المقالات

13 مايو 2020

رسالة القيامة

رسالة القيامة يسرني أن أهنئكم جميعاً بعيد القيامة المجيد ، لأننا إذ نفرح بقيامة السيد المسيح ، إنما نفرح أيضاً بالقيامة ذاتها ، قيامة جميع البشر و ما تحمله هذه القيامة من معان روحية عميقة ، ترفع من قيمة الإنسانية ، و تظهر ما اعده الله لها من خير و متع في العالم الآخر إنما نقول أولاً إن القيامة هي دليل الإيمان إنها تدل بلا شك علي إيمان الإنسان بالله ، و إيمانه بالروح و بالخلود و بالحياة الأخري و إيمانه بالدينونة العامة التي بعد القيامة ،بالثواب و العقاب و بالتالي إيمانه بالسماء و السمائيين ، و بملكوت الله لأن الملحدين لا يؤمنون بالقيامة و لا بالعالم الآخر و من هنا كانت حياة الإنسان في نظرهم لا تختلف عن حياة الحيوان ، من جهة فناء كليهما بالموت حقاً ما أتفه فناء كليهما بالموت حقاً ما أتفه حياة الإنسان في نظر الملحدين إن كانت تقتصر علي بضع سنوات يقضيها علي هذا الكوكب ، ثم ينتهي إلي لا شئ ! و ما أقسي الموت و أبشع في نظر الملحدين ، إذ أنه كممحاة يمحو كل ما في البشر من وجود و من ذكاء و علم ، و به يصبحون عدماً و من هذا النوع كان جماعة الصدوقيين الذين قيل عنهم في الإنجيل إنهم كانوالا يؤمنون بالقيامة و لا بالروح و لا بالملائكة ، و كذلك كان الابيقوريون الذين يقولون " لنأكل و نشرب ، لأننا غداً نموت "! و الشيطان بلا شك هو وراء إنكار القيامة إنه هو الذي أوحي بهذا الادعاء إلي الملحدين من فلاسفة وجهلاء حتي إذا ما أقنعهم بأنه لا حياة بعد الموت ، ينغمسون حينئذ في الحياة الدنيا ، و مشاغلها و ملاذها ، غير مفكرين في أبديتهم و لا في الوقوف أمام الله في يوم الدين ، و هكذا يهلكون أما المؤمنون ، ففي إيمانهم بالله يؤمنون بالقيامة و اليوم الآخر فالقيامة تدل علي قدرة الله غير المحدودة عند الموت تقف كل قدرة البشر تقف كل مقدرة الذكاء و كل مقدرة العلم و يظهر الإنسان بكل عقله عاجزاً تمام العجز و لكن الكتاب يعلمنا أن " غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله " ( مر10 : 27 ) إن الله قادر علي كل شئ بيده الحياة و الموت ، هو الذي يحيي و يميت إنه يقدر أن يقيم الإنسان بعد موته ، لانه هو الذي خلق الإنسان من تراب الأرض ، فيستطيع أن يرجعه إلي الحياة بعد أن يندمج جسده بالموت في تراب الأرض إن الذي له القدرة علي الخلق من العدم ، له أيضاً القدرة علي أن يقيم من الموت . و القيامة هي ايضاً دليل علي محبة الله و جوده إنه الله الذي لم يشأ أن يكون في الوجود وحده ، إنما خلق كائنات فوجدت . و منها الإنسان . و لما مات الإنسان لم يسمح الله بأن يفني هذا المخلوق ،و إنما من جوده و محبته و هبه حياة بعد الموت ، ليستمر وجوده ن ليس فقط إلي حين . و إنما إلي البد . و هكذا وهب الله للإنسان المائت حياة أبدية ... إن القيامة شئ مفرح . به يلتقي الناس باحبائهم الذين انتقلوا ... ماذا عن الأحباء الذين ترتبط قلوبهم معاً خلال فترة حياتهم معاً علي الأرض . ثم يفترقون بالموت ؟ أتراه يكون فراقاً أبدياً إلي غير لقاء ؟! يقيناً إن محبة الله لا تسمح بهذا . إنما يلتقي هؤلاء في القيامة . تلتقي أرواحهم بعد الموت . و بالقيامة يلتقون روحاً و جسداً . إنه لقاء عام ، نلتقي ، نلتقي فيه ليس بأحبائنا فقط ، إنما بكل الأجيال عبر التاريخ . و ستكون حفلة تعاف كبري . تلك التي سيقيمها لنا الله بعد القيامة ... تلك الحفلة العجيبة التي نتعرف علي كل شخصيات التاريخ التي قرأنا عنها و لم نرها ، ولم نعرف شكلها ، و لا لهجتها و أسلوبها ز سواء من أحكام أو القادة او الأدباء أو المفكرين ... و لعل الله سيرسل لنا ملائكة يعرفوننا أيضاً بجميع الآباء و الأنبياء : حيث نري أباءنا اَدم و نوحاً و إبراهيم و اسحق و يعقوب و أيوب ... و نري أمهاتنا حواء و سارة و اليصابات و رفقة و راحيل ، و قد تقدمتهن جميعاً أمنا العذراء القديسة مريم ... و تقدم لنا القيامة أفراحاً أخري ، هي أفراح العشرة مع الملائكة و القديسين ، بل المتعة بالله نفسه . التي أمامها يقف العقل مبهوراً في دهشة . لا يستطيع ان يعبر . إنما يكفيه أن يذوق و يتمتع ... القيامة تحمل في داخلها عملية توازن و تعويض ... فالذين لم يأخذوا حقهم علي الأرض ، يأخذونه كاملاً في السماء بعد القيامة . و الذين ظلمتهم البشرية ، ينالون العدل الإلهي كاملاً بعد القيامة . كذلك ينال أجرهم هناك ، الذين عملوا الخير في الخفاء . و لم يشعر بهم احد و لكن الله كان يسجل لهم كل أعمال برهم ليكافئهم عليها . كذلك سيعطي كل الذين لم يكافأوا علي الخير الذين عملوه في الأرض . و لم ينالوا عليه ما ينتظرونه من تقدير ... سيشعر الناس في القيامة أن أحكام الله غير احكام الناس . و أنه سيكمل عدل الله في السماء . و يتمتع بهذا العدل أيضاً منن قد ولدوا بظروف معينة . أو في بيئات معينة لم تكفل لهم الخير و السعادة و التكافؤ الاجتماعي . سيعوضهم الله عن كل ما تنقصهم في الدنيا . كما تشرح لنا قصة الغني و لعازر ( لو 16 ) . و في القيامة يرد الإنسان إلي رتبته الأولي . ترجع إلي روحه هيبتها ، و يرجع إلي الجسد بهاؤه ... ينال الجسد لوناً من التجلي يعطيه مجداً ، و كذلك النفس ... و تخلص الجسد من كل نقائصه . و كذلك النفس ... لذلك حسناً قال الكتاب عن الجسد إنه " يزرع في هوان ، و يقام في مجد . يزرع في ضعف و يقام في قوة ز يزرع جسماً حيوانياً ، و يقام جسماً روحانياً " ( 1 كو 15 : 43 ، 44 ) . بالقيامة يتخلص الجسد من كل أمراضه و عاهاته و تشوهاته ، و يظهر كاملاً في بهاء . و كذلك النفس تتخلص من كل أمراضها ونقائصها : من الخوف و الشك و التردد و القلق و الشهوة و الجبن و مال إلي ذلك . و الفلاسفة الذين كانوا يبحثون عن السوبر مان ، سيجدونه في القيامة . لن يحمل ديوجين مصباحاً فيما بعد ن ليبحث عن إنسان ، فإنسان القيامة سيكون بالصورة المثلي . و لكن كل واحد حسب مستواه الكل منيرون . و لكن نوراً يقوف اَخر في الضياء . و يتحقق حلم البشرية في وجود مجتمع بار كامل ...هناك في مدينة " مدينة الله " التي تشرح شيئاً عنها القديس أوغسطينوس . مجتمع ينتهي فيه الصراع و الشقاق . و لا يوجد فيه خلاف و لا كراهية ، لا أنانية ، و لا تنافس . مجتمع تسوده المحبة و تسوده القداسة . و في القيامة يحيا الناس الحياة البرئية البسيطة ، و يكونون - كما قال الكتاب - " كملائكة الله في السماء " . في القيامة تزول الخطية ، إذ لا يصبح الجسد خاضعاً للخطية و لا للفساد . بل يتطهر منها تماماً تماماً . يغسله الله ، فيبيض أكثر من الثلج ( مز 50 ) . و يحيا في مستوي روحي يليق بالسماء و طهرها ... و في القيامة ينتصر الأصيل علي الدخيل ... ينتصر الحق علي الباطل . لأن الحق هو الأقدم ، هو الأصيل ، و الباطل دخيل علي العالم . و في القيامة تنتصر الحياة علي الموت ، لأن الحياة هي الأصيل ،و الموت دخيل ..الإنسان من روح ومن الجسد . الروح حية بطبيعتها و ستبقي هكذا .أما الجسد الذي كان علي الأرض قابلاً للموت ، يصبح بعد القيامة جسداً حياً روحانياً لا يموت فيما بعد . و تصبح للإنسان بصيرة روحية ، فلا يعتمد كلية علي حواس الجسد ...من أجل هذا كله ، يجاهد الإنسان حالياً للتمتع بأمجاد القيامة هذه ... ذلك لأنه ليس الجميع يتمتعون بكل ما ذكرناه . إنما المتعة هي فقط للمستحقين . إذ أن بعد القيامة الدينونة ، و يقف الناس جميعاً أمام عدل الله . الذي يجازي كل واحد حسب أعماله ( رؤ 22 : 12 ) و طوبي لمن يكون مستحقاً لأمجاد الأبدية و سعادة العشرة مع القديسين . فليبذل كل منا جهده . و ليعمل خيراً علي الأرض . لكي يلقاه هناك ... و ليكن كل واحد أميناً في علاقته مع الناس ، و في واجبه نحو نفسه ، و واجبه نحو المجتمع الذي يعيش فيه ، فيصنع خيراً نحو الكل ، و تكون له ذكري طيبة علي الأرض و مكافأة حسنة في السماء . كان لابد أن يقوم المسيح:- 1- كان لا بد أن يقوم المسيح ، لأن فيه كانت الحياة . هكذا قال القديس يوحنا الإنجيلي : " فيه كانت الحياة " ( يو 1 : 4 ) ... و الذي فيه الحياة ، لا يمكن أن يبقي ميتاً ، بل إنه قال لمرثا " أنا هو القيامة و الحياة ... من اَمن بي و لو مات فسيحيا " ( يو 11 : 25 ) ، مادام هو الحياة ، فكيف إذن لا يقوم ؟ ... إنه يؤكد نفس المعني بقوله " أنا هو الطريق و الحق و الحياة " ( يو 14 : 6 ) ... نعم كيف لا يقوم ، هذا الذي قال عن نفسه ليوحنا الرائي " أنا هو الأول و الآخر ، و الحي و كنت ميتاً ، و ها أنا حي إلي أبد الآبدين اَمين ... و لي مفاتيح الهاوية و الموت " ( رؤ 1 : 18 ) ... لهذا كله وبخ ملاك القيامة النسوة قائلاً : " لماذا تطلبن الحي من بين الأموات " ( يو 24 : 5 ) . 2- نعم ، كان لا بد أن يقوم من الموت ، لأنه هو نفسه قد أقام غيره من الموت ، بمجرد أمره . لقد أقام إيليا ميتاً ، و لكن بسبع صلوات ... و أقام أليشع ميتاً بصلوات أيضاً ... أما السيد المسيح ، فقد أقام إبنة يايرس ، و إبن أرملة نايين ، و لعازر ، بمجرد كلمة الأمر ، غنه معطي الحياة ... في إقامته إبنة يايرس ، أمسك بيدها و قال لها : " طليثا قومي " الذي تفسيره : " يا صبية لك أقول قومي " و للوقت قامت الصبية و مشت ( مر 5 : 41 ، 42 ) . و في إقامته إبن أرملة نايين ، تقدم و لمس النعش فوقف الحاملون ... فقال " ايها الشاب لك اقول قم ، فجلس الميت و ابتدأ يتكلم ، فدفعه إلي أمه " ( لو 7 : 14 ، 15 ) ... و في إقامته لعازر " صرخ بصوت عظيم : لعازر هلم خارجاً ... فخرج الميت و يداه و رجلاه مربوطات بأقمطة ، و وجهه ملفوف بمنديل .. فقال لهم : حلوه و دعوه يذهب " ( يو 11 : 43 ، 44 ) . هذا الذي أمر الموتي فقاموا ... أكان صعباً عليه أن يقوم ؟! ... كلا ، بل كان لا بد أن يقوم ، لأنه مقيم ، لأنه مقيم الموتي بأمره . نعم ، كان لا بد أن يقوم ، هذا الذي قال عنه الكتاب : " كما أن الرب يقيم الأموات و يحيي ، كذلك الإبن أيضاً يحيي من يشاء " ( يو 5 : 21 ) . فهذا الذي يحيي من يشاء ، ألا يحيي نفسه ؟! 3- و كان لا بد للمسيح أن يقوم ، لأن قيامته نبوءة لا بد أن تتحقق . يقول الكتاب بعد شهادة بطرس للمسيح أنه إبن الله " من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه ، أنه ينبغي أن يذهب غلي أورشليم و يتألم كثيراً من الشيوخ و رؤساء الكهنة و الكتبة ،و يقتل ، و في اليوم الثالث يقوم " ( متي 16 : 21 ) ... و بعد معجزة التجلي " فيما هم نازلون من الجبل ، أوصاهم يسوع قائلاً : لا تعلموا أحداً بما رأيتم حتي يقوم إبن الإنسان من الأموات " ( مت 17 : 19 ) . و بعد أنشفي المصروع و قال " هذا الجنس لا يخرج بشئ إلا بالصلاة و الصوم " ، قال لهم و هم يترددون في الجليل : " إن إبن الإنسان يسلم إلي أيدي الناس ، فيقتلونه ، و في اليوم الثالث يقوم " ( متي 17 : 22 ، 23 ) . و بعد أن شرح مثل الكرم ، و من جاء في الساعة الحادية عشرة ، أخذ تلاميذه علي أنفراد و قال لهم : " ها نحن صاعدون إلي أورشليم ، و ابن الإنسان يسلم إلي رؤساء الكهنة و الكتبة ، فيحكمون عليه بالموت ، ويسلمونه إلي الأمم لكي يهزأوا به و يجلدوه و يصلبوه ، و في اليوم الثالث يقوم " ( متي 20 : 18 ، 19 ) ، ( لو 9 : 31 - 33 ) . لهذا كله حدث تذكير بعد القيامة بذلك قال ملاك القيامة للمرأتين " إني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب ... ليس هو ههنا ، لأنه قام كما قال " ( متي 28 : 5 ، 6 ) . و عبارة " كما قال " تعني ما تنبأ به عن نفسه من حيث قيامته في اليوم الثالث . بل أن هناك نبوءات في العهد القديم عن قيامته من الأموات . و لذلك فإن السيد المسيح قال لتلاميذه بعد قيامته " هذا هو الكلام الذي كلمتكم به ، و أنا بعد معكم ، إنه لا بد أن يتم ما هو مكتوب علي في ناموس موسي و الأنبياء و المزامير ... حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب ... و قال لهم هكذا هو مكتوب و هكذا هو مكتوب و هكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم و يقوم من الموات في اليوم الثالث " ( لو 24 : 44 - 46 ) . حقاً ما أكثر النبواءت عن ذلك نتركها الآن لمبحث اَخر ... و لعله بسببها نقول في قانون الإيمان " و قام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب " . و لعل من الرموز لهذه القيامة في العهد القديم : قصة يونان النبي : فعندما طلب منه اليهود اَية ... قال لهم " جيل فاسق و شرير يطلب اَية و لا تعطي له إلا اَية يونان النبي لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام و ثلاثة ليال ، هكذا يكون إبن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام و ثلاث ليال " ( متي 12 : 39 ، 40 ) . 4- كان لا بد أن يقوم المسيح ، لأن قيامته كانت في سلطانه هو : لقد مات بارادته ... هو قدم نفسه للموت ، و لم يكن مضغوطاً عليه في ذلك ... و قد قال موضحاً هذا الأمر في عبارته الخالدة " إني أضع نفسي لآخذها أيضاً ، ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها من ذاتي ... لي سلطان أن أضعها ، و لس سلطان أن اَخذها أيضاً " ( يو 10 : 17 ، 18 ) ... حقاً ما أعجب هذه العبارة " و لي سلطان أن اَخذها أيضاً " أي أن استرجع هذه الحياة التي وضعتها من ذاتي ، و لم يكن لأحد سلطان أن يأخذني مني ... إذن كان لا بد أن يقوم ، و يقوم بإرادته ... و لعلنا نسأل : لماذا وضع ذاته ؟ ... و ما فائدة ذلك في القيامة .. ؟ 5- كان لا بد أن يقوم ، لأن موته كان مجرد وضع مؤقت ، لأداء رسالة مزوجة . كان ممكناً أنه لا يموت بحسب طبيعته ، و لأن الموت هو أجرة الخطية ( رو 6 : 23 ) . و هو لم تكن له خطيئة تستحق الموت ... و لكنه قبل أن يموت عوضاً عنا ، لكي يفدينا بموته ، كما قال الرسول " متبررين مجاناً بنعمته ، بالفداء الذي بيسوع المسيح ، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه ... من أجل الصفح عن الخطايا السالفة " ( رو 3 : 24 ، 25 ) . كانت هذه هي الرسالة الأساسية للموت ، أي الفداء ... و ماذا أيضاً ..؟ و كان لا بد بعد الفداء ، أن يذهب و يبشر الراقدين علي الرجاء ، و يفتح باب الفردوس ، و ينقل هؤلاء الراقدين من الجحيم إلي الفردوس ... و في هذا يقول القديس بطرس الرسول : " فإن المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا ، البار من أجل الأثمة ، لكي يقربنا إلي الله ، مماتاً في الجسد ، و لكن محيي في الروح ، الذي فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن " ( 1 بط 3 : 18 ، 19 ) .. نعم كرز لتلك الأرواح بالخلاص ، و نقلها إلي الفردوس ، كما نقل اللص اليمين . و يقول القديس بولس الرسول : " و أما أنه صعد ، فما هو إلا أنه نزل أيضاً أولاً إلي أقسام الأرض السفلي ، الذي نزل هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السموات " ( أف 4 : 9 ، 10 ) . 6- و كان لا بد أن يقوم المسيح ، لأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة و لا طرفة عين . حتي عندما مات ... تقول القسمة السريانية : انفصلت روحه عن جسده ...و لكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن روحه و لا عن جسده ... روحه المتحدة باللاهوت نزلت إلي أقسام الأرض السفلي ، و كرزت للأرواح التي في السجن ، و أصعدتها إلي الفردوس ...أما جسده فبقي في القبر متحداً بلا هوته أيضاً ... فهو قد مات بشرياً من جهة انفصال الروح عن الجسد ، و لكنه كان "محيي في الروح " .. كانت له الحياة الثابتة في اللاهوت ، و التي من أجلها صرخ نيقوديموس و هو يكفنه " قدوس الله .. قدوس القوس .. قدوس الحي الذي لا يموت . نعم كان لا بد أن يقوم هذا الجسد المتحد باللاهوت .. و ما كان ممكناً أن يستمر في الموت . إن الموت لم ينتصر عليه مطلقاً ، و ما كان ممكناً أن ينتصر عليه ... بل أنه بموته داس الموت ، أي داس علي هذا الموت الذي انتصر علي كافة البشر ، فنجاهم السيد من هذا الموت بموته عنهم ، و دفع ثمن خطاياهم .. و هكذا قضي علي سلطان الموت . 7- و هذا الذي قضي علي سلطان الموت بموته ، كان لا بد أن يقوم . كان لا بد أن يقوم ، ليعلن انتصاره علي الموت بقيامته ، و ليعلن للناس جميعاً أنه لا شوكة للموت ، حسب تسبحة بولس الرسول " أين شوكتك يا موت ؟ ... أين غلبتك يا هاوية ؟" ( 1 كو 15 : 55 ) . 8- و كان لا بد للمسيح أن يقوم ، لكي يعزي التلاميذ و يقويهم . كان لا بد أن يقوم ، لكي يزيل النتائج المرعبة التي نتجت عن صلبه ، حيث خاف التلاميذ و اختفوا في العلية ، و تشتت باقي المؤمنين به خائفين من اليهود و بطشهم ... و أنكر من أنكر ، و شك من شك ... و كان لا بد أن يقوم المسيح لكي يقوم بعملية ترميم لإيمان الناس ، و يشجعهم لكي يستمروا في إيمانهم ،و يصمدوا أمام اضطهادات اليهود ... و هكذا كانت قيامته أكبر دافع لهم علي الكرازة . 9- و كان لا بد له أن يقوم ، ليثبت أنه ليس إنساناً عادياً يموت كباقي الناس . جميع الناس يموتون ، و يستمرون هكذا منتظرين القيامة العامة ، لكي يقوموا .. أما السيد المسيح فكان لا بد أن يقوم مباشرة ، و إلا حسبوه إنساناً عادياً ... إن قيامته قد أثبت لاهوته ، و بخاصة أنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد . 10- و كان لا بد أن يقوم المسيح ، ليكون الباكورة التي علي شبهها يقوم الكل و هكذا قال القديس بولس " اَلان قد قام المسيح من الأموات ، و صار باكورة الراقدين لأنه كما أن في اَدم يموت الجميع ، هكذا أيضاً في المسيح أيضاً سيحيا الجميع المسيح باكورة ، ثم الذين في المسيح في مجيئه " ( 1 كو 15 : 20 - 22 ) . و يتكلم عن أهمية قيامة المسيح ، فيقول " إن لم يكن المسيح قد قام ، فباطل إيمانكم أنتم بعد في خطاياكم إذن الذين رقدوا في المسيح أيضاً قد هلكوا " و يستطرد " إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح ، فإننا أشقي جميع الناس " ( 1 كو 185 : 17 - 19 ) . 11- نعم كان لا بد أن يقوم المسيح ، لكي يؤسس المسيحية و لكي يمكث مع التلاميذ أربعين يوماً يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله ( أع 1 : 3 ) ،و يضع لهم قواعد الإيمان و يسلمهم الأسرار و الطقوس ، و ينفخ في وجوهم قائلاً " اقبلوا الروح القدس من غفرتم لهم خطاياهم غفرت لهم ، و من أمسكتموها عليهم أمسكت " ( يو 20 : 22 ، 23 ) ثم يعدهم بحلول الروح القدس عليهم لكي ينالوا قوة ، و يكونوا له شهوداً في أورشليم و كل اليهودية و إلي أقصي الأرض " ( أع 1 : 8 ) ثم بعد ذلك يعهد إليهم بالكرازة قائلاً " اذهبوا إلي العالم اجمع ، و اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها من اَمن و اعتمد خلص " ( مر 16 : 15 ، 16 ) " اذهبوا و تلمذوا جميع الأمم ،و عمدهم باسم الآب و الإبن و الروح القدس و علموهم أن يحفظوا جميع ما اوصيتكم به و ها أنا معكم كل الأيام و إلي انقضاء الدهر " ( متي 28 : 19 ، 20 ) . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
12 مايو 2020

لا تلمسيني

كان شهود القيامة في فجر الأحد كثيرين: المجدلية والمريمات والملائكة والتلاميذ والحراس ولكني أحب أن أحدثكم اليوم عن مريم المجدلية كانت المجدلية من قرية مجدل، وكانت تحب يسوع جدًا لأنه سبق وأخرج منها سبعة شياطين (مت16: 9)، و كانت تتبعه وتخدمه، وكانت تتصف بجمال المنظر، فيصوّرها المصورون جالسة تحت الصليب يميزها شعرها الطويل وفي الكتاب كانت مريم هي أول من تحرك والظلام باقٍ في فجر القيامة متجهة نحو قبر المخلص تحمل أطيابًا وحنوطًا لكي تضعها علي جسد الرب، وعندما وجدت القبر فارغًا والحجر قد دُحِر من على فمه، خافت فذهبت للتلاميذ وقالت «أخذوا السيد»، ولكن حبها دفعها أن تعود للقبر الفارغ، وهناك قابلها الرب يسوع وتحدث معها، أمّا هي فلم تعرفه وظنته البستاني، وبدأت تشكو له «إن كنتَ قد أخذته فقل لي لكي آتي وآخذه» (يو20: 15)، وعندها ناداها الرب باسمها وقال لها «يا مريم»، فعرفته وتقدمت نحوه لتقبل قدميه، فقال لها الرب جملته الشهيرة «لا تلمسيني» وقد ميزها الرب بأن صارت أول كارزة للعالم بقيامته، وهي الأولى التي حظت برؤية الرب في فجر أحد القيامة، وهي الوحيدة التي سمعت قول الرب «لا تلمسيني»، بينما سمح الرب لتوما أن يلمس جروحه عند ظهوره لتلاميذه في العلية فلماذا وجّه لها الرب هذه الكلمات القليلة؟ 1- «لا تلمسيني» كانت تأكيدًا للمجدلية عن حقيقة طبيعة الرب يسوع اللاهوتية، فهي كانت لا تزال تخاطبه كإنسان «يا سيد إن كنت قد أخذته». وفي هذا كان الرب يؤكد على حقيقة طبيعته اللاهوتية، فهو الإله الذي ليس للموت سلطان عليه، فيسوع خاطب تلاميذه مرارًا كثيرة أنه ينبغي أن يُسلَّم لأيدي البشر ويتألم ويُصلَب ويموت، ولكنه سيقوم في اليوم الثالث، فكان على المجدلية أن تتذكر وعد الرب لهم كإله أنه لابد قائم من بين الأموات، وهو في هذا كأنه كان يحدثها عن لاهوته، وكأنه يناديها إن كنتِ قد أتيتِ لإنسان ميت فيجب بحسب الشريعة ألّا تلمسيني لئلا تتنجسي، أما إن كنتِ قد أتيتِ للإله الذي وعد أن يغلب الموت فاعلمي أنه ليس للموت ولا للهاوية سلطان عليّ وكان كلمات الرب هذه دعوة لنا جميعًا أن نكون واثقين أن يسوع هو الإله الذي شاء بإرادته أن يتألم عنّا ويحمل عقاب خطايانا لينقذنا من الهلاك الأبدي ولهذا يشرح بعض المفسرين أن هذا الإيمان الراسخ أن يسوع هو الله المتجسد كان السبب في بقاء أمنا العذراء مريم في البيت، فهي لم تذهب للقبر لأنها كانت واثقة أن ابنها القدوس المولود منها لا يغلبه الموت، بل هو قد جاء لكي يخلص شعبه ويدوس الموت. 2- كان الرب يعلم جيدًا مقدار محبة المجدلية له، لكنه أراد أن يعلمها أنه قد حفظ لها رسالة خاصة، وكأنه يقول لها لا تنشغلي بي فإن عليكِ رسالة هامة أن تخبري إخوتي أنني قمت وأنني لم أصعد بعد، لكنني سأقابلهم في الجليل وفي هذه الكلمات كان الرب يعلن لمريم بشرى القيامة المفرحة، وأيضًا يعلن لها لأول مرة عن سر صعوده إلى السماء، فكانت كلمات الرب لها «لا تلمسيني لكن اذهبي » هي أول تكليف برسالة الكرازة بخلاص الرب الذي صنعه من اجل العالم، وفي هذا تكريم للمرأة في المسيحية، نعم! نحن لا نؤمن بكهنوت المرأة لاعتبارات كتابية وفسيولوجية ونفسية وجسدية تمنع المرأة من خدمة الكهنوت، لكن الرب قد أعطى المرأة كرامة خاصة، فاختار العذراء مريم أُمًّا له وصارت رأسا للقديسين، وأيضًا منح المجدلية أن تكون المرأة هي أول شاهدة بالقيامة. 3- أخيرًا كانت كلمة «لا تلمسيني» هي عتاب حب من الرب للمجدلية لأنها قد نسيت كلماته وتعليمه انه رغم الآلام فهو لابد أن يقوم في اليوم الثالث؛ فكثيرًا ما تجعلنا الآلام في غربة هذا العالم ننسى وعود الرب المعزية لنا، وكأن هذه الكلمات هي دعوة لنا أن نتذكر كلمة الرب في الكتاب المقدس، ووعوده لنا بالرعاية والعناية والحفظ، ونترجّى مجازاته في كل مرة نجتاز مرارة الألم في حياتنا وعندما نتذكر وعود الرب ونحفظها في قلوبنا فإننا نستطيع أن نلمسه حاضرًا معنا في كل ضيقاتنا لتكن كلمات الرب يسوع يوم قيامته للمجدلية هي دعوة لإيمان راسخ لا يهتز في شخص ربنا يسوع، ودعوة للشهادة للرب وسط العالم أنه إله حيّ قد كسر شوكة الموت عنا، وأخيرًا دعوة لتذكُّر الوعود الإلهية في أزمنة الضيق. وكل عام والكل في ملء بهجة القيامة. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
11 مايو 2020

ظهورات السيد المسيح بعد القيامة

هناك (11) ظهور: + الظهور الأول (مت 28) للمريمتين (مريم المجدلية ومريم الأخرى). + الظهور الثاني (يو 20) لمريم وهي تبكى عند القبر عندما ظنته أنه البستاني فظهر لها المسيح مخصوص لكي يقول لها لا تبكى وللآسف نحن نبكى حتى الآن على الموتى، المسيح يحب أن نعيش القيامة بالإيمان قبل أن نعيشها بالعيان، كما قال لأرملة نايين لا تبكى، لأنه كان يعرف أنه سيقيمه. + الظهور الثالث (لو 24) لتلميذيّ عمواس. + الظهور الرابع (يو 20) للتلاميذ العشرة في العلية. هؤلاء الأربع ظهورات في نفس يوم القيامة. + الظهور الخامس (يو 20) للتلاميذ ومعهم توما الأحد الجديد، أول يوم أحد بعد القيامة. + الظهور السادس للتلاميذ جميعًا في الجليل. السيد المسيح أصر على أن يُقابل التلاميذ في الجليل، لأن الجليل هو المكان الذي تقابل فيه مع التلاميذ لأول مرة، وكان يريد أن يبدأ مع التلاميذ بداية جديدة وأراد أن يقول لهم هلم ننسى ما مضى الإنكار والخيانة والهروب وهلم نتقابل وكأننا نتقابل لأول مرة شيء رائع. + الظهور السابع (يو 21) كان في بحر طبرية صيد 153 سمكه. وفي بحر طبرية كان هناك سبع تلاميذ. + الظهور الثامن (يو 21) لبطرس وحده في العتاب "يا سمعان ابن يونا" أتحبني أكثر من هؤلاء؟!" + الظهور التاسع (1 كو 15) ليعقوب وحده أول رسول شهيد. + الظهور العاشر (1 كو 15) لخمسمائة أخ. + الظهور الحادي عشر(مت 28) على جبلالصعود. = هناك ثلاث معجزات صنعها الرب بعد قيامته، وأكد بها ناسوته: أ‌- بقاؤه على الأرض بجسد القيامة أربعين يوم. ب‌- الاحتفاظ بالجراحات في جسد القيامة. ج- الأكل مع التلاميذ لأن جسد القيامة لا يأكل. صفات جسد القيامة: من واقع حديث معلمنا بولس الرسول (1 كو 15) يظهر جسد القيامة أنه: - أولًا: نوراني - روحاني - لا يفسد. - ثانيًا: خالد لا يقوى عليه الموت مرة أخرى يحيا إلى الأبد. س) لماذا أحتفظ المسيح بآثار الجراحات في جسد القيامة؟ ج) لكي يُستعلن كذبيحة أمام الآب السماوي. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
10 مايو 2020

الأحد الثالث من الخماسين فى مقابلته للمرأة السامرية

“أجاب يسوع وقال لها لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذى يقول لك أعطينى لأشرب لطلبـت أنت منه فأعطاك ماء حيـا” (يو 10:4)وعن الماء الحى مكتوب أيضـا: ” وفى اليوم الأخير وقف يسوع ينادي قائلاً إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب. من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى. قال هذا عن الروح الذى كان المؤمنون مزمعين أن يقبلوه. لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد ” (يو 37:7-39)سوف ندرس ما قاله الآباء عن الروح القدس. الروح القدس هو الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس،فنحن نؤمن بالله الواحد المثلث الأقانيم: الله الآب. الله الإبن. الله الروح القدس 1- أقوال القديس اثناسيوس الرسولى عن الروح القدس عن لاهوت الروح القدس: “ا لروح القدس واحد مع الإبن فى الجوهر والإبن واحد مـع الآب فى الجوهرإذن الروح القدس واحد مع الآب فى الجوهر “إننا نؤمن بالثالوث القدوس الله الآب، الله الإبـن، الله الـروح القدس. وهو اله واحد متماثل غير قـابل للتجزئـة بطبيعتـه، ونشاطه واحد الآب يعمل كل شئ بالإبن فى الروح القدس وهكذا ينادى بإله واحد فـى الكنيسة.. الذى على الكل ( كلى الأصل )، وبالكل ( كلى السبب )، وفى الكل ( كلى التنفيذ ) الكل المطلق، أى الله فى ذاته الكلية المطلقة: 1- كآب : بداية، ينبوع. 2- بالكل : بالإبن. 3- فى الكل : فى الروح القدس. عن وحدة عمل الثالوث وعدم إمكان تجزئته.. قال فى بشارة رئيس الملائكة جبرائيل للعذراء: ” عندما افتقد الكلمة العذراء القديسة مريم،جاء إليها الكلمة ومعه الروح القدس، وصاغ الكلمة جسده وشـكله لذاته.. لذا أراد أن يوحد فيه كل البشرية إتحادا بالله ويحضرها إليـه بواسطة نفسه ” (من رسالة إلى القديس سرابيون 1: 31) وفى موضوع قدرة الروح القدس لإعطاء الحياة.. قال: ” إنه يدعـى الروح المحيى، وروح الحياة فى المسيح يسـوع، لأن منـه تنـال المخلوقات الحياة.. علما بأن الإبن هو نفسه الحيـاة ويدعـى فـى الإنجيل رئيس الحياة، فكيف يحسب الروح القدس ضمن المخلوقـات وهو الذى فيه تنال المخلوقات الحياة بواسطة الكلمة “. 2 - أقوال القديس باسيليوس الكبير عن الروح القدس: الإعتقاد السليم هو أن الروح القدس لا يمكن فصله عـن الآب والإبـن فهو حاضر معهما فى: أولا: الخليقة العاقلة فالقوات السمائية وجدت بـإرادة الآب، ونـالت كيانـها بـالإبن، أما تقديسها واستمرارها فى التقديس فهو بواسـطة حضـور الـروح القدس فيها. ثانياً: تدبير مجىء ربنا فى الجسد فلقد صارت البشارة بالروح وصار الحمل بـالروح (لـو 1: 25)، وصارت المسحة بالروح (يو1 :33)، وكـان معه فى التجربة (مـت 4: 1)، وبه تمم كل أعماله (مت 28:12)، وبه قام من الأموات (رو 8: 11). ثالثا: وفى الدينونة فالذين ختموا بالروح القدس ليوم الفـداء وحفظـوا حياتـهم نقيـة بلا عيب هم الذين سيسمعون الصوت القائل ” نعماً أيها العبد الصالح والأمين ” (مت 25: 21) وأما الذين أحزنو الروح فسوف يشطرون، أى سوف ينفصل عنهم تماما الروح القدس (مت 24: 51) وعن ألقاب الروح القدس: هو يسمى الروح لأن الله روح، ويدعى أيضـا قـدوس لأن الآب قدوس والإبن قدوس، ويدعى أيضا الصالح لأن الآب صالح وما ينبثق من الآب صالح، ويدعى المستقيم لأن الله صـالح ومسـتقيم.. وروح الحق وروح البر وروح الحكمة، ويدعى أيضا الباراقليط. وعن أعماله: أن أعماله عظيمة وفائقة ولا يمكن أن نحصيها، إذ كيف نسـتطيع أن ندرك ما كان يعمله الروح قبل أن تنشأ الخليقة العاقلة، ومـا هـى النعم العظيمة التى أعطاها ويعطيها للخليقة، وما هـى قدرتـه التـى سوف يظهرها فى الحياة الآتية. 3 – أقوال القديس كيرلس الإسكندرى عن الروح القدس: أ- فى تفسيره لإنجيل يوحنا قال فى الآيـة ” أنا فى الآب والآب فى ” (يو 14: 11). ( كما أن الإبن صدر من الآب بطريقة تعلو علـى الفهم ومع ذلك فالإبن باق فيه، هكذا أيضـا الروح القـدس فهو ينبثق بالحقيقة من الله كما هو بالطبيعة ومع ذلـك فـهو لا ينفصل عن جوهره بل بالحرى ينبثق منه ويظل باقياً أبديـاً فيه، ويعطى للقديسين بالمسيح، لأن كل الأشياء تأتى بـالإبن بواسطة الروح القدس). ب- وفى تفسيره قول السيد المسيح: ” وأما متى جاء المعزى الروح القدس الذى يرسله الآب بإسمى فهو يعلمكم كل شـئ” (يو 26:14).. قال : ” الإعلان الكامل للسر الإلهى هو بالروح القدس المرسل من الآب باسم الإبن. لأنه كما أن روحه هو المسيح فينا لذلك يقول يعلمكم كل شئ كما قلته لكم.. فحيث أنه روح المسيح وفكره كما هو مكتوب ” (1كو 16:2)، لذلك فهو ليس شـيئا آخر سواه هو نفسه من جـهة وحدة الطبيعة، وهو يعرف كـل ما هو فيه لأن ” أمور الله لايعرفها أحد إلا روح الله ” (1كو 2: 11) فالروح لأنه يعرف ما هى مشورة الإبن الوحيد يخبرنا بكل شـئ.. وهو لا يأخذ هذه المعرفة بالتعليم، لكى لا يبدو أنه يشغل رتبة الخـادم الذى ينقل كلمات آخر، بل هو روحـه. وإذ يعـرف- دون تعلـم- كل ما يخص ذلك الذى هو منه، وهو كائن فيه، فإنه يعلـن الأسـرار الإلهية للقديسين. ج- وعن موضوع الكرمة والأغصان يقول القديـس كـيرلس: إن الروح القدس يجعلنا نثبت فى الكرمة- أى المسـيح- فـهى( الكرمة ) كالأم المغذية لأغصانها، لأننا نولد منه وفيه بـالروح لنثمر ثمار الحياة. فكلمة الله الوحيد الجنس يمنح القديسين ميـلاً إلى طبيعته الخاصة وطبيعة الله الآب بإعطائهم الروح، وذلـك بإتحادهم به بالإيمان والقداسة الكاملة، وهو يغذيـهم بـالتقوى ويعمل فيهم لمعرفة كل فضيلة وكل الأعمال الصالحة. فـالآب يغذينا فى التقوى بالإبن فـى الروح. د- ويفرق القديس كيرلس بين إرسال الروح وانبثاقه، فيقـول: إن الإرسالية فعل زمنى بينما الإنبثاق فعل أزلى. فـالله الآب هـو مصدر إنبثاق الروح وأما إرسالية الروح القدس فهى مـن الله الإبن، كما قال القديس يوحنا فى إنجيله ” ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى. وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معى من الإبتداء ” (يو15 :27،26). هـ – وقال أيضا نعرف ثلاثة أقانيم ونؤمن بها ، الآب الـذى لا إبتـداء لـه، والإبن الوحيد، والروح القدس المنبثق من الآب وحده إن الروح القدس هو منبثق من الآب حسب قول المخلـص، لكنه ليس بغريب عن الإبن من حيث وحدة الجوهر نؤمن بالروح القدس كما نؤمن بالآب والإبن، لأنـه مسـاو لهما فى الجوهر وهو مندفق أى منبثق من ينبوع الله الآب كما أن الإبن من الآب من جـهة الولادة، هكذا الـروح مـن الآب من جـهة الإنبثاق، وحاشا من القول بخلاف ذلك. 4-العلامة ديديموس مثله فى ذلك مثل كل آباء الكنيسه الجامعه، يكرز ويعلم عن الثالوث وعن وحدة جوهرالأقانيم الثلاثة.. قال : (كل من يتصل بالروح القـدس ففـى نفـس اللحظة هو يتقابل مع الآب والإبن، وكل من يشترك فى مجـد الآب فإن هذا المجد هو فى الواقع ممنـوح لـه مـن الإبـن والروح القدس) (عن الروح القدس 17) وعن إنبثاق الروح قال: ” الروح القدس ينبثق من للآب ويستقر إلهيا فـى الإبن” (فى الروح القدس 3:1) ويقول أيضاً: فى جوهر الروح يمكن فهم كمال العطايـا، فمـن المستحيل لأى واحد أن يطلب نعمة الله إن لـم يكـن عنـده الـروح القدس الذى فيه يتضح أن كل العطايا متضمنة منـه. لذلـك واضـح أن الروح القدس هو نبع كل العطايا وليست عطية تُمنح بدونـه، لأن كل الفوائد التى ننالها من وراء غنى مواهب الله إنما هى مـن هـذا الينبوع الرئيسى وعن عمل الروح القدس فى الإنسان، قال: هو المقدس والمحيى، نور السماء المنتشـر، الحـافظ الكـل، الساهر على ثبات قوامه، المجدد والمحرر.. كمثل الرب وإبـن الله الذى صنعنا، فهو روح التبنىيطير بنا إلى أبواب السماء، ويقتادنا فـى مداخـل الخلاص، هو النعمة المالئة كل الأشياء الخاويـة والضعيفـة والعـابرة، ينبوع المواهب الذى لا يفرغ ومنطلق كل فكر صالح، يكشـف حقا المزمعات، ختم الخلاص والموهبـة الإلهيـة، عربـون الخيرات الأبدية منه كل خليقة، ما يرى وما لايرى، عاقلة وغـير عاقلـة هـو يقيمها، الذى منه يصير لنا التجديد الإلهى ومغفرة الأثام وسـتر الخطايا والنزوع نحو الله إكليل الأبرار وحافظ الأخيـار. المسـكن السـماوى، الحيـاة التى لا تنتهى وميراث ملكوت الله الأبـدى الـذى كـل مـن يشترك فيه، بتجديد الشركة، يبلغ التذكارات الصالحة وشـركة الطبيعة الإلهية. 5- تعاليم القديس كيرلس الأورشليمى عن الروح القدس: الإبن والروح القدس وحدهما يقدران أن يريا الآب كما ينبغـى أن يرى، إذ هما يشتركان فى لاهوت الآب ويتكلم القديس كيرلس الأورشليمى عن الروح القدس وينظر إليـه بنفس الطريقة التى ينظر بها إلى الآب والإبن من حيـث أن هـؤلاء الثلاثة يشتركون فى نفس مجد اللاهوت الواحد الروح القدس (شريك الأزلية) مع الآب والإبن وعمله من أجـل خلاصنا مشترك مع الاقنومين الآخرين. الإبن يعلم الآب مـع الروح ومن خلال الروح.والروح القدس هو روح الوحى والإسـتنارة، إنـه المقـدس، الفريد، والصالح، والمغيث، معلم الكنيسة، روح النعمـة الـذى يضع علامته على النفس بما يفيد أنها ملكه وهو الذى يعطـى التقديس للكل الروح واحد وهو لا ينقسم بتعدد مواهبه. إنـه ليـس كـأن الآب يهب موهبة والإبن يهب موهبة أخرى والروح موهبـة ثالثة، لكن الخلاص والقوة والإيمان هى مشتركة للكل وكرامة الأقانيم واحدة وغير منقسمة نحن نعلن إلهاً واحداً مع الروح القـدس مـن خـلال الإبـن، بلا اختلاط ولا انقسام. الآب يعطـى للإبـن والإبـن يعطـى للروح القدس ومن أجل خلاصنا يكفى أن نعرف أنـه يوجـد الآب والإبـن والروح القدس، ولم يكتب شئ آخر عن أى شئ آخر، وليـس لائقاً بنا أن نفحص ما هو وراء ما نجده فى الكتاب المقدس عن الجوهر والأقانيم.
المزيد
09 مايو 2020

أيقونة السيد المسيح على المنديل

لقد ترك السيد المسيح صورته مطبوعة على المنديل "Mandilum" وعلى الكفن المقدس. وقد انطبعت بصورة معجزية تذكارًا للأجيال. وعنها أخذ الفنانون على مدى العصور مثال صورة وجه السيد المسيح ويحرص الأرثوذكس البيزنطيون في الفن الخاص بأيقوناتهم أن يكون وجه السيد المسيح أقرب ما يكون للوجه المطبوع على المنديل وعلى الكفن المقدس. لقد ترك السيد المسيح للأجيال المتعاقبة كلامه مدونًا في الأناجيل المقدسة وصورته على المنديل والكفن المقدس لأنه سبق أن قال لتلاميذه: "إن أنبياءَ وأبرارًا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا. ولكن طوبى لعيونكم لأنها تبصر، ولآذانكم لأنها تسمع" (مت13: 17، 16) إذن فقد طوّب السيد المسيح في العهد الجديد كلًا من الرؤية والسمع لِما يخص أعماله، وأقواله، وظهوره، وتعاليمه وعن هذه الطوبى كتب القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى "الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة" (1يو1: 1) وقد حفظت الكنائس الأرثوذكسية هذا التقليد الرسولي الذي استلمته الكنيسة من السيد المسيح وصارت الكنيسة تحتفل وترفع البخور وتوقد الشموع أثناء قراءة الإنجيل المقدس لأنه كلام السيد المسيح ويقول الشماس(قفوا بخوف أمام الله، وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس). ويقول الأب الكاهن(مبارك الآتي باسم الرب؛ ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح..). كما أنها صارت تحتفل وترفع البخور وتوقد الشموع أو القناديل أمام أيقونةالسيد المسيح؛ وبخاصة أيقونة الصلبوت التي تحمل ذِكرى آلامه. والتي يصل الاحتفال بها في يوم الجمعة العظيمة إلى الذروة ويتلو ذلك تكريم أيقونة الدفن في نهاية الصلوات إلى فجر الأحد حينما يبدأ تكريم أيقونة القيامة لمدة أربعين يومًا وتضاف إليها أيقونة الصعود في عيد الصعود إلى صلوات رفع بخور أحد العنصرة في يوم الخمسين وبهذا يسير الأمران معًا: الرؤية (للأيقونة)، والسمع (عند قراءة الإنجيل) تمامًا كما قصد السيد المسيح "طوبى لعيونكم لأنها تبصر، ولآذانكم لأنها تسمع" (مت13: 16) أليست الكنيسة ككل هي أيقونة السماء على الأرض فكيف لا تحوى أيقونة للسيد المسيح؟!وكما إننا لا نقدم العبادة لكتاب الإنجيل كما لو كان هو الله الكلمة وليس كلمة الله المدوّنة في الكتب المقدسة، هكذا فنحن لا نعبد أيقونة السيد المسيح وكأنها هي السيد المسيح نفسه إن تكريم الأيقونات Veneration of Icons لا يتعارض إطلاقًا مع الوصية. ففي الوصايا العشر قال الرب لشعبه في القديم "لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن" (خر20: 4، 5). أي أن ما نهي عنه الرب في الوصية هو عبادة الصور والتماثيل التي يعبدها الوثنيون وكأنها الآلهة التي يُقدّم لها السجود ولكن من الجانب الآخر؛ أمر الرب موسى النبي بأن يصنع من خراطة الذهب كروبين (أي ملاكين) فوق غطاءتابوت العهد يتجهان الواحد نحو الآخر؛ وينظران نحو غطاء التابوت ويبسطان أجنحتهما (انظر خر37: 6-9) حتى تلامس أجنحة الواحد منهما الآخر فوق غطاء التابوت وكان تابوت العهد في قدس الأقداس. وكان مجد الرب يتراءى لموسى فوق غطاء التابوت تحت جناحيّالكروبين؛ وكان موسى يسمع صوت الرب وهو يكلّمه "من على الغطاء الذي على تابوت الشهادة من بينالكروبين" (عد 7: 89) وفي عهد سليمان الملك عند تدشين الهيكل في أورشليم حينما "أدخل الكهنة تابوت عهد الرب إلى مكانه في محراب البيت في قدس الأقداس إلى تحت جناحيّ الكروبين لأن الكروبين بسطا أجنحتهما على موضع التابوت وظلل الكروبان التابوت وعصيه من فوق" (1مل8: 6، 7)، قيل "أن السحاب ملأ بيت الرب. ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب لأن مجد الرب ملأ بيت الرب" (1مل8: 10، 11) وكان العابدون من الشعب يدخلون إلى الهيكل وهم يرددون: "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز5: 7) لم تكن العبادة تقدَّم للكروبيم؛ بل للرب الساكن في بيته المقدس والساكن في السماوات، والذي سماء السماوات لا تسعه وكان في القدس مذبح البخور والكهنة يبخرون في وجود تابوت العهد والكروبيم (انظر 1مل 6: 23-28) ونقش الكروبيم على ستور خيمة الاجتماع وعلى جدران الهيكل "وجميع حيطان البيت في مستديرها رسمها نقشًا بنقر كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج" (1مل6: 29). "والمصراعان من خشب الزيتون ورسم عليهما نقش كروبيم ونخيل وبراعم زهور" (1مل 6: 32) ولم يعتبر هذا كله مخالفًا للوصية إن الأيقونة المدشّنة بالميرون هي (ميناء خلاص لكل من يلجأ إليها بإيمان) (من طقس تدشين الأيقونة) هي مثل جهاز التليفون إذا تم توصيل الحرارة إليه وتحمل رقم القديس صاحب الأيقونة الصلاة تصل إلى السماوات والبخور هو العلامة المنظورة للصلاة في الكنيسة وشركة الصلاة مع القديسين. وقد أبصر يوحنا في سفر الرؤيا في السماء حول العرش الإلهي الأربعة وعشرين قسيسًا وفي أيديهم مجامر من ذهب يرفعون بخورًا الذي هو صلوات القديسين (انظر رؤ5: 8) وإيقاد الشمع أمام الأيقونة هو لتأكيد أن السيد المسيح هو نور العالم. وبالنسبة للقديسين أن حياتهم كانت منيرة بالمسيح الذي قال أيضًا لتلاميذه: "أنتم نور العالم" (مت5: 14) وتظهر أهمية الشموع بصفة خاصة حينما توجد كنيسة بلا تيار كهربائي في الصلوات المسائية والليلية، أو التي في الصباح الباكر جدًا. وهذا كان الوضع إلى عهد قريب قبل اختراع التيار الكهربائي إن الأيقونة في الكنيسة في حال مثل هذا بدون الشمع أمامها؛ لا يراها أحد من الناس وتكون الشمعة هي تقدمة حب نحو من أناروا العالم بقداستهم وعند قراءة الإنجيل أيضًا تضاء الشموع لنفس الأسباب ولأن الإنجيل قد أنار العالم، والسيد المسيح قد "أنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تى1: 10). أي بواسطة بشرى الخلاص بموت السيد المسيح وقيامته ولا يفوتنا هنا أن نشير أنه في كلٍ من التقليد الأرثوذكسي الشرقي والبيزنطي قد تلازم تكريم الأيقونة مع تكريم الإنجيل المقدس. لأن السيد المسيح ترك لنا صورته على المنديل والكفن وكلامه فيالإنجيل، ولم يترك تمثالًا مجسّمًا لصورته. ومن هنا لم تُدخِل الكنائس الأرثوذكسية التمثال في تقليدها وطقوسها التي تجرى داخل الكنيسة في أثناء الصلوات المقدسة إن للتمثال أبعاد ثلاث (طول - عرض - ارتفاع). أما الأيقونة فلها بعدين، وبعدها الثالث هو عمق أو علو روحانية صاحب أو صاحبة الأيقونة. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
08 مايو 2020

خمس صفات لحياة الإنسان الناجح

يقول معلمنا بولس الرسول: «أخيرًا أيُّها الإخوَةُ افرَحوا. اِكمَلوا. تعَزَّوْا. اِهتَمّوا اهتِمامًا واحِدًا. عيشوا بالسَّلامِ، وإلهُ المَحَبَّةِ والسَّلامِ سيكونُ معكُمْ» (2كو13: 11).وضع لنا بولس الرسول وصفة فيها خمس صفات لحياة الإنسان الناجح، وهو يذكرها في كلمات مختصرة، الكلمات هي: افرحوا، اكملوا، تعزّوا، اهتموا، عيشوا. ولكي أشرح لكم كل كلمة من هذه الخمس، سأضع مقابل الكلمات الخمس، خمسًا أُخَر تشرحها، فيكون موضوعنا كله عبارة عن عشر كلمات.1) افرحوا... بالمسيحأول كلمة "افرحوا"، ونضع معها كلمة "بالمسيح". اجعل دائمًا فرحك الرئيسي بمسيحك الذي تجسد من أجلك، وعلّم وصنع معجزات من أجلك، وصُلِب على الصليب وقام من أجلك. يوم وُلِد السيد المسيح رتلت الملائكة: «المَجدُ للهِ في الأعالي، وعلَى الأرضِ السَّلامُ، وبالناسِ المَسَرَّةُ» والمسرة هي الفرح. وفي تعاليم السيد المسيح قدّم لنا قصص الخروف الضال والدرهم المفقود والابن الضال في لوقا 15، وأكثر كلمة تكرّرت في هذا الأصحاح هي كلمه "الفرح". وعندما قام الرب وظهر لتلاميذه، يقول لنا في إنجيل معلمنا يوحنا «ففَرِحَ التلاميذُ إذ رأوا الرَّبَّ» (يوحنا20:20). توجد في الحياة أشياء كثيرة تفرحنا، مثل العمل الناجح، الدراسة التي تحبها، الحصول على مال، نجاح مشروع... لكن اجعل أولًا فرحك بالمسيح المخلص والفادي. ولكن لماذا؟ لأن أهم فرح عند الإنسان هو فرح خلاصه من الخطية، الخطية هي مرض الإنسان الروحي، ولا يستطيع أحد أن يمحوه إلا شخص المسيح، والكتاب المقدس يقول لنا أنه ليس بغيره (أي المسيح) خلاص. والقديس بولس الرسول قال لنا وصية جميلة: «اِفرَحوا في الرَّبِّ كُلَّ حينٍ، وأقولُ أيضًا: افرَحوا» (فيلبي4:4). اجعل فرحك دومًا بمسيحك الذي يبارك طريقك وصحتك وخدمتك وعملك وبيتك وأولادك وبناتك. افرح ولا تسمح لأحد أن ينزع منك الفرح. 2) اكملوا... بالكنيسة وذلك بارتباطك بالحياة داخل الكنيسة، ولا أقصد الارتباط الشكلي، وإنما الارتباط العملي، أي عضويتك الحية في الكنيسة كعضو عامل تمارس سرّي التوبة والاعتراف، والإفخارستيا. أيضًا الارتباط بالكنيسة واجتماعاتها وخدمتها. مرة زرت كنيسة في مصر، ووجدتها في منتهى النظافة رغم أنها منطقة صناعية متربة، فلما تساءلت عن سر نظافتها أعلموني أن عندهم خدمة تُسمى "خدمة المقشات"، فكل اجتماع في الكنيسة يخصّص أربعة من أعضائه لتنظيف وترتيب الكنيسة بعد نهاية الاجتماع، وهكذا جعلوا لكل فرد دور في الكنيسة. الكنيسة ليست ناديًا اجتماعيًا، بل هي موضع الأمور الروحيه والصلوات والتسابيح والترانيم والتعاليم والحياة المرفوعه لله. اكملوا بالكنيسة، فمن يربّي ابنه داخل الكنيسة فهذه تربية صحيحة، وهي أكثر شيء يحفظ أولادنا وبناتنا من العالم. وتربية الكنيسة لا تعني التربية المنغلقة، بل هي شبع بالله داخل الكنيسة، وبهذا لو وُضِع أمامهم عسل العالم، فسيدوسونه بأرجلهم، لأن الكنيسة علمتهم كل المبادئ والقيم التي يعيشون بها في المجتمع. 3) تعزوا... بالإنجيل تعزوا بكلمه الله المقدسة، اجعلوا الإنجيل مفتوحًا أمامكم باستمرار، واقرأوه وأنتم مجتمعون، حتى ولو مرة في الأسبوع تجتمع الأسرة مع بعضها حول كلمه الله. القديس يوحنا ذهبي الفم له كلمه جميلة، يقول: "الكتاب المقدس روضة النفوس"، ومرة أخرى قال: "في الكتاب المقدس منجم لآلئ". يقولون الإنجيل الحلو هو الذي يشرب عرقك ودموعك، فعندما تقرأ في الإنجيل وتدرس فيه وتحفظ آياته، فأنت تبذل مجهودًا (أي العرق)، وعندما تقرأ الإنجيل وتصلي قبل القراءة لكي ينير الله ذهنك فهذه هي الدموع. الإنجيل مليء بالكنوز والرسائل الروحية، لذلك يقول داود النبي: «لكل كمال رأيت منتهى، أمّا وصاياك فواسعة جدًا» (مزمور119). كيف يمكن لكلمة الله يمكن أن تعزّى الإنسان؟ يقول لنا الكتاب الكثير في هذا: «عِندَ كثرَةِ هُمومي في داخِلي، تعزياتُكَ تُلَذِّذُ نَفسي... ناموسُ الرَّبِّ كامِلٌ يَرُدُّ النَّفسَ... شَهاداتُ الرَّبِّ صادِقَةٌ تُصَيِّرُ الجاهِلَ حَكيمًا... وصايا الرَّبِّ مُستَقيمَةٌ تُفَرِّحُ القَلبَ. أمرُ الرَّبِّ طاهِرٌ يُنيرُ العَينَينِ... أحكامُ الرَّبِّ حَقٌّ عادِلَةٌ كُلُّها. أشهَى مِنَ الذَّهَبِ والإبريزِ الكَثيرِ...». تعزوا بالإنجيل، اجعلوا الإنجيل دائمًا هو حل لكل مشكلة، وهو الذي يمنح راحه في البيت. 4) اهتموا اهتمامًا واحدًا... بالمحبة المحية هي الوصية الأولى، والتي فيها جميع الوصايا التي يجب أن نهتم بها. اهتم أن تظهر محبتك بالعمل وليس بالكلام. «يا أولادي، لا نُحِبَّ بالكلامِ ولا باللِّسانِ، بل بالعَمَلِ والحَقِّ!» (1يوحنا3: 18)، اهتموا اهتمامًا واحدًا بعمل المحبة لمن هم حولكم. محبتك لله تحفظك من خطايا كثيره، ولهذا السبب قال الرب لنا: «تحب الرب إلهك من كل قلبك، من كل فكرك، من كل نفسك، ومن كل قدرتك... وتحب قريبك كنفسك». اهتم في كل عمل بالمحبة، والمحبة تكون صادره من القلب. بولس الرسول كتب لنا أصحاحًا جميلًا جدا عن المحبة في كورنثوس الأولى 13، لكن ختمه بعبارة جميلة جدًا، «أمّا الآنَ فيَثبُتُ: الإيمانُ والرَّجاءُ والمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاثَةُ ولكن أعظَمَهُنَّ المَحَبَّةُ». 5) عيشوا... بالسلام هماك إنسان يصنع سلامًا، نسميه peace maker، وآخر لا يصنع السلام نسميه trouble maker. هذه الوصية تذكّرنا بما قاله لنا السيد المسيح: «طوبَى لصانِعي السَّلامِ، لأنَّهُمْ أبناءَ اللهِ يُدعَوْنَ»، يصير الإنسان ابن الله بالحقيقة إن صنع سلامًا. تقرأون في كتب الاقتصاد عن صناعات خفيفة وصناعات ثقيلة، أمّا صناعة السلام فهي صناعة صعبة. نقرأ حين تشاجر رعاة إبراهيم مع رعاة لوط على موارد المياه، كيف سعى إبراهيم للسلام مع ابن اخيه، بل ومنحه حق الاختيار. واختار لوط الأرض، أرض سدوم وعمورة التي امتلأت بالشر. أمّا إبراهيم الذي جعل اختياره صنع السلام، فصارت الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا نصيبه. عيشوا إذًا بالسلام... لو وضعت هذه الخمس كلمات أو وصايا مع بعضها البعض في حياتك اليومية، وفي تربية أولادك وبناتك، في عملك، في دراستك، في ارتباطك بالكنيسة، في حياتك مع الإنجيل؛ إذا فعلت هذا ستصير حياتك ناجحة. افرحوا بالمسيح. اكملوا بالكنيسة. تعزوا بالإنجيل. اهتموا اهتمامًا واحدًا بالمحبة. عيشوا بالسلام. عيشوا حياتكم وأنتم فرحون ومتعزون في قلوبكم، والمحبة سائدة في حياتكم، والسلام يملأ كل يوم من أيام عمركم. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
07 مايو 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ اَلْجَامِعَةِ

1- بين اصحاح 3 : 19 – 21، 12 : 7 ففى الاول يقول (لان ما يحدث لبنى البشر يحدث للبهيمه وحادثه واحده لهم موت هذا كموت ذلك ونسمه واحده للكل فليس للانسان مزيه على البهيمه لان كليهما باطل. يذهب كلاهما الى مكان واحد. كان كلاهما من التراب والى التراب يعود كلاهما. من يعلم روح بنى البشر هل هى تصعد الى فوق وروح البهيمه هل هى تنزل الى اسفل) وفى الثانى ان للانسان روحاترجع بعد الموت الى الله للذى اعطاها. فنجيب لفهم معنى الآيات الاول ى ينبغى ان ننتبه الى ان الكلام فيها مؤلف من شطرين لكل منهما طرفان يوطىء باحدهما ثم ياتى بالثانى تفسيرا لمضمونه بحيث يحصر هذه المقابله بين الانسان والبهيمه وذلك انه يقول فى الشطر الاول من كلامه (وما يحدث لبنى البشر يحدث للبهيمه وحاثه واحده لهم) ثم فسر فقال (موت هذا كموت ذاك ونسمه واحده للكل) ثم قال فى الشطر الثانى (فليس للانسان مزيه على البهيمه لان كليهما باطل وذلك لانه يذهب كلاهما الى مكان واحد كان كلاهما من التراب والى التراب يعود كلاهما) فواضح من ثم ان ليس الملحوظ فى هذه المقابله الا النسمه التى بها تقوم حياه الجسد. لان للانسان روحا ونفسا وجسدا كما قال بولس الرسول : (ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم) (2 تس 5 : 23) والفرق بين الروح والنفس ان الروح ما تقوم به حياه الانسان بالنسبه لله، وان النفس ما تقوم به حياه الانسان الحيوانيه. فما قصده كاتب سفر الجامعه تشبيه الانسان بالبهيمه من جهه الحياه الحيوانيه ناظرا فى هذا التشبيه الى امر واحد وهو ان كلا من الطرفين نهايته الموت، اى ان الانسان فى وجوده الخارجى لا يتفاوت عن البهيمه فى شىء من الخضوع لاحكامه تعالى.وما ذكر فى (اى 14 : 7 – 12) يؤخذ منه ظاهرا انكار القيامه مع انه قصد بقوله ان الانسان اذا مات لا يقوم اى لا يقوم ليرجع الى العالم ويباشر عمله كما كان ولكنه لم ينكر فيه انه يقوم للدينونه فذلك اثبته فى (ص 19 : 26).والغايه التى حدث بالحكيم الى ايراد هذا التشبيه هو توبيخ الانسان المتكبر وتثبيته فهو لم يخرج فى كلامه عن معنى قول المزمور (مثل الغنم يسلقون للهاويه) (49 : 14) فنهايه كليهما تظهر للعين البشريه واحده. قيل فى مكان آخر عن الشرير (يدفن دفن حمار) (ار 22 : 19).اما معنى القول الوارد فى عد 21 (من يعلم روح البشر هل تصعد الى فوق) اى من يتامل هذا ويراعيه فى قلبه كقول الكتاب ايضا من صدق خبرنا (اش 53 : 1) فما اقل الذين يعيشون فى العالم وهم عالمون ان لهم ارواحا ستصير الى الله، والكثيرون يعيشون كالبهائم التى لا هم لها الا الاكل والشرب. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
06 مايو 2020

مفهوم القيامة وروحياتها

إن القيامة دخل على البشرية فعندما خلق الله الإنسان خلقه للحياة نفخ فيه نسمة حياة ، فصار نفساً حية و أراد الله له الحياة و الخلود و لكن حرية الإنسان انحرفت إلي الخطيئة ، فجلب لنفسه الموت كنتيجة لخطيئته ، لأن " أجرة الخطية هي موت " ( رو 6 : 23 ) و هكذا دخل الموت إلي العالم . و ساد علي الجميع لذلك نحن نفرح بالقيامة لأنها أنتصار علي الموت و عودة بطبيعة الإنسان إلي الحياة فالله خلق الإنسان ليحيا ن لا ليموت قيامة المسيح هي عربون لقيامتنا جميعاً ، لذلك وصفه القديس بولس الرسول بأنه " باكورة الراقدين " ( 1 كو 15 : 20 ) هو الباكورة ، و نحن من بعده و لعل سائلاً يسأل كيف يكون المسيح هو الباكورة ، بينما قام من قبله كثيرون ؟! إبن ارملة صرفة صيدا اقامة إيليا النبي من الموت ( 1 مل 17 : 22 ) و ابن المرأة الشمونمية اقامة أليشع النبي من بعد أن مات ( 2 مل 4 : 32 - 36 ) كما أن هناك ثلاثة أقامهم السيد المسيح نفسه و هم إبن ارملة نايين ، و ابنة يايرس ، و لعازر حقاً إن هناك اشخاصاً قاموا من الموت قبل المسيح ، و لكنهم بعد قيامتهم عادوا فماتوا ثانية و مازالوا ينتظرون القيامة العامة أما قيامة المسيح فهي القيامة التي لا موت بعدها ، و هي الباكورة ، و الشهوة التي يشتهيها كل مؤمن بحب الخلود القيامة التي نعينها هي الطريق إلي الأبدية التي لا نهاية لها و نحن نعلم أن قصة حياة الإنسان علي الأرض هي قصة قصيرة جداً و إذا ما قيست بالأبدية تعتبر كأنها لا شئ و الخلود هو الحلم الجميل الذي تحلم به البشرية إن القيامة ترفع من قيمة الإنسان ، و تؤكد أن حياته لا تنتهي بموته القيامة تؤكد أن هناك حياة أخري غير هذه الحياة الأرضية ، سوف نحياها بمشيئة الرب بعد القيامة و هكذا نقول في " قانون الإيمان " الذي نتلوه كل يوم في صلواتنا " و ننتظر قيامة الأموات ، و حياة الدهر الآتي اَمين " إذن لعلنا نقول إن أهم ما في القيامة هو ما بعد القيامة فالقيامة تدل علي أن لحياة الإنسان امتداداً في العالم الآخر ، و أن الموت هو مجرد مرحلة في حياة الإنسان ، أو هو مجرد جسر بين حياتين إحداهما أرضية و الأخري سمائية و لا شك أن الحياة الأخري أفضل بكثير ، لأنها حياة في السماء ، مرتفعة عن مستوي المادة كما أنها حياة نقية ، لا توجد فيها أية خطية و فوق كل ذلك فهذه الحياة الأخري هي عشرة مع الله و ملائكته و قديسيه عبر عنها الكتاب بقوله " ما تره عين ، و لم تسمع به أذن ، و لم يخطر علي قلب بشر ، ما أعده الله للذين يحبونه " ( 1 كو 2 : 9 ) و لهذا قال مار اسحق " إن مخافة المكوت تزعج قلب الرجل الجاهل أما الإنسان البار فيشتهي الموت مثلما تشتهي الحياة " و لهذا قال القديس بولس الرسول " لي اشتهاء أن أنطلق ، و أكون مع المسيح ، فذلك أفضل جداً " ( في 1 : 23 ) حقاً أن الموت يصبح شهوة للذين يحبون الله و يحبون الحياة الأخري ، و يرون أنها أفضل جداً من عالمنا هذا الذي فقد نقاوته هؤلاء لإيمانهم بالقيامة - لا يرون الموت نهاية حياة ، إنما هو انتقال لحياة أخري إن القيامة غيرت نظرة الناس لي الموت ، فأصبح مجرد أنتقال ، جسر يعبر إلي حياة أخري ، أو قل هو عملية ارتقاء ، لذلك صار شهوة للأبرار لما حدث أن المسيح داس الموت بقيامته ، سقطت هيبة الموت إلي الأبد ، و لم يعد القديسون يخافون الموت اطلاقاً ، كما أصبحوا لا يخافون مسبباته ، كالمرض مثلاً ، أو مؤامرات الناس الأشرار و اعتدائاتهم إنما يخاف الموت الإنسان الخاطئ ، الذي لم يتب ، فيخشي مصيره بعد الموت ، و الوقوف أمامدينونة الله العادلة أو يخاف الموت الإنسان الخاطئ ، الذي له شهوات يمارسها في هذا العالم و يخشي أن يحرمه الموت منها أما البار فلا يخاف الموت اطلاقاً ، لأنه يؤمن بالقيامة و القيامة ترتبط بالإيمان ، فالملحدون مثلاً لا يؤمنون بالقيامة الإنسان المؤمن يؤمن بقدرة الله علي اقامة الجحسد من الموت ، فالذي خلق البشر من التراب ، و خلق التراب من العدم ، هو قادر علي اعادة الجسد إلي الحياة ليعود فيرتبط بروحه أما الملحدون فلا يؤمنون بوجود الروح أو استمرارها بعد الموت ،و لا يؤمنون بالحياة الأخري ، و لا بالثواب و العقاب لهذا قلت إن القيامة ترتبط بالأيمان و الإيمان بالقيامة يقود إلي حياة البر و الفضيلة فهو يؤمن بأنه بعد القيامة ، سيقف أمام الله في يوم الدينونة الرهيب ، لكي يعطي حساباً عن كل أعماله ، إن خيراً و إن شراً لذلك يقوده هذا الإيمان إلي حياة الحرص و التدقيق خوفاً من دينونة الله العادلة و بالتالي يحاسب نفسه علي كل عمل ، و كل فكر و كل شعور ، و كل كلمة ، و يقوم نفسه ، كما قال القديس مقاريوس " احكم يا أخي علي نفسك ، قبل أن يحكموا عليك " بل إن الإيمان الحقيقي بالقيامة يقود إلي حياة الزهد و النسك القيامة حولت أنظار الناس إلي أمجاد العالم الآخر ، فتصاغرت في أعينهم المتعالزائلة في هذا العالم الفاني و من فرط تفكيرهم في غير المنظور ، ازدادوا بالمحسوسات و المرئيات و أصبحوا كما قال الكتاب " غير ناظرين إلي الأشياء التي تري ، بل إلي التي لا تري لأن التي تري وقتية ، و أما التي لا تري فابدية " ( 2 كو 4 : 18 ) و لو لم تكن القيامة ، لتهالك الناس علي هذه الحياة الرضية ، و غرقوا في شهواتها كالأبيقوريين الذين كان يقولون " لنأكل و نشرب ، لأننا غداً نموت " ( 1 كو 15 : 32 ) أما الذين يؤمنون بالقيامة و يستعدون لها ، فإنهم يضبطون أنفسهم حسناً و يدخلون في تداريب روحية لتقويم ذواتهم و لا ينقادون وراء الجسد و لا المادة بل يحيون بالروح بأسلوب روحي ، و يقمعون أجسادهم و حواسهم و أعصابهم حب الأبدية جعل الأبرار يشتاقون إلي شئ أكبر من العالم و أسمي كل ما في العالم لا يشبعهم ، لأن في داخلهم اشتياقاً إلي السماء و إلي النعيم الروحي الذي يسمو علي الحس و يرتفع فوق كل رغبة أرضية لذلك نظر القديسون إلي الأرض كمكان غربة ، و اعتبروا أنفسهم غرباء ههنا ، يشتاقون إلي وطن سماوي ، إلي حياة أخري ، من نوع اَخر روحاني نوراني سمائي ما لم تره عين اشتاقوا إلي العالم الآخر الذي كله قداسة و طهارة وروحانية ، و سلام و حب و نقاء حيث الله يملأ القلوب فلا تبقي فيها شهوة لشئ اَخر غيره القيامة فيها لون من العزاء و التعويض للناس فالذي لا يجد عدلاً علي الأرض ، عزاؤه أن حقه محفوظ في السماء ، عند الرب الذي يحكم للمظلومين الذي لا يجد خيراً علي الرض مثل لعازر المسكين ، عزاؤه أنه سيجد كل الخير هناك و كما كان علي الأرض يتعذب ، فهو في السماء يتعزي فالقيامة تقيم توازناً في حياة كل إنسان إذ أن محصلة ما يناله علي الرض ، و ما يناله في السماء تشكل توازناً قوامه العدل و القيامة تقدم عزاء حقيقياً لجميع الأصدقاء و المحبين ، إذ تجمعهم ثانية ، بعد أن يفرقهم الموت لو كان الأمر ينتهي عند القبر و لا قيامة ، إذن لكان احباؤنا الذين فارقونا بالموت قد أنتهوا ، و انتهت صلتنا بهم ، و ما عدنا نراهم و هذا لا شك يتعب القلب ، و يسبب فجيعه للمحبين الذين بغير القيامة يفقدون احباءهم إلي غير رجعة إن القيامة تعطينا أيضاً فكرة عن قوة الله و محبته الله القوي الذي يستطيع أن يقيم الأجساد بعد أن تكون قد تحللت و تحولت إلي التراب ، و يعيدها بنفس شكلها الأول ، و لكن بلون من التجلي روحانية و نورانية إنه الله المحب الذي لم يشأ أن يتمتع وحده بالوجود ، فخلق كائنات أخري كما لو يشأ أنه يعيش وحده في الخلود ، فأنعم بالخلود علي الناس و الملائكة ، و وهب البشر حياة أبدية بعد قيامهم من الموت و من متع القيامة زوال الشر و زوال كل ما سببته الخطية ففي النعيم الذي يحياه الأبرار لا يكون هناك شر و لا خطيئة بل مجرد معرفة الخطية ستنتهي و نعود إلي حياة البساطة الكاملة و النقاوة الكاملة كالملائكة ،و كالأطفال في براءتهم و تتخلص النفس من الأمراض التي رسبتها عليها الخطية كالخوف ، و الشك ، و الشهوة ، و القلق ، و ما شابه ذلك ، و عندئذ تلبس النفس اكليل البر ، و تزول منها جميع النقائص نفسية كانت أم جسدية يعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل أمجاد القيامة فذلك يحتاج إلي كتب . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
05 مايو 2020

اِرْفَعُوُا أَيُّهَا الْرُؤسَاءُ أَبْوَابَكُم

في تمثيلية عيد القيامة المجيدة التي تجري حالياً في كنيستنا القبطية، بعد أن يعلنَ الشماسان الواقفان خارج الهيكل قيامة الربِّ من بين الأموات، يقولا: «اِرْفَعُوُا أَيُّهَا الْرُؤسَاءُ أَبْوَابَكُم، وَارْتَفِعِي أَيَّتُهَا الأَبْوَابُ الدَّهْرِيَّةُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ الْمَجْدِ» (مزمور 24: 7). وفي الحقيقة هذا هو مزمور عيد الصعود في كنيستنا القبطية لقد أخطأ الإنسان قديماً، وطُرد من حضرة الله، «وَأَقَامَ (اللهُ) شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ» (تكوين 3: 24). وهكذا أُغلقت أبوابُ السماء في وجه الإنسان ولكن، بعد أن قام الربُّ يسوع من بين الأموات، صعد إلى السماء حاملاً معه الطبيعة البشرية، حسب قول معلمنا بولس الرسول: «أَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (أفسس 2: 6). لذلك كان يجب أن تُفتح أبوابُ السماء ثانية في وجه الإنسان المخلوق جديداً في المسيح يسوع، ولم تكن السماءُ مغلقةً في وجه الربِّ يسوع، بل في وجهنا نحن، نحن الذين كان يحملنا في جسده يقول القديس أثناسيوس في كتاب تجسد الكلمة (25: 5-6): [لقد جاء الربُّ لكي يُحدِرَ الشيطان، ويُطهِّر الهواء، ويُهيِّئ لنا طريق الصعود إلى السموات، كما يقول الرسول: «عبر الحجاب أي جسده» (عبرانيين 10: 20) وهكذا لما رُفِعَ طهَّر الهواء كما يقول: «رأيتُ الشيطان ساقطاً كالبرق» (لوقا 10: 18). ثم افتتح طريقاً جديداً صاعداً إلى السموات قائلاً أيضاً: «ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية» (مزمور 24: 7). لأنه لم يكن الكلمة هو المحتاج إلى فتح الأبواب، إذ هو ربُّ الكلِّ، ولم يكن شيءٌ من المصنوعات مغلقاً أمام خالقه، بل نحن الذين كنا نحتاج إلى ذلك، نحن الذين كان يُصعدنا معه بجسده الخاص؛ فكما أنه قدَّم هذا الجسد للموت من أجل الجميع، هكذا أيضاً بواسطته قد أعدَّ طريق الصعود إلى السموات] ومزمور الصعود هذا معروف أيضاً في الكنائس الأرثوذكسية الأخرى، تقول خدمة مساء عيد الصعود في كنيسة أنطاكيا الأرثوذكسية[إن الربَّ قد صعد إلى السماوات لكي يرسل المعزي إلى العالم، فالسماوات هيأت عُرْسَهُ، والغمام هيأ ركوبه، الملائكة يتعجبون إذ يشاهدون إنساناً أعلى منهم، الآب يقتبل في أحضانه من هو معه أزلياً، الروح القدس يأمر جميع ملائكته: ارفعوا يا رؤساء أبوابكم، فيا جميع الأمم صفقوا بالأيدي لأن المسيح صعد إلى حيث كان أولاً… يا يسوع الحلو، أنت من الأحضان الأبوية لم تنفصل، ولو تصرفت على الأرض مثل إنسان. اليوم ارتقيت بمجد إلى جبل الزيتون، وبإشفاق منك أصعدت طبيعتنا الهابطة وأجلستها مع الآب]. نيافة الحبر الجليل الانبا إبيفانيوس الأسقف الشهيد رئيس دير القديس أبو مقار
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل