المقالات

06 يوليو 2022

مقاييس الخدمة ونجاحها ج2

4- كثرة المخدومين كما تتميز عظمة قائد في جيش، بأنه قائد مائة أو قائد ألف. وهكذا كلما زاد عدد المخدومين، يعتبرون هذا دليلًا على نجاحها ونموها. وقد يكون الأمر كذلك فعلًا، ولكنه ليس مقياسًا ثابتًا بصفة مطلقة فليس نجاح الخدمة في كثرة عدد المخدومين، وإنما في الذين غيرت الخدمة حياتهم، وأوصلتهم إلى الله السيد المسيح كان يعظ آلاف كما في الخدمة الروحية التي سبقت معجزة الخمس خبزات والسمكتين. وكانت له خدمة أخرى مركزة في الإثنى عشر، وكانوا أهم من تلك الآلاف بكثير، بل هم الذين جذبوا إلى الإيمان مدنًا وأقطارًا فيما بعد. وجميل قول الكتاب في نجاح خدمة هؤلاء "وكان الرب في كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون (أع2: 47). إذن ليس نجاح الخدمة في عدد الذين يسمعون، إنما في عدد الذين يقبلون الكلمة بفرح، وتثمر فيهم، وتقودهم إلى التوبة، وإلى حياة القداسة والكمال.ومن هنا كنا ننادي بفصول مدارس الأحد المحدودة العدد، التي يستطيع فيها المدرس أن يهتم بكل تلميذ، ويخدمه خدمة حقيقية ناجحة، ويفتقده ويرعاه.وبنفس الوضع عملنا على تقسيم الإيبارشيات إلى مناطق محدودة يستطيع الأسقف أن يرعاها ويزورها، ويهتم بكل مدينة فيها وكل قرية، ولا تضيع تلك المدن والقرى وسط المسئوليات الضخمة التي كان يكلف فيها المطران برعاية بضع محافظات!! وقد أرانا الرب بأمثلة عديدة أهمها العناية بالفرد الواحد في الخدمة، كما فعل زكا (لو19) وأيضًا مع نيقوديموس (يو3) ومع المولود أعمى (يو9) وغيرهم البعض يضع مقياسًا آخر لنجاح الخدمة هو: 5- كثرة الإنتاج. كالقيام بعدد كبير من الخدمات، أو إنشاء عدد كبير من فروع الخدمة، أو من الأنشطة وقد يتوه في كل ذلك، ولا يحسن الإشراف على كل تلك الأنشطة، أو يضطر إلى تعيين عدد من الخدام بغير إعداد. وتفقد الخدمة روحياتها بكثرة اتساعها وقلة عمقها.. إذن ما هي المقاييس السليمة لتقييم الخدمة؟ وما هي عناصر القوة في الخدمة؟ 6- عناصر القوة في الخدمة أهمية الخدمة هي ما فيها من قوة ومن عمق، وما فيها من حب وبذل. ما فيها من تأثير، ومن تغيير للناس. وليس الأمر مسألة ضخامة المسئوليات، أو شهرة المكان، أو كثرة المخدومين، أو طول مدة الخدمة، وسائر هذه الأمور الجانبية وسنحاول هنا أن نتناول بالتفصيل بعض نواحي القوة في الخدمة، فنذكر منها: أ‌- الكلمة المؤثرة ظهرت هذه في خدمة السيد المسيح له المجد انظروا دعوة متى الإنجيلي مثلًا: يقول الكتاب "وفيما هو مجتاز رأى لاوي بن حلفى جالسًا عند مكان الجباية، فقال له اتبعني. فقام وتبعه" (مر2: 14) (مت9: 9).. إنها مجرد كلمة قالها لإنسان جالسًا في موضع مسئولية مالية. قالها الرب له، فترك مسئوليته، وقام وتبعه، دون أن يسأل إلى أين؟ ونفس قوة الكلمة وتأثيرها في الدعوة.. ظهرت في دعوة الرسل الأربعة الصيادين.يسجل ذلك القديس مرقس الإنجيلي فيقول"وفيما هو يمشي عند بحر الجليل، أبصر سمعان وأندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر – فإنهما كانا صيادين – فقال لهما يسوع هلمَّ ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس. فللوقت تركا شباكهما وتبعاه. ثم اجتاز من هناك قليلًا، فرأى يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه، وهما في السفينة يصلحان الشباك، فدعاهما للوقت، فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأجراء، وذهبا وراءه" (مر1: 16 – 20).بتأثير قوة الدعوة، تركوا كل شيء، وللوقت.. أي بدون تردد، وبدون إبطاء، وبدون جدال، تركوا السفينة والشباك والأب، ومصدر الرزق. بل قال بطرس للرب ملخصًا كل ذلك".. تركنا كل شيء وتبعناك" (مت19: 27).. ذلك لأن كلمة الدعوة كانت لها قوتها، فحدثت الاستجابة لها بسرعة، لأنها اخترقت القلب والفكر والإرادة.وكما كانت قوة الكلمة في الدعوة، كانت للسيد أيضًا قوته في الوعظ والتعليم لما أكمل عظته على الجبل، قيل عنه "بُهتت الجموع من تعليمه، لأنه كان يكلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مت7: 28، 29). وقيلت نفس العبارة عن تعليمه في كفر ناحوم "فبهتوا من تعليمه، لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مر1: 22) وكانت له قوة الكلمة في إقناعه من يحاورهم إنه المنطق العجيب والدليل القوي الذي شرح به للكتبة والفريسيين جواز فعل الخير في السبوت (مت12: 1- 12). وكذلك في موضوع القيامة، قيل إنه "أبكم الصدوقيين" (مت22: 34). وبعد ردوده القوية على الناموسيين والفريسيين، قيل "فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله البتة" (مت22: 46) والكلمة كان لها تأثيرها أيضًا في عاطفيتها وحبهامثل قوله لزكا العشار "أسرع وانزل لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك" (لو19: 5).. كلمة في عمق محبتها وتواضعها قادت ذلك الرجل الخاطئ إلى التوبة، فقال "ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين. وإن كنت قد وشيت بأحد، أرد أربعة أضعاف".. وهكذا بكلمة من الرب لها قوتها، حدث خلاص لذلك البيت.إن قوة الكلمة المؤثرة نراها أيضًا في خدمة آبائنا الرسل. عظة واحدة ألقاها بطرس الرسول في يوم الخمسين، كانت نتيجتها أن اليهود نُخسوا في قلوبهم، وانضم إلى الإيمان ثلاثة آلاف نفس، واعتمدوا جميعهم (أع2: 37- 41). وقبلوا ذلك بفرح.وقوة الكلمة تظهر في خدمة بولس الرسول أيضًا. حتى أنه وهو أسير يُحاكم أمام فيلكس الوالي، "بينما يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة، ارتعب فيلكس الوالي" (أع24: 25). وفي محاكمته أمام أغريباس الملك، قال له ذلك الملك "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا" (أع26:28). ب‌- قوة البذل البعض قد يستريح للخدمة السهلة التي لا تعب فيها ولا صعوبة. ولكن قوة الخدمة تظهر في صعوبتها واحتمال هذه الصعوبة، بكل بذل وفرح.مثال ذلك خدمة القديس بولس الرسول "تعب وكدّ، في أسهار مرارًا كثيرة، في جوع وعطش.. في برد وعُري.. بأسفار مرارًا كثيرة، بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية، بأخطار في البحر.." (2كو11: 26، 27) "في صبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات، في ضربات في سجون، في اضطرابات في أتعاب، في أسهار في أصوام" (2كو6: 4، 5) ومع ذلك يقول: "كحزانى ونحن دائما فرحون" (2كو6: 10) الخدمة الروحية تعب من أجل الرب وملكوته، وهي جهاد وتعب من أجل خلاص النفس. وقيل عنها"كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو3: 8). وهكذا كانت خدمة الآباء الرسل. بدأت وسط اضطهادات الرومان، ودسائس اليهود، ومعارضة وشكوك الفلاسفة الوثنيين، وعذابات الاستشهاد، وفي أماكن جديدة، لا مؤمنون فيها ولا كنائس ولا أية إمكانيات.. وبلا كيس ولا مزود.وكمثال لذلك: خدمة القديس مار مرقس الرسول دخل الإسكندرية، فقيرًا بحذاء ممزق، حيث لا مسيحيون هناك، ولا كنائس، بل توجد ديانات عديدة: منها آلهة الرومان بقيادة جوبتر Jupiter، وآلهة اليونان بقيادة زيوس Zeus، والعبادات الفرعونية بقيادة آمون ورع، وكذلك اليهودية في اثنين من أحياء الإسكندرية. ومكتبة الإسكندرية الحافلة بمئات الآلاف من كتب الوثنيين.. وعدم وجود أية إمكانيات على الإطلاق. ولكن مار مرقس صبر وجاهد، حتى حوّل الجميع إلى مسيحيين ماذا نقول أيضًا عن الذين بشروا في بلاد أهلها من أكلة لحوم البشر؟! إن الخدمة التي يبذل فيها الإنسان ويتعب، هي الخدمة الحقيقية ومقياس التعب والبذل، هو مقياس أساسي في الخدمة مثال ذلك خادم يتعب ويحتمل من أجل تهذيب تلميذ مشاكس في فصل، أو أم تتعب في تربية ابن عنيد، أو كاهن يتعب في خدمة أو في رعاية الحالات الصعبة، أو في المشاكل العائلية المعقدة مقياس آخر للخدمة هو عنصر العمق.. ت - عنصر العمق أعمال عظيمة قام بها أنبياء ورسل في خدمة. ولكن لا يوجد واحد منها يوازي طاعة أبينا إبراهيم في ذهابه لتقديم ابنه الوحيد محرقة للرب.. (تك22) هنا عمق معين يعطي لعمله وزنًا خاصًا وقيمة ليست لأي عمل آخر. هنا إيمان وبذل، ومحبة نحو الله أكثر من محبته للابن الوحيد ابن المواعيد. وكثيرون قدموا عطايا مالية لبيت الله. ولكن فاقت كل هؤلاء الأرملة التي ألقت الفلسين في الصندوق. وعمق عطائها أنه كان من أعوازها (لو21: 4) وما أكثر الذين حاربوا حروب الرب بقوة وانتصروا. ولكن فاق كل هؤلاء تقدم الصبي داود بحصاة في مقلاعه ليحارب بها جليات الجبار الذي أخاف الجيش كله.. لقد كان في تقدمه للمحاربة إيمان عميق بأن الحرب للرب، والله هو الذي سيدفع ذلك الجبار إلى يديه (1صم 16).إنك قد تلقي مائة درس في مدارس الأحد. ولكن كلها لا تكون عند الله مثل مرة واحدة كنت فيها مريضًا ومرهقًا، ومع ذلك لم تستسلم لهذا العذر، وذهبت إلى الخدمة مفضلًا الخدمة على نفسك أو أنك ذهبت لتخدم في أيام امتحان، وأنت محتاج إلى كل دقيقة من وقتك.. هنا للخدمة عمق خاص. إن الله لا يقيس الخدمة بكثرتها، وإنما بعمقها ونوعيتها. هناك مقياس آخر لعمق الخدمة هو: الخدمة في الخفاء. ت‌- الخدمة في الخفاء الخدمة المُخفاة تكون أعمق من الخدمة الظاهرة. الخدمة الظاهرة قد ينال منها الخادم شهرة أو مديحًا. وهكذا لا تكون كلها للمخدومين أو لله كما هو الحال في الخدمة المخفاة. ومع ذلك فالخدمة الخفية قد تكون أقوىإن الناس يعجبون بالبناء الشاهق الجميل في منظره وفي هندسته. ولا يتحدثون إطلاقًا عن الأساس القوى المخفي تحت الأرض، الذي يحمل هذا البناء كله، ويعمل عمله في خفاء والناس يعجبون بلمبات الإنارة التي تبهرهم بضوئها. ولا يفكر أحد في المولد الكهربائي الذي يغذي هذه اللمبات بالنور، والذي لولاه ما كانت تضئ. ويقينًا هو العنصر الأقوى والأساسي. وبنفس الأسلوب قد يعجب الناس بالسيارة الفخمة في منظرها الخارجي، أما الموتور القوي الذي يحركها فلا يفكر فيه أحد، لكنه يعمل عمله في خفاء وهكذا في الخدمة، قد يعجب الناس بنجاحها وبمجهود الخادم فيها. ولا أحد يفكر في الصلوات التي رُفعت من أجلها، وكانت السبب في نجاحها.. هذه الصلوات هي الخدمة الخفية القوية. كلنا نذكر سفر لعازر الدمشقي للحصول على زوجة مؤمنة لإسحق ابن سيده إبراهيم، وكيف نجح في مهمته، وعاد معه برفقة. ولكن من يذكر صلوات إبراهيم التي رفعت من أجل لعازر الدمشقي، وكانت السبب في نجاحه. ولذلك قال ذلك العبد الأمين لأهل رفقة "لا تعوقوني والرب قد أنجح طريقي" (تك24: 56). وكيف أنجح الرب طريقه؟ يرسل ملاكه معك وينجح طريقك" (تك24: 40) حقًا إن الصلاة هي خدمة مخفاة وهكذا قال القديس بولس الرسول لأهل أفسس "مصلين بكل صلاة وطلبة.. لأجل جميع القديسين ولأجلي، لكي يُعطى لي كلام عند افتتاح فمي" (أف6: 18، 19).كلام الواعظ هو الخدمة الظاهرة. أما أمثال صلاة أهل أفسس فهي خدمة مخفاة. يضاف إليها في أيامنا، خدمة الافتقاد التي تأتي بسامعين يسمعون العظة.. وكذلك خدمة كل الذين يرتبون للاجتماع وينظمونه الاجتماعات العامة خدمة ظاهرة. ولكن تقبل الاعترافات وقيادة الخطاة إلى التوبة هي خدمة مخفاة وقد يوجد في إحدى الكنائس كاهنان: أحدهما يعظ ويحضر الكثيرون لسماعه، وخدمته ظاهرة للكل. بينما زميله الآخر ليست له اجتماعات للوعظ. ولكنه يقضي الساعات الطويلة يستمع إلى الاعترافات، ويقود المعترفين إلى التوبة، ويرشدهم، ويصلي لأجلهم. وخدمته هذه عميقة الأثر جدًا.. وهكذا كان القمص ميخائيل إبراهيم.وربما من أمثلة الخدمة المخفاة: العمل الفردي. ج‌- العمل الفردي إن خدمة المجموعات الكبيرة لها صفة العمومية. وقد تحدث تأثيرًا عامًا، لا تتلوه متابعة.. أما الخدمة الفردية، ففيها التخصص، وفيها المتابعة. وهذا أعمق. انتقل الآن إلى خدمة أخرى هي:- ح‌- الخدمة الصامتة وأعني بها خدمة القدوة. وهي خدمة عملية.وليس فيه الحديث عن الفضيلة والقداسة، وإنما تقديم النموذج أو المثال العملي لها، بدون شرح أو كلام. وهي خدمة أكثر عمقًا، حتى إن كان صاحبها لا يُحسب بين الخدام. إنه ليس واعظًا، ولكنه هو نفسه العظة، يتعلم الناس من حياته لا من كلماته. وإن تكلم يتعلمون منه أسلوب الكلام الروحي.يذكرني هذا النوع من الخدمة بأحد الآباء الذي لم يطلب من القديس الأنبا أنطونيوس كلمة منفعة، وإنما قال له "يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبي..".ولعله من هذا النوع تنبثق خدمة أخرى هي:- خ‌- خدمة البركة كما قال الرب لأبينا إبرآم حينما دعاه "أباركك وتكون بركة" (تك12: 2) وهكذا نجد أن يوسف الصديق كان بركة في أرض مصر، وكان بركة من قبل في بيت فوطيفار. وكان إيليا النبي بركة في بيت أرملة صرفة صيدا. وكان أليشع النبي بركة في بيت الشونمية.. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي الجزء الأول
المزيد
29 يونيو 2022

مقاييس الخدمة ونجاحها ج1

إن مقاييس الله غير مقاييس الناس. الله هو فاحص القلوب والكلى، والعارف بحقائق الأمر. هو الذي يستطيع أن يقيّم خدمة كل أحد. ويعرف مدى فاعلية الخدمة أو روتينيتها. حقيقة الخدمة أو مظهرها.. ولاشك أننا في الأبدية سنجد أمورًا عجيبة ما كنا نتخيلها إطلاقًا.ربما نرى في الأبدية خدامًا ما كنا نسمع عنهم!! وربما بعض الخدام الظاهرين الآن، لا نراهم هناك!! حقًا إن مقاييسنا في تقييم الخدمة غير مقاييس الله.. وهنا نريد أن نفحص ما هي مقاييس الناس في نجاح الخدمة، وما حكم الله عليها. وندرس ما هي المقاييس الخاطئة، وما هي المقاييس السليمة. 1- مقدار المسئولية يقيس الناس الخدمة بحجم المسئوليات الملقاة على الخادم، بينما الله له مقياس مختلف.خذوا مثلًا إسطفانوس أول الشمامسة.إنه مجرد شماس، لم ينل رتبة أعلى من ذلك. فهل نقيس خدمته برتبته؟! كلا، بلا شك. فإن الكنيسة المقدسة تضع اسمه في مجمع القديسين قبل جميع البطاركة. وتقاس خدمتها بعمقها. وكيف أنه كان مملوءًا من الروح القدس والحكمة والإيمان (أع6: 3، 5). "وإذ كان مملوءًا إيمانًا وقوة، كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب" (أع6: 8).ووقف أمام ثلاثة مجامع وأمام الذين من كيليكيا وآسيا، يحاورونه "ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (أع6: 10). لهذا رأينا أنه بعد وضع اليد عليه كشماس "كانت كلمة الله تنموا، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا في أورشليم، وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان" (أع6: 7). هكذا كانت خدمة هذا الشماس وفاعليتها، حتى أن اليهود لم يحتملوا خدمته، فقبضوا عليه ورجموه. وفي رجمه رأى السموات مفتوحة وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع7: 56). "ورأوا وجهه كأنه وجه ملاك" (أع6:5). إن الإنسان في خدمته أمام الله، يوزن مجردًا من صفاته الخارجية ووظائفه. فيوزن في عمق عمله، وفي عمق قلبه، وفي قيمة خدمته.خذوا مثالًا آخر: القديس مارأفرام السرياني وما قام به من جهد كبير في الخدمة وفي مقاومة الأريوسية وفي دفاعه عن الإيمان، حتى قبل أن يرسم إغنسطسًا (أي قارئًا) من يد القديس باسيليوس الكبير. هذه الرتبة التي يحصل عليها الآن عشرات الآلاف من خدام مدارس الأحد، والتي كان يرى نفسه غير مستحق لها.ولكن الأغنسطس مارأفرام كان له وزنه الجبار في الكنيسة الجامعة، حتى أسموه "قيثارة الروح القدس" وأسموه الملفان أو "المعلم"، في أشعاره وكتاباته الروحية ذات التأثير أو العمق العجيب أترانا نقيس خدمته برتبة أغنسطس؟! أم بأثره البارز في خدمة الإيمان وفي التعليم، ليس في جيله فقط، وإنما في أجيال عديدة وحتى الآن.خذوا مثالًا آخر: الشماس أثناسيوس في مجمع نيقية المسكوني المقدس.في ذلك الوقت كان مجرد شماس، في أول مجمع مسكوني يضم 318 من الآباء الكبار، بطاركة وأساقفة، يمثلون كنائس العالم كله. ولكن عمله حينذاك لم يكن يقاس برتبته كشماس، وإنما بوقوفه ضد أريوس الهرطوقي، والرد على كل أدلته، في قوة وفي فهم عميق للكتاب والمعنى السليم لنصوصه ودلالاتها اللاهوتية.. حتى أنه -وهو شماس- قام بصياغة قانون الإيمان المسيحي في مجمع نيقية، القانون الذي تؤمن به كل كنائس العالم.. هنا الخدمة لم تكن تقاس بالرتبة، وإنما بأثرها وفاعليتها.مثال آخر هو القديس سمعان الخراز ماذا كانت رتبته؟! لا كاهن، ولا شماس، ولا حتى أغنسطس.. إنما عامل بسيط ربما لا قيمة له في المجمع، ولا وظيفة له في الكنيسة ولكن قيمة خدمته كانت في عمق عمله، وعمق صلواته، وفي إنقاذه الكنيسة كلها بمعجزة نقل الجبل المقطم أيام البابا إبرام بن زرعة وفي حضوره. هنا نوعية الخدمة، وليس علو الرتبة خذوا أيضًا مثال القديس الأنبا رويس.لم يكن أسقفًا ولا قسًا ولا شماسًا، ولم تكن له أية وظيفة رسمية في الكنيسة، ولا أية خدمة معينة. ومع ذلك دعته الكنيسة من آبائها. وكانت له خدمات تظهر يد الله فيها بكل وضوح. كذلك يمكن أن نذكر: إبراهيم الجوهري.كان علمانيًا، وله وظيفة علمانية في الدولة، أي أنه لم يكن مكرسًا للرب. ومع ذلك كانت له محبته العميقة للكنيسة، وخدماته التي لا يمكن أن تنسى التي قام بها من أجل عمارة الأديرة والكنائس، وفي العناية بالفقراء بأسلوب يضعه في مرتبة الخدام، بل أنه يفوق الكثيرين منهم مثال خارج الكنيسة القبطية هو ميشيل أنجلو. كان فنانًا. لكن خدماته في محيط الأيقونات الكنيسة، سجلت له اسمه في التاريخ وبخاصة في كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان. وهنا لا نسأل عن درجته الكنسية أو عن رتبته، إنما عن عمق خدمته. والناس يعرفون ميشيل أنجلو، وربما الملايين لا تعرف اسم البابا الذي عاش أنجلو في أيامه. وإن عرفوا اسمه يقولون إنه البابا المعاصر لميشيل أنجلو..! نقطة أخرى نذكرها في مقاييس البشر الخاطئة بالنسبة إلى الخدمة، وهي شرف وعظمة المكان. 2- عظمة المكان قد ينسبون أهمية الخادم إلى أهمية وعظمة المكان الذي يخدم فيه، كأنما خدمته تستمد قدر عظمتها من المكان، وليس من الشخص، ولا من عمق ونوعية الخدمة. والواقع غير ذلك.ومن أمثلة ذلك القديس غريغوريوس النيازينزي. ينتسب إلى بلدة نيازينزا التي صار أسقفًا لها، وربما لا يعرف أحد تحديد مكانها بالضبط، غير أنها كانت إحدى مدن قيصارية كبادوكية التي تتبع للقديس باسيليوس الكبيرغير أن القديس غريغوريوس لم يستمد عظمته وشهرته من عظمة المدينة التي يخدمها، وإنما من شخصيته اللاهوتية ومحاضراته العميقة التي ألقاها عن الثالوث القدوس، حتى أن الكنيسة منحته لقب "الناطق بالإلهيات". إيبارشيته لم تمنحه الشهرة، إنما هو الذي منح الشهرة لبلدة نيازينزا المجهولة بالنسبة إلى الكثيرين.مثله أيضًا القديس أغريغوريوس أسقف نيصص.وهو أخو القديس باسيليوس الكبير. وقد رسمه أخوه على نيصص، التي لا يعرف الكثيرون مكانها. ولكنها ضمن إيبارشية قيصارية كبادوكية. هي بلدة غير مشهورة، الذي سجل اسمها في التاريخ هو أسقفها القديس غريغوريوس، الذي كتب كثيرًا ضد الأريوسيين وله تأملات كثيرة، وكتاب عن التطويبات.لا يقل أحد إذن أن خدمتي فقدت قيمتها لأنها في بلدة صغيرة أو في قرية!! ولو إنني خدمت في مدينة كبيرة، لكان لي شأن آخر!! إن السيد المسيح ولد في قرية صغيرة هي بيت لحم "الصغرى في يهوذا" (مت2: 6) وانتسب إلى مدينة الناصرة، التي كان يعجب البعض هل يخرج منها شيء صالح!! (يو1: 46). ولكنه مع ذلك أعطي الناصرة شهرة في التاريخ. وكان يدعى "يسوع الناصري" (مت26: 71). وفي نفس الوقت أيضًا منح شهرة لقرية بيت لحم، فصارت مزارًا مقدسًاخدّام آخرون يقيسون (عظمتهم) في الخدمة بطول مدة هذه الخدمة. ويعتبرون هذا نوط تقدير للخدمة! 3- طول مدة الخدمة البعض يقيس قوة الخادم بطول مدة خدمته. ومن هنا جاء تعبير (الخدام القدامى). وفي الحقيقة ليس هذا مقياسًا سليمًا. فقد يوجد خدّام لهم مدة أقصر من غيرهم، ولكنها أكثر إنتاجًا وأعظم أثرًا.يوحنا المعمدان: خدم سنة أو سنتين بالأكثر. ولكنه استطاع خلال تلك الفترة القصيرة أن يهيئ الطريق أمام الرب، ويعدّ له شعبًا مستعدًا ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته (لو1: 17).والسيد المسيح نفسه كانت خدمة تجسده قصيرة! حوالي ثلاث سنوات وثلث، قال عنها للآب: العمل الذي أعطيته قد أكملته (يو17:4). وقال عنها أيضًا "أنا مجدتك على الأرض".. أتم الفداء، والتعليم، وقدم القدوة، وصحح الأخطاء، وأعاد الصورة الإلهية للناس.البابا كيرلس الرابع، مدة حبريته أقل من 8 سنوات. ومع ذلك منحته الكنيسة عن هذه الفترة لقب (أبو الإصلاح) من أجل عمق الخدمة التي قدمها.ويعوزنا الوقت إن تكلمنا عن بعض الآباء الكهنة القس منسى يوحنا كاهن ملوي مثلًا تنيح وعمره 30 سنة. واستطاع في تلك الفترة أن يقدم آلاف من العظات، وكتاب يسوع المصلوب، وطريق السماء، وتاريخ الكنيسة الذي ألفه وهو شماس. وكان له تأثير روحي واسع النطاق على الرغم من قصر مدة خدمته.والقس أنطونيوس باقي خادم كوينز: وهو أول كاهن أرسلته إلى أمريكا سنة 1972. لم يخدم في أمريكا سوى خمسة أشهر. ولكن خدمته توجت بعبارة قالها له الشعب هناك: لقد عرفنا الرب يوم عرفناك.. الخدمة إذن لا تقاس بطول مدتها، وإنما بعمقها وقد يأتي إنسان إلى كنيسة كضيف ويلقي عظة. وتكون هذه هي كل خدمته في الكنيسة. وتمر سنوات طويلة، والناس لا ينسون تلك العظة وتأثيرها. بينما يخدم غيره في نفس الكنيسة سنوات طويلة يلقون خلالها عظات عديدة، ولكن ليس بنفس التأثير.إن يومًا واحدًا يخدمه بولس الرسول، لهو أعظم وأعمق من سنوات طويلة يخدمها آخرون. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي الجزء الأول وللحديث بقية
المزيد
22 يونيو 2022

التواضع في التعليم

صدقوني أكثر ما يتعب كنيستنا حاليًا هو عدم التواضع في التعليم.كل خادم يأتي له فكر جديد في تأملاته أو من قراءاته يحاول يجعله عقيدة ويُدَرِسَه للناس، وهناك نوع من الكُتّاب، ويروق لهم إلغاء المفهوم السائد ليُقَدِّموا بدلًا منه مفهومًا جديدًا وكأنَّ الواحد منهم قد اكتشف ما لا تعرفه الكنيسة كلها والناس جميعًا وكأنَّه يعلم ما لا يعلمون.المشكلة هي تقديم المفاهيم الشخصية وليس تعليم الكنيسة وعقيدتها. ومحاولة للجدل وللإثبات ولإقناع الناس بخطأ المفهوم السائد والبعض قد ينتقد الكنيسة. والبعض يُغَيّر ألفاظ القداس والبعض يُصَرِّحْ بزيجات بعكس قوانين الكنيسة والبعض يُصَلِّى بقداسات غير مألوفة في كنيستنا.وكل واحد من هؤلاء يعتبر نفسه مصدرًا للتعليم.وكأنَّه جبهة مستقلة في تعليمه أو جزيرة قائمة بمفردها في المحيط وإنْ تدخلت الكنيسة لإصلاح الوضع، يقيم الدنيا ويقعدها، ويُحيط نفسه بمجموعة خاصة من تلاميذه لتسانده، ويقف ضد الكنيسة وينادى بأنَّ تعليمه هو السَّليم والكل مخطئ! وقد تجد لكل فرع من التربية الكنسية منهجًا خاصًا.أمين الفرع لا يعجبه المنهج العام، فيُعَدِّل فيه ويُبَدِّل، أو يضع منهجًا خاصًا يرى أنه الأفضل والأصوب.وإن شاء الله سنضع منهجًا موحدًا ونأخذ فيه رأى الآباء وقادة الخدمة فنرجو بعد وضعه أنْ يتواضع الخدام ويعملوا به.. ولا يقف لنا أحد ليقول من حقي أنْ أعترض.. ومن حقي أنْ أرفض، ومن حقي أنْ أسير حسب فكرى وإلاَّ فأين هي الديمقراطية في الكنيسة ولا يقول له أحد أين هو التواضع؟! الكنيسة الأولى تميزت بالفكر الواحد.لأنَّها كانت كنيسة متضعة تخضع لفكر قادتها.أمَّا البروتستانتية التي نادت بالحرية في التفسير والتعليم، فقد تكونت فيه مواهب متعددة زادت فيها مذاهب على المائة، أمَّا الكنيسة المحافظة التقليدية فإنها تحفظ الإيمان سليمًا، ولا تسمح بالمفاهيم الفردية التي تتحول إلى عقائد بل تنصح أصحابها بالاتضاع. الخادم المتواضع أيضًا لا يستعرض معلوماته!! إنَّما يقدم التعليم في أسلوب روحي هادئ. لا يحاول أن يفلسف المعلومات ولا يمسك ببعض الكلمات ويضع أمامها النص العبري أو اليوناني، أو بعض الترجمات الإنجليزية. وقد لا يكون الشعب على علم بشيء من كل هذا. وقد لا يكون كل هذا لازمًا لإثبات الفكرة التي يُقَدِّمْها. وقد لا تكون المراجع التي يستخدمها سليمة وقد يتبع في ذلك بعض المذاهب التي تسير بالمنهج العقلاني لا بالمنهج الروحي الخادم المتواضع ينزل إلى مستوى الخدومين ولا يبهرهم بمعلومات فوق مستواهم لا تفيدهم بشيء. إنَّه لا يُفكر في ذاته والمستوى الذي يريد أنْ يأخذه الناس عنه. إنَّما ينشغل بفائدة الناس الروحية، بينما تختفي ذاته تمامًا.لذلك هو يُحَضِّر درسه أو عظته أو محاضرته ولا مانع عنده أنْ تكون ورقة تحضيره ظاهرة فهو لا يُضَيِّع فائدة السامعين من أجل أنْ يأخذوا عنه فكرة أنَّه يتكلم من الذاكرة.. الخادم المتواضع يهتم بتحضير درسه. ولا يعتمد على معلوماته السابقة ولا على ذاكرته، كما يفعل بعض الخدام الكبار، ولا يُحَضِّرون ما يقولون فتبدو كلماتهم أحيانًا ضعيفة لأنَّهم لم يتواضعوا بل وثقوا بأنفسهم وبقدراتهم أزيد مما يجب. الخادم المتواضع يحترم عقليات السامعين مهما صغروا.ويبذل كل جهده لكي يقدم لهم كلامًا دسمًا يشبعهم. التواضع والذات الخادم المتواضع ينكر ذاته. يختفي لكي يظهر الرب، كما قال القديس المعمدان "ينبغي أنَّ ذلك يزيد وأنِّى أنا أنقص" (يو30:3).أمَّا غير المتواضع فيتخذ الخدمة ليبنى بها ذاته بطريقة خاطئة فهو يفكر كيف يرتقى في الخدمة، وليس كيف يرتقى بالخدمة، ويفكر في مستوى المجالات التي يتكلم فيها، وربما يسعى إلى المناصب وقد يصطدم بقيادات الكنيسة. ويتعوَّد كيف يأمر وينهى وينتقد وربما يفتخر بخدمته ومدتها ومستواها.يقول أنا لي 20 سنة في الخدمة. أنا خرَّجت أجيالًا.. ويكبر في عينيّ نفسه ويريد أنْ يُطاع، لا أنْ يطيع ويصطدم بالأنظمة الموضوعة. ويحكى قصصًا عن ماضيه ويدخله روح العظمة. الخادم المتواضع يكون كالنسيم الهادئ. في دخوله وخروجه لا يشعر به أحد، يكون رقيقًا دمثًا وديعًا، لطيفًا في معاملاته، لا يخدش شعور أحد، لا يجرح إنسانًا، لا يهتم بتولي مناصب في الخدمة، يطيع في كل ما يوكل إليه، "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته" (مت19:12) "ولا يرتئي فوق ما ينبغي" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 3). احذر أنْ تُفقدك الخدمة تواضعك.لأنَّ كثيرين كانوا متواضعين قبل الخدمة ثم تغيروا. أمَّا أنت فلا تكن كذلك لأنَّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟! (مت26:16). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي الجزء الأول
المزيد
15 يونيو 2022

إنه خادم

حسنٌ هذا اللقب أنَّه خادم وليس سيدًا! ولم نُعطه لقب كارز، أو مُعلِّم، أو مُدرِّس.. وظيفته أنْ يَخدم لا أنْ يُسيطر أو يتكبر فالكبرياء ليست من صفات الخادم والعجيب أنْ السيد المسيح نفسه لقَّب نفسه بلقب خادم. وعلى الرغم من أنَّه ملك الملوك ورب الأرباب (رؤ16:19) إِلاَّ أنَّه انحنى وغسل أرجل التلاميذ لكي يُعطيهم مثالًا (يو15، 5:13) بل قال أيضًا "أَنَّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت28:20).ولقب خادم قد تُلقَّب به الملائكة أيضًا فقيل عنهم في رسالة العبرانيين "أليس جميعهم أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أنْ يرثوا الخلاص" (عب14:1) وقيل في المزمور "الذي خلق ملائكته أرواحًا وخُدَّامه نارًا تلتهب" (مز4:104).وكما لَقَّبَ الملائكة بأنَّهم خُدَّام، كذلك الرسل أيضًا يقول القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبلوس "من هو بولس ومن هو أبلوس؟ بل خادمان آمنتم بواسطتهما" (1كو5:3) ويقول عن مساعده تِيخِيكُس "يُعرِّفكُم بكل شيء تِيخِيكُس الأخ الحبيب والخادم الأمين في الرب" (أف21:6) ويقول عن أَبَفْرَاسَ "الذي هو خادم أمين للمسيح لأجلكم" (كو7:1) وقال عن القديس مرقس الرسول "إنَّه نافع لي للخدمة" (2تى11:4). وقال بصفة عامة "كفايتنا من الله، الذي جعلنا كُفَاةً لأَنْ نكون خدَّام عهد جديد" (2كو6، 5:3). وقال أنَّ الله أعطانا خدمة المصالحة.. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله" (2كو20، 18:5) والآباء الرسل عند اختيار الشمامسة السبعة، قالوا "أَمَّا نحن فنعكف على الصلاة وخدمة الكلمة" (أع4:6). آباؤنا الرسل كانت لهم خدمة الكلمة، وخدمة المصالحة والآباء الكهنة عمومًا هم خدام المذبح وكلمة شماس معناها خادم.والكاهن الذي يستلم الذبيحة يُسمَّى في الطقس (الكاهن الخديم) حتى الأرملة التي كانت تخدم في الكنيسة اشترط فيها الرسول أن تكون "مشهودًا لها في أعمال صالحة.. أضافت الغرباء غسلت أرجل القديسين" (1تى10:5) والعناية بالفقراء نسميها الخدمة الاجتماعية وحتى اجتماع مُدرِّسي التربية الكنسية نُسمِّيه اجتماع الخدام فمادمت يا أخي خادمًا اسلك في اتضاع كخادم ولا يرتفع قلبك من الداخل. افهم الكلمة في جوهر معناها، ولا تجعلها تفقد حقيقتها ومدلولها وكان القديس أوغسطينوس يُصلِّى من أجل رعيته قائلًا "أَطلب إليك يا رب من أجل سادتي عبيدك..". إنْ كُنت خادمًا فيجب أنْ تتصف بالطاعة طاعة لله وطاعة لرؤسائك في الخدمة ومديريك بعض خدام التربية الكنسية يَتحَدُّون الأب الكاهن فلا يحترمونه ولا يُطيعونه ومع ذلك يقولون أنَّهم خُدَّام! ونفس الوضع نقوله عن الكاهن الذي لا يطيع أُسْقُفُه!! ونقوله عن أعضاء الكنيسة الذين ينفردون بالعمل دون مشورة رئاستهم الكنسية!! لا تظن أنَّك أحد قادة العمل الرعوي أو التعليمي في الكنيسة بل تذَكَّر باستمرار أنَّك خادم واسلك كما يليق بخادم واحذر أنْ تفقد تواضعك لأنَّه كما يقول الكتاب "قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم18:16). 2- من الأمور الأخرى التي تجلب التواضع في الخدمة: التلمذة. التلمذة يظن بعض الخُدَّام أنَّهم لمَّا أصبحوا خُدامًا انتهى بالنسبة إليهم عصر التلمذة وهذا فهم خاطئ.إنما لكي تحتفظ بتواضعك احتفظ باستمرار بتلمذتك.كل المسيحيين في العصر الرسولى كانوا يُدْعَون تلاميذًا والسيد الرب لمَّا أرسل الأحد عشر للكرازة قال لهم "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم" (مت19:28) وفي انتشار الكرازة قيل "وكانت كلمة الله تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا" (أع7:6)إذن اسْتَمِرْ تلميذًا للرب وتلميذًا للكنيسة ولا يكبر قلبك.وإن شعرت أنَّك صرت مُعَلِّمًا وأصبحت فوق مستوى التلمذة اعرف جيدًا أنَّك بدأت تسقط في الكبرياء.أَتَذَكَرْ أنَّنا حينما كنا خُدَّامًا في مدارس الأحد في كنيسة الأنبا أنطونيوس منذ حوالي 45 سنة كان كل خادم يجلس كمستمع أو كتلميذ في أربعة اجتماعات كل أسبوع، في اجتماع الأسرة وفى اجتماع الخُدَّام واجتماع الشبان وفي الفصل الكبير الذي كان يبدأ في السابعة والربع مساء، بعد انتهاء التدريس في باقي الفصول.وباستمرار كان الخُدَّام يتعلمون من غيرهم فيستمرون في تواضعهم.قل لنفسك أنا باستمرار مازلت أتعلم ومحتاج أنْ أعرف.وإنْ عشت في حياة التلمذة ستتخلص من مشاكل كثيرة ستتخلص أولًا من روح الجدل وكثرة المناقشات (المقاوحة) وتكون مستعدًا أنْ تتقبل الرأي الآخر بروح طيبة.لأنَّ الذين يدخل فيهم روح الجدل يُسْلِمَهم إلى روح العناد وتصلب الرأي ويظنون أنَّهم يفهمون أكثر من الكبار. بل وقد يظنون أنَّهم هم الكبار.احتفظ إذن بطفولتك الروحية حسب قول الرب"إنْ لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت3:18) وما أكثر الأمثلة لقديسين عاشوا تلاميذ يشوع ظلَّ تلميذًا لموسى طول حياته إلى أنْ رقد موسى في الرب وأليشع ظلَّ تلميذًا لإيليا إلى أنْ صعد إلى السماء، فوَدَّعَهُ بعبارة يا أبى يا أبى يا مركبة إسرائيل وفرسانها (2مل12:2) والقديس أثناسيوس الرسولي مع أنَّه كان بابا الإسكندرية احتفظ بتلمذته للقديس أنطونيوس الكبير ولما كتب سيرته قال "وأنا نفسي صببت ماء على يديه" أي كان يخدمه كان التلاميذ قديمًا يجلسون عند أقدام مُعَلِّميهم.فلا يجلسون إلى جوارهم وأمامهم بل كان المُعَلِّم يجلس على كرسي وتلاميذه جلوس على الأرض عند قدميه وعن هذا قال القديس بولس الرسول "وُلِدْتُ في طَرْسُوسَ كيليكيَّة ولكن رَبَيْتُ في هذه المدينة مُؤَدَّبًا عند رِجْلَيّ غَمَالائيل" (أع3:22) هذا هو اتضاع التلميذ أمام مُعَلِّمُه ويَعتبر أيضًا أنَّه ليس فقط يُعلِّمُه بل يُربيه أيضًا ويؤدبه.ما أصعب أنَّ خادمًا يقرأ كتابًا أو كتابيْن فيتكبر على مُعلِّميه.ويتكبر أيضًا على آبائه الكهنة ويفرض مشيئته على أب اعترافه فإما أنْ يوافق الأب على رأيه أو يعصاه!! وهكذا يصير حكيمًا في عينيّ نفسه الأمر الذي نهانا عنه الكتاب فقال "لا تكن حكيمًا في عينيّ نفسك وعلى فهمك لا تعتمد" (أم7، 5:3) عش إذن تلميذًا متواضعًا. والْتَمِسْ المعرفة من كل مصادرها تتلمذ على أب اعترافك وعلى آباء الكنيسة وعلى الاجتماعات الروحية وتتلمذ على الطبيعة على زنابق الحقل وطيور السماء وتتلمذ على الكتب الموثوق بها ولا تظن مهما كبرت أنَّك قد ارتفعت عن مستوى التعليم.إنَّ تاريخ الكنيسة يُسجل لنا قصصًا عجيبة عن اتضاع القديسين في التلمذة تصوروا واحدًا من الآباء الكبار مثل القديس موسى الأسود يطلب كلمة منفعة من الصبي زكريا فلما يستحى الفتى منه قائلًا: "أنت عمود البرية وتطلب منِّى كلمة؟!" يجيبه القديس "صدقني يا ابني لقد عرفت من الروح الذي عليك أنَّ عندك كلمة أنا محتاج أنْ أعرفها"..! والقديس مكاريوس الكبير أخذ كلمة منفعة من راعى بقر.. وكان الآباء يلتمسون كلمة منفعة بينما كانت لهم سيرة ملائكية يشتهى الكثيرون أنْ يتعلموا منها. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي الجزء الأول
المزيد
08 يونيو 2022

القيامة فرح

1- قال الملاكان وهما يبشران النسوة بقيامة المسيح: "لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟! ليس هو ههنا، لكنه قام" (لو 24: 5، 6).إن عبارة المسيح الحي مفرحة للتلاميذ. ولكنها كانت تخيف رؤساء اليهود، كما أنها تخيف الخطاة جميعًا لم تكن تخيفهم وقت القيامة فقط ووقت الكرازة بها. بل إن هذا الخوف سيظل يتابعهم حتى في المجيء الثاني للمسيح وفي الدينونة. وفي هذا يقول الكتاب "هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض" (رؤ 1: 7).وكثيرون مثل كهنة اليهود يريدون أن يتخلصوا من المسيح، لأن وجوده يبكتهم ويكشفهم. وبوجوده يخزي وجودهم الخاطئ.. 2- كانت قيامة السيد المسيح فرحًا للتلاميذ ولنا أيضًا.كان يوم الصلب يومًا محزنًا ومؤلما من الناحية النفسية، وإن كان من الناحية اللاهوتية يوم خلاص. ولكن الناس لم يروا سوي الآلام والشتائم والإهانات والبصاق والمسامير، ولم يروا ذلك الخلاص، ولا أروا فتح باب الفردوس ونقل الراقدين علي رجاء إلي هناك. وكان التلاميذ في رعب. فلما رأوا الرب فرحوا. بقدر ما كان التلاميذ في حزن وفي قلق شديدين يوم الجمعة، علي نفس القدر أو أكثر كانوا يوم الأحد في فرح بسبب القيامة. وتحقق قول الرب لهم من قبل "ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 22).لقد فرحوا لأنهم رأوا الرب، ورأوه حيًا خارج القبر، وكانوا يظنون أنه لا لقاء. وفرحوا لأن السيد قد انتصر في معركته ضد الباطل، وأنه "سيقودهم في موكب نصرته" (2 كو 2: 14) وفرحوا لأنهم تخلصوا من شماتة الأعداء بهم، كما تخلصوا من قلقهم واضطرابهم واختفائهم. وأصبح الآن بإمكانهم أن يخرجوا ويواجهوا الموقف، ويتكلموا بكل مجاهرة وبكل قوة عن قيامة المسيح. فرحوا لأن الصليب لم يكن نهاية القصة، وإنما كانت لها نهاية مفرحة بالقيامة، أزالت آلام الجلجثة جثسيماني وما بينهما وما بعدهما هو قال لهم "أراكم فتفرح قلوبكم". ونحن نعيد بأفراح القيامة، التي تشعرنا بأن المسيح حي معنا. وأنه لا يمكن أن يحويه قبر، هذا الذي يحوي الكل في قلبه لقد فرح التلاميذ بقيامة الرب، فرحوا إذ رأوه.. وكانت قيامته نقطة تحول في تاريخ حياتهم، وفي تاريخ المسيحية. 3- بقيامته فرحوا أن القيامة ممكنة وذلك بدليل المادي الذي رأوه أمامهم وهكذا قال عنه القديس يوحنا الرسول "الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا.." (1 يو 1: 1). وقال القديس بطرس الرسول".. نحن الذين أكلنا وشربنا معه، بعد قيامته من الأموات" (أ ع 10: 41).بالقيامة، تحول خوف التلاميذ إلي جرأة وشجاعة، وعدم مبالاة بكل القوي التي تحارب كلمة الله.. وهكذا استطاع بطرس بعد القيامة أن يقول "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" لم يعد التلاميذ يخافون شيئًا في روح القيامة أقصي ما يستطيعه أعداؤهم أن يهددوهم بالموت. وما قيمة التهديد بالموت، لمن يؤمن بالقيامة. وقد رآها!! بهذا آمنت المسيحية أن الموت هو مجرد انتقال، وأنه ربح، وأنه أفضل جدًا ولم يعد يخشاه أحد.. 4- وبالقيامة، شعر التلاميذ أنهم في ظل إله قوي الذي يؤمنون به "بيده مفاتيح الهاوية والموت". فيه الحياة، بل هو القيامة والحياة.. من آمن به، ولو مات فسيحيا.. وهو مصدر الحياة، ليس علي الأرض فقط، وإنما الحياة الأبدية أيضًا.. 5- وفرح التلاميذ لأن الرب وفي بوعده لهم.لما تحققت أمامهم وعود المسيح لهم بأنه سيقوم وسيرونه، وثقوا أيضًا بتحقيق كل الوعود الأخرى التي قال لهم عنها مثل "أنا ماض لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا، آتي أيضًا وآخذكم إلي، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو 14: 2، 3).وثقوا أيضًا بوعده عن إرسال الروح القدس إليهم (يو 16: 7)، وأنهم سينالون قوة متى حل الروح القدس عليهم (أع 1: 8). وثقوا بوعده "ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر" (متى 28: 20). وكل هذه الوعود منحتهم قوة وإيمانًا وفرحًا. 6- وفي فرح التلاميذ بالقيامة، فرحوا أيضًا بكل ألم يلاقونه في سبيل الشهادة لهذه القيامة.لقد أصبح للألم مفهوم جديد في فكرهم وفي شعورهم، لأنه قد صار لهم فكر المسيح (1 كو 2: 16) أصبح الألم في اقتناعهم هو الطريق إلي المجد، كما حدث للمسيح في صلبه واضعين أمامهم هذا الشعار "إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضًا معه" (رو 8: 17). وهكذا تحملوا الألم وهم يقولون "كحزانى ونحن دائمًا فرحون" (2 كو 6: 10). 7- وبالقيامة أصبح الصليب إكليلًا ومجدًا، وليس ألمًا ما عاد التلاميذ يتضايقون من الاضطهادات. وهكذا يقول بولس الرسول "لأني أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح" (2 كو 12: 10). ويقول أيضًا "كحزانى ونحن دائمًا فرحون" (2 كو 6: 10). 8- وصارت القيامة فرحًا لجميع المؤمنين وبشري بالقيامة العامة. والقيامة أعطت المسيحيين رجاءًا في العالم الآخر، فركزوا فيه كل رغباتهم، وزهدوا هذا العالم إن كل ما نشرته المسيحية من حياة النسك، والزهد، وحياة الرهبنة، والموت عن العالم، كل هذا مبني علي الإيمان بالقيامة، والتعلق بالعالم الآخر الذي تصغر أمامه كل رغبة أرضية. وهكذا تردد الكنيسة علي أسماعنا في كل قداس قول الرسول "لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يبيد، وشهوته معه". 9- وفي الفرح بالقيامة، فرح بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه.وفي فرح القيامة فرحوا أيضًا بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه عرفوا أن القيامة لها ما بعدها. واستطاع القديس بولس الرسول أن يعبر عن ذلك بقوله "ما لم تره عين، ولم تسمع به إذن، ولم يخطر علي بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9). وتحدث هذا الرسول أيضًا عن الإكليل المعد فقال"وأخيرًا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا" (2 تي 4: 8).كما أن الرب في سفر الرؤيا، شرح أمجادًا أخري للغالبين سينالونها بعد القيامة.فتحدث عن شجرة الحياة، وإكليل الحياة، والمن المخفي، والاسم الجديد، والسلطان، وكوكب الصبح، والثياب البيض.. (رؤ 2، 3). بل ما أجمل قوله "من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه" (رؤ 3: 21).إننا لا نستطيع أن نفصل القيامة عن أمجاد القيامة، هذه التي من أجلها اشتهي القديسون الموت.فقال بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا (في 1: 23). وقال الرسول أيضًا "ونكون كل حين مع الرب".وتحدث القديس يوحنا في رؤياه عن أورشليم الجديدة، النازلة من السماء التي هي مسكن الله مع الناس. حقا ما أجمل القيامة التي تؤدي إلي كل هذا. وكل هذا ننتظره نحن في رجاء، فرحين بالرب وبمواعيده.. 10- وبهذا أعطتنا القيامة رجاءًا في العشرة الدائمة مع المسيح.فرحة القيامة ليست هي مجرد أن تقوم، إنما بالحري أن نقوم مع المسيح، لنحيا معه، حيث يكون هو وهكذا صارت القيامة وسيلة، وليست غاية في ذاتها..وسيلة للحياة مع الرب، والتمتع به، في فرح دائم، لا ينطق به ومجيد، مع مصاف ملائكته وقديسيه.أصبحت القيامة شهوة الكل، وإيمان الكل، كطريق يوصل إلي الأبدية مع الله، التي هي هدف حياتنا علي الأرض. 11- في قيامة المسيح، فرحوا بأنهم تلاميذ المسيح وخاصته، بعد أن كانوا خائفين من انتمائهم إليه! بعد أن كانوا خائفين قبلًا من الانتساب إليه، حتى أن بطرس في ليلة محاكمة السيد، أنكر، ولعن، وحلف، وقال لست أعرف الرجل (متى 26: 74). أما الآن -بعد القيامة- فإنهم يفتخرون به.وفرحوا بأن الرب قد سمح بأن يظهر لهم مدي أربعين يومًا، في العلية في أورشليم، وعند بحر طبرية، وفي الجليل.. ويتحدث إليهم ويطمئن قلوبهم، ويغفر لبطرس إنكاره، ويقنع توما في شكوكه.. ويتنازل إلي ضعفهم، ليرفعهم إلي قوته، دون أن يوبخهم علي هروبهم واختفائهم وشكهم. 12- فرحوا، لأنه بعد القيامة قد افتقدهم المسيح.وقضي معهم فترة، كانت تضميدًا لجروحهم، وإزالة لشكوكهم، وغفرانًا لخطاياهم. بل كانت فترة إعداد للخدمة المقبلة.. أربعين يومًا قضاها الرب معهم، كان فيها يظهر لهم "ويكلمهم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع 1: 3).. وقد "أراهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة".. 13- و فرحوا لأنه في ظهور المسيح لهم، ظهر لهم مجده وعظمته ظهر لشاول الطرسوسي في نور عجيب أبرق حوله من السماء، حتى ارتعد شاول وتحير (أع 9: 3-6).وظهر ليوحنا الرائي "ووجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها "حتى وقع عند قدميه كميت (رؤ 1: 16، 17). 14- و فرح التلاميذ، لأنهم بعد القيامة استئمنوا علي رسالة قال لهم الرب "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم جميع ما أو صيتكم به "متى 28:19، 20). "اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص.. هذه الآيات تتبع المؤمنين.." (مر 16: 15-17).وهكذا أصبحت لهم رسالة، ورسالة عظيمة وجليلة، يحيون لأجلها، ويجاهدون لتحقيقها، ويكللون بسببها. وتحقق قول الرب لهم "أجعلكم صيادي الناس" (متى 4: 19).لا شك أن بطرس قد فرح عندما قال له الرب بعد القيامة "ارع غنمي... ارع خرافي.." (يو 21: 15، 16).ولا شك أن كل التلاميذ فرحوا لما قال لهم الرب بعد القيامة "اقبلوا الروح القدس. من غفرتم لهم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتموها عليهم أمسكت"، "كما أرسلني الآب. أرسلكم أنا" (يو 20: 21-23). 15- و فرح التلاميذ بالجسد الروحاني الذي للقيامة، حينما يقيم المسيح أجسادهم أيضًا كما قام.. هذا التجلي الذي سيكون للطبيعة البشرية في القيامة من الموت. وقد تحدث القديس بولس الرسول بإسهاب في هذه النقطة فقال "هكذا أيضًا قيامة الأموات: يزرع في فساد، ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان، ويقام في مجد. يزرع في ضعف، ويقام في قوة. يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا" (1 كو 15: 42-44). وقال أيضًا عن الرب يسوع "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون علي صورة جسد مجده" (في 3: 21)."علي شبه جسد مجده "فهذا يعطينا فكرة عن جمال الحياة الأخرى وروحانيتها، وبهجة الانطلاق من المادة وكل قيودها، مع كل قدرات الروح ومواهبها. 16- القيامة منحت الكرازة المسيحية ثقة وإيمانًا ثقة بالمسيح القائم من الأموات، الذي عاش معه التلاميذ أربعين يومًا بعد قيامته "يريهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة"، "يكلمهم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع 1: 3). حتى أن يوحنا الرسول، حينما تكلم عنه "الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا ط (1 يو 1: 1). ملخص لأفراحهم: أما التلاميذ فقد فرحوا إذ رأوا الرب (يو 20: 20). واستمر معهم الفرح كمنهج حياة لقد فرحوا بقيامة الرب، وفرحوا بظهوره لهم. وفرحوا بصدق كل مواعيده. وفرحوا بالقيامة بوجه عام، وبالانتصار علي الموت. وفرحوا لأن اليهود ما عادوا يشمتون بهم. كذلك بالقوة التي نالوها، وبالرسالة التي عهد الرب بها إليهم بعد القيامة وفرحوا بانتشار الكرازة. بل فرحوا حتى بالضيقات التي لاقوها في شهادتهم للرب، وقال عنهم الكتاب "أما هم فرحين، لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا لأجل اسمه" (أع 5: 41). فرحوا أيضًا بتحقيق وعده لهم في إرسال الروح القدس إليهم، وقوله لهم "تلبسون قوة من الأعالي" (لو 24: 48).وقوله أيضًا "إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (متى 18: 20). وقوله كذلك "ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر" (متى 28: 20). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
01 يونيو 2022

مواقف من القيامة

ما أكثر المعجزات التي حدثت وقت صلب المسيح: الشمس أظلمت، والأرض تزلزلت والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وحجاب الهيكل انشق..ولكن هل استفاد الكل من هذه المعجزات؟ كلا. إنما استفادة كل إنسان كانت علي قدر استعداد قلبه لما تزلزلت الأرض آمن اللص، ولكن لم يؤمن الكهنة ورؤساؤهم. ولما خرج الدم والماء من جنب المسيح، آمن قائد المئة وجنوده، ولم يؤمن قادة الشعب.إن المسألة لا تتعلق بالمعجزة ومدي قوتها. بل تتعلق بالأكثر بمدي استعداد قلب الإنسان من الداخل ورغبته في الاستفادة.في معجزة منح البصر للمولود أعمي، آمن الرجل، ولم يؤمن الفريسيون مع أن المعجزة واضحة القوة بل ثاروا علي الرجل لما دافع عن المسيح الذي شفاه، وأخرجوه خارج المجمع (يو 9: 34). وهكذا لما شفي المسيح صاحب اليد اليابسة، رفضوا أن يستفيدوا من المعجزة بسبب أن الرب شفاه في يوم السبت إن هذا كله يذكرنا بمثل الزارع الذي شرحه الرب لقد كان نمو الزرع يتوقف قبل كل شيء علي حالة الأرض: هل هي محجرة، أم جيدة، أم بها شوك.. الزارع هو نفس الزارع، والبذار هي نفس البذار. ولكن الأرض التي تتقبل البذار من الزارع تختلف في مدي جودتها وتقبلها للزرع الإلهي.وهكذا حدث في قصة القيامة، وفي قصة الصلب. المعجزات موجودة، ولكن الناس يختلفون. منهم من استفادوا، ومنهم من لم يستفيدوا.. 1- بذار علي أرض محجرة 2- بذار خطفها الطير 1- بذار علي أرض محجرة إن رؤساء الكهنة وقادة الشعب اليهودي شاهدوا الشمس قد أظلمت في وقت الظهر، وقت صلب المسيح. ومع ذلك لم يستفيدوا. لأن قلوبهم كانت أشد ظلمة من الظلمة التي علي وجه الأرض.بل أنه بعد هذه المعجزات التي آمن بسببها اللص اليمين وقائد المئة، ذهبوا إلي بيلاطس يقولون له عن المسيح "يا سيد. قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر إلي اليوم الثالث، لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه، ويقولون للشعب أنه قام من الأموات. فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولي" (متى 27: 62-64).وهكذا أخذوا معهم جندًا، ومضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا القبر. ولم يبالوا أن يفعلوا كل ذلك في يوم سبت، وهم الذين قالوا إن المسيح خاطئ، لأنه شفي المرضي في يوم سبت.طالما تحمسوا للسبت، وعادوا المسيح بسببه. بل إنهم طلبوا كسر المصلوبين وإنزالهم، فلا تبقي الأجساد علي الصليب لئلا تنجس السبت.. حماس عجيب من أجل السبت! ومع ذلك يأخذون معهم جنودًا في ليلة السبت، ويختمون القبر في ليلة السبت، ويقيمون الحراس لحراسة القبر في السبت. ولا يكون في كل ذلك خطية!! وكأنهم قالوا في قلوبهم إذ ختموا القبر في السبت "ها قد كسرنا السبت، لكي نكسر كاسر السبت"!! أما المسيح فإنه -بينما كانوا يختمون قبره- كان قد أفرج عن المفديين من الجحيم، وفك أختام الفردوس المغلق، وأدخل فيه الراقدين علي رجاء.ما أسهل علي الناس أن يلعبوا بضمائرهم كما يشاءون.هناك أشخاص ضمائرهم مكورة تتدحرج علي أي وجه أينما انزلقت رست واستقرت!! وقد كان رؤساء اليهود من ذلك النوع.ولكن هذا الذي فعلوه كان ضدهم لا لهم، فلو لم يختموا القبر بأنفسهم، ويقيموا الحراس من قبلهم، لكان بإمكانهم أن يحتجوا فيما بعد ويقولوا عن التلاميذ سرقوا الجسد. أما الآن فقد ضبطوا القبر بالحراس وختموه، فماذا يقولون والقبر فارغ وقد قام المسيح بمجد عظيم، وخرج من القبر المختوم، كما خرج في ولادته من بطن العذراء وبتوليتها مختومة وبعد قيامة المسيح حدثت زلزلة عظيمة "لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر علي الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه أرتعد الحارس وصاروا كأموات" (متى 27: 20-4).فهل استفاد الحراس من هذه المعجزة العظيمة؟ وهل استفاد منها رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب؟ كلا، لقد كانت البذار المقدسة قد وقعت علي أرض حجرية.. صدق أبونا إبراهيم عندما قال "ولا إن قام واحد من الموتى يصدقون" (لو 16: 31).إن كان يلتمس عذر المجند الأميين الذين لا يعلمون شيئًا عن المسيا ومجده، فماذا عن الكهنة ومعلمي الناموس، المفروض فيهم أن يكونوا حريصين علي وصايا الرب وتنفيذها.إنهم لما سمعوا بالقيامة من الجند، أعطوهم رشوة، ووضعوا كلام كذب في أفواههم، وقالوا لهم "قولوا إن تلاميذه أتوا ليلًا وسرقوه ونحن نيام. وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه، ونجعلكم مطمئنين. فأخذوا الفضة وفعلوا كما علموهم. فشاع ذلك القول" (متى 28: 11-15).وهكذا لم يستفيدوا من معجزة القيامة، بل زادوا شرًا.كذبوا وعلموا غيرهم الكذب. ولم يكن كذبًا متقنًا أوعزوا إليهم أن يقولوا إن تلاميذه سرقوه ونحن نيام! فإن كنتم نيامًا، فكيف عرفتم في نومكم أن تلاميذه أخذوه؟! صحيح إن حبل الكذب قصيرولكنهم لم يكتفوا بالكذب، بل ألصقوا تهمة بغيرهم زورًا وبهتانًا، إذ ألصقوا السرقة بالتلاميذ. ودفعوا رشوة ليغطوا عملهم. وأساءوا إلي سمعة الجند. وخدعوا الوالي. وأضلوا الشعب كله، الشعب المخدوع فيهم وفي كل ذلك الضلال وصفوا المسيح بأنه مضل. وكأنهم يقولون عنه لبيلاطس: أنقذ الناس من هذا المضل، لكيما نضلهم نحن!! إن بذار معجزة القيامة، إذ وقعت في قلوب أولئك القادة، إنما وقعت علي أرض محجرة، فلم تؤثر فيهم. كان تفكيرهم في الحفاظ علي مناصبهم يغطي علي التفكير في أبديتهم.وفي هؤلاء نري كيف ينحدر الإنسان من خطية إلي خطية، في سلسلة طويلة من الخطايا إلي غير نهاية مبدأ خطاياهم هو محبة المجد الباطل.وهذه المحبة قادتهم إلي الحسد، فحسدوا المسيح إذ كانوا يريدون أن يكونوا وحدهم في الصورة دون أن يقف إلي جوارهم أحد، فكيف بالأكثر هذا الناصري الذي غطي علي شهرتهم وكشف رياءهم.وخطية الحسد قادتهم إلي التآمر، والتآمر قادهم إلي شهادة الزور في محاكمة المسيح. وهذا كله قادهم إلي القسوة في صلبه. وإلي تضليل الشعب كله. وموقفهم الخاطئ هذا قادهم إلي الخوف. والخوف قادهم إلي ضبط القبر وختمه، مع كسر السبت، وإشراك الناس في هذا الكسر، وخطيتهم هذه -إذ فضحتها القيامة- قادتهم إلي الرشوة والكذب والتحريض علي الكذب وتضليل الناس وعدم الإيمان.وإذا أرادوا بكل هذا أن يكبروا في أعين أنفسهم وأعين الناس، أضاعوا أنفسهم ولم يستفيدوا لا سماء ولا أرضًا إنهم أرض محجرة.. خطية يلفها الخوف.. كانوا يخافون المسيح حتى بعد موته.. كانوا يخافون قيامته لأنها تهدم كل ما فعلوه.. كانوا يشعرون أن المسيح علي الرغم من قتلهم له، ما يزال له عمل إن القاتل يخاف من شبح القتيل ومن صورته وصدق علماء النفس عندما قالوا إن القاتل يحوم دومًا حول مكان الجريمة.. وهؤلاء أيضًا جعلوا يحومون حول مكان جريمتهم.تلاميذ المسيح نسوا قوله إنه سيقوم في اليوم الثالث أما أولئك الكهنة والشيوخ الخائفون من المسيح فلم ينسوا.قالوا لبيلاطس: تذكرنا أن ذلك المضل قد قال إني بعد ثلاثة أيام أقوم.. عجيب أنهم تذكروا هذه العبارة، ولم يتذكروا قوله "أنا والآب واحد" (يو 10: 30)، ولم يتذكروا أنه عمل أعمالًا لم يعملها أحد من قبل.. لم يتذكروا إقامته للعازر بعد موته بأربعة أيام، ولم يتذكروا منحه البصر للمولود أعمي.. تذكوا قيامته، لأن فكرة القيامة كانت تقلق أفكارهم وتزعجهم.. فارتكبوا ما ارتكبوه لكيما يتخلصوا منها.إنهم عينة تعطينا فكرة عن البذار التي وقعت علي الأرض المحجرة. وهناك عينات أخري من الأرض هناك بذار وقعت علي أرض فنبتت ثم خنقها الشوك، ابرز مثل لها في حوادث القيامة هو مريم المجدلية أما عن تأثير القيامة في نفوس تلاميذ المسيح، فكان يشبه البذار التي أكلها الطير والطير بالنسبة إلي التلاميذ هو شيطان الشك الذي خطف إيمانهم وطار. كيف حدث ذلك؟ وكيف حولهم المسيح أي أرض جيدة تنبت مائة؟ وكيف رد الإيمان إلي قلوبهم وقلب المجدلية. هذا سنشرحه الآن.. 2- بذار خطفها الطير كم كان أقسي علي قلب الرب أن يحدث ما حدث.. حتى تلاميذه الأحد عشر شكوا في قيامته، ولم يصدقوا.. ولكنه لم يقابل هذا الشك باللوم، وإنما بكل حب احتضن ضعفهم، عالج شكوكهم بالإقناع.. ذهبت إليهم مريم المجدلية وأخبرتهم بقيامة الرب "فلما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته لم يصدقوا" (مر 16: 11).ولما رجع النسوة من القبر، وأخبرنهم بقيامة الرب "تراءي كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوهن" (لو 24: 11).ولما ظهر الرب لتلميذيّ عمواس "ذهب هذان وأخبر الباقين، فلم يصدقوا ولا هذين" (مر 16: 13).وحتى عندما ظهر لهم الرب بنفسه، لم يصدقوا أنه قام بل "جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحًا" (لو 24: 37).كانت بذار الإيمان التي ألقاها الرب في أرضهم، قد اختطفها شيطان الشك وطار بها. فاضطرب الرب أن يتنازل إلي ضعفهم ليقنعهم بقيامته. هكذا تصرف مع تلميذيّ عمواس البطيئين في فهمهما، إذ "ابتدأ من موسى، ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو 24: 27).. وظل بهما حتى "انفتحت أعينهما وعرفاه"، وذهبا فقالا للأحد عشر.وهؤلاء الأحد عشر أيضًا تنازل الرب إلي ضعفهم. وقال لهم "ما بالكم مضطربين؟ ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم. أنظروا يدي ورجلي، إني أنا هو. جسوني وانظروا فإن الروح ليس له حلم وعظام كما ترون لي" (لو 24: 38، 39). وإذ بالرب الذي قام بجسد ممجد، يتنازل لإقناعهم فيقول لهم "أعندكم ههنا طعام؟".فقدموا له جزءًا من سمك مشوي وشيئًا من شهد العسل. "فأخذ وأكل قدامهم" (لو 24: 43) ولما كان توما غائبًا، ظهر له الرب خصيصًا ليعالج شكه ويقنعه وظل الرب معهم حتى آمنوا، وتثبتوا. واستمر يريهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة (أع 1: 3). ولم يتركهم. مكث معهم أربعين يومًا، يظهر لهم، ويحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله". وطرد عنهم الطير الذي يخطف بِذارهم. وحولهم إلي أرض جيدة، تنبت ليس ثلاثين فقط أو ستين بل مائة. وصار الإيمان فيهم شجرة كبيرة مثمرة بكل نوع ثمر صالح. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
25 مايو 2022

روحياتك في الخماسين

حقا إن أيام الخماسين أيام فرح ، وليس فيها صوم ولا مطانيات حتى في يومي الأربعاء والجمعة .. ولكن في الفرح أيضا ، يمكن أن تكون روحيين .. وإلا كيف سنكون روحيين في الفردوس وفي ملكوت السموات حيث النعيم الدائم .. ؟ ! ما تفقده من الصوم والمطانيات يمكن أن تعوضه بمزيد من الصلاة ومزيد من القراءات الروحية ومن التأمل ومن الألحان والتراتيل عملا بقول الكتاب " أمسرور أحد بينكم فليرتل " .. ويمكن أن تتغذى بالتأمل في محبة الله التي صنعت كل هذا الخلاص .. محبة الرب الذي شاء أن يقضى مع تلاميذه أربعين يوما بعد القيامة ، يلتقي بهم ويحدثهم عن " الأمور المختصة بملكوت الله " ( اع ۱ : 3 ) . تدرب في هذه الفترة على الحديث مع الرب والتواجد في حضرة الله بالمزامير والصلوات الخاصة وصلوات الشكر على خلاص الله العجيب .. مع البعد عن أي شيء يعوق وجودك في الحضرة الإلهية .. عش في حياة الفرح بالرب . ولكن لا تجعل فرحك فرحا جسدانيا بالتسيب الزائد في الأكل . فالإفطار ليس معناه التمادي في شهوة الطعام . استخدم ضبط النفس أيضا في حالة عدم الصيام .. . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
18 مايو 2022

الجسد الممجد مابين جسد القيامة وجسد الميلاد ج٣

11- إن السيد المسيح ولد بجسد بمثل طبيعتنا. شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية. أخذ نفس طبيعتنا التي بها دُعِيَ (ابن الإنسان)، والتي بها أمكن أن يفدينا. وأجتاز مراحل النمو الجسدي مثلنا (لو 1: 80). وكان يجوع (متى 4: 2) ويعطش (يو 19: 80) ويتعب (يو 4: 7) وينام (متى 8: 24). وفي بستان جثسيماني كان عرقه في جهاده يتساقط كقطرات دم نازلة علي الأرض (لو 22: 44). 12- ولولا أنه في طبيعتنا،ما كان ممكنًا أن يتألم. إذ هو كان في طبيعة قابلة للتألم. وقد تألم بالجسد. ذاق آلام الضرب والجلد والصلب. ووقع تحت الصليب وهو يحمله أكثر من مرة، فحمله عنه سمعان القيرواني. وكانت طبيعته البشرية قابلة للموت، فمات عنا وفدانا. بينما الجسد الممجد لا يتألم ولا يتوجع ولا يموت. إذن هو قد ولد بطبيعة مثلنا قابلة للألم والموت، وللتوجع وللحزن، وبهذا أمكنها أن تتم عملية الفداء.. ثم تمجدت في القيامة. 13- أما المجد الذي كان لطبيعته قبل الفداء، فهو مجد العصمة من الخطية. منذ ميلاده، بل منذ الحبل به، وطول فترة تجسده بيننا علي الأرض. هذا مجد روحي، وبإرادته الصالحة. أما جسده، فقد شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية، وقد أخلى ذاته. 14-وكان من مجده أيضًا اتحاده باللاهوت. علي أن اتحاده باللاهوت لم ينقص إطلاقًا من طبيعة ناسوته، ولم يلغ ضعفات الجسد من الجوع والعطش والتعب والموت، وإلا فقد الفداء طبيعته وقيمته. كانت آلامه حقيقية، لذلك كان فداؤه لنا حقيقيًا. أخلى ذاته من المجد، لكي يهبنا المجد في قيامته. ولأنه أخلى ذاته من المجد البشري، لذلك قال للآب قبل صلبه "مجد ابنك، ليمجدك ابنك أيضًا.. والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو 17: 1، 5). 15- وعن القيامة قيل "ولما تمجد يسوع.." (يو 12: 16). 16- غير أن التلاميذ ما كانوا يحتملون رؤية مجده. ولذلك لما رأي القديس يوحنا الحبيب شيئًا من مجد الرب في سفر الرؤيا (وقع عند رجليه كميت) لماذا؟ لأن "وجهه كان كالشمس وهي تضئ في قوتها، وعيناه كلهيب نار" (رؤ 1: 17، 16، 14). 17- لهذا كله، تدرج السيد مع تلاميذه في إظهار مجد قيامته لهم. فعل هذا مع المجدلية التي ظنته أولًا البستاني وكشف ذاته لها أخيرًا (يو 20: 14، 16). وفعل ذلك أيضًا مع تلميذيّ عمواس اللذين "كان يمشي معهما، ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته" (لو 24: 16). وهكذا مع باقي التلاميذ، نفس أسلوب التدرج، لكي يحتملوا، لأن رؤيته بجسده الممجد بعد القيامة ليست أمرًا سهلًا. إنها قصة طويلة لا يحتملها هذا المقال. 18-هل معني هذا أننا سوف لا نراه في مجده؟! وإن كنا سنراه: فكيف؟ ومتى؟ طبيعتنا هذه ستتغير حينما نقوم من الأموات، ونأخذ "صورة جسد مجده" (في 3: 21). وحينئذ سنراه. وكما يقول الرسول "إننا ننظر الآن في مرآة في لغز، لكن حينئذ وجهًا لوجه" (1 كو 13: 12). وما معني عبارة "وجهًا لوجه "؟ وكيف تتم؟ يا أخوتي.. خير لي الآن أن أصمت، فهذا أفضل جدًا. وأسهل جدًا قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
11 مايو 2022

الجسد الممجد مابين جسد القيامة وجسد الميلاد ج٢

6- هذا الجسد الممجد الروحاني هو الذي صعد إلي السماء.وعملية الصعود قد لا تتفق مع جسد مادي، يخضع لقانون الجاذبية الأرضية لأنه أثقل من الهواء. ولكنه صعد بجسد روحاني، يرتفع إلي فوق في مجد، وبنفس المجد يجلس عن يمين الآب.ونفس الجسد الممجد هو الذي سيأتي به في مجيئه الثاني "في مجده" (متى 25 31) بمجده ومجد الآب (لو 9: 26) وليس مجد الصعود أو المجيء الثاني مجرد معجزة بل هو وضع ثابت في طبيعته يستمر إلي الأبد. 7- وهذا الجسد الممجد هو الذي ظهر به لشاول الطرسوسي في طريق دمشق.إذ "بغتة أبرق حوله نور من السماء. فسقط علي الأرض وسمع صوتًا قال له شاول شاول لماذا تضطهدني؟ فقال من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده" (أع 9: 3-5).هذا الجسد الممجد هو نفس الجسد الذي ولد به من العذراء.ولكن جسده في ميلاده لم يكن في مجد قيامته.. ذلك لأنه في مولده كان قد "اخلي ذاته، آخذًا صورة عبد في شبه الناس" (في 2: 7). وعملية الإخلاء هذه انتهت بمجد القيامة والصعود. 8- جسد القيامة هو نفس جسد الميلاد.. ولكن في حالة من التجلي: أعطانا عربونًا لها علي جبل التجلي (مر 9: 2، 3) وكمثال للتشبيه، والقياس مع الفارق، حالة الثلاثة فتية وهم في أتون النار: جسدهم هو نفس الجسد، ولكنه وهب إلي حين لونًا من التجلي حفظه من أذية النار. فالقيامة للسيد المسيح، ولنا نحن أيضًا، بنفس وجسد الميلاد، ولكن بمجد أو في حالة من التجلي، يسبغ علي نفس الجسد طبيعة ممجدة فإذا به جسد روحاني. 9- ولكن البعض يسأل هل جسد المسيح أخذ طبيعته الممجدة بعد القيامة مباشرة أم بعد الصعود؟ أقول بل في القيامة ذاتها. وما الحالات التي أثبت بها ناسوته سوي حالة استثنائية لكي يؤمن التلاميذ أن جسده قد قام، وينشرون هذا الإيمان عن ثقة بقولهم "الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1 يو 1: 1) "نحن الذين أكلنا، وشربنا معه بعد قيامته" (أع 1: 41).وفي غير تلك الحالات، فإن جسد القيامة الممجد لا يأكل، ولا يشرب طعامًا ماديًا، ولا يحتاج إلي ذلك، ولا بجوع ولا بعطش. كما أنه في الممجد لا يتعب، ولا يتألم، ولا يكون قابلًا للموت. 10- ومن الأدلة علي مجد جسد القيامة: دخوله وخروجه من المغلقات.فقد دخل العلية علي التلاميذ أكثر من مرة والأبواب مغلقة (يو 20: 19، 26). وفي قيامته خرج من القبر وهو مغلق. ولما أتي الملاك ودحرج الحجر عن فم القبر، كان ذلك بعد القيامة، لكي يري الكل القبر فارغًا (النسوة والتلاميذ وكل الناس فيما بعد)، وليس لكي يقوم المسيح، إذ كان قد قام والقبر مغلق.ومن أمثلة خروجه من المغلقات: خروجه من الأكفان والحنوط، مع بقائها علي حالها.وكان قد خرج من قبل من بطن العذراء. وهنا لعل البعض يسألون: هل السيد المسيح قد ولد بجسد ممجد كجسد القيامة؟ فنجيب: قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث وللحديث بقية  
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل