المقالات
16 يونيو 2024
انتظروا الروح القدس - الأحد السادس من الخماسين
إن الفترة من عيد الصعود إلى عيد حلول الروح القدس تعتبر ((10)) أيام ولقد كان التلاميذ في هذه الفترة يجلسون في حالة من الإعتكاف وفي حالة من الصوم والصلاة من أجل انتظار عطية الروح القدس إلى أن جاء يوم الخمسين وربنا يسوع أوصى تلاميذه وقال لهم ﴿ فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تُلبسوا قوة من الأعالي ﴾ ( لو 24 : 49 ) .. ولهذا نجد أن قراءات الكنيسة خلال هذه الفترة تتركز على كيف نستقبل عطية الروح القدس فهي عطية عظيمة تحتاج منا إلى إعداد وتمهيد .. ولهذا يقول المزمور ﴿ سبحي الرب يا أورشليم سبحي إلهك يا صهيون ﴾ ( مز 147 – من مزامير النوم ) .. فالكنيسة تسبح وذلك لكي تهب ريحه فتُسيِل المياه و * تهب ريحه * تعني * الروح القدس * و * تُسيل المياه * تعني * عطايا الروح القدس * ولذلك لابد أن نكون مستعدين لكي تهب ريحه فتسيل المياه وذلك من خلال أن نسبح الرب ولهذا لابد أن نكون في هذه الفترة في حالة تضرع ورفع قلب وتسبيح تمهيداً لانتظار عطية الروح القدس ولهذا يقول الإنجيل ﴿ الحق الحق أقول لكم إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً ﴾ ( يو 16 : 23 – 24 ) فالإنسان في مرحلة قبل حلول الروح القدس قد يسأل وممكن أن لا يأخذ ولكن الآن سيسأل ويأخذ وسيسأل بإسلوب جديد ويأخذ وسيكون فرحه كامل ونلاحظ أن ربنا يسوع يقول ﴿ وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئاً ﴾( يو 16 : 23 ) وكلمة * في ذلك اليوم * تعني يوم حلول الروح القدس وبدون أن يسأل الإنسان يجد الإجابة والمعرفة ويجد التمييز والإفراز فالأمور التي كانت لا يفهمها الإنسان والأمور التي كانت تحيره يبدأ يأخذها في ذلك اليوم ونجد أن معلمنا يوحنا البشير عندما كان يشير إلى حدث بطريقة مركزة كان يطلق على هذا اليوم لفظ هام وهو * في ذلك اليوم * فمثلاً عندما تكلم عن القيامة كان يقول ﴿ ولما كانت عشية ذلك اليوم ﴾ ( يو 20 : 19 ) وفي يوم حلول الروح القدس أطلق على هذا اليوم لفظ * في ذلك اليوم * ففي هذا اليوم لا يسأل الإنسان شيئاً لأن الروح القدس هو الذي سيخبره ويعطيه ولهذا سنتحدث في ثلاث نقاط :-
1. عمل الروح القدس :-
هناك أسئلة كثيرة تدور في ذهن الإنسان ولكنها تتبدد أمام عطية الروح القدس فكل تساؤلاتنا ستزول لأن سيصير لنا فكر المسيح وسيقترب فكرنا من فكره لأن الروح القدس سيعلمنا ويذكرنا ويجيب على أسئلتنا لأن الإنسان أخذ روح المعرفة والفهم والمشورة والأمور التي كانت تُحير الإنسان ولم يكن يفهمها سيفهمها بالروح القدس ولذلك يقول معلمنا بولس الرسول ﴿ لأن الروح يفحص كل شيءٍ حتى أعماق الله ﴾ ( 1كو 2 : 10 ) فالروح تجعل الإنسان يفحص كل شئ ويقول أيضاً معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل كورنثوس ﴿ لستم ناقصين في موهبةٍ ما ﴾ ( 1كو 1 : 7 ) فالإنسان لم يعد يحتاج إلى شئ وذلك لوجود عطية الروح القدس فالروح القدس يجعل ذهن الإنسان مقاد بالروح ولم يعد ذهنه يقف عند الحدود البشرية الضيقة ولكن أصبح ذهنه روحاني وأصبحت صلاة الإنسان روحية وفهمه روحي وقلبه روحي وأُذنيه روحية وشفتاه تنطق باسم الله فالروح القدس هي التي تعلمك كل هذا ولذلك فإشتاق في هذه الفترة أن تتودد إلى الروح القدس لكي عندما تهب ريحه تسيل المياه وتنفجر في داخلك ثمار الروح القدس وتعمل فيك وتهب فيك في صورة ينابيع مياه ورياح عاتية ويعطيك الروح القدس قوة في إنسانك الخفي لقد صعد ربنا يسوع إلى السماء كسابق من أجلنا ونحن ننتظر أن يرسل لنا ما يعوضنا عن غيابه لأننا تعودنا أن نراه ونسمعه وأن يسير معنا ولكنه الآن لم يعد في وسطنا ولكنه صعد إلى السماء ولكنه لم ينسانا ولكنه سيرسل لنا المعزي ولهذا نجد أن في فترة الأربعين من القيامة إلى الصعود عندما نعمل الزفة نمر في صحن الكنيسة إشارة إلى أن ربنا يسوع كان خلال الأربعين يوماً يظهر لتلاميذه ويفتقد الكنيسة على الأرض ويجول في وسطهم ولذلك فنجد أن أثناء الزفة نلف في الكنيسة وأيضاً في ذلك إشارة أخرى وهي أن ربنا يثبت الكنيسة ويعلمها أسرار الملكوت ولكن بعد صعود ربنا يسوع نعمل الزفة داخل الهيكل لأن المسيح صعد فهو في السماء والهيكل يمثل السماء والكنيسة تمثل الملكوت والأبدية والدهر الآتي والحالي وصحن الكنيسة يمثل حياتنا على الأرض وخورس الشمامسة يمثل مرحلة الفردوس والهيكل يمثل الأبدية والسماء ولذلك نجد أن عندما صعد المسيح إلى العلا تصبح الزفة داخل الهيكل ولكنه عندما صعد سيرسل لنا المعزي ﴿ تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً ﴾ فالإنسان سيأخذ ما يعطيه الفرح الكامل فالذي يعوضه عن عدم وجود ربنا يسوع هو الروح القدس لأن الروح القدس هو روح الله وهو أيضاً يسندك ويكلمك ويعزيك ولهذا يقول رب المجد ﴿ لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلى الآب ﴾ ( يو 14 : 28 )لأنه من الأفضل أن يصعد إلى الآب لأنه سيرسل لنا الروح القدس الذي يقوم بدوره معنا والإنسان عندما يسأل سيسأل باسم ربنا يسوع والآب هو الذي يستجيب ولكن الطِلبة تكون باسمه عن طريق الروح القدس وبذلك يشترك الثالوث القدوس في حياتنا ولكن أحياناً في عبادتنا لا نركز على جانب الروح القدس ولكن الكنيسة تقول ﴿ أيها الثالوث القدوس إرحمنا ﴾ فنحن نتكلم مع الثالوث الآب والإبن والروح القدس وعندما نرشم الصليب نقول * باسم الآب والإبن والروح القدس * ولكن لماذا نهمل الأقنوم الذي يوصل لنا البركات ؟ لأنه هو معطي الحياة وكنز الصالحات فهو الروح الذي يشفع فينا ويعمل وينطق ويتكلم فينا وهو الذي يذكرنا بكل شئ ويعطينا روح الفرح .
2- الروح القدس ينقلنا من مرحلة إلى مرحلة أخرى :-
يقول ربنا يسوع ﴿ إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم ﴾( يو 16 : 23 ) فهو ينقلك من درجة السؤال إلى درجة الطلب وهناك فرق بين السؤال والطلب لأن السؤال معه جهل أما الطلب معه دالة السؤال معه عدم معرفة ولكن الطلب معه دالة إستحقاق الشئ فالإنسان قبل ذلك كان يسأل ولكن الآن هو يطلب أي يأمر وهذا هو الروح القدس الذي ينقلك من مرحلة عدم المعرفة إلى مرحلة المعرفة ومن مرحلة الجهل إلى مرحلة الدالة ومن السؤال إلى الطلب ولكن عندما تطلب باسمه تجد أن الروح القدس هو الذي يخبرك ويعطيك ويحولك من الحالة التي تكون فيها وهي حالة التخبط إلى حالة أخرى يشعر فيها الإنسان بالخجل ويقول لله أن كل هذه الإستحقاقات وكل هذا المجد كثير جداً عليَّ فينسى نفسه ولا يستطيع أن يتكلم إلا عن طريق أن يسبح ويشكر ويمجد ويرفع إسم الله فالإنسان في هذه المرحلة الجديدة لا يستطيع أن يتكلم لأن عطايا الروح القدس ستفيض عليه فتجعله ينسى نفسه وتُبتلع الذات البشرية من شدة الفرح الروحي وهذا هو حلاوة التسبيح فالتسبيح هو أن تتكلم مع الله لأجل الله ولهذا يعتبر التسبيح من أجل الله بطريقة مطلقة أما الصلاة فهي أن تتكلم مع الله من أجل نفسك ومن أجل أمورك وأيضاً لأجل الله فالتسبيح هو ثمر عطية الروح القدس ولهذا فإن ربنا يسوع يُرجع للإنسان الدالة المفقودة عن طريق الروح القدس فالإنسان الذي لم يكن له الجرأة لكي يتقابل مع الله أصبح يستطيع أن يطلب ويتكلم ويسأل الله ويجيب ويعطيه بإسمه فمن الجميل أن تكون لك دالة مع إسم يسوع ونلاحظ أن الكنيسة في كل طِلباتها تقول * بالمسيح يسوع ربنا * وذلك لأن الطِلبة لابد أن تكون باسم يسوع مثل الشخص الذي يتقدم بطلب إلى شخص مهم ويشرح فيه ظروفه وأيضاً يكتبه بيده وعندما يتم التأشير على هذا الطلب من الشخص المهم فإن الورقة تأخذ قيمة أخرى وإذا كان هناك أخطاء في الكتابة يتم التغاضي عنها وإذا لم يكن للإنسان حق في هذا الطلب ولكن وجود هذه الإمضاء تعطي للإنسان هذا الحق فأنت تطلب كل شئ وفي النهاية تقول * من أجل إسمك القدوس المبارك الذي دُعي علينا * فالكنيسة تعلي إسم يسوع جداً وتعطيه الكرامة ولكن هناك بعض من الطوائف تنطق إسم يسوع بدون أي لقب وبذلك فهي لا تعطي المجد والإكرام اللائق ولكن عندما تتكلم الكنيسة عن ربنا يسوع تقول * ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح الذي له المجد دائماً * وهذا يعتبر أقل شئ لكي نستطيع أن ننطق إسم يسوع فلابد أن نعطيه المجد والإكرام ونعلن أنه رب وإله ومُخلص وفادي وله المجد والإكرام ولهذا نجد أن الآباء الرسل عندما كانوا يطلبوا طِلبة كان المكان يتزعزع ومعلمنا بطرس الرسول يقول ﴿ مجد فتاه يسوع ﴾ ( أع 3 : 13) فعندما كانوا يصلون كان المكان يتزعزع لأنه بإسمه أزال العداوة وبإسمه أصبح لنا قبول ودالة عند الآب ولهذا يقول ربنا يسوع ﴿ في ذلك اليوم تطلبون باسمي ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم أني من عند الله خرجت ﴾ ( يو 16 : 26 – 27 ) .
3- ما بين الأمثال والعلانية :-
لقد كان ربنا يسوع يتكلم بأمثال ولكنه الآن يتكلم علانية فالروح القدس هو الذي يجعلك تستوعب فعندما كان يتكلم ربنا يسوع بأمثال وذلك لتبسيط الأشياء لأنهم لم يستطيعوا أن يستوعبوا في بداية الأمر ولهذا يُذكر عن تعاليم ربنا يسوع بأنه بغير مثل لم يكن يكلمهم ( مت 13 : 34 ) فقد كان يشرح لهم كل شئ بمَثَلٍ ولهذا كان ربنا يسوع يستخدم الأمثال للتبسيط وللتشبيهات وكل هذا قبل حلول الروح القدس ولهذا نجد أحياناً أن ربنا يسوع عندما كان يتكلم كانوا لا يفهموا شيئاً ولهذا يقول * ولم يكن يفهموا ما كان يقوله * وعندما تحدث عن خبز الله النازل من السماء والمعطي الحياة للعالم وكلمهم عن عطية الجسد والدم وعندما قال لهم ﴿ إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم ﴾ ( يو 6 : 53 ) فلم يصدقوا ولم يستوعبوا هذا الكلام وهذا مذكور في يوحنا الإصحاح السادس وعندما كلمهم عن الخبز يذكر الإنجيل أن ﴿ من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه ﴾ ( يو 6 : 66 ) وعندما قال ﴿ من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه ﴾ ( يو 6 : 56 ) فهذا الكلام لا يستوعبه أي عقل وهناك أشياء أخرى كثيرة لم يستطيعوا أن يفهموها وذلك لعدم وجود الروح القدس ولهذا كانوا يقولون للسيد المسيح * يا سيد لسنا نعلم ما تقول * ومعلمنا بطرس الرسول يقول ﴿ ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضاً ﴾( لو 12 : 41 ) وأحياناً يقولوا ﴿ فسر لنا هذا المثل ﴾ ( مت 15 : 15) فكان الله في الأول يكلمهم بأمثال ولكن الآن أصبح يكلمهم علانية ففي ضوء الروح القدس ينال الإنسان إستنارة ويفهم وعندما كان يتكلم ربنا يسوع على الصليب وعن رفع إبن الإنسان لم يفهموا ولهذا قال لهم أنهم سيفهموا عندما يُرفع إبن الإنسان فحينئذٍ سيفهمون إني أنا هو ( يو 8 : 28 ) ولكن بعد حلول الروح القدس تغير الإنسان لأنه جعل الإنسان يسلك بالروح ويستوعب الفضيلة والتعليم فمثلاً عندما تقرأ الآية التي تقول ﴿ بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة ﴾( لو 12 : 33 ) فكيف يستطيع الإنسان أن يفهم هذه الآية ؟ وأيضاً ﴿ إن جاع عدوك فأطعمه ﴾( رو 12 : 20 ) أو ﴿ من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ﴾ ( لو 9 : 24 ) وأيضاً كيف تحب قريبك كنفسك ؟ والذي سخرك ميل تسير معه ميلين ( مت 5 : 41 ) وكيف يبيع الإنسان أمواله ويعطيها صدقة ويتبع المسيح حاملاً الصليب وينكر ذاته فكل هذه الأمور من الصعب أن يستوعبها الإنسان وهناك أشياء كثيرة لا نقدر أن نستوعبها أو نفهمها أو نعيشها إن لم تكن تُفعل بالروح فالروح هو الذي يقودك لفعل البر وهو الذي يسندك ويجعلك تستطيع أن تنكر ذاتك وتعطي من إعوازك فالروح هو الذي يشفع ويقدس ويعمل ولهذا عندما نتكلم عن الصلاة قد تجد أحياناً أن صلاتك ثقيلة وأنك غير قادر أن تصلي وذلك لأن الصلاة في هذه الحالة تغيب عنها الروح ولكن عندما تصبح الصلاة بالروح يُصبح لها فكر آخر ومعنى آخر ولهذا فهناك أربع درجات للصلاة :-
1- صلاة الشفتين أي الكلام بالفم ولهذا قال ربنا يسوع عن الكتبة والفريسيين أنهم يرددون الكلام باطلاً ( مت 6 : 7 ) .
2- صلاة العقل أي أن ما يقوله الإنسان فإن العقل يفهمه أي أن الإنسان يصلي بالروح والذهن يشترك .
3- صلاة القلب أي الذي يقوله الإنسان يفهمه ويشعر به .
4- صلاة الروح هي الأجمل لأن ما يقوله الإنسان يفهمه ويشعر به ويصلي بالروح ويُصبح الروح هو الذي يقود الصلاة .
فالله يفتح لك كنوز معرفة وأمور خفية وتستطيع أن تستوعبها وتفهمها وتعيشها .. فالله أعطى لك تعزيات وعطايا واستجابات وهناك مثال آخر وهو كلام الإنجيل فإذا كان الإنسان في حالة خضوع للروح تجد الكلام ينفتح له وأسرار تأتي إليه ومرة أخرى يقرأ نفس هذا الكلام ولكن يجده مثل الحجر وذلك لأنه في الحالة الأولى كان يقرأ بالروح ولكن في الحالة الثانية كان مجرد ترديد كلام باطل ولذلك يُقال عن القديس أوغسطينوس أنه عندما قرأ الكتاب المقدس قبل أن يتوب قرأه على مستوى العقل والمعرفة والفلسفة والتحليل فنقد الكتاب المقدس ورفضه ولكنه عندما تلامس مع عمل الله وروح الله قاده للتوبة فقرأ الكتاب المقدس وقال * يا لغباوتي * لأنه في الحالة الأولى عندما قرأ كلام الإنجيل كان يضع عقله فوق منه فهو سخر منه ولكن عندما خضع لله فأشفق عليه وأعطاه فالكلام عندما يكون بالروح يكلمك علانية وأيضاً القديس بولس الرسول درس العهد القديم لدرجة أنه من كثرة دراسته للناموس غار عليه وذهب ليقتل المسيحيين ولكن عندما عمل روح الله داخله فنرى أنه عندما قرأه مرة أخرى كيف أفاد الكنيسة لدرجة أنه عندما كان يتكلم عن أي شئ في العهد القديم يربطه بالمسيح ويفسرها ويشرحها فيكلمك عن المن على أنه المسيح وأن الصخرة هي المسيح وأعياد اليهود هي المسيح وملكي صادق هو المسيح لدرجة أن بعض الآباء يقولوا إن لم تستطع أن تفهم العهد القديم إقرأ رسائل بولس فهو يشرحها لك ويفك الرموزفبولس كان في الأول يقرأ على مستوى المعرفة والروح القدس هو الذي يفهمك ويذكرك ويعطيك أن تبحث في الكلام مثل الأرملة التي أوقدت سراج لكي تبحث عن الدرهم المفقود ( لو 15 : 8 – 9 ) فالسراج هو الروح القدس وهو الذي ينور ويكشف لك فتقول أن هذه الكلمة ليَّ فهي خاصة بيَّ وتجد لك فيها كنز فلا تتركها وهذه هي رسالة المسيح فالروح القدس هو السراج الذي تفتش به على كلمة الله وهناك نفوس كلمة الله محتجبة عنها لأنها لا تقرأ بالروح ولكن الروح القدس يريد أن يفحص ويعطي ويفيض عليك بالبركات ويريد أن يزيل عدم الفهم ويعطي لك التعزيات ولهذا فالكنيسة تركز على كيف نستقبل عطية الروح القدس وكيف يكون القلب مهيأ لهذه العطية العظمى وكيف نجلس في هذه الفترة في اشتياق وانتظار موعد الآب وننتظر ذلك اليوم الذي ينقلنا من حالة عدم المعرفة إلى حالة المعرفة والذي ينقلنا من حالة التساؤلات والحيرة إلى حالة الطلب باسم ربنا يسوع المسيح ولهذا ربنا يسوع يرسل لنا روحه القدوس ليفهمنا ويفحص ويعزي ويطيب ويفرح ويقدس ربنا يعطينا أن نتودد للروح القدس في هذه الفترة لكي ننال استحقاقاته ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
15 يونيو 2024
إنجيل عشية الأحد السادس من الخمسين ( مر ۱۲ : ۲۸ - ۳۷ )
"فجاء واحِدٌ مِنَ الكتبةِ وسَمِعَهُمْ يتحاورونَ، فَلَمَّا رأى أنَّهُ أَجابَهُمْ حَسَنًا ، سألهُ أَيَّةُ وصيَّةٍ هي أوَّلُ الكل؟ " فأجابَهُ يَسوعُ إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الوَصايا هي اسْمَعْ يا إسرائيل الرَّبُّ إِلَهنا رَبُّ واحد وتُحِبُّ الرَّبِّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدرَتِكَ هذه هي الوَصيَّةُ الأولى وثانيَةٌ مِثْلُها هي تُحِبُّ قريبك كنفسك ليس وصيَّةٌ أخرى أعظم من هاتين فقال له الكاتِبُ جَيِّدًا يا مُعَلِّمُ بالحَقِّ قلت، لأنَّهُ الله واحد وليس آخَرُ سِواهُ وَمَحَبَّتُهُ مِنْ كُلِّ القَلبِ، ومِنْ كُلِّ الفَهم، ومِنْ كُلِّ النَّفْسِ، وَمِنْ كُلَّ القُدْرَةِ ، ومَحَبَّةُ القريب كالنَّفس، هي أفضَلُ مِنْ جميع المحرقات والذبائح فَلَمَّا رَآهُ يَسوعُ أَنَّهُ أجاب بعقل، قال له لست بعيدا عن ملكوت الله ولم يَجسُرُ أَحَدٌ بَعدَ ذلك أَنْ يَسأله !ثم أجاب يسوع وقال وهو يُعَلِّم في الهيكل كيف يقولُ الكتبةُ إِنَّ المَسيحَ ابن داود؟ لأنَّ دَاوُدَ نَفْسَهُ قَالَ بالرّوحِ القُدُسِ قالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجلس عن يميني، حتَّى أَضَعَ أعداءَكَ مَوْطِئًا لَقَدَمَيكَ فَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَدعوهُ رَبًّا فمن أين هو ابنه؟ وكان الجمع الكَثِيرُ يَسْمَعُهُ بسُرور"
الموضوع الرئيسي الذي يشغل فكر الكنيسة هو الصعود إلى السماء والجلوس عن يمين الآب والمسيح له المجد في إنجيل العشية يقول وهو يعلم الجموع كيف يقول الكتبة إن المسيح ابن داود؟ والمسيح هو رب داود، إن داود نفسه قال في المزمور قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعدائك تحت موطئ قدميك" فداود نفسه يدعوه ربا ،وقول داود هذا غير محسوب إنه قول إنسان بل هو قول الروح القدس نفسه لأن كل الكتاب هو موحى به من الله ،ولم يتكلم أحد من نفسه لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس فالروح القدس هو في الحقيقة الشاهد للمسيح أنه رب بفم داود كقول المسيح له المجد عن الروح القدس "هو يشهدلي" فمن جهة ربوبية المسيا ولاهوته فقد أبرزها المسيح من هذا القول الإلهي قال الرب لربي" فداود ليس له سوى رب واحد وإله واحد ، ولكن هذه آية التجسد إن الكلمة صار جسدًا، فتجسد متأنسًا ، صائرًا في شبه الناس، مخليا ذاته آخذا شكل العبد، ثم إذ صلب عنا ومات قام ناقضا أوجاع الموت فكان يتحتم أن يصعد إلى السماوات حاملاً جسم بشريتنا فيه، ليجلسنا عن يمين الآب،وقول الآب للابن اجلس عن يميني هو محسوب أنه خطاب الآب لكل من اتحد بالابن ولكل من آمن به،لأن كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المعترفين باسمه،وإذ هم فيه نالوا هذا النصيب الفائق أي الجلوس عن يمين الآب،أي صاروا في حضن الأب كبنين بحسب النعمة،وفي الصعود نلنا في المسيح نعمة النصرة التي ما بعدها نصرة "حتى أضع أعداءك تحت موطئ قدميك فأعداء المسيح مخضعين تحت موطئ قدمي إله السلام يخضع الشيطان تحت أقدامهم سريعًا" "رأيت الشيطان ساقطا من السماء مثل البرق" داس الموت بموته" أخضع الرؤساء والسلاطين، وأشهرهم جهارًا ظافرا بهم". "هأنذا أعطيكم السلطان لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو" نسل المرأة يسحق رأس الحية" حتى الشياطين تخضع لنا باسمك" وفي الواقع هذا هو النصيب العملي الذي يتمتع به أولاد الله في هذه الفترة من الخمسين وهى الإحساس بالنصرة والغلبة على كل قوة المضاد وهذه تعطي النفس ثقة في حربها ضد قوات الظلمة فتتهلل بالذي يقودنا في موكب نصرته كل حين نعود إلى قول السيد الرب، كيف يقول الكتبة أن المسيح هو ابن داود؟.
فهذا القول هو محور الكتاب المقدس كله، فمن نسل داود يظهر المخلص، ويرد الفجور عن إسرائيل، فمملكة أبينا داود كانت شهوة الأجيال وخلاصة تعليم الكتبة والفريسيين ومشتهى المنتظرين فداءً في إسرائيل فإن كان فكر الكتبة قد ارتبط بملكوت المسيح الأرضي ومولد المسيح من الجسد من داود وأماني رجوع مملكة داود الذي غلب جليات كأسطورة تنتشي لها النفس، فقد حول المسيح فكرهم إلى ربوبية المسيح ولملكوته السماوي وجلوسه عن يمين الآب وفي الواقع جاء تعليم المسيح هذا ردا على المحاورات التي كانوا يحاورون بها ولاسيما جماعة الصدوقيون الذين لا يؤمنون بالقيامة، فسألوا المسيح لعلهم ينالوا منه، فلما أفحمهم بالرد من الكتب وأن الله إله أحياء وليس إله أموات، وقال لهم تضلون كثيرًا إذ لا تعرفون الكتب، هنا جاء واحد من الكتبة فلما رأى جواب المسيح أعجبه ليس محبة في المسيح ولكن تشفيًا في جماعة الصدوقيين. فسأل الكاتب السيد المسيح أية وصية هي أول الكل، وهذا أجابه الرب أيضًا من الكتب عن وصية المحبة، ثم قال له لست بعيدًا عن ملكوت الله، ولكن للأسف رغم أنه ليس بعيدًا عن الملكوت لكنه لم يدخله فملكوت الله يدخلون إليه ادخل إلى فرح سيدك ويدخلهم إليهم "ها ملكوت الله داخلكم" ثم بعد ذلك علم السيد الرب تعليمه من جهة قول الكتبة عن أن المسيح ابن داود، فأكمله بالمزمور أنه ليس ابن داود فقط بل رب داود أيضًا، وأن الأمر لا يختص بملكوت أرضي بشبه مملكة داود بل ملكوت سماوي نجلس فيه عن يمين الآب، ونترجى هذا الملكوت في كل يوم وفي كل ساعة حين نصلي قائلين" ليأت ملكوتك".
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
14 يونيو 2024
"أعظم قوة"
من الكلمات المبھرة في الحیاة الإنسانیة كلمة "القوة" وھي كلمة واسعة المعاني وعدیدة الأبعاد والمجالات فھناك قوة العلم والمعرفة والمعلومات وھناك قوة المال والثروة والكنوزوھناك قوة البدن والصحة والعضلات وھناك قوة الفكر والأدب والفلسفات وھناك قوة النسك والزھد والتقشف وھناك قوة السیطرة والاستحواذ والتحكم وغیر ذلك كثیر ونوعیات ربما یصعب حصرھا
وذات يوم تساءلت ما ﻫﻲ أعظم قوة ﻓﻲ حياة الفرد؟!أو حياة اﻟﻤجتمع؟!أو حياة الشعوب
وشغلني السؤال وأنا أقرأ في كتب التاریخ وقصص الزمان، ووجدت أن كل أنواع "القوة" تظھر على مسرح الزمان وتستمر وقتًا ثم تنتھي وھكذا كانت الممالك والإمبراطوریات الكبیرة والجیوش العتیدة وھكذا كان الملوك والأباطرة والطغاة، ومن كان دكتاتورًا في زمنه وانقضى ومن كان متمیزًا ومشھورًا في جیله وانتھى ومن صار علامة في حیاة البشر إیجابًا أو سلبًا حتى أن سلیمان الحكیم یقول في سفر الجامعة "بَاطِلُ الأَبَاطِیلِ، الْكُلُّ بَاطِلٌ مَا الْفَائِدَةُ لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِه الَّذِي یَتْعَبُه تَحْتَ الشَّمْسِ؟" ( ۱: ۲ ،3)
ویظل التساؤل: ما ھي أعظم قوة في حیاة الإنسان؟ وما ھي ھذه القوة التي تحمي الإنسان من السقوط في الخطأ؟!
إنھا قوة "الغفران" التي ینالھا الإنسان من لله،وھي قوة "التسامح" أو المسامحة التي یقدمھاالإنسان لأخیه الإنسان وقبیل صعود السید المسیح إلى السماء بعد قیامته ظل أربعین یومًا یظھر لتلامیذه قائلاً: "ھكَذَا كَانَ یَنْبَغِي أنَّ الْمَسِیحَ یَتَألَمَّ وَیَقوُمُ مِنَ الأمَوَاتِ فيِ الْیَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ یُكْرَزَ بِاسْمِه بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَایَا لِجَمِیعِ الأُمَمِ" (لو ۲٤: 46،47)
أمام الخطایا یظھر إله الغفران: "إِله رَحِیمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِیرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِیَةِ وَالْخَطِیَّةِ وَلكِنَّه لَنْ یُبْرِئَ إِبْرَاءً" حتى أن موسى النبي یصلي ویقول "إِنَّه شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةُ وَاغْفِرْ إِثْمَنَا وَخَطِیَّتَنَا وَاتَّخِذْنَا مُلْكًا"(خروج ۳: 6-9)إن الإنسان یعیش في عالم ملئ بالجروح والمشاعر السلبیة والإساءات التي تصیبه من الآخرین، وتكون النتیجة ھي إصابته بمشاعر
المرارة والغضب والقلق والخوف والظلم والاكتئاب والانتقام وكل ھذه الجروح والمواقف تسبب له حالة إحباط نفسي یختلف من وقت لآخر وھذا یؤثر على جسده ونفسه وروحه وبالتالي على سلوكیاته وتصرفاته سواء في البیت أو الكنیسة أو المجتمع وتنشأ عنده حالات الكراھیة والیأس والانطواء وغیاب الفرح مع أعراض أخرى مدمرة قاسیة ولا یجدي مع ذلك النسیان أوالإنكار أو الابتعاد ویقف الإنسان حائرًا ماذا یفعل؟! ولیس ھناك علاج أو مخرج من ھذه الحالة إلا بالغفران والمسامحة إن قوة التسامح ھي المنقذالوحید للخروج من ھذه المشاعر السلبیة التي شعرت فیھا النفس بالإیذاء النفسي العمیق ومعروف أن الشریعة في العھد القدیم لا تقتصرعلى وضع حد للانتقام "عَیْنًا بِعَیْنٍ" (خروج ۲۱: 23) ولكنھا أیضًا تنھي عن بغض الأخ لأخیه، كما تحرم الانتقام والحقد نحو القریب (لاویین ۱۹: ۱۸-۱۷) وقد تأمل ابن سیراخ الحكیم في ھذه التشریعات واكتشف الرابطة التي تربط بین غفران الإنسان لأخیه وبین الغفران الذي یلتمسه الإنسان من لله: "اِغْفِرْلِقَرِیبِكَ ظُلْمَه لَكَ فَإِذَا تَضَرَّعْتَ تُمْحَى خَطَایَاكَ"(سیراخ ۲۸: 2)
والقاعدة واضحة جدًا أمام الإنسان؛ أن الله لا یمكن أن یغفر لمن لا یغفر لأخیه ومن أھمیة ذلك أن السید المسیح وضع ھذه القاعدة في الصلاة الربانیة التي نرددھا كل یوم حتى لا ننساھا إن مسامحة أخیك شرط طلب الغفران الإلھي (لوقا ۱۱: 4٤؛ متى ۱۸: 23) ولذا نجد السید المسیح یفرض على بطرس الرسول ألا یمل من الغفران (متى ۱۸ )، ونقرأ أن إستفانوس الشماس الأول مات وھو یغفر لراجمیه (أعمال ۷ :10) لأن الذي "یحب" علیه أن یعي أن ھناك فعلین یعملھما:
أن یسامح وأن ینسى أیة إساءة إن الإنسان المسیحي یجب أن یغفر دائمًا ویغفربدافع المحبة أسوة بالمسیح (كولوسي ۳: 13) ولا یقاوم الشر إلا بالخیر (رومیة ۱۲: ۲۱ ) إن السید المسیح لم یدعو الخطاة إلى التوبة والإیمان فقط، بل أعلن أنه لم یأتِ إلا لیشفي ویغفرإن مقابلة الخیر بالخیر ھو عمل إنساني، ومقابلة الخیر بالشر ھوعمل شیطاني، أما مقابلة الشر بالخیر فھو عمل إلھي فالغفران عمل صعب على البشر لأنه لیس من طبیعتھم، ولكنه یحتاج قوة إلھیة خاصة نابعة من المحبة التي سكبھا لله في قلب الإنسان المسیحي (رومیة ٥:5)،وبھا یغفر ویسامح ویغسل قلبه ونفسه من الإساءة ومن المرارة، ولذا نصلي یومیًا "قَلْبًا نَقِیًّا اخْلُقْ فِيَّ یَا الَلهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِیمًا جَدِّدْ فِي أحْشَائِي" (مزمور ٥۰)
یا صدیقي: أن تسامح الإنسان الآخر الذي أساء إلیك ھو قرارك بإرادتك ورغبتك واختیارك ولكن اعلم أن مكسبك كبیر للغایة وھو الحصول على قدر أكبر من الرحمة الإلھیة والشفاء الداخلي الذي تحتاجه في حیاتك الحاضرة والآتیة أیضًا كما نصلي في مدیحة الصوم الكبیر طوبى للرحما على المساكین فإن الرحمة تحل علیھم والمسیح یرحمھم في یوم الدین ویحل بروح قدسه فیھم والمساكین ھنا لیس فقط فقراء المال والعوز ولكن أصحاب الشخصیة الفقیرة في السلوك والتصرف والأدب والأخلاق والمعاملة.
لتكن صلاتك: أعطني یارب طاقة تسامح وغفران لكل من أساء إليَّ املأ قلبي بمحبتك فأستطیع أن أحب حتى الذین أساءوا إليَّ في مشوارحیاتي لا تدعني أحمل ضغینة ضد أي أحد علمني أن أسامح وأن أغفر وأن أحب رغم الضعف والفكر والمیول القلبیة الشریرة التي تحاربني وتبعدني عن طاعة وصیتك الغالیة "اِغْفِرُوا یُغْفَرْ لَكُمْ" (لوقا ٦: 37) أوعدك یارب أن أبدأ صفحة جدیدة كلھا تسامح وغفران وتوبة وحیاة نقیة أطلب فیھا نعمتك وروحك القدوس مرشدًا ومعینًا لحیاتي آمین.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
13 يونيو 2024
دروس روحية من عيد الصعود المجيد
عيد الصعود عيد سيدي خاص في معجزته بالسيد المسيح وحده.
أي أنه يشمل معجزة لم تحدث مع أحد من البشر, وإنما كانت للسيد الرب وحده: مثل الميلاد العذراوي, ومثل قيامته بقوة لاهوته وخروجه من القبر المغلق, ومثل التجلي علي جبل طابور, كذلك صعوده إلي السماء وجلوسه عن يمين الآب لقد صعد بذاته, وليس مثل إيليا النبي الذي أخذته مركبة نارية فصعد فيها (2 مل 2: 10 و11), ولا مثل أخنوخ الذي لم يوجد لأن الله أخذه (تك 5: 24), أما السيد المسيح فصعد بقوته, دون أية قوة خارجية.
وكان صعوده صعودا بالناسوت.
ذلك لأن اللاهوت موجود في كل مكان, في الأرض وفي السماء وما بينهما, لذلك فاللاهوت لا يصعد ولا ينزل. وفي القداس الغريغوري نقول له وعند صعودك إلي السموات جسديا, وقد شرحنا هذه النقطة من قبل. صعود المسيح إلي السماء, لم يكن مفارقة لكنيسته علي الأرض ما كان انفصالا عن الكنيسة, ولا تركا لها, ولا تخليا عنها, لأنه قال ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر (مت 28: 20) وقال أيضا حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي, فهناك أكون في وسطهم (مت 18: 20), إذن هو معنا في الكنيسة, وفي كل اجتماع روحي, وهو كائن معنا علي المائدة في كل قداس, هو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت 1: 23).
صعوده إذن هو مجرد اختفاء عن الحواس المادية, مع وجوده فعليا كان مع تلاميذه وهم يرونه بالحواس, وبعد صعوده ظل أيضا معهم ولكنهم لا يرونه بالحواس, هو معهم بالإيمان لا بالعيان والإيمان هو الإيقان بأمور لا تري (عب 11: 1), وكما قال لتلميذه توما طوبي لمن آمن دون أن يري (يو 20: 29), إذن هو صعد عن الأرض بالجسد, وظل باقيا عليها باللاهوت, يدركون وجوده معهم بالإيمان, وإن كانوا لا يرونه بالحواس المادية, أي بالعين الجسدية.
كان صعوده رفعا لمستوي التلاميذ, ودليلا علي نضوجهم الروحي لقد رفعهم من مستوي الحواس إلي مستوي الإيمان, في بدء علاقتهم معه وهو علي الأرض, كانوا محتاجين أن يروا وأن يلمسوا وأن يحسوا وجوده بالجسد, فلما وصلوا إلي درجة من الإيمان, فارقهم بالجسد, لأنهم صاروا قادرين أن يروه بالروح, وأن يحسوا وجوده بالإيمان, ويقينا أنهم بعد صعوده, لم يشعروا في يوم من الأيام أنه فارقهم هو معنا أبصرناه بعيوننا أم لم نبصره إن النظر الجسدي ليس هو الحكم في الأمور الإيمانية. نحن نؤمن بوجود الله دون أن نبصره, ونؤمن بوجود الملائكة حولنا دون أن نبصرهم, ونؤمن بوجود الروح وبخروج الروح من الجسد دون أن نبصر ذلك إذن وجود السيد المسيح معنا بعد صعوده, لا تحكمه الرؤية الجسدية, وإيماننا هذا هو ارتفاع لمستوانا الروحي في موضوع صعود المسيح وبقائه معنا معجزة صعوده لم تكن ضد قوانين الطبيعة بل سموا عليها بداءة نقول إن الرب لما وضع قوانين الطبيعة, وضعها لتخضع لها الطبيعة, لا ليخضع هو لها, بل تبقي هي خاضعة له, لواضعها ومع ذلك, فإنه في صعوده, صعد بالجسد الممجد, الجسد الروحاني السماوي, الذي سنقوم نحن بمثله (1 كو 15: 44 و49) علي شبه جسد مجده (في 3: 21) إذن معجزة الصعود لم تكن في الانتصار علي قوانين الجاذبية الأرضية, إنما كانت المعجزة في هذا الجسد الروحاني السماوي, الذي يستطيع أن يصعد إلي فوق, إنه إذن سمو للطبيعة وليس تعارضا معها, إنه نوع من التجلي لطبيعة الجسد.
معجزة الصعود تعطينا لونا من الرجاء من ناحيتين:
الأولي أن الذين أعثروا بصليب الرب وما صاحبته من إهانات ومن آلام, كان الرد عليها في مجد القيامة, ثم في مجد الصعود, وهكذا عاد الإيمان إلي الناس الذين ظنوا أن كل شيء قد انتهي بالصليب, وصار لنا رجاء أنه بعد كل صليب توجد قيامة وصعود, وهذا الرجاء صاحب الشهداء والمعترفين في كل جيل.
الناحية الثانية من الرجاء أنه سيكون لنا المثل فكما صعد المسيح بجسد ممجد, سيكون لنا أيضا جسد ممجد (في 3: 21), وكما أخذته سحابة عن أعين التلاميذ في صعوده, هكذا في اليوم الأخير سنأتي معه علي السحاب, في مجئ ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه (1 تس 3: 13), متي جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة علي الجميع (يه 14, 15), حين يأتي علي السحاب وتنظره كل عين (رؤ 1: 7), ونحن الأحياء الباقين علي الأرض سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء, وهكذا نكون كل حين مع الرب (1 تس 4: 17).. حقا ما أعظم هذا الرجاء.
وهذا الرجاء يعلمنا الصبر وانتظار الرب:
الصبر أولا في تحقيق مواعيد الرب, الصبر علي آلام الصليب, حتي تتحقق أمجاد القيامة وأمجاد الصعود, والصبر علي الصعود وترك الرب لنا بالجسد, حتي يتحقق قول الملاكين للرسل يوم الصعود إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلي السماء, سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلي السماء (أع 1: 11) كذلك الصبر أيضا الذي صبره الآباء الرسل في انتظار وعد الرب لهم بإرسال الروح القدس إنه صبر في رجاء, وهو رجاء مملوء بالفرح في إيمان بتحقيق مواعيد الرب, وكما قال الرسول فرحين في الرجاء (رو 12: 12).
كان صعود الرب إلي السماء عملية فطام للتلاميذ:
لقد تعودوا خلال فترة تلمذتهم له وهو موجود بينهم بالجسد, أن يتكلوا عليه في كل شيء دون أن يعملوا شيئا. كان هو الذي يعمل المعجزات وهو الذي يرد علي المعارضين, بينما يقف التلاميذ متفرجين, ويتأملون ويتعلمون أما الآن, بعد الصعود, فقد آن لهم أن يفطموا, ويقوموا هم أنفسهم بكل المسئوليات الروحية يتلمذون جميع الأمم, ويعلمونهم جميع ما أوصاهم الرب به (مت 28), ويردون علي معارضيهم, ويحتملون الألم في عمل الكرازة.
كان الرب كالنسر الذي يعلم فراخه الطيران:
حينما يكبرون أو ينضجون, يحملهم علي جناحيه, ثم يلقي بهم في الجو ويصعد عنهم, كي يحركوا أجنحتهم ويتعلموا الطيران, وفي كل ذلك لا يتخلي عنهم, بل يرقبهم ويأتي لحمايتهم إن تعرضوا لخطر أو مثل أب يعلم ابنه العوم, ويحمله علي يديه, ثم يتركه في الماء بعد أن يعلمه العوم, كي يعوم وحده ويجرب الماء, ومع ذلك لا يتركه, بل يبقي قريبا معه, يساعده كلما احتاج هكذا الرب, درب تلاميذه خلال ثلاث سنوات أو أكثر, وأرسلهم أيضا في تدريب عملي (مت 10), ثم انتهت فترة التدريب, فصعد عنهم لكي يعملوا بأنفسهم ويؤدوا رسالتهم, وهو معهم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر. وكان صعود الرب محفوفا بوعدين, بل بثلاثة:
أما الوعد الأول فهو إرسال الروح القدس ليكون معنا إلي الأبد وهكذا سبق فقال لهم الحق أنه خير لكم أن انطلق. لأنه إن لم انطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت, أرسله إليكم (يو16: 7) وقد كان, وأرسل لهم الورح القدس بعد صعوده بعشرة أيام.
أما الوعد الثاني فهو قوله لهم لا أترككم يتامي, إني آتي إليكم (يو 14: 18), وقوله أيضا ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر (مت 28: 20), وقد حقق هذا الوعد أيضا ولايزال يحققه, وقد رآه القديس يوحنا الحبيب وسط الكنائس السبع (رؤ 1: 13, 20) وقد أمسك ملائكة الكنائس السبع – أي رعاتهم – في يمينه (رؤ 2: 1).
أما الوعد الثالث, فهو قوله لتلاميذه:
وأنا إن ارتفعت عن الأرض, أجذب إلي الجميع (يو 12: 32)يجذبنا إليه لنرتفع معه إلي السماء كما قال أنا ماض لأعد لكم مكانا, وإن مضيت وأعددت لكم مكانا, آتي أيضا وآخذكم إلي, حتي حيث أكون أنا, تكونون أنتم أيضا (يو 14: 2, 3) إذن هو وعد بأن يكون معنا, ونكون معه, علي الأرض وفي السماء, علي الأرض ها أنا معكم كل الأيام وحيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي, هناك أكون في وسطهم (مت 18: 20), وفي السماء حيث أكون أنا, تكونون أنتم أيضا وكما قال بولس الرسول سنخطف جميعا معهم في السحب, لملاقاة الرب في الهواء, وهكذا نكون كل حين مع الرب (1 تس 4: 17) ما أعظمه من مجد.
إذن صعود الرب هو عربون لصعودنا:
كما كانت قيامة الرب عربونا لقيامتنا, إذ هو باكورة للراقدين (1 كو 15: 20), وكما في آدم يموت الجميع, هكذا في المسيح سيحيا الجميع ( 1كو 15: 22) كذلك أيضا في الصعود, نسمعه يقول وأنا إن ارتفعت, أجذب إلي الجميع (يو 12: 32)علي السحاب, وفي السماء, وبجسد ممجد, ونكون كل حين مع الرب, في أورشليم السمائية مسكن الله مع الناس (رؤ 21: 2, 3), في مستوي أعلي من المادة ومن الحواس, علي شبه جسد مجده, في ربوات قديسيه حيث نتمجد أيضا معه (رو 8: 17), حيث نقام في مجد (1 كو 15: 43) وبالتالي نصعد إليه في مجد لذلك قيل في صعود الرب إلي السماء, كان تلاميذه شاخصين إلي السماء, وهو منطلق (أع 1: 10):
إنه درس لنا من دروس السماء, أن نكون شاخصين إلي السماء, حيث صعد الرب, وإلي السماء من حيث يأتي إلينا في مجيئه الثاني, وأيضا شاخصين إلي السماء حيث تتركز كل عواطفنا وآمالنا, وكما قال الرب حيث يكون كنزك, هناك يكون قلبك أيضا (مت 6: 21) مساكين الذين كل كنوزهم في الأرض, ولذلك تكون كل رغباتهم وآمالهم فيها, وحينما يتركون الأرض, لا يجدون شيئا أما أولاد الله, فيعيشون دائما شاخصين إلي السماء, التي تلتصق بها قلقوبهم وكل رغباتهم.
ليت أفكارنا إذن ترتفع دائما إلي السماء:
تصعد كلها هناك لتكون مع الرب, وهي وكل شهوات قلوبنا وكل حواسنا الروحية, وكما قال القديس بولس الرسول ونحن غير ناظرين إلي الأشياء التي تري بل إلي التي لا تري لأن التي تري وقتيه, أما التي لا تري فأبدية 2 كو 4:18وأن بقينا شاخصين إلي السماء, ناظرين إلي غير المرئيات, وقد صار كل كنزنا في السماء, حينئذ سنقول مع الرسول: لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذلك أفضل جدا في 1 : 23.
في صعود الرب أيضا, يمكننا أن نتأمل في عظمته ومجده وهذا التأمل يغرس في قلوبنا مشاعر عميقة منها:
1 – نشعر براحة واطمئنان, إذ أننا في رعاية إله عظيم هكذا, كل عظمة ضده لا قيمة لها, وهكذا نثق بوعده للكنيسة أن أبواب الجحيم لن تقوي عليها مت 16 : 18 وقوله لها كل آلة صورت ضدك لا تنجح 1 ش 54 : 17, وقوله للقديس بولس لا تخف.. لأني أنا معك ولا يقع بك أحد ليؤذيك 1 ع 18 : 10,9. وهكذا نتعزي بعظمة الرب, ونتكل عليها, ونحتمي بها.
2 – تذكر عظمة الرب, منحنا مشاعر الخشوع والخشية وعدم الاستهانة, وعظمة الرب تدفعنا إلي الحياة والطاعة وإلي حياة التدقيق, وإلي مخافة الرب التي هي بدء الحكمة أم 9 : 10 ورأس الحكمة مز 111 : 10 وكل هذا يقودنا إلي الحرص في كل تصرفاتنا, لتكون نقية قدامه.
3 – والتأمل في عظمة الرب يقودنا إلي حياة الاتضاع وإلي تمجيد الرب, فمن نحن أمام هذا الصاعد إلي السماء, الجالس عن يمين الآب مز 110 : 1 1 ع 7 : 56 عب 1 : 3 الذي ليست السموات طاهرة قدامه, وإلي ملائكته ينسب حماقة أي 4 : 18 وحينما نري أن الرب في كل عظمته كان وديعا ومتواضع القلب مت 11 : 29, حينئذ تنسحق أنفسنا ونتعلم التواضع وحينما نتأمل عظمة الرب في صعوده إلي السماء وجلوسه عن يمين الآب, نقول له في اتضاع ليست الأرض يا رب مكانك. أنها موطئ قدميك مت 5 : 35 أما السماء يارب فهي عرشك الذي صعدت إليه مت 5 : 34 كرسيك يا الله إلي دهر الدهور قضيب الاستقامة هو قضيب ملكك عب 1 : 8 أما نحن, فاننا تراب حب عظيم منك أن تجذبنا إليك, ونكون معك ومع ملائكتك حقا أنك أنت المقيم المسكين من التراب, والرافع البائس من المزبلة ليجلس مع رؤساء شعبك مز 113 : 7.
إن صعود الرب كان خاتمة عبارة أخلي ذاته..
قيلت هذه العبارة في تسجده لأجل فدائنا أخلي ذاته, وأخذ صورة العبد, صائرا في شبه الناس, وإذ وجد في الهيئة كأنسان وضع نفسه وأطاع حتي الموت, موت الصليب في 2 : 8,7 أما الآن, وقد قام بعمل الفداء, وقال قد أكمل, وداس الموت, وقام, ثم صعد إلي السماء وجلس علي يمين العظمة في الأعالي عب 1 : 3. فقد انتهت عبارة أخلي ذاته لذلك حينما يأتي في مجيئه الثاني سيأتي بمجده ومجد الآب لو 9 : 26. نعم سيأتي في مجد أبيه مع ملائكته مت 16 : 27 له المجد الدائم إلي الأبد, آمين.
قداسة مثلث الرحمات المتنيح البابا شنودة الثالث
المزيد
12 يونيو 2024
تأملات فى عيد الصعود
تحتفل الكنيسة بعيد الصعود يوم الخميس في اليوم الأربعين لقيامة الرب، ونود أن نتأمل معاً ما في هذا العيد من معان روحية حتى نحتفل به في عمق، وفى فهم لما يحويه من أيحاءات قضى المسيح مع تلاميذه أربعين يوماً بعد القيامة، وفي يوم الأربعين ودعهم، ووعدهم بأنهم سينالون قوة متى حل الروح القدس عليهم (أع١: ٨) ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم، وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق - وقف بهم ملاكان وقالا لهم "ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه (أع١: ٩- ١١) فما هو تأملنا في هذا الصعود ؟
عيد الصعود عيد سيدى معجزته خاصة بالسيد المسيح وحده أى أنه يشمل معجزة لم تحدث مع أحد من البشر، وإنما كانت للسيد الرب وحده مثل الميلاد العذراوى، ومثل قيامته بقوة لاهوته وخروجه من القبر المغلق، ومثل التجلى على جبل طابور كذلك صعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الأب لقد صعد بذاته، وليس مثل ايليا النبى الذى أخذته مركبة نارية فصعد فيها (۲مل ۲ :۱۰ ،۱۱) ولا مثل أخنوخ الذي لم يوجد لأن الله أخذه" (تك ٥: ٢٤) أما السيد المسيح فصعد بقوته، دون أية قوة خارجية فكما قام بقوته وحده ، دون أن يقيمه أحد، هكذا صعد بقوته كانت فيه قوة الصعود ، كما كانت فيه قوة القيامة وفي كلتيهما ظهر مجده .
كيف كان الصعود
لقد كان صعوداً بالجسد ، بالناسوت : فاللاهوت لا يصعد ولا ينزل. إنه مالئ الكل موجود في السماء وفي الأرض، وفى ما بينهما فكيف يصعد إلى السماء وهو فيها؟! وكيف يترك الأرض إلى السماء، وهو باق في الأرض أثناء صعوده؟! إذن لابد أن نقول إن السيد المسيح قد صعد بالجسد المتحد باللاهوت) وهذا ما نقوله له في صلاة القداس الغريغورى وعند صعودك إلى السماء جسديا.." .
كان صعود الرب في السحاب :
ارتفع وهم ينظرون، واخذته سحابة عن أعينهم (أع١ : ۹) صعد على سحابة في مجد، كما سيأتي ايضاً في مجيئه الثاني على السحاب في مجد وهكذا قال لرؤساء الكهنة أثناء محاكمته قبل الصلب من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء (مت ٢٦: ٦٤) وهذه العبارة تضيف أنه كان من أمجاد الصعود الجلوس عن يمين الآب والسحاب في الكتاب المقدس كان يرمز إلى مجد الرب وحلوله. ففي قصة مباركة السبعين شيخاً كمساعدين لموسى النبي، يقول الرب عن "موسى" فنزل الرب في سحابة وتكلم معه وفي الإنتهاء من إقامة خيمة الاجتماع، قال الوحي الإلهى ثم غطت السحابة خيمة الإجتماع، وملأ بهاء الرب المسكن فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الاجتماع، لأن السحابة حلت عليها، وبهاء الرب ملا المسكن (خر ٤٠: ٣٤ ، ٣٥) وفي العهد الجديد قيل بعد معجزة التجلى وإذا سحابة قد ظللتهم، وصار صوت من السحابة : هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا (لو ۹: ٣٥) (مر ۹ :۷) .
قداسة مثلث الرحمات المتنيح البابا شنودة الثالث
عن كتاب تأملات فى عيد الصعود
المزيد
11 يونيو 2024
عيد الصعود المجيد
السبب الأول: تمجيد المسيح
تمجيد المسيح في صعوده كان لابد أن يسبق تمجيد الكنيسة بحلول الروح القدس اختفاء السيد المسيح سابق للحلول لكي يتحول الرب من كائن معنا إلى كائن فينا، كائن معنا محدودة لكن كائن فينا غير محدودة نتيجة عمل الروح القدس. "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم "ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" بفعل الروح القدس طبعًا.
السبب الثاني: كرازة التلاميذ:
قبل أن يصعد أوصاهم أن يكرزوا وقال لهم "دُفع إلى كل سلطان ما في السماء وما على الأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر". التلاميذ لم يعيشوا كل الأيام لكن كان مقصود الكنيسة. كرازة التلاميذ على مر الأيام، أي مع الكنيسة فالأشخاص تنتهي لكن الكنيسة تدوم إلى الأبد(أع 1: 4-9) "أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه منى لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير". (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ولذلك يوم الصعود يوم الخميس بينما الأعياد الُكبرى تتم يوم الأحد مثل القيامة والعنصرة وقبلهما الشعانين. لذلك فدورة الصعود تتم يوم الأحد لربط الصعود بالأحد.
السبب الثالث: إعلان مجيئه:
إنه سيأتي كما صعد، لذلك انتظار مجيء المسيح عقيدة "وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى آمين" نعلن انتظارنا لمجيئه الثاني.
طقس العيد:
تُصلى صلاة الثالثة والسادسة ثم يُقدم الحمل، وهناك مرد خاص بالإبركسيس يُقال حتى عيد العنصرة لارتباط الصعود بحلول الروح القدس القراءات كلها تهدف في ذلك اليوم أنها تبرز حقيقة التبني، "صاعد إلى أبى وأبيكم وإلهي وإلهكم" لذلك القراءات تتكلم عن المجد الذي نناله والتبني الذي يصير لنا.
نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
عن كتاب الأعياد السيدية في الكنيسة القبطية
المزيد
10 يونيو 2024
بعض نبوات العهد القديم عن عيد الصعود المجيد
عيد الصعود هو أحد الأعياد السيدية الكبرى الخاصة بالسيد المسيح: البشارة - الميلاد - الغطاس - دخول أورشليم - القيامة - الصعود - العنصرة، ويأتي بعد ٤٠ يوما من عيد القيامة.جاءت عنه نبوات كثيرة في العهد القديم منها:
١- قال الرب لإبراهيم: "اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضِ لَيْسَتْ لَهُمْ، وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ، وَفِي الْجِيلِ الرَّابِعِ يَرْجِعُونَ إِلَى هُنَا" (تك ١٥: ١٣-١٦).السيد المسيح له المجد الذي هو من نسل إبراهيم حسب الجسد، أخلى ذاته وأخذ صورة عبد وعاش غريبًا فقيرًا مُضطهدًا مطاردًا مذلولاً على الأرض ٣٣ سنة وثلث ( ٤٠٠ شهرًا). خدم الكرازة والتبشير 3 سنين وثلث (٤٠شهرا) ، وصام على الجبل في البرية ٤٠ يوما، كما عاش بنو إبراهيم في برية سيناء ٤٠ سنة عند خروجهم من مصر، وصعد إلى السماوات أرض الموعد بعد ٤٠ يوما من قيامته. وهذه الأربعينات مضاعفات ١٠٤ ، رقم ٤ يرمز للأرض بجهاتها الأربعة، ورقم ١٠ ومضاعفاته هو عدد كامل يرمز للسماء بكمالها. فالأربعينات عدد أرضي سماوي عدد كمال ومقدس.
٢- تكلم الله مع إبراهيم ووعده أنه بسارة سيكون لك نسل: "فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلَامِ مَعَهُ صَعِدَ اللهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ" (تك ۱۷ : ۲۲). وهنا صعد الله من على جبل الزيتون، وكان الله كثيرًا ما يظهر لرجال العهد القديم ثم يصعد إلى سمائه.
٣- يقول المرنم في المزمور: "الْجَاعِلُ السَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ، الْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيح" (مز ۱۰٤ :۳)، وفي الصعود نقول: "أَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ" (أع ١ :٩).
٤- يقول المرنم: رَكِبَ عَلَى الشَّارُوبِيمِ وَطَارَ، طَارَ عَلَى أَجْنِحَةٍ الرياح" (مز (۱۸ : ۱۰)، الشاروبيم قد يكونوا مجموعة الملائكة التي صاحبته إلى السماء، وطار في صعوده على أجنحة الرياح، هكذا يجب علينا أن نتحدى شهوات العالم ومغرياته مهما كانت قوية وجذابة ونسمو ونصعد بأفكارنا واشتياقاتنا إلى فوق حسب نصيحة الرسول بولس: "إن كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ اهْتَمُوا بِمَا فَوْقُ لَا بِمَا عَلَى الأَرْضِ" (كو ۳ : ۱).
٥- يقول المرنم: ارْفَعُوا أَيُّهَا الْمِلُوكَ ( الملائكة) أَبْوَابِكُم، وَارْتَفِعِي أَيَّتُهَا الأَبْوَابُ الدَّهْرِيَّةُ، لِيَدْخُلَ مَلِكُ الْمَجْدِ. مَنْ هُوَ مَلِكُ الْمَجْدِ؟ الرَّبُّ الْعَزِيزُ الْقَوِي الْجَبَّارُ الْقَاهِرُ فِي الْحُرُوبِ هُوَ مَلِكُ الْمَجْدِ" (مز ٢٤: ٧- ۱۰). حدث هذا الحوار عند صعود الرب بين الملائكة المصاحبين له وملائكة السماء، وبسرعة سجدوا وفتحوا الأبواب ودخل الملك إلى مجده.
٦- يقول المرنم صَعِدَ اللهُ بِهتَافٍ صَعِدَ اللَّهُ بِصَوْتِ الْبُوقِ اللَّهُ جَلَسَ عَلَى عَرشِ مَجْدُه" (مز ١٤: ٥-٩).
٧- يقول المرنم أيضا: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ" (مز ۱۱۰ :۱). وهذا ما حدث بالضبط عند صعود الرب إلى السماء.
٨- قال دانيال النبي : كُنْتُ أَرَى فِي رُؤى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأَعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِي لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ لا يَنْقَرِضُ" (دا ٧: ١٣-١٤). وتصديقا لهذه النبوة قال معلمنا بولس الرسول: "لِذلِكَ رَفَعَهُ اللهُ،وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْم لِكَيْ تَجْتُوَ بِاسْم يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الْأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبِّ لِمَجْدِ اللهِ الآب" (في ۲: ۹-۱۱).بركة عيد صعود مخلصنا الصالح فلتكن معنا. آمين.
نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس أسقف دير السريان العامر
المزيد
09 يونيو 2024
في بيت ابي منازل كثيرة
إِنجيل هذا الصباح المُبارك ياأحبائىِ هو إِنجيل الأحد الّذى يسبِق عيد الصعود ويقول" أَنَا أَمْضِى لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً " ، ويقول " وإِن مضيت وأعددت لكُمْ مكاناً آتىِ وآخُذكُمْ إِلىّ حتى حيثُ أكون أنا تكونون أنتُم أيضاً " ، يقول أنا سأأخُذكُمْ للمكان الّذى أكون فيه ففِى إِحتفال عيد الصعود ربنا يسوع بيجلِس عن يمين الآب ويقول أنا عِندما أصعِد لن أصعِد وحدىِ ولكِنْ حيثُ أكون أنا تكونون أنتُمْ أيضاً ، ولِذلك اليوم الكنيسة بِتُهيّأنا ياأحبائىِ لِفِكر الصعود المُقدّس ،وتُريد أن تُفرّحنا بأنّ مكاننا هو فِى حِضن الآب فِى السماء بِنعمة ربنا أحِب أن أتكلّم معكُم فِى نُقطتين :-
1- حيثُ أكون أنا تكونون أنتُم أيضاً:-
ربنا يسوع المسيح ياأحبائىِ وهو على الأرض قد أكمل كُلّ شىء ، وهو على الصليب قال " قد أُكمِل " ، وفِى القُدّاس نقول " أكمِلت التدبير بالجسِد " ، وأجتاز حُكِم العقوبة الّذى كان على الإِنسان ، ما مِن تعدّى وما مِن معصية فعلها الإِنسان إِلاّ وربنا يسوع قد دفع ثمنها للآب " قتلت الموت بِموتك وأظهرت القيامة بِقيامتك " ، وهذا ما نقوله فِى الصلاة بالأجبية وهو على الأرض إِبتدأ يدفِع الديون التّى على الإِنسان ، فكُلّ جِراحات الصليب ياأحبائىِ وكُلّ ألم إِجتازه ربنا يسوع وهو على الأرض كان إِيفاء للعدل الإِلهىِ حقّهُ ، فهو فِى السماء تراءى للآب ويديهِ ورِجليهِ فيها جِراحات ، فهو دفع ثمن خطايانا ، فهذا كان التدبير الإِلهىِ " أنّ الله سُرّ أن يسحقهُ والله وُضِع عليهِ إِثم جميعُنا " حمل كُلّ خطايانا فِى جسم بشريتهِ ، أُريدك أن تتخيّل وهو عِندما أكمل التدبير بالجسد وذاق الموت وهو أمام الآب وقد دفع ثمن كُلّ خطايانا ، بالرغم مِن أنّهُ بِلا خطيّة وبِلا شر ، وهو " صار خطيّة لإِجلِنا " تخيّلوا وهو صاعِد للآب بِهذهِ الجِراحات فإِنّهُ سيدخُل للآب وهو ظافِراً وفِى يديهِ ورجليهِ علامات طاعة لله وللبشر ، هو دفع ثمن هلاك الخليقة كُلّها ، فهو دخل للآب بِكرامة عظيمة ، وكُلّ الآلامات التّى إِجتازها أخذ أجرها ، فما هو أجرها ؟ أخذ الكرامة والمجد والسُلطان الّذى كان لهُ قبل التجسُدّ ، ويقول للآب أنا آتىِ ومعىِ كُلّ الّذين إِشتركوا فِى الجِراحات المُقدّسة ، أنا آتىِ ومعىِ وليمة ، ومعىِ عُرس ، ومعىِ مدعوّين كثيرين ، آتىِ ومعىِ الكنيسة كُلّها ، هذا هو الصعود ياأحبائىِ ، كما نقول فِى القُدّاس " رفع قديسيه للعلاء معهُ وأعطاهُم قرباناً لأبيه " رفع الكنيسة كُلّها معهُ ، وقال للآب هاهُم الّذين كانوا هالِكين ، والفساد كان مالِك عليّهُم ، والخطيّة كانت مُسيّطِرة عليّهُم ، وردّ لهُم المُلك مرّة أُخرى ، فكُلّ إِنسان يعيش حياة سماويّة يعيش إِستحقاقات الإِبن بالضبط ، ويدخُل فِى مجدِهِ ، ويقول عن كرامتهُ : ليس فِى هذا الدهر فقط بل وفِى الآتىِ ، فلا توجِد كرامة تعلو كرامِة الآب والإِبن ، فنحنُ سندخُل لِهذهِ الكرامة ، سندخُل مُحتميين فيهِ ، نحنُ سندخُل لدى الآب مُحتميين فِى الإِبن ، فكرامتنا هى مِن كرامة الإِبن ، الإِبن دفع ثمن الخطيّة فصرنا لهُ ، نحنُ ميراث ربنا يسوع المسيح ، نحنُ غنم رعيّتهُ ، نحنُ عمله ، نحنُ الّذين إِشترانا بدمهِ ولِذلك تُسمّى الكنيسة بإِسم " البيعة " لأنّها هى التّى إِبتاعها بدمهِ ، ولِذلك الإِبن لهُ كرامة عظيمة عِند الآب ، وهو يقول لنا " حيثُ أكون أنا تكونون أنتُم أيضاً " ، نحنُ غير مُحتاجين ياأحبائىِ أن نعرِف أن نعرِف المجد الّذى ينتظِرنا ، ولابُد أن نكون واثقين مِن هذا الوعد ، ومِن أنّ عشاء عُرس الخروف والوليمة السماويّة بِتنتظِرنا ، وهذا هو مكان مجد الإِبن ، وهو لا ينفصِل عنّا أبداً " فإِن كُنّا أبناء فنحنُ ورثة ورثة بالمسيح يسوع " ، لِذلك نحنُ لنا إِستحقاق التواجُد الدائم لدى الآب فالإِبن موجود فِى حِضن الآب ونحنُ فِى الإِبن ، ولِذلك نحنُ فِى حِضن الآب ، أُنظُر لِعظِم تدبير ربنا يسوع وكيف يكون وضعِنا عِندهُ ، فهو بيّهيّأنا لِكرامة عظيمة ومجد عظيم فعيد الصعود بيعيِد لنا كُلّ بهجة وكُلّ خلاص ، بيعيِد لنا كُلّ كرامة مفقودة ، ولِذلك يقول فِى سِفر الرؤيا " ويتبعون الخروف أينما يذهب " ، ويكون بِلا عيب أمام عرش الله ، فنحنُ خُطاه ولكِن متحميين فِى دمهِ ، وهو إِشترانا بدمهِ فصرنا مُتبرّرين بدمهِ ، فتدبير ربنا يسوع المسيح أنّنا نصير هو بالضبط ، وعِندما نذهب للسماء يكون مكاننا بِجانبهِ فبولس الرسول يقول " لىِ إِشتهاء أن أنطلِق وأكون مع المسيح فذاك أفضل جِداً " ، لِماذا يا بولس الرسول ؟!! لأنّهُ عارِف ماذا أعدّ لهُ الله ، عارِف أنّ مكانه سيكون فِى حِضن الله وعارِف إِلى أين سيذهِب فنحنُ نقول لهُ : نحنُ يارب لا نستحِق ذلك ، ولكِن هو يقول لنا لا فأنتُم أولادىِ وأُريدكُم أن تكونوا معىِ ، الله ينتظِرنا فِى الأبدية مُنذُ الأزل ، منتظِرنا فِى الملكوت لِكى نتمتّع بهِ ، بولس الرسول يقول : أنتُم لستُم غُرباء ولا نُزلاء بل رعيّة أهل بيت الله ، فإِن كان البيت هو بيته فأنت لست غريب ، أنت جُزء منهُ ، أنت شريك لِصاحِب البيت فلو الإِنسان عرِف هذا المجد فكيف تكون نظرتهُ للأبدِية ؟ فإِنّنا سنجِد أنّ الأرض ستصغر فِى عينيهِ ، وتبدأ إِشتياقات السماء عِندهُ تكبر ، فنقول لهُ : متى يارب نكون فِى هذا المكان الرائع فنحنُ كُلّما إِقتنعنا بالسماء وأحببنا السماء تهون علينا كُلّ الأرض وكُلّ ما فيها ، ونعرِف أنّ كُلّ ما فيها هى أمور زائِلة ، فنتمسّك بالسماء ، والإِنسان عِندما يعرِف المجد الّذى ينتظِرهُ يبدأ يجهّز نفسه ، فيالِغِنى رحمِتك التّى تُجهّزها للبشريّة ، الإِنسان الّذى كان لا يستحِق أن يكون على الأرض ، اليوم نتكلّم عنهُ أنّ مكانه فِى حِضن الآب ، فهذهِ هى الكرامة التّى أخذها بالصعود فربنا يسوع يقول لنا أنا ذاهِب ومِنتظِركُم ومكانكُم جاهِز ، فهو بيقول هذا الكلام لِكى يُعزّينا عن فُراقة ، يقول لنا أنا مِجهّز لكُم مكان تفرحوا بهِ ، فهو يُريد أن يُخفّف عليّهُم آلام الفُراق ، وبِيجعِل النِفَس تعيش فِى إِنتظار أفراح الأبديّة ولِذلك ياأحبائىِ لا نتعجِب مِن القديسين الذاهبين بِفرح للإستشهاد ، فالكِتاب يقول لنا " لأنّ خفّة ضيقتنا الوقتيّة تُنشأ لنا أكثر فأكثر ثِقل مجد أبدىِ " ، فالإِنسان يشعُر فِى كُلّ يوم أنّهُ فِى إِشتياق زائِد ، لأنّهُ عرِف ما الّذى جهّزهُ الله لهُ ، تخيّل أنّ الإِنسان موطنهُ هو فِى السماء ، فإِنّهُ يستعِد لِهذا الموطِن ، فنحنُ نعيش على الأرض لأنّ لنا رِسالة ، نحنُ ذاهبين للسماء وشهوة قلوبنا هى حِضن الآب ، مكاننا سيكون فِى حِضنهِ الأبوىّ كُلّ حين ، ويتسِع لِيحتضِن كُلّ البشريّة ، الإِنسان الّذى لهُ علامة الله سوف يرِث هذا المُلك ، والّذى يعيش بِهذا الفِكر كُلّ يوم فإِنّهُ يُرضىِ الله كُلّ يوم ، ويزداد حُب وإِشتياق لهُ ، فكُلّ يوم نفحص أنفُسنا ، وكُلّ يوم أراجِع نِفَسىِ ، هل أنا فِى الطريق أم لا ؟!
ولِذلك توما الرسول قال لربنا يسوع :" أين الطريق ؟ " فقال لهُ ربّ المجد يسوع" أنا هو الطريق " ، إِمشىِ ورائىِ ، ولِذلك يقول الكِتاب " شُكراً لله الّذى يقودنا فِى موكِب نُصرتهِ " ، هو سائر أمامنا وآخِذ الكنيسة كُلّها يُعرّفها طريق حِضن الآب بعد أن كُنّا سائرين فِى طريق الظُلمة ، فلمْ تعُد الظُلمة مكاننا أبداً ، لأنّ الإِبن نفسهُ تقدّمنا وحمل ضعفِنا وصار لنا شفيع يدّخلنا قديماً كان رئيس الكهنة يدخُل خيمة الإِجتماع مرّة واحِدة فِى السنة لِكى يرُشّ دم الذبيحة على التيس وذلك فِى يوم الكفّارة ، وكان هذا إِشارة لصعود ربنا يسوع المسيح ، لأنّهُ دخل إِلى الآب بدم نفسهِ ، فإِن كان دم التيس يُقدّم كفّارة ويغفِر الخطايا ، فكم يكون دم إِبن الله ، فهو دم كريم حمِل بِلا عيب ، فهو عِندما قدّم نفسهُ صار مسكننا قُدس الأقداس ، وكُلُّنا نراهُ وكُلُّنا نأكُل مِن جسدهِ ودمهِ ، ونتحِدّ بهِ ، كرامة عظيمة صارت لنا ، صرنا نتمتّع بِخُبز الحياة ، ونتحِدّ بهِ ونأكُلهُ ، وهو يتحِدّ بأجسادنا ، لأنّ المسيح دفع الدين ، وردّ آدم وبنيهِ إِلى الفردوس مرّة أُخرى ، وعِندما نكتشِف مجدِنا عِند ربنا فإِنّهُ لا يليق بِنا أن نعيش فِى عبوديّة إِبليس ولا نعيش فِى الخطيّة فعندما أتلذّذ بالخطيّة وأفرح بالأرض وأرتبِط بِها فأنا بِذلك لا أعرِف ماذا فعل المسيح مِن أجلىِ ، وما الّذى يُجهّزهُ لىِ ، وهذا هو الإِنسان الّذى يستبِدل ما ينفع بِما لا ينفع القديس يوحنا فم الذهب يقول " إِنّىِ أتعجّب مِن إِبن الأكابِر الّذى يجلِس على رأس الشارِع لِيأخُذ لُقمة " ، الإِنسان الّذى يعيش فِى كرامة عِند ربنا يكون عارِف ما هو مجدهُ عِند ربنا 0
2- فِى بيت أبىِ منازِل كثيرة:-
فالسماء بالنسبة لنا ستكون موضِع وستكون مسكن ، كرامة عظيمة ومجد عظيم لِكُلّ إِنسان إِستنار وعاش فِى نور الوصيّة ، وسيأخُذ مجد فِى السماء ، ولكِن فِى السماء يوجد مجد يختلِف عن مجد ، ولكِن المُهِم أننّا كُلّنا سنرى الوليمة السماويّة ، ولكِن الإِنسان عِندما يعرِف ذلك فإِنّهُ يُحِب أن يُحسِنّ موضِعهُ ، فالسِت العدرا يقول عنها الكِتاب " جلست الملِكة عن يمين الملِك " ، توجد كرامات عظيمة ومُختلِفة كُلّ إِنسان عاش فِى بِر المسيح وكُلّ إِنسان تألّمْ مِن أجل المسيح وعاش فِى نور وصيّة ربنا يسوع نجِد أنّ نوره فِى السماء بِقدر البِر الّذى عاشهُ على الأرض ، فالأبرار يُضيئون كالكواكِب فِى ملكوت أبيهُم ، فالإِنسان البار هذا النور منتِظره فِى السماء ، والّذى يُميّز القديسين هو النور الّذى فيهُم ، وكُلّما أستضىء بِمصدر النور وأعاشره كُلّما يفيض علىّ النور فِى السماء مواضِع كُلّها مجد وكُلّها كرامة ، والإِنسان كُلّما أدركها إِزداد إِشتياق ، وعِندما يعرِف الإِنسان الموضِع الّذى ينتظِرهُ يزداد إِجتِهاد فالأنبا يوأنّس المُتنيّح كتب فِى مُذكِّراته موقِف حدث معهُ ولمْ يُنشِر ذلك إِلاّ بعد نياحتهُ فيقول : أنّ السٍت العدرا جاءت لهُ فِى يوم مِن الأيام وأخذتهُ للسماء وكان عِنوان الرؤيا " ورأيت هُناك " ، يقول أنّهُ رأى الكرامات العظيمة للقديسين فِى السماء ، وأرتهُ مكان مُنير وكُرسىِ بهىّ جميل فِى مكان مُرتفِع ، فسأل السِت العدرا : لِمَنْ هذا الكُرسىِ ؟ فقالت لهُ : هو كُرسيك أنت ، وعِندما إِستيقظ إِبتدأت غيرتهُ تزداد ، وإِبتدأ يعيش فِى كرامة وبِلا خطيّة كُلّ واحِد فينا مدعو لأن يرى مكانه ويمسِك بهِ ، ولِذلك يقول لنا الكِتاب " إِمسٍك بالحياة الأبديّة " ، ربنا خلقنا لِكى نكون معهُ " حيثُ أكون أنا تكونون أنتُم أيضاً " ، فعِندما يعرِف الإِنسان المكان الّذى ينتظِرهُ فإِنّ حياتهُ كُلّها تكون إِرضاء لِربنا ، فربنا أخذنا وأعطانا كرامة ، فبولس الرسول يقول نحنُ " شُركاء الطبيعة الإِلهيّة " ، فلا نتعجِب مِن ذلك ، لأنّ هذا هو فيض محِبّة ربنا ، ربنا أحب أن نكون معهُ فِى مجده ، فكُلّ واحِد لابُد أن يهتِم بِمكانهُ ، ولابُد أن نُجاهِد ونمسِك بِهذهِ الدعوة ، فلا يوجِد أحد يُضيّع السماء منهُ إِلاّ الّذى سيُضيّعها بِكامِل إِرادتهِ كُلّ واحِد فينا لهُ دعوة للوليمة ولكِن المُشكِلة هى فِى الّذى يُضيّع الدعوة منهُ ، فنحنُ أخذنا الدعوة ، وكُلّ واحِد فينا ماسِك بالدعوة ، وكُلّ واحِد مكانهُ مُسجِلّ فِى السماء ، ويقول لنا الكِتاب " فلنخِف مع بقاء وعد بالدخول إِلى راحتهِ يُرى أنّ أحد منّا قد خاب عنهُ " ربنا يسوع يقول لنا " رِثوا المُلك المُعِدّ لكُمْ مِن قبل إِنشاء العالمْ " ، فهو يقول لنا تعالوا ، هو ضامِن لنا المكان ، وهو مُشتاق أن يكون لىّ مكان ، فما الّذى يجعِل الإِنسان يخيب ؟! هو الإِنسان نفسهُ ، لأنّهُ لا يجِد الدعوة ويقول ضاعت منّىِ ، فهذا هو المثل المُنطبِق على الإِنسان الّذى لا يرتدىِ ثياب العُرس ، والثياب هو التناوُل المُستمِر ، وهو كلِمة ربنا ، وهو أعمال التقّوى والرحمة ربنا يسوع مِن فيض محبّتهِ أعطانا هذهِ الدعوة ، وأعطانا إِستحقاقات عظيمة ، ليس لأعمال بِر عملناها بل بِمُقتضى رحمتهِ وعِندما نعرِف هذا المجد الّذى ينتظِرنا فإِننا لا نعيش فِى كسل ولا فتور بل نُجاهِد بِحُب كامِل وبإِشتياق كامِل وبإِجتِهاد كامِل ربنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمتهِ ولإِلهنا المجد دائماً أبدياً آمين0
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
08 يونيو 2024
إنجيل عشية الأحد الخامس من الخمسين( يو ١٤ : ٢١ - ٢٥ )
" الذي عِندَهُ وصاياي ويحفظها فهو الذي يُحِبُّني، والذي يُحِبُّني يُحِبُّهُ أبي، وأنا أحِبُّهُ، وأَظْهِرُ لَهُ ذاتي قال له يهوذا ليس الإسخريوطي يا سيد، ماذا حدث حتى إِنَّكَ مُرْمِعٌ أَنْ تُظهِرَ ذاتك لنا وليس للعالم؟ أجابَ يَسوعُ وقَالَ لَهُ إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحفَظُ كلامي، ويُحِبُّهُ أبي، وإليه نأتي ، وعِندَهُ نَصْنَعُ مَنزِلاً الذي لا يُحِبُّني لا يحفظ كلامي والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني " بهذا كلَّمتُكُمْ وأنا عندكُمْ ".
حفظ الوصية :
هذا هو الأحد السابق لصعود السيد المسيح له المجد إلى السماء وكأن الرؤيا تزداد وضوحًا وذهن التلاميذ الأطهار يزداد انفتاحًا، والحديث عن الآب لم يعد ألغازا، ولكن بحسب عطية المسيح وبسبب قيامته إذ قد صالحنا مع الآب، أصبح الحديث عن الآب علانية لقد جازت طبيعتنا أتون التغيير واقترب روح التطهير وروح الإحراق لتقبله البشرية المقامة في المسيح، وينسكب عليها روح الآب حاملاً كل المراحم الأبوية وكل التعطفات الإلهية ليحتوي البشرية الممجدة في المسيح ويدخلها إلى حضن الأب الحنون كان المسيح مزمعًا أن يصعد إلى السماء، ويجلسنا به وفيه عن يمين أبيه الصالح. فماذا عساه أن يخبر التلاميذ عن الآب الذي يحبهم؟
المدخل للحب هو الطاعة !! الذي عنده وصاياي ويحفظها هو الذي يحبني"المسيح اقتنى لنا حب الآب بطاعته المطلقة لما أخذ صورة العبد ووضع نفسه وأطاع. هذا هو النموذج الكامل لاجتذاب رضى الآب السماوي ومسرته، هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" مكتوب في درج الكتاب عن المسيح "هأنذا آتي لأصنع مسرتك". فهو أحضر أبناء الله الكثيرين والذين كانوا متفرقين، أحضرهم فيه وقدمهم للآب "هأنذا والأولاد اللذين أعطانيهم الرب" فإن سألت عن الطريق فهو المسيح وإن سألت عن المدخل فهو حفظ الوصية هذا هو برهان حبنا للمسيح أن نحفظ كلامه فالذي يحني عنقه لنير المسيح ويُخضع إرادته له يبرهن على أنه فعلاً يحب المسيح كسر وصايا المسيح هو ضعف في المحبة أو قل هو انحراف المحبة، فإن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب قلب الإنسان إذن هو الركيزة التي ترتكز عليها كل الحياة، فإن انشغل القلب بحب ذاك الذي أحبنا فإن برهان حبنا له هو حفظ وصاياه وتنفيذ كلامه كل ما عمله المسيح في تجسده كان يمجد الآب به هذا هو واجب البنوة الحقيقية وقد تفاضلت مسرة الآب غير المحدودة وشهادته لكمال ابنه بآيات وأعمال ومجد مساو مجدت وأمجد أيضًا فإن كنا اتحدنا بالمسيح بشبه موته وأقامنا معه وأنعم علينا بنعمة البنوة، فإنه علينا تقع مسئولية وواجب نحو الآب أن نحيا لمجده "أنا مجدت اسمك على الأرض"، "أنا أظهرت اسمك للناس"، هذه هي شهادة البنين حب الآب المنسكب علينا في المسيح شيء مهول لا حدود له ولا إدراك لكماله ومن يقدر أن يطيق، إنه نار ملتهبة تشعل القلب فيسعى الإنسان لتمجيد الآب حتى البذل وحتى الموت بل وما بعد الموت لقد اشتهى الشهداء أن يمجدوه بسفك دمهم كعلامة حب للذي أحبهم واشتهى النساك أن يمجدوه بتكريس الحياة وتقديس كل لحظة لمجده وأحرقوا أجسادهم في مجامر الحب الإلهي فامتلأ العالم من رائحة بخور حياتهم واشتهى الأبرار في كل جيل أن يمجدوه بأعمالهم ليرى الناس أعمالهم الحسنة فيمجدوا أباهم الذي في السموات فتناهوا في كل مجالات الفضيلة من بذل وعطاء وحب واتضاع وإنكار للذات وتقديس النفس والجسد، وإكرام الآخرين وحب العطاء رسالتنا إذن تنحصر في تمجيد الآب الذي أحبنا وأرسل ابنه كفارة لأجلنا، وقبل ذبيحته عن الخطاة وأرسل لنا روحه ليدخلنا إلى نعمة البنوة لنحيا في هذه الحظوة إلى أبد الآبد الصعود عمل إعجاز فائق على طبيعتنا البشرية ولكن المسيح بصعوده بجسدنا أدخل هذا الفعل الجديد إلى طبيعتنا فأصعدنا معه وفيه، بل نستطيع أن نقول إن كان يستحيل على إنساننا العتيق الطبيعي أن يرتفع أو يصعد إلى فوق إذ هو مرتبط بالجذب الأرضي الترابي، فإن إنساننا الجديد - الخليقة الجديدة في المسيح - مقام من الموت وصاعد إلى السماء في صميم خلقته فنحن مخلوقون في المسيح يسوع والمسيح قائم صاعد إلى السماء فالقيامة هي صميم طبيعتنا الجديدة والصعود منهج الحياة الجديدة والجلوس عن يمين الأب هو مركز طبيعتنا الجديدة ومجدها فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما هو فوق حيث المسيح جالس وبرهان ذلك هو انشغال الإنسان بما فوق، وهذيذه في السمويات وشهوة قلبه وكنزه هناك اهتموا بما فوق لا بما على الأرض" لقد نقل المسيح بصعوده مركز ثقل الإنسان من الأرض إلى السماء لما كنا في الجسد كان اهتمام الجسد هو المركز الذي ندور حوله كل الأيام ولا نستطيع أن نفلت من انجذابنا إلى كل ما هو ترابي مادي زائل ولما أصعدنا المسيح إلى السموات نقل سيرتنا إلى السماء لأن سيرتنا نحن في السماوات"وصرنا بحسب الطبيعة الجديدة ندور في فلك السماوات حول مركزنا العالي في الروح، هناك رجاؤنا وفرحنا وشهوة قلبنا ونعيمنا الدائم وهذا ما يعبر عنه بالحياة الأبدية في المسيح.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد