المقالات

19 نوفمبر 2019

المسيح في العهد القديم - قصة نزول يعقوب وأسرته إلى أرض مصر

كانت قصة نزول يعقوب وأسرته معه إلى مصر، واستعبادهم في عبودية مُرّة بأرض مصر لمدة أربعمائة سنة، ثم عودتهم إلى أرضهم إسرائيل كانت هذه القصة الطويلة تحمل في طياتها رمزًا وإشارة ونبوة عما عمله السيد المسيح مع البشر بتجسده وتأنسه وفدائه العظيم الذي أتمه على الصليب خروج إسرائيل من أرض الموعد إلى أرض مصر كان إشارة إلى خروج آدم من الفردوس إلى أرض الشقاء لقد كان خروج آدم بسبب الأكل، وكذلك نزول إسرائيل إلى مصر كان بسبب الأكل فرعون يرمز إلى الشيطان بسبب الكبرياء والوثنية واستعباد الناس بعبودية مُرّة فصار إسرائيل تحت سلطان فرعون لمدة أربعمائة سنة رمزًا إلى استعباد الشيطان للناس حتى مجيء السيد المسيح المُخلِّص"فقال لأبرام: اعلم يقينًا أن نَسلَكَ سيكون غريبًا في أرض ليست لهم، ويُستعبدون لهم. فيذلونهم أربع مئة سنة. ثم الأُمة التي يُستعبدون لها أنا أَدينُها، وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة" (تك15: 13-14) حقاً صار الإنسان غريباً في أرض ليست له، لأن موطننا الأصلي هو السماء واُستعبد الإنسان للخطية والظلمة والشيطان، ولنا رجاء في الله أن نخرج من هذه الأرض إلى السماء بأملاك جزيلة أي بأكاليل النصرة وثمار الروح القدس بعد حرب طويلة ضد قوات الظلمة الأربعمائة سنة ترمز إلى أربعة أحقاب طويلة مرت بها البشرية قبل مجيء المُخلِّص الرب يسوع، وهي من آدم إلى نوح، ومن نوح إلى إبراهيم، ومن إبراهيم إلى موسى، ومن موسى إلى المسيح في نهاية المدة التي حددها الله بنفسه لامتحان شعبه هيأ لهم مُخلصاً هو موسى النبي العظيم الذي كان رمزاً لشخص ربنا يسوع المسيح فأخرجهم موسى من سلطان فرعون بيد عزيزة وذراع عالية، كمثلما أخرجنا السيد المسيح من سلطان الشيطان عمل موسى معجزات عظيمة قبل إخراج الشعب من مصر، وكذلك عمل السيد المسيح معجزات باهرة قبل صلبه المقدس الذي به حررنا من عبودية إبليس كانت آخر ضربات مصرضربة قتل الأبكار، مع قصة خروف الفصح الذي كان رمزاً واضحاً لموت السيد المسيح على الصليب، ثم خرج الشعب من مصر بعد ذبح الخروف، وكذلك خرجنا نحن أيضاً بالمسيح بموته على الصليب "لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا" (1كو5: 7) عندما خرج الشعب من مصر عبروا أولاً في البحر الأحمر، وكان هذا رمزاً للمعمودية التي نتحرر بها من سلطان الشيطان، ونبدأ حياة جديدة في رعوية شعب المسيح "فإني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة، وجميعهم اجتازوا في البحروجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر" (1كو10: 1-2) بعد عبورهم البحر لم يدخلوا مباشرة إلى أرض الموعد، ولكن تاهوا في البرية لمدة أربعين سنة كانت إشارة إلى فترة الجهاد الروحي التي يقضيها الإنسان منذ معموديته حتى دخوله إلى السماء بالموت الجسدي مع ملاحظة أن رقم أربعين يرمز إلى جيل كامل أي إلى عمر الإنسان كله فنحن مطالبون أن نجاهد في برية هذه الحياة طوال العمر.. حتى ندخل إلى السماء"مَنْ يجاهد يضبط نفسه في كل شيء. أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى، وأما نحن فإكليلاً لا يفنى" (1كو9: 25) "جاهد جهاد الإيمان الحسن، وأمسك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيت أيضاً، واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين " (1تي6: 12) "وأيضاً إن كان أحد يجاهد، لا يُكلَّل إن لم يجاهد قانونياً" (2تي2: 5) "قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان" (2تي4: 7) كانوا في البرية يأكلون طعاماً من السماء هو المَن الذي كان رمزاً لجسد السيد المسيح الذي نغتذي به في حياتنا في هذه البرية"وجميعهم أكلوا طعاماً واحداً روحياً" (1كو10: 3)، "أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المَنَّ في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يو6: 48-51) وكانوا يشربون في البرية من الصخرة التي ضربها موسى بالعصا فخرج منها ماء.. "وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح" (1كو10: 4)الصخرة هي المسيح، والعصا هي الصليب وضرب الصخرة بالعصا يرمز إلى صلب السيد المسيح وآلامه وموته، وخروج الماء يرمز إلى نهر الخلاص الذي نبع لنا من صليب المسيح في مرة أخرى عطش الشعب وتذمروا، فصرخ موسى للرب، فكان كلام الرب إليه قائلاً: "خذ العصا واجمع الجماعة أنت وهارون أخوك، وكَلِّما الصخرة أمام أعينهم أن تعطي ماءها، فتخرج لهم ماء من الصخرة وتسقي الجماعة ومواشيهم" (عد20: 8)"العصا" هي الصليب، و"اجمع الجماعة" يعني الاجتماع الليتورجي، وهرون يمثل الكهنوت، و"كلِّما الصخرة" تعني الصلاة إلى السيد المسيح بالقداس أن يعطينا خلاصه الثمين بدمه الكريم، وفي نهاية القداس نتناول من جسد الرب ودمه (تسقي كل الجماعة) ففي المرة الأولى أمر الرب موسى أن يضرب الصخرة، وفي الثانية أن يكلّمها رمزاً إلى أن السيد المسيح مات مرة واحدة بالصليب، وبعد ذلك يسيل دمه إلينا بالصلاة وليس بتكرار الصلب استمر الشعب في البرية حتى مات موسى، ثم أدخلهم يشوع إلى أرض الموعد إشارة إلى أن الناموس والأنبياء لم يستطيعوا تخليص الإنسان وإدخاله إلى السماء إلا المسيح وحده يشوعنا الجديد، الذي استطاع أن يدخلنا إلى الفردوس بنعمته أما الناموس فقد كان "مؤدبنا إلى المسيح" (راجع غل3: 24)، "ولكن بعد ما جاء الإيمان، لسنا بعد تحت مُؤدبٍ" (غل3: 25) وعند دخولهم إلى أرض الموعد عبروا نهر الأردن ليكون رمزاً جديداً للمعمودية ثم حاربوا حروباً صعبة إشارة إلى الحروب الروحية قبل أن يتمكنوا من تملك الأرض التي أعطاها إياهم الله التي هي رمز للسموات بعينها ترى إذاً أن فترة طويلة من تاريخ الإنسان (نحو خمسمائة عام) استخدمها الله ليكشف لنا خطته في الخلاص بعد السقوط والنفي، ثم عصر الأنبياء، وأخيراً مجيء المسيا المُخلِّص قبل أن نعود عودة نهائية إلى أرضنا الحقيقية التي هي ملكوت السموات. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
12 نوفمبر 2019

المسيح في سفر التكوين - بركة يعقوب لأبنائه

كانت بركة أبينا يعقوب لأبنائه الأسباط الاثنى عشر مليئة بالمعاني المسيانية.. التي تشير إلى السيد المسيح بمنتهى الوضوح.. تعالوا معًا نشبع بكلمة الله، ونتأمل في هذه المعاني"ودعا يعقوب بنيه وقال: اجتمعوا لأُنبئكُم بما يُصيبكُم في آخر الأيام. اجتمعوا واسمعوا يا بني يعقوب، واصغوا إلى إسرائيل أبيكم" (تك49: 1-2)إن آخر الأيام التي يتكلم عنها الأب يعقوب هي أيام مجيء المسيا. (1) رأوبين "رأوبين، أنت بكري، قوتي وأول قدرتي، فضْل الرِّفعة وفضل العزِّ" (تك49: 3)إنه يرمز للبّر الذاتي والكفاية البشرية.. إنه "بكري وقوتي وأول قدرتي".. لذلك ليس له نصيب مقدس مع الرب بسبب هذا البر الزائف، وهذا رمز للفريسيين الذين وبخهم السيد المسيح بقوة لذلك قيل: "لأنه هو البكر، ولأجل تدنيسه فراش أبيه، أُعطيت بكوريته لبني يوسف بن إسرائيل، فلم يُنسب بكرًا" (1أخ5: 1). إن كل مَنْ يعتمد على مهاراته وقدراته البشرية يُحرم من نعمة الله. (2) ،(3) شمعون ولاوي يشيران إلى الكتبة والكهنة إنهما "أخوان، آلات ظُلم سيوفهما" (تك49: 5) لأن الكتبة والكهنة قد ظلموا المسيح، وجمعوا عليه مجمعًا ظالمًا لذلك قيل: "في مجلسهما لا تدخل نفسي. بمجمعهما لا تتحد كرامتي" (تك49: 5)"لأنهما في غضبهما قتلا إنسانًا (ربنا يسوع المسيح)، وفي رضاهما عَرقبا ثورًا (الذبيحة المقدسة)" (تك49: 6) لقد أسلموا المسيح حسدًا، وبغضب شديد أرادوا أن يصلبوه، وإذ هم قد فرحوا وسروا بأنهم تخلّصوا من المسيح كان هذا الرضا بمثابة تقديم الذبيحة المقدسة التي هي ربنا يسوع المسيح على الصليب المقدس فتحقق فيهم هذا القول النبوي "في غضبهما قتلا إنسانًا وفي رضاهما عَرقبا ثورًا". (4) يهوذا هو السبط الذي تجسد منه السيد المسيح، لذلك قيل في النبوات: "لأن يهوذا اعتز على إخوته ومنه الرئيس" (1أخ5: 2)والنبوة الخاصة بيهوذا تشير بكل وضوح إلى ربنا يسوع المسيح فتقول"يهوذا، إياك يحمد إخوتك" (تك49: 8) لأن منه يأتي "المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد. آمين" (رو9: 5)"يدك على قَفَا أعدائك" (تك49: 8)لأن السيد المسيح انتصر على الشيطان "يسجد لك بنو أبيك" (تك49: 8)لأنه هو الله الظاهر في الجسد فيحق له السجود والعبادة "يهوذا جَرو أسد" (تك49: 9)وقيل عن السيد المسيح"الأسد الذي من سبط يهوذا" (رؤ5: 5)"من فريسة صعدت يا ابني" (تك49: 9) هو أسد بسبب قيامته بقوة، وهو فريسة لأنه صُلب عن ضعف، ولكن بالصليب غلب الشيطان، وحطم مملكته، ثم صعد من هذه الفريسة بالقيامة من الأموات "جثا وربض كأسد وكلبوة" (تك49: 9) لأنه مات ودفن في القبر "مَنْ يُنهضه؟" (تك49: 9)مَنْ يستطيع أن يقيمه من الموت إنه سيقوم بقوته الذاتية الإلهية "لا يزول قضيب من يهوذا" (تك49: 10) قضيب الملك لأن السيد المسيح هو "ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ19: 16) "ومُشترع من بين رجليه" (تك49: 10) أي واضع شريعة من نسله والسيد المسيح نسل يهوذا، وهو واضع شريعة الكمال للعهد الجديد "حتى يأتي شيلون" (تك49: 10)شيلون هو اسم نبوي للمسيا ومعناه "الأمان" "وله يكون خضوع شعوب" (تك49: 10)لأن كل الأمم وليسو اليهود فقط قد خضعوا للمسيح، وصار له في كل مكان كنيسة وشعب مجتمع يحبه ويخدمه ويعبده بالحق "رابطًا بالكرمة جحشه، وبالجفنة ابن أتانه" (تك49: 11)الكرمة والجفنة هي سر الإفخارستيا، والجحش ابن الأتان هو الكنيسة التي ركبها المسيح، ودخل بها إلى أورشليم السمائية، وقد ربط هذه الكنيسة المجيدة بسر دمه الطاهر في التناول من الإفخارستيا، فصارت علامة الكنيسة المسيحية الحقيقية هي الارتباط بالقداس والإفخارستيا "مُسوَد العينين من الخمر" (تك49: 12)إشارة إلى وضوح رؤية العين بسبب التناول من جسد الرب ودمه "عرفاه عند كسر الخبز" (لو24: 35) "مُبيض الأسنان من اللبن" (تك49: 12) إشارة إلى قوة الأسنان بسبب الشبع من اللبن الروحي الذي هو كلام الله "سقيتُكم لبنًا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون" (1كو3: 2)والأسنان هنا ترمز إلى الكلام الخارج من فم الإنسان، يكون هذا الكلام قويًا مؤثرًا لأنه شبعان بكلمة الله "الغذاء العقلي". (5) زبولون "زبولون، عند ساحل البحر يسكن، وهو عند ساحل السفن، وجانبه عند صيدون" (تك49: 13) يرمز إلى الكرازة بإنجيل المسيح بين الأمم (ساحل البحر)، ومن خلال الأسفار في البحر عدة مرات (ساحل السفن). (6) يساكر "يساكر، حمار جسيم رابض بين الحظائر. فرأى المحل أنه حسن، والأرض أنها نزهة، فأحنى كتفه للحمل وصار للجزية عبدًا" (تك49: 14-15)إشارة إلى أتعاب الخدمة واحتمال أثقال الآخرين، والأرض النزهة هي الأرض المخصبة التي أنتجب قمحًا وعنبًا لجسد الرب ودمه الأقدسين، وهذان هما أكبر مُشجِّع لأن نحنى أكتافنا لحمل الآخرين. (7) دان "دان، يَدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل. يكون دان حيَّة على الطريق، أفعوانًا على السبيل، يلسع عَقبي الفرس فيسقط راكبه إلى الوراء" (تك49: 16-17)إنه السبط الذي سيأتي منه (ضد المسيح) في آخر الأيام، فهو "حيَّة على الطريق" إشارة إلى فعل الشيطان. ولذلك يختم النبوة عنه بكلمة "لخلاصِك انتظرت الرب" (تك49: 18). (8) جاد "جاد، يزحمه جيش، ولكنه يزحم مؤخره" (تك49: 19) يشير إلى الجهاد الروحي. (9) أشير "أشير، خبزه سمين وهو يعطي لذات ملوك" (تك49: 20)يشير إلى ثمار الجهاد الروحي، وفيض النعمة. (10) نفتالي "نفتالي، أيِّلة مُسيَّبة يُعطي أقوالاً حسنة" (تك49 :21)يشير إلى النفوس حديثة العهد بالعبادة الروحية الحقيقية، وهي نفوس رقيقة مرهفة "آيلة مُسيَّبة". (11) يوسف "يوسف، غصن شجرة مثمرة، غصن شجرة مثمرة على عين" (تك49: 22)يوسف كلمة معناها "يزيد"، وهو يشير إلى الثمر المتزايد، كمثل السيد المسيح الذي أثمر بتعبه وصليبه وأنتج شعبًا عظيمًا والعين هي ينبوع الروح القدس الذي يعطي النعمة في الكنيسة "أغصان قد ارتفعت فوق حائط" (تك49: 22): الحائط كان من المفترض أنه يعوق نمو الشجرة، ولكنه صار لها سورًا. فكل ما قابل يوسف من ضيقات كان من شأنه أن يعوق نموه الروحي، ولكنه صار دعامة لهذا النمو وكذلك بالنسبة للسيد المسيح كانت كل الضيقات والآلامات التي قابلته سببًا في خلاص الإنسان "فمررته ورمته واضطهدته أرباب السهام" (تك49: 23) إنهم الشياطين وأعوانهم من الكتبة والفريسيين ورؤساء الشعب الذين مرروا السيد المسيح، ورموه بأفظع الاتهامات، واضطهدوه حتى الصليب "ولكن ثبتت بمتانة قوسه، وتشددت سواعد يديه" (تك49: 24) لأنه قام من الأموات منتصرًا على شوكة الموت والجحيم والخطية والشيطان. (12) بنيامين "بنيامين، ذئب يفترس. في الصباح يأكل غنيمة، وعند المساء يُقسِّم نهبًا" (تك49: 27)إنها نبوة عن بولس الرسول الذي كان في بداية حياته يأكل غنيمة.. حيث كان يضطهد المسيحيين، وفي نهاية حياته كان يُقسِّم نهبًا. أي أنه نهب مملكة الشيطان لحساب مملكة المسيح. لقد كان ذئبًا يفترس، وصار حملاً وديعًا للمسيح إنها نبوة رائعة.. ليست عن أبناء يعقوب بالجسد بل عنا نحن المسيحيين، وإلهنا المحبوب ربنا يسوع المسيح الذي آمنا به لنخلُص ونصير شعبه بالحقيقة. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
05 نوفمبر 2019

المسيح في سفر التكوين - المسيح في حياة أبينا يعقوب

يُعتبر أبونا يعقوب رأس الكنيسة القديمة، إذ هو أبو الأسباط، وكذلك السيد المسيح هو رأس ورئيس الكنيسة الجديدة إذ هو أب الجميع وكما كان ليعقوب اثنا عشر ابنًا هم رؤوس الآباء الأولين وأساس كنيسة العهد القديم كذلك للمسيح أيضًا اثنا عشر تلميذًا ورسولاً أسسوا كنيسته المقدسة وهم أصل الإيمان وجذر الآباء "مَبنيينَ علَى أساسِ الرُّسُلِ والأنبياءِ، ويَسوعُ المَسيحُ نَفسُهُ حَجَرُ الزّاويَةِ" (أف2: 20)دعنا الآن نتتبع أوجه الرمزية في حياة أبينا يعقوب التي تشير بوضوح إلى سيدنا وإلهنا ربنا يسوع المسيح: (1) بكر بين أخوة كثيرين:- كان يعقوب توأمًا لأخ آخر هو عيسو، وكان عيسو الأخ الأكبر ومع ذلك صار يعقوب بكرًا بدلاً منه. عيسو هو رمز لآدم الذي نزل أولاً على الأرض "لذلكَ دُعيَ اسمُهُ أدومَ" (تك25: 30). ثم تعقبه في ملء الزمان مجيء المسيح على الأرض ومع ذلك صار المسيح "بكرًا بَينَ إخوَةٍ كثيرينَ" (رو8: 29) بدلاً من آدم لقد فقد آدم بكوريته بسبب أكلة واحدة "لئلا يكون أحذ زانيًا أو مستبيحًا كعيسو، الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته" (عب12: 16)، وأيضًا فقد آدم بكوريته بسبب أكلة واحدة "فأخَذَتْ مِنْ ثَمَرِها وأكلَتْ، وأعطَتْ رَجُلها أيضًا معها فأكلَ" (تك3: 6) واكتسب يعقوب البكورية لأنه ضبط شهوة الأكل، وكان مترقبًا ومتلهفًا أن ينال هذه البكورية ليأخذ شرف أن يأتي المسيح من نسله وكذلك أخذ المسيح البكورية من آدم إذ بدأ خدمته بالصوم وضبط الجسد أما عيسو "فأكلَ وشَرِبَ وقامَ ومَضَى. فاحتَقَرَ عيسو البَكوريَّةَ" (تك25: 34) حقًا قيل في يعقوب وعيسو "شَعبٌ يَقوَى علَى شَعبٍ" (تك25: 23)، أي أن شعب المسيح يقوى على شعب العالم، "وكبيرٌ يُستَعبَدُ لصَغيرٍ" (تك25: 23) أي آدم (الكبير سنًا) يستعبد للمسيح (الذي جاء متأخرًا في ملء الزمان) وقد تعتبر أن عيسو يرمز للعهد القديم ويعقوب للعهد الجديد أو يرمزان للجسد والروح أو يرمزان للفضائل والرذائل التي توجد معًا في داخل القلب ويجب علينا أن نقوي الفضائل ونُميت الرذائل ونستعبد الجسد للروح "أقمَعُ جَسَدي وأستَعبِدُهُ، حتَّى بَعدَ ما كرَزتُ للآخَرينَ لا أصيرُ أنا نَفسي مَرفوضًا" (1كو9: 27) لقد قيل "كانَ عيسو إنسانًا يَعرِفُ الصَّيدَ، إنسانَ البَريَّةِ، ويعقوبُ إنسانًا كامِلاً يَسكُنُ الخيامَ" (تك25: 27)، الأول إنسان وحشي دموي صياد، والثاني رجل كامل (كمال ناسوت المسيح)، يسكن الخيام (التجسد حيث سكن المسيح في خيمة جسدنا البشري). (2) ابن الله وابن الإنسان:- مع أن يعقوب قد نال البركة من أبيه بخداع ومكر.. الأمر الذي عاقبه عليه الله فيما بعد.. ولكن الله وافق على هذه البركة بسبب أحقية يعقوب فيها إذ قد صار البكر.. وكذلك ليعطي لنا معنى وتفسيرًا يشير إلى السيد المسيح:- أ- عندما "فقالَ يعقوبُ لأبيهِ: أنا عيسو بكرُكَ" (تك27: 19).. يشير إلى السيد المسيح الذي أخذ مكان آدم أمام الآب السماوي ليحمل عنا عقاب خطايانا وليأخذ لنا فيه البركة. ب - عندما قال يعقوب لأبيه اسحق: "قد فعَلتُ كما كلَّمتَني" (تك27: 19).. وهذه ترمز إلى الطاعة التي أكملها الابن المسيح بدلاً عن آدم الذي تأخر في الطاعة بل قدّم العصيان. ج - عندما قال اسحق لابنه "الصَّوْتُ صوتُ يعقوبَ، ولكن اليَدَينِ يَدا عيسو" (تك27: 22)، كأن الآب السماوي يقول: "الصوت صوت ابني الحبيب الوحيد اللوغوس، والجسد جسد آدم". إنه هنا يتكلم عن اتحاد اللاهوت (الابن) بالناسوت (الطبيعة البشرية). (3) "نَعَمْ، ويكونُ مُبارَكًا" (تك27: 33):- كلمات البركة التي نطق بها أبونا اسحق فيها إشارات مبدعة إلى السيد المسيح:- أ- "رائحَةُ ابني كرائحَةِ حَقلٍ قد بارَكَهُ الرَّبُّ" (تك27: 27).. ما هذا الحقل إلا الكنيسة المقدسة التي فيها الكرمة الحقيقية: جذرها المسيح وأغصانها نحن، والآب السماوي هو الكرام.. "أن الكَرمَةُ الحَقيقيَّةُ وأبي الكَرّامُ" (يو15: 1)، "أنا الكَرمَةُ وأنتُمُ الأغصانُ" (يو15: 5) حقًا إن الكنيسة هي حقل قد باركه الرب، ورائحة البخور المتصاعدة منها هي رائحة الصلاة والطهارة، وكل فضيلة تدل وتكشف عن هذه الكنيسة الحقل المقدس المرعى الخصيب. ب- "فليُعطكَ الله من ندى السماء" (تك27: 28).. إن ندى السماء هو النعمة النازلة على الكنيسة بفعل الروح القدس من السماء. ت- "ومِنْ دَسَمِ الأرضِ. وكثرَةَ حِنطَةٍ وخمرٍ" (تك27: 28).. دسم الأرض هو الجسد الذي اتحد به الابن الوحيد.. لقد اتحد بطبيعتنا الترابية، فأعطى لنا كرامة وصار للأرض دسم وقيمة. أما الحنطة والخمر فهما سر الإفخارستيا المقدس.. الحنطة هي الجسد المقدس والخمر هو الدم الكريم لم تكن البركة – التي نطق بها الأب اسحق بالروح القدس – يُقصد بها القمح والعنب في حد ذاتهما – وإلاَّ لكان قد منحهما أبونا اسحق مرة أخرى لابنه عيسو عندما طلب البركة "أما أبقَيتَ لي بَرَكَةً؟. فأجابَ إسحاقُ وقالَ لعيسو: إني قد جَعَلتُهُ سيدًا لكَ، ودَفَعتُ إليهِ جميعَ إخوَتِهِ عَبيدًا، وعَضَدتُهُ بحِنطَةٍ وخمرٍ. فماذا أصنَعُ إلَيكَ يا ابني؟" (تك27: 36-37) قيل "عَضَدتُهُ بحِنطَةٍ وخمرٍ".. ماذا يمنع أن تعضدني أنا أيضًا بحنطة وخمر؟ إن الحنطة والخمر هنا هما جسد الرب ودمه، فإذا جاء المسيح من نسل يعقوب فكيف يأتي من نسل عيسو؟ وبالفعل لم تتحقق ليعقوب البركة بالمعنى المادي الحسي حيث أننا نعلم أنه نزل إلى مصر في شيخوخته ليشتري قمحًا ويقتات من خير مصر. فهذه البركة تحققت في ملء الزمان عندما جاء المسيح من نسله وأعطانا جسده ودمه المقدسين في صورة حنطة وخمر. ج- "ليُستَعبَدْ لكَ شُعوبٌ، وتسجُدْ لكَ قَبائلُ. كُنْ سيدًا لإخوَتِكَ، وليَسجُدْ لكَ بَنو أُمكَ. ليَكُنْ لاعِنوكَ مَلعونينَ، ومُبارِكوكَ مُبارَكينَ" (تك27: 29).. لقد اُستعبد يعقوب للابان خاله، ولم يتمتع بهذه السيادة طوال عمره، بل تحققت هذه النبوة بمجيء السيد المسيح من نسله، فصارت كل الشعوب وكل الأمم وكل القبائل وكل الألسن تتعبد لاسمه القدوس. (4) سلم يعقوب:- رأى يعقوب حلمًا "وإذا سُلَّمٌ مَنصوبَةٌ علَى الأرضِ ورأسُها يَمَسُّ السماءَ، وهوذا مَلائكَةُ اللهِ صاعِدَةٌ ونازِلَةٌ علَيها" (تك28: 12) إن هذا السلم يرمز إلى التجسد الإلهي حيث نزل إلينا الله، ويرمز أيضًا إلى الصليب المجيد إذ أنه منصوب على الأرض ورأسه يمس السماء، ويرمز ثالثة إلى العذراء مريم الوسيلة التي نزل عليها الله إلينا.. والتي صارت صلة تصل السماء بالأرض أما الملائكة الصاعدة والنازلة عليها فتشير إلى أن البعض سيصعد بالمسيح إلى السماء "ليس أحَدٌ يأتي إلَى الآبِ إلا بي" (يو14: 6)، والبعض الآخر سيُعثر فيه وينزل من مكانته السمائية "إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، ولعلامة تُقاوم" (لو2: 34). وهذا السلم أشار إليه السيد المسيح عندما قال لنثنائيل: "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: مِنَ الآنَ ترَوْنَ السماءَ مَفتوحَةً، ومَلائكَةَ اللهِ يَصعَدونَ ويَنزِلونَ علَى ابنِ الإنسانِ" (يو1: 51) إنه السلم النازل من السماء علامة اتضاع الله ونزوله إلينا ضد كبرياء بابل التي أرادت أن تبني برجًا من الأرض إلى السماء للارتفاع والتكبر على الله نفسه لقد أقام أبونا يعقوب في مكان هذه الرؤية أول كنيسة، ودشنها بالزيت، وأسماها بيت إيل (أي بيت الله) "وخافَ وقالَ: ما أرهَبَ هذا المَكانَ! ما هذا إلا بَيتُ اللهِ، وهذا بابُ السماءِ" (تك28: 17) وكان الحجر الذي نام عليه هو العمود التذكاري لهذه الكنيسة وهذا الحجر يرمز إلى جسد المسيح الذي صار رأس الزاوية وحجر عثرة وصخرة شك للذين لا يؤمنون.. "كما هو مَكتوبٌ: ها أنا أضَعُ في صِهيَوْنَ حَجَرَ صَدمَةٍ وصَخرَةَ عَثرَةٍ، وكُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ لا يُخزَى" (رو9: 33) بينما صار المسيح أصل البنيان للكنيسة "مَبنيينَ علَى أساسِ الرُّسُلِ والأنبياءِ، ويَسوعُ المَسيحُ نَفسُهُ حَجَرُ الزّاويَةِ" (أف2: 20)، أما الزيت المصبوب على رأس الحجر فيشير إلى انسكاب الروح القدس على الكنيسة وامتلاء جسد المسيح - الذي هو نحن - بالنعمة. (5) زواج يعقوب:- أ- لقد أرسل اسحق يعقوب ابنه ليأخذ لنفسه زوجة... وكأن الآب السماوي قد أرسل ابنه الوحيد ليأخذ لنفسه عروساً هى الكنيسة المقدسة.. "قم اذهب إلى فدان أرام، إلى بيت بتوئيل أبي أمك، وخذ لنفسك زوجة من هناك، من بنات لابان أخي أمك". (تك28: 2). ب- لقد حدّد اسحق العائلة التى يأخذ منها يعقوب زوجة، وكأن الآب السماوي قد اختار بيت آدم (أبى أمك)، بل ونسل إبراهيم بالذات، ومن بيت داود ليأخذ زوجة هي الكنيسة (البشرية)... فالعذراء مريم (أم الرب يسوع) هي ابنة آدم، وابنة إبراهيم وداود، وكأنك تقرأ الآية بالمعنى النبوي كالآتي: "قم اذهب إلى الأرض إلى بيت آدم أبي أمك (العذراء)، وخذ لنفسك زوجة (الكنيسة) من هناك من بنات لابان أخي أمك (أي من الأمة اليهودية)". فقد جاء المسيح إلى خاصته في البداية ليأخذ منهم لنفسه شعباً مستعداً مبرراً. ج - ثم كمّل اسحق بركته ليعقوب قائلاً: "والله القدير يُباركك، ويجعلك مُثمراً، ويُكثِّرك فتكون جمهوراً من الشعوب" (تك28: 3).. وكأن هذه البركة هي نبوءة عن المسيح الذي سيصير بالتجسد جمهوراً من الشعوب فبالرغم من أن السيد المسيح قد جاء إلى خاصته ولكن خاصته لم تقبله. وعدم القبول هذا فتح الباب على مصراعيه لباقي الأمم ليكون لهم نصيب في المسيح بالإيمان، ويصير المسيح أبًا لجمهور كثير، وليس لشعب واحدوقد تحقق هذا بالفعل عندما هتف المؤمنون بعد معمودية كرنيليوس: "إذاً أعطى الله الأمم أيضاً التوبة للحياة" (أع11: 18)، وما قاله معلمنا بولس وبرنابا: "كان يجب أن تُكلموا أنتم أولاً بكلمة الله، ولكن إذ دفعتموها عنكم، وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية، هوذا نتوجه إلى الأمم" (أع13: 46)، وأيضاً قيل عن اليهود الذين رفضوا المسيح: "وإذ كانوا يُقاومون ويُجدفون نفض ثيابه وقال لهم دمكم على رؤوسكم أنا بريء. من الآن أذهب إلى الأمم" (أع18: 6) هنا تحققت النبوءة التي قالها اسحق: "ويعطيك بركة إبراهيم لك ولنسلك معك" (تك28: 4)، وبركة إبراهيم هي "فأجعلك أمة عظيمة وأُباركك وأُعظم اسمك، وتكون بركة. وأُبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (تك12: 2-3) حقاً في المسيح قد تباركت كل جميع قبائل الأرض. وهنا أيضاً تحققت النبوءة "لترث أرض غربتك التي أعطاها الله لإبراهيم" (تك28: 4)إن الدارس سيجد أن يعقوب لم يرث أرض الموعد بل تغرب في أرض مصر إلى أن مات ولكن تحققت هذه البركة في نسله الذي هو المسيح حيث ورث الأرض كلها، وورّثنا السماء أيضاً بموته على الصليب، وعندما رد سبي بني آدم من سلطان الشيطان (رئيس هذا العالم)، وصار المسيح هو الملك الحقيقي للبشر المؤمنين به وصارت "للرب الأرض وملؤها" (مز24: 1)، "قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه" (رؤ11: 15) لقد تغرب الرب يسوع في أرضنا كغريب ولكنه مَلَك عليها وصارت له، ونحن أيضاً صرنا له بكل الحب. ح- تقابل يعقوب مع راحيل عروسه في الحقل عند البئر (تك29: 2) وتقابل الرب يسوع مع الكنيسة – عروسه - في حقل العالم عند بئر المعمودية. خ- وكان هناك عند البئر ينتظر مجيء راحيل ثلثة قطعان من الغنم وكأنها عصور الآباء ثم الناموس ثم الأنبياء ينتظرون مجيء كنيسة المسيح عروس العهد الجديد لقد جاءت هذه القطعان ولكن كان البئر مغلقاً بحجر كبير، إشارة إلى أن المعمودية كانت مغلقة في العهد القديم حتى يجيء المسيح ليدحرج الحجر، ويفتح لنا باب المعمودية، ليسقي ويروي خراف راحيل أي شعبه الجديد. د- وجاءت راحيل مع الغنم لترعاها وترويها.. وكذلك تعمل الكنيسة كراعية أغنام ترعى وتربي وتعول وتروي أغنامها الحية المقدسة وقبّل يعقوب راحيل عروسه.. كما قبّل المسيح الكنيسة عندما نفخ فيها نفخة الروح القدس تحقيقاً لنبوءة سفر النشيد"ليُقبلني بقبلات فمه، لأن حبك أطيب من الخمر" (نش1: 2)، "نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تُغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت" (يو20: 22-23). ذ- "وأخبر يعقوب راحيل أنه أخو أبيها وأنه ابن رفقة" (تك29: 12) والمسيح هو أخو آدم (بالتجسد)، وابن امرأة (نسل المرأة). ر- "فقال له لابان: إنما أنتَ عظمي ولحمي" (تك29: 14)، وهي نفس الكلمة التي قالها آدم عن حواء: "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي" (تك2: 23)، وأيضاً هي نفس الكلمة التي قالها معلمنا بولس عن الكنيسة والمسيح: "لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه" (أفس5: 30). ز- عند الزواج أُعطيت ليئة ليعقوب أولاً بدلاً من راحيل التي أُعطيت له فيما بعد.. إشارة إلى ارتباط الله بكنيسة العهد القديم أولاً ثم كنيسة العهد الجديد فيما بعد وليئة تشير إلى كنيسة العهد القديم، فقد كانت عيناها ضعيفتين إشارة إلى عدم وضوح الرؤية عند آباء وأنبياء العهد القديم.. بسبب عدم تمتعهم برؤية السيد المسيح بالجسد بعكس كنيسة العهد الجديد (راحيل) التي كانت قوية النظر وحسنة الصورة وحسنة المنظر إنها الكنيسة المحبوبة وكانت ليئة كثيرة الإنجاب كمثل كنيسة العهد القديم التي أنجبت لنا الآباء والأنبياء، وكان لديها العهود والاشتراع والذبائح والكهنوت بينما كانت راحيل عاقراً كمثل كنيسة الأمم التي ما كانت تنجب قديساً أو فضيلة بل كانت غارقة في عبادة الأوثان وعندما فُتح رحم راحيل أعطاها الله أعظم الأبناء يوسف ثم بنيامين، وكذلك عندما بدأت الأمم في الإيمان صار منها أعظم القديسين وأفضل الآباء. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
29 أكتوبر 2019

المسيح في سفر التكوين - المسيح في حياة أبينا اسحق

إن ربنا يسوع المسيح حاضر بوضوح في حياة آباء وأنبياء العهد القديم، فهو فوق الزمان، وهو خالق الجميع وهو الفادي الذي جاء في ملء الزمان ليُخلصنا من خطايانا بصليبه المقدس وقد أراد الله أن يُمهد لتجسده الطاهربأن أرسل إلينا النبوات والرموز، بل والأشخاص الذين يتجلى فيهم تمهيداً لمجيئه بالحقيقة بالجسد لنرى ونؤمن وفي قصة حياة أبينا اسحق تقابلنا (سابقاً) مع قصة تقديمه ذبيحة كرمز لتقديم السيد المسيح الابن الوحيد المحبوب ذبيحة عن خطايانا، وعودة اسحق حياً هي رمز لقيامة السيد المسيح من الأموات وهناك موقف آخر في حياة أبينا اسحق يتجلى فيها ربنا يسوع بوضوح وهي قصة اختيار زوجة لاسحق:- إبراهيم الأب استدعى أليعازر الدمشقي كبير بيته المستولي على كل ما كان له، وأرسله ليخطُب عروساً لابنه اسحق إنها رمز للآب السماوي الذي أرسل الروح القدس، ليخطُب الكنيسة عروساً للمسيح الابن"لأني خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو11: 2)استحلف إبراهيم أليعازر بأن وضع يده تحت فخذ إبراهيم.. وهي إشارة إلى القسم باسم نسل إبراهيم أي المسيح وهو نفس الأمر الذي عمله أبونا يعقوب مع ابنه يوسف (راجع تك47: 29) وتنبأ إبراهيم لأليعازر بأن الله "يُرسل ملاكه أمامك، فتأخذ زوجة لابني من هناك" (تك24: 7) وهي تشبه النبوة التي قيلت عن يوحنا المعمدان السابق للمسيح "ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي، الذي يهيئ طريقك قدامك" (مر1: 2) إن يوحنا المعمدان هو الملاك صديق العريس، الذي جاء أمامه ليهيئ الطريق، لتقبل العروس أن تتحد به "مَنْ له العروس فهو العريس، وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس. إذاً فرحي هذا قد كمل" (يو3: 29) "أخذ العبد عشرة جمال من جمال مولاه، ومضى وجميع خيرات مولاه في يده" (تك24: 10)، وكأنه الملاك جبرائيل الذي جاء إلى العذراء مريم، حاملاً خيرات الآب السماوي في يده، مُعلناً إياها في عشر كلمات:- (1) سلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة. (2) الرب معكِ. (3) مُباركة أنتِ في النساء. (4) لا تخافي يا مريم. (5) لأنكِ قد وجدتِ نعمة عند الله. (6) ها أنتِ ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. (7) هذا يكون عظيماً، وابن العلي يُدعي. (8) ويُعطيه الرب الإله كرس داود أبيه. (9) ويملِك على بيت يعقوب إلى الأبد. (10) ولا يكون لمُلكه نهاية. (لو1: 28-33) "وأناخ الجمال خارج المدينة عند بئر الماء وقت المساء" (تك24: 11) لقد تقابل أليعازر مع رفقة عند بئر الماء وقت المساء، وبئر الماء هو رمز للمعمودية، التي يتقابل عندها الروح القدس مع النفس المنتخبة كعروس للمسيح.. ووقت المساء يشير إلى وقت صلب ربنا يسوع المسيح، وساعة خروج روحه الطاهرة ليد الآب السماوي وهناك ارتباط عميق بين المعمودية وصليب المسيح وخطبة الكنيسة فالمعمودية هي دفن مع المسيح، وخطبة الكنيسة مرتبطة بعهد الدم "إنك عريس دم لي" (خر4: 25) كانت رفقة فتاة "حسنة المنظر جداً، وعذراء لم يعرفها رجل. فنزلت إلى العين وملأت جرتها وطلعت" (تك24: 16) وهي ترمز للكنيسة المجيدة، التي لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل هي مُقدسة وبلا عيب(راجع أف5: 27) وكانت "جرتها على كتفها" (تك24: 15)إشارة إلى استعداد الكنيسة للخدمة، ونزول رفقة إلى العين وطلوعها إشارة إلى اغتسال الكنيسة بالمعمودية وبدم المسيح "لكي يُقدسها، مُطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة" (أف5: 26) لم تكن رفقة حاملة جرتها فقط بل كانت مستعدة أن تخدم خدمة الميل الثاني "فقالت اشرب يا سيدي. وأسرعت وأنزلت جرتها على يدها وسقته. ولما فرغت من سقيه قالت أستقي لجمالك أيضاً حتى تفرغ من الشرب. فأسرعت وأفرغت جرتها في المسقاة، وركضت أيضاً إلى البئر لتستقي، فاستقت لكل جماله" (تك24: 18-20) إنها مثال للكنيسة المستعدة أن تبذل كل الجهد من أجل خدمة الناس، متشبهة بعريسها القدوس محب البشر الصالح سأل أليعازر الفتاة "هل في بيت أبيكِ مكان لنا لنبيت؟" (تك24: 23) وكأن الروح القدس يسأل النفس هل يوجد عندك مكاناً لأبيت فيه؟ "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً" (يو14: 23)، "هنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤ3: 20) إن الروح القدس يبحث عن مكان فينا لسكنى المسيح، لأنه عندما تجسد "لم يكن لهما موضع في المنزل" (لو2: 7) لقد كانت رفقة مستعدة لاستقبال الغرباء بفيض الكرم "قالت له عندنا تبن وعلف كثير، ومكان لتبيتوا أيضاً" (تك24: 25)، "لا تنسوا إضافة الغرباء، لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون" (عب13: 2) عندما أراد أهل رفقة أن يستضيفوا أليعازر أياماً أخرى "فقال لهم لا تعوقوني والرب قد أنجح طريقي. اصرفوني لأذهب إلى سيدي" (تك24: 56) وكأن الروح القدس ينبهنا ألا نتعوق بأمور العالم عن الانطلاق إلى الاتحاد بالمسيح إن الروح القدس يسعد بالنفس النشيطة، التي إذا جاءها في زيارة نعمة لينبهها تقوم معه في الحال لتذهب إلى العريس وتتحد به لماذا نتعوق والرب قد أنجح طريقنا؟ لم يكن من اللائق أن تذهب رفقة مع أليعازر دون موافقتها "فدعوا رفقة وقالوا لها هل تذهبين مع هذا الرجل؟ فقالت أذهب" (تك24: 58) وهكذا أيضًا لابد للنفس أن تعلن عن رغبتها وموافقتها للارتباط بالمسيح إن الله يحترم حرية الإرادة الإنسانية ويكرس الحب وليس القهرإننا نأتي إليه بكامل الحب والرغبة، ونتمسك به مهما كانت المعوقات "مَنْ سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟ (رو8: 35) مرة أخرى تلتقي رفقة عند البئر "بئر لحَي رُئي" (تك24: 62), ولكن هذه المرة مع اسحق العريس الحقيقي كمثل التقاء الكنيسة مع المسيح عند المعمودية كان اسحق قد خرج ليتأمل في الحقل عند إقبال المساء إنها اللحظة التي يتقابل فيها المسيح مع الكنيسة على الصليب عند المساء، وهو يتأمل الحقل المقدس، الذي زرعه بدمه الطاهر، لينبت منه الكرمة الحقيقية الكنيسة التي المسيح فيها أصل وجذر ورأس، ونحن أغصان، والآب هو الكرّام"أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرَّام" (يو15: 1)، "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" (يو15: 5) إن المسيح يتقابل مع النفس عند إقبال المساء، لكي يحول المساء إلى صباح، والظلمة إلى نور، والخطية إلى بر "وسكن اسحق عند بئر لحَي رُئي" (تك25: 11).. إن المسيح يسكن في المعمودية، ليقابل كل نفس، ويطهرها فتدخل معه في شركة وعشرة وعضوية مقدسة إن الأب القديس اسحق هو رمز جميل لربنا يسوع المسيح الابن الوحيد المحبوب المطيع الذبيح والقائم من الأموات. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
22 أكتوبر 2019

المسيح في سفر التكوين - السيد المسيح في حياة أبينا إبراهيم

قال السيد المسيح "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي، فرأى وفرح" (يو8: 56). وهذا الإعلان قد أثار حفيظة اليهود وقالوا له "ليس لك خمسون سنة بعد، أفرأيت إبراهيم؟" (يو8: 57) ورد السيد المسيح: "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو8: 58) نعم – ياربي يسوع بالحق نعلم أنك كائن قبل الأدهار، وقبل آدم وإبراهيم، وقبل الملائكة والخليقة كلها، لأنك أنت الخالق والأزلي، والكائن فوق الأزمان لكن دعني يا سيدي القدوس أفهم كيف ومتى وأين رآك أبونا إبراهيم؟ لقد فتح لنا السيد المسيح – بهذه المعلومة – الباب على مصراعيه، لنكتشف معاني مسيانية في حياة أبينا إبراهيم وبل وأيضًا في كل الكتاب عندما دعا الله أبرام أن يخرج من أرضه وعشيرته وبيت أبيه كان يُعده ليأتي المسيح من نسله فأراد الله أن يُبعده عن الجو الوثني، والارتباط الأسري الرديء. وكان الوعد الملازم لهذه الدعوة "فأجعلك أمة عظيمة وأُباركك وأُعظم اسمك، وتكون بركة وأُبارك مُباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (تك12: 2، 3) البركة هنا هي مجيء السيد المسيح من نسله، وعندما خرج إبراهيم مُطيعًا لصوت الله.. كان هناك شيئان يُميزان حياته وسيرته: الخيمة والمذبح. الخيمة: هي رمز لتجسد الله، وسكناه في بيت خيمتنا الأرضي أي الجسد. والمذبح يرمز لذبيحة المسيح، وسفك دمه الطاهر على الصليب عن خلاص جنسنا. وعند دعوة أبينا إبراهيم من كسرة كدرلعومر والملوك الذين معه، استقبله ملكي صادق كاهن الله العلي وباركه (تك14: 17-20). وملكي صادق هذا هو إنسان، وشخصية حقيقية تاريخية، ولكنه أيضًا يرمز للسيد المسيح في أوجه كثيرة.. كما شرح مُعلِّمنا بولس الرسول: "هو مُشبَّه بابن الله" (عب7: 3). اسمه (ملكي صادق) أي ملك البر، والمسيح هو ملك البر الحقيقي. وظيفته (ملك ساليم) أي ملك السلام، والمسيح هو ملك السلام الحقيقي. كاهن الله العلي، والسيد المسيح بتجسده صار كاهنًا، بل ورئيس الكهنة الأعظم، ولذلك قدّم له المجوس ضمن هداياهم اللبان (البخور).. فهو الكاهن الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا.. وهو في نفس الوقت الإله الذي يقبل الذبيحة، فهو الذبيحة والكاهن والإله معًا. بارك ملكي صادق إبراهيم، وأعطاه إبراهيم عُشرًا من كل شيء.. علامة على أن كهنوت ملكي صادق أسمى وأعظم من كهنوت لاوي الذي "كان بعد في صُلب أبيه حين استقبله ملكي صادق" (عب7: 10). وكهنوت ملكي صادق هو نفس نظام كهنوت السيد المسيح "أقسم الرب ولن يندم، أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق" (عب7: 21، مز110: 4). ما قدمه ملكي صادق كان تقدمة (خبز وخمر) (تك14: 18)، وهي رمز لذبيحة الإفخارستيا.. التي قدم فيها السيد المسيح جسده ودمه الحقيقيين.. في صورة خبز وخمر (لذلك فكهنوت المسيح على طقس ملكي صادق بحسب النبوة وبحسب التحقيق)، وكهنوت العهد الجديد قائم على الخبز والخمر وليس على الذبائح الدموية، لأنه على نظام ملكي صادق وليس كنظام هارون. "بلا أب، بلا أم، بلا نسب" (عب7: 3) من جهة الكهنوت.. أي أنه لم ينل الكهنوت بسبب وراثي كما في نظام كهنوت هارون من سبط لاوي.. كذلك جاء المسيح كاهنًا.. دون أن يكون له أب كاهن، أو أم من سبط الكهنوت، أو أي نسب إلى سبط لاوي. وكذلك أيضًا الكهنوت المسيحي لا يكون بالوراثة بل بالاختيار. "لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة" (عب7: 3) أي لم يُعرف بداية تاريخه أو نهاية حياته في سفر التكوين، بل كان شخصية غامضة، ظهرت فجأة في قصة إبراهيم، واختفى تمامًا، ولم يُذكر عنه شيء بعد ذلك إلا في النبوة بالمزمور (110: 4)، وكذلك السيد المسيح بالحقيقة.. ليس له بداءة أيام، إذ هو أزلي، ولا نهاية حياة إذ هو أبدي فملكي صادق هو شخص حقيقي، ولكنه أيضًا هو رمز للسيد المسيح. "وظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار" (تك18: 1). ظهور الرب لإبراهيم كان سبق إشارة واضحة لإمكانية تجسد الله وحلوله بين البشر، ومشيه بين الناس، وحتى أكله معهم، كمثلما فعل مع إبراهيم غسل إبراهيم أرجل ضيوفه، وأجلسهم حتى الشجرة "ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة" (تك18: 4).. وهنا نتذكر غسل المسيح لأرجل تلاميذه، أما الشجرة فهي رمز للصليب المجيد، وجلوسهم تحتها إشارة إلى التمتع بفداء المسيح، وصليبه المقدس. والوليمة التي عملها أبونا إبراهيم لضيوفه (الذين هم ابن الله واثنان ملائكة).. هي إشارة إلى تجسد الله، واشتراكه مع البشر في حياتهم اليومية، ومباركته للأكل والشرب والحياة. قصة ذبح اسحق هي إشارة واضحة جدًا لصليب المسيح، وقد تغنت الكنيسة بها على مر الأجيال، خصوصًا في القسمة المستخدمة بقداس خميس العهد اسحق هو الابن الوحيد الحبيب لإبراهيم، وكذلك السيد المسيح هو الابن الوحيد الحبيب لله الآب طلب الله أن يُقدم اسحق محرقة على أحد الجبال بأرض المُريّا، والسيد المسيح أُصعد ذبيحة محرقة على الصليب على جبل الجلجثة حمل اسحق حطب المحرقة.. كما حمل السيد المسيح خشبة الصليب سؤال اسحق لأبيه إبراهيم "هوذا النار والحطب، ولكن أين الخروف للمحرقة؟" (تك22: 7).. تشابه صلاة السيد المسيح في بستان جثسيماني "قائلاً: "يا أبتاه، إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك" (لو22: 42). الكبش الذي قُدّم بدلاً عن اسحق يرمز إلى المسيح الذي مات نيابة عن كل البشر خاصة وأن الكبش كان ممسكًا في الغابة (رمز الصليب) بقرنيه. موت الكبش يرمز إلى موت المسيح بالجسد، ونجاة اسحق ترمز إلى قيامة السيد المسيح، خاصة وقد تم ذلك بعد ثلاثة أيام أيضًا "وفي اليوم الثالث" (تك22: 4). الكبش يرمز لناسوت المسيح الذي مات بالصليب، واسحق يرمز للاهوت المسيح الذي لا يموت بل هو حي إلى أبد الآبدين. "فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع يهوه يرأه. حتى إنه يقال اليوم: في جبل الرب يُرى" (تك22: 14).. لأنه رأى الرب وصليبه هناك. هذا اليوم هو الذي قال عنه السيد المسيح "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يو8: 56) إن أبانا إبراهيم لم يرَ الكبش فقط، ولم يرَ نجاة ابنه الوحيد الحبيب من الموت فقط.. ولكنه رأى ما هو أبعد من هذا، لقد رأى الابن الوحيد الكلمة مصلوبًا عنا وقائمًا بنا"الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا" (رو4: 25). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
15 أكتوبر 2019

السيد المسيح في سفر التكوين - أخنوخ البار

مسيحنا قبل الزمان، وهو كائن قبل إبراهيم وكل الأيام، لأنه بالحقيقة الله الأزلي، لذلك فنحن نراه مختبئًا بين السطور في فصول العهد القديم دعنا نستكمل مسيرة البحث عنه، واكتشافه في سفر التكوين من خلال الأحداث والآيات والرموز والشخصيات.. أخنوخ البار معروف أن أخنوخ لم يمت ولكن الله نقله إلى السماء حيًّا "سارَ أخنوخُ مع اللهِ، ولم يوجَدْ لأنَّ اللهَ أخَذَهُ" (تك5: 24) لقد كان سن أخنوخ حينما رُفع إلى السماء 365 سنة (تك5: 23)، وهذا الرقم هو عدد أيام السنة الكاملة وكأن الكتاب يقول لنا إن أخنوخ عاش حياة كاملة غير ناقصة وفي نهايتها أُصعد إلى السماء إنه رمز للمسيح الحي الذي عاش بيننا على الأرض حياة كاملة ثم بعد موته صعد إلى السماء بقوة لاهوته وبمجده الذاتي لقد كان قتل هابيل رمزًا لموت المسيح على الصليب، وكذلك صعود أخنوخ حيًّا كان أيضًا رمزًا لحياة المسيح وصعوده إلى السماء حيًّا، فالرمز لا يمكن أن يكتمل في شخص واحد المسيح وحده هو الذي تجتمع فيه جميع المعاني ويكشف لنا معلمنا بولس الرسول سر هذا الإصعاد وهو الإيمان "بالإيمانِ نُقِلَ أخنوخُ لكَيْ لا يَرَى الموتَ، ولم يوجَدْ لأنَّ اللهَ نَقَلهُ إذ قَبلَ نَقلِهِ شُهِدَ لهُ بأنَّهُ قد أرضَى اللهَ. ولكن بدونِ إيمانٍ لا يُمكِنُ إرضاؤُهُ، لأنَّهُ يَجِبُ أنَّ الذي يأتي إلَى اللهِ يؤمِنُ بأنَّهُ مَوْجودٌ، وأنَّهُ يُجازي الذينَ يَطلُبونَهُ" (عب11: 5-6) فأخنوخ البار كان يؤمن الله، ويؤمن بمجيء الفادي الذي يعطينا الحياة، لذلك أعطاه الله الحياة عربونًا لكل البشر وشهادة لكل التاريخ، وإعلان أنه توجد حياة أخرى ليست الحياة هي هنا فقط على الأرض، بل هناك حياة أبدية تنتظر البشر عندما يتركون هذه الأرض وهذه الحياة الأبدية هي المسيح "وهذا هو الوَعدُ الذي وعَدَنا هو بهِ: الحياةُ الأبديَّةُ" (1يو2: 25)، "فإنَّ الحياةَ أُظهِرَتْ، وقد رأينا ونَشهَدُ ونُخبِرُكُمْ بالحياةِ الأبديَّةِ التي كانَتْ عِندَ الآبِ وأُظهِرَتْ لنا" (1يو1: 2) ويذكر معلمنا يهوذا الرسول نبوة عن أخنوخ لم ترد في أسفار العهد القديم، لكن كانت محفوظة في التقليد الشفاهي اليهودي حيث يقول: "وتنَبّأَ عن هؤُلاءِ أيضًا أخنوخُ السّابِعُ مِنْ آدَمَ قائلاً: هوذا قد جاءَ الرَّبُّ في رَبَواتِ قِديسيه" (يه14) وهنا يكشف الكتاب عن أن أخنوخ كانت له روح النبوة، رمزًا للسيد المسيح الذي أخبرنا بكل مشيئة الآب "أنا أظهَرتُ اسمَكَ للنّاسِ الذينَ أعطَيتَني مِنَ العالَمِ" (يو17: 6)، "لأنَّ الكلامَ الذي أعطَيتَني قد أعطَيتُهُمْ" (يو17: 8)، "وعَرَّفتُهُمُ اسمَكَ" (يو17: 26)، "لا أعودُ أُسَميكُمْ عَبيدًا، لأنَّ العَبدَ لا يَعلَمُ ما يَعمَلُ سيدُهُ، لكني قد سمَّيتُكُمْ أحِبّاءَ لأني أعلَمتُكُمْ بكُل ما سمِعتُهُ مِنْ أبي" (يو15: 15)، "لأني لم أتكلَّمْ مِنْ نَفسي، لكن الآبَ الذي أرسَلَني هو أعطاني وصيَّةً: ماذا أقولُ وبماذا أتكلَّمُ" (يو12: 49) فالسيد المسيح هو الله بالحقيقة، ولكن أيضًا بتجسده صار إنسانًا، وكإنسان حقيقي صار له وظيفة النبوة حيث يخبرنا بكل مشيئة الآب وقد ذكر معلمنا يهوذا أن أخنوخ هو السابع من آدم.. لأن رقم سبعة يدل على كمال الزمان حيث إن الزمن مقسم إلى أسابيع. وكأنه يقول إن أخنوخ يرمز إلى كمال الزمان، لكي يأتي بعده (الثامن) الذي هو بداية الزمان الجديد أي الأبدية السعيدة مشيرًا إلى السيد المسيح الذي بقيامته وصعوده إلى السماء فتح لنا باب السماء وصرنا – فيه وبه – لنا الحق أن نصعد مثله ونسكن هناك بعد القيامة العامة.. إن ثبتنا في الإيمان به والمحبة والعمل بوصاياه ليتنا نسير مع الله مثلما سار أخنوخ، ونعيش أمام الله حياة كاملة مقدسة بالإيمان وبإرضاء الله، ويكون ذهننا مرتبطًا بالسماء كمثل أخنوخ الذي استحق أن ينقله الله حيًّا إلى السماء.. "فإنْ كنتُم قد قُمتُمْ مع المَسيحِ فاطلُبوا ما فوقُ، حَيثُ المَسيحُ جالِسٌ عن يَمينِ اللهِ. اهتَمّوا بما فوقُ لا بما علَى الأرضِ" (كو3: 1-2). وهذا يؤهلنا أن نتمجد مع المسيح في محبته بحسب نبوة أخنوخ "قد جاءَ الرَّبُّ في رَبَواتِ قِديسيهِ" (يه14)، "مَتَى أُظهِرَ المَسيحُ حَياتُنا، فحينَئذٍ تُظهَرونَ أنتُمْ أيضًا معهُ في المَجدِ" (كو3: 4) ليتنا ندرك مع أخنوخ أن الحياة ليست هي هذه الأرض فقط بكل طموحاتها وشهواتها العابرة وليس كل شيء هو هذا الجسد بمطالبه ورغباته وشهواته إنما هناك حياة أخرى جديرة بالاهتمام والانشغال والتعلق "لأنَّكُمْ قد مُتُّمْ وحَياتُكُمْ مُستَتِرَةٌ مع المَسيحِ في اللهِ" (كو3: 3). ربي يسوع.. دعني أُميت شهوات العالم في جسدي وحياتي. وأعيش مكرسًا لك كأخنوخ البار. ويتعلق قلبي بكَ هناك في السماء. وتصير طموحاتي سمائية. ورغباتي روحانية. ولا أشبع إلاّ بكَ. وبكل ما هو سمائي وروحاني. ولتنقلني إلى ملكوت مجدكَ. لأكون هناك فيكَ وبكَ لأستريح. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
08 أكتوبر 2019

المسيح في سفر التكوين - الجزء الثاني

(5) شجرة الحياة:- "وقال الرب الإله: هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفًا الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضًا ويأكل ويحيا إلى الأبد" (تك3: 22) لقد أشفق الله على الإنسان، وأراد له ألا يحيا إلى الأبد وهو في حالة الفساد بل دبّر أن يُعالجه أولاً، ويشفيه من الفساد وذلك بتجسد كلمة الله ثم بعد ذلك يسمح له أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله، التي هي بحسب تفسير كنيستنا الأرثوذكسية – جسد الرب يسوع ودمه الطاهر فمَنْ يأكل من شجرة الحياة "يحيا إلى الأبد" (تك3: 22)، ومَنْ يأكل جسد الرب ويشرب دمه يحيا إلى الأبد إن شجرة معرفة الخير والشر هي الطعام البائد، أما شجرة الحياة فهي الطعام الباقي للحياة الأبدية.. "اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم ابن الإنسان، لأن هذا الله الآب قد ختمه" (يو6: 27) وشجرة الحياة الحقيقية هي "خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم" (يو6: 33)، وهذا الخبز هو ربنا يسوع المسيح نفسه "أنا هو خبز الحياة. مَنْ يُقبل إليَّ فلا يجوع، ومَنْ يُؤمن بي فلا يعطش أبدًا" (يو6: 35)."لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني: أن كل مَنْ يرى الابن ويُؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير" (يو6: 40)"الحق الحق أقول لكم: مَنْ يؤمن بي فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المَنَّ في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يو6: 47-51)هنا يُعلن ربنا يسوع المسيح بكل وضوح أنه هو شجرة الحياة، وهو خبز الحياة، حتى المَن الذي أكله الشعب في البرية كان مجرد رمز، ولم يكن الحياة بدليل أن الآباء أكلوا منه، ثم ماتوا.. أما مَنْ يأكل من المسيح فإنه يحيا إلى الأبد وقد يظن البعض أن الأكل من المسيح هو مجرد كلام معنوي كمثلما نأكل كلامه "وُجِدَ كلامك فأكلته" (إر15: 16)، "ما أحلى قولك لحنكي! أحلى من العسل لفمي" (مز119: 103)، "أحلى من العسل وقطر الشهاد" (مز19: 10)ولكن السيد المسيح أكد أن "الخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يو6: 51). أي أننا سننال هذه الحياة إذا أكلنا جسده الحقيقي، وشربنا دمه الحقيقي وعندما انزعج اليهود من هذا التفسير وتساءلوا بخصوصه "كيف يقدر هذا أن يُعطينا جسده لنأكل؟" (يو6: 52)أكدّ السيد المسيح أننا لابد أن نأكل جسده ونشرب دمه بالحق وليس بالرمز أو الذكر أو بأي تفسير آخر غير أنه حق "الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم. ومَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير، لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه. كما أرسلني الآب الحي، وأنا حي بالآب، فمَنْ يأكلني فهو يحيا بي. هذا هو الخبز الذي نزل من السماء. ليس كما أكل آباؤكم المَنَّ وماتوا. مَنْ يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد" (يو6: 53-58) لذلك صار ما يُميّز العهد الجديد أننا نأكل جسد الرب ونشرب كأسه المقدسة. "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم" (لو22: 20)، وهذا أيضًا ما كرره بنفس النص مُعلّمنا بولس الرسول "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي" (1كو11: 25). أي أنه لا يوجد عهد جديد بدون هذا الكأس إن ربنا يسوع المسيح هو شجرة الحياة التي نأكل منها – الآن في الإفخارستيا – ولا نموت وكانت شجرة الحياة التي في "وسط الجنة" (تك2: 9) هي رمز لشخصه القدوس المبارك وهناك أيضًا وعد بأن نغتذى منه في الأبدية.. "مَنُ يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله" (رؤ2: 7)، "في وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك، شجرة حياة تصنع اثنتي عشرة ثمرة، وتُعطي كل شهر ثمرها، وورق الشجرة لشفاء الأمم" (رؤ22: 2) إن المسيح هو حياتنا كلنا، وبدونه لا يوجد حياة.. "إلى مَنْ نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك" (يو6: 68)، "مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي" (غل2: 20). (6) الابن الأول:- كانت ترن في أذني حواء أن (نسل المرأة يسحق رأس الحية)وبعد قليل حبلت حواء، وولدت إنسانًا جديدًاوطار قلبها فرحًا، وظنت أنه هو النسل المزمع أن يسحق رأس الحية فقالت: "اقتنيت رجلاً من عند الرب" (تك4: 1).. فدعت اسمه (قايين)ولكنه لم يكن هو النسل الموعود به والمنتظر.. كان لابد لحواء أن تنتظر آلاف السنين حتى يأتي (قايين الحقيقي) الذي اقتنته البشرية من عند الآب قايين الجديد الذي "جاء لكي يطلب ويُخلِّص ما قد هلك" (لو19: 10)، وليس مثل قايين القديم الذي أهلك أخاه قايين الجديد الذي ستلده حواء الجديدة القديسة في كل شيء.. وليست حواء القديمة التي سقطت في المخالفة وصارت أصل الموت وينبوع الهلاك"ثم عادت فولدت أخاه هابيل" (تك4: 2)، وكلمة هابيل تعني (بسيط، بخار)، لقد أيقنت حواء أن قايين ليس هو المُخلِّص لذلك أسمت الآخر هابيل (ساذج، عادي) مُعلنة أنه ليس هو أيضًا المُخلِّص "وكان هابيل راعيًا للغنم، وكان قايين عاملاً في الأرض" (تك4: 2) كان قايين كأبيه آدم الذي "أخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أُخذ منها" (تك3: 23)، كان مشغولاً بالأرض، وبأكل العيش، لأنه أرضي ويعمل بالأرض أما هابيل فكان كالمسيح راعيًا "أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11)، كان مشغولاً بالخراف والغنم لأن ذهنه كان مسحوبًا إلى الذبيحة والفادي لاحظ عزيزي القارئ أنه لم يكن مسموحًا وقتها للإنسان أن يأكل من الحيوانات، فلم يكن هابيل يرعى الغنم ليأكل منها، بل ليقدمها ذبيحة.. لذلك يُعتبر هابيل الصديق هو أول مُكرس على وجه الأرض وكانت ذبيحة هابيل المقبولة رمزًا لذبيحة المسيح التي رضى عنها وبها الآب السماوي، ورفع خطايا البشر من أجلها أما ذبيحة قايين فكانت شريرة وليست بقلب مستقيم فكرهها الرب "ذبيحة الشرير مكرهة" (أم21: 27). "بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين. فبه شهد له أنه بار، إذ شهد الله لقرابينه. وبه، وإن مات، يتكلم بعد" (عب11: 4) ثم حدث "أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله" (تك4: 8)، وكان هذا أول ذبيحة بشرية قدمها الإنسان الشرير.. ذبح الخاطئ إنسانًا صدّيقًا وبارًا "ليس كما كان قايين من الشرير وذبح أخاه. ولماذا ذبحه؟ لأن أعماله كانت شريرة، وأعمال أخيه بارة" (1يو3: 12) إنه إشارة مبكرة إلى ذبح المسيح بيد الأشرار كان هنا قايين رمزًا ليهوذا ورؤساء الكهنة وبيلاطس، وكان هابيل رمزًا للسيد المسيح المذبوح لا لشيء إلا لأنه كان (بارًا)، "ويل لهم! لأنهم سلكوا طريق قايين" (يه11)، لذلك حكم السيد المسيح عليهم بالهلاك بسبب هذه الدماء البريئة التي سفكوها "لكي يأتي عليكم كل دم زكي سُفك على الأرض، من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح. الحق أقول لكم: إن هذا كله يأتي على هذا الجيل!" (مت23: 35 ،36). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
01 أكتوبر 2019

المسيح في سفر التكوين

يتحدث العهد القديم بأكمله عن شخص ربنا يسوع المسيح بطريقة نبوية شفرية، فيستطيع الدارس المتأمل أن يكتشف المسيح بين كل سطور العهد القديم فلم تكن النبوات فقط تتحدث عن شخصه الإلهي، بل الأحداث والشخصيات والأسماء والتعبيرات أيضًا، ولا عجب، فنحن نعرف أن العهد القديم كان هدفه تهيئة الناس، وإعدادهم لاستقبال الله المتجسد في العهد الجديد.. لذلك نرى في العهد القديم الوعود والإشارات والشرح والوصف حتى لا يتوه الناس عن معرفة هذا الإله العظيم الذي سيتأنس في ملء الزمان. سفر التكوين: وسفر التكوين هو سفر البدايات: بداية الخليقة، بداية العلاقة مع الله، بداية الزواج، بداية السقوط، بداية الوعد بالخلاص، بداية الأنسال، بداية العائلات، بداية قصة شعب الله.. الخ.ولابد لنا أن نرى المسيح واضحًا في كل تلك البدايات. (1) المسيح الخالق:- المسيح هو كلمة الله.. والله خلق العالم بالكلمة "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب1: 3)، "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس" (يو1: 3 ،4)، "الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل" (كو1: 17)، "الكل به وله قد خُلق" (كو1: 16)، "لأنك أنت خلقت كل الأشياء، وهي بإرادتك كائنة وخُلقت" (رؤ4: 11).قصة الخلق هذه دُونت بتفاصيلها في سفر التكوين.. وكان واضحًا جدًّا أن الله الآب خلق العالم بالابن الكلمة.. إذ قيل في كل قصة خلق جديدة: "قال الله..". + "وقال الله: ليكن نور، فكان نور" (تك1: 3). + "وقال الله: ليكن جَلَد في وسط المياه" (تك1: 6). + "وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء" (تك1: 9). + "وقال الله: لتُنبت الأرض" (تك1: 11). + "وقال الله: لتكن أنوار في جَلَد السماء" (تك1: 14). + "وقال الله: لتفضِ المياه زحافات" (تك1: 20). + "وقال الله: لتُخرج الأرض ذوات أنفس حية" (تك1: 24). + "وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26) واضح أن كل الخليقة تكوّنت بكلمة الله.. "بالإيمان نفهم أن العالمين أُتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكون ما يُرى مما هو ظاهر" (عب11: 3)، "السماوات كانت منذ القديم، والأرض بكلمة الله قائمة من الماء وبالماء" (2بط3: 5) والمسيح هو كلمة الآب، وتكلّم في سفر الأمثال عن نفسه قائلاً: "منذ الأزل مُسحت.. لما ثبّت السماوات كنت هناك أنا.. كنت عنده صانعًا.." (أم8: 22-31) كان المسيح منذ الأزل كائنًا، وفي بدء الزمان خالقًا، وفي ملء الزمان مخلصًا، وفي المجيء الثاني سيكون دائنًا. (2) صورة الله:- المسيح "الذي هو صورة الله" (2كو4: 4)، "الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة" (كو1: 15). وعندما خلق الله الإنسان أراد أن يخلقه على صورته ومثاله ما هي صورة الله؟.. إن الله الآب لا يُرى.. "الله لم يره أحد قط" (يو1: 18) المسيح الابن هو فقط الذي يُرى "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر" (يو1: 18). لذلك قال المسيح أيام تجسده: "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9). ففي أية صورة خلق الله الإنسان؟ إنه خلقه على صورة المسيح.. + من جهة الروح: خلق الله روح الإنسان روحًا بسيطًا مقدسًا حكيمًا عاقلاً حرًا مريدًا. + ومن جهة الجسد: خلق الله جسد الإنسان على شكل الجسد الذي سوف يتجسد به في ملء الزمان. فالمسيح هو الأصل ونحن الصورة لقد أتى متجسدًا آخذًا شكلنا الذي هو في الأصل على صورته. "لأن الذين سبق فعرَفَهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8: 29) والآن نحن في جهادنا المسيحي نسعى أن نسترد مرة أخرى بهاء صورة المسيح فينا بعد أن تشوهت صورة آدم وورثناها مشوهة وفاسدة.. "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح" (2كو3: 18)، "إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كو3: 9 ،10) وستتحقق بالحقيقة في الأبدية أن نلبس صورة المسيح بدون عيوب"وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو15: 49)، "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في3: 21)، "ولكن نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1يو3: 2). إذًا نلخص الفكرة كالتالي: + المسيح هو صورة الله غير المنظور. + الإنسان خُلق على شبه هذه الصورة. + هذه الصورة تشوهت فينا بسبب الخطية وفساد الطبيعة. + جاء المسيح صورة الآب الحقيقي ليعيد صياغة صورتنا لتكون على شكله مرة أخرى. + موضوع جهادنا الروحي الدائم أن ترتسم فينا ملامح صورة المسيح. + في الأبدية بالحقيقة ستنطبع فينا صورة المسيح ونكون مثله لأننا سنراه كما هو. (3) أول وعد:- كان السقوط في الجنة الأولى مأساة.. أفقدت الإنسان كل الامتيازات التي خصّه بها الله.. وصار الإنسان عريانًا مهانًا مخذولاً.. مطرودًا من وجه الله.. ولم يكن هناك بصيص أمل في استرداد المجد الأول والنعمة العظيمة التي تمتع بها آدم وحواء وفي وسط هذا الظلام الحالك.. أشرق نور عظيم بوعد مقدس: أن نسل المرأة يسحق رأس الحية: "وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة، وبين نسلِكِ ونسلها. هو يسحق رأسكِ، وأنتِ تسحقين عَقبه" (تك3: 15). من هو هذا النسل القادر أن يسحق رأس الشيطان؟ ظنت حواء أنه أول وُلد لها، فسمته قايين "وقالت: اقتنيت رجلاً من عند الرب" (تك4: 1). فرحت حواء بأول قنية، حاسبة أنه سيخلصها وزوجها من سم الحية.. ولكن للأسف كان قد لُدغ هو أيضًا وصار أول مجرم على وجه الأرض عندما اكتشفت حواء مبكرًا أن قايين ليس هو المخلص، أسمت ابنها الثاني هابيل أي (بسيط، نجار، زائل) لأنها أدركت أنه ليس هو أيضًا المخلص وكان على البشرية أن تنتظر أجيالاً كثيرة ليأتي "مخلِّص هو المسيح الرب" (لو2: 11)، متجسدًا ليس من حواء الأولى التي أخطأت.. بل من حواء الثانية الحقيقية القديسة الطاهرة مريم العذراء وكان هدف الله خلال هذه الأجيال الطويلة أن يرتقي بالبشرية ويهيئها ويُعدها للإيمان بتجسده.. ومع ذلك لم يؤمن الكثيرون.. وللآن أيضًا كثيرون لا يستطيعون أن يصدقوا أن الله تجسد. (4) أول ذبيحة:- "وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما" (تك3: 21). هذا الجلد الذي استخدمه الله في عمل أقمصة يستر بها عري آدم وحواء.. هو جلد حيوان ذبحه الله ليُعرّف الإنسان أن في ملء الزمان سيأتي الذبيح الأعظم ليموت عوضًا عن الإنسان وعرف آدم حينئذٍ أن طريقة التقدم إلى الله لابد أن يكون فيها ذبيحة دموية. وعرف كذلك أن هذه الذبيحة هي مجرد رمز وإشارة إلى المخلص الحقيقي ربنا يسوع المسيح ونتيجة هذه الذبيحة يصير للإنسان فداء وستر على خطيته كمثلما ستر الله عريهما بالجلد وهذا تحقق لنا بالحقيقة في شخص ربنا يسوع المسيح الذي تجسد ومات لأجل فدائنا "الذي فيه لنا الفداء بدمه، غفران الخطايا" (أف1: 7)، "وليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه، دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 12)هذا الفداء الذي تبررنا به أمام الله "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح" (رو3: 24). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
22 يوليو 2019

إلى من نذهب؟ - الجزء الثاني

كيف نعيش بدون الكتاب المقدس؟!!! 5- نموت من أجلها: لقد استهان آباؤنا بالموت في سبيل حفظ كلمة الله.. لأنهم أدركوا بحسهم العالي، أن الحياة الحقيقية هي في هذه الكلمة ولذلك أعطاهم الله مكاناً لائقاً بهم في السماء "رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله، ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم" (رؤ9:6). "ورأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله" (رؤ4:20). لذلك قيل عن كلمة الله أنها تعطينا ميراثاً مع القديسين "والآن أستودعكم يا أخوتي لله ولكلمة نعمته، القادرة أن تبنيكم وتعطيكم ميراثاُ مع جميع المقدسين" (أع32:20)، حقاً "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول" (1تي9:4). 6- كلمة الله هي موضوع تسبيحنا: فنحن نفرح بكلمة الله "أبتهج أنا بكلامك كمن وجد غنيمة وافرة" (مز162:119)، وهي لا تمثل لنا عبئاً فـ "وصاياه ليست ثقيلة" (1يو3:5)، بل هي موضوع لذتنا "بفرائضك أتلذذ، لا أنسى كلامك" (مز16:119) وهي كلام نتغنى به "فآمنوا بكلامه. غنوا بتسبيحه" (مز12:106)، وكلام نتلذذ بأكله "وجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي، لأني دعيت باسمك يارب إله الجنود" (إر16:15)، "فقال لي: يا ابن آدم، كُل ما تجده. كُل هذا الدرج، واذهب كلم بيت إسرائيل. ففتحت فمي فأطعمني ذلك الدرج. وقال لي: يا ابن آدم، أطعم بطنك وأملأ جوفك من هذا الدرج الذي أنا معطيكه. فأكلته فصار في فمي كالعسل حلاوة" (حز3: 1-3)إنها حقاً لذة الصديقين "شريعة فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة" (مز72:119)، "لأن شريعتك هي لذتي" (مز77:119) "ورثت شهاداتك إلى الدهر، لأنها هي بهجة قلبي" (مز111:119). أيضاً طوبى لمن يتغنى بكلمة الله في قلبه "لتسكن فيكم كلمة المسيح بعضاً، بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، بنعمة، مترنمين في قلوبكم للرب" (كو16:3)، يصير فيه تعزية تفيض على الآخرين "لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام" (اتس18:4)إن كلمة الله هي قبول الحوار مع الله برهان الحب والعشرة "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً، الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي، والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني" (يو14: 23-24). 7- كلمة الله تخلص الإنسان: ولذلك كان أمر الرب لتلاميذه أن يبشروا بالكلمة من أجل خلاص الناس "اذهبوا قفوا وكلموا الشعب في الهيكل بجميع كلام هذه الحياة" (أع20:5)، وهذا ما قاله الملاك لكرنيليوس عن بطرس "وهو يكلمك كلاماً به تخلص أنت وكل بيتك" (أع14:11)، وما قيل أيضاً لليهود "أيها الرجال الإخوة بني جنس إبراهيم، والذين بينكم يتقون الله، إليكم أرسلت كلمة هذا الخلاص" (أع26:13) إنها كلمة الحق التي تخلص "الذي فيه أيضاً أنتم، إذ سمعتم كلمة الحق، إنجيل خلاصكم، الذي فيه أيضاً إذ أمنتم ختمتم بروح الموعد المقدس" (أف13:1)، "لذلك اطرحوا كل نجاسة وكثرة شر، فاقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تخلص نفوسكم. ولكن كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فقط خادعين نفوسكم" (يع1: 21-22)وبكل تأكيد كلمة الله تقود الإنسان إلى الإيمان، وبالإيمان ينال المعمودية ويسير في الطريق المقدس الذي يقود في النهاية بنعمة المسيح إلى الخلاص "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" (في12:2).دعونا الآن نقول: كيف يعيش العالم بمعزل عن كلمة الله؟ إنها مأساة أن يغيّب الشيطان كلمة الله عن الناس فليكن فينا هذا الاهتمام أن نبدأ ونستمر في قراءة وحفظ ودرس كلمة الله والتأمل فيها بشبع حتى نغتني فوق كل غنى. نيافة الحبر الجليل الأنبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل