المقالات

25 سبتمبر 2024

تواضع الله في تمجيده لأولاده

الله لم يشأ أن يكون موجودًا وحده، فأنعم بالوجود على كائنات أخرى صارت موجودة بمشيئته "ومن تواضع الله أنه حينما خلق الإنسان خلقه في مجد"على صورة الله وشبهه ومثاله فكانت صورة الله أول مجد للإنسان وكانت البنوة لله مجدا آخر أعطاه للإنسان ويقول الكتاب"الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم، ليكونوا مشابهين لصورة ابنه والذين سبق فعينهم، فهؤلاء دعاهم أيضًا والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضًا والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضًا" (رو8: 29: 30)"الخليقة نفسها ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله" (رو8: 21) ونقرأ في الكتاب عن إكليل المجد، وعن المجد العتيد أن يستعلن فينا (رو8: 18). وإننا إن كنا نتألم مع الرب فسنتمجد معه (رو8: 17) إنها أمجاد كثيرة تنتظر الإنسان في الأبدية غير الأمجاد التي يمنحها الله له في العالم ويقول في المزمور (91: 14، 15) "لأنه تعلق بي أنجيه أرفعه لأنه عرف اسمي يدعوني فأستجيب له معه أنا في الضيق، أنقذه وأمجده". إن الله يفرح حينما يمنح المجد لأولاده ولكن المجد الذي للناس شيء، والمجد الخاص بالله وحده شيء آخر ذاك هو مجد لاهوته مجد لاهوته لا يعطيه لآخر إنه مجد الله في الأعالي إنه المجد غير المحدود وغير المدرك، الذي نقول له عنه "لك المجد والعزة والسجود" مهما نال الإنسان من مجد، فلن يؤثر هذا على مجد الله. فالنار قد تضيء منها مليون شمعة دون أن تنقص منها شيئًا مبارك الرب الذي مجد أولاده بأنواع وطرق شتى: منها مواهب الروح القدس، واجتراح المعجزات، وما أعطاهم من سلطان على الشياطين وكل قوات العدو وجعلهم هيكلًا لروحه القدوس، ومنحهم التبني والمجد (رو9: 4). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
18 سبتمبر 2024

أنواع من المحبة

أريد أن أكلكم فى هذه المحاضرة عن أنواع كثيرة من المحبة ما هي المحبة ؟ وما أنواعها ؟ وما هي درجاتها ؟ وما هو المقبول منها الله والمحبة الإلهية : المحبة هي الله الله محبة وكما يقول الكتاب "الله محبة من يثبت في المحبة ، يثبت في الله ، والله فيه" في البدء كانت المحبة ، كان الله منذ الأول ، قبل الكون وبهذا الحب خلق الله الكون خلق الملائكة واحبهم ، وخلق البشر وأحبهم .وكما أحب الله خلائقه ، أحبته خلائقه أيضاً أحب الانسان الله ، ولم يكن له حب غير هذا هذه هي المحبة الالهية آدم قبل خلق حواء ، كانت محبته مركزة في الله وحده . المحبة الروحية : ثم خلق الله حواء، معيناً لآدم ، وعرف آدم في علاقته بها قبل الخطية ، لوناً آخر من المحبة هو المحبة الروحية لم يكن الجسد قد بدأ دوره بعد، وكانت محبة آدم الحواء محبة روحية تشبه محبة الأخ لأخية ، والأب لابنه والصديق لصديقه، ومثل محبة الملائكة للبشر . وبالمحبة الروحية التي كانت بين آدم وحواء قبل الخطية ، بدأ الانسان يحب الانسان الى جوار محبته لله ، دون تعارض ، ودون أن تنقص احدى المحبتين شيئا من الأخرى . ثلاثة أنواع أخرى من المحبة : ثم سقط الإنسان ، وبسقوطه وقع في ثلاثة أنواع أخرى من المحبة ، يمكن أن تبعده عن محبة الله ، ثلاثة أنواع من المحبة لا هي إلهية ،ولا هي روحية ، فماذا كانت ؟ ۱ - محبة الذات ، اذ اشتهى لذاته أن تكبر « وتصير مثل الله » . ۲ - محبة المادة ، اذ اشتهى ثمرة الشجرة ووجدها « بهجة للعيون» . ٣- محبة الجسد ، اذ تفتحت عيناه ، وفقد براءته ، وخضع لشهوة الجسد ،والجنس . وهكذا وقع الانسان فى محبة العالم بكل أعماقها ، كما قال عنها الرسول إنها شهوة الجسد ، وشهوة العين ،وتعظم المعيشة لم تكن عنده هذه الأمور من قبل : لم يكن يحارب قبلا بمحبة الذات في تعظم المعيشة ،لم يكن يشتهى أن يكبر لم يكن أيضاً محارباً بمحبة المادة كان ينظر إلى جميع الأشجار فى بساطة دون أن يجد إحداها "شهية للنظر،وجيدة للأكل ،وبهجة العين" كذلك لم يكن يعرف شهوة الجسد كان عرياناً وينظر إلى رفيقه العريان ، دون خجل أو شهوة ومن ذلك الحين ، والانسان تتنازعه هذه الأنواع الخمس من المحبة المحبة الألهية، والمحبة الروحية، ومحبة الذات، ومحبة الجسد، ومحبة المادة وحياة الانسان الروحية ما هي إلا جهاد متواصل يتنقى فيه من أنواع المحبة الخاطئة ، لكي يثبت في المحبة الإلهية. حدود المحبة البشرية الطاهرة : حتى المحبة البشرية الطاهرة بكل أنواعها ،وضع لها الرب حدوداً، فقال " من أحب أبا أو أما أكثر منى فلا يستحقنى ،ومن أحب إبناً أو إبنة أكثر منى فلا يستحقني" ( متى ۱۰ : ۳۷ ) المحبة الالهية ، هي الأولى والأهم، وتشمل القلب كله وهكذا قال الكتاب " تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك ومن كل قوتك " ( تث ٦ : ٥٠ ) وبعد ذلك تأتى المحبة البشرية الطاهرة، محبة القريب : تحب قريبك كنفسك "ولكن على شرط أن هذه المحبة لا تزيد على محبة الله ، ولا تتعارض مع محبة الله كل محبة طاهرة نحبها للناس ، ينبغى أن تكون داخل محبة الله ليست منفصلة عنها ،وليست الى جوارها ، وانما داخلها بالنسبة إلى أهل العالم كان الشيطان يحاربهم بالجسد أو المادة أو الذات مثلما حارب العالم قبل الطوفان حين « رأى أولاد الله بنات الناس أنهن حسنات"( تك ٢:٦ ) ومثل كل حروب الجسد التي لا تحصى كذلك حروب المادة ، مثل محبة المال ، ومحبة القنية أما أولاد الله ، فعندما يريد الله أن يجربهم انما يمتحنهم في المحبة الطاهرة الروحية ، مثلها اختبر الله ابراهيم في محبته لابنه أراد الله أن يرى هل محبة الأب لابنه ، هذه المحبة الطاهرة ، المحبة الطبيعية ، وليست للابن فقط، وانما بالأكثر للابن الوحيد ، ابن المواعيد ابن الشيخوخة ، الذي انتظره الأب سنوات طويلة ،هل هذه المحبة يمكن أن تفوق محبته لله ، ويمكن أن يعصى الله بسببها إن طلب إليه أن يرفع سكينه على هذا الابن ، ويقدمه محرقة ؟! إن ابراهيم أبا الآباء أثبت أن محبة الله في قلبه تفوق كل محبة أخرى،مهما كانت طاهرة وروحية وطبيعية بهذا الوضع، وبنسبة أقل بكثير ، أخذت حنه ابنها صموئيل ، ابنها الوحيد ، الذي ولدته بعد عقم ، ابن الصلوات والدموع ،وقدمته عارية للرب ، يخدم الرب كل أيامه ،وأثبتت أن محبتها لله أكثر ان محبتنا للناس في الخدمة هي محبة الهية نحن نحب الله ، ونريدهم أن يحبوه كما نحبه واكثر ، نريد أن ندخل الله في قلوبهم، لأننا نحب الله ونحب ملكوته . فلنختبر محبتنا : كثيرا ما تظن أم أنها تحب ابنها محبة حقيقية : ولكن يعوزها أن تعرف : هل هذه محبة روحية كجزء من محبتها لله ؟ أم هي مجرد محبة طبيعية ؟ أم هي محبة لذاتها هي ؟! إنها تحب ابنها : تطعمه وتلبسه وتسمنه و تربيه وتعلمه وتزوجه ولكنها في كل ذلك لم تظهر محبتها الروحية له ، ولم تظهر محبتها لله فيه ،ولم تهتم بروحه وأبديته إنها محبة الدم للدم ، محبة طبيعية ولكنها لم تصل بعد إلى المستوى الروحي ! وقد تختبر محبة لابنها عندما يطلب أن يخصص للرب كاهنا أو راهبا فاذا رفضت أن تعطيه للرب ، ووقفت في طريقه الروحي فماذا نسمى محبتها إذن ؟ ألا تكون مجرد محبة للذات ،الذات التي لا تريد أن تتنازل عن ملكيتها ، حتى لو كان هذا التنازل للرب نفسه !! من أعظم الأمثلة في محبة الأم ،ما عملته أم موسى لابنها في سنوات الطفولة القليلة ثبتت محبة الله في قلبه ، ولقنته معرفة الله بطريقة استطاع بها أن يصمد أمام العبادات المصرية القديمة في قصر فرعون مدى ٤٠ عاماً ... ! ! انها محبة الام التي تكون أشبينة لابنها ، وليست مجرد مربية تدلله لتكسب محبته ، ولو على حساب محبة الله ما أكثر الأمهات اللاتى يفسدن أولادهن تحت اسم الحب والعطف والتدليل وقد يساعدن الأولاد على هذا الفساد بالمال ،وقد يخفين عن الاب حقيقة الابن وطيشه بل قد يكذبن ، وكل ذلك باسم الحب إن رفقة كادت تضيع ابنها يعقوب من فرط محبتها الزائدة له، وأوقعته بمحبتها في خطايا كثيرة لذلك علينا أن نختبر محبتنا ، ما نوعها ؟ في صدق وتدقيق فان كنت حقا تحب الله ، اسأل نفسك : هل تحب الجلوس معه ، والحديث إليه ، والتأمل فيه ؟ هل تشتاق إليه كما تشتاق الأرض العطشانة إلى الماء ؟ هل تفضله على كل محبة أخرى ، وعلى كل لذة أخرى ؟ لذلك كان أعمق الناس محبة لله ،هم الذين سعوا الى محبته واكتفوا بها ،وفضلوها على الكل أولئك الذين من أجل الله تركوا الأهل والأحباب ،وتركوا كل شيء ،ولم يحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم من أجل عظم محبتهم للملك المسيح ومن أمثلة هؤلاء ، الرهبان والمتوحدين والسواح الذين لم يجعلوا في قلوبهم ولا في أفكارهم سوى الله وحده ، الذي صار لهم الكل في الكل ويشبه المتوحدين والسواح في محبتهم لله ، أو يفوقهم ، الشهداء لأنهم لم يتركوا فقط كل شيء من أجل الله ، انما تركوا الحياة أيضا من اجله بكل ما فيها من الذين تملك أيضاً المحبة الإلهية على قلوبهم ، الرعاة والخدام ،الذين يبذلون ذواتهم من أجل بناء ملكوت الله ،يضحون بكل راحتهم ، وكل وقتهم ، وكل جهدهم من أجل أن يدخلوا محبة الله في قلوب الناس المحبة الالهية في عمقها ، هي المحبة الذين تفرغوا لله ، قلبا ووقتا ،وصارت محبة الله هي شغلهم الشاغل يفكرون في الله ، يتحدثون إلى الله ، يستمتعون بالله ، ينفردون بالله ، ينشغلون بالله ليس لهم عمل سوى الله وحده وليست لهم شهوة سوى الله وحده فهل أنت كذلك أم لك شهوات أخرى ورغبات ومشغوليات ردية كانت أم غير ردية ؟! الانسان اذا دخل في عمق الروحيات ، لا تصبح له شهوة ولا رغبة ولا طلبة سوى الله وحده ،الله ساكنا في قلبه وفي قلوب الناس وعمل هذا الانسان هو أن يغربل جميع المحبات التي في قلبه ،ولا يستبقى سوى الله ،وداخل الله يجد كل محبة أخرى يحتاج الأمر منا الى اعادة تقييم الأمور الذي يحب الله ،يعطى كل القيمة لمحبة الله ، وتفقد باقي الأمور قيمتها يقول مع بولس الرسول " خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية ، لكى اربح المسيح" ومثل موسى النبي الذي ، حسب عار المسيح غنى أفضل من كل خزائن فرعون نحتاج أيضا أن نتخلص من محبة الذات ، لأنها كثيرا ما تشغلنا عن محبة الله وان فكرنا فيها ، نهتم كيف تصير ذاتنا صورة الله وهيكلا لله حقاً إننا بعدنا عن الهدف الحقيقي للحياة ، واخترنا لنا أهدافاً أخرى عالمية أصبحنا نهتم بما سنتركه ،ولا نهتم بما سنلقاه العالم كله سنتركه فلماذا ننشغل به ؟! ليتنا نراجع المحبة التي في قلوبنا تنقيها ،ونفرغها لله ،وتنمو فيها يوما بعد يوم وتهتم بالمحبة الالهية أكثر من الكل . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن مجلة الكرازة العدد الثامن والعشرون عام 1975
المزيد
04 سبتمبر 2024

وننتظر قيامة الأموات

إننا نؤمن بقيامة جميع الأموات: الأبرار والأشرار حسبما ورد في إنجيل يوحنا "تأتي ساعة يسمع فيها جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو 5: 28، 29) كانت قيامة السيد المسيح باكورة لقيامتنا جميعًا أن الإصحاح 15 من الرسالة الأولى إلى كورنثوس كله عن قيامة الأموات يقول الرسول "قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة للراقدين فإنه إذ الموت بإنسان أيضًا قيامة الأموات ولكن كل واحد في رتبته المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه" (1كو 15: 20- 23) وسنقوم بأجساد روحانية سماوية غير مادية وهكذا قال الرسول عن جسد القيامة " يزرع جسمًا في هوان ويقام في مجد" "يزرع في ضعف ويقام في قوة. يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي إن لحمًا ودمًا لا يقدران أن يرثا ملكوت الله" ( 1 كو 15: 42- 50) وقال في موضع آخر "وننتظر مخلصًا هو الرب يسوع الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في 3: 20، 21) أي إننا سنقوم على شبه الجسد الممجد الذي قام به السيد الرب. قيامة الأموات القيامة العامة ستعقبها الدينونة والدينونة تكون في المجيء الثاني للرب لذلك قيل عن الرب "إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله" (مت 16: 27) وقيل أيضًا "متي جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار" (مت 25: 31- 33) وتبدأ الدينونة وتنتهي بعبارة "فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت 25: 46). وقيل في سفر الرؤيا عن الدينونة: "ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم وسلم البحر الأموات الذين فيه وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما، ودينوا كل واحد بحسب أعماله وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني وكل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طرح في بحيرة النار" (رؤ 20: 12-15). في القيامة سيختطف الأحياء على الأرض، وتتغير أجسامهم يقول الرسول أن الذين سبق رقادهم، سيحضرهم الرب معي في مجيئه (1تس 4: 14). لأن الرب "سيأتي في ربوات قديسيه" (يه 14) الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب، لملاقاة الرب في الهواء وهكذا نكون في كل حين مع الرب" (1تس 16، 17) وفي القيامة وفي لحظة الاختطاف Rapture، نتغير إلى الجسد الروحاني يقول الرسول "لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير في لحظة في طرفة عين، عند البوق الأخير فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد، ونحن نتغير لأن هذا الفاسد لا بُد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت عدم موت" (1كو 15: 51- 53). أي نلبس الأجساد الروحانية السماوية التي لا تفسد ولا تموت.. إذن ثلاثة أحداث خطيرة ستتم معًا متتابعة. وهي: 1- المجيء الثاني لربنا يسوع المسيح، مع ملائكته وربوات قديسيه. 2- قيامة الأموات: الأبرار والأشرار. 3- الدينونة العامة. كما قال الرسول "لا بُد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح. لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا" (2كو 5: 10). بعد ذلك ينتهي هذا العالم الحاضر كله. وتبدأ حياة الدهر الآتي "كل واحد في رتبته". نهاية العالم الحاضر كما قال السيد الرب من قبل إن السماء والأرض تزولان (مت 5: 18). وقال القديس يوحنا الرائي "ثم رأيت سماء جديدة وأرضًا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا. والبحر لا يوجد فيما بعد" (رؤ 21: 1) وقال أيضًا "رأيت عرشًا عظيمًا أبيض والجالس عليه، الذي من وجهه هربت الأرض والسماء، ولم يوجد لهما موضع" (رؤ 20: 11) ويقول القديس بطرس الرسول عن نهاية هذه الأرض "سيأتي كلص في الليل، يوم الرب. الذي فيه تزول السموات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط 3: 10) وشرح سفر الرؤيا أمورًا كثيرة تمس نهاية هذا العالم وردت في الضربات التي تلحق العالم عندما يبوق الملائكة السبعة (رؤ 8). كذلك ما تكلمت به الرعود السبعة ( رؤ 10: 3، 4). وقال السيد الرب في العلامات التي تسبق مجيئه: "وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء، وقوات السموات تتزعزع" (مت 24: 29) وورد ما يشبه هذا في سفر الرؤيا، عندما فتح الختم السادس (رؤ 6: 12- 16). وحياة الدهر الآتي بعد ذلك يتقدم الرب يسوع، فيسلم الملك لله الآب. وتبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة. ويخضع الكل لله، ويصير الله الكل في الكل. وآخر عدو يبطل هو الموت (1 كو 15: 24- 28) تبدأ حياة الدهر الآتي، في أورشليم السمائية، مسكن الله مع الناس (رؤ 21: 2) بعد أن ينتقل إليها الأبرار المنتظرون في الفردوس الموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا وجع، لأن الأمور الأولى قد مضت. ويقول الجالس على العرش: ها أنا أصنع كل شيء جديدًا (رؤ 21: 4، 5). وأورشليم السمائية لا تحتاج إلى شمس ولا قمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله هو الذي ينيرها، ولا يكون هناك ليل. ولا يوجد فيها إلا المكتوبون في سفر الحياة (رؤ 21: 23- 27) ويتمتع الأبرار بالوعود التي وعد الرب بها الغالبين (رؤ 2، 3) وأيضًا ما أعده الله لمحبي أسمه القدوس: ما لم تره عين ولم تسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر (1كو 2: 9) وحياة الدهر الآتي، هي حياة النعيم الأبدي للأبرار في السماء يعيشون هناك كملائكة الله في السماء (مت 22: 3) وسيكون الله هو نعيمهم وفرحهم "وهم ينظرون وجهه الرب الإله ينير عليهم. وسيملكون معه إلى أبد الآبدين" (رؤ 22: 4، 5). قال القديس بولس الرسول "أننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهًا لوجه الآن أعرف بعض المعرفة. ولكن حينئذ سأعرف كما عرفت" (1كو 13: 12) ليس سهلًا ولا في الإمكان أن نشرح حياة الدهر الآتي إن كان القديس بولس الرسول لما صعد إلى الفردوس، قال إنه "سمع كلمات لا ينطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها" (2كو 12: 4). فماذا يقال إذن عن النعيم الأبدي ماذا يقال عن الحياة مع الله، وكل مصاف ملائكته وجميع الطغمات السمائية، وكل ربوات قديسيه؟! ماذا يُقال في التعرف على كل هؤلاء؟! قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
28 أغسطس 2024

الطريق الروحي

حياة التوبة هى بداية الطريق الروحي، لأنها انتقال من مقاومة الله ومعاداته إلى السير في طريقه ولكن الطريق طويل يهدف فيه الإنسان إلى أن يحيا حياة القداسة التي "بدونها لا يعاين أحد الرب". وقد قال الرب "كونوا قديسين كما أن أباكم الذي في السموات هو قدوس" والقداسة درجات، ينمو فيها الإنسان واضعًا أمامه مثال الرب نفسه لكي يقترب إلى صورته ومثاله وهكذا يتطور المؤمن من مجرد حياة القداسة، ساعيا نحو الكمال الذي يطالبه الرب به فقد أمرنا الرب بهذا الكمال في قوله "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" إن بولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة ورأى أشياء لا ينطق بها، الذي منحه الرب مواهب كثيرة واستعلانات، واختاره ليحمل اسمه بين الأمم، فتعب أكثر من جميع الرسل.. بولس هذا يقول عن كل القمم الروحية التي وصل إليها "ليس أني قد أدركت وصرت كاملًا، ولكني أسعى لعلي أدرك.. أفعل شيئًا واحدًا، إذ أنا أنسى ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام، أسعى نحو الغرض "ويختم نصيحته بقوله "فليفتكر هذا جميع الكاملين منا" (فى3: 12 -15). ما هو هذا (القُدَّام) الذي يسعى إليه بولس؟ إنه يقول لأهل أفسس "حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق، وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله" (اف3: 19). ما أعجب عبارة "تمتلئوا إلى كل ملء الله".. الكمال في الطريق الروحي، ليس له حدود.. كلما تجتاز مرحلة منه، تشعر أن أمامك مراحل أخرى طويلة.. كأنك لم تتقدم شيئًا، فتزداد انسحاقًا تكون كمن يطارد الأفق. كلما تصل إلى المكان الذي تظن فيه السماء منطبقة على الأرض، تجد هذا المكان قد امتد أمامك إلى غير حدود مادام الأمر هكذا، فلتتقدم إذن إلى أمام فإن كنا لم نصل بعد إلى توبة، أي إلى بداية الطريق..! فهل نقول إننا خارج طريق الله؟! قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
21 أغسطس 2024

ما معنى الغيرة؟

الغيرة هى اشتعال القلب والإرادة كما بنار، لعمل ما يعتقد الإنسان أنه الخير.. وقد يتحمس الإنسان وتملكه الغيرة بسبب شيء خاطئ، كما قال بولس الرسول عن ماضيه "من جهة الغيرة، مضطهد للكنيسة" (فى3: 6) بينما نجد غيرة مقدسة كالتي قال عنها المرتل "غيرة بيتك أكلتني" (مز69: 9). نجد غيرة أخرى خاطئة (غل5: 20)، وغيرة "قاسية كالهاوية" (نش8: 6). ولهذا قال الرسول "جيدة هي الغيرة في الحُسْنَى" (غل4: 18) ذلك لأنه توجد غيرة غير سليمة، كالتي قال عنها الرسول لأهل رومية "أشهد أن لهم غيرة الله ولكن ليس حسب المعرفة" (رو10: 2). ما هي إذن هذه الغيرة التي ليس حسب المعرفة؟ قد يغار الإنسان بجهل متحمسًا لمحاربة شيء، دون معرفة، دون تحقيق، دون تدقيق، لمجرد السماع، كما قال المسيح " تأتى ساعة.. يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله "! إنها غيرة ليست حسب المعرفة كغيرة شاول الطرسوسي التي قال عنها "ولكني رُحِمْت لأنني فعلت ذلك بجهل" لذلك لا تتحمس بسرعة بل اخلط حماسك بالمعرفة ولا تصدق كل ما يقوله لك أي أحد عن أخطاء الآخرين وعن مطالب الإصلاح إنما تعقل وادرس، وافحصوا كل الأشياء، وتمسكوا بالحسنى"وقد تكون الغيرة مخطئة في وسائلها وطرق التعبير مثل بطرس الذي غار للرب ورفع سيفه وقطع أذن العبد ومثل يوحنا ويعقوب اللذين قالا للرب عن إحدى مدن السامرة التي رفضت الرب "هل تشاء يا رب أن تنزل نار من السماء وتحرق هذه المدينة"..؟ وإنسان قد تملكه الغيرة، فيقع في الشتيمة والتشهير والإيذاء والضرب والثورة والتخريب، ويتحول إلى آلة هدم يحطم كل ما يقابله بطريقة غير روحية إنها أيضًا غيرة ليست حسب المعرفة، لأنه لا يعرف الطريقة الروحية السليمة التي يعبر بها عن غيرته. هناك أربعون شخصًا من اليهود نذروا أنهم لا يأكلون ولا يشربون شيئًا حتى يقتلوا بولس وهناك غيرة خاطئة لأنها مخلوطة بالأنانية والتحزب مثل غيرة يشوع لأجل موسى النبي لما رأى اثنين يتنبآن.. هل تغار لي؟ يا ليت كل شعب الله كانوا أنبياء: "هَلْ تَغَارُ أَنْتَ لِي؟ يَا لَيْتَ كُلَّ شَعْبِ الرَّبِّ كَانُوا أَنْبِيَاءَ" (عد11: 29). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
19 أغسطس 2024

التجلى

وكان تجلي السيد المسيح، وتجلى موسى وإيليا معه، عربونًا لتجلي الطبيعة البشرية كلها بوجه عام.هذا التجلي هو فداء طبيعتنا من المادة وثقلته وهو وعد من الرب بأن ينقذ طبيعتنا من عبودية الفساد، عبودية المادة، لكي نصير روحانيين ونورانيين، وبهذا نصبح أهلًا للحياة في الملكوت المعد لنا ففي الأبدية سنعتق من عبودية اللحم والدم ومطالبهما، ونكون هناك كملائكة الله في السماء ولكن سينال هذا التجلي، من لم يخضع للمادة في حياته على الأرض، هذا سيصير نورانيًا في الأبدية وسيصير نورانيًا في الأبدية، من سلك ههنا على الأرض كأحد أبناء النور، ولم يسلك في أعمال الظلمة غير المثمرة، بل على العكس كان يبكتها (أف 5: 11) ذلك لأن الذين سلكوا في أعمال الظلمة، سيطرحون في الظلمة الخارجية في الأبدية، بعيدًا عن مدينة النور وعشرة النورانيين في أورشليم السمائية إن التجلي في الأبدية، لا يكون تجليًا للجسد فقط، وإنما للروح أيضًا، وهكذا تتخلص من دنس الجسد والروح. وتجلى الروح معناه أن تلبس إكليل البر، فلا يعود للخطأ والخطيئة سلطان على الإنسان فيما بعد هذا التجلي هو رجوعنا إلى الصورة الإلهية كان آدم وحواء على صورة الله في النقاوة والبراءة والبساطة ولكن التجلي في الأبدية سيكون بطريقة أسمى من طبيعة آدم وحواء، إذ سيتخلص البشر من مادية الجسد، ويصبحون روحانيين ويقتربون بالأكثر إلى صورة الله، كما على جبل طابور ليتنا نعد أنفسنا من الآن لنكون مستحقين لهذا التجلي بأن نسلك حسب الروح، حتى نستحق أن نلبس أجسادًا روحانية في الأبدية، كملائكة الله في السماء إن عيد التجلي يدعونا إلى الحياة الروحانية. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الرابع
المزيد
14 أغسطس 2024

تعظم نفسى الرب

بمناسبة صوم العذراء ، كنا في الأسبوع الماضي قد تكلمنا عن زيارة العذراء لاليصابات ، وأخذنا منها درساً عن لقاءات القديسين وفي هذه الليلة نتابع حديثنا عن زيارة العذراء لأليصابات، فنتأمل في تسبحة العذراء ، وبخاصة في عباراتها الأولى تعظم نفسى الرب ، وتبتهج روحي بالله مخلصي » ( لو ١ : ٤٦ ) تعظم نفسى الرب لما رأت العذراء أن اليصابات ، مدحتها بقولها "مباركة أنت في النساء ، طوبى للتي آمنت بما قيل لها من الرب ، من أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلى " لم تشأ أن تجعلها تسترسل في مديحها بل حولت موضوع اللقاء من مديح لها الى مديح للرب . وأنشدت تسبحتها المشهورة " تعظم نفسى الرب " وهكذا قطعت على اليصابات مديحها لها ، وحولت أفكارها إلى الرب في الواقع اننا نجد فارقا كبيرا جدا بين العذراء التي تأملت عظائم الرب ، وبين أيوب الصديق في حديثه عن عظمته الشخصية : أيوب الصديق وقف يمدح نفسه فقال " رآني الغلمان فاختبأوا،الشيوخ قاموا ووقفوا - العظماء أمسكوا عن الكلام ، ووضعوا أيديهم على أفواههم . صوت الشرفاء اختفى ، ولصقت ألسنتهم بأحناكهم . لان الأذن سمعت فطوبتي ، والعين رأت فشهدت لي . لأني أنقذت المسكين المستغيث اليتيم ولا معين له . ليست البر فكساني ، كجبة وعمامة كان عدلى كنت عيوناً للعمى ، وأرجلا للعرج " أما السيدة العذراء ، فلم تعظم نفسها ، انما عظمت الرب كلامها كله كان عن الله ، الذي صنع قوة بذراعه " واسمه القدوس ، ورحمته التي من جيل إلى جيل ، الذي شتت المتكبرين ، وأنزل الاعزاء ورفع المتضمين ، وأشبع الجياع " كل كلامها كان عن الله ، وليس عن ذاتها . لم تقل انها صنعت شيئا عظيماً ، وانما « القدير صنع بي عظائم » . أرادت العذراء أن تختفى ، لكى يظهر الله . قطعت مديح اليصابات لها ، لكي تمدح الله كان الله يملأ قلبها وفكرها ووقتها وفمها ، ويشغل اهتمامها .إن العذراء مشغولة بالله ، وبتأمل أعماله ورحمته واسمه القدوس.. لم تحدث اليصابات عن ظروفها . ولم تسرح معها في أحاديث اجتماعية أو عائلية ، إنما حدثتها عن الله ، وكانت مقابلة روحية ليتنا ناخذه تدريباً لنا في حياتنا ، ان ننشغل بالله ، وأن يكون الله هو موضوع احاديثنا ومركز تفكيرنا " تعظم نفسى الرب "تذكرنا هذه العبارة بقول السيد المسيح "أنا مجدتك على الأرض " ( تك ۱۷ ) ، وبقولنا في الصلاة الربية" ليتقدس اسمك " تذكرنا أن يكون الله هو الكل في الكل في حياتنا "ليس لنا يا رب ليس لنا ، لكن لاسمك القدوس اعط مجداً " تذكرنا أيضاً بانشغال القديسين بالله باستمرار . صار الله لهم طعاماً نهاراً وليلا ، صار أنشودتهم ، وأغنيتهم ، وحديثهم ، وهذيذهم اسأل نفسك في أي شيء تشغل وقتك ؟ في الله أم غيره ؟ " تعظم نفسى الرب " ان أردت أن تعظم الرب ، فابعد عن تعظيمك لذاتك ،ولكل ما يمت اليك بصلة الشعب عظم هيرودس الملك ، وقالوا عن صوته " هذا صوت إله" فضربه ملاك الرب بالدود فمات ، لأنه لم يعط مجداً للرب . وشعب أفسس عظموا أرطاميس . والشاعر عظم أباه بقوله : وأبي كسرى علا ايوانه أين في الناس أب مثل أبي التامل في عظمة الله : هناك مجالات كثيرة للتأمل في عظمة الله : الله غير محدود في عظمته ، غير محدود في قوته ، غير محدود من جهة المكان والزمان ، هو الألف والياء ، البداية والنهاية الكون كله لا يسعه ، والزمن لا يحده . هو موجود قبل الزمن ، هو أزلى قبل الدهور . هو غير محدود فى كماله في قدسيته ، في صلاحه ، في جماله موسى رأى شيئاً من جماله ، فأضاء وجهه حتى أن الناس لم يحتملوا رؤيته ، فلبس برقعاً الله غير محدود في علمه ، في معرفته ، في فهمه ، في حكمته شتان بين علمه وعلم البشر كل علوم البشر جهالة عند الله الناس تعرف بعض أشياء عن بعض أشياء ، أما الله فيعرف كل شيء عن كل شيء وعن كل أحد ويعرف بلا واسطة ولا أجهزة ، وبلا تدرج ، وبكل يقينية ، ويعرف الخفيات، يعرف الغيب ، والمستقبل ،ويقرأ القلوب والأفكار امامه نقول كما قال أيوب " نطقت بما لم افهم ، بعجائب فوقى لم أدركها " حقا "تعظم نفسى الرب" كل صفة من صفات الله : إن تأملتها تتوه وتقول " تعظم نفسى الرب " وتشعر بتفاهة الكون كله وبتفاهة ذاتك أمامه . ليتنا نتأمل في جوانب العظمة الإلهية ، وما فيها من كمالات . ونحن نعظم الله ، لا لأنه محتاج لتعظيمنا ، انما لأن أرواحنا وأفكارنا والسنتنا تتقدس باسم الله وذكره وصفاته ، وتعلو أرواحنا الى مجال الهى يرفعنا معه الى علو اسمى منا إن الله ليس محتاجاً إلى تمجيدنا ، ولا إلى تمجيد الطبيعة التي تحدث بمجد الله ، وتخبر بعمل يديه ولا إلى تمجيد الملائكة إنما تمجده صفاته وطبيعته ولاهوته . هو ممجد بذاته وان كان التأمل في صفات الله وفى لاهوته أعلى منك ، يمكنك ان تعظم نفسك الرب في خليقته ، في الطبيعة وفي ذاتك مجرد التأمل في زنبقة من زنابق الحقل التي لم يستطع سليمان أن يلبس كواحدة منها ، أو التأمل فى الأفلاك والكواكب والقوانين التي تحكمها وهي معلقة في الأجواء ، أو التأمل في أجهزة الجسد التي تعمل في حكمة عجيبة وفق قوانين رائعة ، كل ذلك وغيره ، نقف أمامه ونقول و تعظم نفسى الرب وان كنا تعظم الرب على الأشياء الحاضرة ، فبالأكثر تعظمه على الأشياء المستقبلة ، على ما لم تره عين ، وما لم تسطع به اذن وما لم يخطر على قلب بشر مجرد إقامة الموتى ، أمر عجيب ، نقف أمامه ونقول" تعظم نفسى الرب " حقاً كيف يقيم التراب ، ويمنحه حياة ..!! أما العظمة التي تراها في الانسان الذي وصل الى القمر والمريخ فهي أيضاً منحة من الله ، الذي وهب الانسان الذكاء والمعرفة فأمام هذه العظمة تقول « تعظم نفسى الرب » . أمام عظمة الله ينسحق الانسان ، ويتضع قلبه من أنا ؟ مجرد إنسان بسيط في هذا الكون الضخم ، اعيش في فترة زمنية ضئيلة تقع وسط الدهور ما كياني ؟ وما معرفتي ، وما قدرتي ، أمام الله غير المحدود ، القادر على كل شيء ؟! امام عظمة الله تشعر بالضآلة ، وبأننا لاشيء وان نظر الينا الله نقول « لأنه نظر إلى اتضاع أمته » وعندما تنسحق نفسك ، ننال من الرب المواهب الله لا يزيد شيئاً بتمجيدك فهو لا يزيد ولا ينقص ولكنك تزداد حباً ، وتزداد خشوعاً ، وتزداد اتضاعاً ، وتزداد عمقاً ، كلما تتأمل عظمة الله ، وتعظم نفسك الرب فتبتهج روحك بالله مخلصك عجيب أن كل هذه التأملات التي تزخر بها تسبحة العذراء تصدر عن فتاة في حوالي الرابعة عشرة من عمرها ، ولكنه عمر مملوء بالروح ، عميق في خبرته ، عمر تربى في الهيكل "تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصي" إن حياة البهجة بالروح موضوع طويل ، نتركه إلى فرصة أخرى . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن مجلة الكرازة العدد الرابع والثلاثون عام 1976
المزيد
07 أغسطس 2024

لقاءات القديسين

بمناسبة صوم العذراء ،أود أن نتأمل معاً في درس روحي نتعلمه من حياتها من الأحداث الهامة فى حياة العذراء زيارتها لاليصابات نريد أن نأخذ من هذا اللقاء الروحي العجيب بين القديسة العذراء والقديسة اليصابات درساً عن لقاءات القديسين . لقاءات القديسين دروس من مقابلة العذراء الأليصابات : 1- اول ما يتميز به هذا اللقاء ، ما ظهر فيه من روح الخدمة: حالما سمعت العذراء بأن اليصابات حبلى في شيخوختها ، أسرعت لتخدمها ، لأنها شعرت أن هذه العجوز القديسة في حاجة إلى من يقف إلى جوارها وهكذا ظلت معها حتى ولدت وبذلت العذراء ما تستطيعه لتخدمها ، وبقيت إلى جوارها ثلاثة أشهر . ٢- نرى في هذا اللقاء أيضاً روح الاتضاع ، من الجانبين : اتضاع من أم المخلص ، التي لم يرتفع قلبها بظهور الملاك لها ، و ببشرى ميلاد المسيح منها ، وما وصلت اليه من مركز أكبر من أن تحتمله امرأة ، ومع كل ذلك ذهبت لتخدم دون أن يكبر قلبها . لهذا قالت اليصابات أيضاً في اتضاع ، من أين لى هذا ، أن تأتى أم ربي إلى ، ؟! ٣- كان هذا اللقاء أيضاً مملوءاً من عمل الروح القدس . يقول الكتاب : فلما سمعت اليصابات سلام مريم ، ارتكض الجنين في بطنها ، وامتلات اليصابات من الروح القدس . ( لو ٤١:١ ) مجرد كلمة السلام ، سمعتها اليصابات من مريم ، جعلتها تمتلىء من الروح القدس ما أعجب هذا التأثير الروحي في لقاءات القديسين . كثيراً ما نسمع عنه في الكتاب : بطرس يدخل بيت كرنيليوس ويتكلم ، فيمتلىء الجميع من الروح القدس وهنا لم تمتلىء أليصابات فقط من الروح ، بل أيضاً جنينها كان هناك لقاءان : أحدهما بين مريم واليصابات ، والثاني بين يوحنا الجنين ، وبين المسيح الجنين وكما امتلات اليصابات من الروح . كذلك قيل عن جنينها "ومن بطن أمه يمتلىء من الروح القدس ، ( لو ١ : ١٥ )وهكذا بالروح عرف الرب ، وارتكض بابتهاج في بطن أمه للقاء ربه ، الذي من أجله سيولد ، ليعد الطريق قدامه لقاء مريم بأليصابات : كان فيه روح الخدمة ، وروح الإتضاع ،وعمل الروح القدس وماذا كان فيه أيضاً ؟ ٤- انه لقاء كان يتسم بكلام البركة والتطويب : صرخت اليصابات بصوت عظيم ، وقالت لمريم و مباركة أنت في النساء ، ومباركة هي ثمرة بطنك فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب . ه - وكان لقاءا فيه أيضاً روح النبوة والكشف والاعلان الالهى.من أين علمت اليصابات بأن العذراء قد صارت أم الرب ، حتى تقول لها و من أين لى هذا ، أن تأتى أم ربي إلى ؟! كذلك كيف عرفت أنه قيل لها شيء من قبل الرب وأنها آمنت بما قيل لها ؟ لا شك أنه نوع من الكشف الإلهى، ومعرفة الخفيات إنه روح النبوة تمتعت به هذه التي امتلات من الروح القدس . ٦ - وفي هذا اللقاء أيضاً ترى روح التسبيح وروح الصلاة : وقفت مريم تسبح الرب بتسبحتها الشهيرة ، وتصلى صلاة طويلة ،وتقول : تعظم نفسى الرب ، وتبتهج روحي بالله مخلصي ، لأن القدير صنع بي عجائب ، واسمه قدوس. ٧- انه لقاء روحی بین امراتين قديستين ، يعطينا فكرة عما يجب ان تكون عليه اجتماعات النساء وأحاديثهن . امرأة تقابل أخرى ، فى امتلاء من الروح القدس، بلقاء فيه روح الخدمة ، وروح الاتضاع ، وروح النبوة، وفيه البركة والتطويب وفيه الصلاة والتسبيح هكذا يكون لقاء القديسين. لقاءات القديسين وصفاتها : قد يجتمع اثنان خاطئان . فكل منهما يجذب الآخر إلى اسفل ويملا سمعه وفكره وقلبه بما لا يفيد على رأى قديس قال : إذا سرت مع إنسان قديس من قلايتك إلى الكنيسة ، يقدمك في الحياة الروحية عشر سنوات ، وإن سرت مع إنسان منحل ، يؤخرك خمسين سنة لهذا ينبغى أن تحسن اختيار الأشخاص الذين تلتقى بهم نتخير نوع الشخص ، ونوع الجلسة، ونوع الحديث، حتى لا نخسر أرواحنا من مشورة الأشرار ومن مجالس المستهزئين ( مز١) نقرأ في بستان الرهبان أن كثيرين كانوا يتكبدون الاسفار ، ويعبرون البحار ، والبرارى والقفار ، لمجرد سماع كلمة منفعة من راهب فلقاءات القديسين فيها كلام المنفعة ، وفيها أيضا المنظر الروحي قابل البعض القديس الأنبا أنطونيوس ، وسألوه في أمور . وشخص آخر لم يسأل، وإنما قال للقديس و يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبى مجرد نظر وجه القديسين كانت فيه منفعة روحية لذلك كان قديسون يتقابلون ، ويجلسون صامتين ،ويستفيدون روحيا مثال ذلك اللقاء بين البابا ثاوفيلس والأنبا بفتوتيوس قال الأنبا بفنوتيوس، إن لم يستفد من سكوتى ، فمن كلامي أيضاً سوف لا يستفيد. لان الذي يريد أن يستفيد ، ممكن أن يستفيد من السكوت لقاءات القديسين مملوءة من النفع الروحي فيها كلمة المنفعة وفيها القدوة الصالحة ، والروح الطيبة التي يمتصها الشخص من الآخر. وفيها أيضا البركة . يكفى أن تقابل قديسا لمجرد اخذ بركة. لقاءات القديسين في الكتاب من هذه اللقاءات التاريخية : مقابلة ابراهيم أبي الآباء لمشيصادق( تك ٤ ) ملشيصادق ملك ساليم ، وملك البر ، وكاهن الله العلى .لقاء قدم ابراهيم فى هذا اللقاء العشور، وقدم خبزاً وخمراً . ومن العجيب أنه لقاء كان يحمل أيضاً رموزاً روحية ، ونبوءات. كذلك من المقابلات التاريخية ، لقاء ابراهيم بضيوفه الثلاثة ( تك ۱۸ ) لقاء ظهرت فيه روح البساطة ، إذ ركض ابرام لاستقبالهم وهو شيخ ، وروح الاتضاع ، إذ سجد لهم إلى الأرض وقال : يا سيد. إن وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك . وروح الخدمة والكرم إذ غسل أرجلهم وذبح لهم وأحضر طعاماً كثيراً . كما ظهرت في هذا اللقاء مواعيد الله ، وظهرت محبة ابراهيم وتشفعه في أهل سادوم لاشك أنه ما كان يعلم أن ضيوفه هم الرب وملا كان معه ، وإلا ما كان يذبح لهم ويقدم زبداً ولبناً وخبزاً. ومن لقاءات المحبة المشهورة في الكتاب : لقاء داود ويوناثان إنه لقاء الحب، والإخلاص، والعهود . وقف فيه يوناثان ضد أبيه من أجل محبته لداود مسيح الرب . وقف ضد الملك وتعرض لايذائه ، وضحى بنفسه لينقذ صديقه . وبكى الاثنان ، وظل داود زماناً طويلا يذكر محبة يوناثان . وقال بعد وفاته و قد تضايقت عليك يا أخي يوناثان كنت حلواً لى جداً . محبتك لي أعجب من محبة للنساء ( ٢ صم ١ : ٢٦ ) . ولما صار ملكاً ، ظل يبحث : هل بقى هناك أحد من بيت شاول ، لأقدم له معروفاً ، لأجل يوناثان. هناك أيضا لقاءات للقديسين خاصة بالخدمة كلقاء بولس بتيموثاوس ، كاجتماع الرسل في مجمع اورشليم قال له : بادر ان تجيء إلى قبل الشتاء خذ مرقس وأحضره معك، لأنه نافع لى للخدمة" ( ٢ تى ٤ : ۹ - ۱۱ ) وتقابل الثلاثة لأجل الخدمة. هناك لقاءات أخرى للتصافى ، كلقاء يوسف الصديق بأخوته بكى وبكوا ، وغفر لهم ، وتصافوا ، وأعطاهم من حبه ، وأعطاهم أرضاً ورزقاً وصفحاً ، وأراح قلوبهم ، وكفكف دموعهم. ولعل من أعظم اللقاءت في التاريخ لقاء السيد المسيح بالمعمدان منذ زمان كان يوحنا يشتاق إلى هذا اللقاء وهو لقاء ظهر فيه تواضع الرب العجيب ، وظهر فيه الروح القدس كحمامة ، وسمع فيه صوت الآب إنه يوم الظهور الإلهي. من اللقاءات الجميلة أيضاً لقاء موسى وايليا على جبل التجلى ، مع الرب في وسطهم كذلك لقاء فيلبس بالخصى الحبشى ، حيث شرح له سفر أشعياء ،وقاده إلى الإيمان وإلى العماد أيضاً. حدثه عن الأمور المختصه بالملكوت كما حدث المسيح تلاميذه ، وكما شرح لتلميذى عمواس جميل في لقاءات القديسين ، التقاؤهم حول كلمة الله . لقاءات للقديسين ، في التاريخ : من أشهر هذه اللقاءات ، لقاء الأنبا انطونيوس بالأنبا بولا بهذا اللقاء عرفنا سيرة الأنبا بولا ، وعرفنا السياحة ، وجلس القديسان يتحدثان عن عظائم الله ، وعن عمله في الكنيسة شعر به الأنبا أنطونيوس العظيم بضآلة شأنه ، وأن هناك من هو أعظم منه في حياة الرهبنة. وكما أخذ القديس انطونيوس درساً في الاتضاع من لقائة بالأنبا بولا ، كذلك اتضع القديس مقاريوس عندما التقى بالسائحين رجع مكاريوس العظيم الأب الروحي لبرية شيهيت وقال لتلاميذه . و إني لست راهباً ، ولكني رأيت رهباناً . من اللقاءات المشهورة أيضاً لقاء الأنبا أنطونيوس بالقديس مقاريوس ، وقوله عنه : إن قوة عجيبة تخرج من هاتين اليدين . لقاءات القديسين لقاءات عجيبة ، حياة في جو روحي ، لقاء للناس مع الله ، لقاء يجذب الى فوق ، فيه بركة ، وقدوة ، ومنفعة وعمق - لقاء حول كلمة الله ، أو حول الصلاة ومن لقاءات الصلاة هذه ، لقاء الانبا غاليون السائح بالسواح الثلاثة الذين ترهبوا في دير القديس الانبا شنوده راهم من بعيد ،وهم يرتلون المزامير ، فأخذ يصليها معهم بلحنها واقتربوا وهم يصلون ،وهو يصلى معهم ووقفوا معه يكملون ترتيل المزامير ووهو يصلى معهم وهكذا التقوا في الرب . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن مجلة الكرازة العدد الثانى والثلاثون عام 1976
المزيد
31 يوليو 2024

السلام القلبي

السلام القلبي هو ثمرة من ثمار الروح القدس في القلب الروح القدس إذا سكن قلب إنسان يعطيه سلامًا قلبيًا "يفوق كل عقل" كما يقول الرسول وكان السلام هو عطية السيد المسيح للناس، فقال"سلامي أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم" الشخص المملوء بالسلام لا يقلق ولا يضطرب ولا ينزعج مهما كانت الأمور ضاغطة من الخارج إن سلامه لا يعتمد على الظروف الخارجية، وإنما يعتمد على ثقته بحفظ الله ورعايته وثقته بوعود الله مادام الله موجودًا، ومادام يعمل ويحفظ، إذن لا داعي للخوف لهذا قال داود النبي "أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي" (سفر المزامير 23: 4) إن مصدر سلامه هو شعوره أن الله معه تعب التلاميذ حينما كانوا في السفينة وظنوا أن الرب نائم بينما البحر هائج لهذا فقدوا سلامهم. كان العامِل المُسَيطِر هو الظروف الخارجية، والإحساس بعدم عمل الرب، فقام وانتهر الريح وأعاد إليهم سلامهم كونوا ثابتين من الداخل راسخين في إيمانكم، حينئذ لا تهزكم الظروف الخارجية مثل البيت المبنى على الصخر تعصف به الريح والإمطار فلا تقدر عليه لأنه ثابت من الداخل السفينة السليمة تحيط بها الأمواج الشديدة وتلطمها فلا تؤذيها، ولكن متى تتعب السفينة؟ تتعب حينما يوجد بها ثقب يوصل الماء إلى داخلها فهل يوجد ثقب داخل نفسك يجعل المياه تتسرب إلى نفسك فتغرقها القديس الأنبا انطونيوس كان مِثلاً للسلام القلبي، قال عنه القديس أثناسيوس الرسولي "مَنْ مِنْ الناس كان مُرّ النفس ومضطرب الخاطر ويرى وجه الأنبا انطونيوس إلا ويمتلئ قلبه بالسلام"! إن الإنسان المملوء بالسلام، يستطيع أن يفيض بالسلام على الآخرين، ويربح غيره عيشوا إذن في سلام حينئذ تستريحون وتعيشون في طمأنينة وهدوء، في صحة روحية وجسدية قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل