المقالات
09 ديسمبر 2019
ضرورة التجسد الإلهيّ
بمناسبة صوم الميلاد، الذي نحتفل فيه بتجسد الكلمة في أحشاء العذراء القديسة مريم، يتساءل البعض: ألم تكن هناك وسيلة أخرى للخلاص؟ غاية التجسد الإلهيّ هو فداء الإنسان. فالله محب البشر دبّر خلاص الإنسان، والخلاص بدون موت أمرٌ ضد طبيعة الله:- الله له السلطان المطلق والقوة المطلقة، فلماذا لم يخلص الإنسان بقوته، بدون التجسد؟!!إن الله يليق به العدل والحق، آدم عندما أخطأ، وخالف الوصية، فعل ذلك بمحض إرادته الحره، فوجود الوصية: «وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلًا: مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا. وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا» (تك2: 16، 17). ووجود عقاب «لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوت»، دليل على الحرية، فحرية الإرادة التي منحها الله للإنسان، تجعل طبيعته قابلة للقداسة، وقابلة أيضًا للخطأ. يقول القديس مقاريوس الكبير: [إنك سيد نفسك، فإذا اخترت أن تهلك فطبيعتك تقبل التغير. وإذا اخترت أن تجدف أو أن تخلط سمومًا لكي تقتل إنسانًا ما، فلن يمنعك أو يعوقك أحد. فإذا أراد الإنسان، يمكنه أن يخضع لله ويسير في طريق البر ويضبط شهواته. فإن عقلنا هذا هو قوة متوازنة وقد أُعطيت له القدرة أن يخضع حركات وشهوات الخطية المخجلة] (عظات القديس مقاريوس15: 23). فكيف لله العادل أن يعاقب الإنسان على أمرٍ كان مجبرًا عليه؟!! فإذا رد اللهُ الإنسانَ، وخلصه بسلطانه وقوته، دون موت، يكون بذلك قد خرج من العدل. - ألم تكن توبة الإنسان كافية للخلاص؟! خطيئة آدم أحدثت فسادًا في الجنس البشريّ، يقول معلمنا القديس بولس الرسول: «وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا» (أف2: 3)، فخطيئة آدم لم تكن خاصة به كشخص، فالبشرية كانت في صلب آدم حينما أخطأ، لذلك «بإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رو5: 12). يقول القديس أثناسيوس الرسولي: [لا تَقْدِر التوبة أن تُغَيِّر طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعه من أعمال الخطيئة. فلو كان تَعِدِّي الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية. أما الآن بعد أن حدث التَعَدِّي، فقد تورّط البشر في ذلك الفساد الذى كان هو طبيعتهم ونُزِعَتْ منهم نعمة مُمَاثَلَة صورة الله. فما هى الخطوة التى يحتاجها الأمر بعد ذلك؟ أو مَن ذا الذي يستطيع أن يُعيد للإنسان تلك النعمة ويَرُدّه إلى حالته الأولى إلاَّ كلمة الله الذي خَلَقَ في البدء ـ كل شئ من العدم؟] (تجسد الكلمة7: 3، 4). لماذا تجسد الكلمة، ولم يترك الإنسان يموت؟ معنى أن الله يترك الإنسان يموت، وفقًا لنتيجة فعله ووجود عقاب هو عدل إلهيّ، ولكن صفات الله لا تتجزّأ، فالله عادل ورحيم في آنٍ واحد. وأيضًا إذا مات الإنسان فكأن الشيطان قد انتصر على الله، الذى خلق خليقة ولم يستطع أن يحميها. فحكم الموت يعني موت الإنسان موتًا أبديًا، وليس فقط موت الجسد. يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: [طالما طال الفساد الخليقة العاقلة، وكانت صنعة الله في طريقها إلى الفناء، فما الذى كان يجب على الله الصالح أن يفعله؟ أيترك الفساد يسيطر على البشر، والموت يسود عليهم؟ وما المنفعة إذًا من خلقتهم منذ البدء؟ لأنه كان أفضل بالحري ألاَّ يُخلقوا بالمرة من أن يُخلقوا وبعد ذلك يُهملوا ويفنوا. فلو أن الله قد أهمل ولم يبالِ بهلاك صنعته، لأظهر إهماله هذا ضعفه وليس صلاحه ... كان يجب إذًا أن لا يُترك البشر لينقادوا للفساد، لأن هذا يُعتبر عملًا غير لائق ويتعارض مع صلاح الله] (تجسد الكلمة6: 7، 8، 10). وان لم يمت الانسان يكون الله رحيمًا بغير عدل...اذ قد تساوى عنده وضع الإنسان وهو مخطئ .. كما ان الله سيكون حينئذ غير صادق لأنه قال للإنسان "موتا تموت"، وحاشا لله ان يكون غير عادل أو غير صادق... فما الحل اذًا والإنسان قد داس الوصية وأصبح مستوجبًا للموت؟ لذلك لكي تتحقق صفتا العدل والرحمة في الله، تجسد وأعدّ فداء الإنسان.
القمص بنيامين المحرقي
المزيد
08 ديسمبر 2019
شَرِيعِة مُدُن الْمَلْجَأ
وَمِنْ هذِهِ التَّدَابِير الرَّائِعَة شَرِيعِة مُدُنْ الْمَلْجَأ الَّتِي نَوِدْ أنْ يَقُودَنَا رُوح الله فِي رِحْلَة هَادِئَة مَعَهَا لِنَتَعَرَّفْ عَلَى أهْدَافْهَا وَمَقَاصِدْهَا وَبَرَكَاتْهَا وَلاَبُدْ أنْ نَأخُذْ فِكْرَة أوَّلاً سَرِيعَة عَنْ هذِهِ الشَّرِيعَة مِنْ خِلاَل الإِطِّلاَع عَلَى هذِهِ الأجْزَاء المُقَدَّسَة( تث 19 ؛ يش 20 ؛ عد 35 ){ مَتَى قَرَضَ الرَّبُّ إِلهُكَ الأُمَمَ الَّذِينَ الرَّبُّ إِلهُكَ يُعْطِيكَ أَرْضَهُمْ وَوَرِثْتَهُمْ وَسَكَنْتَ مُدُنَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ تَفْرِزُ لِنَفْسِكَ ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَمْتَلِكَهَا تُصْلِحُ الطَّرِيقَ وَتُثَلِّثُ تُخُومَ أَرْضِكَ الَّتِي يَقْسِمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فَتَكُونُ لِكَيْ يَهْرُبَ إِلَيْهَا كُلُّ قَاتِلٍ . وَهذَا هُوَ حُكْمُ الْقَاتِلِ الَّذِي يَهْرُبُ إِلَى هُنَاكَ فَيَحْيَا . مَنْ ضَرَبَ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهُوَ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ وَمَنْ ذَهَبَ مَعْ صَاحِبِهِ فِي الْوَعْرِ لِيَحْتَطِبَ حَطَباً فَانْدَفَعَتْ يَدُهُ بِالْفَأْسِ لِيَقْطَعَ الْحَطَبَ وَأَفْلَتَ الْحَدِيدُ مِنَ الْخَشَبِ وَأَصَابَ صَاحِبَهُ فَمَاتَ فَهُوَ يَهْرُبُ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ الْمُدْنِ فَيَحْيَا لِئَلاَّ يَسْعَى وَلِيُّ الدَّمِ وَرَاءَ الْقَاتِلِ حِينَ يَحْمَى قَلْبُهُ وَيُدْرِكَهُ إِذَا طَالَ الطَّرِيقُ وَيَقْتُلَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتِ لأَنَّهُ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ . لأِجْلِ ذلِكَ أَنَا آمُرُكَ قَائِلاً ثَلاَثَ مُدُنٍ تَفْرِزُ لِنَفْسِكَ . وَإِنْ وَسَّعَ الرَّبُّ إِلهُكَ تُخُومَكَ كَمَا حَلَفَ لآِبَائِكَ وَأَعْطَاكَ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي قَالَ إِنَّهُ يُعْطِي لآِبَائِكَ . إِذْ حَفِظْتَ كُلَّ هذِهِ الْوَصَايَا لِتَعْمَلَهَا كَمَا أَنَا أُوصِيكَ الْيَوْمَ لِتُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْلُكَ فِي طُرُقِهِ كُلَّ الأَيَّامِ فَزِدْ لِنَفْسِكَ أَيْضاً ثَلاَثَ مُدْنٍ عَلَى هذِهِ الثَّلاَثَ . حَتَّى لاَ يُسْفَكَ دَمُ بَرِيٍّ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيباً فَيَكُونَ عَلَيْكَ دَمٌ . وَلكِنْ إِذَا كَانَ إِنْسَانٌ مُبْغِضاً لِصَاحِبِهِ فَكَمَنَ لَهُ وَقَامَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً قَاتِلَةً فَمَاتَ ثُمَّ هَرَبَ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ الْمُدُنِ يُرْسِلُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَأْخُذُونَهُ مِنْ هُنَاكَ وَيَدْفَعُونَهُ إِلَى يَدِ وَلِيِّ الدَّمِ فَيَمُوتُ لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ فَتَنْتَزِعَ دَمَ الْبَرِيِّ مِنْ إِسْرَائِيلَ فَيَكُونَ لَكَ خَيْرٌ }( تث 19 : 1 – 13) نَجِدْ أنَّ الله يُدَافِعْ عَنْ الَّذِي يُقْتَل سَهْواً بِغَيْرِ عَمْدٍ أوْ بُغْضَه وَيَأمُر بِإِقَامِة مُدُن مَلْجَأ لِيَحْتَمِي فِيهَا فَأمَرَ الله مُوسَى بِإِقَامِة ثَلاَث مُدُن شَرْق الأُردُن وَأكْمَلَهُمْ يَشُوع بِثَلاَث مُدُن أُخْرَى غَرْب الأُرْدُن لِكَيْ يَحْتَمِي فِيهَا كُلُّ قَاتِل نَفْس سَهْواً وَبِغَيْرِ عَمْدٍ وَيَسْكُنْ فِي تِلْكَ المَدِينَة حَتَّى يَقِفْ أمَام الجَمَاعَة لِلقَضَاء وَلاَ يَخْرُج مِنْهَا إِلاَّ بَمَوْتِ الكَّاهِنْ العَظِيمْ ثُمَّ يَرْجِعْ إِلَى مَدِينَتِهِ وَبَيْتِهِ وَاهْتَمَّ الله أنْ تَكُون المُدُن مُوَزَعَة تَقْرِيباً عَلَى حُدُود مِسَاحِة الأرْض بِحَيْثُ تَكُون فِي وَسَطْ الأسْبَاط وَالطُّرُق المُؤَدِيَة إِلَيْهَا تَكُون مُصْلَحَة وَوَاضِحَة كَلِمَة " مَلْجَأ " تَأتِي مِنْ لَجَأَ وَلَجَأَ إِلَى الشِئ أوْ المَكَان أي إِعْتَصَمَ بِهِ وَلاَذَ بِهِ وَاسْتَنَدَ إِلَيْهِ وَالمَلْجَأ هُوَ المَلاَذْ أوْ المُعْتَصَمْ وَكَانَ تَوْزِيع مُدُن المَلْجَأ يَجْعَل مِنْ القَاتِلْ سَهْواً أنْ يَهْرَب إِلَى إِحْدَاهَا قَبْل أنْ يُدْرِكَهُ وَلِيِّ الدَّم( المُنْتَقِمْ ) وَكَانَ وَلِيِّ الدَّم فِي إِسْرَائِيل قَدِيماً هُوَ أقْرَب الذُّكُور إِلَى القَتِيلْ وَكَانَ مُلْتَزِماً بِأخَذْ الثَّأر لِقَرِيبُه المَقْتُول ( عد 35 : 19) وَمِنْ هُنَا كَانَ ضَرُورَة لِتَدَخُّل إِلهِي لِحِمَايِة القَاتِلْ السَهْو فَسَمَحَ الله وَدَبَّر بِإِقَامِة مُدُن المَلْجَأ وَهُنَا يَجِبْ أنْ نَدْخُلْ فِي عُمْق التَّدْبِير الإِلهِي لِنَعْرِف مَا هُوَ المَعْنَى الرُّوحِي لِمَدِينِة المَلْجَأ ؟
المَفْهُوم الرُّوحِي لِمَدِينِة المَلْجَأ :-
سَفْك الدَّم :-
فِي ( تك 9 : 6 ) نَجِدْ أبْنَاء نُوحٌ تُقَدَّم لَهُمْ وَصَايَا أنَّ مَنْ يَسْفِك دَم إِنْسَان يُسْفَكُ دَمَهُ إِنْتِقَاماً لِلدَّم وَلكِنْ فِي حَالِة سَفْك دَم خَطَأ وَلَيْسَ عَنْ عَمْد أوْ بُغْضَه أمَرَ الله بِإِقَامِة مُدُن مَلْجَأ يَحْتَمِي فِيهَا القَاتِلْ سَهْواً وَأوْصَى الله بِتَحْدِيدْ ثَلاَث مُدُن وَإِذْ كَانَ الشَّعْب إِقْتَرَبَ مِنْ الدُّخُول إِلَى أرْض المَوْعِدْ قَدَّم لَهُمْ تَوْجِيهَات بِإِقَامِة ثَلاَث مُدُن أُخْرَى بَعْدَ عُبُورِهِمْ الأُرْدُن .. { وَإِنْ وَسَّعَ الرَّبُّ إِلهُكَ تُخُومَكَ كَمَا حَلَفَ لآِبَائِكَ وَأَعْطَاكَ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي قَالَ إِنَّهُ يُعْطِي لآِبَائِكَ فَزِدْ لِنَفْسِكَ أَيْضاً ثَلاَثَ مُدْنٍ عَلَى هذِهِ الثَّلاَثِ حَتَّى لاَ يُسْفَكَ دَمُ بَرِيٍّ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ } ( تث 19 : 8 – 10) الله يُرِيدْ أنْ يُوقِفْ تَيَار الدَّم لِذلِك حَدَّدٌ هذِهِ المُدُن وَأسْمَائِهَا وَمَوَاقِعْهَا وَشُرُوطْهَا هُنَا نَجِدْ مَجَالاً وَاسِعاً لِنِعْمَة الله الَّتِي سَمَتْ وَتَسْمُو دَائِماً فَوْقَ ضَعَفَات الإِنْسَان وَسَقَطَاتُه فَالله يَهْتَمْ بِالضُّعَفَاء حَتَّى أنَّهُ يَنْظُر إِلَى قَاتِلْ النَّفْس سَهْواً وَلاَ يَتْرُكَهُ بَلْ يُدَبِّر لَهُ مَلْجَأً يَحْتَمِي فِيهِ لِيَضْمَنْ سَلاَمَتِهِ وَأمْنِهِ .
مُدُن المَلْجَأ ضِمْنَ مُدُن اللاَّوِيِيِّن :-
وَلاَبُدْ أنْ نَعْرِف أنَّهُ حِينَ دَخَلَ الشَّعْب أرْض المِيعَاد تَمَّ تَقْسِيم الأرْض عَلَى الأسْبَاط أمَّا سِبْط لاَوِي فَلَمْ يُعْطِهِ مُوسَى نَصِيباً بِحَسَبْ وَعْد الرَّبَّ لَهُمْ .. { الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ هُوَ نَصِيبُهُمْ كَمَا كَلَّمَهُمْ } ( يش 13 : 33 ) وَبَعْدَ أنْ تَمَّ تَقْسِيمْ الأرَاضِي عَلَى الأسْبَاط أمَرَ الرَّبَّ إِعْطَاء اللاَّوِيِّين مُدُن خَاصَّة بِهِمْ لِيَسْكُنُونَ وَسَطْ الأسْبَاط وَحَدَّدْ لَهُمْ ثَمَانٍ وَأرْبَعُونَ مَدِينَة مَعَ مَسَارِحْهَا" أي المِسَاحَة الَّتِي حَوْلَهَا " ( يش 21 : 41 ) .
وَصْف مُدُن المَلْجَأ :-
{ أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُعْطُوا اللاَّوِيِّينَ مِنْ نَصِيبِ مُلْكِهِمْ مُدُناً لِلسَّكَنِ وَمَسَارِحَ لِلْمُدُنِ حَوَالَيْهَا تُعْطُونَ اللاَّوِيِّينَ فَتَكُونُ الْمُدُنُ لَهُمْ لِلسَّكَنِ وَمَسَارِحُهَا تَكُونُ لِبَهَائِمِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلِسَائِرِ حَيَوَانَاتِهِمْ . وَمَسَارِحُ الْمُدُنِ الَّتِي تُعْطُونَ اللاَّوِيِّينَ تَكُونُ مِنْ سُورِ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الْخَارِجِ ألْفَ ذِرَاعٍ حَوَالَيْهَا فَتَقِيسُونَ مِنْ خَارِجِ الْمَدِينَةِ جَانِبَ الشِّمَالِ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ وَتَكُونُ الْمَدِينَةُ فِي الْوَسْطِ هذِهِ تَكُونُ لَهُمْ مَسَارِحَ الْمُدُنِ } ( عد 35 : 2 – 5 ) كَانَتْ كُلَّ مَدِينَة مِمَّا يُعْطَى لِلاَّوِيِّين تَتَوَسَط الضَّوَاحِي( المَسَارِح ) الَّتِي تُحِيطْ بِهَا مِنْ الجِهَات الأرْبَعْ بِعَرْض ثَلاَثَة آلاَف ذِرَاع مِنْ سُور المَدِينَة إِلَى الخَارِج مِنْ كُلَّ جِهَة الألْف ذِرَاع تُخَصَّص لإِقَامِة مَسَاكِنْ العَبِيدْ وَحَظَائِر المَوَاشِي وَالحَيَوَانَات الأُخْرَى وَمَخَازِنْ لِلغِلاَل وَالثِّمَار وَرُبَّمَا زَرَعُوا بِهَا بَسَاتِين وَكُرُوم وَالألْفَيّ ذِرَاعٍ تُخَصَّص كَمَرَاعٍ لِلمَاشِيَة وَالأغْنَام وَقَدْ دَبَّرَ الله بِحِكْمَتِهِ إِقَامِة القَاتِلْ بَيْنَ الكَهَنَة وَاللاَّوِيِّين وَهُمْ مُعَلِّمُوا الشَّرِيعَة فَيَحْمُونَهُ بِمُوجَبْ القَانُون الإِلهِي وَيَكُونْ أيْضاً تَحْت رِعَايَتِهِمْ الرُّوحِيَّة فَيَفْتَقِدُونَهُ وَيُعَلِّمُونَهُ وَهُنَا يُعْلِنْ الله إِهْتِمَامُه بِخُدَّامُه الَّذِينَ لاَ يَرِثُونَ أرْضاً لكِنَّهُمْ يَسْكُنُون فِي مُدُن مُعَيَّنَة خَصَّص بَعْضٍ مِنْهَا كَمَلْجَأ لِلَّذِينَ يَقْتِلُونَ إِنْسَاناً سَهْواً وَكَأنَّ الله أرَادَ أنْ يُعَرِّف الشَّعْب أنَّ غَايِة الكَهَنَة هُوَ إِرْشَادَهُمْ إِلَى السَيِّدْ الْمَسِيح المَلْجَأ الحَقِيقِي الَّذِي فِيهِ يَخْتَفِي المُؤمِنُون مِنْ الشَّر وَالشِّرِّير الله أقَامَ الكَهَنَة وَسَطْ الشَّعْب لأِجْل التَّعْلِيمْ وَالقَضَاء{ يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ وَإِسْرَائِيلَ نَامُوسَكَ }( تث 33 : 10)تَخَيَّلْ مَعِي أنَّ القَاتِلْ سَيَسْكُنْ وَسَطْ الكَهَنَة يَسْمَعَهُمْ يُرِتِلُون وَيُسَبِّحُون وَيَنْصِتْ إِلَى تَفْسِير الشَّرِيعَة هذَا الأمر سَيَجْعَلَهُ فِي تَعْزِيَة وَمَسَرَّة لأِنَّنَا لاَ نَنْسَى أنَّ هذَا الشَّخْص إِنْفَصَلَ عَنْ عَائِلَتُه وَأحِبَّائُه وَانْتَقَلَ إِلَى حَيَاة جَدِيدَة فِي مَدِينَة لاَ يَعْرِف فِيهَا أحَدٌ وَلكِنَّهَا مُعَدَّه بِالأفْرَاح وَمَمْلُؤَة بِالأمْن السَّلاَم .
الله مَلْجَأنَا :-
هذِهِ المُدُن هِيَ نَصِيب لِلرَّبَّ إِنَّهَا إِشَارَة إِلَى أنَّ الله مَلْجَأ الخُطَاة .. وَإِذْ كَانَ اللاَّوِيِّين يَحْمُون القَتِيل بِحَسَبْ الشَّرِيعَة وَهُوَ يَعِيش فِي وَسَطِهِمْ فَلِذلِك كَانَ قَتْل إِنْسَان يَحْتَمِي بِمُدُن المَلْجَأ هُوَ إِهَانَة لله وَلاَ يُوْجَدٌ أي سِلاَحٌ يَحْمِي القَاتِلْ دَاخِلْ مَدِينَة المَلْجَأ سِوَى كَلِمَة الله وَوَعْدُه وَهذَا يُشِير إِلَى أنَّ وَعْد الله وَكَلِمَتَهُ فِيهَا حِمَايَة كِفَايَة لَنَا فَنَحْنُ نَثِق فِي أنَّ مَوَاعِيدُه صَادِقَة وَغَيْر كَاذِبَة فَهُوَ الأمِين عَلَى غُفْرَان خَطَايَانَا وَهُوَ الَّذِي سُرَّ أنْ يُعْطِينَا المَلَكُوت .
الخَلاَص وَمُدُن المَلْجَأ :-
نُلاَحِظْ أنَّ مُوسَى النَّبِي أوْصَى بِالمُدُن وَلكِنْ بَعْد دُخُولَهُمْ إِلَى كَنْعَان ثُمَّ قَامَ بِبُنَائَهُمْ يَشُوع{ اجْعَلُوا لأَنْفُسِكُمْ مُدُنَ الْمَلْجَإِ كَمَا كَلَّمْتُكُمْ عَلَى يَدِ مُوسَى } ( يش 20 : 2 ) إِذاً النَّامُوس أوْصَى وَيَشُوع تَمَّمْ وَعَمَلْ لِيَصِير يَسُوع هُوَ المَلْجَأ الحَقِيقِي الله مَالِك السَّمَاء وَالأرْض وَهَبْ شَعْبُه أرْض المَوْعِد بِكُلَّ مَا فِيهَا مِنْ مُدُن ثُمَّ عَادَ وَطَلَبْ أنْ يَكُون لَهُ ثَلاَث مُدُن فِي كُلَّ ضَفَّة تُنْسَبْ لَهُ يَلْجَأ إِلَيْهَا الطَّالِبُونَ رَحْمَتَهُ مَا أعْظَمْ تَدَابِير عَمَلْ الله المُعْتَنِي بِكُلَّ أحَدٌ الَّذِي أنْقَذَنَا مِنْ حُكْم المَوْت الأبَدِي المُؤَكَدْ إِذْ أرْسَلْ إِبْنَهُ الوَحِيدْ لِيَكُون لَنَا مَلْجَأً حَصِيناً فَنَحْنُ الَّذِينَ كُنَّا أمْوَاتَاً بِالذُّنُوب وَالخَطَايَا الَّتِي سَلَكْنَا فِيهَا أحْيَانَا مَعَ الْمَسِيح .. لَقَدْ أنْقَذَ بِمَوْتِهِ عَلَى الصَّلِيب المُنْقَادِينْ إِلَى المَوْت المَمْدُودِينْ لِلقَتْلِ ( أم 24 : 11) وَرَفَعْنَا مِنْ أبْوَاب المَوْت ( مز 9 : 13) إِذْ بَذَلَ نَفْسَهُ فِدَاءً عَنَّا وَبِذلِك تُشِير مَدِينِة المَلْجَأ إِلَى الْمَسِيح مُخَلِّص العَالَمْ الَّذِي حَلَّ بَيْنَنَا ( يو 1 : 14) وَلَمْ يَعُدْ بَعِيداً عَنَّا بَلْ إِقْتَرَبَ إِلَيْنَا جِدّاً لِيَصِير حِصْنَنَا فِيهِ نَتَحَرَّر مِنْ الدَّيْنُونَة ( رو 8 : 1) تَطَّلْع أشْعِيَاء النَّبِي إِلَى هذِهِ المَدِينَة الفَرِيدَة فَقَالَ { مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَاراً وَمَتْرَسَةً }( أش 26 : 1) وَأوْضَح أشْعِيَاء وَقَالَ { يَكُونُ إِنْسَانٌ كَمَخْبَإٍ مِنَ الرِّيحِ وَسِتَارَةٍ مِنَ السَّيْلِ}( أش 32 : 2 ) .
مَدِينِة المَلْجَأ وَالْمَسِيح :-
وَجَدْنَا شَخْص رَبَّنَا يَسُوع الْمَسِيح فِي تَجَسُّدِهِ بِالحَقَّ مَلْجَأً حَصِيناً لِكُلَّ مَنْ أتَى إِلَيْهِ صَارَ مَلْجَأً لِلمَرْأة الخَاطِئَة بِالرَّغْم مِنْ وُجُودْهَا فِي بَيْت الفَرِّيسِي فَأوْقَفْ الإِنْتِقَادَات وَدَافَعْ عَنْهَا وَبَرَّرْهَا وَهِيَ صَامِتَة هَلْ رَأيْتَ مَلْجَأً مِثْلَ هذَا ؟ كَذلِك فَعَلَ مَعَ لاَوِي وَمَعَ زَكَّا وَالَّتِي أُمْسِكَتْ فِي ذَاتَ الفِعْل المَضْبُوطَة لِيُحْكَمُ عَلَيْهَا بِمَوْتٍ مُحَقَّق وَجَدْنَاه يُدَافِعْ عَنْهُمْ دُونَ أنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ وَلكِنْ بِمُجَرَّدْ وُقُوفِهِمْ بِجَانِبِهِ هُوَ يُقَدِّم الحِمَايَة الكَافِيَة وَإِنْ إِتَهَمَهُ أحَدٌ بِحِمَايِة الخُطَاة !!! يُذَكِّرَهُمْ أنَّهُ لاَ يَحْتَاج الأصِحَاء إِلَى طَبِيب بَلْ المَرْضَى وَيُعَرِّفَهُمْ بِقِيمِة هذَا الَّذِي إِلْتَجَأَ إِلَيْهِ إِذْ هُوَ إِبْن إِبْرَاهِيم لأِنَّهُ جَاءَ لِيَطْلُبْ وَيُخَلِّص مَا قَدْ هَلَك .
الكَنِيسَة مَلْجَأنَا :-
وَلِيَضْمَنْ لَنَا دَوَام بَقَاء وَعْدَهُ بِسَلاَمِة الخَاطِئ طَالَمَا إِلْتَجَأَ إِلَيْهِ هَيَّأ لَنَا أرْوَع مَدِينِة مَلْجَأإِنَّهَا دَاخِلْ جَنْبَهُ المَطْعُون الَّذِي سَمَحَ أنْ يُفْتَح لِكَيْ نَدْخُلُ إِلَيْهِ وَنَسْكُنْ فِي عَرْشِ نِعْمَتِهِ وَيَكُونُ بِهذَا أسَّسْ كَنِيسَتُه الَّتِي هِيَ مَدِينَة المَلْجَأ الَّتِي تَحْمِلْ بَهَاء الْمَسِيح الَّذِي يُشْرِق عَلَى النِّفُوس إِنَّهَا تُنَادِي الجَمِيعْ إِهْرَبُوا إِلَى المَلْجَأ إِلَى الرَّجَاء الَّذِي يُقَدِّمَهُ لَكُمْ الْمَسِيح وَبِحَسَبْ تَعْبِير القِدِيس إِيرِينِيِئُوس أُسْقُفْ لِيُون يَنْبَغِي أنْ نَلْجَأ إِلَى الكَنِيسَة وَنَحْتَمِي فِي حِضْنَهَا وَنَرْضَعْ وَنَتَغَذَّى مِنْ أسْرَارِهَا الإِلَهِيَّة لأِنَّ الكَنِيسَة غُرِسَتْ فِي وَسَطْ العَالَمْ كَفِرْدُوس نَعِيمْ عَلَى الأرْض إِنَّهَا المَجَال الخِصْب لِعَمَلْ رُوح الله فَهِيَ إِسْتِمْرَار لِلبِشَارَة المُفْرِحَة حَيَّة وَحَاضِرَة وَدَائِمَة وَمَنْ هُوَ القَاتِلْ السَهْو الغِير مُبْغِض ؟هُوَ يُشِير لِلخَاطِئ الَّذِي هُوَ أنَا وَأنَا أقْتُلْ نَفْسِي سَهْواً رَغْم إِنِّي أعْلَمْ أنَّ أُجْرِة الخَطِيَّة مَوْت إِلاَّ إِنِّي دَائِمْ السَعْي إِلَيْهَا بِكُلَّ شَوْق وَاجْتِهَادْ وَأنْسَى أوْ أتَنَاسَى إِنِّي بِخَطَايَاي أذْهَبْ إِلَى الجَحِيمْ وَالهَلاَك وَهُنَا تَتَصَارَعْ رَغَبَات الإِنْسَان مَعَ حِيَلْ العَدُو فَيَدْخُلْ إِلَى اللامُبَالاَه فَالخَاطِئ يُرِيدْ أنْ يُحَقِّق رَغَبَات لَمْ يُدْرِك أنَّهَا لِهَلاَكُه فَهُوَ يَقْتُلْ نَفْسُه مَعَ أنَّهُ لاَ يُبْغِضْهَا فَهُوَ يَقْتُلْ بِغَيْر عِلْم " سَهْو " وَرَغْم مَحَبِّتْنَا لأِنْفُسَنَا إِلاَّ أنَّنَا نُهْلِكَهَا وَالسَيِّدْ الْمَسِيح الدَّيَان العَادِل يَنْظُر إِلَى الخَاطِئ أنَّهُ لاَ يُدْرِك هذَا مَا رَأيْنَاه فِيهِ حِينَ إِلْتَمَسَ العُذْر لِصَالِبِيه إِذْ قَالَ أنَّهُمْ لاَ يَدْرُونَ مَا يَفْعَلُون فَهُوَ مِنْ كَثْرِه صَلاَحُه جَعَلَ مِنْ تَعَدِّي الإِنْسَان عَدَم دِرَايَه وَحِينَ يَدْخُلْ الخَاطِئ فِي مَشَاعِر تَوْبَة حَقِيقِيَّة وَصَادِقَة يَكْتَشِفْ مِقْدَار الجَهْل وَالزِيف الَّذِي كَانَ يَحْيَاه فَيَصْرُخ خَطَايَا صِبَاي وَجَهْلِي لاَ تَذْكُر وَحِينَ يَتَضَرَّع الكَّاهِنْ أمَام الذَّبِيحَة عَنْ خَطَايَا شَعْبُه يَذْكُرْهَا { جَهَالاَت شَعْبَك }هذَا الشُّعُور أدْرَك مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول الَّذِي كَانَ قَبْلاً يَضْطَهِدْ الْمَسِيحِيِّين وَيَظُنْ أنَّهُ يُقَدِّم خِدْمَة لله فَهُوَ لاَ يُدْرِك مَا يَفْعَلْ لِذلِك نَجِدَهُ يَعْتَرِف بِجَرْأة{ لكِنَّنِي رُحِمْتُ لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إِيمَانٍ } ( 1تي 1 : 13) فَإِنْ كَانَ قَتَلْ أوْ سَيَقْتِل أحَداً فَهُوَ يَعْتَرِف بِجَهْلٍ فَعَلْتُ ذلِك وَهذِهِ أرْوَع مَشَاعِر التَوْبَة الَّتِي تَجْلِب مَرَاحِمْ الله الغِير مُتَنَاهِيَة وَهيَ الإِعْتِذَار عَنْ الجَهْل وَلأِنَّ مَرَاحِمْ الله وَاسِعَة فَلَمْ يَشَأ أنْ يَجْعَلْ لِكُلَّ إِسْرَائِيل مَدِينَة مَلْجَأ وَاحِدَة بَلْ أمَرَ بِإِقَامِة سِتَّة مُدُن وَهذَا مَا سَوْفَ نَتَحَدَّث عَنْهُ .
القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية
عن كتاب مدن الملجأ
المزيد
07 ديسمبر 2019
ما معنى التجسد؟
"عظيمٌ هو سِرُّ التَّقوَى: اللهُ ظَهَرَ في الجَسَدِ" (1تي3: 16).
التجسد الإلهي:
يعني أن الله وهو ملك السموات والأرض قد تنازل وأخذ جسدًا إنسانيًا، فاتحد بطبيعتنا، وظهر بيننا على الأرض وأن الله الغير منظور قد صار منظورًا في جسد الإنسان وأن الله قد تواضع حبًا فينا، وأخلى ذاته وأخذ جسدنا "أخلَى نَفسَهُ، آخِذًا صورَةَ عَبدٍ، صائرًا في شِبهِ الناسِ" (في2: 7) "والكلِمَةُ صارَ جَسَدًا وحَلَّ بَينَنا" (يو1: 14).
الله الكلمة
الله الكلمة "أقنوم الابن" صار إنسانًا وحلّ بيننا وكلمة (صار) لا تعني هنا الصيرورة أو التحول بل هي تعني حرفيًا (أخذ جسدًا) فأقنوم الابن "الله الكلمة" أزلي لا يتغير ولا يتحول بل هو ثابت وكل ما حدث هو أنه أخذ جسدًا ليحل بيننا بصورة حسية، فنسمعه ونراه ولذا يقول مُعلِّمنا يوحنا الرسول "الذي سمِعناهُ، الذي رأيناهُ بعُيونِنا، الذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا" (1يو1: 1)أقنوم الابن لم يتجسد فقط ولكنه تجسد وتأنس، وهذا يعني أنه تجسد في جسد إنساني وأخذ الطبيعة الإنسانية كلها التجسد الإلهي لا يعني أن الله قد أخلى السماء من وجوده حين نزل على الأرض، فوجوده يملأ السموات والأرض وإنما أخلى ذاته من المجد هذا الأمر دخل في دائرة قدرة الله وليس فيه صعوبة أو غرابة، لأن الذي يملك الكل يملك الجزء، والذي يملك الأكثر يملك الأقل أليس في قدرة الملك أن يلبس رداء العمال ويجلس بينهم ويتحدث إليهم!!أليس في قدرة المدرس أن ينزل إلى مستوى التلاميذ ويتحدث إليهم!!
أليس في إمكان الرجل الرفيع الشأن أن يتنازل ويسير بين عامة الناس!!
ولذلك نطرح سؤالًا هامًا ونقول
هل من قدرة الله أن يتجسد أم ليس في قدرته؟
فإذا قلنا إن الله ليس في قدرته أن يتجسد فإننا ننسب إليه الضعف إذ هو لا يستطيع أن يتجسد فممكن أن يقول البعض إن التجسد هو ضعف لا يليق بالله، ولكنه هذا ليس من الحق في شيء فإن التجسد هو عمل من أعمال القوة وليس عملًا من أعمال الضعف، وهو داخل في قدرة الله اللانهائية وغير المحدودة التجسد معناه: شيء كان موجود غير محسوس (لا مرئي)، وليس له كيان جسدي، وبعد ذلك أخذ جسدًا مثل "فكرة" في الذهن "غير محسوسة وغير مرئية"، ثم أفكر فيها كثيرًا، فتتحول إلى فكرة محسوسة في صورة (ماكيت، شعر، مقالة) وبذلك تأخذ كيان محسوس.
الله كائن منذ الأزل
الله كائن منذ الأزل ويملأ الوجود ولكن ليس له جسد في ملء الزمان أخذ جسدًا لكي نراه بعيوننا فإذا كان لم يأخذ جسدًا كنا لا نراه ولا نتكلم معه ولا نحسه الوحيد الذي تجسد هو السيد المسيح لأنه هو الوحيد الذي كان موجودًا قبل ميلاده وليس عنده جسد وهذا ما يفسر لماذا وُلد من غير أب
لماذا وُلد من غير أب؟
لأنه كان موجودًا قبل كل الدهور ولكن ليس له جسدًا الأب يعطي الوجود والأم تعطي الجسد، أي كائن حي موجود على الأرض أيًا كان حيوان أو إنسان أو نبات يحتاج إلى أب وأم النبات "البذرة" (الأب)، "الأرض" (الآم).
ليس له جسد
الوحيد الذي كان موجودًا وليس له جسد هو الله.. لذلك احتاج أُمًا تعطي له جسدًا، ولكنه كان لا يحتاج إلى أب لأنه كان موجود (الأب يعطي الكيان "البذرة" بالنانو جرام، والأم تعطي الجسد) كان ممكن أن السيد المسيح يحضر له جسدًا من السماء ولا يحتاج لهذا الجسد كان ممكن ولكنه لو حدث ذلك لأصبح من طبيعة أخرى غير طبيعتنا البشرية، وكان لا يستطيع أن يخلصنا على الصليب لأنه ليس ابن الإنسان فالفداء يحدث عن طريق الإنسان ليفدي الإنسان الذي أخطأ فيلزم نفس الطبيعة ربنا يبارك حياتكم ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد
06 ديسمبر 2019
أُحِبُّكَ يَا رَبُّ يَا قُوَّتِي
“باسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد آمين. تحل علينا نعمته وبركته من الآن وإلى الأبد آمين” بمناسبة استعدادنا للعام الجديد أحب يكون تأملنا في مزمور رقم ١٨، وهو مزمور طويل من ٥٠ أية وصلى به داود النبي بعد ما أنقذه الله من يد أعدائه ويد الملك، وفيه تسبيح وعبارات جميلة تسمح لنا كمجموعات وكأسرة ليكون لنا تدريب العام الجديد ونتأمل في الآية الاولى “أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي.”
ونحن نستعد للعام الجديد يجب أن يكون لنا خطة، أيام قليلة ويمضي ، ثم يأتي العام الجديد وتكون هذه الكلمة شعار لنا جميعاَ (احبك يارب ياقوتى) وهذه الكلمة تأتى في أفكارنا المشاعر التي يذكر فيها الحب بصفة عامة.
“أحبك يارب”.. لكن ماذا تعنى أحبك يارب وما معناها وما يقصده داود النبي؟ داود النبى كان يحب استخدام بعض الصور المجازية التي كانت من الحروب والمعارك فاستخدم جزء من العتاد اللى كان يرتديه الجندي مثل (ترسي وخلاصي وملجأي) لكن نريد أن نركز على كلمة (أحبك) أحبك يارب ياقوتى ولها 5 أبعاد تشرحها. ورقم 5 يعبر عن القوة مثل أصابع اليد فاحبك يارب ياقوتي اختصر 5 كلمات في كلمة واحدة ووضعها أمامنا ويمكن ان نسميها خريطة العام الجديد.
١_ أحبك يعنى اشكرك
المعنى الأول لكلمة أحبك يعنى إنني “اشكرك” يارب على العام الذي مضى بأيامه التي كان فيها الحلو والمر مثل قولنا في صلاة الشكر نشكرك على كل حال.. ومثل ما علمتنا كنيستنا نبدأ يومنا بـ”شكر الله” على أنه سترتنا وحفظنا وأعاننا وقبلنا إليه واشفق علينا وعضنا.. وكل معنى من هذه المعاني هو متسع للغاية، أشكرك لأنك سترتني (سترت أهلي ووطني وبيتى وكنيستي..).
أنا يارب أحبك والحب دائما بالشكر، أشكرك على كل ما قدمته لي العام الماضي. ويعلمنا الأباء ليست هناك موهبة أفضل من الشكر، يشكر الإنسان الله على كل شيء الألم والتعب والخير والصحة والصداقة والفخاخ التي ينجيه منها، وعلى عطايا الطعام والشرب والحماية والمياه والهواء.. كل شيء.
٢_ “أحبك يعنى أتوب إليك” وهذا المعنى الثاني.
السنة التي مضت صنع الإنسان فيها خطايا خفية وظاهرة بمعرفة وبغير معرفة لذلك، أحبك يعنى أتوب عن كل ما حدث. أنا بحبك يارب وأعلم انك لا تحب الخطية لكنك تحبني لا تحب خطيتي ولكن تحبني كإنسان، فهل لك جلسة اعتراف وتوبه حقيقية، لابد أن تفرغ قلبك الذى لا يراه الا إلله. حتى الإنسان السارق عند سرقته بيطلب ستر الله، فهل أنت عزمت على التوبة أم أنك تقول (ربنا رب قلوب)؟ هل فكرت كيف تسكب ضعفاتك وكيف تنقى قلبك لأنه بدون نقاوة القلب لن تعاين الله.
ففى المزمور الخمسين أخدنا من داود النبي مثال لتوبته فهو مزمور التوبة؛ فيقول “إرحمني ياالله كعظيم رحمتك”، ويمكن أن تقيس توبتك على مزمور التوبة وعندما تقول أحبك يارب ياقوتي بمعنى أني اشكرك وأتوب اليك.
٣_ أحبك يعنى أوعدك
فرصة قوية للعام الجديد أن تعد الله بتعهدك كي يباركك، فإذا كنت تُقصر فى ممارسة الأسرار المقدسة أوعد ربنا فى العام الجديد بقلب جديد مثل الشخص المُقصر فى اهتمامه ببيته وأسرته وعمله وخدمته، فبماذا تستطيع وعد ربنا في حياتك الروحية والاجتماعية في العام الجديد؟ ممكن توعد ربنا بتحسين طريقة تربيتك لأولادك، فربنا منتظر تعهداتك، دواد النبى يقول “تعهدات فمي باركها يارب”، فتستطيع توعد المسيح فى السنة الجديدة بتعهدات وأيضاً بأحلامك وتطلعاتك واشتياقاتك قلبك، لأن الأحلام تعنى أنك حي.ولازم الأول (تشكر ربنا، تتوب إليه، توعده)
٤_البعد الرابع هو أصلى إليك
العمل الأسمى على الأرض هو الصلاة لأنها الخيط الرفيع الذي يربطك بين الأرض والسماء، واقصد بالصلاة التي هي من القلب وتُصبح لقاء شخصي بينك وبين المسيح وتتشفع بقديسين يشفعون لك في السماء. ولنا فى التاريخ قصة جبل المقطم، ونشكر ربنا اننا فى مصر شعب متدين يرفع الصلاة باستمرار، كنائس فيها صلوات طول اليوم وكل هذه الصلوات يجب أن تكون من قلبك ولا تنشغل بالأمور المادية والاقتصادية والناس والأحداث. اين هو عمل الصلاة والبيت المُصلي والاسرة المُصلية؟ فـ”أحبك” ليست كلمة ولكنها حياة
٥_ البعد الخامس والأخير (اخدمك)
أحبك يارب ياقوتي” وأعبر عنه عمليا ربما بخدمة المريض
والجائع والعطشان وصاحب الإحتياجات الخاصة يجب أن أخدمك. أحبك يعنى أريد أن أخدمك ومن هنا ظهر في العالم ثقافة التطوع، لدي وقت أو مال أو مهارة يمكن أن اقدمها للخدمة. وانت بالمثل علاقتك بالله علاقة عملية، والخدمة يحب أن تكون لكل أحد بدون استثناء لا يقف أمامها جنس أو نوع أو دين، فمن يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل فهو خطية.
“أحبك يارب يعنى أشكرك وأتوب إليك وأصلي لك ولازم أخدمك”
من القصص التي تعجبني كثيراً في القرن الثالث الميلادي الجنود وهم متجهين جنوبا فعسكروا عند إسنا، وخرجوا اهل إسنا بكرم وأكل للجنود. فسأل جندي وثني زميله لماذا فعلوا معهم هكذا؟ فأجاب لأنهم مسيحين ولديهم ثقافة الاهتمام بالغرباء. ومن قدموا الطعام لا يعلمون لمن هو، وصار بعد ذلك الأنبا باخوميوس أب الشركة الذي أسس نظام الشركة في الحياة الرهبانية، ولذلك الخدمة لها متسعات كثيرة جداً.
الخلاصة ونحن نبدأ عام جديد نصلي ليكون عام سعيد ومبارك على الجميع، ومصر تنعم فيه وكل شعبها ينعم بالفرح والمحبة والخير، ونأخذ هذا التدريب كخريطة للعام الجديد. وتتذكر أنه عندما وقف دواد النبي وقال “أحبك يارب ياقوتي” كان يقصد أشكرك وأتوب إليك وأوعدك وأصليك وأخدمك.
كل عام وانتم بخير، لإلهنا كل المجد والكرامة من الآن وإلى الإبد آمين.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
05 ديسمبر 2019
التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ اَلْخُرُوجُ ج2
1- وبين اصحاح16 : 30، يش 5 : 1-12 ففى الاول يفيد ان المن نزل 40 سنه وفيه اشاره الى وصول الاسرائيليين الى طرف ارض كنعان وفى الثانى ان المن لم ينقطع الا بعد عبور بنى اسرائيل الاردن، ولم يملك الاسرائيليون ارض كنعان الا بعد موت كاتب القول الاول بمده. فنجيب ان القول الاول لا يؤخذ منه مطلقا ان المن انقطع حالما جاء اسرائيلالىطرف ارض كنعان بل انه استمر ينزل حتى بعد قربهم من حدود ارض كنعان فى عهد موسى. وقد تقرر فى علم النحو ان الغايه تدخل فى حكم ما قبلها مع حتى. وقد كتب موسى ما كتب قبل موته ببرهه وقد تكون نبوه لموسى بناء على ما اعلنه له الله من ان شعبه سيمتلك ارض كنعان.
وفى (يش 13 : 8 و29) ان سبط راوبين ونصف سبط منسى استوليا شرقى الاردن على املاك واسعه من ارض كنعان فيمكن ان يكون المن قد انقطع عنهم وقد تكلم موسى عن الجزء باسم الكل.
2- وبين اصحاح 20 : 4، اصحاح 25 : 18 ففى الاول نهى الله عن صنع التماثيل، وفى الثانى امر بصنع كروبين. فنجيب ان الوصيه الاول ى مفادها النهى عن صنع التماثيل للعباده لا عن صنعها على الاطلاق.
3- وبين اصحاح 20 : 5، حز 18 : 4، ففى الاول ان الله ياخذ الابناء بذنوب الاباء وفى الثانى عكس ذلك. فنجيب ان الله يعاقب على الخطيئه فى هذا العالم وفى العالم الاتى. ففى العالم الاتى لا يعاقب الانسان على اثم غيره. اما فى هذا العالم فلكى يشهر شناعه الخطيئه ويردع الناس عن ارتكابها. على ان نتائج الخطيئه المريعه قد يرثها الابن عن ابيه، فتوغل الوالدين فى الخلاعه والشهوات والمسكرات يترك لاولادهم فقرا. واعمال الاشرار بلاء لنسلهم كما جاء. فى سفر الخروج. اما الهلاك الابدى الذى تنشئه الخطيئه فلا يحل الا بمرتكبيها كما جاء فى سفر حزقيال النبى.
4- وبين اصحاح 33 : 20، عدد 12: 8 ففى الاول يقول (لان الانسان لا يرانى ويعيش) وفى الثانى يقول عن موسى (وشبه الرب يعاين) فنجيب ان معنى القول الثانى (وشبه الرب يعاين) كالنور والنار فان الله يشبه بهما فى الهدايه والارشاد وشده الانتقام والمهابهالىغير ذلك من الايات الداله على صفاته. قال احد المسرين (اى مثال الرب) (يهوه) كما جاء فى (حز 20 : 4 وتث 4 : 15 و16 و23 و25 و5 : 8 ومز 17 : 15) والظاهر من قول اليفاز ان ذلك شبه خاص يدل على روح الرب فانه قال (فمرت روحى على وجهى. اقشعر شعر جسدى. وقفت ولكنى لم اعرف منظره. شبه قدام عينى) (اى 4 : 15 و6) اى مثال او صوره.
المتنيح القس منسى يوحنا
عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
04 ديسمبر 2019
مفهوم الحق والعدل
هو الصدق
أو مفهوم أنه الصدق وكثيرا ما كان السيد المسيح يبدأ كلامه بقوله ( الحق أقول لكم ) ( مت 5 : 18 ) ( مت 8 : 10 ) وأحيانا كان يكرر كلمة الحق ، فيقول ( الحق الحق أقول لكم ) ( يو 5 : 19 ، 24 ، 25 )( يو 8 : 34 ، 51 ، 58 ) وفى المحاكم يقسم الشاهد قائلا ( أقول الحق ، كل الحق ، ولا شئ غير الحق ) ذلك لأن هناك قاعدة هامة وهى ( أنصاف الحقائق ليست كلها حقائق ) 0
خطورة أنصاف الحقائق:-
أو كما يقال ( أنصاف الحقائق ليست إنصافا للحقائق ) فقد تأتى إمرأة تشكو زوجها ، وتشرح أنه ضربها أو اهانها وتترك النصف الآخر من الحقيقة وهو إغاظتها له بطريقة أثارته ، فخرج عن وعيه أو فقد أعصابه ، فضربها 00 وهكذا تذكر ما حدث لها كأنه تصرف من الزوج ، وليس مجرد رد فعل لتصرفها أو يذكر إنسان أن الكنيسة قد عاقبته ، أو أن إرادة عمله قد فصلته ، دون أن يذكر السبب الذى من أجله قد عوقب أو فصل المهم أن كلامه لا يعطى صورة حقيقية عما حدث لذلك فى القضايا يحدث تحقيق والمقصود به الوصول إلى الحقيقة وتتكامل الحقيقة حينما يبحث الأمر من جميع جوانبه ويسمع الرأى ، والرأى الآخر ويبحث السبب والنتيجة وأيهما الفعل وأيهما رد الفعل أما الذى يسمع من جانب واحد ، فلا تتضح له الصورة الحقيقية ولهذا يلجأ المحقق إلى مواجهة ، أى يقف كل جانب فى مواجهة الآخر فى كل قضية تعرض عليك ، يمكنك أن تسأل : لماذا ؟ وعلى رأى المثل ( إذا عرف السبب ، بطل العجب ) فإن قال لك شخص مثلا ( أب إعترافى منعنى أن أكلم فلانا ) فلا تقل فى نفسك عجبا ، هل أب الإعتراف يدعو إلى الخصام ؟! ) ربما لو أدركت السبب لعرفت مثلا أن هذا الشخص عثرة له وسبب خطيئة ، أو أنه كل مرة يلتقى به يحدثه عن أمور تتعب ضميره ، وتسبب له أفكار متعبة أو أن يثيره ويغضبه ، وخلاصة القول إنه ينطبق عليه عبارة ( المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة ) ( 1كو 15 : 33 ) أو تنطبق عليه عبارة ( اعزلوا الخبيث من وسطكم ) ( 1كو 5 : 13 ) أو طوبى للرجل الذى طريق الخطاة لا يقف وفى مجلس المستهزئين لا يجلس ) ( مز 1 )أنصاف الحقائق التى ليست هى حقائق ، تنطبق أيضا فى اللاهوتيات مثال ذلك من يستخدم آية واحدة ، ويترك باقى الآيات المتعلقة بالموضوع والتى بها يتكامل فهم العقيدة كأن يتكلم إنسان على الإيمان وحده فيقول لك مكتوب ( آمن بالرب يسوع ، فتخلص أنت وأهل بيتك ) ( أع 16 : 13 ) مثل هذا نقول له ضع إلى جوارها قول الرب ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) وأيضا قول القديس بطرس الرسول لليهود الذين فى يوم الخمسين
( توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم على إسم يسوع المسيح لغفران الخطايا ، فتقبلوا عطية الروح القدس ) ( أع 2 : 38 )نعم ، إن قال لك أحد : مكتوب ، قل له ( مكتوب أيضا ) فهكذا فعل السيد المسيح فى التجربة على الجبل ، مقدما الطريقة المثلى للحوار وللرد على الأفكار وهكذا يكون الحق معناه الحقيقة كاملة فإخفاء شئ منها قد يعطى فهما خاطئا 0
حقوق الناس:-
معنى الحق أيضا هو حقوق الإنسان his rights ومن هنا جاء المثل ( اعط لكل ذى حق حقه ) ومن هنا جاءت أيضا عبارة ( حقوق الإنسان human rights ) وهكذا كانت وزارة العدل تسمى قديما ( وزارة الحقانية ) وكلية القانون تسمى ( كلية الحقوق ) أى تدرس فيها القوانين الخاصة بحقوق الناس ، ما لهم وما عليهم هنا كلمة حق ليست بمعنى صدق وليس عكسها الكذب أو شهادة الزور ، إنما عكسها هنا الظلم الذى تضيع فيه الحقوق ولعل من اشتقاقها هنا عبارة يستحق أولا يستحق أى من حقه كذا ، أو ليس من حقه وبنفس المعنى وبخ اللص اليمين عل الصليب زميله اللص الآخر قائلا : ( أما نحن فبعدل جوزينا ، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا ) ( لو 23 : 41 ) ومن هنا أيضا تأتى عبارة ( يتناول باستحقاق من الأسرار المقدسة ) أو يتناول بغير استحقاق ( 1كو 11 : 27 ) أى ليس من حقه أن يتناول ، فمناولة الأسرار تأخذ حقها من التوبة ونقاوة القلب لعله بنفس المعنى قال الإبن الضال لأبيه ( لست مستحقا أن أدعى لك إبنا ) ( لو 15 : 21 ) وقيل أيضا ( الفاعل مستحق أجرته ) ( مت 10 : 10 ) ( لو 10 : 7 ) 0
الحق ضد الباطل:-
معنى آخر للحق ، وهو أنه ضد الزيف أو ضد الباطل فالذهب الحقيقى غير الذهب الزائف والزواج الحقيقى ( أى الشرعى ) عكس الزواج الباطل أى غير الشرعى وهكذا يقال عن السيد المسيح إنه ( النور الحقيقى ) ( يو 1 : 9 ) وقيل عن يوحنا المعمدان ( لم يكن هو النور ، بل ليشهد للنور ) ( يو 1 : 8 ) قال السيد المسيح عن نفسه ( أنا هو نور العالم من يتبعنى لا يسلك فى الظلمة ) ( يو 8 : 12 ) وقال لنا ( أنتم نور العالم ) ( مت 5 : 14 ) ولكنه هو النور الحقيقى ، لأنه نور فى ذاته أما نحن فلسنا كذلك ، وإنما بنوره نعاين النور نور الشمس نور حقيقى أما نور القمر فليس كذلك ، بل هو مجرد إنعكاس نور الشمس عليه ، وبدون نورها يصبح مظلما هنا كلمة حق أو حقيقى بمعنى True أو Genuine تدخل فى أمور عديدة قد يقول شخص إنه إبن فى الإعتراف لكاهن معين ، ولا يكون إبنا بالحقيقة لأنه لا يطيعه ولا يستشيره وقد يقول شخص إنه قد تاب ، ولا يكون تائبا بالحقيقة لأنه فى كل مرة يترك الخطية ، يرجع إليها مرة أخرى وقد يقول شخص إنه يصلى ، وهو ليس مصليا بالحقيقة لأنه يكلم الرب بشفتيه ، وقلبه مبتعد عنى بعيدا وقد يقول شخص إنه صائم ، وليس هو صائم بالحقيقة ، إنما هو مجرد إنسان نباتى ، يتناول الأطعمة النباتية ويحرص أن تكون شهية وليس له ضبط نفس أثناء الصوم ، ولا ينطبق عليه قواعده الروحية هكذا بالنسبة إلى الله ، هو الإله الحقيقى وحده ( يو 17 : 3 )لأن كثيرين دعوا آلهة ، كمجرد لقب ، ولم يكونوا آلهة بالحقيقة كما ورد فى المزمور ( الله قائم فى مجمع الله فى وسط الآلهة يقضى ) ( مز 82 : 1 ) ( ألم أقل أنكم آلهة ، وبنى العلى تدعون ولكنكم مثل البشر تموتون ، وكأحد الرؤساء تسقطون ) ( مز 82 : 6 ، 7 ) قال الرب لموسى ( جعلتك إلها لفرعون ) خر 7 : 1 ) ولكن بمعنى ( سيد ) وليس بمعنى خالق ، أو كلى القدرة أو موجود فى كل مكان وقيل أيضا أن آلهة الأمم شياطين ( أو أصنام )( مز 96 : 5 ) هنا الفرق بين الحق والزيف وبنفس الوضع تكلم بولس الرسول عن الأرامل فقال ( ولا يثقل على الكنيسة ، لكى تساعد هى اللواتى هن بالحقيقة أرامل ) ( 1تى 5 : 16 ) وبنفس الوضع أيضا يمكن التكلم عن المؤمن الحقيقى ، وأبناء الله بالحقيقة كثيرون لهم إسم أبناء الله ، ويصلون قائلين ( أبانا الذى فى السموات ) ولكنهم ليسوا أبناء بالحقيقة ولا ينطبق عليهم قول القديس يوحنا الرسول ( المولود من الله لا يخطئ ، والشرير لا يمسه ولا يستطيع أن يخطئ ، لأنه مولود من الله ) ( 1يو 3 : 9 ) ( 1يو 5 : 8 1 ) ولا ينطبق عليه قول الرسول عن الرب ( إن علمتم أنه باتر هو فأعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه )( 1يو 2 : 29 ) كذلك من يقول إنه مؤمن ، ولا يبرهن على إنه بأعماله 0 يقول القديس يعقوب عنه ( هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت ) ( يع 2 : 20 ) بل أن القديس بولس الرسول يقول عبارة خطيرة هى ( جربوا أنفسكم هل أنتم فى الإيمان امتحنوا أنفسكم ) ( 2كو 13 : 5 ) بل ما أصعب تلك العبارة التى قالها الرب لملاك كنيسة ساردس إن لك إسما حى ، وأنت ميت ) (رؤ 3 : 1 ) كلمة حى هنا ليست إسما حقيقيا يستحقه ذلك الراعى لأنه ليس حيا بالحقيقة ، إنما هو ميت روحيا إنما يبدأ الحق بالقيم التى يراعيها الإنسان فى حياته كل ما يتمشى مع القيم الروحية هو حق وكل ما يتفق والعقائد اللاهوتية السليمة هو حق وغير ذلك زائف وزائل 0
ضياع الحق:-
والحق أيضا ضد الرياء ذلك لأن الرياء ضد الحقيقة لأن فيه زيفا ، إذ أن الداخل عكس الظاهر من الخارج ولهذا السبب وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين المرائين ، لأنهم كانوا مثل القبور المبيضة من الخارج وفى الداخل عظام نتنه ( مت 23 : 27 ) فالمرائى يتظاهر بما ليس فيه يعطى صورة جميلة عن نفسه ، وحقيقته غير ذلك تماما 0
النفاق أيضا ضد الحق :-
لأنه مديح باطل للغير ، أو دفاع عنه 0 بينما الحقيقة غير ذلك وما يعتقده وما يوجد فى قلبه عكس ما يقوله بلسانه ويضيع الحق أيضا تحت ستار المجاملة أو ( الحب ) أو تحت ستار الحب الزائف وقد يدعى أنه صديق لشخص آخر ، بينما يجره معه إلى الهاوية ، أو يشجعه على الخطأ ، ويكون هذا التشجيع ضد الحق ، يجعله يستمر فيما هو فيه من خطأ وقد يدعى أنه يحبه ، بينما هو بهذا ( الحب ) الزائف يضيعه تماما كالأم التى تظن أنها تحب إبنها ، فتدلله تدليلا يفسده ولا يكون حبها له حبا حقيقيا له القيم الحقيقية للحب وقد يدعى شاب أنه يحب فتاة ، بينما تكون علاقته بها شهوة وليست حبا وتحت ستار ما يسميه ( حبا ) يضيع أخلاقها وسمعتها ومستقبلها ولا يمكن أن يكون ما بينهما حبا بالمعنى الحقيقى للحب مادام قد خلا من القيم وفى هذا المجال، نذكر أيضا من يدافعون دفاعا باطلا عن المخطئين ، وينسون قول الكتاب مبرئ المذنب ، ومذنب البرئ ، كلاهما مكرهة للرب ( أم 17 : 15 ) لماذا ؟ لأن كليهما ضد الحق 0 وقد ينفر البعض من عبارة ( مذنب البرئ ) إذ يرى فيها ظلما ولكن ما أكثر ما يوجد مبرئ المذنب ، ظانا أن هذا لونا من الإشفاق والرحمة ولكن هذا الإشفاق ضد الحق من جهة ومن جهة أخرى لأنه ليس إشفاقا حقيقيا فالمشفق الحقيقى هو الذى يقود المذنب إلى التوبة ، ومن شروط التوبة الإعتراف بالذنب ، والإقلاع عنه أما تبرئة المذنب فإنها تشعره بأنه لم يفعل خطأ ، فسيتمر فيما هو فيه ، ويفقد الندم وإنسحاق القلب ويكون من برأه قد أضر به وقد يبرئ إنسان شخصا مذنبا ، ويكون ذلك عن جهل ويكون هو أيضا مكرهة للرب ، لأنه لم يبحث عن الحقيقة ، أو على الأقل فعل ما هو ضد الحقيقة ولو عن جهل وربما فيما يكون مبرئا لشخص مذنب ، يكون مذنبا لشخص آخر برئ ، يكون قد ظلمه بهذا وأساء إليه وفى كل الحالات هو بعيد عن الحق ، أو ظالم للحقيقة ونصيحتى لمثل هؤلاء دافع عن الحق ، بدلا من أن تدافع عن شخص وقد يكون دفاعك عنه ضد الحق ولكى تدافع عن الحق ، ينبغى أن تعرف الحق وكثيرون ليست لهم هذه المعرفة وقد يسيرون فى جو من الشائعات 0 وقد يتلقون المعلومات عن أشخاص هم أيضا ليست لهم المعرفة الحقيقية وما أكثر ما نجد أشخاصا يقول الواحد منهم ( أنا أدافع عن الحق ، بينما يكون ما يدافع عنه بعيدا عن الحق تماما أو قد يوجد إنسان يدافع عن الحق ، أو عما يظنه حقا ، بأسلوب بعيد عن الحق تماما أو يتجاوز حقه فى الكلام ، أو يقول كلاما ليس من حقه أن يقوله ، أو يلجأ إلى طرق التشهير والإدانة والإيذاء وجرح شعور الآخرين ، أو نشر المعلومات خاطئة ويكون بذلك قد أساء إلى غيره إساءة كبيرة ، ووقع فى أخطاء عديدة يدينه الله عليها ويبدو أنه يدافع عن ( الحق ) بطريقة غير قانونية ! ويمكن أن يسأله البعض ( وهل من حقك أن تفعل هكذا ؟! ) ويكون الحق قد ضاع فى دفاعه عن ( الحق ) أو عما يظنه أنه حقا إّذا أردتم أن تتمسكوا بالحق ، ابعدوا عن الشائعات ، ولا تصدقوا كل خبر يصل إليكم وتذكروا أن الذى ضد الحق ، هو ضد الله نفسه فلماذا ؟ لأن الله هو الحق هو الحق المطلق 0
الحق هو الله:-
قال السيد المسيح له المجد ( تعرفون الحق ، والحق يحرركم ) ( يو 8 : 32 ) وقال أيضا ( أنا هو الطريق والحق والحياة ) ( يو 14 : 6 ) فالذى يبعد عن الحق ، إنما يبعد عن الله وهنا الخطورة والإنسان الحقانى هو إنسان عادل وإنسان له قيم فى الحياة يسير بموجبها والإنسان الحقانى فيه روح الله ، لأنه روح الحق ( يو 14 : 17 ) ( يو 15 : 26 )إذن البعيد عن الحق ، بعيد عن روح الله الذى ينفصل عن الحق ، ينفصل عن الله كذلك الإنسان الحقانى لا يكيل بكيلين لمحبيه بكيل ، ولغيرهم بكيل آخرويكون فى ذلك قد إنفصل أيضا عن الحق لما انفصل الشيطان عن عشرة الله ، قال عنه الرب ( إنه كذاب وأب لكل كذاب )( يو 8 : 44 ) وقال عنه ( ذاك كان قتالا للناس منذ البدء ، ولم يثبت فى الحق ، وليس فيه الحق )( يو 8 : 44 ) انظروا أية عقوبة عوقب بها حنانيا وسفيرا لأنهما لم يقولا الحق وقال القديس بطرس لحنانيا ( أنت لم تكذب على الناس ، بل على الله ) أع 5 : 4 )
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
03 ديسمبر 2019
ثلاثة حروب احرص منها في فترة الصوم
فترات الصوم في الكنيسة هي فترات للانتعاش والنمو الروحي لأولاد الله المحبين له والسائرين في الطريق بتدقيق، ولكنها أيضًا فترات يسعى فيها الشيطان باجتهاد أن يعرقل جهادك ويفقدك بركاتها بكل الطرق.وهذه ثلاثة حروب أدعوك أن تنتبه لها في فترة الصوم..1) حرب التشكُّك: فالشيطان يسعي بكل اجتهاد ليجعلك تشك في كل شيء وأي شيء. وأنت صائم: فهل الصوم ضروري لخلاصي؟ وماذا يهم الله من صومي؟ تجتهد أن تحيا في التوبة: فهل أنا أحيا في التوبة حقًا أم لا؟ وهل قَبِل الله توبتي فعلًا أم لم يقبلها؟ تتقدم للأسرار وأنت في شك: هل أنا مستحق أم غير مستحق؟ تحب أن تحيا لله: فهل أسلك طريق البتولية أم الزواج، طريق الخدمة أم طريق الوحدة؟ ارتبطت بأب اعتراف: فهل يناسبني أم يجب أن أغيره؟ تجتهد أن تحيا في الفضائل فيشكك في وداعتك ونقاوة هدفك وهدوئك ومدى نفعها كمناهج للحياة..!! وحرب التشكيك تجعل الإنسان ينقسم على نفسه في الداخل، فيواجه أفكارًا صعبة تجعله يفقد سلامه. وهنا انتبه للوصية الكتابية: «كونوا راسِخينَ، غَيرَ مُتَزَعزِعينَ» (1كو15: 58)، ولا تقبل شكًّا بل أخضع كل فكر لطاعة المسيح (2كو10: 5). قِسْ كل فكر على ضوء الوصية لأنك إن سلّمت نفسك لشكوكك قد تفقد وقتك وتوبتك وحياتك.. فيضيع عمرك في السلبيات، وتبقى واقفًا في مكانك لا تتقدم في الطريق.. بل في وقت الشكوك تمسك بهذه الثلاثة: الصلاة، وقياس فكرك على الوصية الكتابية، والمشورة الروحية.2) إلباس الخطية ثوب الفضيلة: فالشيطان دائمًا يحارب بصور ملتوية.. فقد تسخر من الآخرين وتستهزء بهم وتسيء إليهم ظانًا أن هذا نوع من اللطف!! وقد تشاهد مناظر غير عفيفة وتقول إن هذه محبة للفن ورغبة في توسيع المدارك!! وقد تستهين بوقار ملبسك وتقول إن هذا لون من النظافة والأناقة!! وقد تغطّي على الخطأ معتبرًا أن هذه هي الحكمة والكذب الأبيض!! وقد تقبل تعاليم غير صحيحة بدعوي أنها مواكبة للتطور المجتمعي!!وفي هذه الحرب على الإنسان أن يحرص ليكون أمينا مع ذاته، متضعًا أمام عيني نفسه، واحرص ألّا تعتبر نفسك الأكثر معرفة في الإيمان والروح والفضائل والوصايا، فوقتها ستصبح أقرب جدًا للسقوط، لأنك ستصبح قريبًا جدًا من الكبرياء، بل راجع نفسك أين أنت من الطريق الصحيح، ولا تسمح لذاتك أن تكون بارًا في عيني نفسك.3) فقدان فضيلة لاكتساب أخرى: فقد تفقد وداعتك ظانًا أنك تدافع عن الحق!! وقد تستمع إلى أمور معثرة ظانًا في نفسك أنك ترشد وتوجه!! وقد تسعى لتصالح الآخرين فتفقد سلامك!!وفي هذه الحرب احرص أن تقدم ذاتك قدوة بالحياة لا بالكلام. واعلم أنك تحتاج إلى الحكمة والإفراز لكيما يرشدك الرب في طريق الخلاص.في بداية الصوم كن حريصًا من هذه الثلاثة، ليكون صومك مثمرًا ونقيًا أمام الله.. فصوم القلب أمر آخر غير صوم البطن.
نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
02 ديسمبر 2019
صــوم الميــلاد
هو الصوم الذي يسبق الاحتفال بعيد ميلاد ربنا يسوع المسيح . ولم يبدأ الاحتفال بعيد الميلاد كعيد مستقل إلا في القرن الرابع الميلادي لم تذكر القوانين القديمة شيئا عن هذا الصوم ، ولكنها ذكرت فقط الاحتفال بعيد الميلاد ، فتقول الدسقولية : "يا أخوتنا تحفظوا في أيام الأعياد التي هي ميلاد الرب وكملوه في خمس وعشرين من الشهر التاسع الذي للعبرانيين وهو التاسع والعشرون من الشهر الرابع الذي للمصريين ومن بعد هذا فليكن جليلا عندكم عيد الأبيفانيا (أي عيد الظهور) ، وتعملوه في اليوم السادس من الشهر العاشر الذي للعبرانيين الذي هو الحادي عشر من الشهر الخامس الذي للمصريين".
1 – نشأة صوم الميلاد وتطوره
أ – صوم الميلاد في الغرب
انتشر ما بين القرن الرابع والقرن السادس الميلادي , الحديث عن صوم يسبق الاحتفال بعيد الميلاد ، مدته أربعون يوما ، ويسمى "أربعينية الميلاد" ويكون الصوم فيه ثلاثة أيام في الأسبوع ، غالبا أيام الاثنين والأربعاء والجمعة .
ويقول القس كيرلس كيرلس : "في الحقيقة لا توجد مصادر أخرى تشير إلى ممارسة الصوم ستة أسابيع قبل عيد الميلاد، إلا عند غريغوريوس أسقف "تورس . "Tours وكان الصوم فيها أيام الاثنين والأربعاء والجمعة فقط . كما كانت فرنسا هي بداية وأصل هذه الأسابيع الستة التي تصام قبل عيد الميلاد والتي رتبت في القرن السادس لتتشابه مع الصوم الكبير" .
ب - صوم الميلاد في الشرق
أول من فرض صوم الميلاد بصفة رسمية في الشرق هو البابا خريستوذولس البطريرك السادس والستون من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (1046- 1077) ، في قوانينه التي حدد بها الأصوام المفروضة . قال : "كذلك صوم الميلاد المقدس من عيد مار مينا في خمسة عشر يوما من هاتور إلى تسعة وعشرين يوما من كيهك ، وإن وافق عيد الميلاد الشريف يوم الأربعاء أو يوم الجمعة ، فيفطروا فيه ولا يصوموا بالجملة ، وكذلك عيد الغطاس المقدس في الحادي عشر من طوبة ، وإن اتفق يوم أربعاء أو يوم جمعة فيفطروا فيه أيضا ولا يصوموا، وإن وافق العاشر من طوبة الذي فيه صوم الغطاس أن يكون يوم سبت أو يوم أحد فلا يصام بالجملة بل يصوموا الجمعة الذي قبل ذلك عوض ليلة الغطاس" .
ويذكر ابن العسال صوم الميلاد قائلا : "ومنها ما هو دون ذلك وأُجري مجرى الأربعاء والجمعة ، وهو الصوم المتقدم للميلاد ، وأوله أول النصف الثاني من هاتور وفصحه يوم الميلاد".
ويكتفي ابن كبر (+1324) بالإشارة إليه قائلا : "وكذلك صوم الميلاد الذي أوله 16من هاتور وقيل الحادي والعشرين لتمام أربعين يوما" .
أما ابن السباع فيذكره ويعلل سببه قائلا : "صوم الميلاد المجيد سببه هو أن السيدة الطاهرة أم النور مريم البتول كانت في الشهر السابع ونصف من حملها الطاهر بالبشارة المملؤة خلاصا للعالم ، قد كثرت تعييراتها من يوسف النجار وغيره بكونها كانت تدعي البكورية وقد وجدت حبلى ، فكانت تتفكر دائما في التعيير ، ولذا صامت شهرأ ونصفأ باكية حزينة على ما تسمعه من التعيير لأنها أيضا لم تعلم ما ستلده . فنحن بما أنه ليس لنا في مذهبنا واعتقادنا وكنيستنا سوى هذه الأصول وهذه الأعمدة الثلاثة التي هي السيد له المجد والسيدة الطاهرة مريم والآباء الرسل . فصام السيد فقد صمنا امتثالا لتعاليمه لنا صامت السيدة شهر ونصف (في كيهك) صمنا مثلها" .
أمر البابا غبريال الثامن (1587- 1603) البطريرك السابع والتسعون من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في قراراته التي سنها بخصوص تعديل الأصوام والتي صدرت في سنة 1602 "أن يُبتدئ صوم الميلاد من أول شهر كيهك ويكون فصحه عيد الميلاد" . أي تكون مدته 28يومأ فقط .
ويقول القمص يوحنا سلامه : "قد ذهب البعض إلى القول إن هذا الصوم كان خاصا في مبدئه بالطغمة الإكليريكية ، ولاشتهاره واستعمال أغلب المسيحيين القدماء إياه ، ورغبة في اكتساب فوائد الصوم رتبه بصفة رسمية الأنبا خرستوذولس "66في عداد البطاركة" وجعله فرضا عاما على جميع أفراد الكنيسة" .
ويذكره القمص صموئيل تاوضروس السرياني (+ 1983) ويذكر نوع الطعام الذي يؤكل فيه قائلا : "عرف المسيحيون هذا الصوم منذ القرون الأولى ، وقد زاوله النصارى في كل الأرض وربما رجال الدين أولا استعدادا للاحتفال بعيد الميلاد المجيد ، واتفقوا على تحديد مدته بأربعين يوما . . . ويلوح لنا من خلال الكتب الطقسية والتاريخية أن المؤمنين في مصر كانوا يمارسون هذا الصوم اختياريا وليس كفرض كنسي . وأول من أوجبه عليهم وأعطاه صفة رسمية ، هو البابا خرستوذولس - الذي أحزن نفسه والكنيسة بمختلف البلاد وهو يجمع المال بجشع زائد ويركض وراء السيمونية البغيضة - ويؤكل في هذا الصوم السمك مع القطاني وكل أصناف الحلوى" .
ويقول القس كيرلس كيرلس : "صوم الميلاد بوضعه الحالي أدخلــه خرستوذولـس البطريـــــرك الـــ "66" في القرن الحادي عشر عن الغرب حتى يتشابه في عدد أيامه مع الصوم الكبير . أضيف إليه ثلاثة أيام الصوم لنقل جبل المقطم وأصبح "43" يوما . ولكن خرستوذولس لم يذكرها في قوانينه . ولم يصم أهل الصعيد للميلاد إلا من أول كيهك (28يومأ ) ، وثبته البابا غبريال الثامن على هذا الوضع .
2 – مدة صوم الميلاد
منذ أن عُرف هذا الصوم ، واستقر الرأي على أن تكون عدد أيامه أربعين يوما حتى يماثل في عدده الأربعين المقدسة ، أضافت إليها الكنيسة القبطية الثلاثة أيام التي صامها الأنبا ابرآم بن زرعه السريانــــــي (975-978) - البطريرك "62" من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - والشعب القبطي معه قبل معجزة نقل جبل المقطم ، فصار صوم الميلاد في الكنيسة القبطية 43يومأ ، عدله البابا غبريال الثامن كما رأينا وجعله 28يومأ فقط . إلا أن الكنيسة عادت بعد وفاته إلى المدة المحددة سابقا 43 يوما ، بينما ظل في باقي الكنائس أربعين يوما فقط .
3 – الغرض من صوم الميلاد
تمارس الكنيسة صوم الميلاد تذكارا لمراحم الله بالجنس البشري ، ولذكرى الأيام الشقية التي سبقت مجيء المخلص ، وتذكارا للخطيئة التي كنا مستعبدين لها وقد عتقنا منها يسوع المسيح ربنا ، وإعرابا عن حبنا وطاعتنا للمولود من العذراء ، ومماثلة بموسى الذي لما صام قًبل كلمة الله ، ونحن بصومنا نقبل كلمة الله متجسدا ، ولتهيئة النفس لاستقبال عيد الميلاد .
4- صوم الميلاد في الكنيسة القبطية الكاثوليكية عبر العصور
ظلت الكنيسة القبطية الكاثوليكية تشترك مع نظيرتها الأرثوذكسية في الطقوس والممارسات الكنسية ونظم الصوم وعدد أيامه ونوع الطعام المسموح به إلي أن عقد مجمع القاهرة سنه 1898 م , دُعي "السينودس الإسكندري للأقباط " وحدد معني الصوم والانقطاع وما هي الأصوام المقررة في الكنيسة وحدد الأتي
يمتنع الصائم لمده معينه من الزمن عن الأكل والشرب , وعندما يحل صومه يمتنع عن نوع معين من المأكولات والمشروبات مثل اللحم والبيض والألبان والخمر وسائر المشروبات المسكرة . وهدف هذا الصوم أن يقدم الشعب المسيحي بواسطة إماتة الجسد تكفيراً عن خطاياه ويحضر نفسه للاحتفالات المهمة والأعياد.
وحدد صوم اميلاد كالتالي:
- انقطاع ميلاد الرب . كانت مدته 40 يوماً من يوم 16 هاتور إلي يوم29 كيهك . الأفضل أن يتبع الفرد هذا النظام , إلا أنه خُفض فصار 15 يوماً من يوم 13 كيهك إلي يوم 29 منه عيد الميلاد المجيد
في سينودس 1987 م
وأخر ما طرأ على نظام الصوم في الكنيسة القبطية الكاثوليكية من تعديل قرره السينودس المقدس للكنيسة القبطية الكاثوليكية برئاسة غبطة البطريرك إسطفانوس الثاني في فبراير 1987 والذي نص على الآتي :
+ صوم الميلاد ومدته خمسة عشر يوم .
خلاصــة
- صوم الميلاد هو الصوم الذي يسبق الاحتفال بعيد الميلاد المجيد .
- لم يبدأ الاحتفال بعيد الميلاد كعيد مستقل إلا في القرن الرابع الميلادي .
- لم تذكر القوانين القديمة شيئا عن صوم الميلاد ، ولكنها ذكرت فقط الاحتفال بعيد الميلاد .
- انتشر في الغرب ما بين القرن الرابع والقرن السادس الميلادي الحديث عن صوم يستمر أربعين يوما يسبق عيد الميلاد . يكون الصوم فيها فقط أيام الاثنين والأربعاء والجمعة من كل أسبوع .
- صوم الميلاد بوضعه الحالي أدخله البابا خرستوذولس في الكنيسة القبطية في القرن الحادي عشر .
- عدد أيامه أربعون يوما ، زيدت عليه بعد ذلك ثلاثة أيام لنقل جبل المقطم .
- كان أهل الصعيد يصومون للميلاد من أول كيهك 28يومأ فقط .
-أمر البابا غبريال الثامن في سنة 1602أن يبدأ صوم الميلاد من أول شهر كيهك وفصحه عيد الميلاد - أي أن يكون لمدة 28 يوما فقط . ولكن بعد وفاته بفترة قصيرة عادت الكنيسة القبطية إلى صومه 43 يوما من جديد واستمر على هذا الوضع إلي اليوم .
حدده السينودس المقدس للكنيسة القبطية الكاثوليكية برئاسة غبطة البطريرك إسطفانوس الثاني في فبراير 1987 كالتالي :
+ صوم الميلاد ومدته خمسة عشر يوم .
الأب / يوحنا زكريا نصرالله
راعي كنيسة السيدة العذراء
جزيرة الخزندارية – طهطا - سوهاج
المزيد
01 ديسمبر 2019
عِنَايِة الله بِشَعْبُه
الله هُوَ المَلِك عَلَى شَعْبُه هُوَ المُدَبِّر وَالقَّاضِي وَالمَسْؤُل عَنْ جَمِيعْ شُئُونِهِمْ وَالضَّابِطْ وَالمُعَلِّمْ وَالمُرَبِّي فِي شَتَّى المَجَالاَت إِذْ أرَادَ أنْ يُعْلِنْ لَهُمْ وَبِهُمْ مَحَبَّتَهُ الفَائِقَة وَرَحْمَتَهُ وَعَدْلَهُ وَعِنَايَتَهُ الَّتِي تَصِلْ إِلَى أنْ يُوصِيهُمْ أنْ لاَ تَطْبُخ جِدْياً بِلَبَنْ أُمِّهِ ( خر 23 : 19) أُنْظُر إِلَى أي مَدَى يُرَبِّي الله شَعْبُه وَيُهَذِّبَهُمْ إِذْ لَمْ يَشَأ أنْ يَتْرُكَهُمْ لِتَدَابِيرَهُمْ البَشَرِيَّة المَمْلُؤة ضَعَفَات وَلاَ لِشَرَائِعْ المُجْتَمَاعَات المُحِيطَة الَّتِي لاَ تَتَفِقٌ مَعَ دَعْوَتِهِمْ فَنَرَاهُ يَضَعْ لَهُمْ شَرَائِعْ تُنَظِّمْ الزَّوَاج وَالمِيرَاث وَالعِلاَقَة مَعَ العَبِيدْ وَالزِّرَاعَة وَالمَوَاشِي وَبِالأَوْلَى جِدّاً العِلاَقَات الإِنْسَانِيَّة مِثْل الضَّرْب { وَإِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ بِحَجَرٍ أَوْ بِلَكْمَةٍ وَلَمْ يُقْتَلْ بَلْ سَقَطَ فِي الْفِرَاشِ فَإِنْ قَامَ وَتَمَشَّى خَارِجاً عَلَى عُكَّازِهِ يَكُونُ الضَّارِبُ بَرِيئاً إِلاَّ أَنَّهُ يُعَوِّضُ عُطْلَتَهُ وَيُنْفِقُ عَلَى شِفَائِهِ } ( خر 21 : 18 – 19){ وَإِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ عَيْنَ عَبْدِهِ أَوْ عَيْنَ أَمَتِهِ فَأَتْلَفَهَا يُطْلِقُهُ حُرّاً عِوَضاً عَنْ عَيْنِهِ } ( خر 21 : 26 ) { وَإِذَا نَطَحَ ثَوْرٌ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً فَمَاتَ يُرْجَمُ الثَّوْرُ وَلاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَأَمَّا صَاحِبُ الثَّوْرِ فَيَكُونُ بَرِيئاً وَلكِنْ إِنْ كَانَ ثَوْراً نَطَّاحاً مِنْ قَبْلُ وَقَدْ أُشْهِدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يَضْبِطْهُ فَقَتَلَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً فَالثَّوْرُ يُرْجَمُ وَصَاحِبُهُ أَيْضاً يُقْتَلُ } ( خر 21 : 28 – 29 ) وَكَمْ بِالأَوْلَى فِي حَالِة القَتْل الَّذِي يُمَثِّل إِهْدَار لأِغْلَى حَيَّ عَلَى الأرْض .
وَفِي شَرِيعَة القَتْل :-
أمَرَ الله { مَنْ ضَرَبَ إِنْسَاناً فَمَاتَ يُقْتَلُ قَتْلاً } ( خر 21 : 12) كَانَتْ الوَصِيَّة صَرِيحَة الَّتِي أعْطَاهَا الله لِمُوسَى النَّبِي عَلَى الجَبَلْ { لاَ تَقْتُلْ } ( خر 20 : 13)وَهيَ وَصِيَّة قَدِيمَة قِدَم البَشَرِيَّة فَلاَ نَنْسَى أنَّ القَتْل كَانَ أوَّل خَطِيئَة عَلَى الأرْض الَّذِي أظْهَرَ جُذُور شَر الإِنْسَان فَرَأَيْنَا فِي قَتْل قَايِين لأِخِيهِ هَابِيل ( تك 4 : 8 ) صُورَة لِصِرَاع الإِنْسَان الَّذِي يُرِيدْ أنْ يَكُون إِلَهاً حَتَّى وَلَوْ عَلَى حِسَاب أخِيهِ أوْ صَدِيقُه أوْ جَارُه فَحِينَ أرَادَ أَخْآب المَلِك أنْ يُوَّسِعْ قَصْرَهُ قَتَلَ نَابُوت الْيَزْرَعِيلِيِّ وَاسْتَوْلَى عَلَى أرْضِهِ ( 1مل 21 : 19) فَكَانَ لاَبُدْ مِنْ تَدَّخُلْ إِلهِي يُنَظِّمْ هذِهِ المَأسَاة لأِنَّهَا لَوْ تُرِكَتْ لَزَادَ الإِنْسَان فِي شَرَاسَتِه وَعَاشَ حَيَاة الغَابَة كَمَا عَبَّرَ لاَمِك عَنْ إِنْتِقَامِهِ { فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي وَفَتًى لِشَدْخِي إِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ } ( تك 4 : 23 – 24 ) وَكَأنَّهُ يُرِيدْ أنْ يُعَبِّر عَنْ أنَّ مُجَرَّدٌ أحَدٌ يَجْرَحَهُ يَقْتُلْ رَجُلاً مُقَابِل الجَرْح وَإِنْ أحَدٌ شَدَخَهُ أي مُجَرَّدٌ خَدَشَهُ يَقْتُلْ مُقَابِلُهُ فَتًى إِنَّهَا صُورَة تُعَبِّر عَنْ شَرَاسِة الإِنْسَان خَارِج حُدُود الوَصِيَّة الَّتِي سَوْفَ تَصِلْ إِلَى قَتْل سَبْعَة وَسَبْعِينَ مُقَابِلْ الوَاحِدٌ وَهُنَا جَعَلَ الله الإِنْتِقَام يَتَنَاسَبْ مَعَ الخَطَأ وَلاَ يَتَعَدَّاه وَصَارَ الله ضَامِناً لِسَلاَمِة شَعْبِهِ وَأرْضِهِ ألاَّ يُسْفِكُ عَلَيْهَا دَماً بَرِيئاً لِذلِك نَجِدْ الله يَعْتَنِي بِهذَا الأمر جِدّاً وَيُوصِي { مَنْ ضَرَبَ إِنْسَاناً فَمَاتَ يُقْتَلُ قَتْلاً وَلكِنَّ الَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْ بَلْ أَوْقَعَ اللهُ فِي يَدِهِ فَأَنَا أَجْعَلُ لَكَ مَكَاناً يَهْرُبُ إِلَيْهِ }( خر 21 : 12 – 13) وَدَبَّرَ الله بِعِنَايَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ مُدُناً مُخَصَّصَة لِحِمَايِة كُلَّ مَنْ قُتِلَ سَهْواًوَبِغَيْرِ عَمْدٍ { حَتَّى لاَ يُسْفَكَ دَمُ بَرِيٍّ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيباً فَيَكُونَ عَلَيْكَ دَمٌ } ( تث 19 : 10) إِنَّهَا نَمَاذِج بَدِيعَة لِعِنَايِة الإِله العَظِيمْ الَّذِي حَمَلَ شَعْبَهُ عَلَى أجْنِحَة النُّسُور وَأَحَاطَ بِهُمْ وَلاَحَظَهُمْ الَّذِي عَالَهُمْ فِي البَرِّيَّة أرْبَعِينَ سَنَة وَلَمْ تُبْلَ ثِيَابِهِمْ وَنِعَالِهِمْ لَمْ تَفْسَدٌ ( تث 29 : 5 )وَفِي كُلَّ هذِهِ إِشَارَات لِلبَرَكَات المَبْذُولَة بِيَسُوع فِي طَرِيقٌ غُرْبِتْنَا فِي هذِهِ الحَيَاة .
القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية
عن كتاب مدن الملجأ
المزيد