الراهب القمص بنيامين المحرقي

Large image

حاصل على بكالوريوس علوم زراعية 1990.
ماجستير علوم زراعية ومحاصيل كليه الزراعة جامعة المنيا 1994
بكالوريوس الكلية الإكليريكية بالمحرق
دبلوم من قسم اللاهوت معهد الدراسات القبطية 2012

المقالات (19)

22 يوليو 2025

"بالحقيقة نؤمن بإله واحد" ( ٢)

بدأ آباء مجمع نیقیة شرح قانون الإیمان بإعلان وحدانیة الجوھر الإلھي، ویعلل القدیس كیرلس السكندري ھدف ذلك، وھو ھدم آراء الیونانیین القائلین بتعدد الآلھة من أساساتھا،فقد عبر عنھم معلمنا القدیس بولس الرسول، قائلاً "وَبَیْنَمَا ھُمْ یَزْعُمُونَ أَنَّھُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُھَلاَءَ وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ یَفْنَى بِشِبْه صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي یَفْنَى وَالطُّیُورِ والدَّوَابِّ وَالزَّحَّافَاتِ الَّذِینَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ" (رو ۱: 22 , 23, 25). الكتاب المقدس بعھدیه یؤكد وحدانیة الله: قال الآباء بإله واحد تابعین الكتب المقدسة من كل جھة ومظھرین جمال الحق لكل إنسان وھذا ما فعله موسى الحكیم قائلاً "إِسْمَعْ یَا إِسْرَائِیلُ الرَّبُّ إِلھُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (تث ٦: 4) ویقول في موضع آخر "لاَ یَكُنْ لَكَ آلِھَةٌ أُخْرَى أَمَامِي" (خر ۲۰: 3) ، وأیضًا "أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ وَلاَ إِلَه غَیْرِي" (إش ٤٤: 6) فوضع الآباء الممجدون قاعدة للإیمان بضرورة أن نقول إن الله واحد متفّرد بالطبیعة وبالحق، ومن ثم أنھم یؤمنون بإله واحد (القدیس كیرلس الكبیر، رسالة ٥٥: 11) ھكذا أیضًا یؤكد العھد الجدید على وحدانیة الله "اللهُّ وَاحِدٌ وَلَیْسَ آخَرُ سِوَاهُ" (مر ۱۲: 32) ، وقال معلمنا بولس الرسول "اللهَ وَاحِدٌ" (رو ۳ : 30, ۱كو ۱۲: ٦، غل ۳ :20)، وقال معلمنا یعقوب الرسول "أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَّ وَاحِدٌ حَسَناً تَفْعَلُ" (یع ۲: 19). الكائن غیر المحدود الكامل لابد أن یكون واحدًا: من طبیعة غیر المحدود الكامل أن یملك كل شيء، ولا یمكن أن یزاد شيء على كمال طبیعته، وھو ضروري الوجود، ویملأ الكل وجوھر الله روح بسیط (یو ٤: 24) لیس له جسم سواء "أَجْسَامٌ سَمَاوِیَّةٌ أو أَجْسَامٌ أَرْضِیَّةٌ" ( ۱كو ۱٥: ٤۰ ) لأن الأجسام محدودة (أجسام البشر أو الملائكة) مكانیًا وزمانیًا، أما جوھر الله فھو "مِلْءُ الَّذِي یَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (أف ۱: ۲۳). الكون الواحد برھان على أن الخالق واحد: برھن القدیس أثناسیوس الرسولي على وحدانیة الله بقوله "لأننا یجب أن لا نتوھم أن ھناك أكثر من ضابط وخالق واحد للخلیقة، فالدیانة السلیمة الحقیقیّة تعتقد أن بارئھا واحد، والخلیقة نفسھا تُشیر إلى ھذا بوضوح، لأنه إن كان لا یوجد سوى كون واحد لا أكثر، فإن ھذا برھان قاطع على أن خالقه واحد إن كان الكون قد خُلق بآلھة متعددة لصارت حركاته عدیدة ومخالفة بعضھا للبعض، لأنه إذا التفت الشيء إلى كل واحد من خالقیه فإن حركاته تكون مختلفة بالتبعیة وھذا ینتج عنه اضطراب وعدم نظام، لأنه حتى السفینة لا یمكن أن تسیر مستقیمة إذا قادھا كثیرون، ما لم یمسك الدفة ربان واحد،والقیثارة لا تُعطي نغمات متوافقة إن ضرب علیھا كثیرون، ما لم یضرب علیھا عازف واحد إذًا طالما كانت الخلیقة واحدةً والكون واحدًا، ونظامه واحدًا، فیجب أن نُدرك أن سیدھا وخالقھا واحد أیضًا" (رسالة إلى الوثنیین ۳: 39: 1-6). الله واحد لكنه لیس جوھرًا فردیًا Monad , بل وحدة ثالوثیة Trinity: وھو لیس مجرد وحدة Unit من الوحدات بل ھو شركة، فالتمركز حول الأنا ھو موت الشخصیّة الحقیقیّة مثال المحبة لا یمكن للمحبة أن تقوم في عزلة بل ھي تفترض وجود الآخَر –إن محبة الذات ھي إلغاء للمحبة (حب الذات ھو الجحیم في حد ذاته)- حب الذات إذا ما بلغ منتھاه إنما یدل على نھایة كل فرح وكل معنى فاﻟﻠﮫ واحد مثلث الأقانیم، كل أقنوم یوجد في الاثنین الآخرین بفضل حركة محبة متبادلة لا تتوقف [أنا أحب لھذا أنا كائن]. القمص بنيامين المحرقى
المزيد
15 يوليو 2025

بالحقيقة نؤمن بإله واحد

وضع معلمنا القدیس بولس الرسول حدًا فلسفیًا ووضحه بقوله"وَأَمَّا الإِیمَانُ فَھُوَ الثِّقَةُ بِمَا یُرْجَى وَالإِیقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى" (عب ۱۱: 1) كأنھا(المواعید والأمور الإیمانیة) قد تمت بالفعل. الإیمان ھبة وعطیة مجانیة من الله: الإیمان الحقیقي ھو إعلان الله للإنسان، ولیس اكتشاف الإنسان لقد أعلن الله للناس عن نفسه وعن خلاص الإنسان، وھناك ارتباط بین إعلان الله عن نفسه وخلاص الإنسان یذكر القدیس كیرلس السكندري شروط المعرفة الحقیقیة والإیمان بقوله [في الواقع أن لا شيء یؤھلنا للنظر في ما یفوق عقلنا وتصوّرنا ما لم یُنِر الله سید الكون بصیرتنا، ویبثنا الحكمة،ویھب لساننا الوسائل الكافیة،ویؤھلنا لأن نُدرك ونفسِّر،على حسب ما في وسعنا، شیئًا من السر الذي یحیط به]. الإنسان ینال الإیمان بالتجاوب مع النعمة یقول القدیس كیرلس: [نعمة كھذه (الإیمان) لیست من نصیب أي إنسان، إنھا من نصیب أولئك الذین یكونون بمعزلٍ عن الأھواء الجسدیة،وبمنحاة من الفساد الأرضي، أولئك الذین صحت أرواحھم فعرفوا أي الفضائل تقود الإنسان إلى التقوى ومثل ھذه الصفات یحثنا علیھا إله الكون قائلاً بصوت داود "كُفُّوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ" (مز ٤٦: 10) ویضیف سیدنا یسوع المسیح قائلاً: "طُوبَى لِلأَنْقِیَاءِ الْقَلْبِ لأَنَّھُمْ یُعَایِنُونَ اللهَّ" (مت ٥: 8) والحال أن الطبیعة العلیا لا یمكن إدراكھا بعیون الجسد، بل بعیون الفكر الداخلیة والسریة التي تثیر في الإنسان شتى مقتضیات الفضُول الدقیقة، ومن خلال رؤى تفوق الحسّ، تلتقط نور الوحي الإلھي] (الرد على یولیانوس). الإیمان لیس ضد العقل بل فوق العقل: یجب أن لا نھمل دور أي من الإیمان أو العقل في الحیاة الروحیة، فالإیمان ھبة من الله، والعقل عطیة منه، لذا فھما صنوان لا یفترقان یقول معلمنا القدیس بطرس الرسول "وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِیحُ ابْنُ اللهِّ الْحَيِّ" (یو ٦: 69) ، ویقول معلمنا داود النبيّ "إِنْسَانٌ فِي كَرَامَةٍ وَلاَ یَفْھَمُ یُشْبِه الْبَھَائِمَ الَّتِي تُبَادُ" (مز ٤۹: 20). الإیمان والعقل ھما بمثابة جناحین یمكن أن یرتقیا بالإنسان إلى تأمل الحقیقة: فاﻟﻠﮫ ھو الذي وضع في قلب الإنسان الرغبة لمعرفة الحقیقة ومعرفته ھو ذاته، حتى إذا ما عرفه وأحبه تمكّن من الوصول إلى حقیقة ذاته یقول ابن كبر: [لا یخفى على أحد أن الشریعة المسیحیة والأمانة الأرثوذكسیة قَبِلَھا المؤمنون، بظھور الآیات وفعل المعجزات الباھرة الفائقة للطبیعة، التي تسمو فوق فكر الملوك والعظماء والفلاسفة والحكماء، التي أجراھا الرب یسوع المسیح له المجد على یدي رسله الأطھار وتلامیذه الأبرار الذین أیدھم بروح قدسه فاقتادوا الأمم بالمعجزات والتقوى وانتشلوھم من الھوى، ولم یكن ذلك بفلسفة عالمیة ولا بمقاییس الحكمة البشریة والإیمان كافٍ لمَن تمسك بأسبابه غیر أنه لما دخل الإیمان العلماء من الأطیاف المختلفة، واتجھوا إلى البحوث النظریة قصدًا للتأكید والتأیید وكشف ما یستتر من براھین الإیمان وكذلك حل الشكوك التي یوردھا الجھال والمعاندون ویثبتون حقیقة الدیانة المسیحیة] (مصباح الظلمة في إیضاح الخدمة، ج ۱). "نؤمن" ولیس "نعرف": لأن الإیمان یسبق المعرفة، إذن فدور الإیمان سابق لدور العقل، ویؤكد ذلك معلمنا القدیس بولس الرسول بقوله "باِلإیِمَانِ نَفْھَم أنَّ الْعَالمَینَ أتُقنِتْ بكِلمِةِ الله،ِ حَتَّى لمَ یَتَكَوَّنْ مَا یرُى مِمَّا ھُوَ ظَاھِرٌ" (عب ۱۱: 3) الإیمان یعطي لحیاتنا معنى وسعادة وصبرًا واستمراریة، وفي نفس الوقت یكشف عن التزاماتنا وتجاوبنا عملیًا مع من نؤمن به كما أن الإیمان یلزم أن یمس حیاتنا، بینما قد تقف المعرفة عند أمور لا تمس حیاتنا العقل یقبل ما یسلمه الإیمان لنا، والإیمان یوصلنا إلى مرحلة أعلى من العقل. القمص بنيامين المحرقى
المزيد
31 مارس 2025

«رَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى» (1تي4: 7).

تأتي كلمة تقوى في اليونانية ευσεβία تتكون من جزئين: ευ حسنا، σεβία بمعنى: أن يكون متعبِّدًا تقيًا. وهي تشير إلى التديُّن والوَرَع المتجه نحو الله، والذي يعمل حسب ما يرضيه ويتفق مع مشيئته. ويذكرها معلمنا القديس بولس الرسول بمعنى الخوف المقدس، الذي دفع نوح لبناء الفلك (عب11: 7). وقد جاءت هذه الصفة مرتبطة بالله: «هُوَ الصَّخْرُ الكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جَمِيعَ سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلهُ أَمَانَةٍ لا جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ» (تث32: 4)، فالله يقيم الساقطين، ويشبع الجياع، قريب لمن يدعوه، يقول عنه سفر الحكمة: «يلبس البِرّ درعًا، وحُكم الحق خوذة» (حك5: 19)، ويقول القديس يوحنا الرائي: «لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ» (رؤ15: 5). في المسيح تُحقّق تقوى الله قصدها الخلاصيّ، وفيه تجد تقوى المسيح ينبوعها ومثالها. وأعمال المسيح كانت تهدف إلى جذب الإنسان نحو التقوى، يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: [إن المخلص كان يتمم كل يوم أعمالًا متعددة، جاذبًا البشر إلى التقوى، ومقنعًا إياهم بحياة الفضيلة] (تجسد الكلمة، 31، 2)، والتقوى هنا يقصد بها الإيمان بالمسيح. والإيمان بالمسيح هو الحق حسب التقوى: يقول القديس بولس الرسول: «لأَجْلِ إِيمَانِ مُخْتَارِي اللهِ وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، الَّذِي هُوَ حَسَبُ التَّقْوَى» (تى1:1)، ويقول: «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى» (1تي3: 16)، أي التقوى التي توجد متضمنة، ولا يمكن أن تتحقق، إلّا من خلال الإيمان بالمسيح. حياة التقوى: هي الحياة في مخافة الله وحسب وصاياه، فتكمن التقوى الحقيقية في صنع مشيئة الله بإرادة حرة، فيتجاوب المؤمن مع عمل النعمة في حياته، مثال حنانيا الذي عمّد شاول الطرسوسيّ: إذ كان «رَجُلًا تَقِيًّا حَسَبَ النَّامُوسِ» (أع22: 12). وبهذه الصفة وصفوا أيضًا الرجال الذين صعدوا لحضور عيد الخمسين «وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ» (أع2: 5)... وحياة التقوى هي البعد عن الشر، فقد قال الرب عن أيوب: «رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ» (أي1: 8).. وفي (2بط3: 11) «يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى» ويقصد بها أعمال التقوى. كما أن حياة التقوى تظهر في العلاقات مع الآخرين، بين الأقارب مثل يوسف مع أبيه يعقوب (تك47: 29)، والأصدقاء مثل يوناثان وداود (1صم20: 8)، والحلفاء (تك21: 23). والتعليم حسب التقوى هو التعليم السليم: «إِنْ كَانَ احَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى فَقَدْ تَصَلَّفَ» (1تي6: 3). بل ويحذره من الذين يستخدمون التقوى بصورة خاطئة «يَظُنُّونَ انَّ التَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هَؤُلاَء» (1تي6: 5). ويميز القديس يوحنا ذهبي الفم، التعليم حسب التقوى بأنه ليس فقط التعليم السليم بل التعليم بتواضع. فالكبرياء تنشأ عن عدم المعرفة، فيقول: [لا ينبع التصلُّف عن المعرفة، إنما عن عدم المعرفة، فمن يعرف تعاليم التقوى يميل بالأكثر إلى التواضع. من يعرف الكلمات المستقيمة لا يكون غير مستقيم] (عظة 17 على رسالة تيموثيؤس الأولى). اقتناء حياة التقوى: معلمنا القديس بولس الرسول ينصح تلميذه الأسقف تيموثيؤس، قائلًا: «َرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى» (1تي4: 7). ولاهمية حياة التقوى يكرر له نفس النصيحة مرة أخرى في (1تي6: 11). والصلاة هي الطريقة التي نقتني بها حياة التقوى «لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ» كذلك حياة الجهاد الروحي والتداريب الروحية: «َرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى» (1تي4: 7)، والصوم فرصة مناسبة لذلك. القمص بنيامين المحرقي
المزيد
24 مارس 2025

حَسَنَةٌ هِيَ الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى (غلا4: 18)

كلمة غيرة في اللغة اليونانية ζηλος وتعني كفاح متحمس، وفي الترجمة السبعينية تأتي غالبًا بمعنى حماس موجَّه نحو الله. والكلمة قد يُقصَد بها أيضًا حسد ونيّة سيئة (مثل إخوة يوسف) فقد يكون شخص يريد الوصول لأهداف خيِّرة، أو فرد حسود وغيور. الله غيور: يقول الله في الوصايا العشر: «لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ» (خر20: 10). وغيرة الله في اتجاهين:- الأول:- غضب الله وعقابه العادل نحو الأشرار«هَلْ إِلَى الدَّهْرِ تَسْخَطُ عَلَيْنَا؟ هَلْ تُطِيلُ غَضَبَكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ؟» (مز85: 5)، وقد غار المسيح إلهنا وطرد الباعة من الهيكل، و«َتَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي» (يو2: 17). والثاني:- عمل الرحمة مع أولئك الذين يتقونه «لأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِشَعْبِهِ وَلأَتْقِيَائِهِ فَلاَ يَرْجِعُنَّ إِلَى الْحَمَاقَةِ لأَنَّ خَلاَصَهُ قَرِيبٌ مِنْ خَائِفِيهِ» (مز85: 8، 9) يقول إشعياء النبي «فَلَبِسَ الْبِرَّ كَدِرْعٍ وَخُوذَةَ الْخَلاَصِ عَلَى رَأْسِهِ وَلَبِسَ ثِيَابَ الاِنْتِقَامِ كَلِبَاسٍ وَاكْتَسَى بِالْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ» (إش59: 17). غيرة القديسين: الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي هو عمل جماعي، يقول معلمنا يعقوب الرسول «فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئًا عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ يُخَلِّصُ نَفْسًا مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا» (يع5: 20)، هكذا غار معلمنا داود النبي وملكتهُ الكآبة «لأَنَّ أَعْدَائِي نَسُوا كَلاَمَك» (مز119: 139) وكان القديس بولس الرسول غيورًا في خدمته لكل أحد فيقول «مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟» (2كو11: 29)، وقد احتدت روحه عندما وَجَد مدينة أثينا مملوءة أصنامًا (أع17: 16). ويقول القديس بولس للكورنثيين « فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ» (2كو11: 2)، فمحبته للمسيح وللقديسين جعلته يغير لئلا يقف أي شخص أو أي شيء حائلًا بينهم وبين المسيح. إنه لا يشفق على الذين بالتعاليم المُضلة يُبعدون القديسين عن المسيح أي مَنْ كان، فإن أتى رسول أو ملاك من السماء ليكرز بإنجيل آخر فليكن أناثيما (غلا1: 8). الغيرة الحسنى: هي الغيرة التي تؤدي إلى عمل بنّاء وليس عملًا هدّامًا، فالغيرة الهدّامة المرتبطة بالتحزُّب والثورة تؤدّي إلى أمور خارجة عن اللياقة، وهي من أعمال الجسد (غلا5: 19) وقد رفضها معلمنا يعقوب الرسول، إذ يقول «وَلَكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَّزُبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَّزُبُ هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ» (يع3: 14، 16) وقال القديس بولس الرسول عن الذين يغارون ولكن ليس عن صدق «يَغَارُونَ لَكُمْ لَيْسَ حَسَنًا» (غلا4: 17)، والباعث لمثل هذه الغيرة هو الرغبة فى المجد الذاتيّ، ولذلك يكمل الرسول قوله «بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوكُمْ لِكَيْ تَغَارُوا لَهُمْ» (غلا4: 17) بينما الغيرة الحسنى هي الغيرة المرتبطة بالمحبة والتواضع، تكون في المسيح. ترتبط الغيرة الحسنى أيضًا بالمعرفة السليمة، فالذي يكون مشوّشًا في تعليمه يغار غيرة خاطئة بجهل، متحمّسًا لمحاربة شيء دون معرفة، دون تحقيق، دون تدقيق، لمجرد السماع يشير الرسول بولس إلى حياته قبل الإيمان بالمسيح، وكيف كان شديد الغيرة على الديانة اليهوديّة وعلى مقاومة من يخالفها على أنه يعترف أن اضطهاده للمسيحيين صدر منه عن جهل، ويتكلم عن رحمة الله التى أدركته. كيف نقتني الغيرة الحسنى؟ الروح القدس هو الذي يشعل فينا الغيرة نحو مجد الله، فنهيئ أنفسنا لنتجاوب مع عمل الروح القدس فينا، والصوم فرصة ملائمة لاقتناء الغيرة الحسنى، فنزيد من قراءة الكتاب المقدس والصلاة، كذلك سير القديسين، فتلهب مشاعرنا نحو الله والأمر الهام أيضًا في اختيار الأصدقاء اختر صديقًا يرفعك روحيًا وعلميًا وليس صديق يثبّطك ويهوى بك إلى أسفل «لاَ تَضِلُّوا! فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (1كو15: 33). القمص بنيامين المحرقي
المزيد
17 مارس 2025

في الصوم: تقوية للإرادة

في الوقت الذي يرفض فيه معلمنا القديس بولس الرسول، في عصر النعمة، العوائد اليهودية في الإمتناع عن بعض الأطعمة، وذلك لأن هذا المنع كان يقوم على كونها نجسة، فيقول: «إِنِّي عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِسًا بِذَاتِهِ إِلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئًا نَجِسًا فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ» (رو14:14). في نفس الوقت ينادي بالصوم، ويعيشه (2كو6: 5؛ 11: 27)، فالصوم يعتمد على أن كل ما خلقه الله مقدس. فمنع بعض الأطعمة (الأطعمة الحيوانية) ليس لكونها نجسة؛ بل للتحكم في الإرادة، وكذلك العودة إلى حالة البر الأولى التي خُلِق عليها الإنسان، والتي فيها كان طعامه من أصل نباتيّ. الصوم وسيلة وليس غاية:- الصوم νηστία هو الامتناع عن الطعام لفترة محددة، يعقبه تناول أطعمة نباتية، هدفه قمع وانضباط للجسد والنفس، فعندما أوصى الله آدم أن لا يأكل من الشجرة، وإن أكل منها موتًا يموت، هذه الوصية الأولى بالصوم. الجوع الجسديّ يعبّر عن الجوع الروحيّ «طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (مت5: 6) فبالصوم تقوّي الإرادة ويسيطر الإنسان على أهوائه الصوم يجعل الإنسان في حالة تركيزٍ روحيّ، فهو وسيلة لتطهير النفس: «تُذَلِّلُونَ نُفُوسَكُمْ لأَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ لِتَطْهِيرِكُمْ. مِنْ جَمِيعِ خَطَايَاكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ تَطْهُرُونَ» (لا16: 29، 30) جاء في كتاب الأنظمة ليوحنا كاسيان [ينبغي علينا أن نُظهر أولًا أننا أحرار من الخضوع للجسد؛ لأن الشخص هو عبد لمن ينغلب منه لأنه من المستحيل للمعدة الممتلئة أن تنهض بمعارك الإنسان الباطنيّ ولا من الصواب لمَن قُهِر في أدنى مناوشة أن يكون جديرًا لأن يُجرَّب بمعارك أصعب] (أنظمة13). «أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ» (1كو9: 27):- لأن الإنسان خُلِق على صورة الله، في الحرية والإرادة، وعندما يفقدها تسيطر الغريزة، وفي هذه الحالة ينطبق عليه قول المزمور«إِنْسَانٌ فِي كَرَامَةٍ وَلاَ يَفْهَمُ يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ» (مز49: 20) يقول القديس باسيليوس الكبير[الإنسان الذي هو أقل قليلًا من الملائكة، وعنه يقول سليمان الحكيم «اَلصِّدِّيقُ يَسْلُكُ بِكَمَالِهِ طُوبَى لِبَنِيهِ بَعْدَهُ» (أم20: 7)، هذا الإنسان لأنه لم يدرك قيمته العظيمة، أُستعبد إلى الشهوات الجسدية] (PG29/460) فالإنسان يختلف عن الحيوان في القدرة على تنظيم الحصول على إحتياجاته ‏الأساسية بصورة تليق بالحالة التي جُبل عليها فلو لم نقمع شهوات أجسادنا، فان الشهوات ستمتلكها وتقيدها وتقيدنا معها. يقترن الصوم دائمًا الصلاة والصدقة:- يقول دانيال النبي: «فَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَى اللَّهِ السَّيِّدِ طَالِبًا بِالصَّلاَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ بِالصَّوْمِ وَالْمَسْحِ وَالرَّمَادِ» (دا 9: 3)،هكذا يذكر نحميا اقتران الصوم بالتوبة: «اجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالصَّوْمِ وَعَلَيْهِمْ مُسُوحٌ وَتُرَابٌ وَوَقَفُوا وَاعْتَرَفُوا بِخَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ» (نح9: 1 ،2) والمسيح إلهنا نفسه، قال عن الأرواح النجسة «هَذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ» (مر9: 29) يصاحب الصوم قلب تائب، في اشتياق لتجديد علاقة مع الله فزمن الصوم هو زمن التوبة والعودة إلى الذات ويقول القديس يوحنا الدرجي [الصوم هو كبح رغبات الجسد، وابتعاد عن الأفكار الشريرة، وتحرر من التخيلات المذنبة هو طهارة الصلاة، نور للنفس، ويقظة العقل والقلب معًا فهو انتظار الرب، هو فتح القلب وتحرره من كل شيء يمكن أن يعرقل هبة فصح المسيح] لذلك الصوم يهيّئ الإنسان لمقابلة الله موسى النبي لكي يتهيّأ لإستلام لوحي الشريعة صام أربعين يومًا وأربعين ليلة، وعند اختيار برنابا وشاول للخدمة «فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا» (أع13: 3) ومن العبارات الكتابية القوية في ذلك «صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ» (أع24: 23) يقول القديس يوحنا ذهبيّ الفم [لنطلب الطعام لكي نقتات به، لا ليحطمنا نطلب الطعام كقوتٍ لنا، لا كمجال للأمراض، أمراض النفس والجسد نطلب الطعام الذي يعطي راحة لا ترفًا حيث يكون مملوء إزعاجًا] (عظة27 على أعمال الرسل) القمص بنيامين المحرقي
المزيد
10 مارس 2025

«لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ» (يع1: 19)

تأتي الكلمة اليونانية κούω͗α بمعنى ينصت باهتمام، معبرة عن الإدراك عن طريق السمع وهو الأمر عينه الذي يوصى به يشوع بن سيراخ، قائلًا «كن سريعا في الاستماع وكثير التأني في إحارة الجواب» (سي5: 13) لقد أعطى الله الخالق للإنسان أُذنين بارزتين من رأسه، لكي يسهل له عملية الاستماع وكلمة "مسرعًا" تعني راغبًا أن يسمع باشتياق وبحب؛ فبالتالي هو لا يستمع بهدف الجدال أو المخاصمة، بل بعد السماع والإدراك يدخل حيز التنفيذ والعمل فنصلي في أوشية الإنجيل [فلنستحق أن نسمع ونعمل، بأناجيلك المقدسة، بطلبات قديسيك] ولكن يجب أن نلاحظ أن الإسراع في الاستماع ليس مطلقًا، فهناك أشياء لو سمعها الإنسان تضرّه، لذلك يوصينا سليمان الحكيم، «لاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَى كُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي يُقَالُ لِئَلاَّ تَسْمَعَ عَبْدَكَ يَسِبُّكَ» (جا7: 21) ومنها أن لا نشغل أنفسنا بكلمات الغير ضدنا، فالاهتمام بكلام أهل العالم، يجعلنا نصير عبيدًا للناس فلا نبالي لا نحب مديحهم، ولا نكره ذمّهم بل الإسراع في الاستماع لما يخص خلاص النفس والسماع إلى «خَبَرِ الإِيمَانِ» (غلا3: 5) فهذا واجب بأن نسرع دائمًا للجلوس تحت أقدام المسيح إلهنا، كما جلست مريم أخت لعازر الإستماع وصية إلهية يبدأ الله حديثه في الوصايا العشر، قائلًا «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ » (تث6: 4) فالاستماع أفضل من تقديم الذبيحة (1صم15: 22)، بل ويطلب معلمنا إشعياء النبي من الطبيعة غير العاقلة أن تستمع «اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ» (إش1: 2) يقول القديس أمبروسيوس [لم يقل "تكلم" بل "اسمع" فقد سقطت حواء، لأنها تكلمت مع آدم بما لم تسمعه من الرب إلهها فالكلمة الأولى التي يقول لك الله "اسمع" فإن كنت تسمع تحتاط في طريقك، وإن سقطت تصلح بسرعة طريقك لأنه «بماذا يصلح الشاب طريقه إلاَّ بحفظ كلمة الرب؟!» (مز119: 9) لذلك قبل كل شيء اصمت واسمع، فلا تسقط بلسانك إنه لشر عظيم أن يُدان الإنسان بفمه] (Duties of the Clergy,Book1, ch. 2) وعدم الاستماع لصوت الله، ووصاياه خطيئة قبل سبي بابل كانت مهمة الأنبياء أن ينادوا بأن الله سيدين من لا يسمع لصوته، بل وجعل المسيح إلهنا لمن لا يسمع لصوت المصالحة أو من الكنيسة؛ كالوثنيّ والعشار (مت18: 17) مع ملاحظة قول المسيح إلهنا للرسل «اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي» (لو10: 16)، فالكنيسة لا تتكلم إلا بكلام الله الله يسمع كما يطلب الله من أبنائه أن يستمعوا له، هو أيضًا يسمع لهم، ويستجيب وهذا ما يميز الإله الحي الحقيقيّ عن الآلهة الكاذبة، التي لها آذان ولا تسمع «فحسبوا جميع أصنام الأمم آلهة، مع أنها لا تبصر بعيونها، ولا تتنشق الهواء بأنوفها، ولا تسمع بأذنها ولا تلمس بأصابع أيديها أما أرجلها فعاجزة عن المشي» (حك15: 15).الاستماع للآخر يعالج معلمنا القديس يعقوب الرسول، أمرٌ خطير في حوارنا مع بعضنا البعض، فنحن قد لا نعطى فرصة لمن يريد أن يتكلم حتى يُعبِّر عن نفسه، بل نقاطعه لنعلن رأينا نحن!! وهنا نسمع الطريقة الصحيحة للحوار، أن نعطي للمتكلم فرصة كافية ولا نقاطع المتكلم فالاستماع في حد ذاته وسيلة للعلاج، فقد يكون المتكلم يريد أن يخرج ما بداخله من أمور مكبوته، وفقط يطلب من يسمعه، وهذا أمرٌ هام بالنسبة للأب الكاهن أو الإخوة الخدام من ناحية أخرى سماع الآخر، ولا سيما صاحب الرأي الآخر، سواء في حوارٍ لاهوتيّ، أو مناقشة من تعرّض لأفكار إلحادية؛ وسيلة هامة جدًا أن نستمع لهم حتى نحدد الفكر الخاطئ بدقة، ولا نتوهم نحن المشكلة، فمن يسمع للناس بهدوء لن يخطئ في الرد عليهم. القمص بنيامين المحرقي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل