكسوه عريانا فى احد الفقراء ويالها من جريمة كبري أن نزدري بالمسيح متي كان جائعا او عطشانا او عريانا ..الخ . ان الصدقة تمحو الخطايا وتؤهلنا لنوال الرحمة والحياة الابدية {لان الصدقة تنجي من الموت و تمحو الخطايا وتؤهل الانسان لنوال الرحمة و الحياة الابدية }(طو12 : 9) . {لان الصدقة تنجي من كل خطيئة ومن الموت ولا تدع النفس تصير الى الظلمة} (طو4 : 1). {الماء يطفئ النار الملتهبة والصدقة تكفر الخطايا} (سيراخ 3 : 33). العطاء فى حياة السيد المسيح وتعاليمه.. السيد المسيح مثالاً وقدوة .. يقدم لنا السيد المسيح قدوة ومثالاً فى العطاء والرحمة والمحبة الباذلة لنتبع خطواته اذا كان يجول يصنع خيراً ، يشبع الجائعين ويشفى المرضى ويقيم الساقطين ويتحنن على المحتاجين ويعلم الجهال ويكرز ببشارة ملكوت الله داعياً الى التوبة {ولما راى الجموع تحنن عليهم اذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها} (مت 9 : 36). من أجل ذلك قيل فيه {فانكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من اجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره }(2كو 8 : 9). عاش كفقير وهو الذي يشبع كل حي من غناه وعندما أقلبت اليه الجموع وعلمهم {ولما صار المساء تقدم اليه تلاميذه قائلين الموضع خلاء والوقت قد مضى اصرف الجموع لكي يمضوا الى القرى ويبتاعوا لهم طعاما. فقال لهم يسوع لا حاجة لهم ان يمضوا اعطوهم انتم لياكلوا. فقالوا له ليس عندنا ههنا الا خمسة ارغفة وسمكتان. فقال ائتوني بها الى هنا. فامر الجموع ان يتكئوا على العشب ثم اخذ الارغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسر واعطى الارغفة للتلاميذ والتلاميذ للجموع.فاكل الجميع وشبعوا ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشر قفة مملوءة. والاكلون كانوا نحو خمسة الاف رجل ما عدا النساء والاولاد} مت 15:14-21. من السيد المسيح نتعلم المحبة والخدمة الباذلة ... فالمحبة كانت الدافع والمحرك للخدمة بتواضع وبذل لخاصته وللخطاة والاشرار ولكل البشرية فى كل زمان ومكان { ليس لاحد حب اعظم من هذا ان يضع احد نفسه لاجل احبائه }(يو 15 : 13). هو السيد والرب احبنا وبذل ذاته فدءاً عنا {اما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم ان ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم الى الاب اذ كان قد احب خاصته الذين في العالم احبهم الى المنتهى} (يو 13 : 1) . وهكذا علم تلاميذه ويعلمنا كيف تكون الخدمة والعطاء {فدعاهم يسوع و قال لهم انتم تعلمون ان الذين يحسبون رؤساء الامم يسودونهم وان عظماءهم يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم بل من اراد ان يصير فيكم عظيما يكون لكم خادما.ومن اراد ان يصير فيكم اولا يكون للجميع عبدا.لان ابن الانسان ايضا لم يات ليخدم بل ليخدم و ليبذل نفسه فدية عن كثيرين} مر42:10-45. ما لدينا هو وزنات وهبات من الله .. ان كل ما لدينا من وزنات ومواهب وأمكانيات هي عطايا من الله وما نحن الا وكلاء على مواهب وعطايا الله المتنوعة وسنعطي عنها حسابا يوم الدين {وكانما انسان مسافر دعا عبيده وسلمهم امواله. فاعطى واحدا خمس وزنات واخر وزنتين واخر وزنة كل واحد على قدر طاقته وسافر للوقت. فمضى الذي اخذ الخمس وزنات وتاجر بها فربح خمس وزنات اخر. وهكذا الذي اخذ الوزنتين ربح ايضا وزنتين اخريين. واما الذي اخذ الوزنة فمضى و حفر في الارض واخفى فضة سيده.وبعد زمان طويل اتى سيد اولئك العبيد وحاسبهم.فجاء الذي اخذ الخمس وزنات وقدم خمس وزنات اخر قائلا يا سيد خمس وزنات سلمتني هوذا خمس وزنات اخر ربحتها فوقها. فقال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك. ثم جاء الذي اخذ الوزنتين وقال يا سيد وزنتين سلمتني هوذا وزنتان اخريان ربحتهما فوقهما.قال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} مت 14:25-23. لهذا يوصينا بالعطاء ويعدنا بالمكافأة {اعطوا تعطوا كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في احضانكم لانه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم (لو 6 : 38). ويقول لنا ان نصنع لنا اصدقاء بمال الظلم اي ما نحجبه من عشورنا ونذورنا وبكورنا عن المحتاجين {وانا اقول لكم اصنعوا لكم اصدقاء بمال الظلم حتى اذا فنيتم يقبلونكم في المظال الابدية }(لو16 : 9). وان كانت العشور والنذور والبكور هي عطايا العهد القديم ويقدمها الكتبة والفريسيين فاننا مطالبون باكثرمنها {فاني اقول لكم انكم ان لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات }(مت 5 : 20). العطاء للجميع بدون انتظار المقابل .. ان الله في خيريته يشرق شمسه على الصالحين والطالحين ويمطر على الابرار والاشرار ويتأني ويرحم الجميع ويريد منا ان نتعلم منه الرحمة والمحبة للجميع دون أنتظار لمقابل والله هو الذى يعطينا الاجر العظيم كابناء له {وكل من سالك فاعطه ومن اخذ الذي لك فلا تطالبه.وكما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم ايضا بهم هكذا.وان احببتم الذين يحبونكم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يحبون الذين يحبونهم.واذا احسنتم الى الذين يحسنون اليكم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يفعلون هكذا. وان اقرضتم الذين ترجون ان تستردوا منهم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يقرضون الخطاة لكي يستردوا منهم المثل.بل احبوا اعداءكم واحسنوا واقرضوا وانتم لا ترجون شيئا فيكون اجركم عظيما و تكونوا بني العلي فانه منعم على غير الشاكرين والاشرار. فكونوا رحماء كما ان اباكم ايضا رحيم} لو30:6-36. العطاء في الخفاء ..السيد المسيح يعلمنا ايضا ان نعطي فى الخفاء لكي لا نجرح مشاعر المحتاجين ولا نعطي بدافع العجب والتفاخر وتمجيد الذات {احترزوا من ان تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم والا فليس لكم اجر عند ابيكم الذي في السماوات. فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الازقة لكي يمجدوا من الناس الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم. واما انت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك . لكي تكون صدقتك في الخفاء فابوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية} مت1:6-4. فمن الجانب السلبي يحذّرنا الرب من ممارسة الصدقة لأجل الناس: "لكي ينظروكم" اي لأجل إشباع الذات، قائلاً: فلا تعرف شمالك الأنا (ego) ما تفعل يمينك. فإن كان اليمين يُشير إلى نعمة الله التي تعمل فينا، فإنّنا نفسد هذا العمل إن قدّمناه ليس من أجل الله، وإنما لإشباع الأنا بإعلان العمل للشمال.الأنا هو أخطر عدوّ يتسلّل إلى العبادة ذاتها والسلوك الصالح، ليحطّم ما تقدّمه نعمة الله لنا خلال يميننا، وتفقده جوهره خلال الرياء الممتزج بالكبرياء. كان المراءون يصنعون الصدقة بينما يُصوّت بالبوق قدّامهم، أي تقدّم لهم دعاية، سواء في عطائهم العام في المجامع من أجل احتياجات الجماعة أو في الأزقّة .احترزوا من السلوك بالبرّ بهذا الهدف، فتتركّز سعادتكم في نظرة الناس إليكم، "وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات". فقدانكم للأجر السماوي لا يكون بسبب نظرة الناس إليكم، بل لسلوككم بهذا الهدف. لم يمنعنا الرب من صنع البرّ أمام الناس ان لم نستطيع صنعه خفية ، لكنّه يحذّرنا من أن نصنعه بغرض الظهور أمامهم . عدم الرحمة يقود للهلاك .. قدم لنا السيد المسيح مثالاً لعدم الرحمة او الشفقة بمن حولنا وكيف يقود الى الهلاك { كان انسان غني و كان يلبس الارجوان والبز وهو يتنعم كل يوم مترفها. وكان مسكين اسمه لعازر الذي طرح عند بابه مضروبا بالقروح.ويشتهي ان يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني بل كانت الكلاب تاتي وتلحس قروحه.فمات المسكين وحملته الملائكة الى حضن ابراهيم ومات الغني ايضا ودفن. فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب و راى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه.فنادى وقال يا ابي ابراهيم ارحمني وارسل لعازر ليبل طرف اصبعه بماء ويبرد لساني لاني معذب في هذا اللهيب.فقال ابراهيم يا ابني اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا و الان هو يتعزى وانت تتعذب} لو 19:16-25. ان لعازر البلايا قد يكون معنا في البيت او جار لنا او بعيد عنا او زميل لنا فى العمل ، ونحن يفيض عنا الخبز وهو يهلك جوعا .وقد يحتاج منا الى العطاء المعنوي والروحي والتشجيع ويجب ان نقدمه له لئلا نحرم من ملكوت الله . فلنسلك كحكماء لا كجهلاء مفتدين الوقت لان الأيام شريرة . لقد نصح دانيال النبي نبوخذ نصر بصنع الرحمة لينجو من العقاب ولم يسمع له { لذلك ايها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك وفارق خطاياك بالبر واثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك} (دا 4 : 27) .من اجل هذا يدعونا القديس كيرلس الكبير ان نكون رحومين: ( لذلك فمن واجبنا أن نكون أمناء لله، أنقياء القلب، رحومين وشفوقين، أبرارًا وقديسين، لأن هذه الأمور تطبع فينا ملامح صورة الله، وتكمِّلنا كورثة للحياة الأبدية). حياة الكمال والعطاء.. قدم السيد المسيح مثالا عاليا فى الكمال المسيحى للشاب الغنى ولمن يريد {قال له يسوع ان اردت ان تكون كاملا فاذهب وبع املاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني (مت 19 : 21). وهذا مافعله الرسل { و ابتدا بطرس يقول له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك.فاجاب يسوع وقال الحق اقول لكم ليس احد ترك بيتا او اخوة او اخوات او ابا او اما او امراة او اولادا او حقولا لاجلي ولاجل الانجيل.الا وياخذ مئة ضعف الان في هذا الزمان بيوتا واخوة واخوات وامهات و اولادا وحقولا مع اضطهادات وفي الدهر الاتي الحياة الابدية} مر 28:10-30. لقد نال الرسل بحق الكرامة وعمل المعجزات وخضعت لهم الشياطين ولم يعوزهم الله شئ وللان نكرمهم وهكذا فعل الأنبا أنطونيوس أب الرهبان الذى كان يملك ما يذيد عن ثلاثمائة فدان من أجود أراضى الصعيد، فباعها ووزعها أمواله واملاكه على الفقراء وعاش في الصحراء حياة الفقر الاختياري فذاع صيته فى كل الارض ونال حكمة من الله وعمل المعجزات وأقام الاموات وللان الكثير من الاديرة تسمى باسمه ليست فى مصر فقط بل وفي كل العالم . ليست العبرة عند الله بكم العطاء لكن بكيف نعطي .. فالمرأة التى أعطت الفلسين فى الخزانه مدحها السيد لانها أعطت كل ما عندها {وتطلع فراى الاغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة. وراى ايضا ارملة مسكينة القت هناك فلسين.فقال بالحق اقول لكم ان هذه الارملة الفقيرة القت اكثر من الجميع.لان هؤلاء من فضلتهم القوا في قرابين الله واما هذه فمن اعوازها القت كل المعيشة التي لها} لو 1:21-4.والفريسى الذى يعطي العشور بكبرياء قلب ويدين الآخرين لم يتبرر امام الله كما العشار المنسحق والمرأة ساكبة الطيب الكثير الثمن بدافع المحبة مدحها الرب وقال حيثما يكرز بالإنجيل يبشر بما فعلته تذكاراً لها. وراينا كيف قبل الله عطايا كرنيليوس القائد الاممى وارسل له بطرس الرسول ليؤمن ويعتمد هو واهل بيته وكان إيمانه بداية قبول الامم فى الايمان المسيحى {فقال كرنيليوس منذ اربعة ايام الى هذه الساعة كنت صائما وفي الساعة التاسعة كنت اصلي في بيتي و اذا رجل قد وقف امامي بلباس لامع.و قال يا كرنيليوس سمعت صلاتك وذكرت صدقاتك امام الله.فارسل الى يافا و استدعي سمعان الملقب بطرس انه نازل في بيت سمعان رجل دباغ عند البحر فهو متى جاء يكلمك.فارسلت اليك حالا و انت فعلت حسنا اذ جئت والان نحن جميعا حاضرون امام الله لنسمع جميع ما امرك به الله} أع 30:10-33. الاغنياء وصنع الصلاح والسخاء .. من أجل هذا راينا الانجيل يوصى الاغنياء ان يصنعوا صلاحا ويكونوا اسخياء فى العطاء لكي يمسكوا بالحياة الإبدية {اوص الاغنياء في الدهر الحاضر ان لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع.وان يصنعوا صلاحا وان يكونوا اغنياء في اعمال صالحة وان يكونوا اسخياء في العطاء كرماء في التوزيع. مدخرين لانفسهم اساسا حسنا للمستقبل لكي يمسكوا بالحياة الابدية} 1تيم 17:6-19. لقد ذكر الإنجيل كثيراً من الاغنياء مثل ابراهيم واسحق ويعقوب ويوسف الرامي وفى تاريخنا القبطي المعلم ابراهيم الجوهري ولم تتعلق قلوبهم بغناهم او يتكلوا عليه بل وثقوا فى الاله الحي هكذا يحذرنا الكتاب لئلا ينسى الانسان الله فى غناه {احترز من ان تنسى الرب الهك ولا تحفظ وصاياه واحكامه وفرائضه التي انا اوصيك بها اليوم. لئلا اذا اكلت وشبعت وبنيت بيوتا جيدة وسكنت. وكثرت بقرك وغنمك وكثرت لك الفضة والذهب وكثر كل ما لك. يرتفع قلبك وتنسى الرب الهك} ثت 11:8-14. العطاء وشركة الجسد الواحد .. {فانه كما في جسد واحد لنا اعضاء كثيرة و لكن ليس جميع الاعضاء لهاعمل واحد . هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح واعضاء بعضا لبعض كل واحد للاخر} (رو 12 : 4- 5). فيجب علينا ان نحس باحتياجات اعضاء الجسد المحتاجة والضعيفة ونهتم بها . ولهذا راينا كيف حث القديس بولس اهل كورنثوس على العطاء من أجل الكنيسة فى اورشليم حيث كانت تعاني من الاضطهاد والمجاعة بسبب الجفاف {فرايت لازما ان اطلب الى الاخوة ان يسبقوا اليكم ويهيئوا قبلا بركتكم التي سبق التخبير بها لتكون هي معدة هكذا كانها بركة لا كانها بخل . حثه اياهم على العطاء بسخاء مشبهاً الاعطاء بالزرع. هذا وان من يزرع بالشح فبالشح ايضا يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات ايضا يحصد. كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن او اضطرار لان المعطي المسرور يحبه الله.والله قادر ان يزيدكم كل نعمة لكي تكونوا ولكم كل اكتفاء كل حين في كل شيء تزدادون في كل عمل صالح. كما هو مكتوب فرق اعطى المساكين بره يبقى الى الابد. والذي يقدم بذارا للزارع و خبزا للاكل سيقدم و يكثر بذاركم و ينمي غلات بركم.مستغنين في كل شيء لكل سخاء ينشئ بنا شكرا لله . ان خدمتهم هذة تسد اعواز القديسين وتسبب الشكر الجزيل لله} 2كو 5:9-11. أنه نعمة وبركة من الله ان يشركنا فى العمل الصالح معه و يكون لنا أحاسيس الرب نفسه تجاه أخوتنا {بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة. وأما مَنْ كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه} 1يو3: 16-17. اين ندخر اذاً اموالنا ؟... ان ما نقدمه لاخوتنا من رحمة هو كنوز لنا فى السماء {لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون . بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا و حيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون (مت 6 : 19- 20). يقول القديس أغسطينوس: ( إن أراد المسيحيون أن يرفعوا قلوبهم إلى فوق عليهم أن يدخروا ما يحبونه هناك فرغم وجودهم بالجسد على الأرض إلا أنهم يقطنون مع المسيح بالقلب وإذ صعد رأس الكنيسة أمامها هكذا ينبغي أن يصعد قلب المسيحي قدامه وإذ تذهب الاعضاء إلى حيث ذهب المسيح قدامها هكذا كل إنسان في القيامة يذهب إلى حيث تقدمه قلبه. لنذهب إلى السماء بذلك الجزء (القلب) الذي يستطيع الذهاب الآن وعندئذ سيتعبه إنساننا الكامل. ينبغي ان يهدم مسكننا الأرضي فإن مسكننا السماوي أبدي لنرسل أمتعتنا مقدما إلى حيثما نستعد للرحيل).ويقول الشيخ الروحاني: (من يترحم على إنسان،يصير باب الرب مفتوحاَ لطلباته في كل ساعة. ذو الإفراز بكسرة خبز يشتري لنفسه الملكوت). أهمية العمل والتعفف .. اننا نوصي الجميع بالرحمة والعطاء وحياة الشركة بين المؤمنين وهذه هي سمة الكنيسة الاولي { وكانلجمهور الذين امنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن احد يقول ان شيئا من امواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركا }(اع 4 : 32). وفي نفس الوقت نحذر هؤلاء الذين يتعودوا على الاخذ بان يعملوا ماداموا قادرين ويكونوا أعفاء النفس واليد واللسان لكي تكون تقدمات وعطايا الكنيسة ومؤمنيها للمحتاجين بالحقيقة { فاننا ايضا حين كنا عندكم اوصيناكم بهذا انه ان كان احد لا يريد ان يشتغل فلا ياكل ايضا }(2تس 3 : 10). فالقادر على العمل لابد ان يعمل ولا يكون عبء على مجتمعه واهله، لهذا راينا القديس بولس الذى جال العالم كارازاً يحيا متعففاً عاملاً لخدمة نفسه ومن معه وفي نهاية خدمته رايناه يقول {فضة او ذهب او لباس احد لم اشته.انتم تعلمون ان حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان. في كل شيء اريتكم انه هكذا ينبغي انكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع انه قال مغبوط هو العطاء اكثر من الاخذ} أع 33:20-35.ان القديس بولس الرسول هو قدوة هنا لكل الاكليروس مع اننا نحرص على ان يحيا خدام الكنيسة حياة كريمة ويتفرغوا للعبادة والكرازة وكما قال الكتاب { الستم تعلمون ان الذين يعملون في الاشياء المقدسة من الهيكل ياكلون الذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح. هكذا ايضا امر الرب ان الذين ينادون بالانجيل من الانجيل يعيشون. اما انا فلم استعمل شيئا من هذا ولا كتبت هذا لكي يصير في هكذا لانه خير لي ان اموت من ان يعطل احد فخري} 1كو 13:9-15. لكن على الخدام ان يكونوا امناء فيما لله مكتفين بالقليل ، صائرين أمثلة للرعيه فى العفاف المسيحي والعطاء من الاعواز. المال خادم وليس سيد مخدوم .. ان المال بالنسبة للمؤمن خادما وللخدمة وليس سيداً قاسيا {وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم.اذ لم يكن فيهم احد محتاجا لان كل الذين كانوا اصحاب حقول او بيوت كانوا يبيعونها و ياتون باثمان المبيعات. ويضعونها عند ارجل الرسل فكان يوزع على كل واحد كما يكون له احتياج} أع 33:4-35.ويجب ان يكون لدي الجميع قناعة بما لديهم {واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة.لاننا لم ندخل العالم بشيء وواضح اننا لا نقدر ان نخرج منه بشيء. فان كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما .واما الذين يريدون ان يكونوا اغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك.لان محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان وطعنوا انفسهم باوجاع كثيرة} 1تيم 6:6-10. {فاذا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لاهل الايمان }(غل 6 : 10). طوبى للرحماء لانهم يرحمون.. ايها الاله الكثير الرحمة ومصدر كل الخيرات ، يا من تشبع كل حي من غناك وتشرق شمسك على الصالحين والطالحين وتمطر على الابرار والاشرار لانك انت يا رب صالح وغفور وكثير الرحمة . نصلي اليك شاكرين عطاياك ونباركك على احساناتك يا من تعولنا منذ الصغر ولا تتركنا فى الكبر والشيخوخة ، أدم مراحمك على كنيستك وبلادنا وعالمك ولتفض علينا بمحبتك ورحمتك واحساناتك لكي نسبحك كل حين كل ايام حياتنا . ايها الرب الهنا صانع الخيرات ، اعطنا ان نتعلم منك الرحمة والكرم فى العطاء والسخاء فى التوزيع واعط الحكام والمسئولين والاغنياء وكل شعبك قلبا حكيما رحيما يشعربالآم المحتاجين والمرضى والايتام والارامل والمعوزين والمحرومين ويجزل لهم العطاء ويرسم البسمة على الشفاه ويسعى لخلاص الساقطين بعين الرحمة الإلهية التى تحب الجميع وتريدنا ان نحيا الحياة الأفضل، اعطنا الحكمة التى بها نحيا كوكلاء حكماء على نعمك المتنوعة . يارب اعطنا قلبا نقياً وروحاً مستقيما فى عمل الخير لا ينسى أحساناتك وفضلك لكي نسبحك مع داود النبى : {باركي يا نفسي الرب و كل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس.باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل امراضك.الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة و الرافة.الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك. الرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومين . الرب رحيم و رؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب اثامنا}. ايها الرب الاله المحب هبنا ان نقتدي برحمتك واحساناتك ونسعى بالحكمة فى عمل الرحمة والاحسان لنجد رحمة من لدنك يا رحيم. القمص أفرايم الأورشليمي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل