المقالات

19 يوليو 2023

جهاد الخادم

الخادم الروحي هو مغناطيس شديد الجاذبية كل من يدخل في مجاله، ينجذب إلى حياة الروح، وتكون له القدرة على جذب غيره أيضًا إلى نفس المجال الروحي إنه يجذب الناس إلى أبوة الله وأمومة الكنيسة، بكل ما تحمل من مشاعر الحنان والعطف وكل أساليب الرعاية والاهتمام.. وهكذا يلتصقون بالله المحب، ويرتوون بلبن التعليم من الكنيسة. الخادم الروحي له كلمة الله الحية الفعالة (عب12:4)هذه التي تترك تأثيرها في السامعين، ولا ترجع فارغة (أش11:55) إنه يشع على الآخرين نورًا وكل من يختلط به يستنير، ويأخذ شيئًا إلهيًا إنه بركة تتدفق على كل أحد، ليس في الكنيسة فقط، وإنما أيضًا في البيت ومكان العمل وفي الطريق هو خادم أينما وُجد الخدمة عنده لا يحدها مكان ولا زمان (2تي 5:4) ولا رسميات إنما روح الخدمة عنده تجعله يخدم كل من يصادفه أو يختلط به ليس هدفه أن يكون مدرسًا ناجحًا، فربما يكون هذا تركيزًا على الذات إنما كل اهتمامه هو خلاص أنفس مخدوميه إنه ينسى ذاته من فرط تفكيره فيهم. ويقول كما قال القديس بولس الرسول "كنت أود لو أكون أنا نفسي مرفوضًا من المسيح، من أجل أخوتي وأنسبائي حسب الجسد" (رو3:9). الخادم الروحي يجاهد باستمرار مع الله من أجل أولاده يسكب نفسه أمام الله في خدمته، لكي يقود الله الخدمة لكي يعطيه الرب الغذاء الروحي اللازم له ولمخدوميه، ويعطيهم القوة للسير في طريق الرب ويظل يبلل قدمي الله بدموعه، إلى أن ينال منه استجابة صلواته لخير هؤلاء وفي كل ذلك هو إنسان فدائي، يفتدي غيره بنفسه وبراحته. الخادم الروحي هو إنسان أمين، يتعب بكل جهده في الخدمة يضع أمامه باستمرار قول الكتاب "ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة" (أر10:48) فهو يتعب لكي يستحق أن يعمل الله معه يتعب لكي ينظر الله إلى ذله وتعبه، فيعمل عنه العمل كله وهكذا يستجيب الرب صلوات الآباء الكهنة، وهم يقولون له متضرعين "اشترك في العمل مع عبيدك " الخادم الروحي لا يعمل بقدارته الخاصة، إنما بمواهب الروح القدس العامل فيه هو مجرد أداة يحركها الروح في خدمة الملكوت. إنه يعيش على الدوام في شركة الروح القدس. الروح القدس يعمل فيه، ويعمل به، ويعمل معه إنه إنسان امتلاء بالروح. إن تكلّم لا يكون هو المتكلم، وإنما روح أبيه يتكلم فيه (مت20:10) هكذا عمل تلاميذ المسيح كخدام للكلمة. فكانت لكلماتهم قوتها وثمارها. الخادم الروحي ينمو باستمرار في محبة ربنا يسوع المسيح. وباستمرار يكون مستواه أعلى من تلاميذه بكثير بل فيما هو ينمو في حياة الروح، ينمو تلاميذه معه في المعرفة وفي المحبة والارتباط بالله إنه ليس إنسانًا يتدرب على حياة التوبة، بل هو يتدرب على حياة الكمال وكلما ينمو يزداد اتضاعًا، شاعرًا أن الطريق طويل قدامه، أطول بكثير من قدرة خطواته لذلك يشعر في كل حين باحتياجه المستمر إلى الله. الخادم الروحي يهدف إلى روحانية أولاده ولذلك فدروسه دسمة وعملية وتقربهم إلى الله وهم يثقون بكلامه، كأنه كلام الله. لأنهم يوقنون أنه يأخذ من الله ويعطيهم. بعكس الخدام الذي فقدوا روحياتهم، وأصبحت لهم مجرد صورة التقوى لا قوتها. الخادم الروحي لا يترك أمور العالم تشغله عن روحياته وإذا استمر في التركيز على ما فيه خلاص نفسه، فقد ينتهي به الأمر إلى التفرغ الكامل لخدمة الرب، أعني حياة التكريس. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
12 يوليو 2023

نواحی التشابه بين القديس بطرس والقديس بولس

كل منهما كان يهودياً وقد ذكر بولس الرسول إنه يهودى، من سبط بنيامين (في٥:٣). وإن كان بطرس الرسول لم يذكر الكتاب من أي سبط هو .كل منهما دعاه الرب بطرس كان يصيد السمك مع أخيه اندراوس عند بحر الجليل فقال لهما الرب هلم ورائي فاجعلكما صيادي الناس. فللوقت تركا الشباك وتبعاه (مت٤: ۱۸- ۲۰) وبولس دعاه الرب في طريق دمشق ، إذ أبرق حوله نور من السماء . فسقط على الأرض" (أع٩: ١- ٤) ودعاه الرب ، مرسلاً إياه أولاً إلى حنانيا الدمشقي وكما دعاه ربنا يسوع المسيح ، دعاه الروح القدس أيضاً. وقـال "افرزوا لی برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه" (أع١٣: ٢) . وكذلك دعـاه الله الآب أيضاً. وفي ذلك قال القديس بولـس الرسول "لما سر الله الذي افرزني من بطن أمي، ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم، للوقت لم استشر لحماً ودماً، ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي" (غـل١: ١٥ -١٧).وهكذا نرى أن القديس بولس الرسول دعى من الأقانيم الثلاثة كل منهم على حده . وإن كان القديسان بطرس وبولس قد تشابها في أن كلا منهما قد دعى من الله إلا أن أسلوب الدعوة اختلف. وكذلك مرات الدعوة كل منهما غير الرب إسمه بطرس كان إسمه سمعان بن يونا (يو ٢١: ١٥) . وقد أطلق الرب عليه إسم بطرس (مت١٦: ۱۷، ۱۸) . وشاول : تغير إسمه إلى بولس . في بدء دعوتـه نـاداه الـرب باسـم شـاول (أع٩: ٤) . وفي أثنـاء كرازتـه دعـاه بـاسـم بـولـس (أع٢٣: ۱۱) كل منهما حل عليه الروح القدس. وكل منهما تكلم بألسنة واضح أن بطرس الرسول تكلم بالسنة في يوم الخمسين، إذ حل روح الرب عليه. وبولس الرسـول قـال في رسالته إلـى أهـل كورنثوس "اشكر الله أني أتكلم بألسنة أكثر من جميعكم" (1كو١٤: ۱۸) وقيل في قصة عليم الساحر "وأمـا شـاول الذي هو بولس أيضاً، فامتلأ من الروح القدس وشخص إليه وقال له.." (أع١٣: ٩) وكل منهما كان له سلطان أن يمنح الروح القدس فقيـل عـن بطرس ويوحنـا، أن الرسـل الذيـن فـي أورشليم، أرسلوهما إلى السامرة لما آمنت "حينئذ وضعا الأيادى عليهم، فقبلوا الروح القدس" (أع٨: ۱۷) . كما قيل عن بولس الرسول إنه بعد عماد أهل أفسس "لما وضـع بولس يديه عليهم، حـل الـروح القـدس فطفقـوا يتكلمـون بلغـات ويتنبأون" (أع١٩: ٥، ٦) وكل منهما صنع آيات وقوات وعجائب قيل عن بطرس الرسول "كانوا يحملون المرضى خارجاً في الشوارع، ويضعونهم على فرش وأسرة. حتى إذا جاء بطرس، يخيم ولو ظله على أحد منهم . واجتمع جمهور المدن المحيطة إلـى أورشليم حاملين مرضى ومعذبين من أرواح نجسة، وكانوا يبرأون جميعهم" (أع٥: ١٥، ١٦) .وقيل عن القديس بولس الرسـول "وكـان اللـه يصنع علـى يـدى بولس قوات غير معتادة. حتـى كـان يؤتى عن جسده بمناديل أو مآزر إلى المرضى. فتزول عنهم الأمراض، وتخرج الأرواح الشريرة منهم" (أع١٩: ۱۱، ۱۲) وكل منهما أقام ميتاً بطرس الرسول أقام من الموت تلميذة إسمها طابيثا، وترجمـة إسمها غزالة صلى ثم التفت إلى جسدها وقال يا طابيثا قومي ففتحت عينها فناولها يده وأقامها وأحضرها حيـة (أع ٣٦:٩-٤١).وبولس الرسول أقام من الموت شاباً يدعـى أفتيخـوس، كـان قـد غلبه النوم" فسقط من الطبقة الثالثة إلى أسفل، وحمل ميتاً. فأقامـه بولس من الموت "وأتـوا بـالفتى حيـاً، وتعزوا تعزيـة ليست بقليلـة" (أع٢٠: ۷- ۱۲) كل منهما كان شعلة من النشاط والغيرة المقدسة والعمـل الكرازي . كل منهما بشر وعلم، وبذل جهده في الخدمة منذ يوم الخمسين، كان بطرس يعلم ويكرز، ويشهد لقيامة السيد المسيح، في الهيكل وفي غير الهيكل. بشر في أورشليم، وفي لـده وفي يافا (أع٩: ۲۲، ۳۱). ومن يافا انتقل إلى قيصريـة حيـث قـام بوعظ وعماد كرنيليوس والذين معه (أع١٠) وأيضاً بشر اليهـود الذين في الشتات، وأرسل إليهم رسالة "إلى المتغربيـن مـن شـتات بنطس وغلاطية وكبادوكية وآسيا وبيثينية" (۱بط۱: ۱) . أما القديس بولس الرسول ، فقـد تعـب أكثر من جميع الرسل (1كو١٥: ١٠) لذلك سنفرد له باباً خاصاً كل منهما كان جريئاً وشجاعاً في كرازته يكفي بالنسبة إلى بطرس الرسول أنه أصر على كرازته، ولـم يعبأ بتهديد اليهود، بل قال عبارته المشهورة "ينبغي أن يطاع اللـه أكثر من الناس" (أع ه: ١٩) بل وبخ اليهود قائلاً "إله ابراهيم واسحق ويعقوب إله آبائنا، مجد فتاه يسوع الذي اسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجـه بيلاطس وهـو حاكم بإطلاقه، ولكن أنتم أنكرتـم القـدوس البار، وطلبتم أن يوهـب لكم رجل قاتل! ورئيس الحياة قتلتموه" (أع٣: ١٣- ١٥) والقديس بولس الرسول كان جريئاً جداً أمام الحكام يكفي أن فيلكس الوالي ارتعد أمامه وهو أسير لما تكلم عن البر والدينونة والتعفف (أع٢٤: ٢٥)ولمـا وقـف أمـام أغريبـاس الملك - في محاكمته قـال لـه فـي جـرأة "أتؤمـن أيـهـا الملـك أغريباس بالأنبياء؟ أنا أعلم أنك تؤمن" فأجابه الملك أغريباس قائلاً "بقليل تقنعني أن أصير مسيحياً" . فقال القديس بولس "كنت أصلى إلى الله أنه بقليل وبكثير، ليس أنـت فقط، بل أيضاً جميع الذين يسمعونني اليوم، يصيرون هكذا كما أنا ما خلا هذه القيود" (أع٢٦: .٢٧-٢٩) ومن جرأة القديس بولس أنهم لما مدوه للسياط ليجلدوه، قال لهـم "أيجوز لكم أن تجلـدوا إنساناً رومانياً غير مقضى عليـه؟!". فلمـا سمع الأمير، اختشى لما علم أنه روماني وأنه قيـده "وللوقت تنحى عنه الذين كانوا مزمعين أن يفحصوه" (أع٢٢: ٢٥- ٢٩) . ومن جرأة القديس بولس أنه لما أراد الوالي فستوس أن يسلمه لليهود ليقتلوه ، قال "أنا واقف لدى كرسي ولاية قيصر حيث ينبغي أن أحاكم لأني إن كنت أثماً، أو صنعت شيئاً يستحق الموت، فلست أستعفى من الموت. ولكن إن لم يكن هناك شئ ممـا يشتكى على به هؤلاء. فليس أحد يستطيع أن يسلمني لهـم. إلى قيصـر أنـا رافع دعوای" . فحينئذ أجابـه فسـتوس الوالي "إلى قيصر رفعت دعواك.إلى قيصر تذهب" (أع٢٥: ۱۰- ۱۲) وكان كل من القديسين بطرس وبولس حازماً في معاقبـة الخطاة نلمس هذا في معاقبة القديس بطرس لحنانيا وسفيرا لما اختلسا من المال، وكذبا على الروح القدس. فقال لحنانيـا "أنـت لـم تـكـذب على الناس بل على الله" (أع٥: ٤). فوقع حنانيا ميتاً. ولما كـررت زوجته سفيره نفس الكذب، قال لها القديس بطرس "مـا بالكمـا قـد اتفقتما على تجربة روح الرب؟! هوذا أرجـل الذين دفنـوا رجلك على الباب، وسيحملونك خارجاً فوقعت في الحال ميتة" (أع٥: ٩) وكـان هـذا الحـزم لازمـاً، حتى لا تبـدأ الكنيسـة بالتسـيب واللامبالاة. لذلك قيل بعد ذلك "فصـار خـوف عظيم على جميع الكنيسة، وعلى جميع الذين سمعوا بذلك" (أع٥: ١١) . كما تدل هذه العقوبة على مقدار السلطان الذي منحـه اللـه لـهـذا الرسول القديس مثال آخر هو موقف القديس بطرس من سيمون الساحر هذا الذي تعجب من أنه بوضع أيدى الرسل ينال الروح القدس، فقدم دراهم لكي ينال نفس الموهبة ! فقال له القديس بطرس في حزم وسلطان "لتكن فضتك معك للهلاك، لأنك ظننت أن تقتنى موهبة الله بدراهم تب عن شرك هذا، واطلب إلى الله عسى أن يغفر لك فكر قلبـك لأني أراك في مرارة المر ورباط الظلم" (أع٨: ۱۸- ۲۳) وبكل حزم تصرف بولس الرسول أيضاً مع خاطئ كورنثوس .هذا الذي وقع في الزنا بالمحرمات (مع إمرأة أبيه) . فلما سمع بولس الرسول بذلك، أرسل إليهم قائلاً "كأني غائب بالجسد، ولكـن حاضر بالروح، قد حكمت أن يسلم مثـل هـذا للشيطان، لإهلاك الجسد، لكي تخلص الروح في يوم الرب" ووبـخ الشعب وقال لهـم "اعزلوا الخبيث من وسطكم" (١كوه: ٥، ١٣). وكان لهذا الحـزم تأثيره في توبة ذلك الخاطئ، وفي الغيرة المقدسة للشعب مثال آخر لحزم القديس بولس ، وهو موقفه من عليم الساحر. (وكان إسمه يترجم بعليم الساحر) . فامتلأ بولس الرسول مـن الـروح القدس، وانتهـر ذلك الساحر وقـال لـه "والآن هوذا يـد الـرب عليـك . فتكون أعمـى لا تبصـر الشمس إلى حين" (أع١٣: ٦- ١١) "فللحـال سـقط عليـه ضبـاب وظلمة، فجعل يدور ملتمساً من يقوده بيده" . هذا الحادث يدل أيضاً على السلطان الذي وهبـه اللـه لـهـذا الرسول القديس . فكان كما قال ومع كل هذا كان هذان الرسولان القديسان متواضعين .في بدء دعوة الرب لبطرس، في معجزة صيد السمك، نقرأ أنه بعد المعجزة خر عند ركبتي الرب قائلاً "اخرج يارب مـن سـفينتي، فإني رجل خاطئ" (لوه: ۸) . كما يعلمنا التقليد أنه في استشهاده مصلوباً، طلب أن يصلب منكس الرأس، لإحساسه بخطاياه، ولا يصلب كالرب وبولس الرسول على الرغم مـن كـل جـهـاده في الكرازة، وعلى الرغم من معجزاته الكثيرة، نراه يكتب إلى تلميذه تيموثاوس ويقـول "أنـا الـذي كنت قبـلاً مجدفـاً ومضطهـداً ومفتريـاً. ولكننـي رحمت لأني فعلت ذلك بجهل في عدم إيمان" (۱تی۱: ۱۳). ويقول في رسالته الأولى إلى كورنثوس عن ظهورات الرب "وآخر الكـل، كأنه للسقط ظهر لي أنا، لأني أصغر الرسل، أنا الذي لست أهلاً أن أدعى رسولاً، لأنى أضطهدت كنيسة الله" (١كو١٥: ۸، ۹) والأمثلة والأدلة على اتضاع هذين الرسولين العظيمين كثيرة جداً، وليس مجالها في هذه النبذة المختصرة كل منهما تعرض لاضطهادات كثيرة القديس بطرس اضطهد مع باقي الرسل في بدء المسيحية. وقـام ضدهم الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيـون (أع٤: ١). وقبضـوا عليهم ثم أطلقوهم. تشاوروا على قتلهم لولا تدخل غمـالائيل معلم الناموس (أع ه: ٣٢- ٤٠) فجلدوهم وأوصوهم أن لا يتكلموا باسم يسوع ثم أطلقوهم "وأما هـم فذهبوا فرحيـن مـن أمـام المجمع، لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل إسمه" (أع٥: ٤١) . وكما احتمل القديس بطرس الجلد لأجل المسيح، هكذا سجن أيضاً فقبض عليه هيرودس ليرضى اليهود "ووضعه في السجن مسلماً إياه إلى أربعة أرابع من العسكر ليحرسـوه، ناوياً أن يقدمـه بعـد الفصح إلى الشعب" (أع١٢: ٣- ٤) . ولكـن مـلاك الرب أنقذ بطرس من السجن فـي تلـك الليلـة،وأخرجه منه أمـا بولس فمـا أكثر الإضطهادات التي حلت عليه هو وكـل شركائه في الخدمة وقد قال في ذلك "في كل شئ نظهر أنفسنا كخدام لله، في صـبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات، في ضربات في سجون في اضطرابات، في أتعاب، في أسهار في أصوام" (٢كو٦: ٤، ٥). "مكتئبين في كل شئ، لكن غير متضايقين متحـيرين لكن غير يائسين مضطهدين لكن غير متروكين مطروحـيـن لكـن غـير هالكين حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لأننا نحـن الأحياء نسلم دائماً للموت" (٢کو ٤: ٨- ۱۱) .وقد شرح فی (۲کو۱۱) ملخصاً لآلامه فقال : "في الأتعاب أكثر. في الضربات أوفر. في السجون أكثر. في الميتات مراراً كثيرة. من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة. ثلاث مرات ضربت بالعصي. مرة رجمـت ثـلاث مرات أنكسرت بي السفينة. ليلاً ونهاراً قضيت في العمـق. بأسفار مراراً كثيرة. بأخطـار سيول. بأخطـار لصوص. بأخطـار مـن جنسـى. بأخطار من الأمم. بأخطار في المدينة. بأخطار في البرية. بأخطـار في البحر. بأخطار من إخوة كذبة. في تعب وكد. في أسهار مـراراً كثيرة. في جوع وعطش. فـي أصـوام مراراً كثيرة. فـي بـرد وعرى".وكل من القديسين بطرس وبولس نال إكليل الشهادة . كل منهما أنهى حياته شهيداً سنة ٦٧م على يد نيرون قيصر. القديس بطرس الرسول استشهد مصلوباً منكساً. والقديس بولس الرسول قطعت رأسه بالسيف . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن سلسلة نــبذات القديسان بطرس وبولس في عيد الرسل الذي هو عيدهما
المزيد
05 يوليو 2023

الخادم الروحي

هناك سؤال يجول في نفس وفي أعماقي أحقًا نحن خدام؟ سهل أن يرتئي الواحد منا فوق ما ينبغي (رو3:12) ويظن أنه خادم الله!! بينما الخدمة في أعماقها الروحية لها مقاييس عالية، ربما نحن لم نصل إليها أو ربما نكون قد بدأنا كخدام روحيين، ولكننا لم نحتفظ بهذا الطابع طول الطريق فلنبحث إذن معًا من هو الخادم؟ الخادم الروحي هو لحن جميل في سمع الكنيسة، وأيقونة طاهرة يتبارَك بها كل من يراها وهو سلّم يصل إلى السماء دائمًا، يصعد عليه تلاميذه إلى فوق هو جسر ينقل غيره من شاطئ العالميات إلى شاطئ الروحيات، أو ينقلهم من الزمن إلى الأبديةهو صوت الله إلى الناس وليس صوتًا بشريًا، بل هو فم يتكلم منه الله، ينتقل إلى الناس كلمة الله. الخادم الروحي هو نعمة إلهية أرسلت من السماء إلى الأرض هو زيارة من زيارات النعمة، يفتقد بها إلهه بعضًا من شعبه يقدم لهم مذاقة الملكوت وطعم الحياة الحقيقية. الخادم الروحي هو إنجيل متجسد، أو هو كنيسة متحركة هو صورة الله أمام تلاميذه هو نموذج للمثل العليا، وقدوة للعمل الصالح، ووسيلة إيضاح لكل الفضائل. الخادم الروحي يشعر بالدوام أنه في حضرة الله وتكون الخدمة بالنسبة إليه كمذبح مقدس، وعمله فيها رائحة بخور مهمة الخادم الروحي هي إدخال الله في الخدمة وهو يردد في قلبه قول المرتل في المزمور "إن لم يبني الرب البيت، فباطلًا تعب البناءون" (مز1:126) . الخادم الروحي له باستمرار شعور الانسحاق وعدم الاستحقاق يشعر أنه فوق مستواه أن يعمل على إعداد قديسين، وأن يهيئ للرب شعبًا مبررًا (لو7:1)، مدركًا تمامًا أن تخليص النفوس البشرية أمر أعلى منه إنه عمل الله وإن اشتراكه مع الله في العمل، وشركته مع الروح القدس في بناء الملكوت وفي تطهير القلوب، كلها أمور لا يستحقها ولكنه على الرغم من شعوره بعدم الاستحقاق، فلا يهرب من الخدمة، بل يدفعه هذا الشعور إلى مزيد من الصلاة، حيث يقول للرب باستمرار هذه الخدمة يا رب هي عملك وليس عملي وأنت لابد ستعمل بي أو بغيري وأنا مجرد متفرج أتأمل عملك وأفرح وأسر (يو29:3) حقًا "ليس الغارس شيئًا، ولا الساقي شيئًا لكن الله الذي ينمي" (1كو7:3) فأعمل يا رب عملك، وفرّح قلوب أولادك ولا تمنع عنهم نعمة روحك القدوس بسبب أخطائي أو ضعفاتي أو تقصيري وهكذا بلجاجته في الطلب، ينال الخادم نعمة من الله وعندما تنجح الخدمة، يعطي مجدًا للرب الذي عمل العمل كله الخادم الروحي هو باستمرار رجل صلاة بالصلاة يخدم أولاده وبالصلاة يحل مشاكل الخدمة وتكون الصلاة بالنسبة إليه كالنفس الداخل والخارج، كما قال الآباء بعض الخدام يظنون أن غاية الإخلاص للخدمة، هي أن يعملوا أما الخادم الروحي فيرى أن غاية الإتقان هي أن يعمل الله ليس معنى هذا أن يكسل ولا يعمل!! كلا، بل هو يعمل بكل جد وبكل بذل، ولكن ليس هو، بل الله الذي يعمل فيه كما قال القديس بولس الرسول "لكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو10:15) وكما قال أيضًا "لكي أحيا لا أنا، بل المسيح الذي يحيا فيّ" (غل20:2). الخادم الروحي هو شعلة متقدة بالنار هو غيرة ملتهبة لخلاص النفس يقول مع داود النبي "لا أدخل إلى مسكن بيتي، ولا أصعد على سرير فراشي، ولا أعطي لعيني نومًا، ولا لأجفاني نعاسًا إلى أن أجد موضعًا للرب (في قلب كل أحد) (مز131). الخادم الروحي هو رائحة المسيح الذكية (2ك 15:2) يشتم منه الناس رائحة المسيح، لأنه رسالته المقروءة من جميع الناس هو محرقة رائحة سرور للرب (لا1)، تشتعل فيها النار الإلهية، نار تتقد ولا تطفأ، حتى تحولها إلى رماد. صفات الخادم الروحي 1- الخادم الروحي هو حركة دائبة دائمة متجهة نحو الله أو هو حركة داخل قلب الله، بسبب حركة إلهية داخل قلبه إن يتعب دائمًا لأجل راحة الآخرين وراحته الحقيقية في أن يوصل كل إنسان إلى قلب الله هو شمعة تنير لكل من هو في مجال نورها وقد تذوب حرارة وحبًا لكي يستضئ الناس بها، ولكي يتحقق قول الرب "أنتم نور العالم" (مت14:5). 2- الخادم الروحي هو إنسان دائم الصراع مع الله يجاهد مع الثالوث القدوس، من أجل نفسه ومن أجل الناس لكي يأخذ منه وعدًا لأجل المخدومين، حتى تصير أنفسهم ناجحة (3يو2) ومقبولة أمام الله.. 3- الخادم الروحي هو روح، وليس مجرد عقل. ليس مجرد مدرس، ولا مجرد حامل معلومات ينقلها إلى الناس بل هو روح كبيرة اتحدت مع الله، واختبرت الحياة معه، وذاقت ما أطيب الرب وتريد أن تنقل هذه الحياة إلى غيرها تنقلها بالمشاعر، بالمثال الحي، بالقدوة الصالحة، بالصلاة والابتهال لأجل المخدومين إنه لا يلقي دروسًا، بل هو نفسه الدرس إنه العظة قبل أن يكون واعظًا.. إنه يدرك أن تحضير الدرس أو العظة ليس مجرد تحضير المعلومات، إنما هو تحضير ذاته، لتكون صالحة لعمل الروح فيه.. يذكر باستمرار قول الرب "من أجلهم أقدس أنا ذاتي، لكي يكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق" (يو19:17) ويضع أمامه العبارة التي قالها القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف "لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك. لأنك إن فعلت ذلك تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا" (1 تي16:4). 4- الخادم الروحي لا يتحاج تلاميذه إلى افتقاد: لأنهم من تلقاء ذاتهم يشتهون درسه اشتهاء. وعندما يرونه في الكنيسة، يكونون كمن وجد غنائم كثيرة أنهم ينتفعون من منظره ومن معاملاته، كما ينتفعون من كلامه وربما أكثر كما أنه يستطيع أن يربطهم بالحب برباط قوي يجذبهم بشدة إلى الله وإلى الكنيسة. إن درسه شهوة لنفوسهم ولأرواحهم ولقلوبهم ولعقولهم. 5- الخادم الروحي يحب تلاميذه، ويحب خلاص نفوسهم محبته لهم هي جزء من محبته لله وملكوته. وهو يحبهم كما أحب المسيح تلاميذه وقيل عنه إنه "أحب خاصته الذي في العالم. أحب حتى المنتهى" (يو1:13) الخادم الروحي يحب الله من كل قلبه ويريد أن تلاميذه يحبون الله مثله فإن أحبوا الله تزداد محبته لهم إعجابًا بروحهم وإن سقط بعضهم، تزداد محبته لهم إشفاقًا عليهم وسعيًا لإنقاذهم وبهذا الحب كله، يعطيهم صورة مشرقة عن الدين وعن الله. 6- الخادم الروحي، أولاده روحيون مثله: لأنه يربيهم في حياة الروح، فيكونون على شبه ومثاله وعلى نفس القياس: الخادم الاجتماعي أولاده اجتماعيين والخادم العقلاني الذي لا يهتم إلا بالعِلم، يكون أولاده مجرد كتب تحمل معلومات ما أصدق قول الكتاب في قصة الخليقة، إن الله خلق "شجرًا ذا ثمر، يعمل ثمرًا كجنسه شجرًا يعلم ثمرًا، بذره فيه كجنسه" (تك11:1، 12) إن كان الأمر هكذا، فلنحترس نحن كيف نكون.. لأنه على شبهنا ومثالنا سيكون أولادنا. 7- الخادم الروحي يشعر أن أولاده أمانه في عنقه: سيعطي عنهم حسابًا أمام الله في يوم الدين. أنهم أولاد الله وقد تركهم في يديه ليقوم بخدمتهم "ويعطيهم طعامهم في حينه" (لو42:12) لذلك هو يعمل على الدوام بخوف الله، شاعرًا بمسئوليته أريد من كل خادم أن يسأل نفسه عن ثلاثة أمور روحانية خدمته، وروحانية حياته، وروحانية أولاده روحانية حياته من أجل أبديته وخلاص نفسه، وبسبب تأثير حياته على مخدوميه. وروحانية خدمته حتى تكون ذات تأثير مثمر في إيجاد جيل روحاني أما عن روحانية أولاده فتحتاج منه إلى جهد وصبر وطول أناة. 8- الخادم الروحي يطيل باله جدًا، حتى تنبت بذوره وتنمو: وحتى تخضر وتزهر وتثمر ولا يضيق صدره ولا ييأس إن تأخر إنباتها أو إثمارها إنما يجاهد على قدر ما يستطيع، ويشرك الله معه، ويضع أمامه قول الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضفعاء" (رو1:15) إن بعض النفوس لا تعطي ثمرًا سريعًا وبعضها لا يستطيع أن يتخلص من أخطائه بسرعة وهؤلاء وأولئك يحتاجون إلى من يطيل روحه عليهم حتى يخلصوا كما يطيل الله أناته علينا، ليقتادنا إلى التوبة (رو4:2) قال القديس يوحنا ذهبي الفم إن كان الجنين الجسدي يحتاج إلى شهور طويلة إلى أن يتكامل نموه ويخرج، فلنصبر إذن على الجنين الروحي حتى يكمل نموه. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
28 يونيو 2023

الخادم الروح

هناك سؤال يجول في نفس وفي أعماقي أحقًا نحن خدام؟ سهل أن يرتئي الواحد منا فوق ما ينبغي (رو3:12) ويظن أنه خادم الله!! بينما الخدمة في أعماقها الروحية لها مقاييس عالية، ربما نحن لم نصل إليها أو ربما نكون قد بدأنا كخدام روحيين، ولكننا لم نحتفظ بهذا الطابع طول الطريق فلنبحث إذن معًا من هو الخادم؟ الخادم الروحي هو لحن جميل في سمع الكنيسة، وأيقونة طاهرة يتبارَك بها كل من يراها وهو سلّم يصل إلى السماء دائمًا، يصعد عليه تلاميذه إلى فوق هو جسر ينقل غيره من شاطئ العالميات إلى شاطئ الروحيات، أو ينقلهم من الزمن إلى الأبديةهو صوت الله إلى الناس وليس صوتًا بشريًا، بل هو فم يتكلم منه الله، ينتقل إلى الناس كلمة الله. الخادم الروحي هو نعمة إلهية أرسلت من السماء إلى الأرض هو زيارة من زيارات النعمة، يفتقد بها إلهه بعضًا من شعبه يقدم لهم مذاقة الملكوت وطعم الحياة الحقيقية. الخادم الروحي هو إنجيل متجسد، أو هو كنيسة متحركة هو صورة الله أمام تلاميذه هو نموذج للمثل العليا، وقدوة للعمل الصالح، ووسيلة إيضاح لكل الفضائل. الخادم الروحي يشعر بالدوام أنه في حضرة الله وتكون الخدمة بالنسبة إليه كمذبح مقدس، وعمله فيها رائحة بخور مهمة الخادم الروحي هي إدخال الله في الخدمة وهو يردد في قلبه قول المرتل في المزمور "إن لم يبني الرب البيت، فباطلًا تعب البناءون" (مز1:126) . الخادم الروحي له باستمرار شعور الانسحاق وعدم الاستحقاق يشعر أنه فوق مستواه أن يعمل على إعداد قديسين، وأن يهيئ للرب شعبًا مبررًا (لو7:1)، مدركًا تمامًا أن تخليص النفوس البشرية أمر أعلى منه إنه عمل الله وإن اشتراكه مع الله في العمل، وشركته مع الروح القدس في بناء الملكوت وفي تطهير القلوب، كلها أمور لا يستحقها ولكنه على الرغم من شعوره بعدم الاستحقاق، فلا يهرب من الخدمة، بل يدفعه هذا الشعور إلى مزيد من الصلاة، حيث يقول للرب باستمرار هذه الخدمة يا رب هي عملك وليس عملي وأنت لابد ستعمل بي أو بغيري وأنا مجرد متفرج أتأمل عملك وأفرح وأسر (يو29:3) حقًا "ليس الغارس شيئًا، ولا الساقي شيئًا لكن الله الذي ينمي" (1كو7:3) فأعمل يا رب عملك، وفرّح قلوب أولادك ولا تمنع عنهم نعمة روحك القدوس بسبب أخطائي أو ضعفاتي أو تقصيري وهكذا بلجاجته في الطلب، ينال الخادم نعمة من الله وعندما تنجح الخدمة، يعطي مجدًا للرب الذي عمل العمل كله الخادم الروحي هو باستمرار رجل صلاة بالصلاة يخدم أولاده وبالصلاة يحل مشاكل الخدمة وتكون الصلاة بالنسبة إليه كالنفس الداخل والخارج، كما قال الآباء بعض الخدام يظنون أن غاية الإخلاص للخدمة، هي أن يعملوا أما الخادم الروحي فيرى أن غاية الإتقان هي أن يعمل الله ليس معنى هذا أن يكسل ولا يعمل!! كلا، بل هو يعمل بكل جد وبكل بذل، ولكن ليس هو، بل الله الذي يعمل فيه كما قال القديس بولس الرسول "لكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو10:15) وكما قال أيضًا "لكي أحيا لا أنا، بل المسيح الذي يحيا فيّ" (غل20:2). الخادم الروحي هو شعلة متقدة بالنار هو غيرة ملتهبة لخلاص النفس يقول مع داود النبي "لا أدخل إلى مسكن بيتي، ولا أصعد على سرير فراشي، ولا أعطي لعيني نومًا، ولا لأجفاني نعاسًا إلى أن أجد موضعًا للرب (في قلب كل أحد) (مز131). الخادم الروحي هو رائحة المسيح الذكية (2ك 15:2) يشتم منه الناس رائحة المسيح، لأنه رسالته المقروءة من جميع الناس هو محرقة رائحة سرور للرب (لا1)، تشتعل فيها النار الإلهية، نار تتقد ولا تطفأ، حتى تحولها إلى رماد. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
21 يونيو 2023

عناصر القوة في الخدمة

أهمية الخدمة هي ما فيها من قوة ومن عمق، وما فيها من حب وبذل ما فيها من تأثير، ومن تغيير للناس وليس الأمر مسألة ضخامة المسئوليات، أو شهرة المكان، أو كثرة المخدومين، أو طول مدة الخدمة، وسائر هذه الأمور الجانبية وسنحاول هنا أن نتناول بالتفصيل بعض نواحي القوة في الخدمة، فنذكر منها:- 1- الكلمة المؤثرة ظهرت هذه في خدمة السيد المسيح له المجد انظروا دعوة متى الإنجيلي مثلًا: يقول الكتاب "وفيما هو مجتاز رأى لاوي بن حلفى جالسًا عند مكان الجباية، فقال له اتبعني. فقام وتبعه" (مر2: 14) (مت9: 9).. إنها مجرد كلمة قالها لإنسان جالسًا في موضع مسئولية مالية. قالها الرب له، فترك مسئوليته، وقام وتبعه، دون أن يسأل إلى أين؟ ونفس قوة الكلمة وتأثيرها في الدعوة.. ظهرت في دعوة الرسل الأربعة الصيادين يسجل ذلك القديس مرقس الإنجيلي فيقول"وفيما هو يمشي عند بحر الجليل، أبصر سمعان وأندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر – فإنهما كانا صيادين – فقال لهما يسوع هلمَّ ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس. فللوقت تركا شباكهما وتبعاه. ثم اجتاز من هناك قليلًا، فرأى يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه، وهما في السفينة يصلحان الشباك، فدعاهما للوقت، فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأجراء، وذهبا وراءه" (مر1: 16 – 20) بتأثير قوة الدعوة، تركوا كل شيء، وللوقت.. أي بدون تردد، وبدون إبطاء، وبدون جدال، تركوا السفينة والشباك والأب، ومصدر الرزق. بل قال بطرس للرب ملخصًا كل ذلك".. تركنا كل شيء وتبعناك" (مت19: 27).. ذلك لأن كلمة الدعوة كانت لها قوتها، فحدثت الاستجابة لها بسرعة، لأنها اخترقت القلب والفكر والإرادة وكما كانت قوة الكلمة في الدعوة، كانت للسيد أيضًا قوته في الوعظ والتعليم لما أكمل عظته على الجبل، قيل عنه "بُهتت الجموع من تعليمه، لأنه كان يكلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مت7: 28، 29). وقيلت نفس العبارة عن تعليمه في كفر ناحوم "فبهتوا من تعليمه، لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مر1: 22) وكانت له قوة الكلمة في إقناعه من يحاورهم إنه المنطق العجيب والدليل القوي الذي شرح به للكتبة والفريسيين جواز فعل الخير في السبوت (مت12: 1- 12). وكذلك في موضوع القيامة، قيل إنه "أبكم الصدوقيين" (مت22: 34). وبعد ردوده القوية على الناموسيين والفريسيين، قيل "فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله البتة" (مت22: 46) والكلمة كان لها تأثيرها أيضًا في عاطفيتها وحبها مثل قوله لزكا العشار "أسرع وانزل لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك" (لو19: 5).. كلمة في عمق محبتها وتواضعها قادت ذلك الرجل الخاطئ إلى التوبة، فقال "ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين. وإن كنت قد وشيت بأحد، أرد أربعة أضعاف".. وهكذا بكلمة من الرب لها قوتها، حدث خلاص لذلك البيت إن قوة الكلمة المؤثرة نراها أيضًا في خدمة آبائنا الرسل. عظة واحدة ألقاها بطرس الرسول في يوم الخمسين، كانت نتيجتها أن اليهود نُخسوا في قلوبهم، وانضم إلى الإيمان ثلاثة آلاف نفس، واعتمدوا جميعهم (أع2: 37- 41). وقبلوا ذلك بفرح وقوة الكلمة تظهر في خدمة بولس الرسول أيضًا. حتى أنه وهو أسير يُحاكم أمام فيلكس الوالي، "بينما يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة، ارتعب فيلكس الوالي" (أع24: 25). وفي محاكمته أمام أغريباس الملك، قال له ذلك الملك "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا" (أع26:28). 2- قوة البذل البعض قد يستريح للخدمة السهلة التي لا تعب فيها ولا صعوبة. ولكن قوة الخدمة تظهر في صعوبتها واحتمال هذه الصعوبة، بكل بذل وفرح مثال ذلك خدمة القديس بولس الرسول "تعب وكدّ، في أسهار مرارًا كثيرة، في جوع وعطش.. في برد وعُري بأسفار مرارًا كثيرة، بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية، بأخطار في البحر.." (2كو11: 26، 27) "في صبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات، في ضربات في سجون، في اضطرابات في أتعاب، في أسهار في أصوام" (2كو6: 4، 5) ومع ذلك يقول "كحزانَى ونحن دائمًا فرحون" (2كو6: 10) الخدمة الروحية تعب من أجل الرب وملكوته، وهي جهاد وتعب من أجل خلاص النفس. وقيل عنها "كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو3: 8). وهكذا كانت خدمة الآباء الرسل. بدأت وسط اضطهادات الرومان، ودسائس اليهود، ومعارضة وشكوك الفلاسفة الوثنيين، وعذابات الاستشهاد، وفي أماكن جديدة، لا مؤمنون فيها ولا كنائس ولا أية إمكانيات.. وبلا كيس ولا مزود وكمثال لذلك خدمة القديس مار مرقس الرسول دخل الإسكندرية، فقيرًا بحذاء ممزق، حيث لا مسيحيون هناك، ولا كنائس، بل توجد ديانات عديدة: منها آلهة الرومان بقيادة جوبتر Jupiter، وآلهة اليونان بقيادة زيوس Zeus، والعبادات الفرعونية بقيادة آمون ورع، وكذلك اليهودية في اثنين من أحياء الإسكندرية ومكتبة الإسكندرية الحافلة بمئات الآلاف من كتب الوثنيين وعدم وجود أية إمكانيات على الإطلاق ولكن مار مرقس صبر وجاهد، حتى حوّل الجميع إلى مسيحيين ماذا نقول أيضًا عن الذين بشروا في بلاد أهلها من أكلة لحوم البشر؟! إن الخدمة التي يبذل فيها الإنسان ويتعب، هي الخدمة الحقيقية ومقياس التعب والبذل، هو مقياس أساسي في الخدمة مثال ذلك خادم يتعب ويحتمل من أجل تهذيب تلميذ مشاكس في فصل، أو أم تتعب في تربية ابن عنيد، أو كاهن يتعب في خدمة أو في رعاية الحالات الصعبة، أو في المشاكل العائلية المعقدة مقياس آخر للخدمة هو عنصر العمق. 3- عنصر العمق أعمال عظيمة قام بها أنبياء ورسل في خدمة. ولكن لا يوجد واحد منها يوازي طاعة أبينا إبراهيم في ذهابه لتقديم ابنه الوحيد محرقة للرب (تك22) هنا عمق معين يعطي لعمله وزنًا خاصًا وقيمة ليست لأي عمل آخر. هنا إيمان وبذل، ومحبة نحو الله أكثر من محبته للابن الوحيد ابن المواعيد وكثيرون قدموا عطايا مالية لبيت الله. ولكن فاقت كل هؤلاء الأرملة التي ألقت الفلسين في الصندوق. وعمق عطائها أنه كان من أعوازها (لو21: 4) وما أكثر الذين حاربوا حروب الرب بقوة وانتصروا. ولكن فاق كل هؤلاء تقدم الصبي داود بحصاة في مقلاعه ليحارب بها جليات الجبار الذي أخاف الجيش كله لقد كان في تقدمه للمحاربة إيمان عميق بأن الحرب للرب، والله هو الذي سيدفع ذلك الجبار إلى يديه (1صم 16) إنك قد تلقي مائة درس في مدارس الأحد ولكن كلها لا تكون عند الله مثل مرة واحدة كنت فيها مريضًا ومرهقًا، ومع ذلك لم تستسلم لهذا العذر، وذهبت إلى الخدمة مفضلًا الخدمة على نفسك أو أنك ذهبت لتخدم في أيام امتحان، وأنت محتاج إلى كل دقيقة من وقتك هنا للخدمة عمق خاص إن الله لا يقيس الخدمة بكثرتها، وإنما بعمقها ونوعيتها هناك مقياس آخر لعمق الخدمة هو الخدمة في الخفاء. 4- الخدمة في الخفاء الخدمة المُخفاة تكون أعمق من الخدمة الظاهرة. الخدمة الظاهرة قد ينال منها الخادم شهرة أو مديحًا. وهكذا لا تكون كلها للمخدومين أو لله كما هو الحال في الخدمة المخفاة. ومع ذلك فالخدمة الخفية قد تكون أقوى إن الناس يعجبون بالبناء الشاهق الجميل في منظره وفي هندسته ولا يتحدثون إطلاقًا عن الأساس القوي المخفي تحت الأرض، الذي يحمل هذا البناء كله، ويعمل عمله في خفاء والناس يعجبون بلمبات الإنارة التي تبهرهم بضوئها. ولا يفكر أحد في المولد الكهربائي الذي يغذي هذه اللمبات بالنور، والذي لولاه ما كانت تضئ ويقينًا هو العنصر الأقوى والأساسي. وبنفس الأسلوب قد يعجب الناس بالسيارة الفخمة في منظرها الخارجي، أما الموتور القوي الذي يحركها فلا يفكر فيه أحد، لكنه يعمل عمله في خفاء وهكذا في الخدمة، قد يعجب الناس بنجاحها وبمجهود الخادم فيها. ولا أحد يفكر في الصلوات التي رُفعت من أجلها، وكانت السبب في نجاحها هذه الصلوات هي الخدمة الخفية القوية كلنا نذكر سفر لعازر الدمشقي للحصول على زوجة مؤمنة لإسحق ابن سيده إبراهيم، وكيف نجح في مهمته، وعاد معه برفقة. ولكن من يذكر صلوات إبراهيم التي رفعت من أجل لعازر الدمشقي، وكانت السبب في نجاحه ولذلك قال ذلك العبد الأمين لأهل رفقة "لا تعوقوني والرب قد أنجح طريقي" (تك24: 56). وكيف أنجح الرب طريقه؟ يرسل ملاكه معك وينجح طريقك" (تك24: 40) حقًا إن الصلاة هي خدمة مخفاة وهكذا قال القديس بولس الرسول لأهل أفسس "مصلين بكل صلاة وطلبة لأجل جميع القديسين ولأجلي، لكي يُعطَى لي كلام عند افتتاح فمي" (أف6: 18، 19) كلام الواعظ هو الخدمة الظاهرة. أما أمثال صلاة أهل أفسس فهي خدمة مخفاة. يضاف إليها في أيامنا، خدمة الافتقاد التي تأتي بسامعين يسمعون العظة.. وكذلك خدمة كل الذين يرتبون للاجتماع وينظمونه الاجتماعات العامة خدمة ظاهرة ولكن تقبل الاعترافات وقيادة الخطاة إلى التوبة هي خدمة مخفاة وقد يوجد في إحدى الكنائس كاهنان أحدهما يعظ ويحضر الكثيرون لسماعه، وخدمته ظاهرة للكل بينما زميله الآخر ليست له اجتماعات للوعظ. ولكنه يقضي الساعات الطويلة يستمع إلى الاعترافات، ويقود المعترفين إلى التوبة، ويرشدهم، ويصلي لأجلهم. وخدمته هذه عميقة الأثر جدًا وهكذا كان القمص ميخائيل إبراهيم وربما من أمثلة الخدمة المُخْفَاة: العمل الفردي. 5- العمل الفردي إن خدمة المجموعات الكبيرة لها صفة العمومية. وقد تحدث تأثيرًا عامًا، لا تتلوه متابعة.. أما الخدمة الفردية، ففيها التخصص، وفيها المتابعة. وهذا أعمق. 6- الخدمة الصامتة وأعني بها خدمة القدوة. وهي خدمة عملية وليس فيه الحديث عن الفضيلة والقداسة، وإنما تقديم النموذج أو المثال العملي لها، بدون شرح أو كلام وهي خدمة أكثر عمقًا، حتى إن كان صاحبها لا يُحسب بين الخدام. إنه ليس واعظًا، ولكنه هو نفسه العظة، يتعلم الناس من حياته لا من كلماته. وإن تكلم يتعلمون منه أسلوب الكلام الروحي يذكرني هذا النوع من الخدمة بأحد الآباء الذي لم يطلب من القديس الأنبا أنطونيوس كلمة منفعة، وإنما قال له "يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبي.." ولعله من هذا النوع تنبثق خدمة أخرى هي خدمة البركة. 7- خدمة البركة كما قال الرب لأبينا إبرآم حينما دعاه "أباركك وتكون بركة" (تك12: 2) وهكذا نجد أن يوسف الصديق كان بركة في أرض مصر، وكان بركة من قبل في بيت فوطيفار. وكان إيليا النبي بركة في بيت أرملة صرفة صيدا. وكان أليشع النبي بركة في بيت الشونمية.. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
14 يونيو 2023

تابع مقاييس الخدمة ونجاحها

1- عظمة المكان قد ينسبون أهمية الخادم إلى أهمية وعظمة المكان الذي يخدم فيه، كأنما خدمته تستمد قدر عظمتها من المكان، وليس من الشخص، ولا من عمق ونوعية الخدمة. والواقع غير ذلك ومن أمثلة ذلك القديس غريغوريوس النيازينزي. ينتسب إلى بلدة نيازينزا التي صار أسقفًا لها، وربما لا يعرف أحد تحديد مكانها بالضبط، غير أنها كانت إحدى مدن قيصارية كبادوكية التي تتبع للقديس باسيليوس الكبير غير أن القديس غريغوريوس لم يستمد عظمته وشهرته من عظمة المدينة التي يخدمها، وإنما من شخصيته اللاهوتية ومحاضراته العميقة التي ألقاها عن الثالوث القدوس، حتى أن الكنيسة منحته لقب "الناطق بالإلهيات". إيبارشيته لم تمنحه الشهرة، إنما هو الذي منح الشهرة لبلدة نيازينزا المجهولة بالنسبة إلى الكثيرين. مثله أيضًا القديس أغريغوريوس أسقف نيصص وهو أخو القديس باسيليوس الكبير. وقد رسمه أخوه على نيصص، التي لا يعرف الكثيرون مكانها. ولكنها ضمن إيبارشية قيصارية كبادوكية. هي بلدة غير مشهورة، الذي سجل اسمها في التاريخ هو أسقفها القديس غريغوريوس، الذي كتب كثيرًا ضد الأريوسيين وله تأملات كثيرة، وكتاب عن التطويبات.لا يقل أحد إذن أن خدمتي فقدت قيمتها لأنها في بلدة صغيرة أو في قرية!! ولو إنني خدمت في مدينة كبيرة، لكان لي شأن آخر!! إن السيد المسيح ولد في قرية صغيرة هي بيت لحم "الصغرى في يهوذا" (مت2: 6) وانتسب إلى مدينة الناصرة، التي كان يعجب البعض هل يخرج منها شيء صالح!! (يو1: 46). ولكنه مع ذلك أعطى الناصرة شهرة في التاريخ. وكان يدعى "يسوع الناصري" (مت26: 71). وفي نفس الوقت أيضًا منح شهرة لقرية بيت لحم، فصارت مزارًا مقدسًا خدّام آخرون يقيسون (عظمتهم) في الخدمة بطول مدة هذه الخدمة. ويعتبرون هذا نوط تقدير للخدمة! 1- طول مدة الخدمة البعض يقيس قوة الخادم بطول مدة خدمته. ومن هنا جاء تعبير (الخدام القُدَامَى). وفي الحقيقة ليس هذا مقياسًا سليمًا. فقد يوجد خدّام لهم مدة أقصر من غيرهم، ولكنها أكثر إنتاجًا وأعظم أثرًا. يوحنا المعمدان خدم سنة أو سنتين بالأكثر. ولكنه استطاع خلال تلك الفترة القصيرة أن يهيئ الطريق أمام الرب، ويعدّ له شعبًا مستعدًا ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته (لو1: 17) والسيد المسيح نفسه كانت خدمة تجسده قصيرة! حوالي ثلاث سنوات وثلث، قال عنها للآب: العمل الذي أعطيته قد أكملته (يو17:4). وقال عنها أيضًا "أنا مجدتك على الأرض".. أتم الفداء، والتعليم، وقدم القدوة، وصحح الأخطاء، وأعاد الصورة الإلهية للناس البابا كيرلس الرابع، مدة حبريته أقل من 8 سنوات. ومع ذلك منحته الكنيسة عن هذه الفترة لقب (أبو الإصلاح) من أجل عمق الخدمة التي قدمها ويعوزنا الوقت إن تكلمنا عن بعض الآباء الكهنة القس منسى يوحنا كاهن ملوي مثلًا تنيح وعمره 30 سنة. واستطاع في تلك الفترة أن يقدم آلاف من العظات، وكتاب يسوع المصلوب، وطريق السماء، وتاريخ الكنيسة الذي ألفه وهو شماس. وكان له تأثير روحي واسع النطاق على الرغم من قصر مدة خدمته والقس أنطونيوس باقي خادم كوينز: وهو أول كاهن أرسلته إلى أمريكا سنة 1972. لم يخدم في أمريكا سوى خمسة أشهر. ولكن خدمته توجت بعبارة قالها له الشعب هناك: لقد عرفنا الرب يوم عرفناك الخدمة إذن لا تقاس بطول مدتها، وإنما بعمقها وقد يأتي إنسان إلى كنيسة كضيف ويلقي عظة. وتكون هذه هي كل خدمته في الكنيسة. وتمر سنوات طويلة، والناس لا ينسون تلك العظة وتأثيرها. بينما يخدم غيره في نفس الكنيسة سنوات طويلة يلقون خلالها عظات عديدة، ولكن ليس بنفس التأثير إن يومًا واحدًا يخدمه بولس الرسول، لهو أعظم وأعمق من سنوات طويلة يخدمها آخرون مقياس آخر يقيس به البعض نجاح الخدمة وهو كثرة المخدومين. 2- كثرة المخدومين كما تتميز عظمة قائد في جيش، بأنه قائد مائة أو قائد ألف. وهكذا كلما زاد عدد المخدومين، يعتبرون هذا دليلًا على نجاحها ونموها. وقد يكون الأمر كذلك فعلًا، ولكنه ليس مقياسًا ثابتًا بصفة مطلقة فليس نجاح الخدمة في كثرة عدد المخدومين، وإنما في الذين غيرت الخدمة حياتهم، وأوصلتهم إلى الله السيد المسيح كان يعظ آلاف كما في الخدمة الروحية التي سبقت معجزة الخمس خبزات والسمكتين. وكانت له خدمة أخرى مركزة في الإثني عشر، وكانوا أهم من تلك الآلاف بكثير، بل هم الذين جذبوا إلى الإيمان مدنًا وأقطارًا فيما بعد. وجميل قول الكتاب في نجاح خدمة هؤلاء "وكان الرب في كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون (أع2: 47). إذن ليس نجاح الخدمة في عدد الذين يسمعون، إنما في عدد الذين يقبلون الكلمة بفرح، وتثمر فيهم، وتقودهم إلى التوبة، وإلى حياة القداسة والكمال ومن هنا كنا ننادي بفصول مدارس الأحد المحدودة العدد، التي يستطيع فيها المدرس أن يهتم بكل تلميذ، ويخدمه خدمة حقيقية ناجحة، ويفتقده ويرعاه وبنفس الوضع عملنا على تقسيم الإيبارشيات إلى مناطق محدودة يستطيع الأسقف أن يرعاها ويزورها، ويهتم بكل مدينة فيها وكل قرية، ولا تضيع تلك المدن والقرى وسط المسئوليات الضخمة التي كان يكلف فيها المطران برعاية بضع محافظات!! وقد أرانا الرب بأمثلة عديدة أهمها العناية بالفرد الواحد في الخدمة، كما فعل زكا (لو19) وأيضًا مع نيقوديموس (يو3) ومع المولود أعمى (يو9) وغيرهم البعض يضع مقياسًا آخر لنجاح الخدمة هو كثرة الإنتاج. 3- كثرة الإنتاج كالقيام بعدد كبير من الخدمات، أو إنشاء عدد كبير من فروع الخدمة، أو من الأنشطة وقد يتوه في كل ذلك، ولا يحسن الإشراف على كل تلك الأنشطة، أو يضطر إلى تعيين عدد من الخدام بغير إعداد. وتفقد الخدمة روحياتها بكثرة اتساعها وقلة عمقها إذن ما هي المقاييس السليمة لتقييم الخدمة؟ وما هي عناصر القوة في الخدمة؟ قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
07 يونيو 2023

مقدار المسئولية

مقدار المسئوليات يقيس الناس الخدمة بحجم المسئوليات الملقاة على الخادم، بينما الله له مقياس مختلف. خذوا مثلًا إسطفانوس أول الشمامسة.إنه مجرد شماس، لم ينل رتبة أعلى من ذلك. فهل نقيس خدمته برتبته؟! كلا، بلا شك. فإن الكنيسة المقدسة تضع اسمه في مجمع القديسين قبل جميع البطاركة. وتقاس خدمتها بعمقها. وكيف أنه كان مملوءًا من الروح القدس والحكمة والإيمان (أع6: 3، 5). "وإذ كان مملوءًا إيمانًا وقوة، كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب" (أع8:6). ووقف أمام ثلاثة مجامع وأمام الذين من كيليكيا وآسيا، يحاورونه "ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (أع6: 10). لهذا رأينا أنه بعد وضع اليد عليه كشماس "كانت كلمة الله تنموا، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا في أورشليم، وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان" (أع6: 7). هكذا كانت خدمة هذا الشماس وفاعليتها، حتى أن اليهود لم يحتملوا خدمته، فقبضوا عليه ورجموه. وفي رجمه رأى السموات مفتوحة وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع7: 56). "ورأوا وجهه كأنه وجه ملاك" (أع6:5).إن الإنسان في خدمته أمام الله، يوزن مجردًا من صفاته الخارجية ووظائفه. فيوزن في عمق عمله، وفي عمق قلبه، وفي قيمة خدمته. خذوا مثالًا آخرالقديس مارأفرام السرياني وما قام به من جهد كبير في الخدمة وفي مقاومة الأريوسية وفي دفاعه عن الإيمان، حتى قبل أن يرسم إغنسطسًا (أي قارئًا) من يد القديس باسيليوس الكبير. هذه الرتبة التي يحصل عليها الآن عشرات الآلاف من خدام مدارس الأحد، والتي كان يرى نفسه غير مستحق لها.ولكن الأغنسطس مارأفرام كان له وزنه الجبار في الكنيسة الجامعة، حتى أسموه "قيثارة الروح القدس" وأسموه الملفان أو "المعلم"، في أشعاره وكتاباته الروحية ذات التأثير أو العمق العجيب أترانا نقيس خدمته برتبة أغنسطس؟! أم بأثره البارز في خدمة الإيمان وفي التعليم، ليس في جيله فقط، وإنما في أجيال عديدة وحتى الآن. خذوا مثالًا آخر الشماس أثناسيوس في مجمع نيقية المسكوني المقدس.في ذلك الوقت كان مجرد شماس، في أول مجمع مسكوني يضم 318 من الآباء الكبار، بطاركة وأساقفة، يمثلون كنائس العالم كله. ولكن عمله حينذاك لم يكن يقاس برتبته كشماس، وإنما بوقوفه ضد أريوس الهرطوقي، والرد على كل أدلته، في قوة وفي فهم عميق للكتاب والمعنى السليم لنصوصه ودلالاتها اللاهوتية.. حتى أنه -وهو شماس- قام بصياغة قانون الإيمان المسيحي في مجمع نيقية، القانون الذي تؤمن به كل كنائس العالم.. هنا الخدمة لم تكن تقاس بالرتبة، وإنما بأثرها وفاعليتها. مثال آخر هو القديس سمعان الخرازماذا كانت رتبته؟! لا كاهن، ولا شماس، ولا حتى أغنسطس.. إنما عامل بسيط ربما لا قيمة له في المجمع، ولا وظيفة له في الكنيسة.ولكن قيمة خدمته كانت في عمق عمله، وعمق صلواته، وفي إنقاذه الكنيسة كلها بمعجزة نقل الجبل المقطم أيام البابا إبرام بن زرعة وفي حضوره. هنا نوعية الخدمة، وليس علو الرتبة.. خذوا أيضًا مثال القديس الأنبا رويس لم يكن أسقفًا ولا قسًا ولا شماسًا، ولم تكن له أية وظيفة رسمية في الكنيسة، ولا أية خدمة معينة. ومع ذلك دعته الكنيسة من آبائها. وكانت له خدمات تظهر يد الله فيها بكل وضوح. كذلك يمكن أن نذكر إبراهيم الجوهري.كان علمانيًا، وله وظيفة علمانية في الدولة، أي أنه لم يكن مكرسًا للرب ومع ذلك كانت له محبته العميقة للكنيسة، وخدماته التي لا يمكن أن تنسى التي قام بها من أجل عمارة الأديرة والكنائس، وفي العناية بالفقراء بأسلوب يضعه في مرتبة الخدام، بل أنه يفوق الكثيرين منهم. مثال خارج الكنيسة القبطية هو ميشيل أنجلو كان فنانًا. لكن خدماته في محيط الأيقونات الكنيسة، سجلت له اسمه في التاريخ وبخاصة في كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان. وهنا لا نسأل عن درجته الكنسية أو عن رتبته، إنما عن عمق خدمته. والناس يعرفون ميشيل أنجلو، وربما الملايين لا تعرف اسم البابا الذي عاش أنجلو في أيامه. وإن عرفوا اسمه يقولون إنه البابا المعاصر لميشيل أنجلو..! نقطة أخرى نذكرها في مقاييس البشر الخاطئة بالنسبة إلى الخدمة، وهي شرف وعظمة المكان. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
31 مايو 2023

اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس

سؤال قال الملاك للمريمات بعد قيامة السيد المسيح "أذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس أنه يسبكم إلي الجليل هناك ترونه" (مر 16: 7) فهل يعني ذكر بطرس بالاسم أنه مميز عن باقي التلاميذ؟ جواب لقد قصد الرب فعلًا أن يهتم ببطرس اهتمامًا خاصًا، لأنه كان في حالة قلق علي نفسه ومصيره بعد إنكاره وتجديفه وشتائمه وقول إنه "لا يعرف الرجل" فإن طبق الرب عليه قول "من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضًا " يكون بطرس قد هلك فذكر بطرس بالاسم، كنوع من التعزية له بسبب إنكاره وخطيئته، لأنه ربما كان في خجل من الرب لا يستطيع أن يقابله إلا بدعوة خاصة منه ألا تري معي أن آدم بعد خطيئته اختبأ من وجه الله وخاف أن يقابله، ولما دعاه الله أجاب "سمعت صوتك في الجنة فخشيت" كان بطرس في نفس الوضع، وكان يحتاج إلي دعوة خاصة بالاسم الأمر إذن ليس موضوع رئاسة أو تفضيل، وإنما عزاء لمسكين. حول أحداث القيامة ومدي اتفاقها سؤال هل يوجد تناقض بين أحداث القيامة كما يرويها الإنجيليون الأربعة؟ لأن إنجيلًا يتحدث عن ملاك وآخر عن ملاكين، كذلك الأشخاص الذين زاروا القبر تختلف قصص الأناجيل عنهم. جواب لا يوجد تناقض، إنما كل إنجيل ذكر زيارة معينة في موعد يختلف عن الزيارة التي ذكرها الآخر، وبأشخاص مختلفين أول زيارة ذكرها إنجيل متى، فيها القبر الفارغ وبشارة الملاك، لمريم المجدلية ومريم الأخرى ثم ظهور السيد لتلميذي عمواس، وزيارة النسوة (لو 24). أما زيارة مريم المجدلية، ورؤيتها للمسيح في هيئة بستاني، فقد كانت بعد ذلك (يو 20) زيارات متعددة، بمواعيد متفاوتة لو كان حدث واحد، لتظهر تناقض ولكنها أحداث وظهورات وزيارات. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
24 مايو 2023

ارع غنمي. ارع خرافي

سؤال لماذا ننكر رئاسة بطرس، وقد قال له السيد المسيح بعد القيامة: "ارع غنمي، ارع خرافي "؟ جواب إن السيد المسيح لم يقل له ذلك لكي يقيمه راعيًا للكنيسة الجامعة، وإنما لكي يرده ثانية إلي رتبة الرسولية التي كاد يفقدها بإنكاره. فكان الرب بهذه العبارة قد ساواه بباقي الرسل، بينما كان معرضًا لأن تنفذ فيه الآية التي تقول: "من أنكرني قدام الناس، أنكره قدام ملائكة الله" (لو 12: 9) وواضح أن السيد المسيح قال له: "ارع غنمي" في موقف توبيخ، حيث سأله ثلاث مرات قائلًا: "يا سمعان ابن يونا، أتحبني أكثر من هؤلاء" (يو 21: 15: 17). وفي ذلك أراد أن يذكره بإنكار له ثلاث مرات، كما كان سؤاله يحمل توبيخًا خفيفًا يذكر بطرس بقوله: "لو أنكرك الجميع لا أنكرك أنا" ونلاحظ أيضًا أن السيد المسيح ناداه في ذلك المجال باسمه القديم قبل أن يدعي بطرس وأوضح دليل علي أن ذلك كله قيل في مجال توبيخ أن بطرس بعد أن قال له الرب ارع غنمي ثلاث مرات، حزن لأنه فهم القصد ولو كانت العبارة في مجال تمجيد أو تقليد رئاسة، لكانت سبب بهجة وفرح وفر لا سبب حزن لبطرس والرعاية وظيفة قلدها الرب لكثيرين كما يتضح من نصوص كثيرة في الكتاب المقدس. فكل الرسل رعاة، وكل الأساقفة رعاة. والسيد المسيح هو راعي الرعاة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل