المقالات
22 سبتمبر 2021
العالم محتاج السلام
علي الرغم من كل ما في العالم من كنوز, ومن خيرات لا تحصي, ومن نتائج كثيرة لنمو العلم و المخترعات, ومن نتائج عجيبة للمدنية والحضارة والعلم.. ومع ذلك فإنه محتاج ولعلنا نسأل إلي أي شيء هو محتاج؟! العالم محتاج إلي السلام وإلي الهدوء, فإلي أي مكان نذهب إليه نجد احتياج العالم إلي السلام, في هذا الجو المضطرب, والذي يموج بالاختلافات في كل بلد وفي كل مكان.. حتى إنك لا تتصفح الجرائد في أي يوم, إلا وتجد أخبار الصحف الرئيسية عن مشاكل العالم جملة, وعن المشاكل المحلية في كل بلد. تجد هذا في العناوين الرئيسية.. فإن دخلت إلي التفاصيل تجد ما هو أبشع.. نعم هذا هو العالم الذي خلقه الله في سلام.. وفيه كان يعيش أبونا آدم في سلام حتى مع الوحوش.. كانت في سلام معه, ويعيش هو في سلام معها, وتأتي إليه ويسميها بأسماء.. وبنفس الوضع كان يعيش أبونا نوح مع الوحوش في الفلك ويهتم بها ويغذيها, ويتعهدها بالرعاية.وإن كان السلام هكذا, فإن الله قد أوصانا قائلًا: وأي بيت دخلتموه, فقولوا سلام لأهل هذا البيت، ونص الآية هو: "وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَقُولُوا أَوَّلًا: سَلاَمٌ لِهذَا الْبَيْتِ." (إنجيل لوقا 10: 5). وهكذا عندما كنت أزور أي بيت من بيوت أولادنا في المهجر, كانت أول عبارة أقولها عندما تخطو قدماي باب بيتهم, كنت أقول: قال الرب: وأي بيت دخلتموه فقولوا سلام لأهل هذا البيت.والسلام معروف في كل تحياتنا مع بعضنا البعض.. فإن حضر أحد من سفر نقول له: حمدا لله علي السلامة. وإن سافر, نقول له: مع السلامة, وإن وقع علي الأرض, نقول له: سلامتك. وأي اجتماع رسمي, نبدأه بالسلام الجمهوري.والسلام علي أنواع ثلاثة: سلام مع الله, وسلام مع الناس, وسلام داخل النفس, في الفكر وفي القلب, ما بين الإنسان وبين نفسه, ولذلك فالإنسان البار هو في سلام مع الله.أما إذا بدأ بالخطية يبتعد عن الله, حينئذ يفقد سلامه الداخلي, ويحتاج أن يصطلح مع الله بالرجوع إليه. غير المؤمن يصطلح مع الله بالإيمان وحياة البر.
أما المؤمن الخاطئ, فيصطلح مع الله بالإيمان وحياة البر. وإلهنا المحب الغفور يكون مستعدًا لقبول ذلك الصلح, إذ يقول: ارجعوا إلي أرجع إليكم.ويأتي هذا السلام أيضا بحفظ الله للإنسان: كما يقول: "وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ" (سفر التكوين 28: 15).. أحفظك من حروب الشياطين, ومن الناس الأشرار.. وأحفظك من حروبك الداخلية, وأحفظ دخولك وخروجك.. وينضم إلي هذا المزمور وعود الله الكثيرة, كقوله: "هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ." (إنجيل متى 28: 20) وقوله عن الكنيسة: إن "أَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا." (إنجيل متى 16: 18).
نقطة ثانية وهي سلام مع الناس, فيها يسلم الناس علي بعضهم البعض ليس فقط بالأيدي وإنما بالقلب والشعور أيضًا.. وإن كانت بينهم خصومة من قبل فإنهم يتصالحون. ولأنه قد يبدو من الصعب أن تصطلح النفس مع كثير من الأعداء والمقاومين, فإن الكتاب يقول: إن كان ممكنا, فعلي قدر طاقتكم سالموا جميع الناس, وقيل علي قدر طاقتكم فإن هناك أشخاصا تحاول أن تسالمهم وهم لا يريدون إما بسبب طباعهم, أو بسبب سلوكك الطيب يكشف سلوكهم الرديء, أو لأنهم يحسدونك بسبب نجاحك, أو بسبب تدبير أو بسبب تدابير معينة يدبرونها, أو لأي سبب آخر.. فهؤلاء أيضًا سالمهم حسب طاقتك.. وإن وجد خلاف فلا يكن بسببك أنت.. قد يعاكسك الغير.. ولكن لا تبدأ أنت بالخصومة،ولا تكن حساسًا جدًا من جهة احتمال أخطاء الغير, كن واسع الصدر حليمًا وتذكر أنه قيل عن موسي النبي: "وَأَمَّا الرَّجُلُ مُوسَى فَكَانَ حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ." (سفر العدد 12: 3)إن بدأ الغير بالخصومة فاحتمل, فقد قيل في الكتاب: "لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 19).. "لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 17). لذلك ابعد عن الغضب. ولا تعط فرصة لأحد أن يستثيرك فتخطئ واسمع هذه النصيحة الغالية: "لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ." (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 21).. واعرف أن الذي يحتمل هو الأقوى.. أما الذي لا يستطيع أن يحتمل فهو الضعيف. لأنه لم يقدر علي ضبط نفسه.لا تطالب الناس بمثاليات لكي تستطيع التعامل معهم. نعم, بل تعامل معهم كما هم, وليس كما ينبغي أن يكونوا, وإلا فربما يأتي عليك وقت تختلف مع الجميع, إننا نقبل الطبيعة كما هي: الفصل المُمْطِر, والفصل العاصِف, والفصل الحار.. دون أن نطلب من الطبيعة أن تتغير لترضينا.. فلتكن هذه معاملتنا لمن نقابلهم من الناس, إنهم ليسوا كلهم أبرارًا أو طيبين. كثير منهم لهم ضعفات, ولهم طباع تسيطر عليهم, إنهم عينات مختلفة, وبعضها مثيرة, فلتأخذ منهم بقدر الإمكان موقف المتفرج وليس موقف المنفعل, وعاملهم حسب طبيعتهم بحكمة, ولكن احترس من معاشرة الأشرار الذين قد يجذبونك إلي الخطيئة معهم, "إِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 33).
النقطة الأخيرة هي السلام داخل النفس, أي السلام داخل القلب والفكر, والذي عنده مثل هذا السلام, يظهر أيضا هذا السلام في ملامح وجهه. فنجد أن ملامحه مملوءة سلامًا, ويستطيع أن يشيع السلام في نفوس الآخرين, وفي وجوده, يكون الجو مملوءًا سلامًا, ويكون مملوءا أيضا اطمئنانًا وذلك بسبب عمل الله معه, وعمل الله فيه.أما الذي يفقد سلامه الداخلي, فإنه يقع في الاضطراب والخوف والقلق والشك.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
15 سبتمبر 2021
الله غير المحدود
إن الله تبارك اسمه له صفات كثيرة, ولكنه في بعض هذه الصفات ينفرد بها وحده, فمثلًا صفة الله كخالق. فهو وحده الخالق ولا يوجد خالق سواه, ومن صفاته التي ينفرد بها وحده أنه غير محدود. وقد يوجد إنسان يتصف بالحكمة والمعرفة. ولكن الحكمة عند الله غير محدودة والمعرفة غير محدودة. نستطيع بعد هذه المقدمة أن نضع هذه القاعدة, وهي أنه من صفات الله الخاصة به وحده أنه غير محدود, وهو غير محدود في المكان والزمان وفي القدرة وفي العلم وفي المعرفة وفي كل شيء.
الله غير محدود من جهة المكان والزمان, فهو موجود في كل مكان, ولا يحده مكان, ولا يسعه مكان. هو في الكون كله: هو في السماء وعلي الأرض وما بينهما. هو في الجو وفي أعماق البحر, السماء هي كرسي الله, والأرض هي موطئ قدميه. هو في كل مكان, حيث يري ما يفعل الناس, ويسمع ما يقولونه. كل إنسان مضبوط أمامه. لا يستطيع أن يختفي. كما يقف البشر أمام الله علي الأرض, هكذا أيضا يقف الملائكة أمامه في السماء, أمامه القديسون يسبحون بطهارة قلوبهم, وأمامه أيضا الأشرار في أماكن شرهم. إن أشعة الشمس تدخل في الأماكن الطاهرة كما تدخل أيضا في الأماكن القذرة لكي تطهرها وتقتل جراثيمها ولا تؤثر عليها قذارتها ولا تتأثر بها.ولأن الله في كل مكان لا نقول إنه يصعد أو يهبط, ولا نقول إنه يمشي أو يتحرك. فإن صعد, إلي أين يصعد؟ وهو موجود من قبل في المكان الذي يصعد إليه! وإن قلنا إنه ينزل إلي مكان ما, فهو بلا شك موجود من قبل في ذلك المكان الذي سوف ينزل إليه, وهو لا يمشي ولا يتحرك. لأنه في كل مكان, لا يفارق موضعا إلي موضع آخر. إنه مالئ الكل, وإن وجدت آيات في الكتاب المقدس تحمل مثل هذا التعبير, فإنها لكي تقرب المعني إلي عقولنا البشرية. أو تعني ظهوره في المكان الذي يقال أنه نزل إليه أو ظهر فيه أو عمل فيه عملا فهو لا يأتي إلي مكان, ولا يفارق مكانا, ولا ينتقل من مكان إلي مكان, لأنه موجود في كل مكان, وفي كل وقت, وهو لا يأتي إلي مكان لأنه موجود في المكان الذي يقال إنه أتي إليه. إنما يظهر فيه, أو يعلن وجوده فيه, فيقال أنه أتي إليه عندما سلم الله وحي الشريعة لموسي علي الجبل, كان في نفس الوقت في السماء وعلي الأرض, وأيضا عندما كل أبانا إبراهيم ودعاه... ويسري هذا المنطق علي كل لقاءات الله مع البشر منذ أيام أبينا آدم وعلي مر الأجيال كلها. إنه غير محدود من جهة المكان.كذلك الله أيضا غير محدود من جهة الزمان. إنه أزلي أي لا بداية له. والأزلية هي من صفات الله وحده لا يشاركه فيها أحد. لأن كل الكائنات الأخرى هي مخلوقات. وكل مخلوق له بداية وقبل تلك البداية لم يكن له وجود.ولأن الله أزلي, فهو واجب الوجود, وهو موجود بالضرورة. فوجوده ضرورة تفسر وجود باقي الكائنات.وكما أن الله أزلي, فهو أيضا أبدي. فهو غير محدود من جهة الزمن, بلا بداية ولانهاية, ولذلك يوصف أيضا بأنه سرمدي. أنه لا يدخل في نطاق الزمن ولا مقاييسه. لأنه فوق الزمان. بل هو خالق الزمن. ونفس هذا الكلام يقال عن عقل الله وروحه. نعم يقال عن عقل الله الذي كل شيء به كان, وبغيره لم يكن شيء مما كان.وكما أن الله غير محدود من جهة المكان والزمان, كذلك هو غير محدود من جهة القدرة.فمن جهة القدرة نقول: إن الله كلي القدرة, أو أنه قادر علي كل شيء ولهذا نقول: إن كل شيء مستطاع عنده, وأن غير المستطاع عند الناس هو مستطاع عند الله.ومن هنا نؤمن بالمعجزات. وقد سميت المعجزات بهذا الاسم لأن العقل البشري يعجز عن تفسيرها. إنها ليست شيئا ضد العقل, إنما هي فوق مستوي العقل تدخل في قدرة الله غير المحدود.ومن قدرات الله غير المحدودة قدرته علي إقامة الموتى. ليس فقط في إقامة أشخاص معينين من الموت. بل بالأكثر القيامة العامة في أخر الزمان. إقامة كل البشر منذ أبوينا آدم وحواء. بل كل الذين تحولوا إلي تراب, والذين تحللت أجسادهم وامتصتها الأرض. كلهم سيقومون جميعا, ويقفون أمام الله يوم الحساب بأرواحهم وأجسادهم... إنها قدرة غير محدودة يقف أمامها العقل البشري مبهوتًا ومذهولًا.إن الله ليس فقط قادرا علي كل شيء, بل هو أيضا مصدر كل قوة. هو الذي يهب القدرة للملائكة, الذين يستطيعون أن ينتقلوا من السماء إلي الأرض في لمح البصر, والله هو أيضا الذي وهب قديسيه قوة لصنع المعجزات كالقوة التي وهبها لموسي النبي حينما ضرب البحر بعصاه. وكالقوة التي أقام بها إيليا أبن أرملة صرفة صيدا من الموت. إنها معجزات ليست بقوتهم البشرية إنما بقوة الله إن الله القادر علي كل شيء, هو الذي وهب العقل البشري قدرات عجيبة. والله الذي يهب القدرة, هو قادر أيضًا أن يسحبها متى شاء. هو الذي وهب شمشون الجبار قوة جسدية فائقة للوصف. وعندما كسر شمشون نذره بعد أن باح به لدليلة, سحب الله منه تلك القوة. فأذله أعداؤه.الله أعطي القوة للنار أن تحرق. ولكنه في قصة الثلاثة فتية القديسين الذين ألقاهم الفرس في النار, لم يسمح الله للنار أن تؤذيهم, وشعرة واحدة من رؤوسهم لم تحترق.نقول أخيرًا إن الله سمح أن يكون للشيطان قوة. ولكن الله وضع حدودا معينة لقوة الشيطان, كما يظهر ذلك في قصة أيوب البار. وأيضا في التجربة علي الجبل قال الرب أخيرًا للشيطان: أذهب يا شيطان. فذهب ولم يستطع أن يخالف. ولا ننسي المعجزات الكثيرة الخاصة بإخراج الشياطين, ولعل من بينها قصة لجئون. علي أن مصير الشيطان واضح أنه في يد الله الكلي القدرة الذي سيلقيه أخيرا في بحيرة النار والكبريت.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
11 سبتمبر 2021
عيد النيروز... عيد الشهَداء
بدأ الاستشهاد ببدء المسيحية. وكان أول شهيد هو القديس اسطفانوس أحد الشمامسة السبعة والذي تضعه الكنيسة في مجمع القديسين قبل كل الآباء البطاركة.وتوالى الاستشهاد حتى شمل جميع الآباء الرسل ما عدا القديس يوحنا الحبيب الذي نالته عذابات كثيرة ولكنه لم يمت شهيدًا.أما عن الاستشهاد في مصر، فقد كان أول شهيد هو القديس مارمرقس الرسول، ثم كثر عدد الشهداء جدًا، وشمل أيضًا النساء والأطفال. ونذكر من بين هؤلاء القديسة الأم دولاجي وأبناءها الذين ذُبِحوا على حجرها وهي تشجعهم. ونذكر أيضًا القديسة يوليطة وابنها قرياقوص. ونذكر أيضًا الطفل أبانوب.ولكن الاستشهاد بلغ ذروته في عهد الإمبراطور دقلديانوس الذي حكم من سنة 284م. وكان الاستشهاد يشمل أحيانًا مدنًا بأسرها ولذلك جعلت الكنيسة القبطية تقويمها (تقويم الشهداء) يبدأ من سنة 284م على الرغم من أن الاستشهاد بدأ من القرن الأول. وذلك لأنه من ذلك التاريخ بدأ الاستشهاد الجماعي. سواء من قسوة وعنف الحكام، أو من رغبة الكثيرين في أن ينالوا إكليل الشهادة.ونذكر بهذه المناسبة 30000 شخصًا خرجوا للاستشهاد وهم يرتلون فرحين في الطريق من دمنهور إلى الإسكندرية لكي ينالوا بركة الاستشهاد.ومن محبة الناس للاستشهاد، ما أكثر الكتب التي صدرت تحت عنوان (حثّ على الاستشهاد). وأصبح الاستشهاد في المسيحية عبارة عن شهوة، شهوة الموت من أجل الرب ومن أجل الإيمان. وهنا نذكر قول بولس الرسول «لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا» (في1: 23).كان الناس يستهينون بالألم، ويرون أن الموت بالاستشهاد هو أقصر طريق يوصّل إلى الفردوس، وإلى اللقاء مع الرب. لذلك كانوا فرحين بالموت. ولا يخافون إطلاقًا من عذاب الاستشهاد. بل يرونه بركة أكبر.ونحن إن كنا نحتفل بعيد الاستشهاد يوم عيد النيروز، فإننا لا ننكر أبدًا أننا نحتفل بذكرى الشهداء كل يوم. وفي هذا المجال نشكر كل الشكر القديس يوليوس الأقفهصي الذي كتب لنا سير الشهداء. حيث كان يجمع أجسادهم المقدسة ويكتب سيرة كل منهم على قدر ما أمكنه ذلك.+ ووراء الاستشهاد توجد دوافع روحية كثيرة: منها الإيمان العميق بالسيد المسيح، وأيضًا الإيمان بالحياة الأخرى أي الحياة بعد الموت. هذه الحياة التي كان يرقبها الشهداء بكل قلوبهم وبفرح لا يُعبر عنه.وطبعًا كان يدفعهم إلى الاستشهاد محبة الرب الذي قال «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ..» (يو15: 13)، فكم بالأولى إن كان يضع نفسه من أجل الله.وحلقة الاستشهاد كان يمتزج بها كذلك الزهد في العالم الحاضر وكل ما فيه. بل سادت أيضًا حركة من البتولية التي قال فيها القديس بولس الرسول: «فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا بِلاَ هَمٍّ» (1كو7: 32)، يقصد أنه -والاستشهاد قادم بسبب أعداء الإيمان- لا يكون للإنسان وقت ذلك في هَمٍّ من جهة أسرته وأولاده وبيته.ومما شجَع أولئك القديسين على الرغبة في الموت، نعمة كبيرة كانت تحيط بهم وتقوّيهم وتعطيهم قدرة على الاحتمال. وتعطيهم شجاعة كبيرة في التقدم إلى الاستشهاد. كذلك ما حدث من معجزات كثيرة تقوّي الإيمان.والكنيسة في تلك الأيام أعدت أولادها للاستشهاد بما عمّقته في قلوبهم من محبة الإيمان ومن شهوة الحياة الأخرى. وكذلك اهتمت الكنيسة برعاية أسر الشهداء حتى لا يحاربهم القلق من هذه الناحية.إننا نذكر من بين الشهداء لونجينوس القائد الذي طعن المسيح بالحربة، وآمن واُستُشهد. ونذكر أيضًا أريانوس والي أنصنا الذي كان من أقسى الولاة وآمن واستشهد.
مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
01 سبتمبر 2021
الدينونة العامة
يعتقد أخوتنا الكاثوليك بدينونة خاصة بعد الموت مباشرة وهي غير الدينونة العامة التي بعد قيامة الأجساد... فيرون أن الإنسان بعد موته مباشرة يقف أمام لينال الحكم: إما أن يكون شريرًا فيذهب مباشرة إلى جهنم، أو يكون بارًا فيذهب إلى المطهر، لتتطهر نفسه، ويكفر عن خطيته ويوفي ديونه... ولكننا نقول إنه لم يذكر الكتاب سوي الدينونة العامة. وسنحاول أن نفحصها معًا لنرى على أي شيء تدل يشرح الرب خير الدينونة فيقول "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه [أي في مجيئه الثاني]، فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم من بعض، كما يميز الراعي الخراف من الجداء فيقيم الخراف عن يمينه، والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين معه: تعالوا إلى يا مباركي أبى، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني... فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا رب متى رأيناك جائعًا فأطعمناك؟ أو عطشانًا فسقيناك... فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي الصغار فبي فعلتم""ثم يقول للذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (متى25: 41).وعبارة " اذهبوا إلى النار المعدة لإبليس، معناها أنهم لم يكونوا قد ذهبوا إليها بعد". لأنه من غير المعقول أن يكونوا قد ذهبوا إلى هذه النار بعد الدينونة الخاصة، ثم يخرجهم الرب منها يوم القيامة ليختلطوا بالأبرار. ثم يفرزهم عنهم، ويوقفهم عن يساره، ويعود فيقول لهم " اذهبوا إلى النار... "؟!
نلاحظ أيضًا أنه بدأ يقول لهم حيثيات حكمة: "لأني جعت فلم تطعموني، عطشت فلم تسقوني. كنت غريبًا فلم تأووني.. إلخ." حينئذ يجيبونه هم أيضًا قائلين "يا رب متى رأيناك جائعًا أو عطشانًا أو غريبًا أو عريانًا أو مريضًا أو محبوسًا، ولم نخدمك؟" فيجيبهم قائلًا: الحق أقول لكم: بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبي لم تفعلوا" (متى25: 42-45) هنا نرى لونًا من المحاكمة، وحوارًا وفرصة للدفاع عن النفس ثم ينفذ الحكم بعد ذلك "فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي، والأبرار إلى حياة أبدية" (متى25: 46). ومعنى هذا أنه لم تكن محاكمة من قبل... بدليل أن الأبرار ما كانوا يعلمون، معنى حيثيات الحكم، بدليل أنهم سألوا الرب "متى يا رب رأيناك...؟" والرب بدأ هنا (بعد القيامة) يشرح لهم ذنوبهم، وما كانوا قبلًا يفهمون فإذا كان المضي إلى العذاب الأبدي، وإلى الحياة الأبدية، يكون بعد القيامة والفرز والمحاكمة، فكيف يقال إنه بعد الموت مباشرة، في دينونة خاصة؟!
2 – وكون الدينونة تكون بعد القيامة واضح من قول الرب " تأتى ساعة، فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو5: 28، 29) إذن هنا قيامة عامة، ولا يذهبون إلى الحياة أو إلى الدينونة إلا بعدها بعد أن تتحد الأرواح بالأجساد التي تخرج من القبور، ويقف الإنسان كله أمام الله... وهناك شاهد آخر على هذا وهو:
3 – يقول الرب "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجده أبيه مع ملائكته. وحينئذ يجازى كل واحد بحسب عمله" (متى16: 27).وعبارة "حينئذ يجازي" معناها أنه لم يجازهم من قبل، وإنما حينئذ، حينما يأتي في مجد أبيه مع ملائكته.
4 – هذه المجازاة في المجيء، هي جزء من قانون الإيمان النيقاوي وهو قانون الإيمان تؤمن به جميع الكنائس، وفيه نقول عن المجيء الثاني للسيد المسيح: "يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات".
5 – نفس المعنى نراه في تفسير الرب لمثل الزوان، إذ يقول "الحقل هو العالم، والزارع الجيد هو بنو الملكوت، والزوان هو بنو الشرير والحصاد هو انقضاء العالم. والحصادون هم الملائكة"."هذا يكون في انقضاء العالم، يرسل أبن الإنسان ملائكته، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. (متى13: 38 – 41).أي أن هذه الدينونة تكون عند انقضاء العالم. والأشرار يطرحون في أتون النار في انقضاء العالم، وليس بعد الموت مباشرة... وكلمة "يجمعون" معناها يأتون بهم من كل مكان... وماذا عن الأبرار؟ ينابع الرب شرحه فيقول: "حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم. من له أذان للسمع فليسمع". وعبارة حينئذ، أي في ذلك الوقت، في انقضاء العالم، في الدينونة العامة، وليس بعد الموت مباشرة... "ومن له أذنان للسمع فليسمع".وعبارة حينئذ، أي في ذلك الوقت، في انقضاء العالم، في الدينونة العامة، وليس بعد الموت مباشرة... "ومن له أذنان للسمع فليسمع".
6 – يشبه هذا ما ورد في رسالة يهوذا الرسول "وتنبأ عن هؤلاء أيضًا أخنوخ السابع من آدم قائلًا: هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه... ليصنع دينونة على الجميع... ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم... وعلى جميع الكلمات الصعبة... إلخ." (يه 14: 15). إذن هؤلاء لم يكونوا قد عوقبوا قبلًا، وإنما سيعاقبون حينما يأتي الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع... على هؤلاء الفجار وعلى غيرهم...
7 – ومن الآيات الواضحة في هذا المجال قول بولس الرسول: "لأنه لابد أننا جميعًا أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا" (2كو5: 10) فلا يمكن أن تقف الروح وحدها، لكي تنال جزاء ما كان بالجسد، خيرًا كان أم شرًا.إذن لا بُد من الوقف أمام كرسي المسيح، بعد أن تتحد الروح بالجسد. وعبارة " أننا جميعًا، تعنى الدينونة العامة. وهنا نود أن نقول بعض ملاحظات عما يسمونه (الدينونة الخاصة):
8 – ما لزوم الدينونة العامة، بعد الدينونة الخاصة؟
إن كان الخاطئ – في الدينونة الخاصة – قد صفى حسابه، وأخذ عقابه أو ثوابه، فما لزوم الدينونة العامة بالنسبة إليه؟!
مادام الإنسان قد وقف الله ونال دينونته، البار ذهب إلى السماء، والشرير ذهب إلى جهنم، وانتهى الأمر... فما لزوم الدينونة العامة إذن؟ وما هدفها؟ وما قيمتها؟ وما تأثيرها على تلك النفوس؟... ولكن تكون لها قيمة، إن كانت هي الدينونة الوحيدة التي يتقرر فيها مصير الإنسان.
9 – ومن الآيات الواضحة في الدينونة، ما ورد في سفر الرؤيا "ثم رأيت عرشًا عظيمًا أبيض، والجالس عليه الذي من وجهه هربت الأرض والسماء ولم يوجد لهما موضع" [هذا عن نهاية العالم طبعًا] "ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله. وانفتحت أسفار، وانفتحت سفر آخر هو سفر الحياة. ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم. وسلم البحر الأموات الذين فيه، وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيها. ودينوا كل واحد بحسب أعماله. وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار... (رؤ20: 11-15) كيف توجد دينونة قبل أن يقف كل الأموات أمام الله، وقبل أن يسلم البحر والهاوية الأموات الذين فيهما؟! وقيل أن تفتح الأسفار وتكشف الأعمال؟
10 – والقديس بولس الرسول يتكلم عن الدينونة في المجيء الثاني واستعلان ربنا يسوع المسيح، فيقول: "إذ هو عادل عند الله أن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقًا، وأباكم الذين تتضايقون راحة معنا، عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته، في نار لهيب، معطيًا نقمة للذين لا يعرفون الله... الذين سيعاقبون بهلاك أبدي" (2تس1: 6-9). فكيف نقول إن الدينونة تكون بعد الموت مباشرة، على الرغم من كل هذه الآيات الصريحة؟!
11 – وأيضًا لا يتفق العقاب بعد الموت مباشرة، مع قول بولس الرسول"... ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تدخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة سيجازى كل واحد بحسب أعماله" (رو2: 5، 6).وهنا يتكلم عن المجازاة في يوم الغضب، يوم الدينونة.
12 – وأيضًا هذه الدينونة التي بعد الموت، ويكافأ فيها الأبرار، كما يعذب الأشرار، لا تتفق مع كلام الكتاب عن الأكاليل حيث يقول القديس بطرس الرسول للرعاة " صائرين أمثلة للرعية. ومتى ظهر رئيس الرعاة، تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى" (1بط5: 3، 4). وكذلك قول الرسول عن إكليل البر الموهوب له. قال "وأخيرًا وضع لي إكليل البر، الذي لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل، وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا" (2 تي 4: 8).
قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
عن كتاب لماذا نرفض المطهر؟
المزيد
25 أغسطس 2021
الدينونة حسب الأعمال
هذه حقيقة واضحة تبين أهمية أعمال الإنسان.في العهد القديم يقول داود في المزمور (لك يا رب الرحمة لأنك تجازى الإنسان كعمله) (مز 62: 12)، ويقول سفر الجامعة (لأن لله يحضر كل عمال إلى الدينونة، على كل خفي أن كان خيرًا أو شرًا) (جا 12: 14).وفى العهد الجديد تأكدت هذه الحقيقة من فم السيد المسيح وأفواه رسله القديسين، وفي هذا يقول السيد الرب (فان ابن الإنسان سوف يأتي مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله) (مت 16: 27). كما قال أيضًا (فانه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة لحياة، والين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة) (يو 5: 28، 29) لاحظوا أن يتكلم في هذه الآية عن الأعمال (الذين فعلوا الصالحات.. والذين عملوا السيئات).وليست الدينونة على الأعمال فقط، بل حتى على الكلام. ولذلك يقول (بكلامك تبرر وبكلامك تدان) (متى 12: 36).وهذا الأمر واضح واضح في سفر الرؤيا. إذ أن الرب أرسل إلى كل ملاك من ملائكة الكنائس السبع يقول له (أنا عارف أعمالك) (رؤ 1: 2، 3). كما قال الرب صراحة (وها أنا آتى سريعًا وأجرتي معي، أجازى كل واحد كما يكون عمله) (رؤ 22: 12).وقد قيل في هذا السفر (طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن نعم يقول الروح! لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تبعهم) (رؤ 14: 13). وقيل أيضًا (ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم) (رؤ 20: 12).وصورة الدينونة التي شرحها لنا الرب يسوع من حيث كلامه الذي قوله للذين عن اليمين، وكلامه للذين على اليسار، هي صورة دينونة حسب الأعمال.إذا أنه قال للذين عن اليمين (جعت فأطعمتموني عطشت فسقيتموني، كنت غريبًا فآويتموني..). وبناءًا على هذه الأعمال الصالحة قال لهم (تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم) (مت 25: 31-46).. وبالمثل فعل مع الأشرار، دانهم حسب أعمالهم.إذن يكفى أن يقصر الإنسان في إطعام الجياع أو زيارة المرضى، وإذ يخلو قلبه من هذه الرحمة يفقد الملكوت، مهما كان له من إيمان، ومهما كان له من ثقة جوفاء في داخله لا تغنيه شيئًا!! ما أخطر العبارة التي قالها معلمنا يعقوب الرسول (ما المنفعة يا أخوتي إن قال أحد أن له إيمانًا ولكن ليس له أعمال. هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟!) (يع 2: 14).وكون الدينونة حسب الأعمال، حقيقة تكلم عنها بولس الرسول كثيرًا. فقال لأنه لا بُد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد يحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا (2 كو 5: 10). وقال أيضًا: (ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر نفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذي سيجازى كل واحد حسب أعماله)" (رو 2: 5-7).وتلخيصًا للدينونة حسب الأعمال، قال بولس الرسول كذلك "فإن الذي يزرعه الإنسان، إياه يحصد أيضًا. لأن من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح يحصد حياة أبدية" (غل 6: 7، 8). كما قال "فعمل كل واحد سيصير ظاهرًا، لأن اليوم سيبينه وستمتحن النار كل واحد ما هو" (1 كو 3: 13).وقال أيضًا "كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه"، ولم يقل "بحسب إيمانه" أو "بحسب النعمة"وعن الدينونة حسب الأعمال قال بطرس الرسول عن الأب "الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد، فسيروا زمان غربتكم بخوف" (1 بط 1: 17).فإن كانت الأعمال على هذه الدرجة من الخطورة -خيرًا كانت أم شرًا- بحيث يدان الإنسان بموجبها، فهل يجرؤ أحد أن يقلل من قيمة الأعمال وأهميتها؟!
إن كان الله لا ينسى "كأس الماء البارد" فلا يضيع أجره، ولا ينسى أبدًا تعب المحبة، "إذن يا أخوتي الأحباء كونوا راسخين غبر متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1 كو 15: 58).إن الأعمال هامة جدًا في طريق خلاصنا، وهامة في تحديد مصيرنا الأبدي، فلنتأمل إذن كم هي لازمة....
قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
عن كتاب الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي
المزيد
18 أغسطس 2021
اَلقدّيسَة العَذراء وفضيلة الاحتمَال
إن للقديسة العذراء فضائل عديدة جدًا. لعل في مقدمتها الاتضاع، والاحتمال، والتعب سواء في خدمة الآخرين مثل تعبها في رحلة لزيارة أليصابات وخدمتها، مع أنها شابة في حوالي السادسة عشرة من عمرها. وتعبها أيضًا في رحلتها إلى مصر ذهابًا وإيابًا، واحتمالها مشقة الطريق. وتعبها داخل مصر حينما كانوا يطردون العائلة المقدسة من بلد إلى بلد بسبب سقوط الأصنام التي يعبدها المصريون وقتذاك. إلى جوار احتمالها التعب النفساني حينما كانت ترى اضطهادات القيادات الدينية اليهودية لابنها، وأيضًا احتمالها لصلبه.ولما كان من أهم تكريمنا للسيدة العذراء، أن نقتدي بها، فإنني أود هنا أن أذكر كيف نقتدي بها في الاحتمال. ومنها مقدار الاحتمال، التعب في الخدمة. وقد شرح لنا القديس بولس الرسول كيف تعب في الخدمة أكثر من جميع الرسل، وقال إن كل إنسان سيأخذ أجرته بحسب تعبه.وهنا أحب أن أنبه الآباء الكهنة إلى أهمية التعب في افتقاد الناس وفي حل مشاكلهم. وكذلك أنبه جميع الخدام إلى الاهتمام بالتعب في الخدمة. وأذكر قصة ذلك الراهب الذي كان يتعب في خدمة الشيوخ وإحضار الماء لهم من مكان بعيد. فلما ثقل عليه التعب رأى وراءه ملاكًا يكتب شيئًا. فقال له الملاك: "إنني أكتب كل خطوة تخطوها في خدمة أولئك الشيوخ، لكي يمنحك الله أجرًا عليها". حينئذ تعزّى ذلك الراهب وازداد بذلاً في تعبه.ومن أنواع الاحتمال أيضًا، احتمال الظلم. ونذكر مثالًا لذلك يوسف الصديق: الذي احتمل الظلم من أخوته وقد باعوه عبدًا، واحتمل الظلم من امرأة فوطيفار التي اشتكته وادّعت عليه على الرغم من أنها كانت المخطئة. واحتمل الظلم من فوطيفار أيضًا الذي أخذه وألقاه في السجن، على الرغم من أنه كان مخلصًا له جدًا. وبسبب احتمال يوسف الصديق كافأه الله كثيرًا وجعله الثاني في مملكة مصر.وهنا أيضًا احتمال العوز والفقر والجوع. ولعلنا نضرب مثلاً لذلك باحتمال لعازر المسكين، وفي الواقع لست أجد في سيرة هذا البار أي سبب جعله يستحق أن يتنعم في أحضان أبينا إبراهيم سوى فضيلة الاحتمال هذه، الذي كان يتعذب فيحتمل، صار يتعزى أخيرًا.ومن نواحي الاحتمال أيضًا احتمال المرض. ونذكر مثالاً لذلك أيوب الصديق الذي احتمل مرضًا مؤلمًا من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. وقال لزوجته «أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟».وفي الاحتمال أيضًا نذكر احتمال موت الأحباء وبخاصة الذين ماتوا فجأة. ولا شك أن الله قد سمح بذلك لخيرهم. فموتهم هكذا أسهل بكثير جدًا من الموت على فراش المرض لمدة طويلة يتحمل فيها المريض عذابات شديدة.ومن أسمى أنواع الاحتمال، احتمال المجد والكرامة. ونذكر هنا أن القديسة العذراء قد احتملت مجد التجسد الإلهي في ظهور رئيس الملائكة جبرائيل لها وتبشيرها بعمل الروح القدس فيها، وبأن القدوس المولود منها يُدعى ابن الله. واحتملت الظهورات المقدسة، ومجيء المجوس إليها، وسجودهم لابنها، وتقديمهم الهدايا ذهبًا ولبانًا ومرًا. واحتملت أمجادًا كثيرة تُحيط بابنها.. كل ذلك دون أن تفتخر أو تتعالى، بل كانت «تحفظ كل هذه الأمور متأملة بها في قلبها». حقًا كما قال القديس أنطونيوس الكبير: "هناك من يستطيعون احتمال الإساءة، ولا يستطيعون احتمال الكرامة. لأن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة". ذلك لأن شخصًا قد ينال كرامة أو رفعة في منصب كبير، أو مال وفير. وحينئذ يرتفع قلبه، ويتعالى على الآخرين، وتهز الكرامة روحياته فينتفخ ويتعجرف! ويتغير قلبه وفكره. لأنه لم يستطع أن يحتمل الكرامة.هناك نوع آخر من الاحتمال قد اختبرته القديسة العذراء مريم. وهو احتمال ترك المشيئة. فما كانت تظن يومًا أنها ستحبل وتلد ولكن لما أخبرها الملاك أن هذه إرادة الله، أجابت في ترك لمشيئتها «لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ».يذكّرنا هذا بالراهب الذي كان يحب أن يحيا حياة الوحدة والهدوء والسكون والتأمل. ولكن مشيئة الله دعته إلى الخدمة. وكان عليه أن يتنازل عن مشيئته، ويقول لله لتكن مشيئتك.من أنواع الاحتمال أيضًا احتمال أخطاء الآخرين. وفي هذا ما أكثر ما يعجز الناس عن احتمال اساءات الغير. ويحاولون أن ينتقموا لأنفسهم، ولا يحوِّلون الخد الآخر. وأتذكر أنني قلت يومًا في اجتماع لجنة البر: "ليس واجبنا فقط أن نعطي الناس احتياجاتهم، إنما واجبنا أيضًا أن نحتمل ضعف هؤلاء في ادّعاءاتهم. فالفقر هو الذي ألجأهم إلى ذلك".من أنواع الاحتمال: احتمال انتظار الرب. فقد يصلي إنسان ويطلب طلبة معينة وتمر فترة طويلة ولا يشعر أنه قد نال مراده. وربما يتذمر على الرب ويعاتبه! إن أبانا إبراهيم وعده الرب أن يمنحه نسلًا، ومرت سنوات طويلة جدًا ولم ينل هذا النسل. فلجأ إلى الزواج من هاجر برغبة ونصيحة من زوجته سارة. في عدم الانتظار نقرأ في المزمور «اَلَّلهُمَّ، إِلَى تَنْجِيَتِي. يَا رَبُّ، إِلَى مَعُونَتِي أَسْرِعْ»، عبارة «أسرع» تدل على أن المصلي لم يحتمل الانتظار.ومن أنواع الاحتمال أيضًا: احتمال التجارب، احتمال التأديب، لأنه «إن تزكى ينال إكليل الحياة».إن الله تبارك اسمه يقدم لنا أكبر مثال للاحتمال، وهو ذاته احتمل الأمم سنوات طويلة وهم يعبدون غيره من أنواع عبادات متعددة، وهكذا احتمل الوثنية حتى عادت وآمنت به. وقد احتمل الشيوعية في روسيا لمدة سبعين عامًا، وهم يشيعون أن لا إله! وأيضًا احتمل الخطاة حتى يتوبوا. احتمل أوغسطينوس، وموسى الأسود، ومريم القبطية. وغيرهم... إلى أن تحول هؤلاء إلى قديسين. ولم يتوبوا فقط، بل نموا في حياة الفضيلة إلى درجات عالية.واحتمل اللص اليمين طول حياته، إلى أن ذكره هذا اللص على الصليب.ونرى أمثلة أخرى للاحتمال في موسى النبي الذي احتمل شعبًا متذمرًا لسنوات عديدة، بل أنه أكثر من هذا كان يدافع عنهم أمام الله ويمنعه من إفنائهم.ونرى مثلًا آخر للاحتمال: داود النبي والملك الذي احتمل أبشالوم ابنه الذي نافسه في المُلك، وأقام جيشًا يحاربه، ودخل على جواريه. ولما قُتِل أبشالوم في الحرب، بكى عليه داود وقال: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ! يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضًا عَنْكَ!».ومن أوضح الأمثلة في الاحتمال احتمال الأم لابنها في صياحه وبكائه وفي عناده وتمسكه برأيه. تحتمله في بطنها، وفي حجرها، وفي حملها على كتفها، وفي تعليمه الحياة.والاحتمال هو وصية إلهية. فيقول الكتاب «مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا» (أف4: 2). وأيضًا «فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ» (رو15: 1).وأيضًا «المحبة تحتمل كل شيء لأنها لا تطلب ما لنفسها»، ويقول القديس بولس الرسول: «نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ».أما لماذا نحتمل؟ فإننا نحتمل أخطاء الآخرين، كما احتملنا الله أيضًا، وكما يحتملنا. والاحتمال يدل على الوداعة، وطول البال، وسعة القلب. ونحن نحتمل الغير أيضًا لكي نكسبهم. وكما قال القديس يوحنا ذهبي الفم: "هناك طريقة تستطيع بها أن تقضي على عدوك، وهو أن تحول العدو إلى صديق". ونحن لا نستطيع أن نحول العدو إلى صديق إلا باحتمالنا له، بل وإحساننا إليه حسب وصية الرب.وأنت إن لم تحتمل فسوف تتعب أعصابك. وقد تُصاب بمرض من ضغط الدم، والسكر، وأيضًا تخسر الناس. وفي عدم احتمالك تكون قدوة سيئة لغيرك. وكما ورد في سفر الأمثال «لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ تَعْدِلَهُ أَنْتَ»، أي تصير مثله في أسلوب الهجوم والصياح، فتعثر الناس الذين يشاهدونك.وفي عدم الاحتمال قد يلجأ الناس إلى طرق خاطئة، بزعم الدفاع عن حقوقهم، أو استرجاع كرامتهم.وأهم سبب للاحتمال هو محبة المخطئين والعطف عليهم وتقدير ضعفهم وظروفهم. وهكذا قيل عن الرب في المزمور «لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثامِنَا.لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ».والرب في احتماله لأخطائنا، أحيانًا يلتمس العذر لنا كما قال الرب على الصليب طالبًا المغفرة لصالبيه «لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ».ومما يساعد على الاحتمال: القلب الواسع، وقوة الأعصاب.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
11 أغسطس 2021
إكرام السيدة العذراء
يكفي قولها الذي سجله الإنجيل (هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني) (لو48:1). وعبارة (جميع الأجيال) تعني أن تطويب العذراء هو عقيدة هامة استمرت من الميلاد وستبقي إلي آخر الزمان.
ولعل من عبارات إكرام العذراء التي سجلها الكتاب أيضًا قول القديسة اليصابات لها (وهي شيخة في عمر أمها تقريبًا): (من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي. هوذا حين صار سلامك في أذني، أرتكض الجنين في بطني) (لو44:1). والعجيب هنا في عظمة العذراء، أنه لما سمعت اليصابات سلام مريم أمتلأت اليصابات من الروح القدس (لو41:1). مجرد سماعها صوت القديسة العذراء، جعلها تمتلئ من الروح القدس.
والعذراء لم تنل الكرامة فقط من البشر، وإنما أيضًا من الملائكة. وهذا واضح في تحية الملاك جبرائيل لها بقوله (السلام لك أيتها الممتلئة نعمة. الرب معك. مباركة أنت في النساء) (لو28:1). وعبارة(مباركة أنت في النساء) تكررت أيضًا في تحية القديسة اليصابات لها (لو43:1).
ونلاحظ أن أسلوب مخاطبة الملاك للعذراء فيه تبجيل أكثر من أسلوبه في مخاطبة زكريا الكاهن (لو13:1).
وهنا نبوءات كثيرة في الكتاب تنطبق علي السيدة العذراء، ومنها (قامت الملكة عن يمينك أيها الملك) (مز9:45). وفي نفس المزمور يقول عنها الوحي الإلهي (كل مجد ابنة الملك من داخل) (مز13:45). فهي إذن ملكة وابنة الملك.. ولذلك فإن الكنيسة القبطية في أيقوناتها الخاصة بالعذراء، تصورها كملكة متوجة، وتجعل مكانها باستمرار عن يمين السيد المسيح له المجد.
والكنيسة تمدح العذراء في ألحانها قائلة (نساء كثيرات نلن كرامات. ولم تنل مثلك واحدة منهن). وهذه العبارة مأخوذة من الكتاب (أم29:31).
والسيدة العذراء هي شهوة الأجيال كلها، فهي التي استطاع نسلها أن يسحق رأس الحية) محققًا أول وعد لله بالخلاص (تك15:3).
والعذراء من حيث هي أم المسيح، يمكن أن أمومتها تنطبق علي كل ألقاب السيد المسيح.
فالمسيح هو النور الحقيقي (يو9:1). وهو الذي قال عن نفسه (أنا هو نور العالم) (يو12:8). إذن تكون أمه العذراء هي أم النور. أو هي أم النور الحقيقي.
وما دام المسيح قدوسًا (لو53:1) تكون هي القدوس وما دام هو المخلص، حسبما قيل للرعاة (ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب) (لو11:2). وحسب أسمه (يسوع) أي مخلص، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (مت21:1). إذن تكون العذراء هي أم المخلص.
ومادام المسيح هو الله (يو1:1) (رو5:9) (يو28:20). إذن تكون العذراء هي والدة الإله.
ومادام هو الرب، حسب قول اليصابات عن العذراء (أم ربي) (لو43:1). إذن تكون العذراء هي أم الرب. وبنفس القياس هي أم عمانوئيل (مت23:1) وهي أم الكلمة المتجسد (يو14:1).
وإن كانت العذراء هي أم المسيح، فمن باب أولى تكون أمًا روحية لجميع المسيحيين. ويكفي أن السيد المسيح وهو علي الصليب، قال عن العذراء للقديس يوحنا الرسول الحبيب (هذه أمك) (يو27:19). فإن كانت أمًا لهذا الرسول الذي يخاطبنا بقوله يا أولادي (1يو1:2). فبالتالي تكون العذراء هي أم لنا جميعًا. وتكون عبارة (أختنا) لا تستحق الرد. فمن غير المعقول ولا المقبول أن تكون أمًا للمسيح وأختًا لأحد أبنائه المؤمنين باسمه..!
إن من يكرم أم المسيح، إنما يكرم المسيح نفسه. وإن كان إكرام الأم هو أول وصية بوعد(أف2:6) (خر12:20) (تث16:5). أفلا نكرم العذراء أمنا وأم المسيح وأم أبائنا الرسل؟! هذه التي قال لها الملاك (الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك. لذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعي ابن الله) (لو35:1). هذه التي طوبتها القديسة اليصابات بقولها (طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب) (لو45:1). والتي جميع الأجيال تطوبها..
وعبارة (مباركة أنت في النساء) التي قيلت لها من الملاك جبرائيل ومن القديسة اليصابات، تعني أنها إذا قورنت بكل نساء العالم، تكون هي المباركة فيهم، لأنه لم تنل واحدة منهن مجدًا نالته العذراء في التجسد الإلهي. ولا شك أن الله قد اختارها من بين كل نساء العالم، لصفات فيها لم تكن تتوافر في واحد منهن.
ومن هنا يظهر علو مكانتها وإرتفاعها. لذلك لقبها اشعياء النبي بلقب (سحابة) أثناء مجيئها إلي مصر (أش1:19).
قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
04 أغسطس 2021
حَيَاتنا سلسلة اختبارات
كل إنسان منا يجتاز في حياته مجموعة من الاختبارات، يتوقف عليها تقييم شخصيته، وتحديد مكانه في الأبدية.ليس المهم في نوع الاختبار أو مدته، إنما في عمقه ودلالته. يوحنا المعمدان مثلًا، كانت فترة اختباره قصيرة، ربما لم تتعدَّ سنة أو أقل. ولكنه عبّر فيها على نجاح هائل في الخدمة، وتواضع وإنكار ذات، وشجاعة وجرأة، وثمر وفير. من أجل ذلك، اكتفى الله بتلك الفترة القصيرة من الاختبار، وشهد له بأنه أعظم من ولدته النساء وأخذه إليه، وهو في حوالي الثانية والثلاثين من عمره..كانت فترة اختبار قصيرة. ولكنها كانت كافية.. نفس الوضع بالنسبة إلي فترة اختبار القديسين مكسيموس ودوماديوس، اللذين انتقلا إلى الفردوس في شبابهما. وكذلك القديس ميصائيل السائح الذي وصل إلي درجة السياحة وهو في حوالي الخامسة عشرة من عمره.أيتساءل أحد ويقول: لماذا يا رب تأخذ مثل هذه النفوس الطاهرة، في تلك السنة المبكرة؟! ويكون الجواب: لقد نجحوا في اختبارهم، وكان كافيًا عليهم ما بذلوه من جهاد.. وبالمثل كان الاختبار لبعض الشهداء والمعترفين..لقد تم اختبار إيمانهم وثباتهم فيه، واحتمالهم من أجله.. ربما في أيام أو شهور. وكان ذلك كافيًا فنالوا إكليل الشهادة.على أنه بصفة عامة، قد تؤخذ الحياة كلها كاختبار. لأن البعض قد تمر عليه فترة ضعف أو فتور، لا تدل على طبيعة حياته كلها، وقد تعينه النعمة على تصحيح مسيرته. والله تبارك اسمه – لا يفاجئ الناس بالموت وهم في حالة سقوط، بل يعطيهم فرصة للتوبة.. كما حدث مع القديس أوغسطينوس، والقديس موسى الأسود، والقديسة مريم القبطية، والقديسة بيلاجية. وهكذا يقول الكتاب «انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ..» (عب13: 7).والاختبار الذي يجتازه الإنسان قد يكون سهلًا أو صعبًا. آدم وحواء اُختُبِرا بوصية عدم الأكل من شجرة واحدة. أما أبونا إبراهيم فأخذ وصية أصعب: أن يخرج من أهله وعشيرته وبيت أبيه (تك12) إلى حيث لا يدري. فخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب (عب11: 8). وهكذا نجح في الاختبار، وباركه الله. ثم دخل في اختبار أصعب، وهو قول الرب «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ» (تك22: 2). ولم يتردد هذا القديس في طاعة الأمر، فنال بركة أكثر، وأنقذ الرب اسحق.أما أبوانا الأولان، إذ فشلا في الاختبار، نالا عقوبة من الله، وطردهما من الجنة، وحُكم عليهما بالموت، لولا أن أُنقِذا بالفداء.المهم إذًا ليس هو نوع الاختبار، إنما موقف الإنسان منه. سواء كان اختبارًا واحدًا أو عدة اختبارات.يوسف الصديق اُختُبِر بعداوة إخوته له وبيعهم له للإسماعيليين (تك37: 28). فلم يحقد عليهم، بل على العكس أحسن إليهم وقال لهم «أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا» (تك50: 20). وجُرِّب بأن يكون عبدًا في بيت فوطيفار. فلم يتذمر وأخلص كل الإخلاص، ونجح ونال الثقة حتى صار وكيلًا لفوطيفار في كل بيته..اُختُبِر يوسف أيضًا بإغراء سيدته له، فرفض ذلك ونجح في الاختبار. واُختُبِر أيضًا بإلقائه في السجن ظلمًا، فلم يحتج. وكانت النتيجة أن رئيس السجن ترك كل شيء في يديه. وخرج من السجن ليكون الثاني في المملكة، ويكون «أَبًا لِفِرْعَوْنَ وَسَيِّدًا لِكُلِّ بَيْتِهِ وَمُتَسَلِّطًا عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ» (تك45: 8).هناك أنواع كثيرة من الاختبارات ومصادرها. بعضها من حسد الشياطين. مثلما حسد الشيطان أيوب الصديق، الذي «أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ» كما كان كاملًا ومستقيمًا. وبسماح من الله ضربه بالتجربة الأولى، ففقد كل أبنائه وكل ثروته. ولكنه نجح في هذا الاختبار وقال «الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا» (أي1: 21).وكان الاختبار الثاني لأيوب أصعب من الأول، فضُرِب في صحته، وفقد أيضًا كل شيء، حتى احترام أصحابه، واحترام زوجته.. وصبر أيوب، وباركه الله. وأعاد إلي كل شيء وأكثر، وبارك عمره فمات شيخًا وشبعان أيامًا (تك42: 10-17). وقال عنه القديس يعقوب الرسول «هَا.. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ» (يع5: 11).وقد يأتي الاختبار من مضايقات الناس، أو اضطهاداتهم. مثل عصر الاستشهاد الذي اُختُبِرت به الكنيسة في أيام الدولة الرومانية، وكيف صمدت الكنيسة ونجحت في الاختبار، فجعلها الله تمتد إلى أقاصي الأرض، ومنحها المواهب وصنع المعجزات. وجعل الله ذلك الاضطهاد يُختَم بمرسوم ميلان للحرية الدينية الذي أصدره قسطنطين الملك سنة 313م.أما سوء المعاملة فهو اختبار آخر، قد يحدث في محيط العائلة، أو في جو العمل بين الرؤساء والمرؤوسين، أو حتى في جو المجتمع عمومًا. ويُعرَف به معدن الإنسان، ومدى احتماله أو هياجه...والاختبار عمومًا: إن نجح فيه الإنسان ينال الإكليل. وفي سفر الرؤيا (رؤ2، 3) في رسائل الرب إلى الكنائس السبع، نرى أمثلة كثيرة من هذه الإكاليل التي أعدها الله للغالبين. فكل من يغلب، أي من ينجح في اختباره، له مكافأت عند الله في الحياة الأبدية، وربما في الحياة الأرضية أيضًا. يقول القديس بولس الرسول «وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا» (2تي4: 8).الاختبار ذكره الرب في مثل البيتين: اللذين كان أحدهما مبنيًا على الصخر، والآخر مبنيًا علي الرمل (مت7: 24-27). الاختبار جاء إلى كلٍّ من النوعين (الجيد والرديء). قيل في ذلك الاختبار «فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ». فالبيت المبني علي الصخر لم يسقط. أما المبني علي الرمل، فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا.إذًا لابد أن يستعد الإنسان لملاقاة الاختبار الذي سيتعرض له: يستعد بالإيمان القوي، وبالقلب النقي، وبشركة الروح القدس... وبهذا لا يتزعزع، بل يظل صامدًا. وبالأكثر ينمو في النعمة.إن اختبار كل شخص، هو أمر نافع له ولغيره. ففي الاختبار: كما يُختبَر هو في إرادته وعمله، فهو أيضًا يَختبر عمل الله معه، وتدخُّل النعمة في حياته، ويزداد خبرة بالحياة الروحية وبحروب الشياطين، وبالتجارب والانتصار عليها.إن القديس الأنبا أنطونيوس – بوحدته في البرية، وبكل ما قد تعرض له من تجارب – نال خبرة وقوة، بل نال سلطانًا على الشياطين. وهكذا بعد أن عاش تلميذه بولس البسيط فترة معه، أرشده بأن يعيش في الوحدة لكي يختبر حروب الشياطين...ومن كل هذا، صارت اختبارات الآباء وخبراتهم، دروسًا لنا جميعًا استفدنا بها. ونتعمق بها في المعرفة كلما قرأنا سير القديسين. بل إننا نستفيد أيضًا من قصص سقوط الآخرين كذلك، لنعرف أسباب الفشل ونتائجه، لكي نحترس من تلك الأسباب ونستعد لمواجهتها.إن الاختبار قد يمس أحيانًا نقطة الضعف في الإنسان. مثال ذلك قصة الشاب الغني، الذي كان قد حفظ الوصايا منذ حداثته. ولكن كانت له نقطة ضعف وهي محبته للمال. وهكذا عندما اختبره الرب بقوله «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي» (مت19: 21). قال عنه الكتاب «مَضَى حَزِينًا». وفشل في الاختبار «لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ».إذًا أبحث عن نقطة الضعف التي فيك، وأعمل علي علاجها، لئلا يأتيك الاختبار من هذه النقطة بالذات.وقد يُختبَر الإنسان بالأمراض، أو بالضيقات. ليظهر من هذا الاختبار: هل هو يتذمر، أو يفقد إيمانه بمراحم الله؟ أم هو يقابل ذلك بهدوء وبشاشة وصلاة؟ أم هو في حالة المرض يستعد لأبديته؟ أو هو في حالة الضيقات يقول مع بولس الرسول «لِذلِكَ أُسَرُّ بالضِّيقَاتِ» أو يقول معه «كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ» (2كو6: 10). إنه اختبار.وقد يُختبَر إنسان بعدم استجابة صلاته، أو بتأخر استجابتها. بولس الرسول اختبر بعدم استجابة صلاته، عندما طلب أن تُرفع عنه الضربة التي أصابته في الجسد «لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ». بل استبقى الله تلك الضربة، وقال له «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي» (2كو12: 8، 9). ونجح القديس بولس في الاختبار، وشكر الله على نعمته (1كو15: 10).أما عن تأخر الله في الاستجابة. فمثلما تأخر الله في منح إبراهيم ابنًا. وكانت النتيجة أنه لجأ إلى الطرق البشرية، فأخذ هاجر لينجب منها...وقد يكون الاختبار بالسلطة أو المال. فهناك بعض الناس إن ارتفع قدرهم بسلطة نالوها، ترتفع قلوبهم من الداخل، وينظرون إلى غيرهم من فوق، وتتغير معاملتهم لهم!! ولهذا قال القديس أنطونيوس إن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الاهانة.. والمال أو الغنى مثل الكرامة أيضًا. قال الشاعر:لما صديقي صار من أهل الغنى أيقنت أني قد فقدت صديقيالمواهب هي اختبار آخر: هل يرتفع بها القلب أم يحتفظ بتواضعه؟ مثال ذلك الذين يفتخرون بموهبة الألسنة (إن كانت حقًا، ويظنوها علامة على الملء!!) أو قول الكتاب عن هاجر، إنها «وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلاَتُهَا فِي عَيْنَيْهَا» (تك16: 4).
قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
28 يوليو 2021
المعرفة معرفة الله معرفة الناس معرفة النفس
كل ما يعرفه الناس أنهم يعرفون بعض الأشياء عن بعض الأشياء، أما المتخصص منهم فيركز في معرفته علي أمر معين، يعرف عنه بطريقة أعمق وما أكثر الأشياء التي لا يعرف عنها البشر شيئًا وبعضها مجال لبحوثهم والبعض فوق مستوي البحث!
أما الله تبارك اسمه، فانه يعرف كل شيء عن كل شيء ويعرف كل شيء عن كل احد، في السماء وعلي الأرض، سواء من الأرواح البشرية، أو الملائكة أو أسرار الكون، ما يري منه وما لا يري وهي معرفة كاملة شاملة. ولذلك فان الله هو الوحيد الذي يمكن أن يوصف بأنه 'كلي المعرفة'.
الله أيضًا يعرف كل الخفيات والظاهرات فهو الوحيد الذي يعرف الغيب. وان ذكر بعض البشر معرفة شيء من المستقبل، فان ذلك يكون عن طريق الاستنتاج أو المعرفة العامة، مثل ما يقوله خبراء الأرصاد عن حالة الجو فيما سيحدث من حرارة أو رياح أو مطر، حسبما يتوقعون وقد لا تكون معلوماتهم دقيقة.. أو قد يقول أحد الأساتذة حسب خبرته أن طالبًا من تلاميذه سوف يرسب وان طالبًا آخر سوف ينجح بتفوق. ويحدث هذا فعلًا بناء علي درايته السابقة بمستوي تلاميذه من حيث العقلية والدراسة والذاكرة.وقد يقول طبيب عن احد مرضاه انه لابد سيموت بعد أيام، وذلك بناء علي وضوح تطور المرض وعدم الاستجابة لأي علاج. ويحدث هذا فعلا ولا نسميه لونًا من معرفة المستقبل إنما هو استنتاج. أما معرفة المستقبل عند الله، فهي فوق مستوي الاستنتاج أو ما توحي به طبيعة الأشياء، إنما هو النبوءة التي فوق الإدراك البشري.
ومن أمثلة معرفة الله بالخفيات معرفته بما في الأفكار والقلوب.. فالله هو الوحيد فاحص القلوب وقارئ الأفكار والعارف بما في داخل الإنسان من نيات ومشاعر.. ولذلك فهو يحاسب كل شخص علي نواياه، الأمر الذي هو فوق معرفة البشر.. كما أنه أحيانًا ينقذ البعض من مؤامرة سرية تدبر ضدهم ولا يعرف بها أحد إن كلمة 'أسرار' تقال عن معرفة بعض البشر. أما عند الله فلا يوجد سر بالنسبة إليه.. إنما كل شيء واضح أمامه ومعروف.والله يعرف كل أمر بدون وسائط أو وسائل أو أجهزة.ما أكثر الأجهزة والوسائل التي يستخدمها البشر للوصول إلى معرفة معلومة معينة.. كما نري في الطب أجهزة الأشعة والتحاليل والمناظير، وأجهزة لمعرفة الحرارة والضغط أو التأكد من وجود مرض معين. أما الله فيعرف كل شيء معرفة مباشرة بدون وسائل.. البشر في قمة ما وصلوا إليه من علم اخترعوا سفن الفضاء، واستخدموها لمعرفة بعض أخبار الكواكب أو الحصول علي بعض صور أو حجارة يستنتجون منها شيئًا..! أما الله فيعرف كل تلك الأجرام السمائية، لأنه هو خالقها، ويعرف كل المعلومات عن باقي الكواكب التي لم يستطع البشر الوصول إليها.. وكذلك ما في فلك السماء من شمس وكواكب ونجوم تحيط بها ولا يحيط بها علم البشر أبدًا..!
البشر ينقبون في الجبال بحثا عن الذهب والأحجار الكريمة. وقد ينجحون أحيانًا أو يفشلون.. كما أنهم يحفرون أميالًا عديدة تحت الأرض لعلهم يجدون شيئا من البترول مثلا.أما الله فيعرف كل ذلك دون تنقيب أو حفر، لأنه هو الذي وضع الذهب في تلك الجبال، ووضع البترول تحت الأرض وبالمثل قد يبذل العلماء جهودهم ووقتهم إلى أن يكتشفوا خواص طبية في بعض الحشائش أو النباتات أو في مواد معينة. بينما الله جلت قدرته يعرف كل هذا دون بحث علمي لأنه هو الذي وضع في تلك النباتات أو المواد ما تتصف به من خواص طبية.
تتميز معرفة الله أيضا بأنها معرفة يقينية وفوق التطور الإنسان ينمو في معرفته وأحيانًا يتطور أو يتغير حتى يصل إلى معرفة يعتبرها ثابتة وقد كانت له قصة متناقضة في موضوع الذرٌة وانقسامها إلى أن استقر علي معرفته الحالية وكذلك مرٌ بمأساة بشرية حتى وصل إلى كروية الأرض وقد كان من قبل يحكم بالموت علي من يقول بذلك!
ومازال البشر من جهة أصل الإنسان ونظرية التطور في اختلاف بين ما يقوله الدين وما يقوله بعض العلماء وبخاصة عن الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد!
وأمور كثيرة نري فيها معرفة الإنسان وبخاصة العلماء لم تصل إلى مستوي اليقين بعد، إنما هي مجرد محاولات للوصول.. أما معرفة الله فهي معرفة يقينية في كل شيء لا تقبل الشك.
معرفة الإنسان تأتي أحيانًا عن طريق التدرج فخطوة منها تقود إلى خطوة أخرى. وبحث لعالم معين يكمل مجهودًا لعالم آخر حتى يصل الجميع إلى نتيجة ثابتة.عنصر التدرج أيضًا يكون في علاج كل مريض مع متابعة كل خطوات علاجه واستجابته له. ونفس التدرج نجده في حلٌ أي تمرين هندسي وفي شرح أي علم حتى يستوعبه الذهن البشري نقطة اثر نقطة.. كذلك كل إنسان في تلقيه للعلم يتدرج من مستوي إلى مستوي اعلي. وفي معرفته ينمو فيها شيئًا فشيئًا.أما الله سما وتعالي فلا تدرج مطلقا في معرفته، بل انه يعرف كل شيء دفعة واحدة وليس خطوة فخطوة. نهاية كل شيء واضحة أمامه مع بداية هذا الشيء.والله كما يعرف يمنح أيضًا المعرفة للإنسان في الأمور التي لا يستطيع أن يصل إليها بذاته.ولذلك كما انه كليٌ المعرفة هو أيضًا مانح المعرفة. وان كنا نحن نعرف أمورًا عديدة بعقولنا فهو الذي منحنا هذه العقول بكل مداركها وقدراتها وكثيرًا ما يكشف لنا أمورًا فوق قدراتنا الطبيعية أن نعرفها.. ولعله من أمثلة ذلك ما منحه ليوسف الصديق من جهة موهبة تفسير الأحلام وما تشير إليه أحيانًا عن مستقبل الأمور.وأيضًا ما منحه للأنبياء من وحي الهي.. وما منحه للبعض من جهة كشف المستور ومعرفة بعض الأمور.علي انه يعطينا من المعرفة ما يلزمنا وما ينفعنا. ونحن نشكر الله في كل حين، لأنه أعطانًا علم معرفته وأوصلنا إلى الإيمان به.وهناك أمور يعرفها الله، ولم يكشفها لنا بعد فأمور خاصة بسرٌ الحياة والموت وما يتعلق بروح الإنسان: ما كنهها؟ وكيف تفارق الإنسان؟ وكيف تعود إليه؟ وكيف تكون قيامة الأجساد من الموت؟ ومتى يكون ذلك؟ وكيف تتغذي الروح في العالم الآخر؟ وما كنه ذلك العالم وأين يكون؟
في كل ذلك نطلب المعرفة من الله نفسه وليس إلى غيره
فهو وحده الذي يعرف الحق كله بل هو الحق جل جلاله.. نقول ذلك ونحذر الذين يطلبون المعرفة من غير الله عن طريق المنجمين أو الدجالين أو الذين يدعون معرفة البخت والحظ وقراءة الكف وقراءة الفنجان أو ضرب الرمل وأمثال كل ذلك من ادعاء معرفة الغيبيات التي هي من شأن الله وحده.كذلك نحذر من اللجوء إلى السحرة، أو من يدعون السحر!! أو اللجوء إلى الشيطان كمصدر من مصادر المعرفة عند المخدوعين! فالشيطان معرفته دنسة ومضللة يريد بها خداع الناس ممن يقبلون خداعه.. 'وللبحث بقية'.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد