المقالات
03 فبراير 2020
المذبح العائلي
مع اقتراب فترة مقدسة هي الصوم الأربعيني المقدس الذي صامه رب المجد بنفسه في الجبل، وهي فترة من أقدس أيام السنة كلها، تتسم بأنها فترة عبادة على مستوى الكنيسة في القداسات اليومية، وعلى مستوى الأسرة أيضًا فيما يُسمّى بالمذبح العائلي أي خدمة الصلاة اليومية بالمزامير، وهذا له تأثير قوي في اجتماع الصلاة مع الصوم في حياتنا مما يجعل العلاقة بالله متكاملة ويُضاف إليهما الصدقة، وهم أركان العبادة المسيحية، إذ بالصوم ينضبط المصلي في صلاته ويأخذ من محبة الله للخليقة فيعطي على قدر ما يستطيع.وهنا نذكر أن الصوم يجعل الجسد ذبيحة حب لله، وبالصلاة يقدم ذبائح شكر لله وتسبيحًا، وبالصدقة يعطي للمحتاجين على مثال الله العاطي فيتشبه بالله في صنع الخير لمن يحتاج. لذلك نجد في كنائسنا في فترة الصوم قداسات يومية في الكنيسة، وحرصًا على إشباع الجائع والمحتاج، ونردد في ألحان الصوم اللحن الشهير: "طوبى للرحماء على المساكين، فإن الرحمة تحل عليهم، والمسيح يرحمهم في يوم الدين (يوم الدينونة في القيامة العامة).."الصوم دعوة لإقامة المذبح العائلي: فنجد في (يشوع24: 15) «أما أنا وبيتي فنعبد الرب».. وهذا مبدأ روحي مهم جدًا يجب أن نأخذه في الاعتبار في الصوم خاصة، وطول أيام حياتنا عمومًا، لأن وجود الله في البيت مهم لكي يقود روح الله الأسرة، وهي أفضل عبادة وقيادة «إن لم يبنِ الرب البيت، فباطلًا تعب البنائون» (مز127: 1)، وهكذا يضع الله أساسًا قويًا للأسرة، ويبني كل أفرادها على الوصية الإلهية وتنفيذها بحرص شديد، لأن خلال الصلاة والصدقة في الصوم تُبني حياة كل أفراد الأسرة وأحد الآباء يقول: "الكنيسة المقدسة ليست مجرد حوائط مبنية، ولكنها تُعَبَّر عن قلوب المؤمنين التي تحب الله، ومسكن لله بداخلها". لذلك ينبغي أن نبني مذبحًا للرب داخل بيوتنا ليسكن الله فيها، وهذه هي الوصية «قُم اصعد إلى بيت إيل وأَقم هناك مذبحًا لله» (تك35: 1) وهنا نؤكد أن قداسة الجماعة من خلال الصوم والصلاة حول المذبح، لتصير الأسرة أيقونة حَيَّة سمائية تخلو من العيوب التي تهدمها لكن عمليًا ماهو المذبح العائلي؟: جزء من البيت مُخصَّص للعبادة والصلوات والجلسات الروحية الفردية أو للأسرة كلها للصلوات ويقول القديس كبريانوس: "إن كان اثنان بفكر واحد يستطيعان أن يفعلا هكذا متى وُجِد اتفاق في الفكر، فكم بالأكثر بين الجميع".. وهكذا تكون الصلاة مؤثرة إذا وُجِدت وحدانية القلب بين الجميع. ويقول الأب يوحنا من كرونستادت: "الصلاة الجماعية تُستجاب سريعًا وتأتي بثمار كثيرة عندما تكون بوحدانية الرأي واتفاق الأهداف، ويُضاف إلى ذلك التمتع بكلمة الله التي هي غذاء روحي قوي «فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله»."والسيد المسيح يوصي بحفظ كلمته كدليل لحبه الذي يملأ القلب في الصوم : «إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا»، فإن كان الصوم دليل حبنا لله فهكذا حفظ وصاياه..( يو14: 23)..
نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
06 مايو 2019
القيامة والكنيسة
ظل السيد المسيح بعد قيامته أربعين يومًا يظهر لتلاميذه القديسين والمريمات والبعض ليشهدوا لقيامته، وحرص على أن يؤكد لهم جسد القيامة الذي يحيا إلى الأبد منتصرًا على الموت، وكان هدفه تجميع الكنيسة مرة أخرى حتى صعوده ليأتي الروح القدس ويحل على الرسل ومَنْ معهم، لتولد الكنيسة في عهد جديد تحمل في أسرارها قوة القيامة، وتعطي إمكانية الحياة الأبدية الغالية للضعف البشري وللموتى بكل صورة، لذلك نرى في حياة الكنيسة وقديسيها روح الغلبة والنصرة، فالرسل والشهداء والقديسون من كل الأنواع والجنسيات قدموا رسالة مفادها الظفر بالحياة الحقيقية إلى الأبد، رغم ما عانوه من آلام واضطهادات وسجون ومعاناة نفسيه وجسدية..يا ترى ماذا قال الرب لمن ظهر لهم؟ وكيف قضى الوقت معهم في ظهوراته لهم؟1) أسس مع التلاميذ سر الكهنوت والمغفرة: حتى تصير القيامة خبرة حقيقية من السقوط في الخطية إلى النهوض، ونفخ في وجوههم ليقبلوا الروح القدس لمغفرة خطايا الشعب للذي يقدم التوبة الحقيقية، وهنا سر الكهنوت مرتبط بسر التوبة والاعتراف المرتبط أيضًا بتقديم الذبيحة الإفخارستية، وكل هذا لتحويل الموت الأبدي الذي هو مصير الأشرار، إلى حياة أبدية بالمغفرة والتناول. وسَبَقَ ووَعَدَ الرب بتأسيس كنيسته على صخرة الإيمان حين قال لبطرس الرسول: «وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها»، وكان هذا وعدًا حين سأل الرب بطرس: «مَنْ تقولون إني أنا؟» فأجابه: «أنت هو المسيح ابن الله الحي»، فكافأه الرب بهذا الوعد: «... وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، وما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السموات، وما تحله على الأرض يكون محلولًا في السموات» (مت16: 16-18).وبعد القيامة جاء وقت التنفيذ للوعد بالتكليف، حين التقى الرب ببطرس بعد القيامة وقال له: «أتحبني؟»، فأجاب: «أنت تعلم أني أحبك»، فكلّفة قائلًا: «أرعَ خرافي» (يو21: 15) وحدث هذا ثلاث مرات... وهذا يؤكد فعل القيامة في حياة التلاميذ...2) جدد صيد السمك للتلاميذ السبعة: حين ظهر لهم وسألهم «يا غلمان ألعل عندكم أدامًا؟» فأجابوه أن لا! فأمرهم أن يلقوا الشباك على الجانب الأيمن فأمسكوا صيدًا كثيرًا وأكل معهم سمكًا، إذ حين صعدوا إلى الشاطئ وجدوه قد أعدّ لهم سمكًا مشويًا فأكلوا (يو21: 5-9).. وكأن الرب يجدّد وعده للتلاميذ بصيد كثير، ويؤكد وعودًا سابقه أن يجعلهم صيادي الناس حين دعاهم في البداية (لو5: 10).. إنها خطوة هامه في كرازة الرسل. وفي القيامة عودة المفقود إلى الوجود، لذلك أعاد لهم الوعود، وجمع تلاميذه والمريمات كنواة لكنيسة قوية مبنية على الصخر تأتي بثمر كثير من كرازتها بالفادى القائم من الأموات. لذلك كنيستنا رسولية مؤسسة على وعود الرب لرسله الأطهار، وعلى المبادئ التى أرساها معهم في إعدادهم طوال مدة التلمذة الروحية على مدى ثلاث سنوات وثلث سنة بكل اهتمام. ومما سبق يظهر تأثير القيامة على الكنيسة التى بدأت بالرسل القديسين ومَنْ معهم. هذه السطور مجرد نموذج لظهورات الرب الإحدي عشر على مدى أربعين يومًا، يبعث الحياة في تلاميذه والمريمات ومَنْ استمتعوا برؤيته، ويُسلمهم الكنيسة وأسرارها..
نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية
المزيد
22 يناير 2019
خطورة الإدانة
من أكثر الحروب التي تجد مكانًا في الإنسان إدانة الآخرين، وهي خطية صعبة ومنتشرة بكثرة. والكتاب يوصينا قائلًا: «لا يئنّ بعضكم على بعض أيها الأخوة لئلا تُدانوا» (يع5: 9)، وهذا الوصف دقيق لأنه يصور هذه الحرب الشديدة التي تنبع من داخل الإنسان، ولكن «هوذا الديّان واقف على الباب» بمعنى أن الحُكم على الناس ليس هو دور البشر، لكن الديّان الحقيقي الذي يرى الخفيّات قبل الظاهرات وبلا خطية ويعرف الحقيقة كاملة وله هذا السلطان «فَمَنْ أنت يا من تدين غيرك؟» (رو14: 4). والسيد المسيح أوصانا «لا تدينوا لكي لا تُدانوا، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون» (مت7: 1).الإدانة خداع: بمعنى أن مَنْ يُدين غيره يخدع نفسه: «لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأمّا الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها» (مت7: 1، 3). وهذا يعني أن الإدانة غير حقيقية ويكون مًنْ يُدين هو الُمدان.. ويقول القديس برصنوفيوس: "يوم تدين أخاك تنقطع عنك نعمة الروح القدس، فتكون سبب عثرة له". وبما أن المؤمن هو مسكن للروح القدس لذلك ينال نعمة التمييز الروحي فيشفق على مَنْ يخطئ بسبب حرب الشيطان، فبدل أن يحكم عليه يأخذ بيده ويُعينه ليقيمه.الإدانة ضد نقاوة القلب: لأن مَنْ قلبه نقي يملك عينًا بسيطة لا ترى الشر ولكن تحب الخير للجميع، لذلك الإدانة لا تتفق مع النقاوة والبساطة الحكيمة التي ترى الحقيقة.. إن العين التي بها خشبة لا ترى القذى الذي في عين الآخر (وهو إفراز العين الطبيعي)، وهكذا كان القديسون... لهذا حين رأى القديس يوأنّس القصير أحدًا يخطئ بكى، فسأله الأخوة لماذا تبكي؟ فقال لهم: "لأن أخي أخطأ اليوم بحربٍ من الشيطان وقد يتوب وغدًا، قد أُخطئ أنا بحربه ولا أتوب". وقد قيل عن لوط إنه كان يُعذّب نفسه البارة بالسمع والبصر للخطايا التي حدثت أمامه.الإدانة تتعارض مع كل الفضائل: فهي ضد المحبة التي تستر كثرة من الخطايا، فمن يُدين لا يحب. وتتعارض مع الاتضاع، لأن المتضع لا يرى خطايا غيره بل يرى خطايا نفسه ويدين نفسه. والإدانة ضد الوداعة الحليمة على البشر التي تحترم الصغير والكبير، فلا تحكم على أحد ولا تحتد. وهي ضد الصدق، لأن مَنْ في عينه خشبة لن يستطيع رؤية شيء، بل هو في حكم الأعمى. وضد احترام الناس وتوقيرهم، لأن الإنسان صورة الله، وهذه كرامة لا تناظرها رفعة. وإذا كانت الإدانة ضد كل هذه الفضائل، إذًا فهي تجمع العديد من الرذائل السيئة.فالإدانة خطية مركبة: فيها الكراهية والكبرياء والخداع الكاذب واحتقار البشر ورفضهم، وحين يسقط في كل هذه الخطايا فسوف ينعكس حكمة على الآخرين ليقدم إدانة لنفسه.والنصيحة... إن مستعظم النار من مستصغر الشرر، فربما نقدٌ بسيط يعتاده الإنسان فيدخل إلى الإدانة، وحين يعتاد عليها يصير أعمى يقود أعمى فيسقط كلاهما في حفرة. ومَنْ يحكم يجب أن يكون بلا خطية كما قال السيد المسيح لمن أتوا إليه بالمرأة الخاطئة: «مَنْ منكم بلا خطية فليرمها بأول حجر» (يو8: 7)، ومَنَعَ العمّال من نزع الزوان الذي وسط الحنطة قائلًا لهم: «دعوهما ينميان كلاهما معًا إلى وقت الحصاد»، والقمح يُجمع إلى مخازن والزوان مصيره معروف...
نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية
المزيد