المقالات

23 يناير 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ اَلْعَدَد

1- بين اصحاح 1 – 4، اصحاح 26 ففى الاول والثانى ذكر عدد بنى اسرائيل ولكنهما اختلفا فى تقدير العدد فبعض الاسباط فى الاحصاء الثانى زاد وبعضها نقص. فنجيب: كان بين الاحصائين ما يزيد عن 38 سنه فلهذا زاد عدد بعض الاسباط فى الثانى عن الاول، والاحصاء الاول تكرار للاحصاء المذكور فى (خر 38 : 6).اما النقص فى بعض الاسباط فسسبه ان الله كان قد قضى قبل دخول ارض كنعان بافناء كل الرجال الذين فوق سن العشرين وقت الخروج (ماعدا اثنين وسبط لاوى) اى كل الذين تضمنهم الاحصاء الاول، وان ذلك القضاء اخذ يجرى منذ نطق الله به اى منذ بدء السير فى البريه او منذ رجوع الجواسيس (عدد 14 : 29) ولا ريب فى ان نتيجه ذلك نقص عدد الاسرائيليين فى الجيل التالى. ولم يكن النقص متناسبا فاننا نرى النقص الاعظم فى شمعون ولاوى مع كونه خرج من ذلك القضاء فلم يزد سوى الف وهى زياده زهيده وذلك لتتم عليهم نبوه ابيهما (تك 49 : 5 – 7) انظر ايضا بخصوص شمعون (عد 25 ويش 19 : 9 و1 اى 4 : 27) وبخصوص لاوى (عد 3 : 4 و16 : 32 و26 : 10) واصاب النقص الراوبينيين لانهم كانوا على موسى (تث 11 : 1). 2- وبين اصحاح 1 : 7، را 4 : 20 ففى الاول ان نحشون كان فى عصر موسى وفى الثانى ان بينه وبين داود اربعه اعقاب فقط هم سلمون وبوعز وعوبيد ويسى، على ان بين موسى وداود اكثرمن 450 سنه (اع 13 : 20). فنجيب لعل الثانى ترك بعض اشخاص واكتفى بذكر المشاهير من رؤساء العائله. مثال ذلك انه فى (1 اى 6 : 3 – 15) توجد سلسله رؤساء الكهنه من هارونالىالسبى، اما عزرا الذى كان منهم فعند ذكر نسبه فى سفره اصحاح 7 : 1 – 5 يهمل من هذه السلسه ذاتها نحو سته اجيال كما يظهر من مقابله هذين الشاهدين فى محلهما. 3- وبين لا اصحاح 4، عد اصحاح 15 ففى الاول تقدم ذبيحه ثور فداء عن الشعب وفى الثانى لابد ان يكون الثور مع لوازمه. فنجيب ان الاول قصد به ذبيحه الاثم وقصد بالثانى ذبيحه الاثم مع النذور. راجع العبارتين. 4- وبين عد 4 : 3 و23 و30 و35 و39 و43 و47 وبين اصحاح 8 : 24 و25 ففى الاول ان خادم خيمه الاجتماع يكون من ابن 30 سنه فصاعداالى50 سنه وفى الثانى يكون ابن 25 سنه فصاعداالى50 سنه فنجيب كان اللاويون فى عصر موسى يخدمون من سن 25 سنه فى الخدم البسيطه اما وقت نقل ادوات خيمه الاجتماع الثقيله فكان يختار لها الرجال الاقوى. وبعد ان بنى الهيكل وخف العمل قبل فى خدمته من كان سنه 30 سنه. 5- وبين اصحاح 16 : 32، اصحاح 26 : 11 ففى الاول ان الارض ابتلعت قورح وكل من كان له وفى الثانى ان بنو قورح لم يموتوا فنجيب. جاء فى الكتاب ان قورح من عشيره قهات وداثان وابيرام اللذان اعتصبا معه على موسىمن سبط راوبين عد 16 ومحله الاول كانت قبلى خيمه الاجتماع المركزي ه على جانب المسكنالىالتيمن واما محله الاخرين فقد كانت قبلى الخيمه ايضاالىالتيمن فى صف خارجى وهذا يعلل لنا سبب مخاطبه موسى لقورح لقربه منه (عد 16 : 8) وسبب استدعائه لداثان وابيرام (عد 12) اللذين رفضا ان يجيئا ثم تركه فى الصباح خيمه الاجتماع المركزيه (عد 16) حيث كان الشعب يقدمون البخور امام الرب وذهابهالىداثان وابيرام (عد 25)ويعلل ايضا سبب ذكر خيام داثان وابيرام مرتين واغفال ذكر خيمه قورح مع انه زعيم المحرضين (عد 26 و27) ويفصح لنا ايضا عن سبب هلاك هاتين العشيرتين وعدم ذكر عشيره قورح لان انشقاق الارض كان قاصرا على المكان المنصوبه فيه خيام داثان وابيرام التى امر الرب شعب اسرائيل بالاعتزال عنها (عد 26) فعشيره قورح لم تهلك لان خيمتها كانت فى صف داخلى وهذا هو السبب فى ذكر داثان وابيرام فقط فى (تث من 11 : 6) واما قول الاول (وكل من كان لقورح) اى من الثائرين معه ولا يقتضى ان يكونوا من عشيرته، وذكر الاول له بصفته كبير المعتصبين. 6- وبين اصحاح 23 : 19، 1 صم 15 : 11 ففى الاول ان الله لا يندم وفى الثانى انه ندم على انه جعل شاول ملكا. فنجيب قلنا انفا لا يخفى ان الكتب الالهيه كتبت للبشر فينبغى ان تكتب بلغتهم لكى يفهموها فالالفاظ المسندهالىالعزه الالهيه التى يستفاد منها انه ندم (يون 4 : 2) وغضب (عد 12 : 9) وغير ذلك ليست الا استعارات اتخذها البارىء، من لغه البشر يعبر بها عن انه يكره الخطيئه وينسب لنفسه الانفعالات الانسانيه ليفهم البشر مراده وقصده لان الانسان البشرى الناقص لا يفهم الله اذا تكلم تعالى عن نفسه كما هو. 7- وبين اصحاح 25 : 9، 1 كو 10 : 8 ففى الاول ان الذين ماتوا بالوباء 24000 وفى الثانى 23000، فنجيب ان الثانى ذكر بصريح اللفظ (فسقط فى يوم واحد) فالعدد الذى ذكره ليس كل الذين هلكوا بل الذين هلكوا فى يوم واحد فقط. 8- وبين اصحاح 28 : 29، حز 45 و46 فبين الاول والثانى خلاف فى نظام الهيكل فنجيب ان كلام حزقيال عباره عن نبوات استعاريه القصد منها الالماحالىمجد ملكوت المسيح (1 كو 3 : 16 و2 كو 6 : 16 واف 2 : 20 – 22 واتى 3 : 15) فحزقيال اطلق الهيكل على كنيسه المسيح والرسول بولس استعمل هذه الاستعاره كما فى (2 تس 2 : 4) واستعملها كاتب سفر الرؤيا (11 : 19 و14 : 17 و15 : 5 و8) بل استعمل عبارات حزقيال (رؤ 4 : 2 و3 و6). 9- وبين اصحاح 31، (قض 6) ففى الاول ذكر ان الاسرائيليين ابادوا المديانيين عن اخرهم وفى الثانى ان المديانيين بعد 200 سنه تقووا حتى عجز الاسرائيليين عن مقاتلتهم. فنجيب لا يبعد ان يكون قوم مديانيون ساكنين فى مدن اخرىغير التى ابادها الاسرائيليين، ولا ريب انه نجا من الساكنين فى المدن التى اهلكت وفر عدد عظيم. ومده 200 سنه تكفى لنموهم وانتصارهم على اسرائيل فى وقت سخط فيه عليهم الههم الذى كان يتداخل فى امر حروبهم فكان يجعل الامه الصغيره تغلبهم وقت غضبه عليهم، والامه الكبيره مغلوبه لهم وقت رضاه عنهم. 10- وبين اصحاح 31 : 17، مز 7 : 11 ففى الاول امر موسى بقتل كل ذكر من الاطفال وكل امراه عرفت رجلا بمضاجعه ذكر من المديانيين مع ان الاطفال والنساء لم ياتوا ذنبا وفى الثانى ان الله قاضى عادل فكيف يتفق عدله وذلك الامر الجائز. فنجيب ان الامر بقتل الاطفال الذكور والنساء المستعدات للولاده نظر فيهالىالمستقبل فالاطفال ومن تلده النساء بنمو ويكبر ويصير شوكه فى جنب شعب الله، فقتلهم من قبيل تدارك الخطا قبل وقوعه.وفى سفر يشوع ان الله امر يشوع بما ينافى الرحمه الالهيه من قتل الكنعانيين. ويدفع هذا بان ذلك انتقام منهم لانهم خبثوا وتوغلو فى عباده الاوثان واباحوا المحظورات التى لا تحسن امور الناس عموما الا بالامتناع عنها وقد جائتهم النذور ونهتهم النواهى الطبيعيه سنين بل قرون كثيره. والله يعاقب الاثمه بالموت بطرق مختلفه فقتل بعضهم بالوباء وبعضهم بالحرب وبعضهم بالصواعق او الزلزالالىغير ذلك من طرق الهلاك المخيفه. ولولا انقراض الكنعانيين لكانوا افسدوا اخلاق الاسرائيليين وعلموهم عباده الاصنام والاعمال القبيحه فانقراضهم كان امرا. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
22 يناير 2020

تأمل فى معجزة عرس قانا الجليل

كان القديس يوحنا الحبيب من أوائل التلاميذ الذين دعاهم السيد المسيح وعاصر تقريبا كل معجزات وخدمة السيد المسيح مدة خدمته على الارض اى ما يقرب من 1000 يوم وقد اختار القديس يوحنا الحبيب 20 يوم خدمة وقدمهم لنا فى انجيله فلم يقدم لنا أمثال لانه يريد ان يقدم لنا السيد المسيح من خلال لاهوته فى هذه المعجزة يقدم لنا الصديق المفرح فالانسان منذ خطية ادم غاب عنه الفرح فاراد القديس يوحنا ان يقدم لنا المسيح المفرح فذكر معجزة عرس قانا الجليل فى بداية انجيله. لماذا بدأ السيد المسيح معجزاته بهذه المعجزة؟ 1- اراد ان يقدس حياة الاسرة. 2- اراد ان يرفع اتعاب أو لعنة المرأة و لعنة الارض فبهذا العرس يبدأ خليقة جديدة. 3- أراد ان يقدم البداية المفرحة فقدم لهم هدية (الخمر). هذا العرس حضره السيد المسيح فى بداية خدمته وكان العرس من العادات والتقاليد اليهودية المشهورة فكان العرس فى اليهودية يبدأ من الاربعاء وينتهى فى الاربعاء التالى واجازة السبت فكانوا يضعون ستة اجران عند مدخل البيت مخصصة لحفظ الماء ويقدم فى العرس المشروب المشهور فى ذلك الوقت وهو عصير العنب الطازج اى الغير مختمر وكانت العادة ان يقدموا العصير الجيد اولاً ثم الاقل جودة , وفى هذا العرس ينتهى الخمر فطلبت العذراء مريم من السيد المسيح وقالت له "ليس لهم خمر" اى ليس لهم فرح و يرد عليها بقسوة "ما لى و لك يا امرأة لم تاتى ساعتى بعد" أى ساعة الصليب ثم يصنع السيد المسيح المعجزة ويعود الفرح الى هذا العرس والى كل البشر بصليب المسيح الفرح يغيب عن الانسان اذا حلت الخطية فالخطية تسرق الفرح من الانسان. خمر فى اللغة اليونانية و العبرية 3 كلمات:- 1- عصير العنب الطازج (تيروش). 2- عصير العنب الطازج أو المختمر (يايين). 3- عصير العنب المختمر (سكر). هذه الكلمات الثلاثة تستخدم فى اللغة العربية بكلمة واحدة وهى الخمر. كيف يكون السيد المسيح صديقاً مفرحاً لك؟ 1- مسيحنا مفرح من خلال الايمان الذى نعيشه, الايمان يمنح الانسان سلام ثم فرح داخلى حقيقى. 2- مسيحنا مفرح من خلال الكتاب المقدس الذى هو رسالة فرح. 3- مسيحنا مفرح من خلال وجوده فى الكنيسة على الدوام , الكنيسة هى سر فرح حياتى. 4- مسيحنا مفرح لانه يسند الانسان فى ضعفه دائماً , فلا يرفض ابدأً توبة انسان. 5- مسيحنا مفرح لانه يعد لنا حياة أبدية , فكل من عاش حياته بامانه له اكليل فالسماء هى مكان الفرح الدائم.القديس يوحنا الحبيب يقدم لنا المسيح بأكثر من صورة كالمسيح المحب والمسيح مفرح القلوب. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
21 يناير 2020

«وإذ كان يُصلِّي»

صلاة يسوع أثناء معموديته في الأردن عيد الغطاس هو أحد أكبر ثلاثة أعياد سَيِّدية في الكنيسة، وهي التي يُقام فيها القداس في نصف الليل. فهو من جهة الأهمية يأتي مباشرة بعد عيدَي الميلاد والقيامة. بل يجب أن نعرف أنه في زمن لم يكن فيه عيد الميلاد قد عُرف بعد، كان عيد الغطاس من أكبر أعياد الكنيسة، ولاسيما في الشرق. نقرأ من إنجيل معلمنا لوقا البشير: «ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً. وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلاً: أنت ابني الحبيب بك سررت» (لو3: 21و22). تركيزنا اليوم سيكون على عبارة ”وإذ كان يُصلّي“، وسنتأمل في نوعية صلاة المسيح في هذه المناسبة، بماذا كان يصلي؟ وماذا كانت مشاعره وأحاسيسه عند العماد؟ نقرأ في إنجيل يوحنا أن يوحنا المعمدان أشار إليه قائلاً«هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو1: 29). فالذين سمعوه تذكروا للتو نبوة إشعياء العجيبة التي لم تنطبق على أحد من قبل«لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمَّلها. ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه وبِحُبُرِه شُفينا. كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا. ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه. كشاه تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه... إنه ضُرب من أجل ذنب شعبي... على أنه لم يعمل ظلماً ولا وُجد في فمه غش... إنه جعل نفسه ذبيحة إثم... بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها... إنه سكب للموت نفسه وأُحصِيَ مع أثمة، وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين» (اش53: 412)هذه النبوة هي عن إنسان حَمَلَ خطايا الشعب، وتذلَّل وظُلم ولم يفتح فاه، ولم يوجد في فمه غش، لكنه بإرادته جعل نفسه ذبيحة إثم، بل وسكب للموت نفسه! إنها نبوة خالدة عن العبد المتألم. كانوا يقرؤونها في العهد القديم ولا يفهمونها، ثم جاء المعمدان وأشار إلى تحقيقها في المسيح، قائلاً باختصار بليغ: «هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم!». ففي هذه اللحظة بدأت رسالة المسيح كحمل الله!ولكن في الحقيقة ليست هي إشارة المعمدان التي أثَّرت على المسيح وجعلته يبدأ رسالته كحمل الله، ولكن العكس هو الصحيح: فمشاعر الرب الداخلية وما كان يعتمل في قلبه من تصميم على تقديم نفسه ذبيحة إثم هي التي أحس بها يوحنا المعمدان، فنطق بما كان يراه أمام عينيه في قلب المسيح والآن يهمُّنا أن نتحسس ماذا كانت مشاعر الرب وأعماقه الداخلية في هذا الموقف، تلك التي صمت عنها الإنجيل واكتفى بأن يقول باختصار «إذ كان يصلي». من الأشياء التي تساعدنا على التعرُّف على مضمون صلاة الرب أثناء العماد هو ما نقرأه في سفر العبرانيين«لذلك عند دخوله إلى العالم يقول: ذبيحة وقرباناً لم تُرِدْ ولكن هيِّأتَ لي جسداً» (عب10: 5) بمعنى أن كل الذبائح والقرابين السابقة لم يُسَرَّ الله بها، لأنها كانت مجرد ذبائح حيوانية غريبة عن طبيعة الله. ولكن الشيء الذي يُسرُّ به الله هو ذبيحة الحب الإلهي المقدَّمة من ابنه الحبيب بمشاعر حب بنوي لائق بالله. ولذلك ”هيَّأَ له جسداً“، ليصير هو الذبيحة المقبولة عند الآب. وبقية الآية تؤكد هذا المعنى«بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسرَّ. ثم قلتُ ”هانذا أجيء، في درج الكتاب مكتوبٌ عني، لأفعل مشيئتك يا الله“. إذ يقول آنفاً ”إنك ذبيحةً وقرباناً ومحرقاتٍ وذبائحَ للخطية لم تُرِدْ ولا سُررتَ بها“ ... ثم قال ”هانذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله“، ينزع الأول لكي يثبِّت الثاني» (عب10: 6-9) العجيب في هذه الآية أنها تبيِّن لنا بوضوح نوعية صلاة المسيح الداخلية التي اكتفى إنجيل لوقا بالإشارة إليها باختصار قائلاً: «إذ كان يصلّي». إنه كان يقول في قرارة نفسه: ”هانذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله. هانذا أجيء لأصير أنا الذبيحة الحقيقية المرضية أمامك، عوض كل ذبائح ومحرقات العهد القديم التي لم تُرضِك ولا سُررتَ بها“. أمر آخر يُقرِّب لنا ماذا كانت مشاعر الرب وصلاته أثناء العمادلقد جاء يوحنا المعمدان يُعمِّد بمعمودية التوبة لغفران الخطايا، وكان الجميع يأتون إليه تائبين وينزلون إلى الماء معترفين بخطاياهم. فكون المسيح يأتي هو أيضاً ويتقدَّم مثلهم وكأنه يريد أن ينال معمودية التوبة لمغفرة الخطايا، وهو البار القدوس الذي بلا خطية ولا شر؛ هذا يدل بكل تأكيد أنه كان يتقدَّم بصفته حامل خطايا العالم كله، بل بصفته قد صار هو نفسه خطية لأجلنا لكي يبررنا من كل خطية، بحسب المكتوب«جعل الذي لم يعرف خطيةً خطيةً لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه» (2كو5: 21)أي أن الله الآب جعل المسيح خطية، وضع على كتفه كل خطايا البشرية ابتداءً من خطية آدم ثم جميع خطايا الأجيال اللاحقة حتى آخر إنسان سوف يوجد قبل اليوم الأخير، كلها تجمعت على أكتاف المسيح. فلم يكن إحساس المسيح أنه حامل خطايا فقط، بل بلغ إحساسه أنه هو نفسه خطية، ما أقسى هذه الحقيقة، ولكن كل هذا لكي يجعلنا نحن بر الله فيه لذلك كانت صلاة المسيح: «هانذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله». ها أنا مستعد أن أتألّم وأتقدّم إلى الصليب وأتقبّل معمودية الدم، وليس فقط معمودية يوحنا هذه التي للتوبة. فالمسيح في هذه اللحظات كان ينظر إلى صليبه على اعتبار أنه هو المعمودية الحقيقية التي ستغسل البشرية كلها من خطاياها«لي صبغة (حرفياً: معمودية b£ptisma)أصطبغ بها (حرفياً: أعتمد بها baptisq»nai)،فكم أنا منحصر حتى تُكمَّل!» (لو12: 50)«وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة، وكان صوت من السماء قائلاً: أنت ابني الحبيب بك سُررتُ» (لو 3: 21و22). صلاة المسيح بنية تقديم نفسه ذبيحة حب هي التي جعلت السماء تنفتح وأظهرت فيض الحب الأبوي المنسكب عليه من الله الآب، بشهادة الآب أن «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررتُ»، فتحقق قول المسيح «لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً» (يو10: 17)على أن الحب المتبادل بين الآب والابن لم يبدأ اليوم، ولا هو كان متوقِّفاً على تقديم المسيح نفسه ذبيحة بالنية، ولكنه حب أزلي لانهائي موجود من قبل تأسيس العالم. الآب يحب الابن حباً لا نهائياً، والابن يحب الآب حباً لا نهائياً، والروح القدس ينقل مشاعر الحب من الآب للابن ومن الابن للآب هذا كله كان يتم من قبل تأسيس العالم في مرأى من الملائكة التي تشاهده وتسبِّح الثالوث قائلة ”قدوس قدوس قدوس“، كما ظهر في رؤيا إشعياء. ولكن لماذا في هذا اليوم بالذات، عند معمودية المسيح، يظهر هذا الاستعلان علناً؟ ما هو الجديد الذي حدث اليوم ولم يكن موجوداً قبل تأسيس العالم؟ الجديد هو أن الابن ظهر لابساً جسد الإنسان وأبدى استعداده لأن يقدِّم هذا الجسد الذي أخذه من الإنسان كذبيحة حب لله أبيه بالنيابة عن الإنسان: «هيّأتَ لي جسداً، فقلتُ هانذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله»، فظهرت علاقة الحب المتبادلة بين الآب والابن منذ الأزل وقد شملت الآن بشرية الرب يسوع – وبالتالي شملت جميع العتيدين أن يتحدوا بجسد المسيح ويصيروا أعضاءً منه لذلك يرى القديس كيرلس الكبير أن نزول صوت الآب على المسيح في هذا اليوم قائلاً «أنت ابني الحبيب. بك سُررتُ» كان من أجلنا نحن ليشملنا في التبني ويُدخلنا في مجال حب الآب للابن: [لقد جاء صوت الله الآب على المسيح في وقت معموديته ليقبل به وفيه الإنسانَ الأرضي، قائلاً: ”هذا هو ابني الحبيب“. لأن الابن الوحيد الحقيقي بحسب الطبيعة، لما صار مثلنا تعيّن ابناً لله، ليس ليقبل هذه الكرامة لنفسه - إذ كان ولازال كما قلتُ هو الإله الحقيقي - بل ليوصِّل إلينا نحن هذا المجد] ويؤيده في هذا الرأي القديس يوحنا ذهبي الفم[حينئذ انفتحت السموات ونزل الروح القدس، وذلك لكي يُخرجنا من سيرتنا القديمة إلى الجديدة، ويفتح لنا أبواب السماء، ويُرسل لنا الروح القدس من السماء، داعياً إيانا إلى ذلك الوطن. بل وليس فقط داعياً إيانا بل ومؤهلاً إيانا لأعظم كرامة، إذ لم يجعلنا ملائكة أو رؤساء ملائكة بل جعلنا أبناءً لله وأحباءَ الله!]لقد كان صوت الآب النازل على المسيح في معموديته يشمل البشرية التي كان ينوب عنها. لقد كان المسيح ممثِّلاً لملايين ومليارات من الناس الذين وُجدوا والذين سوف يوجدون فيما بعد. كان المسيح المتجسد يُقدِّم مشاعر الحب البنوي لله الآب، باستعداد تقديم جسده الذي أخذه من الإنسان ذبيحةً بالنيابة عن الإنسان، وبالتالي فإن الآب قَبِل هذه المشاعر لحسابنا نحن، ومن ثمَّ كان هذا الصوت لصالحنا. فسرور الآب بالابن في وضعه المتجسد هو لنا ولحسابنا، أي للبشرية جمعاء الممثَّلة في المسيح وهو لابس جسدنا. ونحن على قدر ما نشارك المسيح في مشاعره الداخلية، وعلى قدر ما نكون صادقين في مشاركته في حبه للآب، وفي استعدادنا للاشتراك في شرب الكأس التي يشربها هو وفي الاصطباغ بالصبغة التي يصطبغ هو بها، على قدر ذلك نشعر بتعزية الروح القدس تنسكب داخل قلوبنا، وبأننا صرنا فعلاً أبناءً لله وأحباءَ.
المزيد
20 يناير 2020

تأملات فى عيد الظهور الإلهي

تقابل السيد المسيح أثناء كرازته مع إنسان ولد أعمى، ولم يستطع هذا الإنسان أن يتمتع بنعمة البصر إلا بعد أن قابله السيد وطلى بالطين عينيه، وأمره بالإغتسال فى بركة سلوام، مثالاً لكل البشر، الذين فقدوا بصيرتهم الروحية وإستنارتهم السماوية، وكيف أنهم سينالون الإستنارة من خلال المعمودية. إن الله لم يترك نفسه بلا شاهد (أع 17:14) بل أعلن لنا نفسه فى القديم بواسطة رموز وصور متعددة مثل: 1- ملكى صادق (تك 14) : ملك شاليم، الذى أضاء فى وسط العهد القديم، بلمحة من ضياء كهنوت المسيح. وظهر بعد ذلك الكهنوت اللاوى، حتى جاء المسيح كاهناً على رتبة ملكى صادق (مز 4:11)، ذلك الذى كان مجرد رمز للسيد المسيح، ملك السلام، والبر، وقابل العشور، وذبيحة الخبز والخمر.. الخ. 2- سلم يعقوب (تك 28) : الذى رآه فى هروبه من وجه أخيه وكان رمزاً للسيدة العذراء حاملة المسيح (يو 51:1). 3- ظهور النور (الشاكيناه) : ظهر على غطاء تابوت العهد بين الكاروبين ليعلن عن حضور الله وعن مشيئته، فالله هو النور، وساكن فى النور، وتسبحه ملائكة نور.. 4- أخيراً جاء يوحنا المعمدان : جاء كملاك يعد الطريق (مت 1:3).. ودعى السابق الصابغ والشهيد. وفى ملء الزمان كشف الله عن ذاته بطريقة باهرة، إذ انشقت السماء، وأعلن الآب عن ذاته، منادياً الابن، وظهر الروح القدس فى شكل حمامة. 1- الإعلان الكامل : أخيراً أعلن الله ظهوره النورانى الكامل الذى مهدت له ومضات العهد القديم. وازداد لمعان ذلك الظهور أثناء كرازة الرب العامة (يو 3:17)، وفى حادثة التجلى (مر 19:12-26). 2- السماء المنشقة : أ- انشقت السماء يوم عيد الظهور الإلهى، إيذانا بانتهاء عهد الظلال والرموز والظلام، وحلول وبدء عهد النور المكشوف الواضح. ب- لم تنغلق السماء منذ أن انشقت، بل ظلت مفتوحة للمؤمنين (أع 26:7)، (أع 11:10)، (2كو 12) فى رؤى للقديسين بطرس وبولس. ج- وإذ انشقت السماء نزل منها الروح القدس، ليحل على بنى البشر مصدراً للحياة، وأساساً للتعزية، يصاحب المؤمن طوال غربته. 3- الشهادة السماوية : أ- هذا هو إبنى الحبيب: هى شهادة البنوة التى أعلن بها الآب أبوته لإبنه الوحيد، ذاك الذى صار لنا به التبنى المواعيد (أف 5:1). ب- الذى به سررت: بهذا أعلن الآب كمال مسرته بإبنه، أنه قد أصبح لله مسرة فى حياة أولاده المؤمنين به، "لذتى فى بنى آدم" (أم 31:8). وهنا نتساءل: هل استنرت أنت يا أخى الشاب شخصياً فى حياتك؟ بل هل أضأت مصابيح قلبك بزيت البهجة؟ كيف؟‍‍؟! هناك وسائل هامة للإستنارة مثل: 1- إستنارة المعمودية : بدون المعمودية لا يمكن أن يستضئ قلب المؤمن، وبولس الرسول يقول عنها أنها الإستنارة (عب 4:6) التى لا تعاد. وهى حق لكل مؤمن. 2- إمتداد الإستنارة : وما أن ينال المؤمن قوة المعمودية، حتى ينطلق لممارسة كافة الأسرار الكنسية المقدسة، كالميرون والإعتراف والتناول، بل أنه يواظب على وسائط النعمة لزيادة إمتداد الإستنارة، بالإضافة إلى دراسته لكلمة الله وقراءاته الروحية، وحضوره الإجتماعات الكنيسة.. هذه كلها وسائل إستنارة. ملاحظات: ويمكن للخادم أن يناقش بعض الموضوعات الأخرى مثل: 1- عمل الثالوث القدوس فى خلاصنا. 2- اتضاع المسيح وخضوعه للناموس سواء فى الختان أو المعمودية ليكمل كل بر. 3- أهمية المعمودية والقيم الروحية التى ننالها من ممارسة هذا السر، كما أنه يمكن أن يقرأ مع المخدومين بعض مقتطفات من كتاب الخدمات الكنسية عن المعمودية. 4- يحسن أن ينبه الخادم إلى أن الميلاد الثانى بالمعمودية ليس هو التوبة وتغيير الفكر، كما تدعى بعض الطوائف، وإنما التوبة هى إمتداد عمل المعمودية فينا، ولكن الولادة الثانية هى بالماء والروح. فلنتأمل معاً فى بركات المعمودية التى نالها كل منا، ويمكنا أن نجمع مواقف وآيات من الكتاب المقدس عن مواضع إعلان الله لذاته فى العهدين، وأن طقوس المعمودية وعلاقتها بالنور مثل الملابس البيضاء، وإضاءة الشموع حول المعمد فى الزفة التى تعمل بعد العماد. بعض أقوال الآباء القديسين : كيرلس الكبير: "تستنير نفوس المعتمدين بتسليم معرفة الله". يوستينوس الشهيد: "وهذا الإغتسال يسمى تنويراً لأن الذين يتعلمون هذه الأمور يستنيرون فى أفهامهم". نيافة الحبرالجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
19 يناير 2020

نَجَاة أعْظَمْ فِي الكَنِيسَة

قَدِيماً كَانَ الهَارِب مُلْتَزِماً أنْ يَبْقَى فِي المَدِينَة حَتَّى مَوْت رَئِيسُ الكَهَنَة فَيَخْرُج مِنْهَا وَمَسِيحْنَا رَئِيسُ الكَهَنَة الأعْظَمْ مَاتَ مَرَّة لِيَدْخُلْ بِنَا لَيْسَ فِي مَدِينَة بَلْ دَاخِلَهُ فَتَرَكَ لَنَا الكَنِيسَة جَسَدَهُ عَلَى الأرْض إِمْتِدَاداً لِجَسَدِهِ الَّذِي لاَ يَمُوت حَتَّى لاَ يَخْرُج أحَدٌ مِنْهُ وَتَرَكَ لَنَا جَنْبَهُ المُقَدَّس كَبَاب مَفْتُوح لِكُلَّ النِّفُوس الهَارِبَة إِلَيْهِ مِنْ الدَيْنُونَة فَتَدْخُلْ إِلَيْهِ وَتَسْكُنْ فِي عَرْش نِعْمَتِهِ وَنَتَمَتَّعْ بِحِمَايَتِهِ إِلَى الأبَدْ . بَرَكِة العَهْد الجَدِيد :- فِي القَدِيمْ كَانَ القَاتِل يَهْرَب مِنْ وَجْه الوَلِيِّ إِلَى مَدِينَة المَلْجَأ لِيَحْتَمِي فِيهَا حَتَّى تَتِمْ مُحَاكَمَتُه وَإِنْ وُجِدَ بَرِيئاً يَبْقَى إِلَى مَوْت رَئِيسُ الكَهَنَة وَلكِنْ إِنْ وُجِدَ مُذْنِباً كَقَاتِل مُتَعَمِّدْ تَحْكُمْ الشَّرِيعَة عَلَيْهِ بِالقَتْل { فَافْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ فَتَنْزَعُونَ الشَّرَّ مِنَ وَسْطِكُمْ وَيَسْمَعُ الْبَاقُونَ فَيَخَافُونَ وَلاَ يَعُودُونَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذلِكَ الأَمْرِ الْخَبِيثِ فِي وَسْطِكَ لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ نَفْسٌ بِنَفْسٍ عَيْنٌ بِعَيْنٍ سِنٌّ بِسِنٍّ يَدٌ بِيَدٍ رِجْلٌ بِرِجْلٍ } ( تث 19 : 19 – 21 ) وَلكِنْ أُنْظُر الآنْ فِي نِعْمَة وَبَرَكِة العَهْد الجَدِيد يَتَنَازَل الله وَيُطِيلْ أنَاتُه عَلَى الجَمِيع بِالرَّحْمَة لأِنَّهُ أعْطَانَا أنْ نَحْيَا الزَّمَان المَقْبُول وَكُلَّ يَوْم يُدْعَى يَوْم خَلاَص وَجَعَلَ الفُرْصَة قَائِمَة لَنَا فَلَيْتَنَا نَسْتَفِيدْ مِنْ كَنِيسَتُه المُقَدَّسَة الَّتِي تَرَكَهَا لَنَا أفْضَلْ مِنْ مُدُن مَلْجَأ العَهَد القَدِيم وَنَتَمَتَّعْ بِأُبُوِتُه وَعِنَايَتُه التَّامَّة بِمَا نُظْهِرَهُ مِنْ الإِيمَان العَدِيمْ الرِّيَاء نَحْتَمِي فِي كَنِيسَتُه المُقَدَّسَة حَيْثُ صَارَ لَنَا القَّاضِي هُوَ الفَّادِي هُوَ أبُونَا وَمُخَلِّصْنَا يَسُوع الْمَسِيح الَّذِي عِوَض الإِنْتِقَام وَعَدَم الشَفَقَة فَتَحَ أبْوَاب مَرَاحِمَهُ الَّتِي لاَ تُغْلَق لِنَنْعَمْ لاَ بِالبَرَاءَة فَقَطْ بَلْ وَحَقّ الإِشْتِرَاك فِي أمْجَادِهِ إِنَّهُ أب مَغْلُوب مِنْ مَحَبَّتِهِ لأِوْلاَدُه فَصَنَعَ مَعَهُمْ أكْثَر جِدّاً مِمَّا يَسْألُون أوْ يُفَكِّرُون لأِنَّهُ أبو الرَّأفَة مُبَارَك ذَاكَ الَّذِي أعْطَانَا زَمَاناً لِلتَوْبَة لِنَسْتَجِيبْ لِنِدَاء رُوحُه القُدُّوس فِي دَاخِلْنَا وَنُسْرِع إِلَيْهِ وَلاَ نُؤَجِلْ فَنَنَال الحِمَايَة وَالبَرَاءَة لأِنَّ وَعْدُه أمِين أنَّ كُلَّ مَنْ يُقْبِل إِلَيْهِ لاَ يُخْرِجَهُ خَارِجاً لِلجَمِيعْ سَوَاء إِقْتَرَفُوا الخَطَايَا سَهْواً أوْ عَمْداً إِنَّهُ يَتَأنَّى وَيَدْعُو – بَلْ يَتَرَجَّى – فَمُبَارَك مَنْ سَمَعَ وَعَمَلَ وَلَبَّى النِدَاء وَإِلاَّ يَقِفْ فِي اليَوْم الأخِير خَارِجاً نَادِماً لاَ يَسْتَطِيعْ أحَدٌ أنْ يَصِفْ المَرَارَة وَالحَسْرَة الَّتِي يُعَانِي مِنْهَا مِثْل مَنْ أضَاعَ بِيَدِهِ فُرَص خَلاَصُه المُتَاحَة لَهُ طُول زَمَان حَيَاتُه وَهُوَ سَيَحْكُمْ عَلَى نَفْسُه لاَ تُشْفِقْ عَيْنُك . لاَ يَنْتَظِرْنَا فَقَطْ بَلْ وَأيْضاً مَنْ صَلَبُوه :- أُمِّة إِسْرَائِيل الَّتِي ضَرَبَتْ الْمَسِيح وَقَتَلَتْهُ حِينَ كَانَ قَدْ تَنَازَل لُطْفُه أنْ يَصِير قَرِيباً لَهَا وَيَسْكُنْ فِي وَسَطْهَا فَصَارَ عَلَيْهَا دَمَهُ وَهيَ إِلَى الآنْ مُهَاجِرَة أرْضَهَا وَلاَ تَزَال خَارِجَة عَنْهَا وَرَئِيسُ الكَهَنَة قَائِمْ يُمَارِس كَهَنُوتُه الآنْ دَاخِل الأقْدَاس حَيْثُ هُوَ الآنْ وَهُنَا تَعُود نِعْمَة الله تَعْمَلْ فِي بَقِيَّة هذِهِ الأُمَّة إِنْ رَجَعَتْ إِلَى نَفْسَهَا وَاعْتَرَفَتْ بِخَطَايَاهَا فَسَيَسْحَبْ الله مِنْ نِعْمَتِهِ أنَّهُمْ قَتَلُوه سَهْواً بِغَيْر عِلْم غَيْر مُبْغِضِينَ لَهُ وَيُرْجِعَهُمْ إِلَى نَصِيبَهُمْ وَيَرْحَمَهُمْ وَالرُّوح القُدُس أشَارَ لَهُمْ عَلَى لِسَان القِدِيس بُطْرُس الرَّسُول أنَّهُ يُرِيدْ أنْ يَحْسِبْ ذَنْبُهُمْ مِنْ نُوع السَهْو وَالجَهْل حَيْثُ قَالَ لَهُمْ { الآنَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ بِجَهَالَةٍ عَمِلْتُمْ كَمَا رُؤَسَاؤُكُمْ أَيْضاً وَأَمَّا اللهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ قَدْ تَمَّمَهُ هكَذَا فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ لِكَيْ تَأْتِي أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ } ( أع 3 : 17 – 19) وَلكِنَّهُمْ فِي حَمَاقَتِهِمْ لَمْ يَقْبَلُوا هذَا الكَلاَم بَلْ إِسْتَمَرُّوا فِي عِنَادِهِمْ فَأدْرَكَهُمْ الغَضَبْ إِلَى النِّهَايَة – وَلكِنْ لَيْسَ إِلَى الأبَدْ – وَهذَا مَا يُوضِحَهُ لَنَا مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول فِي رِسَالَتِهِ البَدِيعَة إِلَى أهْل رُومِيَة { فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيّاً لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ وَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ سَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ الْمُنْقِذُ وَيَرُدُّ الْفُجُورَ عَنْ يَعْقُوبَ وَهذَا هُوَ الْعَهْدُ مِنْ قِبَلِي لَهُمْ مَتَى نَزَعَتُ خَطَايَاهُمْ }( رو 11 : 25 – 27 ) فَهَا هُوَ يُعْلِنْ نَفْسَهُ مُخَلِّصاً لِصَالِبِيهِ لِكُلَّ غَلِيظ الرَّقَبَة مُعَانِدْ لِكُلَّ مُتَهَاوِنْ وَلِي أنَا أيْضاً وَلِجَمِيعْ المُؤمِنِينَ بِإِسْمِهِ فَإِقْبَلْنَا إِلَيْكَ أيُّهَا الصَّالِحٌ مُحِبُ البَشَرإِذْ نَدْنُو إِلَى مَذْبَحِكَ المُقَدَّس كَكَثْرِة رَحْمَتِكَ القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية عن كتاب مدن الملجأ
المزيد
18 يناير 2020

التجسد الإلهي ج2

الله رفع المرأة:- هذه الكلمة (من المرأة) تبين ان عمانوئيل ولد في الجسد من جوهر العذراء. لم يقل ( بامرأة)، حتى لا يعطي فرصة لذوي الافكار الرديئة ان يسمّوا ميلاده عبوراً بطريقة رمزية ويؤكدوا انه عبر كما في قناة ومثل البرق. كذلك تفهم انه كان هناك حبل تام، لكي نبيّن ان التجسد حقيقي وليس وهما. ( وبينما هما هناك تمت ايامها لتلد) (لو2: 6) واني عندما أتأمل بعمق اكثر في الكتب المقدسة، الاحظ سرّاً آخر اعظم. فآدم لم يكن قد خدعه الشيطان، لكن المرأة، بعد ان خدعت، كانت هي الاولى في التعدي، فإن الله الكلمة الذي اراد ان يشفي هذا التعدي، قد رفع المرأة الى كرامة اعظم. لانه حينما يشفي الله او يصحّح، فإنه لا يحضر للمريض الشيء الاساسي فقط، لكنه يمنحه علاوة على ذلك الغنى الذي لم يكن له. هذا ما صنعه ايضاً لأجلنا، لم يخلصنا بقيامته من حكم الموت ومن الفساد فحسب، بل قادنا ايضاً الى ملكوت السموات بدلاً من الفردوس وجعلنا اولاداً وورثة لله بدلا من عبيد ما هي هذه الكرامة الاعظم التي حُسبت المرأة مستحقة لها؟ ذلك بوضوح. عندما يعطي بطرس بولس الرسول للرجل السلطة والمكان الاول ويخص المرأة بالمرتبة التالية ويقول انه يجب ان تكون المرأة متواضعة، يقول: ( لان الرجل ليس من المرأة، بل المرأة من الرجل) (1كو11: 8) لكنه يحق ان يُقال عنا اننا وجدنا بالمرأة وليس من المرأة، لانه بالنسبة لنا فإن الزرع يسبق ولا سيما اننا به تتكوّن. اما المسيح الذي حبل به بدون بذار، فبالعكس قد وجد ليس بالمرأة بل من المرأة وقد رفعها الى رتبة رفيعة في بدء الخليقة كانت المرأة من آدم ثم في التجسد كان المسيح آدم الثاني، من المرأة. وهذه تفوق تلك لان التكوين الثاني إلهيا اكثر من الاول فيما انكن ايتها النساء حسبتن مستحقات لمثل هذه الكرامة بواسطة العذراء والدة الاله. فاعطين إذا لأزواجكنَّ نصائح جيدة تقودهم الى الحياة الابدية. إذا وجدتنَّ انهم يتراخون في القيام بواجبهم وفي اعلامكنَّ، فانصتنَ اليهم باحترام. واذا كنتن تجدن انهم على النقيض موثقون برغبات العالم وهمومه وانهم يختنقون بفكرة جمع الذهب، وانهم يمضون لياليهم دون ان يناموا، ويتساءلون بقلق من هو المدين الذي سوف يزجون به في السجن، ومن الذي سوف يحررونه امام المحكمة، وعلى بيت اي رجل ينقضون بحجة انه مثقل بالدين وغارق في الهموم، او من يعرونه من الثوب الضروري، فلا تقضين معهم وقتاً مليئاً بالبؤس واللعنة، ولا تنشطن بكلماتكن كما بالهواء شعلة محبة المال. لكن في فكر يستلهم محبة الله، وبشجاعة اسمعتهم كلمات حكيمة واطفئنَ فيهم الرغبة في التعلق بوفرة الاموال وحدها. المرأة واصلاح الاسرة:- ينبسط القديس في الحديث مصوراً ناحية اجتماعية من نواحي عصره نجد لها مثيلاً في ظروف اخرى متعددة، فيقول مبيّناً حوار الزوجة الفاضلة الليقة لنقل كل واحدة منكن لزوجها: ( قد اعطانا الله بركة كافية لنا ونحن نتمتّع بالسلام والسعادة من فوق، ومن كل ناحية تتدفق علينا الاموال. واننا نفرح فعلاً بأعمالك التي باركها معطي الخيرات بإضافته خيراته ذاتها، ومتى رأيتنَّ انه سره هذا الضرب من الحديث واستعذبه واظهر نفسه جوّاداً وتخلى عن تشدده وقسوته فزيدي بعد ذلك: (يا صديق اظهر إذاً مشاعر المحبة للبؤساء، لا تطالب بهذه الدقة سداد الديون، اقبل جزءاً، واخر دفع الباقي قليلاً او حتى اتركه، اذا كانوا بؤساء للغاية. نحن في السرور مقيمون، اما هم ففي الدموع، نحن نشبع ونتمتّع بالفائض، اما هم فليس لهم سوى الخبز. وربما كانوا يصيبون الخبز بمقدار او لا يبقى بالحاجة من ناحيتي سأحضر في نفس الوقت بعض ما عندي ايضاً مع إظهار كرمك ولن اخبرك بهموم هذه السنة: ( اني اتنازل عن ذلك الثوب الذي كنت مزمعاً ان تصنعه لي او هذه الحلي الذهبية او هذا المبلغ لتلك الزينة الاخرى، لن تشتري لي شيئاً مطلقاً، ان الملابس الداخلية تكفيني، ان الرحمة نحو الفقراء تكون لي ثوباً مشرفاً جداً اكثر كثيراً من كل الثياب الغالية. حسبي ذلك الجمال الداخلي الذي لا يذبل وما برح مقبولاً لدى الله، ليس ذلك الخارجي الذي يذبل ويسقط مثل الزهرة. بذلك اكون لأولادي كنزاً ثميناً لا يستطيع احد ان يأخذه) فحينما يسمعك زوجك تتحاجين هكذا، فإنه حتى إذا كان مثل الحيوان المتوحش فإنه خليق ان يغيّر نزعاته ويحسن لمدينيه. لانه لا يوجد إنسان يستطيع هكذا ان يقنع الرجال مثل النساء الشريفات الطاهرات لذلك فإذا كنتنَّ لا تفعلن الخير حينما يكون في استطاعتكنَّ ان تفعلنه، فاسمعن الكتاب المقدس الذي يحسب لكن هذه الخطية: ( فمن يعرف ان يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له) (يع4: 17). كذلك حينما ترون ازواجكن يدفعونكنَّ نحو الملذات ونحو الطرق المسلوكة التي تؤدي الى الانغماس في الملذات الى (دفنيه)، ونحو الحياة الرخوة. فاجعلنَ نصب اعينكنَّ مجد والدة الاله وكتاب التعاليم المقدسة، وبعد تستخلصي منه روحاً طاهراً، اجعلنه يسكن فيكن. ادفعنَ ازواجكنَّ نحو الخير واعطين لهم درساً قائلات: ( لنكرم حياتنا، يا زوجي، بالنزاهة والطهارة، وبحياة بيتنا وبالسلوك الطاهر نصنع من الزواج سراً، ومن الفراش موضعاً طاهراً، لا تكن مسائل العلاقة الجسدية موضوعاً للبحث عن الرغبات الشريرة، بل مسكناً لا ينطق به معطي من الله من اجل انجاب الاولاد) بهذه الكلمات تضعن حدّاً لتصرفات ازواجكن العنيفة البعيدة عن الفهم، فضلاً عن ذلك فإن الملائكة سوف يتهللون من اجلكنَّ ويفرحون بخصوصكنَّ وكذلك العذراء القديسة الطوباوية وكل جمع القديسين، وسوف يكلمكنَّ المسيح بطريقة غير منظورة، وهو الذي يحارب من اجل الفضيلة، الذي كان من المرأة وليس بالمرأة، الذي بالمرأة وضع فيكنَّ هذا الثبات وهذه الشجاعة اما فيما يختص بتربية الاولاد، لا تتخاذلنَ إرضاء لأزواجكنَّ حينما يصحبونكم الى التمثيليات والى ما يفسد. اجتهدن ان تقدمنهم الى الكنيسة. قاومن اللهو الضار الذي لا يليق بخصال القديسين المتألقة، مما يؤثر فيهم، وتعجلنهم بطريقة حازمة في نفس الوقت: ( لا يستطيع من ينصرف الى التمثيليات وامثالها خارج الناموس ان يحتفل بأعياد الله كما يجب). فإذا كانوا يتربون في هذه التقاليد وهذه العادات فحينما يكبرون ويبلغون سن النضوج ليس من ناحية العمر فحسب، لكن ايضاً من حيث الفضيلة، يتمثلون بالقائل: ( دعوا الاولاد يأتون اليَّ ولا تمنعوهم لان لمثل هؤلاء ملكوت السموات) (مت19: 14). فإنهم يصيرون لكن في شيخوختكنَّ سنداً وتعزية في كل ضيق، لانهم على بيّنة من الاقوال الاخرى: ( اكرم اباك وامك كما اوصاك الرب الهك لكي تطول ايامك ولكي يكون لك خير على الارض التي يعطيك الرب الهك) (تث5: 16). ماذا اوحي الحديث عن الميلاد الى القديس ساويرس؟:- ترى اني لم اقل باطلاً في مستهل هذا المقال، اننا لو اتخذنا حبة صغيرة من منجم الحكمة ثم عملنا في الفكر، لكونا منها موضوعاً كبيراً، وها نحن بعد ان توسعنا كثيراً لم نجد نقطة واحدة من هذه الكلمات او من هذه المعاني كما يقول ايوب: (ها هذه اطراف طوقه وما اخفض الكلام الذي نسمعه منه. واما رعد جبروته فمن يفهم) (اي26: 14) تريدون إذاً ان نجعل هذا الحديث ممتازاً اكثر وان نطعمه بمختلف الآراء العميقة كما نطعم بالأحجار الكريمة ان النهار يتركنا ضرورة ونحن يجب ان نضبط طول المقال حسب الوقت، لأننا ملزمون ان نعترف بالزمن في كل شيء. ومع ذلك فلكي لا تترك هذا الموضوع خالياً من كل زينة، فسوف تزينه بحل لمسألة واحدة بما ان العذراء والدة الاله هي بعائلتها من نسل سبط يهوذا وداود، فكيف كان جبرائيل الملاك يقول لها: ( وهوذا اليصابات نسيبتك هي ايضاً حبلى) (لو1: 36). وهذه الاخيرة كانت زوجة زكريا الكاهن الذي ينتمي الى سبط معين زوجة له من سبط آخر، لأن الرب يقول على لسان موسى في سفر العدد. نسب العذراء:- (فلا يتحول نصيب لبني اسرائيل من سبط الى سبط بل يلازم بنو اسرائيل كل واحد نصيب سبط ابائه. وكل بنت ورثت نصيبا من اسباط بني اسرائيل تكون امراة لواحد من عشيرة سبط ابيها لكي يرث بنو اسرائيل كل واحد نصيب ابائه. فلا يتحول نصيب من سبط الى سبط اخر بل يلازم اسباط بني اسرائيل كل واحد نصيبه) (عد36: 7-9) ولهذا السبب حينما كتبت سلسلة نسب يوسف ادرجت الانساب حسب الرجال وليس حسب النساء، ولا بد ان نسب القديسة مريم العذراء قد تبين في نفس الوقت، فهي ننتمي بحسب الناموس لنفس السبط الذي ينتمي اليه خطيبها. كيف اذا تكون القديسة العذراء نسيبة اليصابات؟زعم البعض ان ذلك لأنهما كانتا اسرائيليتان وكانتا اصلاً من نفس الشعب، لذلك دعاهما الملاك جبرائيل نسيبتين. وإنما نسمي القريب الذي ينتمي الى نفس الشعب نسيباً. وذلك استناداً الى قول بولس الرسول في الرسالة الى اهل رومية، لما كان على وشك الكلام عن الذين آمنوا بين الامم الاخرى وايضاً بين اليهود، فإنه يسمى اليهود انسباء قائلاً: (فإني كنت اود لو اكون انا نفسي محروماً من المسيح لأجل اخوتي انسبائي حسب الجسد الذين هم اسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد) (رو9: 2-4) بيد اننا لا نجد في اي مكان شيئاً مماثلاً بخصوص اليصابات ومريم، ولما كانت نساء كثيرات ينتمين الى نفس الشعب، فلم يقل الملاك هذه الكلمة العذراء مجرد علامة: ( هوذا اليصابات نسيبتك). فإنه نظراً لانه كان خادم الاعلانات الالهية والاوامر الروحانية، لم ينطق بهذه الكلمة بصفة عامة. وكما كان الملاك الذي ظهر ليوسف في الحلم يقول له: ( يا يوسف ابن داود) (مت1: 20). لكي يذكره بالوعد الذي وعد الله به ان يكون المسيح من نسل داود، هكذا الحال ايضاً مضا، فعبارة ( هوذا اليصابات نسيبتك) هنا مملوءة بسر يليق بالله. وحسب رأيي إن هذا لم يفت العذراء ايضاً لأنها كانت مملوءة من الروح القدس لذلك جرت في الحال خاضعة بفرح الى اليصابات. المسيح الملك والكاهن الاعظم:- حيث ان المسيح ملك الملوك (المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الارباب) (1تي6: 15). هو الله ورب الكون، وحيث انه علاوة على ذلك كان مدعواً كاهناً اعظم بعد التأنس، اذا انه قدم ذاته ذبيحة وقربانأ لكي يطهر خطية العالم، ولأنه هو نفسه يؤدي عنا اعترافنا نحوه ونحو الآب: يقول بولس الرسول: (من ثم ايها الاخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية لاحظوا رسول اعترافنا ورئيس كهنته المسيح يسوع) (عب3: 1). فذلك كان قرار السماء ان يكون اجتماع بين سبط يهوذا الملكي وسبط لاوي الكهنوتي، حتى يكون المسيح، الملك والكاهن الاعظم، من نسل هذين السبطين بعائلته في الجسد. وفي الخروج: (واخذ هرون اليشابع بنت عميناداب اخت نحشون زوجة له فولدت له ناداب وابيهو والعازار وايثامار) (خر6: 23). قبل ان تخرج الوصية التي تنهي عن اتخاذ زوجة من سبط آخر، اتخذ هارون رئيس الكهنة حسب الناموس زوجة من سبط يهوذا: اليشابع (اليصابات) بنت عميناداب، وكان عميناداب من نسل يهوذا بعائلته. وحتى لا يفكر احد انه عميناداب آخر، فإن الكتاب المقدس يطرح جانب الخطأ فيبين بوضوح قائلاً: (بنت عميناداب اخت نحشون) انظروا تدبير الروح القدس وسمو الحكمة والتدبير كيف جعل إمرأة زكريا، والدة المعمدان، نسيبة مريم والدة الاله، اليصابات، الامر الذي يعود ينبأ الى الوراء حتى اليصابات (اليشابع) تلك التي تزوجها هارون والتي بها حدث اتحاد السبطين، والذي يعلن لنا بوضوح انه باليصابات هذه يكون النسب مع مريم العذراء لا يقل احد ان الامر لدى البابليين قد القى بلبلة بين الشعب اليهودي، حتى انه منذ ذلك الوقت لم يكن هناك تميّز بين الاجناس وكان كل العائدين من بابل يجدون مشقّة كبيرة في جمع اولاد هارون واللاويين الباقين الذين كانوا يهتمون بعادات اجدادهم ولم يشير المؤرخ الى السبط الذي ينتمي اليه العائدون فقط ولكن ايضاً الى البلدان والقرى وقد تكلم لوقا البشير عن زكريا بهذه العبارات التي تبين لنا دفنه: (كان في ايام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة ابيا وامراته من بنات هرون واسمها اليصابات) (لو1: 5) ان ربنا يسوع المسيح الذي قال عن نفسه: ( لانه هكذا يليق بنا ان نكمل كل برّ) (مت3: 15). لم يدع شيئاً مما يختص بالدقة يسقط. لكنه بعد ان لاحظ كل الاشياء، اعتبرها وأتممها، لان المسيح هو بداية ونهاية الناموس والانبياء وهو اله العهد القديم والجديد، واقد اشرق لأجلنا ايضا في الجسد في آخر الايام. له المجد والقدرة مع الآب والروح القدس الى الابد الدهور امين. القديس ساويرس بطريرك أنطاكية
المزيد
17 يناير 2020

التجسد الإلهي

استهل القديس ساويرس المقال بمقدمة طويلة ابدى فيها وهو البطريرك الراسخ والعلامة القديس والعبقري اللامع الذي طبقت شهرته مشارق الارض ومغاربها تهيبه من الخوض من الخوض في الحديث عن جلال الاحداث التي وقعت عند ميلاد المسيح. يقول للشعب المؤمن في ذلك الزمان:- لقد احتفلت مرتين بهذا العيد معكم ولم يكن بياني قاصراً عن ان يمد المؤمنين بالغذاء الروحي بل كانت الكلمة غنية جداً من هذه الناحية. وتتوقعون بمشاعركم التقية كلمات وفيرة متواضعة تتناولونها بالتأمل فيمكنكم تحليلها فيما بينكم لكي ترفعوها الى علو لائق بالله ثم انتقل الى الكلام عن الكيفية التي تأتي بها الثمار. فكما ان الارض الخصبة التي يعني يزرعها تغل بعد البذار سنبلاً مرتفعاً مليئاً هكذا الروح التي ترعاها القيادة الحسنة والمتدربة على الايمان حسب الارثدوكسية. ثم يحث القديس المؤمنين قائلاً إن ثقتي الكبيرة فيَّ ان تحضروا بنفس الحماس بعد ان فتحتم لي قلوبكم وتقبلتم هذه الافكار تقبلاً حسناً. وتتدفق المعاني البينات (لا اخشى بعد) إن ارادة الله تقودني الى الاحتفال بالعيد الحالي للمرة الثالثة لو كان الحديث معاداً تزدرون بهذه الوجبة مثلكم مثل الذين يتناولون اصنافاً من الطعام معدة من اليوم السابق، ولو انتهجت نهجاً جديداً فإني اخشى عندما اغوص الى عمق النظريات ألا اجد نهاية. ومع ذلك فلأن الذي نتطلع اليه في الاحتفال الحاضر هو الغني القدير فلا يجب ان تتواني بل تطلب منه نحن الضعفاء فهماً حياً وكلمة حيّة فهو يعطي الكلمة للذين يبشرّون بسر الديانة الكبير بقوة عظيمة( الرب يعطي كلمة لمبشرات بها جند كثير) (مز68: 11) وبما ان الكلمة لي فسوف أعالج الموضوع الحاضر على نحو ما تضرب الارض الذهبية بالمعول. وبعد ان استخلص اليسير اتناوله بالبحث وافصله تفصيلاً ليكون منه موضوعاً ذهبياً خطيراً هلا تتداولها الالسنة تلك الاحداث التي وقعت عند ميلاد المسيح؟ من الذي يحول دون فيض ينابيع الكلام الغزيرة؟ ان الحديث عنه اجل من كل قول. ولو تركت للساني العنان يسمو نحو ما يتعلق بجوهر الله الكلمة او كنت اطير واحلّق دفعة واحدة بقدرة معبرّاً بالألفاظ عما في خاطري، فأحسبني قد ارتفعت عن الارض بقدر ما يرتفع العصفور الصغير الذي يبدأ في الطيران من عشه منذ اللحظة الاولى. فهو يستطيع ان يطير في استطاعته ان يطير في الاجواء العليا. وهكذا الحال بالنسبة لنا فعلى قدر اقترابنا من العلو نعرف الى أي حد نحن بعيدون عنه. واني إذا جعلت عيني على عمق تنازله وتجسده المملوء محبة للبشر الموقن اني لو جاهدت لأهبط دفعة واحدة بروحي الى عمق ليس له حدود يعتريني الوهن والكلل. كالسابح في بحر او الناظر من اعلى قسم الصخور. ان قسوة البصائر لتقصر عن إدراك العمق المنيع، نعم انها تقصر عن الخوض في مناقشته هذه المسائل. وحينما نذهب الى التأمل في تنازل الله الكلمة فبعد موجات هائلة من الالفاظ والافكار تصل الى ما قاله سليمان الحكيم: ( كل هذا امتحنته بالحكمة قلت اكون حكيماً. اما هي فبعيدة عنّي. بعيد ما كان بعيداً والعميق العميق من يجده) (جامعة7: 23- 24) اجل من ذا الذي يستطيع بذهنه ان يجمع بين وجهتي النظر القائمتين دفعة واحدة فيجمع بين الارتفاع والعمق؟ ان الكتاب الالهي يقول عنه انه ( فوق كل رئاسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل ايضاً) (1اف1: 21)هو الكائن قبل كل الاشياء الذي به يوجد الكل، وهو الذي نزل الى العالم. ظهور الله الابدي:- نزل الى اماكن الدنيا، في الارض باتحاد إقنومه بجسدنا ونفسنا العاقلة من لا ينبض قلبه او لا يأخذه العجب، في رجفة متعجباً وفي صمت يعطي مجداً وهو غير محتاج، انه غني وكامل، تنازل من اجل خلاصنا فتجسد واحتمل في جسده الالام التي قبلها لأجلنا حتى الصليب يا للعجب! إن من يملك وحده الابدية. النور المشّع، شمس البر، بيننا نحن الذين بخطيئتنا جلبنا العار على جبلتنا الاولى الالهية، فسقطنا من مسكننا الاول، اعني الفردوس المفروش في الشرق، ونُفينا الى الغرب فأصبحنا بعيدين تماماً عن النور الالهي، بسببنا ظهر في المشرق بعد ان اشترك بطريقة عجيبة في كياننا- اشترك في بذار ابراهيم، ونما حسب الجسد من اصل يسّى وداود وهكذا ظهر للذين كانوا جالسين في ظلمات الجهل وظل الموت. النبوات عن الظهور:- بشّر ارميا النبي قبل الوقت بهذا الظهور العجيب الذي يليق جداً بالله قائلاً: (ها ايام تاتي يقول الرب واقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويجري حقا وعدلا في الارض. في ايامه يخلص يهوذا ويسكن اسرائيل امنا وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا) (ار23: 5-6) ان هذه النبوّة تختص بلا نزاع بالمسيح، هذا ما يقوله كل المشتغلين بالكتاب المقدس، حتى ولو جزئياً. لانه بعد داود لم يملك اي ملك صديق، نظراً لان كل الذين خلفوا داود كانوا مذنبين، باستثناء حزقيا ويوشيا، وهما اللذان تنبّأ بعدهما ارميا بهذه النبوة. فقبل الكلمات التي ذكرناها، كان يقول عن يكنيا (كيناهو) الذي ملكاً بعد وفاة يوشيا ومن جهة اخرى فإنه من المؤكد تماماً ان كلمات النبوة تنحدر الى الزمن التالي والزمن المستقبل. ومع ذلك فإن الاسم ( غصن بر) لن يُعطى بجدارة لأي احد آخر من الذين تملكوا سوى المسيح، فهو شمس البر الذي جعل اشعة معرفة الله تضيئ لنا، كما مارس ايضاً العدل والحق على الارض حينما بسط على كل الارض نواميسه ذات العدالة العليا المطلقة، وفي ايامه ايضاً خلص يهوذا وسكن يعقوب في امان في الواقع ان فترة انقسام الشعب الى قسمين اسرائيل ويهوذا منذ زمن الملك سليمان ما تزال حتى النهاية، فهناك مملكتان منفصلتان. لكن بصفة عامة كل الذين كانوا منفصلين قد خضعوا واطاعوا على حد سواء بشارة المسيح وملكوته واخذوا نيراً واحداً وعلى اي حال فإنه بسبب يهوذا ترجمته ( المعترف) وبسبب اسرائيل الذي ترجمته ( العقل الذي رأى الله) يطلق يهوذا الذي خلص على اولئك الذين في الوقت الحالي قد اقتربوا من الانجيل وهم في منزلة المعترفين، وندعو اسرائيل الساكن في امان على اولئك الذين آمنوا وجاوزوا مرحلة التأمل، فهم بذلك يعرفون الله او يرونه. وعم ثابتون بالمعرفة آمنين وكأنهم يسكنون ويستريحون فيما عرفوه وهذان الفريقان يؤلفان جسد الكنيسة الوحيد، وهما موضوعان تحت سلطان المسيح وحده الذي يعلن عنه ارميا النبي ايضاً بجدارة انه يدعى يهو صادق وهو ما معناه في الترجمة اليونانية ( بر الله) والمسيح هو بر الله الآب وهو ايضاً الحكمة والقدرة. إسمع بولس الرسول الذي يكتب لأهل كورنثوس: ( ومنه انتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبرّاً وقداسة وفداء) (1كو1: 30) حينما تنبّأ ارميا بهذه النبوة عن يسوع قائلاً: ( سوف يدعى يهو صادق) ( بر الله) عُرف بدقة تامة وبوضوح تام من هو الذي يتنبأ عنه من بين كلماته وكأنه يرى بعينيه ذاتهما ايضاً، فاستنار بظهور ذاك الذي كان حينئذ آنياً وهو الذي نراه الان وهكذا في فرحة صرخ قائلا: ( انه في الانبياء) وهو يشير اليه كما بالاصبع قائلا: ( انه هو الذي كان في الانبياء والذي اوحى اليهم والذي جعلهم بطرق مختلفة يعلنون هذه النبوات المتعلقة بشخصه ذاته بخصوص ذلك الظهور، ظهور الله الكلمة الذي تأنس لأجلنا، يقول زكريا النبي ايضاً بطريقة إلهية تماماً: (وكلمه قائلا هكذا قال رب الجنود قائلا هوذا الرجل الغصن اسمه ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب) (زك6: 12) يا لعظمة دقة النبوة من الذي لا يسبّح ذلك الذي نطق بوضوح بهذه الكلمات قبل سنتين عديدة بواسطة خدامه ذاته الذي في آخر الايام حقق الكلمات التي قيلت قبل الوقت؟ ( اسمه شرق) يقول النبي فعلاً انه نور الارب. (وكان النور الحقيقي الذي ينير كل انسان اتيا الى العالم) (يو1: 9). لذلك دُعي باسم لائق. فإن من خواص النور والشمس ان ينيرا من الأعالي ويسلّطا اشعتهما على الكون لإضاءته واشراكه في الضوء الذي ينبعث منهما. وان شمس البر، النور الذي لا يدني منه، ( الذي وحده له عدم الموت ساكناً في نور لا يدنى منه) (1تي6: 16). اخذ على عاتقه ان يتجسد ويتأنس لأجلنا، اشرق لنا حينما اخذ شكل العبد وتنازل هو نفسه بإرادته قد اشرق لنا. وقد تنازل هكذا متواضعاً جداً واظهر ذاته قليلاً قليلاً وانارنا بكل لاهوته لذلك حينما بشّر زكريا مقدماً بهذا العجب قال (قائلا هوذا الرجل الغصن اسمه ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب) (زك6: 12) وقد شرح داود هذه الفكرة بطريقة اخرى حينما تكلم عن هذا الاشراق الذي يحدث في الدنيا فقال اشرق من المغرب. (في الظلمة). ويصبح هو ايضاً مع يوحنا المعمدان الذين كان يتعيّن عليهم ان يصيروا شهوداً لاشراقه: ( اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة) (مت3: 3)، (مر1: 3)، (لو3: 4)، فيقول داود: (اعدوا طريقاً للراكب في الغفار باسمه واهتفوا امامه) (مز68: 4) في الواقع ولو انه حجب مجده الخاص حسب التدبير الالهي إذ اشرق في الظلمة، إلا انه مع ذلك الرب. لانه حتى حينما صار انسانا لم يتخل عن كونه رب و الاله. وفعلا لو ان المرنم اعلن ان الشمس تشرق في الظلمة، فإنها لن تصير نفسها مظلمة، بل العكس يبين ذلك ان في الغرب ( او في الظلام) كان الضوء المشرق. وبنفس الطريقة إذ كانت حالتنا غاربة وكانت سوداء من جراء الخطية محرومة من العمل الالهي، فقد جعلها كلمة الله مشرقة حينما بارك عبورنا الى هذه الحالة الجديدة حيث صرنا نفيض عدلاً وطهارة ونتزين بالفضائل الاخرى، بتجسده الذي صنعت اعمال النور وكل ما هو خير بين البشر اذا اراد ملك ان يذهب الى مدينة صغيرة غير معروفة وعاجزة تماماً عن احتمال مجيئه، فإنه في الغالب يجعل نفسه صغيراً ويزيل عظمة كبرياء المظاهر والمجد الذي يحيط به لكي يصير محتملاً من هذه المدينة. ولكنه رغم ذلك لا يستطيع إلا ان يدخل كملك متنازلاً بصفة عامة عن مظاهر رتبته. هكذا ايضاً ابن الله، كلمة الاب الغير مدرك، الابدي اراد ان يأتي في صورة بشرية في هذا العالم وهو عنده على حد تعبير احد انبيائه كنقطة يملأه بطريقة إلهية (هوذا الامم كنقطة دلو وكغبار الميزان تحسب هوذا الجزائر يرفعها كدفة) ( اش40: 15). على قدر ما كان ذلك مستطاعاً، فقد تواضع تواضع من مجده الذاتي وجاء الى الاهانة ففي ذلك فعلا اخلى ذاته واصبح هكذا ممكناً الوصول اليه- وبأسلوب لا مثيل له، وبطريقة فائقة خاصة تسمو على كل الطرق الاخرى، دخل الى عالمنا من باب إلهي ملكي، يعني من البتولية، بميلاده في الجسد من الروح القدس ومن العذراء مريم والدة الاله. الخلاص والتجديد:- هذا الميلاد الفائق بدون بذار، الذي به اتى المسيح من سبط يهوذا الذي كانت مريم تنحدر منه بعائلتها، تنبأ عنه يعقوب اول الاباء في بضع كلمات تحوي كل غنى هذا السر قائلاً: (يهوذا شبل، انه من جنسي، يا ابتي، قد صعدت، انه يدعو المسيح شبلاً لانه يملك الرتبة الملكية ويملك المناعة وفي الجسد يأخذ الجنس من سبط يهوذا. وقد اعترف لأجلنا (نحن الذين ليست لنا اية حرية لدى الله) قائلاً: (في ذلك الوقت اجاب يسوع وقال احمدك ايها الاب رب السماء والارض لانك اخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للاطفال. نعم ايها الاب لان هكذا صارت المسرة امامك) (11: 25-26) ان كلمة ( يهوذا)، كما قلنا، معناها ( المعترف). فكان يقول، وهو يتأمل في ذاك الذي اعترف لأجلنا بعينه اللتين تريان المستقبل قبل الوقت بالرغم من بعد المسافة: (انه من جنسي يا ابني قد صعدت)، مطلقاً جنسه ذاته على القديسة العذراء التي منها اتى المسيح ونما بدون بذار اين هم إذاً، عند سماع هذه الكلمات انصار حماقة افتيخوس؟ افلا ينضمّون حتى الى اول البطاركة الذي يقول: انه من جنسي يا ابني قد صعدت؟ لتستهزئ بحمقاتهم وتعترف بأن جسد المسيح المقدس هو من جوهرنا ان مريم فعلاً هي من جنسنا وكذلك يعقوب ابوها الاول، لأننا مكونون من طينة واحدة كما يقول سفر ايوب: (هانذا حسب قولك عوضاً عن الله انا ايضاً من الطين تقرضت) (اي33: 6)الذي خلق وكوّن جاء ليصلح ويخلق من جديد، ليست خليقة اخرى، لكن تلك الخليقة التي كانت قد سقطت وخضعت لفساد الخطية، وذلك بواسطة التجسد الالهي، حينما القى بنفسه مثل خميرة في كل مجموع الجنس البشري، وصار آدم الثاني وخلصنا بقيامته وجعلنا نعبر من الحالة الارضية الزائلة الى الحياة السمائية الغير فاسدة. أفلا تشعرون انكم تحرمون البشر من الخيرات التي من هذا النوع وتجعلونهم غرباء عم هذا التجسد الذي يعين به من سقطوا؟ أتظنون لنه يمكن ان يصيب جسدنا دنس وهو متحد بالله الكلمة؟ إنه لا يوجد سوى شيء واحد يمكن ان يدنس، انه فساد الخطية. الخليقة طاهرة:- واين يكون اثر للخطية، حيث تجسد الله الكلمة بدون استحالة بحيث الام عذراء حتى بعد الولادة، وحيث ينزل الروح القدس، لا تعرف رجلاً والميل الجسدي مرفوض تماماً وغير موجود لماذا تتغاضون عن كل هذه النفخات الطاهرة ذات الرائحة الالهية الزكية وتتصرفون عما هو ذكي يسر شذاء الانفس، فتنحدرون في وحل افكاركم الغير نقية، ولا اقول وحل طبيعتنا، لانه لو كان لحمنا غير طاهر، لما كان يجب ان يكونه منذ البدء ايضاً ذاك الذي صنع كل الاشياء جميلة وجيدة وحسنة جداً. لكن ان كانت هذه الخليقة طاهرة ولم تسبّب لجابلها ضرراً او دنساً، فكيف لا يكون التشكيل الثاني اطهر؟ وكيف لا يكون، مع عظم الفارق، هذا التشكيل الذي به اراد الخالق تعالى ان يظهر نفسه في الجسد لائقاً بالله اكثر؟ لكن احذروا من ان تلقوا بنا بهذا الاسلوب في روايات المنيكيين الخرافية، فإن من حسب الجسد خارج السر غير طاهر، فقد تصور ان له ايضاً خالقاً آخر، كما كانوا يفعلون. انهم في الواقع يستحقون الرثاء لسبب مزدوج فهم يسرقون ويسرقون. اما نحن فإننا نؤمن بأن الذي قال بخصوص خرافه: (السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك. واما انا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم افضل) (يو10: 10). يستطيع كذلك ان يجعلكم تستردون خيراتكم، لأنكم سرقتم وخسرتم، ويجعلكم تحييون، لانكم كنتم فعلاً ضحايا عدم الايمان وقول بولس الرسول من ناحيته يتفق مع كلمة يعقوب: (انه من جنسي يا ابني قد صعدت). فهو يكتب الى اهل غلاطية بهذه العبارات: (ولكن لما جاء ملء الزمان ارسل الله ابنه مولودا من امراة مولودا تحت الناموس. ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني) (غل4: 4-5). القديس ساويرس بطريرك أنطاكية وللحديث بقية
المزيد
16 يناير 2020

هل أنجبت العذراء غير المسيح؟

هناك ثلاثة عبارات جاءت فى العهد الجديد، الإنجيل، دارت حولها بعض الحوارات والاستفسارات وهى: 1 اخوة الرب "اخوته اخوتك اخو الرب". 2 لما كانت مريم أمه مخطوبة قبل ان يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس". 3 "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر". هذه العبارات الثلاثة جعلت البعض يظن ان العذراء قد تزوجت يوسف فعلاً، بعد ميلاد السيد المسيح، وأنجبت منه بنين وبنات!!؟ أولاً: اخوة الرب:- من هم اخوة الرب؟ جاء فى الإنجيل للقديس متى 46:12-50 "وفيما هو يكلم الجموع إذا أمه واخوته قد وقفوا خارجاً طالبين ان يكلموه. فقال له واحد هوذا أمك واخوتك واقفون خارجاً طالبين ان يكلموك فأجاب وقال للقائل له من هى امى ومن هم أخوتى؟ ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها امى واخوتى لأن من يصنع مشيئة ابى الذى فى السموات هو أخى وأختى وأمى"(1). وفى الناصره، موطنه، قالوا عنه "أليس هذ1 ابن النجار. أليست أمهُ تدعى مريم وأخوته يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا. أو ليست إخواته جميعهن عندنا...."(2) وجاء فى الإنجيل للقديس يوحنا 12: 2 "وبعد هذا إنحدر إلى كفر ناحوم هو وأمهُ وأيضاً "فقال له إخوته إنتقل من هنا (الجليل) وأذهب إلى اليهوديه لكى يرى تلاميذك أيضاً أعمالك التى تعمل.. لأن إخوته لم يكونوا يؤمنون به". والآيه الأخيره ترتبد بما جاء فى الإنجيل للقديس مرقس 21: 3 "ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه"وجاء فى أعمال 13: 1،14 "ولما دخلوا صعدوا إلى العليه التى كانوا يقيمون فيها بطرس ويعقوب ويوحنا واندراوس وفيلبس وتوما وبرثولماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا (أخو) يعقوب. هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحده على الصلاه (والطلبه) مع النساء ومع مريم أم يسوع ومع أخوته"ويقول القديس بولس الرسول "ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجه كباقى الرسل وأخوه الرب". ويصف يعقوب أسقف كنيسه أورشليم ب "يعقوب أخاً الرب"(5) فمن هو أخوه الرب هؤلاء المذكورين فى الإنجيل وما هى حقيقه قرابتهم، درجة قرابتهم الجسديه للرب؟ هناك ثلاثه آراء فى هذا الموضوع:- 1- الأول يقول أنهم أبناء طبيعين من زواج فعلى وثمره علاقة زواجيه بين يوسف النجار ومريم العذراء، وقد ولدتهم القديسه مريم بعد ميلادها للسيد المسيح، وكانوا يعيشون معها هى وبناتها فى بيتهم فى الناصره وقد رافقوها فى رحلاتهم. ويعتمد أصحاب هذا الرأى فى تأييد رأيهم هذا على قول الوحى الإلهى أن السيد المسيح دُعى "أبنها البكر"(6) وأيضاً قوله "ولم يعرفها حتى ولدت أبنها البكر"(7). وأول من نادى بهذا الرأى هو ترتليان (145 – 220م) وشرحه بوضوح أكثر كاتب شبه مجهول من القرن الرابع يدعى هلفيديوس Helvidius وهذا الرأى ترفضه جميع الكنائس القديمه والرئيسيه، فيرفضه الأرثوذكس والكاثوليك وغالبيه البرتستانت وعلى رأسهم لوثر وبنجل وبقيه زعماء عصر الاصلاح. 2- والرأى الثانى يقول: أن هؤلاء الأخوه هم أولاد يوسف النجار من زيجه سابقه، أى أنهم أكبر سناً من السيد المسيح (بالجسد). وهذا الرأى متأثر بدرجة قوية بالكتابات الأبوكريفيه التى كانت منتشره فى القرنين الثانى والثالث، مثل إنجيل يعقوب الأولى، وأنتقل هذا الرأى إلى بعض الكتابات القبطيه وأخذ به السريان والكنيسه اليونانيه، وكان يؤيده أوريجانوس ويوسابيوس والقديسين أغريغوريوس النيسى وأمبروسيوس وأبيفانيوس أسقف سلاميس والذى يعد من أكبر المؤيدين لهذا الرأى ولكن هذا الرأى لا توجد شواهد أو أدله كتابيه عليه فى الإنجيل وعند رحله الهروب إلى مصر لم يذكر الكتاب أى شيئ عن أولاد ليوسف وكذلك عند ذهاب يوسف ومريم إلى الهيكل ومعهما السيد المسيح وهو فى سن الثانيه عشر "وقالت له أمه يا أبنى لماذا فعلت بنا هكذا. هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين"(8). 3- والرأى الثالث، مبنى على ما جاء فى الإنجيل، وهو الذى نأخذ به ونؤمن به، وتوضحه الآيات التاليه: أ‌- يقول الوحى الإلهى أن أخوه المسيح هم "يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا"، "أليس هذا ابن النجار اليست أمه تدعى مريم وأخوته يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا"(9). ب- كما يقول أيضاً أن هؤلاء الأخوه الأربعه لهم أم أخرى غير العذراء مريم واسمها مريم أيضاً، "وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه. وبينهن مريم المجدليه ومريم أم يعقوب ويوسى وأم أبنى زبدى"(10). وأم "بانى زبدى"، أى يعقوب ويوحنا، هى سالومه كما يذكر القديس مرقس "مريم المجدليه ومريم أم يعقوب الصغير وسالومه"(11) "وكانت مريم المجدليه ومريم أم يوسى تنظرن اين وُضع"(12) "وبعدما مضى السبت أشترت مريم المجدليه ومريم أم يعقوب وسالومه حنوطاً ليأتين ويدهنه"(13) وكانت مريم المجدليه ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات.."(14). ج – ويذكر الوحى فى الإنجيل أيضاً للعذراء مريم أخت أسمها مريم أيضاً. "وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجه كلوبا"(15). د- وهناك أحد التلاميذ ويعدى "يعقوب بن حلفى"(16)ويرى غالبيه المفسرين إن "كلوبا – Clopas" اليونانى يتطابق مع حلفى (Alphaeus) العبرى، وأن مريم زوجه كلوبا هى أخت مريم العذراء، وهى نفسها مريم أم يعقوب ابن حلفى. ويعترض البعض قائلين أن اخه الرب يذكروا دائماً مميزين عن تلاميذه "هو وأمه واخوته وتلاميذه" وكان الرسل يجتمعون للصلاه بعد الصعود "مع رميم أم يسوع ومع أخوته"، ويميز القديس بولس بينهم وبين بقيه الرسل وأخوه الرب" ولكن هذا لا يغير فى الأمر شئ؟ أولاً: لأن الأربعه المدعوين أنهم أخوه الرب هو "يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا" هم أنفسهم منسوبين لأم أخرى هى "مريم أم يعقوب ويوسى"، "مريم أم يعقوب الصغير"، "مريم أم يعقوب"، "مريم أم يوسى". ثانياً: يؤكد الكتاب على وجود أخت للعذراء تدعى مريم أيضاً "وأخت أمه (المسيح) مريم زوجه كلوبا". وسواء كان كلوبا هو حلفى أو غيره فإن المذكورين أنهم أخوه المسيح مذكورين أيضاً أنهم أبناء مريم أخت أمه، أى أبناء خالته. وهكذا يدعوا بأخوه الرب لأنهم أبناء خالته (بالجسد) أخت أمه، وهكذا دعى يعقوب أسقف أورشليم وأحد الثلاثه المعتبرين أنهم أعمده ب "يعقوب أخا الرب"، لأنه أبن خالته "مريم أم يعقوب" وقد كانت عاده اليهود وما تزال عادات الشرق من القديم وحتى الآن تدعو الأقارب كأبناء الأخوه والعم والعمه وأبناء الخال والخاله، بل والخال، إخوه. فدعا الكتاب ابراهيم ولوط "أخوان"(17) مع أن لوط ابن هاران شقيق ابراهيم، ودعا يعقوب ولابان "اخوان"(18) على الرغم من أن يعقوب أبن أخت لابان. وهكذا دعى أولاد مريم أخت أم المسيح، خالته، بأخوه الرب ويقول بعض أباء الكنيسه كابيفانيوس أسقف سلاميس (315 – 403) "أن كلوبا هو أخ شقيق ليوسف خطيب العذراء مريم"(19). ويقول المؤرخ الكنسى يوسابيوس القيصرى (264-340م) "أن سمعان بن كلوبا، كان أخاً ليوسف"(20)، أى يوسف النجار. ويقول عنه أيضاً سمعان بن كلوبا الذى كان ثانى اسقف على كنيسه أورشليم"(21)، وأيضاً "سمعان كان أحد الذين رأوا الرب وسمعوه بسبب تقدمه فى السن، ولأن الإنجيل تحدث عن مريم زوجه كلوبا الذى كان أباً لسمعان كما سبق أن بينا"(22) وينقل عن هيجسبوس Hegesippus من أباء القرن الثانى قوله: "وبعد أن أستشهد يعقوب البار كما قتل الرب من قبل|، أقيم سمعان بن كلوبا عم الرب ثانى أسقف. وقد رشحه الجميع لكى يقام ثانى أسقف لأنه كان أبن عم الرب"(23) وجاء فى السنكسار أيضاً تحت اليوم التاسع من شهر أبيب أن سمعان الرسول هو ابن كلوبا وأن كلوبا هو أخ شقيق ليوسف البار خطيب مريم العذراء. وهناك حقيقه هامه يجب أن لا تغيب عن بالنا أبداً وهى أن الكنيسه أمنت منذ البدء أن العذراء مريم حبلت وهى عذراء وولدت وهى عذراء وظلت عذراء إلى الأبد. وكان هذا الإيمان بمنى على الواقع الحسى المعاش وأكده لنا تلاميذ الرسل وخلفائهم يقول أغناطيوس الأنطاكى تلميذ القديس بطرس الرسول وأول أسقف لكنيسه أنطاكيه "أن بتوليه مريم وولادتها وكذا موت الرب كان مخفياً عن الشيطان"(24) ويقول ارستيدس الأثينى "أنه (المسيح) وُلد من عذراء قديسه"(25) وذلك فى دفاعه المكتوب سنه 140م ويصفها يوستينوس الشهيد دائماً ب "العذراء" كلقب لها قبل واثناء وبعد الحمل والولاده(26) وقال اريناؤس الذى كان تلميذاً لبوليكاربوس والذى كان بدوره تلميذاً للقديس يوحنا الإنجيلى "الكلمه ذاته وُلد من مريم التى كانت ما تزال عذراء"(27)، أى أنها حبلت وهى عذراء وولدت وظلت عذراء أيضاً ويقول أفرايم السريانى (306-373م) "هذه العذراء أصبحت أماً واحتفظت ببتوليتها"(28) وأيضاً "الأم التى ولدت فى عذراويتها"(29)، أى ظلت عذراء ويصفها القديس أثناسيوس الرسولى ب "العذراء إلى الأبد"(30) ويصف القديس أغريغوريوس النيسى هذه البتوليه بأنها "أقوى من الموت"(31) ويقول ديديموس الضرير "يقول الإنجيلى إن مريم ظلت عذراء حتى ولدت أبنها البكر" لأن مريم، التى طوبت وكرمت فوق الكل، لم تتزوج مطلقاً ولم تصبح أم لآخر (غير المسيح) وبرغم ولادتها فقد ظلت دائماً وإلى الأبد عذراء نقية"(32) ويصفها أبيفانيوس ب "القديسة العذراء دائماً"(33)، بل ويقول مؤكداً وبصوره جازمه "هل جرؤ أحد مهما كان تهذيبه أن ينطق أسم القديسه مريم ولم يخف حالاً "العذراء"؟(34) ويقول القديس جيروم "نؤمن أن العذراء لم تتزوج بعد أن ولدت أبنها البكر، لأننا لا نقرأ ذلك (فى الإنجيل) وأنا أؤمن أن يوسف ذاته بتولاً، بسبب مريم"(35). ثانياً: قبل أن يجتمعا(36):- جاء فى متى 18: 1 أما ولاده يسوع المسيح فكانت هكذا لما كانت مريم أمه مخطوبه ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس. ويتعلل منكرو بتولية العذراء بعبارة "قبل أن يجتمعا" ويقولون أن هذا القول دليل ضمنى على اجتماعهما بعد الولاده ولكن استخدام لفظ "قبل" لا يعنى دائماً أن ما بعدها تغير عن ما قبلها، فلو قلنا مثلاً أن أحد القديسين أنتقل إلى الأمجاد السماوية قبل أن يؤلف كتاباً، فهل يعنى هذا أنه الف الكتاب بعد رحيله عن هذا العالم؟ ولو قلنا مثلاً أن رجلاً ما مات قبل أن يكمل طعامه فهل يعنى ذلك أنه أكمل طعامه بعد الموت؟؟!! كلا.. وإنما المقصود هو أن الحمل بالمسيح تم بدون زرع بشر، بدون أن يجتمع يوسف مع العذراء مريم، إنما هذا الحمل تم بقوة الروح القدس، ولا يمكن أن يكون قصده أنهما اجتمعا بعد الميلاد أو أن كلامه يعنى ضمناً أنهما اجتمعا. فقد اثبتنا فى الفصول السابقه بتولية العذراء بما لا يدع مجالاً للشك كما بينا أيضاً استحالة أن يفكر يوسف أو مريم العذراء فى الإجتماع وأنجاب أولا لأن ما طهره الله لا يدنسه إنسان قال القديس جيروم "لو أن انساناً قال: قبل الغداء فى الميناء أبحرت إلى افريقيا، فهل كلماته هذه لا تكون صحيحه إلا إذا أرغم على الغداء بعد رحيله؟ وأن قلت أن بولس الرسول قيد فى روما قبل أن يذهب إلى أسبانيا أو قلت "أدرك الموت هلفيديوس قبل أن يتوب، فهو يلزم أن يحل بولس من الأسر ويمضى إلى أسبانيا، أو هل ينبغى هلفيديوس أن يتوب بعد موته؟؟ فعندما يقول الإنجيلى "قبل أن يجتمعا" يشير إلى الوقت الذى سبق الزواج مظهراً أن الأمور قد تحققت بسرعة حيث كانت هذه الخطية على وسك أن تصير زوجة. وقبل حدوث ذلك وجدت حبلى من الروح القدس لكن لا يتبع هذا أن يجتمع بمريم بعد الولادة"(37). ثالثاً: ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر:- يتعلل منكرو بتولية العذراء بما جاء فى مت 24: 1،25 "وأخذ (يوسف) أمرأته ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" ويدون أن هذه الآية تشير ضمناً إلى أن العذراء أنجبت أولاد من يوسف بعد ميلاد الرب يسوع المسيح. وهم يركزون على كلمتى "حتى" و "البكر" ويقولون أن كلمة "حتى Till – ews" تعنى أنه عرفها بعد ولاده ابنها البكر، أى أنه لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ثم عرفها بعد ذلك، ولكن استخدام كلمة "حتى" فى الكتاب المقدس لا تعنى أن ما بعدها تغير عن ما قبلها، ولا تعنى فى هذه الآيه أنهما عاشا بطريقة مختلفة عما كاننا عليه من قبل فقد جاء فى تك 7: 8 "وخرج الغراب متردداً حتى نشفت الماء".2 صم 23: 6 "ولم يكن لميكال بنت شاول ولد إلى (حتى) يوم موتها" خر1: 11 "قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى اضع اعلاءك موطناً لقدميك" متى 10: 28 "وها أنا معكم كل الأيام إلى (حتى) انقضاء الدهر" 1كو 25: 15 "لانه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه". مز 2: 123 "عيوننا نحو الرب حتى يترأف علينا" وفى هذه الحالات جميعاً لا يمكن أن تكون كلمة "حتى" تعنى أن ما بعدها تغير عن ما قبلها فليس من المعقول أن يكون الغراب قد عاد إلى الفلك وهو فى الحقيقة لم يعد، وأن يكون لميكال أولاد بعد موتها، وأن لا يجلس الرب عن يمين العظمة بعد أن يضع أعداءه تحت قدميه، وأن لا يكون معنا بعد أنقضاء الدهر، وأن نرفع عيوننا عن الله بعد أن يترأف علينا والعكس صحيح فى كل هذه الحالات، ولم يتغير ما بعد "حتى" عما قبلها قال ذهبى الفم "استخدم هنا كلمة "حتى" لكى لا تشك وتظن أنه عرفها بعد ذلك أنما ليخبرك أن العذراء كانت هكذا قبل الميلاد ولم يمسها رجل قط ربما يقال لماذا استخدم كلمة "حتى" لأن الكتاب أعتاد أن يستعمل هذا التعبير دون الإشاره إلى أزمنة محددة. فبالنسبة للفلك قيل أن الغراب لم يرجع حتى جفت الأرض مع أنه لم يرجع قط.."(38) أما كلمة "البكر"(39) فلا تعنى أن السيد المسيح كان هو الابن البكر ثم ولدت له أخوه أصغر منه، "فالبكر" كما جاءت فى خروج 2: 13 المولود الأول كل ذكر فاتح رحم سواء جاء أولاد بعده، أم لا، المهم أنه كل بكر كل فاتح رحم من الناس والبهائم، أن كلمة بكر بالنسبة لليهودى تعنى تكريس المولود الأول(40). ولا تعنى إطلاقاً سواء كان هناك مواليد بعده، أم لا، سواء أصبح وحيداً بعد ذلك أم جاء بعده أخوة أخرين، المهم أنه المولود الأول لأمه قال القديس جيروم رداً على هلفيديوس منكر بتولية العذراء "كل ابن وحيد هو بكر، ولكن ليس كل بكر هو ابن وحيد. فإن تعبير "بكر" لا يشير إلى شخص له أخوة أصغر منه، وإنما يشير إلى من يسبقه أخ أكبر منه، يقول الرب لهرون: "كل فاتح رحم من كل جسد يقدمونه للرب من الناس والبهائم يكون لك. ولكن بكر الإنسان ينبغى لك أن تقبل فداءه. وبكر البهائم النجسة تقبل فداءه"(41). قول الرب هذا يعرف البكر على كل فاتح رحم لو كان يلزم له أخوه أصاغر لسكان ينبغى أن لا يقدم البكر من الحيوانات الطاهرة للكهنة إلا بعد ولادة اصاغر بعده، وما كنت تدفع فديه الإنسان والحيوان النجس إلا بعد التأكد من أنجاب أصاغر بعده"(42).وكلمة البكر فى اللغة اليونانية (Protwtokos بروتوكس) وفى القبطية (شورب نميس) بمعنى المولود الأول سواء كان هناك مواليد بعده أم لا. وفى الانجليزيه First Born بنفس المعنى قد نصت الوصية على أن يكرس البكر فى اليوم الثامن(43). لأنه البكر فلو كان البكر له أخوة آخرين، لما كان يكرس فى اليوم الثامن، بل لكانوا ينتطرو حتى يولد مواليد آخرون بعد ثم يختن أو لا يختن ومن الواضح بعد ذلك أن الوحى فى قوله ولم يعرفها حتى ولدت أبنها البكر، يعنى أن المسيح ولد من عذراء بقوة الروح القدس وليس من زرع بشر وهناك نقطة هامة فى البحث، فى قوله "لم يعرفها" فالزمن المستخدم هنا حسب اللغة اليونانية يفيد الاستمرار ويوضح استمرار يوسف فى الطاعة وضبط النفس. فالفعل اليونانى المستخدم فى الآيه أصله جينسكو genwsko بمعنى "يعرف، يعلم، يفهم"، والفعل المستخدم هنا هو eginwsken فالزياده "e" والنهاية "en" تبين أن زمن الفعل هو الماضى (المستمر) والذى يعنى أن الفعل استمر مدة طويلة، ومدة متصلة، مما يفيد أن استخدام الكتاب ل "ولم يعرفها" لا يؤثر عليه استخدام كلمة "حتى" لأن الزمن المستخدم يؤكد استمرار عدم معرفة يوسف للعذراء بعد الميلاد. القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن التجسد الإلهى و دوام بتولية العذراء
المزيد
15 يناير 2020

عيد ختان المسيح

في اليوم الثامن بعد ميلاده، خُتِن المسيح بحسب ناموس العهد القديم اليهودي. فلأنّه وُلِد وعاش في بيئة معيّنة، قد حفظ كل قوانينها وعاداتها. ومع ذلك يجب تفسير ختانه ضمن لاهوت إفراغ الذات (Kenosis) الذي ارتضى به لخلاص الجنس البشري بما أنّ الآباء قرّروا التعييد لميلاد المسيح في الخامس والعشرين من كانون الأوّل، فطبيعي أن يُعيَّد للختان، الذي تمّ بعد ثمانية أيام، في الأوّل من كانون الثاني، أي بعد ثمانية أيام من الميلاد. لهذا تظهِر طروبارية هذا اليوم أهمية الختان اللاهوتية: “… إنّك وأنتَ إله بحسب الجوهر قد اتّخَذتَ صورةً بشرية بغير استحالة، وإذا أتممتَ الشريعة تقبّلت باختيارك ختانة جسدية…” فكما أنّه بسبب محبته وتحننه قبل أن يلّف بأقمطة، كذلك قبل المسيح الختان بالجسد. تنظر الكنيسة إلى تذكار هذا التنازل العظيم وإفراغ الذات من قِبَل المسيح كعيد كبير من أعياد السيّد. 1. الختان هو قطع جزء “من طرف العضو الذكري”. هذا يجري لكلّ مولود صبي بحسب وصية الله المُعطاة لإبراهيم في البداية. يرد النص التالي في العهد القديم: “وهذا هوَ عهدي الذي تحفظونَه بَيني وبَينكُم وبَينَ نسلِكَ مِنْ بَعدِكَ: أنْ يُختَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم. فتَختِنونَ الغُلْفةَ مِنْ أبدانِكُم، ويكونُ ذلِكَ علامةَ عَهدٍ بَيني وبَينَكُم. كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم اَبنُ ثمانيةِ أيّامِ تَختِنونَه مدَى أجيالِكُم، ومِنهُمُ المَولودونَ في بُيوتِكُم أوِ المُقتَنونَ بِمالٍ وهُم غُرَباءُ عَنْ نسلِكُم” (تكوين 10:17-12). الوصية نفسها تكرّرت لموسى: “وفي اليومِ الثَّامنِ يُختَنُ المولودُ” (تثنية 3:12). وفي محادثته مع اليهود، ذكّرهم المسيح بأنّ الختان أُعطي بموسى لكنّه كان موجوداً من قبله: “أمَركُم موسى بالخِتانِ، وما كانَ الخِتانُ مِنْ موسى بل مِنَ الآباءِ، فأخَذتُم تَختُنونَ الإنسانَ يومَ السَّبتِ” (يوحنا 22:7) لقد ارتبط الختان بالصلاح والتقوى وإطاعة الناموس، وهو يُشير إلى الإسرائيلي الطاهر، بينما أُشير إلى الإنسان غير الطاهر غير التقي بأنّه غير مختتن. إذاً الخِتان وعدمه هما مفهومان وممارستان متناقضتان، تشير الأولى إلى اليهود والثانية إلى الأمم الوثنيين. إن طقس الختان كان جرحاً مؤلِماً وخاصةً بالطريقة التي كان يجري فيها في تلك الأيام. الوسائل المُستَعمَلة كانت سكيناً وموسى وحجراً حادّاً. استعمال سيفورة لحجر حاد لختان ابنها كما يرد في خروج (25:4) “فأخذَت صَفُّورَةُ اَمرأتُه صَوَّانَةً فختَنَتِ اَبنَها ومسَّت بِها رِجلَي موسى وقالت: «أنتَ الآنَ عريسُ دَمِ لي»” هي حادثة مميزة. معروف أيضاً أنّ يشوع “فصنَعَ يَشوعُ سكاكينَ مِنْ صَوَّانٍ وختَنَ بَني إِسرائيلَ عِندَ جبعَةَ هاعَرلوتَ” (يشوع 3:5) إنّه لجلي بأنّ الختان كان عملاً مؤلِماً يسبب النزف. وإذا فكّرنا بأنه كان يُجرى لمولود جديد يمكننا أن نفهم ألَمَه وأيضاً ألَم أهله الذين أتمّوا الختان ورأوا تمزيق طفلهم. 2. في أي حال، لقد كان للختان محتوى لاهوتي عميق ومعنى جوهري ولم يكن يتمّ لمجرّد التطهير. وبهذا المعنى هو يختلف عن الختان عند الشعوب الأخرى كالمصريين والمسلمين وغيرهم. بعضهم، كالمسلمين، أخذ الختان من العهد القديم وناموس موسى ولكن أعطي له محتوى آخر. يقول القديس أبيفانيوس القبرصي أن الشعوب الأخرى عرفت الختان، كالوثنيين وكهنة المصريين والعرب والإسماعيليين والسامريين واليهود والحميريين، لكنّ أغلبهم لم يختتنوا لناموس الله بل لعادات “غير عاقلة” كلمة الله لإبراهيم التي بها تأسّس الختان أيضاً تُظهِر السبب الأساسي. قال الله: “وهذا هوَ عهدي الذي تحفظونَه بَيني وبَينكُم وبَينَ نسلِكَ مِنْ بَعدِكَ: أنْ يُختَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم” (تكوين 11:17). بكلمات أخرى، إنّه اتفاق بين الله وشعبه الخاص، إنه عهد. هذا الاتفاق يجب أن يُثَبَّت بالدم. نحن نرى هذا أيضاً في العهد الجديد حيث يُثبَّت اتفاق الله مع البشر بدم المسيح الختان كان علامة للتعرّف على أنّ حامله ينتمي إلى شعب الله. بحسب المفسّرين، الختان بحدّ ذاته لم يكن عهداً بل علامة على العهد والاتّفاق. هذه الممارسة خدمت أيضاً لتذكِّر الإسرائيليين بأنّ عليهم أن يثابروا في تقوى أسلافهم فلا يأتوا إلى احتكاك غزلي مع الوثنيين والشعوب الأخرى. بهذه الطريقة تلافوا الزيجات المشتركة وبالطبع تلافوا نتائجها أي التغرّب عن الإيمان المعلَن. يخبرنا القديس أبيفانيوس أنّ الختان اشتغل كَخَتْم على أجسادهم، مذكِّراً لهم وضابطاً إياهم ليبقوا “على إيمان آبائهم”. إذاً الإسرائيليون بعد ختانهم عليهم أن يبقوا في أمّتهم وعلى الإيمان بالإله الحقيقي إلى هذا، الختان كان إشارة مبكرة إلى المعمودية التي سوف تُمنَح في الوقت المناسب من خلال تجسّد ابن الله وكلمته، إذ في الحقيقة المعمودية هي ختان القلب كما سوف نرى لاحقاً. 3. المسيح أيضاً حفظ هذه الممارسة المؤلِمة، مباشرةً بعد ميلاده. يتطرّق الإنجيل بحسب لوقا إلى طقس الختان بكلمات قليلة فيقول: “وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيُخْتَنَ الطِّفْلُ، سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا كَانَ قَدْ سُمِّيَ بِلِسَانِ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ يُحْبَلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ” (لوقا 21:2). من هذا التقديم الضئيل لطقس الختان في حياة المسيح، نرى أنّه مرتبط بشدة بإعطاء الإسم، لأن آنذاك أُعطي له اسم يسوع الذي تفسيره المخلّص. ما يقوله القديس ثيوفيلكتوس مميَّز، بأن هذا الجزء الذي قُطِع بختان المسيح، حفظه هو سالماً واتّخذه مجدداً من بعد قيامته. إلى هذا، ما جرى للمسيح يظهِر أيضاً الطريقة التي بها سوف يتمّ في أجسادنا. إنّ تعليم آباء الكنيسة هو بأنّ أعضاء الجسم البشري التي تأذّت بطرق مختلفة سوف يعيد الله ربطها بالجسم وتغيير شكلها حتّى يدخل الإنسان ملكوتَ الله كاملاً مركباً من النفس والجسد. على الأكيد، في هذه الحالة سوف يكون الجسد روحياً لا لحمياً كما هو اليوم إن طقس الختان الذي جرى في اليوم الثامن مرتبط أيضاً بإعطاء الاسم، وقد ضُمَّ إليه في الفترة المسيحية احتفال “ختم الولد متّخذاً اسماً في اليوم الثامن من بعد ميلاده”. إنّ محور الاحتفال هو صلاة رائعة يقرؤها الكاهن على الولد عند أبواب الكنيسة. القابلة أو أحد الأقارب، وليس الأم التي سوف تأتي إلى الكنيسة في اليوم الأربعين، يحمل الولد ويُقدَّمه. في أي حال، أنّ المسيح، بعد أن صار إنساناً، اختبر ألماً عظيماً خلال طقس الختان، هو حقيقة تُظهِر الاعتبار المفرِط الذي يكنّه الله للجنس البشري. 4. بعد أن رأينا المعنى اللاهوتي الذي اشترعه الله للختان في العهد القديم، وأن المسيح أيضاً خُتِن، علينا أن نشير إلى أسباب ختانة المسيح بالدرجة الأولى، بإتمامه الختان أظهر المسيح أنّه هو بنفسه كان معطي الناموس في العهد القديم، وبالتالي ينبغي احترامه. لم يأتِ المسيح ليبطِل الناموس بل ليحفظه وبالواقع ليرفعه. هذا يعني، المسيح رفع الناموس من دون أن ينتهكه. بهذه الطريقة أظهر أنّه علينا نحن أيضاً أن نحفظ ناموس الله الذي يهدف إلى الخلاص. إذاً، الختان كما أكّدنا، يظهر أيضاً محتوى إفراغ الذات. على الأكيد، يكمن إفراغ الذات، عند ابن الله وكلمته، في التجسّد، أي في حقيقة أنّ الإله غير المخلوق اتّخذ طبيعة بشرية مخلوقة. لكنّ هذا الإفراغ وهذا التنازل الهائل يظهران أيضاً في الختان لأنّه قبِل هذه التجربة الصعبة بأكملها علاوة على ذلك، قبِل المسيح الختان لكي يظهِر أنّه اتّخذ طبيعة بشرية حقيقية. هذا مهمّ جداً، إذ في كنيسة القرون الأولى ظهرت هرطقة الدوسيتيين التي قالت بأنّ المسيح لم يتّخّذ الطبيعة البشرية الحقيقية وجسداً بشرياً حقيقياً، بل أنّ جسده كان جسداً ظاهرياً خيالياً. هذا قاد إلى الاستنتاج بأنّ المسيح لم يُصلَب على الصليب إذ لم يكن له جسم حقيقي. لكنّ هذه النظرة لا تخلّص الإنسان. كيف يخلُص الإنسان إن لم يتّخذ الربّ الطبيعة البشرية؟ لهذا، كما يقول القديس أبيفانيوس، المسيح خُتِن لكي يظهر أنّه “بالحقيقة اتّخذ جسداً”. هذا القول مرتبط أيضاً بحقيقة أن ختان المسيح اثبت أن الجسد الذي اتّخذه لم يشترك في نفس جوهر الألوهة. في المسيح اتّحد غير المخلوق بالمخلوق. الجسد، بما أنّه تألّه بألوهة الكلمة، صار إلهاً على نحو متطابق، لكنّه ليس من جوهر الله. هذا يعني أنّ المسيح هو أيضاً مصدر نعمة الله غير المخلوقة، لكنّه ليس من نفس جوهر الألوهة. خُتِن المسيح ليعلّم الناس أنّ الختان، الذي أعطاه هو لليهود، خدم البشرية وهيأ الأرضيّة التي هيّأها لحضوره. لم يكن الطقس عقيماً. بالختان بقي اليهود مخلصين لناموس الله وانتظروا المسيح. وأخيراً، لم يظهر فقط أن الختان كان يهيء الجنس البشري لحضور المسيح، بل ايضاً هو مثال، تصوير مسبُق للختان الذي لم تقم به أيادٍ بشرية، أي المعمودية المقدّسة. بحسب القديس يوحنا الدمشقي، الختان كان صورة للمعمودية. وتماماً كما أن الختان يقطع من الجسد جزء لا نفع فيه، كذلك في المعمودية المقدسة نحن نعزل الخطيئة التي ليست حالة طبيعية بل براز. عندما نتحدّث عن الخطيئة التي نعزلها، نحن نعني الشهوة، وبالطبع ليس الشهوة النافعة الضرورية بل الرغبة التي لا نفع فيها واللذة. المعمودية هي ختان لا يتمّ بالأيدي البشرية، ولا هو يعزل المرء من أمّته، بل هو يفصل بين المؤمن وغير المؤمن الذي يعيش في الأمّة نفسها. 5. بعد العنصرة، انشغلت الكنيسة كثيراً بسؤال ما إذا كان ينبغي ختان المهتدين إلى الإيمان المسيحي. أرضية هذا السؤال كانت أنه ينبغي بالوثنيين الآتين إلى الإيمان المسيحي أن يحفظوا ناموس العهد القديم بما فيه الختان، بما أنّ العهد القديم سبق الجديد. للتعامل مع هذا الموضوع، انعقد المجمع المسكوني الأول المسمّى الرسولي، وقرّر في هذا الأمر كما هو مدوّن في الإصحاح الخامس عشر من أعمال الرسل. نشأت المشكلة عندما كان المسيحيون اليهود “يُعَلِّمونَ الإخوةَ، فيَقولونَ: «لا خَلاصَ لكُم إلاَّ إذا اَختَتَنتُم على شريعةِ موسى” (أعمال 1:15). بالواقع، لقد كان هناك نزاع والكثير من المناقشات، كما يرد، وبعض الذين أتوا من طائفة الفريسيين أصرّوا على أن يختتن المهتدون ويحفظوا ناموس موسى (أعمال 5:15) تكلّم في المجمع الرسولي كلٌ من الرسل بطرس وبرنابا وبولس ويعقوب أخو الرب. قرار المجمع كان بأن الذين يأتون إلى الإيمان المسيحي من الأمم يجب ألاّ يختتنوا، بل عليهم أن يحفظوا أنفسهم أنقياء، ممسكين عن تقدمات الأوثان والدم والمخنوق والفجور الجنسي. يقول القرار الذي نُقل لاحقاً برسالة إلى المسيحيين: “فالرُّوحُ القُدُسُ ونَحنُ رأينا أنْ لا نُحَمِّلَكُم مِنَ الأثقالِ إلاَّ ما لا بدَ مِنهُ، وهوَ 29أنْ تَمتَنِعوا عَنْ ذَبائِحِ الأصنامِ، وعَنِ الدَّمِ والحيوانِ المخنوقِ والزِّنى. فإذا صُنتُم أنفُسَكُم مِنها، فحَسَنًا تَفعَلونَ. والله مَعكُم” (أعمال 28:15-29) حجّة هذا القرار كانت أنّه لا غنى عن الختان كونه صورة ومثال للمعمودية المقدّسة ومهيِئ للشعب لحضور المسيح. شروط ناموس العهد القديم التي كانت مرتبطة بالجهاد من أجل طهارة الجسد والنفس من الخطيئة، وخاصةً عندما كان الأمر يتعلّق بحرية الإنسان الشخصية، يجب الحفاظ عليها. أمّا الختان الذي لا علاقة له بالامتناع عن الخطيئة وطهارة النفس، يمكن الإعفاء منه لأنّه استُبدِل كلياً وأُكمِل وتُمِّم بسرّ المعمودية. 6. تولّى الرسول بولس إظهار قرار مجمع الرسل ولاهوته للأمم، في تعليم من ضمن هذا الإطار. علينا أن ننظر إلى بعض النقاط في هذا التعليم حول هذا الموضوع في مجابهة وضع المسيحيين اليهود الذين طالبوا المسيحيين من الأمم بأن يختتنوا، قال أنّهم يقومون بذلك لكي يمدحهم اليهود الآخرون فلا يُضطَهَدوا من أجل صليب المسيح، أي من أجل إيمانهم بالمسيح المصلوب والقائم من الموت (غلاطية 12:6-13). في أي حال، يوضح الرسول أنّه يفتخر بصليب المسيح الذي به وُجِدَت خليقة جديدة. “فلا الخِتانُ ولا عدَمُهُ يَنفَعُ الإنسانَ، بَلِ الذي يَنفَعُهُ أنْ يكونَ خَليقَةً جَديدَةً” (غلاطية 15:6) إلى جانب هذا، الختان لا قيمة له بحد ذاته، إلاّ إذا ارتبط بالإيمان وحفظ وصايا الله. بقدرة مذهلة على التفسير يشدد الرسول بولس على أنّ هذا الختان عديم النفع لأيٍ كان ما لم يتمّم الناموس. بطريقة مماثلة، الشخص غير المختتن إذا حفظ متطلبات الناموس سوف يُنظَر إليه وكأنه قد اختتن (روما 25:2-26). يشير الرسول أيضاً على الذين يأتون من الختان لكنّهم موسومون بأهواء كثيرة فيقول بشكل مميز “فهُناكَ كثيرٌ مِنَ المُتَمَرِّدينَ الذينَ يَخدَعونَ الناسَ بِالكلامِ الباطِلِ، وخُصوصًا بَينَ الذينَ هُم مِنَ الختان” (تيطس 10:1). فالرسول على عكس الذين يتفاخرون بختانهم يتفاخر بصليب المسيح، وبالحقيقة بعلامات المسيح التي يحملها في جسده: “لأنِّي أحمِلُ في جَسَدي سِماتِ يَسوعَ” (غلاطية 17:6). 7. إن الإصحاح الثاني من غلاطية هو أحد المقاطع الأساسية التي فيها تُحلّل الحقيقة اللاهوتية لنعمة الله بالارتباط بأعمال الناموس، وللختان فيها موقع غالب. سوف نقوم بتحليل أوسع لكي نرى فكر الرسول بولس في موضوع الختان. يقدّم الرسول بولس تحليلاً لاهوتياً للموضوع في إشارته إلى حادثة مع الرسول بطرس الذي أُسيء فهمه لأنّه حاول أن يتصرّف بلباقة ولا يصدم لا المختتنين ولا المهتدين. يقول أولاً أن الله عمل فيه ليحمل البشارة إلى الأمم، والإله نفسه عمل في الرسول بطرس ليحمل البشارة إلى المختتنين. فهو يكتب: “بَل رأَوا أنَّ الله عَهِدَ إليَ في تَبشيرِ غَيرِ اليَهودِ كما عَهِدَ إلى بُطرُسَ في تَبشيرِ اليَهودِ، لأنَّ الذي جعَلَ بُطرُسَ رَسولاً لِليَهودِ، جعَلَني أنا رَسولاً لِغَيرِ اليَهودِ” (غلاطية 7:2-8) وهو يستنتج بعد عرض الحادثة بينه هو والرسول بطرس في أنطاكية: “نَحنُ يَهودٌ بالوِلادَةِ لا مِنَ الأُمَمِ الخاطِئينَ كما يُقالُ لهُم. ولكنَّنا نَعرِفُ أنَّ الله لا يُبرِّرُ الإنسانَ لأنَّهُ يَعمَلُ بأحكامِ الشَّريعَةِ، بَل لأنَّهُ يُؤمِنُ بيَسوعَ المَسيحِ. ولذلِكَ آمَنا بِالمَسيحِ يَسوعَ ليُبرِّرَنا الإيمانُ بِالمَسيحِ، لا العَمَلُ بأحكامِ الشَّريعَةِ. فالإنسانُ لا يتَبَرَّرُ لِعمَلِهِ بأحكامِ الشَّريعَةِ.” (غلاطية 15:2-16)الناموس وأعمال الناموس لا يساهمون في تبرير الإنسان. التبرير في مجمَل فكر الرسول بولس وحياة الكنيسة مرتبط بتجدد الإنسان، استنارة النوس، والتألّه. وهكذا، ليست القضية قضية تبرير بشري عاطفي، بل قضية تألّه. بهذا المعنى يستعمل الرسول عبارة “التبرير” ويظهر معناها مما يتابعه “معَ المَسيحِ صُلِبتُ، فما أنا أحيا بَعدُ، بَل المَسيحُ يَحيا فـيَّ.” (غلاطية 20:2) الناموس وأعمال الناموس، كالختان مثلاً، لا يؤلّهون الإنسان كون التألّه يحصل فقط بالمسيح. إن خلاص الإنسان وتألّهه يتمّان عِبر تجسّد المسيح. إلى هذا، كل الشريعة وأعمال الناموس في العهد القديم أُعطيَت بعد سقوط الإنسان، ليتهيأ البشر لتجسّد كلمة الله. لهذا، الناموس هو إرادة الله اللاحقة وليس الأولى. لا يتمّ التألّه خلال الحفظ الخارجي بناموس الله، بل من خلال الشركة مع شخص، هو شخص المسيح الإله الإنسان. لو كان بإمكان الناموس أن يخلّص لما كان هناك حاجة للتجسّد نحن نقول هذه الأمور لا لكي نضع الناموس جانباً، ونحن لسنا ضد الناموس، لكن ينبغي التشديد على أنّ الناموس وأعماله، كالختان مثلاً، هيأوا الشعب لتجسّد المسيح، وشكّلوا طبّاً لقلب الإنسان طهّره من أهوائه. إذاً، الناموس يعمل بطريقة مُطَهِّرة. في أي حال، مَن بلغ الاستنارة والتمجيد يحتاج أن يكون عنده إيمان بيسوع المسيح أي شركة مع المسيح الإله الإنسان. بناءً عليه يسأل الرسول بولس: ” هَلْ نِلتُم رُوحَ الله لأنَّكُم تَعْمَلونَ بأحكامِ الشَّريعَةِ، أمْ لأَنَّكُم تُؤمنونَ بالبِشارَةِ؟” (غلاطية 3:2) النقطة إذاً هي أن أعمال الناموس لا تخلِّص ولا تؤلّه لكنّها تهيؤ الإنسان لتقبّل إيمان يسوع المسيح أي أنّه يتّحد مع المسيح ويتقبّله كهدية. وهكذا كلّ مَن تطهّر وحصل على المسيح، كلّ مَن، بنعمة الروح القدس، صار عضواً في جسد المسيح لا حاجة له بالختان. إلى جانب هذا، حصل المسيحيون على الختان غير المصنوع بيد. “وفي المَسيحِ كانَ خِتانُكُم خِتانًا، لا بالأيدي، بَل بِنَزعِ جِسمِ الخَطايا البَشَرِيِّ، وهذا هوَ خِتانُ المَسيحِ. فأنتُم عِندَما تَعَمَّدتُم في المَسيحِ دُفِنتُم معَهُ وقُمتُم معَهُ أيضًا، لأنَّكم آمَنتُم بِقُدرَةِ الله الذي أقامَهُ مِنْ بَينِ الأمواتِ.” وفي مكان آخر يتحدّث الرسول عن ” وإنَّما اليَهوديُّ هوَ اليَهوديُّ في الباطِنِ، والخِتانُ هوَ خِتانُ القَلبِ بالرُّوحِ لا بِحُروفِ الشريعةِ. هذا هوَ الإنسانُ الذي يَنالُ المَديحَ مِنَ الله لا مِنَ البشَرِ” (روما 29:2). 8. يقدّم الآباء القديسون حقائق لاهوتية رائعة في تفسيرهم المقاطع الكتابية حول الختان الروحي الحقيقي، الذي هو المعمودية المسيحية يعلّم القديس أبيفانيوس أن ختان الجسد حضّر الإنسان وخدمه إلى حين المعمودية، التي هي الختان الأعظم، لأنّ من خلالها نحن نتحرّر من الخطايا ونُختَم باسم الله. الختم مع اسم الله هما معرفة أننا ننتمي للمسيح. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أنه إذا كان ختان الجسد فصل اليهود عن الأمم هذا بالأغلب الوضع مع المعمودية المقدسة، لأنّ من خلالها يتميّز المؤمنون عن غيرهم. هنا يظهر أن المدعوين معمّدين هم كلّ الذين اعتمدوا وكل الذين أعادوا إضرام نعمة المعمودية. بحسب تعليم القديس كيرللس الإسكندري، ختان العهد القديم لم يبطِل الموت الذي أبطله ختان العهد الجديد. بالواقع، الشخص الذي يدخل الكنيسة بالمعمودية يصبح عضواً في جسد المسيح القائم. بهذا يبطل الموت الروحي وتتأمّن قيامة الأموات، لأنّ الموت الجسدي يبقى بعد المعمودية بقصد قطع الخطيئة. يعلّم القديس يوحنا الدمشقي أن الاختتان هو التخلّي عن اللذة الجسدية وكل الشهوات غير الضرورية العقيمة. هنا نرى أن المعمودية مرتبطة بالحياة النسكية التي بها يتحرّر الإنسان من سلطة الأهواء. ليست القضية قضية قصاص أو انتقاص للجسد، بل قضية تقليل وتحويل لشهوات النفس. في تعليم القديس مكسيموس المعترِف نرى أن الختان هو اسمٌ لقطع العلاقة الانفعالية بين النفس والجسد. فهما بينهما علاقة ووحدة. والمسألة ليست مسألة هذه الوحدة بل مسألة العلاقة الانفعالية التي تتمّ عِبر الأهواء إن أقوال الآباء تظهِر أن ختان العهد القديم داخلي وروحي، إنّه شركة الإنسان مع الله وجهاد للحفاظ على هذه الشركة. في العهد القديم أعطى الله ناموسه لكي يهيء الشعب لتقبّل المسيح. يقول يوحنا الإنجيلي في مطلع إنجيله “لأنَّ الله بِموسى أعطانا الشريعةَ، وأمَّا بِـيَسوعَ المسيحِ فوَهَبَنا النِّعمَةَ والحقَّ” (17:1). إن الكلمة غير المتجسّد هو الذي أعطى الناموس لموسى لكي يشفي الشعب المتهيء لتقبّل الحق والنعمة اللذين أتيا إلى العالم بتجسّد كلمة الله المسيح. الناموس الموسوي، كما الختان، كان فيهما نعمة لكنها كانت قوة الله المطهِّرة ونعمته، لكنها ليست القوة المنيرة المؤلِّهة. نحن نكتسب ولادة روحية وبنوة حقيقية بالمسيح. يركّز يوحنا الإنجيلي: ” أمَّا الذينَ قَبِلوهُ، المُؤمِنونَ باَسمِهِ، فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أبناءَ الله. وهم الذين ولدوا لا من دم ولا مِنْ رَغبَةِ جسَدٍ ولا مِنْ رَغبَةِ رَجُلٍ، بل مِنَ الله.” (12:1-13) بالختان يصير البشر إسرئيليين، أي شعب الله المختار. بالمعمودية وحياة العائلة بالمسيح يصبح البشر أبناء الله، يبلغون البنوّة بالنعمة ويغلبون الموت. وهكذا، إن ختان المسيح يوحي إلينا بختان القلب. بالحياة الأسرارية والنسكية نصبح اعضاء جسد المسيح ويصبح تنازل المسيح مرتقانا. الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس تعريب الأب أنطوان ملكي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل