المقالات
30 أكتوبر 2018
الشباب و الصوم
إذا كان الصوم احتياجًا ماسًّا لكل الأعمار، إلا أنه بالنسبة للشباب احتياج في غاية الأهمية، وذلك لأسباب منطقية:
1- حاجة الشباب إلى تقوية الإرادة: فالشباب مرحلة القرارات الهامة والمصيرية، مثل قرار: الدراسة - اختيار العمل - اكتشاف شريك الحياة - تغيير المسار في مجالات كثيرة ... ألخ. ولذلك يحتاج الشباب إلى تقوية إرادته ليتخذ القرار الصائب في الوقت السليم! والصوم تدريب ممتاز "لتقوية الإرادة"!
آكل هذا الطعام ولا آكل ذلك، مع أنه شهي! آكل الآن، أم أن هناك فترة انقطاع! أصوم كل الأصوام أم بعضها! أصوم المدة كلها، أم بعضها!
والقرار هنا، بدوافع روحية وكنسية وصحية ومنطقية... قرار هام! والصوم فرصة ممتازة لتقوية الإرادة، ودعم الحياة الروحية والكنسية.
2- حاجة الشباب إلى حياة الطهارة : ومعروف عمليًا أن الأطعمة البروتينية نوعان: اللحوم: وهذه تعطي طاقة غضبية وشهوية أكثر، كما أثبتت بعض الدراسات العلمية الحديثة! والأسماك: وتعطي طاقة غضبية وشهوية أقل! كلاهما بنّاء للأنسجة.. وكنيستنا المسترشدة بالروح القدس رتّبت الأصوام على درجتين: واحدة تسمح بالأسماك: كصوم الميلاد والرسل والعذراء، وأخرى تخلو منها: كالصوم الكبير، والأربعاء والجمعة والبرامون.. وهذه حكمة من الكنيسة لحاجة الإنسان إلى البروتين، فاختارت له الأسماك في أصوام كثيرة. لذلك فالأصوام تساعد في حياة الطهارة، لأنها تتضمن مع نوع الأكل، وفترة الانقطاع، الانتظام في القداسات والصلوات والتناول، وهذه أسلحة عامة وهامة لحياة الطهارة! فالنفس الشبعانة (بالمسيح والروحيات) تدوس العسل (عسل الخطية المسموم): «النَّفسُ الشَّبعانَةُ تدوسُ العَسَلَ» (أمثال27: 7).
3- حاجة الشباب إلى الحياة الكنسية: وهذا أمر هام جدًا، إذ يحتاج الإنسان عمومًا، والشباب بصفة خاصة، إلى إشباع بعض الاحتياجات النفسية مثل: الحاجة إلى الأمن، والحب، والانتماء، والنجاح، والخصوصية، والمرجعية... وهذا يأتي من التواجد في عضوية الجماعة المقدسة، والحياة الكنيسة.. بما فيها من تعليم وأنشطة وممارسات وأسرار مقدسة.. وهذا سند هام للإنسان، إذ يحس إنه:
أ-عضو في الكنيسة، والجسد المقدس، والجماعة المرتبطة بالرب. فهو واحد من المؤمنين المجاهدين على الأرض، تطلُّعًا إلى السماء.
ب- له عشرة وشركة واقتداء وتشفّع بالقديسين في الفردوس... فهم سحابة شهود محيطة بنا ترقب جهادنا، وتصلى لأجلنا «لذلكَ نَحنُ أيضًا إذ لنا سحابَةٌ مِنَ الشُّهودِ مِقدارُ هذِهِ مُحيطَةٌ بنا» (عبرانيين12: 1).
ج- المسيح هو رأس هذا الجسد، والشاب كعضو في الكنيسة، هو متصل به، يشبع ويخلص ويحيا به إلى الأبد. والأصوام الجماعية هامة لهذا الهدف، نصوم معًا صوم: الميلاد ويونان، والكبير، والرسل، والعذراء.. فنحس بوحدة جسد الكنيسة، ونحيا تذكارات هذه المناسبات.. إذ يذخر كل صوم منها بالمعاني والقراءات والقدوة والتسابيح والقداسات.
وبممارسة هذه الحياة الكنسية: الإرادة ... تتقوى! والطهارة... تزداد! وعضوية الجسد المقدس... تتدعم!
لهذا نصوم... وبهذا ننتصر على أعدائنا: الجسد، وعثرات العالم، والشيطان؛ فنهتف جميعنا: «يَعظُمُ انتِصارُنا بالّذي أحَبَّنا» (رومية8: 37
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
23 أكتوبر 2018
الشخصية والمشاكل الأسرية
1- يتصور بعض الآباء والأمهات أن المشاكل التي تحدث بينهم في المنزل، ليست لها أيّة آثار في حياة وشخصيات أولادهم. ولا أنسى يومًا كنت أحاول فيه إقناع زوجة بالصلح مع زوجها، وكان معها بعض أقاربها، وكان طفلها يجيء كل بضع دقائق لكي يستريح في حضنها، ولكنها كانت منفعلة جدًا، فكانت - هي وأقاربها - يحاولون إبعاد الطفل بأساليب كثيرة، ليدخل إلى حجرة أخرى، ولكن دون جدوى، فقد أصر الطفل أن يرتمي في حضن أمه!إن هذه الأمور يستحيل أن تعبِّر على الطفل ببساطة، تلك النفسية الشفّافة البريئة، فلقد أخذ الطفل يصرخ دون توقُّف، متضايقًا من هذا التجاهل وهذه الانفعالات الحادة.2- ولا أنسى أسرة ذهبتُ لزيارتها، وكانت أسرة مسيحية من الطراز الأول، نشأ الأولاد فيها في سلام وقداسة ومحبة، ومُشبَّعين بروح الصلاة وشركة الأسرار المقدسة. جاءت قريبة لهم تشكو زوجها بانفعال شديد. فإذا بالطفلة الصغيرة في الأسرة تختبئ في حجر أمها وتقول لها: "ماما.. اجعلي هذه السيدة تمشي من هنا".. نعم.. فهي لم تتعود على هذا الصياح والهياج والعنف. 3- أما عن "مرحلة الطفولة المبكرة" وما تتسم به من حب لتقليد الوالدين، فهي مرحلة خطيرة جدًا إذ تكمن في هذا الطفل (من 3-5 سنوات) بذور شخصيته كرجل أو امرأة.. فإذا ما نشأ الطفل في جو كنسي، صار ابنًا للرب وللكنيسة.. أمّا إذا نشأ في جوٍّ يسوده التدليل والعاطفة الشديدة، نشأ تابعًا لأبيه أو أمه، دون استقلال لشخصيته، فتراه - وهو رجل كبير فيما بعد - مرتبطًا بأسرته أو بأمه بصورة مريضة.. أو تراها عروسًا مرتبطة بأمها، وأمها مرتبطة بها بصورة تدمر حياتها، وبيتها الجديد. 4- أمّا إذا نشأ الطفل في جو تسوده القسوة، فسوف ينشأ عدوانيًا، يكره كل من حوله.. 5- وإذا نشأ في جو يسوده الانقسام والتناقض، نجد أنه يقتني شخصية مضطربة غير سوية.. فهو يرى الخلافات حوله في كل يوم، فيكره الحياة الأسرية، وأحيانًا يكره الزواج، وتصير شخصيته غير سليمة.من هنا يجب أن يلتزم الوالدان بما يلي:1- الترابط العائلي: وسيادة روح المحبة المسيحية في الأسرة. 2- التربية المتوازنة للأولاد: فلا قسوة ولا تدليل، ولا تناقضات وانقسامات وخلافات، ولا قسوة أب وتدليل أم.. وهكذا.3- الفهم السليم لمراحل الأولاد: فطفل الابتدائي يحتاج إلى الحب، وفتى الإعدادي يحتاج إلى الإيمان، وشاب الثانوي يحتاج إلى التوبة والعشرة مع الله، وفي الجامعة ينبغي أن يكون قد صار خادمًا ناضجًا.. وحينما يختار شريكة حياته أو يتخذ قرارات المستقبل يحتاج إلى الحوار والتفاهم. 4- القدوة الشخصية: إذ يستحيل على الأب المدخن أن يقنع ابنه بعدم التدخين. وأمامنا مشكلة الإدمان وكيف تهوي إليها الشخصيات المتوترة والمضطربة.ليت كل أسرة تقتنع بضرورة سيادة الرب على حياتها، وفكر الله على تصرفاتها، والانتماء الكنسي على سلوكياتها، ولربنا كل المجد..
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
16 أكتوبر 2018
أنت هو الحياة
فرق بين أن يكون الرب هو القيامة، وبين أن يكون هو الحياة!!
فالقيامة معناها إعطاء أو إعادة الحياة للميت.
أما الحياة. فمعناها انه أصل هذا الوجود كله!!
فالرب يسوع هو "حياتنا" (كو4:3)، "به نحيا ونتحرك ونوجد" (أع 28:17)، "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس" (يو4:1)، "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو6:14)، "إنى أنا حىّ ، فأنتم ستحيون" (يو19:14).
وهناك ترنيمة تنادى الرب قائلة: "يا يسوع الحياة.." إنه ليس فقط معطى الحياة.. بل هو الحياة ذاتها!!
الحياة أنواع :
وهناك أربعة أنواع من الحياة، كلها مصدرها الرب يسوع:
1- الحياة الجسدية. 2- الحياة الروحية.
3- الحياة الأدبية. 4- الحياة الأبدية.
والرب يسوع هو أساس وجوهر ومصدر كل هذه البركات، وبدونها يسقط الإنسان فى موت الجسد، والروح، ويفقد كرامته الإنسانية، وحياته الأبدية.
1- الرب يسوع.. حياتنا الجسدية:
فنحن نأخذ حياتنا من الرب لحظة وراء الأخرى، وكلمة الله واضحة فى هذا الأمر: "به نحيا ونتحرك ونوجد" (أع 28:17)، "فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس" (يو 4:1).
فالرب يسوع هو الكلمة.. فيه خلق الكل، ما فى السموات وما على الأرض... ما يرى وما لا يرى، سواء كانت عروشاً أم رياسات أم سلاطين.. الكل به وله قد خلق.. الذى هو قبل كل شئ.. وفيه يقوم الكل.. (كو 16:1-17).
وفى هذه العبارة المقدسة نجد أن:
1- الرب يسوع هو الذى فيه خلق الكل.
2- وأن الكل به قد خلق (أى بواسطته أو بيده الإلهية).
3- والكل له قد خلق (أى القصد من خلقة الإنسان تمجيد المسيح).
4- فيه يقوم الكل (أى انه الحافظ لكل المخلوقات).
من هنا كان لابد أن نتذكر هذه الحقيقة كل يوم وكل لحظة.. فنحن حينما نستيقظ فى الصباح، علينا أن نذكر أن الرب أنعم علينا بأن نرى يوماً جديداً.
فالرب هو سر حياتنا الجسدية.. معطيها.. وحافظها.. وعلينا أن نكرسها له، فهو صاحبها الأساسى!.
وحينما نسمع أحد رجال الله يدعونا قائلاً: "سلموا حياتكم للرب".. علينا أن نتذكر أن هذا ليس تفضلاَ منا، فحياتنا أساساً هى للرب ومنه، وبه تقوم.
واجب إذن أن نشكر الله على هذا العمر، وأن نمجد الله فى أيامنا وأحوالنا، وأن نشهد لله بعمله المتجدد معنا، وبركاته الجديدة فى كل صباح.
2- الرب يسوع.. حياتنا الروحية:
وهنا البركة الأهم والأخطر "فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه"(مر36:8).
فالحياة على الأرض عطية يتمتع بها الأبرار والأشرار، المهم نوعية هذه الحياة فى الزاوية الروحية.. الجسد يحيا ويتحرك ويوجد.. فهل الروح أيضاً حية ومتحركة وفاعلة؟
هذا السؤال الخطير، الذى جعل الرب يعتبر أن الإنسان الخاطئ ميت، حتى لو كان حياً بالجسد، "المتنعمة قد ماتت وهى حية" (1تى 6:5)، "استيقظ أيها النائم، وقم من بين الأموات، فيضئ لك المسيح" (أف 8:5)، "لك أسم انك حى... أنت ميت" (رؤ 1:3).
حياة الروح إذن هى المهمة، وهى جهادنا اليومى، وهى عطية الرب يسوع أيضاً، لمن يطلبها بأمانة.
ذلك عهد الرب مع أولاده، فى العهدين القديم والجديد.
جيش عظيم جداً جداً:
رأى حزقيال فى رؤياه بقعة ملآنة عظاماً، والعظام كثيرة جداً، وقال الرب لحزقيال النبى: "أتحيا هذه العظام؟" فأجاب حزقيال: "يا سيد الرب.. أنت تعلم"، قال الرب: "تنبأ على هذه العظام وقل لها: أيتها العظام اليابسة... إسمعى كلمة الرب.. هكذا قال السيد الرب لهذه العظام: هاأنذا ادخل فيكم روحى فتحيون... واضع عليكم عصباً، واكسيكم لحماً، وابسط عليكم جلداً... وأجعل فيكم روحاً فتحيون... وتعلمون إنى أنا الرب" (حز 1:37-6).
ويقول حزقيال النبى: كان صوت وإذا رعش.
طفلة ملقاة على وجه الحقل:
ورأى حزقيال رؤيا أخرى: طفلة ملقاة على وجه الحقل... أبوها أمورى وأمها حثية.. لم تقطع سرتها... ولم تغسل بماء.. ولم تملح تمليحاً.. ولم تقمط تقميطاً.. لم تشفق عليها عين.. بل طرحت على وجه الحقل. تنتظر لحظة الموت ولكن ماذا حدث لهذه الطفلة، التى هى أنت وأنا، نفسك ونفسى.. مررت بك، ورأيتك مدوسة بدمك فقلت لك: بدمك عيشى. قلت لك.. بدمك عيشى.. مررت بك ورأيتك.. فإذا زمنك زمن الحب.. بسطت ذيلى عليك.. وسترت عورتك.. ودخلت معك فى عهد.. حممتك بماء (المعمودية).. ومسحتك بزيت (الميرون)... وألبستك مطرزة (التبرير).. وحليتك بحلى (الفضائل).. وأكلت السميذ والعسل (التناول والأغذية الروحية) وجملت جداً جداً فصلحت لمملكة.. وخرج لك اسم فى الأمم لجمالك.. لأنه كان كاملاً ببهائى.. الذى جعلته عليك (حز 6:16-14).
هذا ما فعله الرب معنا حينما افتقدنا بخلاصه، وتمتعنا ببركات فدائه، بالإيمان والمعمودية والميرون، بالتنول وشركة جسد الكنيسة، فصرنا أحياء بعد موت.
3- الرب يسوع.. حياتنا الأدبية:
قال الرب للطفلة الملقاة على وجه الحقل.. بعد أن أنقذها من الموت، وأطعمها خبز الحياة.. إنها صارت جميلة جداً (بالفضائل)، فأصبحت تصلح لمملكة.
نعم.. هو المجد الذى خلعه الرب علينا.. الآن نحن أولاد الله.. ولم يظهر بعد ماذا سنكون.. ولكن نعلم انه إذا اظهر.. نكون مثله.. "لأننا سنراه كما هو" (1يو 2:2).
أمجاد كثيرة فى هذه الآية:
1- نحن أولاد الله.. لسنا عبيداً بل أبناء.
2- إننا سنكون مثله.. أى "شركاء طبيعته الإلهية" (1يو 2:3)، وفى نفس الوقت جسدنا فى القيامة سيكون بشبه جسده الممجد (فى 21:3).
3- إننا سنراه كما هو.. أى إننا سندرك أسرار الألوهة فى عمق أكبر جداً، حينما نلتقى به فى المجد، ونكون مع الرب إلى الأبد.
وفى سفر الرؤيا نجد وعداً عجيباً: "من يغلب فسيجلس معى فى عرشى.. كما غلبت أنا أيضاً.. وجلست مع أبى فى عرشه" (رؤ 21:3).
وفى نفس الوعد قاله الرب لتلاميذه أنهم.. سيجلسون على اثنى عشر كرسياً ويدينون أسباط إسرائيل الأثنى عشر (لو 30:22).
ألم يقل الرب انه جعلنا "ملوكاً" وكهنة لله أبيه (رو 10:5) ملوكاً.. كأبناء الملك العظيم.. وكهنة.. بمعنى الكهنوت العام للمؤمنين، والذى من خلاله يقدمون ذبائح الحمد والتسبيح وأعمال المحبة.
أى مجد هذا؟
أن نصير أبناء الله، أن نصير واحداً فيه.. (يو 21:17)، أن يصير لنا نفس مجد الابن.. (يو 22:17)، أن نصير شركاء الطبيعة الإلهية.. (2بط 4:1)، أن نجلس فى عرش سماوى مع الرب.. (رو 21:3).
هذا كله عطاء إلهى، ونعمة مفاضة، يعطيها لنا الرب من فرط سخاء محبته لبشر ضعفاء.. وأناس خطاة.. لكنها النعمة السخية، فالرب "يعطى بسخاء ولا يعير" (يو 5:1)، فنحن سنظل إلى الأبد.. مجرد بشر.. ننعم بعطايا الإله.. ونمجد صلاحه فى كل حين.
فلا تحزن يا آدم على ما فعلته الخطيئة بك... حيث سقطت تحت حكم الموت... وتلوثت طبيعتك بالفساد... وصرت مهاناً من الأرض والشوك... ومن الوحوش والطبيعة... فها قد جاء الرب يسوع... وغسل بدمائه الأرض من لعنتها.. والنفس من خطاياها... وكل من "آمن واعتمد خلص"
(مر 16:16).
4- الرب يسوع.. حياتنا الأبدية:
"هذه هى الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك، ويسوع المسيح الذى أرسلته" (يو3:17).
نعم..فالرب يسوع هو حياتنا الأبدية.. وكل من تذوق حياة الشركة مع الرب، عاش الأبدية وهو بعد فى الجسد، وعلى هذه الأرض.. إنه العربون الذى يعطيه الرب لأولاده قبل اكتمال السعادة والقداسة والمجد، قال الرب: "ها ملكوت الله داخلكم"، وقال أيضاً: "إنى حىّ، فأنتم ستحيون" إذن، طالما أن الرب حىّ.. فنحن أحياء بحياته، وطالما أنه خالد.. فنحن مخلدون بقوته... وطوبى لمن يحيا للرب على الأرض.. لكى يحيا به فى الملكوت...أما من أهمل حياته الروحية على الأرض فمسكين.. لأنه سيبقى غريباً عن الملكوت..
القارئ الحبيب ..
هذا هو الرب الإله الفادى..
قيامتك.. وحياتك..
فأرتبط به.. وأختبر الحياة ..
لكى تحيا..
والرب معك.دماء.
نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
09 أكتوبر 2018
وحدة الأسرار السبعة
يتصور البعض أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قد استحدثت الأسرار السبعة على أساس غير إنجيلي، ولكن الدراسة المتأنية للإنجيل تبرهن أن الأسرار السبعة ذات أساس إنجيلي راسخ. وفي الموضوعات التالية سوف ندرس هذه الأسرار المقدسة مع آيات كثيرة - اِحفظ منها ما أمكنك، فهي تؤكد لك أن عقيدتنا مستقاة من الإنجيل، ومُدعّمة من التقليد الرسولي والمجامع المقدسة وأقوال الآباء.كلمة عامة عن الأسرارأ- أسرار الكنيسة هي أعمال مقدسة ومنح إلهية، بها ننال نعمًا غير منظورة تحت مادة منظورة. ب- أسرار الكنيسة سبعة وهي: 1- سر المعمودية. 2- سر المسحة المقدسة أو الميرون. 3- سر القربان أو تناول جسد الرب ودمه. 4- سر التوبة أو الاعتراف. 5- سر مسحة المرضى. 6- سر الزيجة. 7- سر الكهنوت.ج- هذه الأسرار مؤسسة من الله لتكون واسطة لنيل المؤمنين فيض النعمة، وذلك واضح من الكتاب المقدس عن كل سر من الأسرار. فمثلًا:1- عن المعمودية : «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ، لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ» (يو3: 5)، «لِكَي يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ» (أف5: 26)، «وَهَكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لَكِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلَهِنَا» (1كو6: 11). 2- وعن سر الميرون: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيءٍ» (1يو2: 20). 3- وعن سر التوبة: «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» (يو20: 23).4- وعن سر الشكر: «فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي، فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي، يَثْبُتْ فِيّ وَأَنَا فِيهِ» (يو6: 53-56).5- وعن سر مسحة المرضى: «أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَة،ِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ» (يع5: 14-15).6- وعن سر الزواج: «هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ» (أف5: 32).7- سر الكهنوت: «لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ» (1تي4: 14)، «فَلِهَذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ» (2تي1: 6).د- للأسرار مفعولان هامان: النعمة والوسم. المفعول الأول عام ويشمل جميع الأسرار. والثاني خاص بثلاثة منها وهي المعمودية والميرون والكهنوت. ولذلك تُمنَح هذه الأسرار الثلاثة مرة واحدة ولا تجوز إعادتها، لأنها تترك وسمًا في النفس لا يُمحَى، حيث كلمة "وسم" تعني سمة أو علامة كختم يعني الملكية الدائمة. ه- يشترط لتتميم السر ثلاثة شروط وهي:1- مادة ملائمة للسر كالماء للمعمودية، والخبز والخمر لسر الشكر.2- كاهن قانوني موضوعة عليه اليد. 3- استدعاء الروح القدس بالعبارات المعينة لتقديس السر.
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
02 أكتوبر 2018
الخادم ومعلم الأجيال - أ.د. موريس تواضروس
أستاذ تفسير الكتاب المقدس بالكنيسة القبطية، والنموذج الممتاز في حب كلمة الله وكل الناس، وفي ريادة أجيال عديدة أحبت كلمة الله، وتعلمت على يديه كيف تفهمها، وتحياها بمرجعية: علمية، وآبائية، وكنسية. أستاذي أ. د. موريس تواضروس عرفته أستاذًا لي بالإكليريكية، كما أعطاني شرف الصداقة الشخصية معه، وكان مرشدًا لي في مناسبات كثيرة، حيث جعلني أدخل إلى دراسة الكتاب المقدس، وقد سعدت به على المستويين الأكاديمي والشخصي.. أقرأ مذكراته وكتبه، ثم أكتب بعض الدراسات والكتيبات عن أسفاره المقدسة.. فهو الذي أدخلنا بمحاضراته وأبحاثه إلى آفاق جديدة في دراسة الكتاب المقدس. أ. د. موريس تواضروس لم يكن فقط أستاذًا يفسّر الكتاب المقدس، بل كانت حياته كتابًا مقدسًا فعلًا، إذ تتلمذنا على يديه وصادقناه عن قرب، فوجدناه قلبًا نقيًا وكتابًا مفتوحًا وتراثًا من الدراسات الهامة والمتميزة. إن أ. د. موريس تواضروس تخرج على يديه بطاركة وأساقفة وكهنة، وقيادات خادمة في كل أنحاء الشرق الأوسط. الرب يعوضه عن تعبه في خدمة الكنيسة، وتربية الأجيال، وكذلك في احتمال الألم والمرض. إنه بحق من الأبرار المعاصرين.لقد استقبله السيد المسيح بفرح، كما فرحت به أمنا العذراء وآباء الكنيسة: مار مرقس والقديس أثناسيوس، والقديس كيرلس، والقديس ديوسقوروس، وآباء العصر الحالي: من البابا كيرلس أبي الاصلاح، إلى البابا كيرلس الخامس بابا الاكليريكية والتربية الكنسية، والقديس الأرشيدياكون حبيب حرجس، والبابا كيرلس السادس رجل الصلاة والمعجزات، ثم البابا شنودة الثالث بابا التعليم ومدارس الأحد. لقد خدم معهم جميعًا بأمانة متميزة، وغيرة حقيقية، الى أن داهمه المرض.. لتنظلق روحه بسلام إلى سماء المجد.طوباك يا د. موريس، فلقد جاهدت الجهاد الحسن، وحفظت الإيمان، والآن في طريقك إلى اكليل البر والملكوت العتيد، حيث المجد الأبدي مع رب المجد، وأم النور، وكل الآباء القديسين. الرب يعوضه عن جهاده المتميز في خدمة الكتاب المقدس، والكنيسة، والعلم. وينيح نفسه الأمينة في الفردوس.الرب يعيننا كما أعانك، ويعزّينا عنك بتعزيات روحه القدوس، ويعزي أسرته، وتلاميذه من بطاركة وأساقفة إلى كهنة ورهبان وشمامسة وخدام. تعزياتي لقداسة البابا تواضررس الثاني، أحد علماء دراسات الكتاب المقدس أيضًا، ولأسرة أ.د. موريس وتلاميذه المنتشرين، في العالمين: القبطي والمسكوني، ولكل مريديه وعارفي فضله... تعزيات السماء ترافقنا جميعًا، وتسند ضعفنا بصلواته المقدسة. ولربنا كل المجد إلى الأبد آمين.
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
25 سبتمبر 2018
الحياة الليتورجية
معنى الكلمة :
كلمة الليتورجيا يونانية الأصل وهى تنقسم إلى لفظين ..
ليتوس (لاؤس) : وتعنى شعب
ارجيا أو ارجون: وتعنى عمل
فالليتورجيا تعنى العمل الجماعى واستخدمت فى العصر الاغريقى للممارسة الشعبية فى المحاكم والأسواق واختصت بنوع ما فى العمل العسكرى. وهناك نوعان للعمل الجماعى (الشعبى) :
أ. عمل جماعي قطيعي : وهو عمل تقوم به الجماعات ويتغيب فيه الدور الفردي وفيه الوجود للجماعة على حساب الوجود الفردي وهو أشبه بأي قطيع حيواني يعيش في جماعات.
ب. عمل جماعي فريقي : وهو عمل تقوم به الحماعات مع تمايز الدور الفردى وفيه يكون الوجود الفردى اساس وجود الجماعة. ومن نماذج هذا العمل الفريق.
1. فريق الكرة : وهو يتكون من أحد عشر لاعباً (شخصاً) وكل منهم له دوره الاساسى وهناك خطة تنسق بين هذه الادوار لتحقيق النصر وتحسب الغلبة للفريق كله وليس للاعب معين.
2. فريق الموسيقى : فى أى فرق موسيقية أو أوركسترا نرى عدداً كبيراً من الموسيقيين وتنوع فى الآلات وتنوع فى النغم ولكن الكل يعمل حسب قيادة مايستروا واحد ليخرج النغم متوافقاً وممتعاً.
3. فريق الأجراس : وهو نوع من فرق الموسيقى , والاجراس هى الآلة الوحيدة حيث يعزف كل عازف بجرسين وكل جرس له نغم يختلف عن الآخر ولكن فى النهاية يعطى الفريق موسيقى رائعة.
الكنيسة أخذت كلمة ليتورجيا وأطلقتها على حياتها, فأصبحت الكنيسة تعيش حياة ليتورجيا بمعنى أنها تعيش فى حياة جماعية يتمايز فيها دور ووجود الفرد, وهنا تصبح كلمة (فرد) غير سليمة ولكن يحل مكانها كلمة (عضو).
والحياة الليتورجيا تتكون من :
1. المنهج الليتورجى.
2. النظام الليتورجى.
3. المواهب الليتورجية.
1. المنهج الليتورجى: وهو القاعدة الفكرية الأساسية للحياة ويعتبر القوة الدافعة للطاقات الإنسانية (العقل-العاطفة-الإرادة) لتقبل هذا النظام فى الحياة ولذلك يحتاج المنهج إلى فهم وتقبل عقلي وقناعة فكرية.
2. النظام الليتورجى:
وهو مجموع الممارسات التى تمارسها الجماعة لتحقيق المنهج وهى تشكل القوة المساعدة للإرادة لتحقيق هذه الحياة. ووجود نظام يرفع عن الفرد (العضو) معاناة الممارسة أو اختلاق أساليب للممارسة قد تخرج بالشخص عن تحقيق الهدف, والنظام يحتاج للطاعة والقبول والاختبار.
3. المواهب الليتورجية:
وهى القوى الخارجة التى يهبها الله لتكميل الجماعة التى تعيش هذا المنهج, ومؤازرة الأعضاء التي تحيا في طاعة هذا النظام وهي مواهب الروح القدس وتنقسم إلى نوعين ..
- مواهب خدمة لخدمة الجماعة والأعضاء " وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً و البعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين ... لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح " (اف4: 11-12)
- مواهب كرازية مثل عمل المعجزات والقوات والآيات والألسن.
المنهج الليتورجى:
رأينا سابقاً قصد الله فى خلقه الانسان أنه خلق البشرية كلها فى وحدانية شخص آدم واستمر هذا القصد إلى أن تحقق في شخص الرب يسوع.
هكذا نرى أيضًا اهتمام الرب يسوع بأن نستوعب هذا المنهج فقد وضع لنا الرب أساس هذا المنهج وهو انكار الذات أو (الأنا المتفردة) كما سبق الحديث عنها.
فبداية الحياة مع المسيح أن ينكر الإنسان نفسه أولاً (مت16: 24) وبداية الحياة مع الآخر هي أيضًا إنكار الذات " اذا اراد أحد أن يكون أولاً فيكون اخر الكل و خادماً للكل " (مر9: 35)
" من أراد أن يصير فيكم عظيماً يكون لكم خادماً ومن أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبداً " (مر10: 43-44)
هذه هي القاعدة الكيانية التى بها يتحقق المنهج الليتورجى أن نصير واحداً معاً فى الله. والسيد المسيح له المجد اظهر هذا المنهج الليتورجى في ثلاث مستويات :
- المستوى التعليمى وشرح أهمية الحياة معاً من خلال كلماته المباركة.
- مستوى الصلاة والطلبة العميقة من أجل ان يكون الجميع واحداً فيه وفى الآب كما يظهر بوضوح الحاحه على الآب فى صلاته (يو 17).
- المستوى السرائرى فى كيان الانسان والذى حققه المسيح فى سر تجسده وفدائه.
والكنيسة تشرح لنا هذا المنهج فى أروع تسبيحات , وأبلغ كلمات, وأرفع ادب, يمكن للحس الثقافى أن يتذوقه. مع نهار كل يوم تقول لنا فى ذكصولوجية باكر الآدام :
ما هو الحسن وما هو الحلو إلا اتفاق إخوة ساكنين معاً.
ومتوافقين بمحبة حقيقية وإنجيلية كمثل الرسل.
كالطيب الكائن على رأس المسيح النازل على اللحية إلى أسفل القدمين.
يمسح كل يوم الشيوخ والصبيان والفتيان والخدام.
هؤلاء اللذين الٌفهم الروح القدس معاً مثل قيثارة مسبحين الله كل حين.
نلاحظ الآتى :
- كلمة ساكنين معاً : تعنى متحدين معاً
- كلمة متوافقين (افير سيمفونين) تعنى متوافقين مثل السيمفونية فى أروع نغم.
- كلمة طيب على رأس المسيح , فالجماعة المتحدة بمحبة بسرالإنجيل وحياة الرسل (الكنيسة) مثل طيب على رأس المسيح فأى فخر يكون لنا إذن حينما نكون أعضاء فى الكنيسة وأى مجد حينما نكون طيب على رأس المسيح هنا يتحقق كلمات سليمان : المرأة الفاضلة تاج لبعلها والكنيسة طيب على رأس المسيح.
غاية ما يتمناه الأنسان أن يسكب طيباً على قدمى المسيح مثلما نصلى فى تسبحة نصف الليل ... " أعطينى يارب ينابيع دموع كثيرة كما أعطيت منذ القديم للمرأة الخاطئة واجعلنى مستحقاً ان ابل قدميك اللتان اعتقتانى ... " هذا ما يرجوه الشخص (العضو) ولكن الكنيسة معاً طيب على رأس المسيح.
- كلمة الٌفهم الروح القدس معاً مثل قيثارة : تبين لنا ان هذه الحياة الليتورجيا يحققها الروح القدس ولكن رهن ان نقتنع بها ونعيها , ونقبلها وفى أروع تشبيه تبين لنا الكنيسة عمل الروح فى تحقيق هذه الحياة مثل القيثارة التى تضم فى وحدتها أوتاراً كثيرة متباينة ومتمايزة فى كل شئ ولكنها متكاملة فى وحدة القيثارة وبهذه الجماعة (الكنيسة) يعزف الروح الحاذق أروع تسبيحات لله تخرج من القيثارة (الكنيسة) بيد الروح.
المنهج الليتورجى والجهاد الروحي :
يقول القديس يوحنا فم الذهب : " حينما يرانا الشيطان وحدنا ومنفصلين كل واحد عن الآخر يهاجمنا فبهذه الطريقة اغوى المرأة فى البدء اذا اقترب منها وهى وحدها , وبينما كان رجلها غائباً. إذ حينما يرانا وسط الجماعة ومتحدين فهو لا يجرؤ على مهاجمتنا فلهذا السبب نحن نتحد معاً فيصعب عليه مهاجمتنا "
القديس يوحنا يكشف لنا الطريق السليم للجهاد والغلبة وهو ان نعيش دائماً وسط الجماعة ونتحد معاً. فالشيطان يبدأ دائماً يفرق الجماعة ثم يضربهم واحد بعد الآخر. فالخطية قوية , وطرحت كثيرين جرحى , وكل قتلاها كانوا أقوياء فخير لنا ان نكون ضعاف داخل الجماعة من ان نكون أقوياء ومنفصلين لذلك يطلب القديس بولس بإلحاح : " فاطلب اليكم أنا الاسير في الرب ان تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم بها. بكل تواضع ووداعة و بطول اناة محتملين بعضكم بعضاً في المحبة مجتهدين ان تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام. جسد واحد و روح واحد كما دعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد, ايمان واحد, معمودية واحدة, اله واب واحد للكل الذي على الكل و بالكل و في كلكم " (اف4: 1-6)
هذه القطعة الرائعة التى تضعها أمامنا الكنيسة كل يوم فى صلاة باكر تكشف لنا :
أ. كيف نحيا ليتورجيا : (تواضع - وداعة – طول أناة – احتمال – اجتهاد – سلام).
ب. معنى الحياة الليتورجية : (جسد واحد – روح واحد – رجاء واحد – ايمان واحد – معمودية واحدة).
ج. لماذا الحياة الليتورجية : (اله واب واحد للكل .. وفى كلكم).
صورة رائعة من العهد القديم :
في رؤية حزقيال النبى ص : 37 نرى عظام كثيرة جداً يابسة ومتفرقة ولكن اذا سمعت كلمة الله (المسيح المتجسد).
1. تتقارب العظام كل حسب مكانه فى الهيكل العظمى.
2. يكسوها العصب واللحم والجلد.
3. يأتى الروح ويسكن فتصير جيشاً عظيماً جداً جداً.
العظام اليابسة هي فرادتنا فنحن كل واحد فينا لا يزيد عن عظمة يابسة ملقاه فى البقعة (العالم). ولكن اذا سمعنا كلمة الله وقبلناها يبدأ عمل الله فى الكيان الإنساني، تتقارب البشرية معاً, ويكسوها العصب, وهو يرمز إلى الإيمان فكما ان العصب يربط بين كل عضو وبين الرأس هكذا الإيمان يربط بيننا كأعضاء وبين الرأس المسيح ولكن استمرار هذه العلاقة بيننا وبين الرأس رهن وجودنا وارتباطنا بالجسد.
واللحم أشارة إلى جسد المسيح الذى يكسونا فنصير منه, لحم من لحمه وعظم من عظامه وذلك فى سر المعمودية والافخارستيا ثم يأتى الجلد ويكسو الكيان كله والجلد أشارة إلى بر المسيح, والبر فى الكتاب المقدس دائماً يشبه بالثياب وبر المسيح هو المسيح ذاته " بل البسوا الرب يسوع المسيح " (رو13: 14)
" لبست البر فكساني " (أى29: 14) ويقول داود " كهنتك يلبسون البر " (مز132: 9). " تبتهج نفسي بالهي لانه قد البسني ثياب الخلاص كساني رداء البر مثل عريس" (اش61: 10)
وفى شخص آدم نرى انه حينما اراد أن يستر نفسه بعد سقوطه صنع لباساً من ورق الشجر وهذا رمز للبر الذاتى ولكن الله البسه لباساً من جلد أشارة إلى بر المسيح بالذبيحة.
وأخيراً يأتي الروح ليسكن هذا الهيكل الذى صرنا نحن أعضائه فنحيا معاً وننموا معاً " الذي فيه كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً في الرب الذي فيه أنتم أيضًا مبنيون معاً مسكناً لله في الروح " (اف2: 21-22)
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
18 سبتمبر 2018
كيف أشبع روحياً؟
ما هى الروح ؟
الروح هى العنصر الذى وضعه الله فى الإنسان، والذى من خلاله يتصل الإنسان بالله، وبالإيمانيات، وعالم الروح.
فإذا كان الإنسان يشترك مع النبات فى الجسد ومع الحيوان فى الجسد والنفس، إلا أنه يتميز بعد ذلك بالعقل والروح، لذلك يقول البعض عن الإنسان أنه حيوان عاقل ومتدين.
ومنذ فجر التاريخ الإنسان متدين، حتى وإن ضل الطريق الصحيح، إلا أن أحشاءه تؤكد له وجود الخالق، والخير، والثواب والعقاب، والخلود. وما شابه ذلك من عالم - الماورائيات - أى ماذا وراء المادة؟ وماذا وراء الموت؟ وماذا وراء الزمن؟ وماذا وراء الطبيعة؟ وأحياناً يسمونه عالم - الميتافيزيقيا - أى ما وراء الطبيعة المحسوسة!
لقد استلم آدم معرفة الله من الله مباشرة، ثم تعاقبت الأجيال بعد السقوط، وتشتت البشر بعد بلبلة الألسنة، وبدأنا نسمع عن عبادات كثيرة، كعبادة الشمس والقمر والنجوم والعجل والبقرة والتماثيل.
ولكن هذه جميعاً كانت مجرد تعبيرات عن القوة والخير والعدل والسلطان.. وقد أختار الله فى القديم بعض أسرار الشريعة والفهم والإيمان، ومع ذلك كثيراً ما ضلوا وعبدوا الأوثان التى تعبدت لها الأمم فى مختلف حقب الزمان.
ولنا أن نفخر كمصريين بأخناتون العظيم الذى نادى بالإله الواحد، وقدم له العبادة والسجود، وتحدث عن بعض صفاته الإلهية، وكيف أنه جل إسمه - روح بسيط خالد خالق، يرعى الكون بحبه، ويشرق عليه بشمسه: ويضمه إليه بحنانه الفائق.
ومع أن الروح هى عنصر الإيمان فى الإنسان، إلا أنها ما أنفصلت قط
عن العقل عنصر التفكير.. لهذا رأينا فى الفلاسفة اليونان وفى الحضارات الشرقية القديمة، عقولاً استنارت بالروح القدس، واستشرقت من بعيد آفاق الألوهة الفائقة للعقل والمعرفة، حتى أستحق الفلاسفة أن يسميهم القديس كليمنضس الإسكندرى أنبياء الوثنية.
إن الروح - أيها القارئ الحبيب هى العنصر الذى يوصلنا إلى الله، ويوحدنا
به، فأحذر أن يضمر هذا العنصر فى حياتك: حينما تهمل خلاص نفسك، أو حينما تجعل المادة أو الغرائز تتحكم فيك.
فأنت مخلوق إلهى، فوق المادة والتراب، وإتجاهك نحو الخلود والأبدية، فأنتبه خشية أن يضمر هذا العنصر فى حياتك بسبب الإهمال الروحى.
2- وسائل أشباع الروح
أ- الصلاة :
الصلاة هى الحبل السِرى - بكسر السين - الذى من خلاله نتصل بالرب سراً ولا رقيب. وهى أيضاً الحبل السُرى - بضم السين - الذى من خلاله ننال الغذاء الروحى من السماء لحظة بلحظة، كالجنين فى بطن أمه. والصلاة تفتح عالم الله علينا، كما تفتح عالمنا على حبه وفعله الإلهى، لذلك فهى الفرصة الأساسية التى فيها يشكلنا الله، ويبنينا، ويقدسنا ويشبعنا.
+ "الصلاة هى رفع العقل إلى الله" (الأب يوحنا الدمشقى)
"الصلاة سلاح عظيم وكنز لا يفرغ، غنى لا يسقط أبداً" (القديس يوحنا ذهبى الفم).
+ "حينما تصلى ألا تتحدث مع الله؟ أى امتياز هذا" (القديس يوحنا ذهبى الفم).
ب- الكتاب المقدس :
"بدون القراءة فى الكتب الإلهية، لا يمكن للذهن أن يدنو من الله" (مارأسحق السريانى).
"فى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً" (مز 2:1).
"والهذيذ فى الشريعة لا يعنى قراءة كلماتها أو تلاوتها، بل يتسع إلى تتميم أحكامها بالتقوى" (الأسقف ايلارى).
"ليكن لك محبة بلا شبع لتلاوة المزامير لأنها غذاء الروح" (مارأسحق السريانى).
"ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله"
(مت 4:4).
"وجد كلامك فأكلته فكان كلامك لى لفرح ولبهجة قلبى" (أر 16:15).
الكتاب المقدس هو بالحقيقة مائدة دسمة، فيها تشبع أرواحنا وحواسنا، وتستريح نفوسنا، فقراءة الكتاب بإنتظام وحرارة قدام المسيح، فإذا كان السيد المسيح هو الكلمة الذاتية، فالكتاب هو الكلمة المكتوبة لخلاصنا، أنه ببساطة: السيد المسيح متكلماً!!
ج- الأفخارستيا :
لقد أعطانا الرب جسده ودمه ذبيحة يومية على مائدته المقدسة، لكى كل من يأكل منه يحيا إلى الأبد. إنه - خبز الحياة النازل من السماء - واهباً حياة للعالم، "مأكل حق ومشرب حق".
+ "من يأكلنى يحيا بى"، "يثبت فىّ وأنا فيه" (يو 48:6-57).
من هنا تدعونا الكنيسة إلى الأغتذاء اليومى من هذا السر المبارك، الذى من خلاله نتحد :
أ- بالسيد المسيح.
ب- بالقديسين.
ج- بأخوتنا المؤمنين.
د- ونصلى من أجل العالم كله.
د- القراءات الروحية :
القراءة فى الكتب الروحية أساسية للشبع الروحى، لذلك أوصى الآباء القديسون أولادهم بها...
أنت مخلوق إلهى، فوق التراب والمادة، وإتجاهك نحو الخلود والأبدية، فأنتبه خشية أن يضمر هذا العنصر فى حياتك بسبب الإهمال الروحى.
"أتعب نفسك فى قراءة الكتب، فهى تخلصك من النجاسة" (القديس الأنبا أنطونيوس).
"كن مداوماً، لذكر سير القديسين، كيما تأكلك غيرة أعمالهم" (القديس موسى الأسود).
"كتبى هى شكل (سيرة) الذين كانوا قبلى، أما إن أردت القراءة ففى كلام الله أقرأ" (القديس أنطونيوس).
لهذا أوصى الآباء بأن نكرم القراءة كما نكرم الصلاة، حيث أنهما تكملان إحداهما الأخرى... ونحن نشكر الله من أجل فيض الكتب والمجلات والنبذات الروحية التى أعطاها الرب لنا فى هذه الأيام.
هـ- الإجتماعات الروحية :
يوصينا الرسول بولس أن لا نترك إجتماعاتنا، بل أن نحرص على الحضور، لما فى ذلك من بركة روحية وتعليمية هامة..
"غير تاركين إجتماعنا كما لقوم عادة" (عب 25:10)..
"حينما تجتمعون معاً ليس هو لأجل عشاء الرب" (1كو 20:11)، يقصد الأغابى التى تسبق القداس الإلهى، أى العشاء معاً فى المساء، قبل تسبيح نصف الليل..
"متى إجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور له تعليم.." (الإجتماعات التعليمية).. (1كو 26:14).
والإجتماعات الروحية تحقق أهدافاً كثيرة... فهى مثلاً :
أ- تعطى التعاليم الأساسية للخلاص.. "هلك شعبى من عدم المعرفة" (هو 6:4).
ب- تشبع نفوسنا روحياً بكلمة الله.
ج- تحمينا من إنحرافات الفكر وحيل الشيطان.
د- ترد على أية مطاعن فى إيماننا المسيحى القويم.
نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
11 سبتمبر 2018
مجالات الشهادة فى حياة الخادم
كان القديس اغناطيوس حامل الإله، وأسقف إنطاكية يقول لأولاده كثيراً: "لا أعتقد أننى أحب سيدنا يسوع المسيح دون أن يسفك دمى لأجله". وكتب قبل استشهاده لمسيحى روما رسالة قال فيها: "أطلب إليكم ألا تظهروا لى عطفاً فى غير أوانه، بل اسمحوا لى أن أكون طعاماً للوحوش الضارية كى بواسطتها ابلغ إلى الله. أننى خبز الله فاتركونى أطحن بأنياب الوحوش لتصير قبراً لى ولا تترك من جسدى شيئاً حتى لا اتعب أحداً فى موتى فعندما لا يعد العالم يرانى أكون بالحقيقة قد صرت تلميذاً للمسيح.. صلوا لأجلى حتى أعد بهذه الطريقة لأصير ذبيحة لله"
هكذا قابل آباؤنا الموت، وهكذا قدموا الشهادة حية ومحيية. ونحن حين نتأمل حياتهم المطلوبة نشعر بكثير من الخزى ونتساءل: "هل من الممكن أن نصير شهداء؟" وهنا يجيبنا القديس يوحنا ذهبى الفم: "هل تظن أن الصلب على خشبة فقط هو طريق الشهادة؟ لو كان الأمر كذلك لحرم أيوب من إكليله، لكنه تألم أكثر من شهداء كثيرين، لقد قاس الآلام من كل جانب: من جهة ممتلكاته وأولاده وشخصه وزوجته وأصدقائه وأعدائه وحتى خدمته لأجل هذا أقول أن أيوب كان شهيداً"
وارجوا أن أضع أمامك يا رفيقى الشاب بعض مواقف على طريق الشهادة لنمتحن أنفسنا معاً أمامها
أولاً: أشهد للمسيح فى حياتك الخاصة
قف يا أخى الشاب أمام جسدك وحروبه المتعددة موقف الشهيد فحين تحرمه من لذة الخطية بفرح، وحين تمنعه من لذة الطعام بفرح، وحين تقمعه بفرح فيسهر ويصلى، وحين تستعبده بفرح فيسجد إلى الأرض مرات كثيرة، ويرفع اليدين إلى السماء مرات كثيرة ويقرع الصدر بندم الخطاة الراجعين إلى بيت الآب. حين تحيا هذا كله فأنت فى طريق الشهداء. لهذا يوصينا الرسول قائلاً: "أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (رو 1:12)، "لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى لله" (1كو 20:6)
الشاب الذى يضع نصب عينيه شعار الرسول بولس: "الجسد ليس للزنا بل للرب والرب للجسد" (1كو 13:6)، ويحيا فى روح التوبة الصادقة والطلب المستمر للنعمة كل يوم، يتحول إلى هيكل للروح القدس ويتقدس جسده وحواسه بنقاوة مباركة. ولكن هذه الحالة هى رهن الأمانة والاجتهاد والتدقيق، كما أنها رهن مواقف معينة نشهد فيها ضد الجسد وشهواته سواء فى حياتنا السرية أو العلنية
نحن أحياناً نرجع فى الصيف مجهدين من الخدمة فى النادى لا نكاد نتمكن من الوقوف للصلاة، وفى أيام الصوم نهرب من ألام الجوع والعطش، بل كثيراً ما نتمرد على فكرة الصوم ومفعوله كذبيحة حب مطهرة، ولا نرضى ان نجهد أنفسنا فى مطانيات أو قرع للصدر.. فلنبدأ وقفتنا أمام الجسد لنقدمه ذبيحة مقدسة لله
الرسول بطرس يضع أمامنا طريقاً للطهارة إذ يقول: "فإذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد تسلحوا أنتم أيضاً بهذه النية، فإن من تألم بالجسد كف عن الخطيئة" (1بط 1:4)
فنضع أمامنا صورة للرب المصلوب، ولنقدم أجسادنا مذبوحة على صليب المحبة ونية الطهارة.
ثانياً: أشهد للمسيح أمام أصدقائك
معروف أن شبابنا بالمرحلة الثانوية يعانى ضغوطاً كثيرة من الجو المحيط به فى المدرسة والشارع وبالأكثر من الجماعة التى ارتبط بها، لهذا نرى المراهق يخضع بسرعة لتأثير الجماعة واتجاهاتها بطريقة عمياء خصوصاً إذا كان شاعراً بنوع من النقص بسبب عيب خلقى أو اجتماعى أو نفسى أو عملى. وهكذا تراه يستكمل عجزه ببعض السطحيات التافهة أما فى طريق النجاسة والاستهتار أو فى طريق التقليد لغيره من الشبان المنطلقين فى الخطيئة إذ أن شخصياتهم تستهويه، فيرتبط بعادات قد تتأصل فيه وتدمر حياته، كالعادات الشهوانية والتدخين والسلوك المنحرف فى الطرقات وأسلوب تربية الشعر وارتداء الثياب.. الخ. وحينما يبدأ الشاب طريق التوبة يصطدم للفور بهذه الجماعة وتلك الاتجاهات المنحرفة، ويجد مشقة كبيرة فى البداية من نحو الشهادة للطريق الجديد أمام أصدقائه. ولكن هذا الامتحان العسير إذا اجتازه الشاب بنجاح وإصرار على طريق المسيح، تعقبه بركات غامرة سواء فى مجال النصرة على الخطيئة أو السلام الداخلى أو النمو الروحى فى شخصية متكاملة نفسياً واجتماعياً وروحياً
أمام الشاب المتردد فيكون جباناً أمام أصدقائه، ونيته المتقهقرة مهيأة دائماً للهرب، لذلك فهو يفزع من نقد زملائه واستهزائهم به، ويتحرج من الإفصاح عن نواياه الجديدة، بل كثيراً ما يجامل على حساب طريق المسيح. هذا الشاب سيرجع حتماً إلى الخلف ما لم يحسم أموره ويحدد معالم شخصيته المسيحية وطريقه الجديد فى نوع من الشهادة الثابتة المحتملة والواثقة من أمجاد المسيح. كم يحتاج أصدقاؤنا البعيدين عن المسيح إلى نماذج قوية للحياة الغالبة والثابتة كم نحتاج أن نحيا كلمات معلمنا يوحنا الرسول "كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير" (1يو 14:2)، لماذا نهرب من الشهادة أمام أصدقائنا المنحرفين؟ لماذا اعتذر بمشغوليتى حين ادعى إلى سهره لا تمجد الله ولا اشهد للمسيح بوضوح؟ ولماذا أتهرب فى خجل من فيلم مثير يعرضه التليفزيون ولا أعلن فكر الله من جهة هذا الأمر؟ ومتى نشهد بجرأة أصحاب الحق والسالكين فى النور؟
ثالثاً: أشهد للمسيح أمام أولاد العالم
فى البداية يلزمنى أن اشهد للمسيح أمام الجماعة التى كنت ارتبط بها فى أرض الخطيئة ولكن فى الطريق نتقابل كل يوم مع أناس ذوى مبادئ مختلفة، بل أن المبادئ نفسها اهتزت بعنف فى ما لم القرن العشرين. لقد اختلط كل شئ وذابت القيم الأخلاقية والدينية أمام طوفان الاعتداء الإنسانى والتحرر المتطرف والمادية والإباحية والإلحاد. ولقد أدرك الرسول بالروح ما سيحدث فى هذه الأيام فحذرنا قائلاً: "سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح، بل بحسب شهواتهم خاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم يصرفون مسامعهم عن الحق" (2تس 43:7). "فلا يسلكوا فيما بعد كما يسلك سائر الأمم أيضاً ببطل ذمتهم، إذ هم مظلموا الفكر، ومتجنبون عن حياة الله بسبب الجهل الذي فيهم بغلاظة قلوبهم، الذين هم إذ فقدوا الحس اسلموا أنفسهم للدعارة ليعلموا هل نجاسة فى الطمع وأما انتم فلم تتعلموا المسيح هكذا" (أف 17:4-19)، "فلا تكونوا شركاءهم.. اسلكوا كأولاد نور.." (أف 7:5،8)
إذن فليس جديد تحت السماء، وكل انحرافات هذا العالم ومبادئهم الخاطئة معروفة من قبل فى علم الله. وحيثما كثرت الخطيئة ازدادت النعمة جداً (رو 20:5) أما الشباب الذى يتعلل بعلل الخطايا مع الناس فاعلى الإثم (مز 4:140)، فيحتاج إلى وقفة صدق أمام ضميره وأمام الله وأمام تعليمات الكلمة
هنا الشهادة وهنا صبر القديسين، كان (لوط) البار بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم يعذب يوماً فيوماً نفسه الباره بالأفعال الأثيمة، ولنثق من النصرة إذ يستطرد الرسول قائلاً: "ويعلم الرب إن ينقذ الأتقياء من التجربة ويحفظ الاثمة إلى يوم الدين معاقبين" (2بط 8:2،9)
فلنقف مواقف الشهادة أمام الانحرافات التى تسود العالم، ولا نشترك فى أعمال الظلمة غير المثمرة، بل بالحرى نوبخها، فلا نختلس مع المختلسين،ولا نهمل مع المهملين، ولا نهادن الخطأ فى أى موقع بل ننبه اخوتنا فى حب، لا فى تزمت وكبرياء، ولا فى سلبية. وانطواء وما أكثر مواقف الشهادة فى التعامل مع الناس ذوى الاتجاهات المنحرفة، فليكن شعارنا قول الرسول "جميع الذين يريدون أن يعيشوا فى التقوى فى المسيح يسوع يضطهدون" (2تى 12:3). فلا نندمج أذن فى عالم شرير وزملاء منحرفين ولا نهادنهم على أخطائهم بل نشهد للحق مهما كانت الخسارة
رابعاً: أشهد للمسيح أمام الجميع
نحتاج كأولاد للمسيح إلى دراسة واعية لحقائق الإيمان المسيحي خصوصاً فى موضوعات : الثالوث القدوس - ضرورة التجسد - فكرة الفداء - لثبات صلب المسيح - قيامة الرب - صحة الكتاب المقدس وهكذا. ويجب على الشباب المسيحي أن يستوعب هذه الموضوعات ليكون مستعداً لمجاوبة من يسأله بوداعة وخوف بعنصرية أو تحزب أو خصام
فأشهد للمسيح أمام اخوتك فى حياته المقدسة ووداعتك وحبك وخدمتك الباذلة، وبكلماتك المشحونة وداعة وهدوءا. لا تجادل فى مناقشات عقيمة تسبب الخصومات بل أجب على هذه الأسئلة التى تقدم إليك فى روح الاستطلاع الهادئ والهادف، لا تتحصل حول أخوتك من دينك، بل انسجم فى حب وروح جماعية مع اخوتك فى الديانات الأخرى، "ليضئ نوركم قدام الناس" (مت 16:5)
خامساً: أشهد للمسيح فى خدمتك
وهذا مجال أخير للشهادة فحين نتأمل حياة الرب يسوع وخدمته، ثم حياة تلاميذه الرسل وأباء الكنيسة، نعرف أن منهم من باع نفسه عبداً ليتمكن من دخول مدينة ما، ومنهم من غير معالم شخصيته ليدخل مدينة أخرى. وليس مثل الرسول بولس بعيداً عنا حين نقرأ انه جال بين القارات المختلفة يؤسس عدداً ضخماً من الكنائس ويسعى وراء النفوس فى حب ودموع وفى أتعاب وأسهار وضربات وسجون وميتات وجلدات ورجم، فى أخطار فى البحر والبرية وجوع وعطش وبرد وعرى
حين نقرأ هذه القائمة الجبارة من الأم الخدمة نعرف أننا لم نصر بعد خداماً. فالخادم الحقيقى قد جهز قلبه للألم وأعد نفسه لدفع ضريبة الخدمة، وقد امتلاء فرحاً بهذه الآلام بسبب المجد الذى عجبها ويعقبها
هل نبذل دمائنا لأجل الخدمة. وهل نعطى الرب من أوقاتنا ما نحن فى حاجة إليه. ومن أموالنا ما لا نستطيع الاستغناء عنه ومن جهدنا رغم قلته وضعفه؟ هنا الشهادة فالخادم الذى يكتفى برفاهية الخدمة ومظهريتها وأمجادها يجب أن يقف أمام نفسه ليقدمها مطوبة ومذبوحة حباً
فليعطنا الرب أن نبذل أنفسنا فى مجالات الشهادة المختلفة فيشهد لنا الروح القدس أننا شهداء بلا دماء
نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
04 سبتمبر 2018
الحرية أبعادها وحدودها
أولاً : ما هو المقصود بالحرية :
يختلف مفهوم الحرية مع التطور السياسى والاقتصادى العالمى ، وظهور الهيئات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة من أجل حق تقرير المصير ، والتخلص من الاستعمار ، والحريات الشخصية فى مواجهة السلطة ، وحرية التعبير . ولكن حين وجهنا السؤال للشباب ركزت الإجابات على الحريات الشخصية ، خاصة فى مواجهة سلطة الوالدين .
ويمكن ملاحظة الارتباط الوثيق بين الحرية وتحمل المسئولية فمنذ الطفولية يتحول الإنسان تدريجياً إلى الاعتماد على النفس ، يتناول طعامه بنفسه ، ويرتدى ملابسه ، ويختار أصدقاءه ، وينظم لعبه ثم مكتبة ، ويستذكر دروسه دون إشراف الوالدين ... ويتضح هنا تراجع سلطة الوالدين تدريجياً ، مع تزايد تحمل المسئولية الشخصية .
وهذا ما يؤكده "سارتر" فهو يؤكد الرابطة بين الحرية والمسئولية، فكل قرار أنت حر فيه تكون مسئولاً عن النتائج المترتبة عليه . وذلك على كل المستويات : من مسئولية الطالب عن نجاحه أو فشله الدراسى، إلى مسئولية الطبيب عن الدواء الذى وصفه لمريض، إلى مسئولية الكاتب عن ما عرضه فى الجريدة ، مسئولية السائق عن حادثة سيارة .. إلى مسئولية رئيس الدولة عما يتخذه من قرارات تدخل فى نطاق سلطته وتؤثر على المجتمع .
ثانياً : الحرية وحقوق الآخرين :
"بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس: كل من لا يفعل البر فليس من الله ، وكذا من لا يحب أخاه" (1يو10:3)
إن أهم حدود الحرية هى حرية واحترام حقوق الإنسان الآخر ، فمثلاً استخدام الراديو بحيث لا يزعج صوته الجار ، وعلى ألا يعطل آخر يريد أن يستذكر. وكذلك التليفزيون والتليفون. بل أنه فى بعض المناطق أصبح هناك عقوبات على استخدام "كلكس" السيارة .. كذلك تم منع التدخين فى أماكن كثيرة ، لأنه يضر بالآخرين ، وما يتم مراجعته حالياً حول إلقاء نفايات فى نهر النيل .
ثالثاً: الحرية واحترام القانون :
هناك قوانين متعلقة بمواعيد العمل ، اختصاصات كل موظف ، والزى المدرسى أو للمضيفات أو للممرضين والأطباء ، واحترام إشارات المرور ، واحترام التعليمات فى الانتخابات ، والتعامل مع الرؤساء ، والهيئات ، والشركات ، والبنوك .. هناك قوانين تنظم الحريات والتعامل ، وذلك في كل مناحى الحياة .
رابعاً: الحرية واحترام التقاليد :
فكل مجتمع له تقاليده وعاداته ، والخروج عنها يجعل الإنسان مرفوضاً أو موضع سخرية، مثل نوعية الملابس فتختلف ملابس الهنود عن اليابانيين عن الأوروبيين . كذلك يختلف أسلوب التحية والسلام ، وموقف المرأة فى المجتمعات المختلفة ، وحتى ما يقدم على المائدة ، فحرية كل فرد عند إشباع احتياجاته هى داخل الهامش الذى يسمح به المجتمع وتقاليده ...
خامساً: الحرية فى مواجهة الإنسان نفسه :
حتى فى مواجهة الإنسان لنفسه هناك حدود للحرية ، ولا يحق له أن يدمر ذاته أو يقتلها ، وإذا ضبط يسعى لذلك تقيد يديه أو يوضع فى مصحة نفسية .. حماية المجتمع ، وأمام الله أيضاً ... قاتل نفسه قاتل فالذى ينتحر تجاوز أبعاد الحرية التى أعطيت له فلقد أعطى حق رعايته نفسه وليس قتلها ...
سادساً الحرية ومسئولية الإنسان عن شخصيته :
إن حرية الإنسان لا تعنى خروج الجسد أو العاطفة عن المبادئ التى يتمسك بها ، أو المعتقدات والاقتناعات العقلية .فالتدخين مثلاً أو تعاطى المخدرات لا يعنى أن الإنسان حر، بل يعنى أنه غير قادر على قيادة حياته وتحديد مساره . هو استبعاد للعادات السيئة وليس تحرراً . والتخلص منها هو التحرر من عبوديتها . الإدمان عبودية وليس حرية . وحتى عدم قدرة الإنسان على ضبط شهواته ، وأهوائه ، ونزعاته وحدة انفعالاته هو نوع من الخضوع لها ، وهو أسوأ من الخنوع لسلطات خارجية . "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو 8: ) وكل تحرر يتطلب قوة مقاومة وجهاد من اجل الانتصار ، وهو ضمن خطوات بناء الشخصية القوية .
سابعاً: الحرية والانقياد للشلة :
عجيب أمر الفتى الذى يرفض تماماً الخضوع لأى أوامر أو نواهى من سلطة عليا ، حرصاً على كرامته وحريته ، ثم ينقاد إلى شلة تتحكم فيه دون مناقشة ، أو حتى مراجعة لقراراتها ، وأثر ذلك على مستقبله وحياته وكيانه ، ومادام احتمال الانسياق للشلة قائماً ، يجب التدقيق أصلاً فى اختيار الأصدقاء ، إذ يقول المثل الإنجليزى "الصديق مثل رقعة الثوب يجب أن يكون من نفس النسيج" . أنت حر حين تختار الصديق . ولكن بعد ذلك لا تضمن التأثير إذا أسأت الاختيار .
ثامناً: الحرية والقسمة والنصيب :
هناك جوانب من الحياة لسنا أحراراً فى اختيارها مثل الأسرة ، المدينة أو القرية ، الوطن ، الجنس ، اللون وغيرها من الصفات الوراثية . ولكن حرية ومسئولية استغلالها مكفولة في حدود معينة وكثير منا يلقى مسئولية فشله على الله أو على قسمته ونصيبه ، أما النجاح فينسبه لنفسه ...
نسمع ذلك عند ظهور نتائج الامتحانات ، أو فشل الزيجات ، كل إنسان فى حدود ظروفه وقدراته يختار طريقه ، ويشكل حياته ، وعليه أن يتكيف مع ما لا يمكن تغييره ، يقبله كواقع ويتفاعل معه ، يعدل ويصلح ما يمكن إصلاحه .
تاسعاً: الحرية فى علاقتنا بالله :
لقد خلق الله آدم وحواء أحراراً ، وأكلوا من الشجرة على عكس الأمر الإلهى ، ولكن تم حسابهم ، فهم وكل بنى آدم مسئولون أمام الله . إن الإنسان مدعو لأن يكون أبناً لله ، والأنبياء والرسل عبر العصور يبلغونهم الدعوة للأحضان البوية ، لكن الاستجابة مسئولية شخصية . الابن الضال هو الذى قرر أن يترك بيت أبيه ، وهو الذى اتخذ قرار العودة . إن الحياة مع الله لا تلغى حريتنا ، بل تضيف إليها إذ أن الروح يعطينا قوة النصرة على إغراءات العالم ، وضغوط الجسد ، إثارات الآخرين ، عدو الخير ...
إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو 36:8) .
وتعرفون الحق ، والحق يحرركم" (يو 32:8) .
إنما دعيتم إلى الحرية أيها الأخوة ، لا تصمدوا الحرية فرصة الجسد" (غل 13:5) .
فاثبتوا في الحرية التى حررنا بها المسيح" (غل 1:5) .
عاشراً : الحرية الحقيقية :
هى حرية الروح ، وإمكانية النصرة ، فالحرية هى القدرة على الاختيار ، والقدرة على الانتصار .. وهذا ممكن بالمسيح الذى يسكب فينا روحه القدوس ونعمة الإلهية فتكون أقوياء أمام إغراءات الشر ، ومنتصرين بقوة عمله فينا ، وبأمانة جهادنا معه ... والإنسان المؤمن يضع لنفسه ضوابط هامة مثل :
روح الله الساكن فينا .
الكتاب المقدس الذى ينير طريقنا .
الضمير .. الذى يتحدث داخلنا .
الأب الروحى .. الذى يقود حياتنا بنعمة الله .
نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد