المقالات

10 ديسمبر 2018

الرب يسوع يُشارك في خدمة التسبيح

نستطيع أن نتوقع أن ربنا يسوع المسيح نفسه قد اشترك في ترنيم المزامير داخل الهيكل، وفي المجامع أيام السبت حسب الترتيب المستقر وقتها هذا الأمر بدأ منذ طفولة الرب يسوع "وكانَ أبَواهُ يَذهَبانِ كُلَّ سنَةٍ إلَى أورُشَليمَ في عيدِ الفِصحِ" (لو41:2)، واستمر بعد ذلك وهذا يتضح من بقائه في الهيكل في سن 12 سنة "وبَعدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ وجَداهُ في الهيكلِ، جالِسًا في وسطِ المُعَلمينَ، يَسمَعُهُمْ ويَسألُهُمْ" (لو46:2) ويتضح أيضًا من مواظبة السيد المسيح على المجمع في أيام السبوت "وجاءَ إلَى النّاصِرَةِ حَيثُ كانَ قد ترَبَّى ودَخَلَ المَجمَعَ حَسَبَ عادَتِهِ يومَ السَّبتِ وقامَ ليَقرأَ" (لو16:4) لقد كان الرب يسوع مُشاركًا في كل العبادة، لأنه بتجسده كان لا بد له أن يُمارس كل ما يختص بنا كإنسان كامل وقد شرح الرب يسوع ذلك في قوله ليوحنا المعمدان: "لأنَّهُ هكَذَا يَليقُ بنا أنْ نُكَملَ كُلَّ بِرٍّ" (مت15:3)وقد شارك أيضًا تلاميذ الرب يسوع في خدمة التسبيح بالهيكل وهذا واضح في التسبيح الذي قدَّمه تلاميذه الأطهار عند دخوله أورشليم "ولَمّا قَرُبَ عِندَ مُنحَدَرِ جَبَلِ الزَّيتونِ، ابتَدأَ كُلُّ جُمهورِ التلاميذِ يَفرَحونَ ويُسَبحونَ اللهَ بصوتٍ عظيمٍ، لأجلِ جميعِ القوّاتِ التي نَظَروا" (لو37:19) وكذلك في ليلة آلام السيد المسيح حيث قيل: "ثُمَّ سبَّحوا وخرجوا إلَى جَبَلِ الزَّيتونِ" (مت30:26) ويغلب الظن أنهم سبَّحوا بـ "مزامير التهليل" حسب عادة اليهود في مثل هذا العيد، وهي (المزامير 112 - 118). (1) وصف لروحانية أيام السيد المسيح على الأرض يُمكن أن نقول إن التسبيح وخدمة الهيكل والذبائح كانت قد وصلت إلى قمم عالية وقت تجسد الله فكان الهيكل يعُج دائمًا بالمصلين، وكانت مواعيد الأعياد والصلوات والذبائح تُتمم بكل تدقيق وحرص، كما يظهر في قصة زكريا: "فبَينَما هو يَكهَنُ في نَوْبَةِ فِرقَتِهِ أمامَ اللهِ، حَسَبَ عادَةِ الكَهَنوتِ، أصابَتهُ القُرعَةُ أنْ يَدخُلَ إلَى هيكلِ الرَّب ويُبَخرَ" (لو8:1-9)، مما يدل على انتظام الفرق والنوبات والعوائد الكهنوتية والدخول للهيكل والتبخير كانت هناك أيضًا فئات كثيرة من الشعب حريصة على إتمام الواجبات الدينية مثل الفريسيين والصدوقيين والكتبة وإن اتسمت عبادتهم بالحرفية وغياب الروحانية، ولكن مع ذلك يذكر العهد الجديد العديد من الشخصيات المباركة التي مارست العبادة بروحانية وتقوى مما يدل على الأثر القوي لذبيحة التسبيح على حياتهم وروحانيتهم ومن هؤلاء مثلاً: زكريا الكاهن وامرأته أليصابات اللذان شهد عنهما الإنجيل "وكانا كِلاهُما بارَّينِ أمامَ اللهِ، سالِكَينِ في جميعِ وصايا الرَّب وأحكامِهِ بلا لومٍ" (لو6:1) ولم يكونا هما فقط بل قيل أيضًا: إن جمهورًا كثيرًا من الشعب كان يصلي ففي قصة ظهور الملاك لزكريا قيل: "وكانَ كُلُّ جُمهورِ الشَّعبِ يُصَلّونَ خارِجًا وقتَ البَخورِ" (لو10:1)، وقد فهم الشعب بكل حِس روحي دقيق أن زكريا قد رأى رؤيا في الهيكل لأنه كان صامتًا بعد خروجه من الهيكل (راجع لو22:1). (2) شخصيات روحانية بارزة عاصرت التجسد الإلهي إنه جيل عظيم أنجب زكريا وأليصابات، وأنجب يوحنا أعظم مواليد النساء، بل وأنجب سيدة كل البنات العذراء القديسة مريم من والديْن تقيين أيضًا وهما يواقيم وحنة وهذا الجيل أيضًا أنتج لنا كل الآباء الرسل الأطهار، وكل الجيل الأول للمسيحيين قبل دخول الأمم في الإيمان حقًا لقد صلبوا رب المجد، ولكن في وسط ذلك الجيل المعوج والملتوي كانت هناك أنوار تضيء بينهم في العالم (راجع فيلبي15:2) وأعتقد أن الفضل في ذلك يرجع إلى تهذيبهم روحيًا من خلال ذبيحة التسبيح والصلاة بالهيكل لقد كانت معظم تسبحة "العذراء مريم" مأخوذة من كلمات المزامير والتسابيح الموجودة بالهيكل مما يدل على شِبعها بهذه الروح الكنسية العميقة بسبب تواجدها الدائم بالهيكل قبل أن يأخذها الشيخ يوسف النجار إلى منزله وكذلك تسبحة "زكريا" بعد ولادة يوحنا المعمدان امتلأت بتعابير من المزامير والتسابيح، والتسبحة التي فاه بها سمعان الشيخ تدل على روحانية سامية في تأليف التسبيح الكنسي كذلك قيل عن "حنة النبية" بنت فنوئيل إنها كانت "وهي أرمَلَةٌ نَحوَ أربَعٍ وثَمانينَ سنَةً، لا تُفارِقُ الهيكلَ، عابِدَةً بأصوامٍ وطَلِباتٍ ليلاً ونهارًا فهي في تِلكَ السّاعَةِ وقَفَتْ تُسَبحُ الرَّبَّ، وتكلَّمَتْ عنهُ مع جميعِ المُنتَظِرينَ فِداءً في أورُشَليمَ" (لو37:2-38) إنني أتعجب من هذه الروحانية السامية فهذه امرأة تعيش في الهيكل 84 سنة، وعندها روح النبوة، وتتوقع مع كثيرين من سكان أورشليم فداءً عتيدًا أن يحدث قريبًا حسب النبوات لذلك تقف في استقبال الطفل يسوع تُسِّبحه وتُمجد خلاص الله!!!من الظلم أن نعتبر كل الجيل الذي ظهر فيه السيد المسيح جيلاً شريرًا لأنهم صلبوه، ولكن دعونا نرى هذه الأنوار التي تدل على الروحانية السامية في بعض الأشخاص المعاصرين لهذا الجيل. لقد قيل أيضًا عن "يوسف الرامي" إنه: "كانَ هو أيضًا مُنتَظِرًا ملكوتَ اللهِ" (مر43:15). و"شاول الطرسوسي" بالرغم من أنه كان يضطهد المسيحيين، لكنه كان يفعل ذلك بجهل كأنه يقدم خدمة لله حسب قول السيد المسيح: "بل تأتي ساعَةٌ فيها يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقتُلُكُمْ أنَّهُ يُقَدمُ خِدمَةً للهِ" (يو2:16)، وقد اعترف بذلك القديس بولس الرسول قائلاً: "أنا الذي كُنتُ قَبلاً مُجَدفًا ومُضطَهِدًا ومُفتَريًا ولكنني رُحِمتُ، لأني فعَلتُ بجَهلٍ في عَدَمِ إيمانٍ" (1تي13:1)، وطفوليته كانت مليئة بمعرفة الله، كما شهد هو بنفسه "فسيرَتي منذُ حَداثَتي التي مِنَ البُداءَةِ كانَتْ بَينَ أُمَّتي في أورُشَليمَ يَعرِفُها جميعُ اليَهودِ، عالِمينَ بي مِنَ الأوَّلِ، إنْ أرادوا أنْ يَشهَدوا، أني حَسَبَ مَذهَبِ عِبادَتِنا الأضيَقِ عِشتُ فريسيًّا" (أع4:26-5) وإن كانت روحانياته بطريقة فريسية متشددة، لكنها على كل الأحوال تدل على اهتمام روحي وانشغال بالأمور الدينية بطريقة تناسب الفكر اليهودي الحرفي، ويشهد القديس بولس أيضًا أن الأسباط جميعًا كانوا في حالة روحية عالية توقعًا لمجيء المسيح "الذي أسباطُنا الاثنا عشَرَ يَرجونَ نَوالهُ، عابِدينَ بالجَهدِ ليلاً ونهارًا" (أع7:26) وعائلات كثيرة كانت تتوارث الإيمان والتقوى والعبادة الروحانية مثل عائلة تيموثاوس الرسول فقد كان أيضًا من الشخصيات المباركة في هذا الجيل: جدة تيموثاوس (لوئيس)، وأمه (أفنيكي) "إذ أتذَكَّرُ الإيمانَ العَديمَ الرياءِ الذي فيكَ، الذي سكَنَ أوَّلاً في جَدَّتِكَ لوئيسَ وأُمكَ أفنيكي، ولكني موقِنٌ أنَّهُ فيكَ أيضًا" (2تي5:1) كل هذه الشخصيات الروحانية المباركة المعاصرة لوقت تجسد كلمة الله تدل على المستوى الروحي الراقي الذي كانوا يتمتعون به وتُشير إلى ارتفاع قيمة العبادة والتسبيح عند الشعب. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
03 ديسمبر 2018

التسبيح في الكنيسة

والآن بعد أن استعرضنا كل النصوص التي تتكلَّم عن التسبيح في الكتاب المقدس بعهديه ماذا عن التسبيح في كنيستنا المسيحية؟ لدينا أيضًا عدد كبير من الآيات التي تحثنا على تسبيح الله بقلب طاهر مُستخدمين المزامير والتسابيح والأغاني الروحية:"مُكلمينَ بَعضُكُمْ بَعضًا بمَزاميرَ وتسابيحَ وأغانيَّ روحيَّةٍ، مُتَرَنمينَ ومُرَتلينَ في قُلوبِكُمْ للرَّب" (أف19:5)"وأنتُمْ بكُل حِكمَةٍ مُعَلمونَ ومنذِرونَ بَعضُكُمْ بَعضًا، بمَزاميرَ وتسابيحَ وأغانيَّ روحيَّةٍ، بنِعمَةٍ، مُتَرَنمينَ في قُلوبِكُمْ للرَّب" (كو16:3)."فما هو إذًا أيُّها الإخوَةُ؟ مَتَى اجتَمَعتُمْ فكُلُّ واحِدٍ مِنكُمْ لهُ مَزمورٌ" (1كو26:14). "واظِبوا علَى الصَّلاةِ ساهِرينَ فيها بالشُّكرِ" (كو2:4) " أعلَى أحَدٍ بَينَكُمْ مَشَقّاتٌ؟ فليُصَل. أمَسرورٌ أحَدٌ؟ فليُرَتلْ" (يع13:5) "ونَحوَ نِصفِ اللَّيلِ كانَ بولُسُ وسيلا يُصَليانِ ويُسَبحانِ اللهَ، والمَسجونونَ يَسمَعونَهُما" (أع25:16)هذه التعاليم الإلهية وغيرها كثير في الكتاب المقدس دفعت الكنيسة دفعًا إلى أن تحيا حياة التسبيح الدائم، وكان سفر المزامير هو المصدر الأساسي والرئيسي للتسبيح في الكنيسة فقد وجد فيه الآباء القديسون ما يروي ظمأهم للحب الإلهي ولم يكن الترتيل بالمزامير شيئًا جديدًا، فقد ورثته الكنيسة المسيحية عن الهيكل والمجامع اليهودية والسيد المسيح نفسه قد رتل (مزامير الهلّيل) مع تلاميذه في ليلة العشاء السري وهي (مزامير 113-118) وعبرّت الأناجيل عن هذه التسابيح بالعبارة: "ثُمَّ سبَّحوا وخرجوا إلَى جَبَلِ الزَّيتونِ" (مت30:26، مر26:14) وقيل أيضًا عن الآباء الرسل:"وكانوا كُلَّ حينٍ في الهيكلِ يُسَبحونَ ويُبارِكونَ اللهَ" (لو53:24) "وصَعِدَ بُطرُسُ ويوحَنا مَعًا إلَى الهيكلِ في ساعَةِ الصَّلاةِ التّاسِعَةِ" (أع1:3). وكل الجماعة المسيحية الأولى قيل عنها: "وكانوا كُلَّ يومٍ يواظِبونَ في الهيكلِ بنَفسٍ واحِدَةٍ" (أع46:2) "مُسَبحينَ اللهَ" (أع47:2). "وكانوا لا يَزالونَ كُلَّ يومٍ في الهيكلِ وفي البُيوتِ مُعَلمينَ ومُبَشرينَ بيَسوعَ المَسيحِ" (أع42:5). بكل تأكيد لم يكونوا يشتركون في ذبائح اليهود، إذ قد أدركوا أن ذبيحة المسيح على الصليب، كانت قد أبطلت كل هذه الذبائح الدموية، وإنما اكتفوا بأن يشتركوا في ذبيحة التسبيح بالمزامير والألحان. أما الذبائح الدموية اليهودية فقد استُبدلت بالطقس المسيحي الذي هو ذبيحة الإفخارستيا (كسر الخبز) "وإذ هُم يَكسِرونَ الخُبزَ في البُيوتِ" (أع46:2)وكان هذا الطقس يُتمم في البيوت، حيث لم يكن مُستطاعًا لهم أن يقوموا به في هيكل اليهود كل هذه الذخيرة الروحية الثمينة والعميقة انتقلت بكل مشاعرها الروحية وآثارها النُسكية العميقة إلى كنيستنا القبطية المجيدة، وقد سجل التاريخ أن الشعب القبطي كان يقضي الليل كله في الصلاة والتسبيح حتى الفجر، خاصة في ليالي الآحاد، حيث تبدأ خدمة الإفخارستيا عند الفجر وتنتهي غالبًا مع شروق الشمس وذلك بعد الانتهاء من سهر التسبيح وهناك معنى روحي جميل لاجتماع المؤمنين في الكنيسة والظلام باق، ثم خروجهم منها وقد استنارت المسكونة بضياء الشمس. فهذا يُعبِّر عن إلتجائنا إلى الله في وقت ظلام النفس (إما بسبب الخطية، أو بسبب الضيقات)، ولا نخرج من لُدن الله إلا وقد استنارت نفوسنا بالغفران وحضور الله فينا ومازال هذا الطقس يُجرى يوميًا في الأديرة المقدسة حيث يخرج الرهبان الأتقياء من قلاليهم بعد منتصف الليل والظلام حالك، ثم يخرجون من الكنيسة بعد انتهاء القداس وقد أشرقت الشمس وقد أشار سقراط المؤرخ إلى خدمة التسبيح الليلية في الإسكندرية وبلاد الصعيد، وكذلك وصف يوحنا كاسيان الكثير من التفاصيل عن خدمة السهر والتسبيح لدى الأقباط، وورد في قصة هروب القديس أثناسيوس من أعدائه الأريوسيين، أنه كان مع شعبه في الكنيسة عندما هاجمهم الجند بينما كانوا يقومون بعمل التسبيح. هذا كله يشرح ولع المصريين بالتسبيح، والسهر للصلاة منذ فجر المسيحية وحتى اليوم وبالإضافة إلى سفر المزامير كمصدر رئيسي وأساسي للتسبيح في الكنيسة استخدم الآباء بعض التسابيح والصلوات الواردة في الكثير من أسفار الكتاب المقدس ومنها تبلورت التسبحة اليومية المستخدمة حاليًا بالكنيسة بترتيبها المعروف، ولكنه يظهر بأجلى وضوح في ترتيب سهرة السبت الكبير (أبوغالمسيس)، حيث تُتلى تسابيح الأنبياء المسجلة في الكتاب المقدس ونذكر منها: (1) نشيد الخروج (تسبحة موسى النبي وبني إسرائيل بعد الخروج من مصر وعبور البحر الأحمر) (خروج 15) وهي الآن (الهوس الأول). (2) تسبحة موسى النبي "اِنصِتي أيَّتُها السماواتُ فأتكلَّمَ، ولتَسمَعِ الأرضُ أقوالَ فمي" (تث1:32-43). (3) تسبحة الثلاثة الفتية في أتون النار: وهي الآن (الهوس الثالث)، وقد وردت في (سفر دانيال). (4) تسبحة إشعياء النبي "يارَبُّ، أنتَ إلهي أُعَظمُكَ أحمَدُ اسمَكَ لأنَّكَ صَنَعتَ عَجَبًا مَقاصِدُكَ منذُ القَديمِ أمانَةٌ وصِدقٌ" (إش25). (5) تسبحة أخرى لإشعياء النبي "في ذلكَ اليومِ يُغَنَّى بهذِهِ الأُغنيَّةِ في أرضِ يَهوذا:لنا مدينةٌ قَويَّةٌ. يَجعَلُ الخَلاصَ أسوارًا ومَترَسَةً" (إش26). (6) تسبحة السيدة العذراء"فقالَتْ مَريَمُ: تُعَظمُ نَفسي الرَّبَّ، وتبتَهِجُ روحي باللهِ مُخَلصي" (لو46:1-55). (7) تسبحة زكريا الكاهن"مُبارَكٌ الرَّبُّ إلهُ إسرائيلَ لأنَّهُ افتَقَدَ وصَنَعَ فِداءً لشَعبِهِ" (لو67:1-79). (8) تسبحة الملائكة " المَجدُ للهِ في الأعالي، وعلَى الأرضِ السَّلامُ، وبالناسِ المَسَرَّةُ" (لو13:2-14). (9) تسبحة سمعان الشيخ"الآنَ تُطلِقُ عَبدَكَ يا سيدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بسَلامٍ" (لو28:2-32). (10) التسابيح التي وردت في سفر الرؤيا، وهي كثيرة في آيات متعددة على مدى السفر كله. طرق التسبيح الكنسي تنوعت طرق التسبيح أثناء السهر حتى يكسروا الملل، ويمنعوا تشتت الفكر، وتعب الجسد، ويتجدد الحماس والانتباه ونشاط النفس في الصلاة. ومن هذه الطرق: (1) طريقة المردات: حيث يقوم أحد الشمامسة ويرتل التسبيح، بينما يكون الباقون جالسين ويردون عليه بالمرد مثل: (الليلويا)، أو (آمين الليلويا)، أو (آمين)، أو (لأن إلى الأبد رحمته)، أو (سبحوه ومجدوه زيدوه علوًا إلى الأبد) الخ. (2) طريقة المرابعة (Antiphon): وهي طريقة خورس مقابل خورس آخر. وقد وردت هذه الطريقة في زمان عزرا ونحميا (عز10:3-11)، (نح27:12-40)، كما أُشير إليها في سفر إشعياء. حيث رأى السارافيم يسبحون واحد مقابل واحد آخر (إش2:6-4)، وكذلك في سفر الرؤيا. وهذه الطريقة هي السائدة الآن في تسابيحنا القبطية. (3) طريقة التبادل: حيث يبادل فرد الآخر بالترتيل، والجميع يتابعون جلوسًا ويردون المردات كما يحدث في تسابيح كيهك الآن. كتب التسابيح في الكنيسة - أهم كتب التسابيح في الكنيسة (1) كتاب الإبصلمودية المقدسة: وهو الكتاب المستخدم في التسبحة اليومية على مدار السنة، وكلمة إبصلمودية كلمة يونانية من الفعل (إبصالو) أي (يرتل). (2) توجد كذلك إبصلمودية أخرى كيهكية تحتوي على تسابيح أخرى، تناسب الاحتفال بتجسد الله الكلمة، وميلاده من العذراء مريم. (3) يوجد كتاب للإبصاليات وهي ترانيم للأعياد وللقديسين للاستخدام في أعيادهم. عزيزي القارئ. أرجو أن أكون قد فتحت أمام عين ذهنك الطاهر مقدار كرامة التسبيح من وجهة نظر الكتاب المقدس،ليتحرك قلبك مع قلبي وقلب كل الكنيسة لنمجِّد الله بتسابيح الحب والحمد والفرح الدائم كل حين والرب معكم،،، نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
26 نوفمبر 2018

جسد المسيح

عندما نتكلَّم عن القربانة كنموذج لشرح تكوين الكنيسة وطبيعتها وارتباطها بالمسيح في وحدة الحب، وذلك قبل أن تتحول القربانة نفسها بفِعل الصلاة والتقديس وحلول الروح القدس إلى جسد حقيقي للرب يسوع.. لا يجب أن يختلط المعنى في ذهننا بين جسد المسيح الخاص المولود من العذراء مريم بلا خطية والذي نأكله على المذبح، وبين جسد المسيح الذي هو الكنيسة، المكونة منَّا كأعضاء في هذا الجسد.. "وأمّا أنتُمْ فجَسَدُ المَسيحِ، وأعضاؤُهُ أفرادًا" (1كو12: 27). التمايز بين جسد المسيح الخاص والكنيسة جسد المسيح + فالكنيسة ليست مولودة من العذراء مريم، بل المسيح وحده الذي هو رأس الكنيسة .. "وإيّاهُ جَعَلَ رأسًا فوقَ كُل شَيءٍ للكَنيسَةِ" (أف1: 22). + والكنيسة لم تُصلب مع المسيح، بل هو مات وحده عنَّا.. "قد دُستُ المِعصَرَةَ وحدي، ومِنَ الشُّعوبِ لم يَكُنْ معي أحَدٌ" (إش63: 3). ولذلك قال السيد المسيح للكنيسة (جماعة الرسل): "هوذا تأتي ساعَةٌ، وقد أتتِ الآنَ، تتفَرَّقونَ فيها كُلُّ واحِدٍ إلَى خاصَّتِهِ، وتترُكونَني وحدي. وأنا لستُ وحدي لأنَّ الآبَ مَعي" (يو16: 32). + والسيد المسيح هو فادينا، لأنه صُلب وحده عنَّا، فلو صُلبت الكنيسة معه أي صُلبنا نحن معه على الجلجثة فكيف يكون فاديًا لنا؟ إنه فادي لأنه مات بدلاً ونائبًا عنَّا، ولم نمت نحن معه في الجلجثة في الصليب لأننا لم نكن موجودين آنئذٍ. لقد نلنا نصيبنا في صليبه عندما اعتمدنا باسمه القدوس .. + "فدُفِنّا معهُ بالمَعموديَّةِ للموتِ، حتَّى كما أُقيمَ المَسيحُ مِنَ الأمواتِ، بمَجدِ الآبِ، هكذا نَسلُكُ نَحنُ أيضًا في جِدَّةِ الحياةِ؟ لأنَّهُ إنْ كُنّا قد صِرنا مُتَّحِدينَ معهُ بشِبهِ موتِهِ، نَصيرُ أيضًا بقيامَتِهِ" (رو6: 4-5). + "مَدفونينَ معهُ في المَعموديَّةِ، التي فيها أُقِمتُمْ أيضًا معهُ بإيمانِ عَمَلِ اللهِ، الذي أقامَهُ مِنَ الأمواتِ. وإذ كنتُم أمواتًا في الخطايا وغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أحياكُمْ معهُ، مُسامِحًا لكُمْ بجميعِ الخطايا" (كو2: 12-13). لذلك يحق لنا بعد المعمودية فقط أن نقول: + "مع المَسيحِ صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المَسيحُ يَحيا فيَّ. فما أحياهُ الآنَ في الجَسَدِ، فإنَّما أحياهُ في الإيمانِ، إيمانِ ابنِ اللهِ، الذي أحَبَّني وأسلَمَ نَفسَهُ لأجلي" (غل2: 20). + "عالِمينَ هذا: أنَّ إنسانَنا العتيقَ قد صُلِبَ معهُ ليُبطَلَ جَسَدُ الخَطيَّةِ، كيْ لا نَعودَ نُستَعبَدُ أيضًا للخَطيَّةِ" (رو6: 6). + أما من جهة الصليب نفسه، فقد صُلب السيد المسيح وحده لأنه "أحَبَّني وأسلَمَ نَفسَهُ لأجلي" (غل2: 20). + فلو كانت الكنيسة هي جسد المسيح المصلوب لما احتاج أعضاؤها أن يعتمدوا، ولكننا يحدث لنا العكس .. إننا نحتاج المعمودية لكي نُصلب فيها ونُدفن مع المسيح ونقوم .. "وأقامَنا معهُ، وأجلَسَنا معهُ في السماويّاتِ في المَسيحِ يَسوعَ" (أف2: 6). + والكنيسة أيضًا تشترك في آلام الصليب باحتمال كل أنواع الآلام من أجل المسيح .. "ومَنْ لا يأخُذُ صَليبَهُ ويتبَعُني فلا يَستَحِقُّني" (مت10: 38). إنه صليب آلام الاضطهاد وآلام الخدمة وأتعابها وآلام النُسك ومشقاته، والآلام الطبيعية. "عالِمينَ أنَّ نَفسَ هذِهِ الآلامِ تُجرَى علَى إخوَتِكُمُ الذينَ في العالَمِ" (1بط5: 9) .. ولكننا نحتملها بشكر فتصير شركة في صليب المسيح.. "صادِقَةٌ هي الكلِمَةُ: أنَّهُ إنْ كُنّا قد مُتنا معهُ فسَنَحيا أيضًا معهُ. إنْ كُنّا نَصبِرُ فسَنَملِكُ أيضًا معهُ. إنْ كُنّا نُنكِرُهُ فهو أيضًا سيُنكِرُنا" (2تي2: 11-12). "إنْ كُنّا نَتألَّمُ معهُ لكَيْ نتمَجَّدَ أيضًا معهُ" (رو8: 17) .. أما صليب الجلجثة فلم يكن هناك غير يسوع المسيح وحده بجسده الخاص المبذول عن حياة العالم. + جسد المسيح المصلوب عنَّا هو جسد بلا عيب ولا لوم ولا خطية .. + "الذي بروحٍ أزَلي قَدَّمَ نَفسَهُ للهِ بلا عَيبٍ" (عب9: 14). + "بدَمٍ كريمٍ، كما مِنْ حَمَلٍ بلا عَيبٍ ولا دَنَسٍ، دَمِ المَسيحِ" (1بط1: 19). + أما نحن أعضاء الكنيسة .. "إنْ قُلنا: إنَّهُ ليس لنا خَطيَّةٌ نُضِلُّ أنفُسَنا وليس الحَقُّ فينا .... إنْ قُلنا: إنَّنا لم نُخطِئْ نَجعَلهُ كاذِبًا، وكلِمَتُهُ ليستْ فينا" (1يو1: 8، 10). + أما السيد المسيح فقد "حَمَلَ خَطيَّةَ كثيرينَ وشَفَعَ في المُذنِبينَ" (إش53: 12). ولذلك قيل عنه: "لأنَّهُ جَعَلَ الذي لم يَعرِفْ خَطيَّةً، خَطيَّةً لأجلِنا، لنَصيرَ نَحنُ برَّ اللهِ فيهِ" (2كو5: 21). هو حَمَل خطايا الكنيسة على جسده الخاص، لنصير نحن بر الله فيه. + جسد السيد المسيح المولود من العذراء والخاص به، اتحد اتحادًا كاملاً أقنوميًا باللاهوت، كمثل اتحاد النفس بالجسد في الإنسان .. أما المسيح فقد اتحد بكنيسته كاتحاد الرجل بامرأته، فصارت الكنيسة جسده كما أن المرأة هي جسد الرجل والرجل رأسها، ولكن يظل الرجل رجلاً والامرأة امرأة .. كذلك يظل المسيح هو الله والكنيسة هي البشر المتحد بالله اتحاد الحب والإرادة والقداسة. "لأنَّ الرَّجُلَ هو رأسُ المَرأةِ كما أنَّ المَسيحَ أيضًا رأسُ الكَنيسَةِ، وهو مُخَلِّصُ الجَسَدِ" (أف5: 23). + في سر الزيجة "يكونُ الاِثنانِ جَسَدًا واحِدًا" (مت19: 5)، ومع ذلك مازال للرجل جسده الخاص وكذلك للمرأة .. والرجل يصير رأسًا للمرأة والمرأة جسد للرجل. على هذا المثال تكون الكنيسة جسدًا للمسيح والمسيح بجسده الخاص رأسًا للكنيسة. + جسد المسيح المتحد بلاهوته هو جسد مُحي نسجد له ونُمجده، ويعمل المعجزات، ويعطينا حياة أبدية حينما نأكله .. "مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخير ِ ... مَنْ يأكُلني فهو يَحيا بي" (يو6: 54، 57) .. أما الكنيسة جسد المسيح .. فليست فيها الألوهة، ولا تعطي حياة، ولا يمكن أن نأكلها. + إننا نسجد فقط لرأس الكنيسة "وهو رأسُ الجَسَدِ: الكَنيسَةِ. الذي هو البَداءَةُ، بكرٌ مِنَ الأمواتِ، لكَيْ يكونَ هو مُتَقَدمًا في كُل شَيءٍ" (كو1: 18). ولكننا لا نسجد للكنيسة ولا نعبدها، لأنها هي نحن (أعضاء الجسد)، فكيف نسجد لأنفسنا أو نعبد أنفسنا؟ + إننا فعلاً "أعضاءُ جِسمِهِ، مِنْ لَحمِهِ ومِنْ عِظامِهِ" (أف5: 30).. ولكننا لسنا لاهوته وأقنومه، مثل المرأة التي هي جسد الرجل "عَظمٌ مِنْ عِظامي ولَحمٌ مِنْ لَحمي" (تك2: 23)، ولكنها ليست ذات الرجل أو شخصه. "هكذا نَحنُ الكَثيرينَ: جَسَدٌ واحِدٌ في المَسيحِ، وأعضاءٌ بَعضًا لبَعضٍ، كُلُّ واحِدٍ للآخَرِ" (رو12: 5). وبهذا المعنى تكون أجسادنا أعضاء المسيح .. + "ألستُمْ تعلَمونَ أنَّ أجسادَكُمْ هي أعضاءُ المَسيحِ؟ أفآخُذُ أعضاءَ المَسيحِ وأجعَلُها أعضاءَ زانيَةٍ؟ حاشا!" (1كو6: 15). + "لأنَّهُ كما أنَّ الجَسَدَ هو واحِدٌ ولهُ أعضاءٌ كثيرَةٌ، وكُلُّ أعضاءِ الجَسَدِ الواحِدِ إذا كانَتْ كثيرَةً هي جَسَدٌ واحِدٌ، كذلكَ المَسيحُ أيضًا" (1كو12: 12). + والمسيح هو الرأس "صادِقينَ في المَحَبَّةِ، نَنمو في كُل شَيءٍ إلَى ذاكَ الذي هو الرّأسُ: المَسيحُ" (أف4: 15). خلاصة القول .. إن الجسد المُقدَّس على المذبح هو جسد السيد المسيح المولود من العذراء مريم، وهو جسد بلا خطية وبلا عيب، يضمنا إليه، ونتحد به عندما نعتمد باسمه وعندما نأكله .. + "نَحنُ الكَثيرينَ خُبزٌ واحِدٌ، جَسَدٌ واحِدٌ، لأنَّنا جميعَنا نَشتَرِكُ في الخُبزِ الواحِدِ" (1كو10: 17). + "اجعلنا كلنا مستحقين يا سيدنا أن نتناول من قُدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا، لكي نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا، ونجد نصيبًا وميراثًا مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء" (القداس الباسيلي). وهذا الانضمام إلى جسد المسيح يكون الآن كعربون وفي الأبدية بالحقيقة .. وهذا كله بالنعمة الإلهية الممنوحة للبشروهذا الانضمام إلى جسد المسيح لا يُكسبنا صفات المسيح الإلهية، كمثل جهاز كهربائي لا يعمل إلاَّ باتحاده بالكهرباء، ولكنه عند اتحاده بها لا يصير هو نفسه (كهرباء)، ولكنه يظل (كهربائي)، ويعمل بقوة الكهرباء فيه كذلك نحن لا نحيا إلاَّ بالمسيح، ولكننا لا نصير (مسيحًا)،بل (مسيحيين) ونحيا بقوة حياة المسيح فينا. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
19 نوفمبر 2018

ظروف شباب المرحلة الثانوية

هناك ظروف قديمة وجديدة تحيط بهذه المرحلة، لابد من التعرف عليها، حتى نحسن التعامل مع شبابها المبارك... لاشك أن هناك مستجدات هامة لدى شباب المرحلة الثانوية، فى هذه الأيام، نذكر منها : 1- العملية التعليمية : ولاشك أنها ليست على ما يرام، فهى فى أفضل صورها عملية تلقين لا تكوين... بمعنى أنها تهتم بحشو الذاكرة - وليس الذهن - بكمية ضخمة من المعلومات فى مجالات واسعة من المعرفة.. وكل ما يطلبونه من الشباب هو أن يحفظ هذه المعلومات غيباً، ويسكبها سكيباً فى ورقة الإجابة فى إمتحان واحد خطير آخر العام. هذا بينما يؤمن العالم كله بأهمية التربية قبل التعليم، والتكوين قبل التلقين. لهذا يعتمدون فى الخارج على تكوين روح البحث لدى التلميذ، وعلى تحريك ذهنه للفهم والإبتكار والإبداع. وهذا ما نشاهده فى الغرب، إذ يطلبون من التلميذ تحضير ورقة بحث فى موضوع ما، ربما يختاره هو، ويبحث عن مادة الموضوع فى المكتبة، ولدى المدرس، والأسرة، والكنيسة، حتى تكتمل العناصر، ويتقدم ببحثه، ويناقشه فيه المدرس والزملاء.. وأكثر من مرة حضر شباب من أمريكا أو استراليا، ليدرس مثلاً الفرق بين الشباب القبطى داخل وخارج مصر، من خلال استبيانات وإحصائيات فى مجالات مختلفة: شخصية وعائلية وكنسية... بهدف معرفة ما يجب أن ننتبه إليه فى خدمة الشباب، هنا أو فى المهجر... وقد استفدنا كثيراً من هذه البحوث الميدانية. كذلك نجد العملية التعليمية الآن فيها فاقد رهيب للوقت، فالشباب يذهبون فى الصباح الباكر إلى المدرسة، وتكون الفائدة قليلة جداً، لتكدس الفصول وارهاق المدرسين، وظروفهم الصعبة. ثم يبدأ الشباب فى مدرسة أخرى بعد الظهر، فى فصول التقوية، أو الدروس الخصوصية، حيث الشرح أفضل، ولكن لشباب مرهق... ولا يتبقى سوى سويعات قليلة فى المنزل للاستذكار. هذا كله عبء ضخم على شبابنا الغض، الذى لا يجد فرصة للنمو الروحى والثقافى والإجتماعى والبدنى من خلال الأنشطة والاجتماعات الكنسية والمهرجانات... ولاشك أن تمديد الثانوية العامة إلى عامين بدلاً من عام واحد، أصبح عبئاً كبيراً على شباب المرحلة الثانوية، بحيث لم يعد لديهم النفس الهادئة، أو الوقت المناسب، لتكوين شخصياتهم المتكاملة: روحياً وثقافياً ووجدانياً وبدنياً وإجتماعياً... هذه العناصر الخمسة فى الشخصية الإنسانية، لم يعد من الممكن إشباعها، بينما الشباب يعيش الأرق والإرهاق، مع عملية تعليمية تلقينية مؤسفة. أن شباب المرحلة الثانوية فى هذه الأيام، لا يتمتع حتى بالإجازة الصيفية، حيث الملحق (والتحسين سابقاً)، وحيث ضرورة الاستعداد للعام الدراسى بدروس خصوصية فى الصيف، تمهيداً للعام الدراسى الجديد. وقد لاحظنا ذلك أثناء خدمتنا لهذه المرحلة، فبعد أن كنا نقدم لهم مادة دسمة فى المهرجان، على الأقل أثناء دراستهم فى الصفين الأول والثانى، حيث كانوا يواظبون على الخدمة الكنسية، وبالتالى يستوعبون الكثير من المعلومات اللاهوتية والعقيدية والطقسية والتاريخية والكتابية، مع فنون وآداب ورياضة وكومبيوتر.. مع الإندماج المفرح فى الحياة الكنسية والأنشطة الصيفية... صار شبابنا المرهق المهموم بالثانوية العامة، كثير الغياب عن الكنيسة، ولذلك اضطررنا إلى تخفيض حجم النشاط الكنسى والدراسات والمهرجان، تقديراً لظروفهم... 2- أسلوب الامتحان : ولاشك أنه أسلوب مؤسف، فالشباب يستذكر طوال العام، بمجهود ضخم، ليتم تقييمه من خلال الحفظ وليس الفهم، ومن خلال امتحان واحد فى ساعتين.. وربما أصيب الشاب أو الشابة بوعكة صحية أو مجرد انفلونزا، فيضيع الإمتحان، ويضيع المجهود، ويضيع المستقبل. أى توتر يمكن أن ينشأ عن هذا الأسلوب؟!! الإمتحان فى الخارج يرتكز على الفهم، ويستمر طوال العام من خلال الأسئلة، والإختيارات، والبحوث، والمتابعة الشخصية من المدرس، ولذلك تكون نفسية الشباب هادئة، وإذا فشل مرة، ينجح فى المرة التالية...إن تقييم شبابنا من خلال ورقة واحدة، فى ساعة معينة، ويوم محدد... أمر مثير للتوتر.. فإذا ما حدثت مشكلة فى المنزل، أو مرض، أو وفاة... ضاع كل شئ!! هذا بالإضافة إلى اعتماد الإمتحان على التذكر وليس التفكير، وعلى الحفظ وليس الفهم... ونحن جميعاً نعلم إمتحانات الخارج، التى كثيراً ما تكون من خلال "الكتاب المفتوح" (Open book)، ولا يستطيع الإجابة على الأسئلة إلا كل من درس المادة واستوعبها تماماً. وهكذا لا يرتبط الامتحان بحالات من التوتر والقلق والإحباط كما يحدث فى بلادنا، ليس فقط على مستوى الشباب، بل أيضاً على مستوى أسرهم... وهذا ما نراه فى بيوتنا أثناء أيام الإمتحانات، والأيام السابقة عليها... 3- سلبيات الإعلام : وما يواجهه شبابنا فى هذا العصر من تنوع لوسائل الإعلام، إلى استمرارية تأثيرها على مدى 24 ساعة يومياً إلى سهولة الوصول إلى السلبى منها، وبطريقة لا يستطيع الوالدون اكتشافها بسهولة. هناك الآن شرائط الكاسيت وما تحمله من أغانى هابطة، وشرائط الفيديو والكثير منها يحمل إنحلالاً وإثارة، والبث من الأقمار الصناعية على عشرات القنوات على مدى الليل والنهار، وشبكة الانترنيت وما تقدمه من إباحية وإنحلال. وبالطبع فنحن لا نرى كل الوسائل الإعلاميةشراً، بل نقصد أنها تقدم للشباب الكثير من الإيجابيات فى المعلومات والتواصل والثقافة والتسلية البرئية، ولكنها تحمل - مع ذلك - سلبيات خطيرة، لها أثرها فى شبابنا، سواء فى إعثاره أو فى تعويقه عن الجهاد الروحى، ناهيك عن صعوبة النمو الروحى فى هذا الجو الصعب. لقد أصبحت الخطيئة "محيطة بنا بسهولة" كما يقول الرسول بولس (عب 1:12). الأمر الذى يحتاج إلى إفراز وتوعية وتغذية وبدائل وجهاد كثير، ينبغى أن يبذله شبابنا المبارك، عملاً بقول الكتاب "إمتحنوا كل شئ، وتمسكوا بالحسن" (1تس 21:5). 4- سلبيات الوسط المدرسى : لاشك أن الوسط المدرسى لم يعد كما كان فى الماضى، سبباً فى إنماء المعرفة وتربية الخلق القويم، إذ أنه صار حافلاً بسلبيات كثيرة منها: أ- التكدس فى الفصول، الذى يعوق علمية التعلم، ناهيك عن عملية التربية. ب- التدنى العام فى المجتمع، واهتزاز القيم، وتآكل الطبقة الوسطى، وصعود نوعيات غير متحضرة إلى السقف بسبب دخلها المادى المتزايد. ج- انتشار ظاهرة المخدرات بين الشباب، فضلاً عن التدخين والشيشة. د- تنامى ظاهرة العنف بين الشباب، بتأثير التكدس فى المساكن، وصعوبة العيش، وازدحام الطريق، والتوتر اليومى العام، ومشاهد العنف فى وسائل الإعلام، وشيوع مبادئ منحرفة كالبلطجة، وأخذ القانون باليد، وليس بالوسائل المشروعة. هـ- التدنى الخلقى فى اللفظ والتعامل اليومى، بتأثير الأفلام والمسلسلات، وما تحويه كثيراً من عبارات وألفاظ غريبة وغير لائقة، تنزل بسرعة رهيبة إلى الشارع والمنزل والمدرسة ويتبادلها الشباب فى سلوكهم اليومى. و- الفوارق الطبقية وما تثيره من حراك إجتماعى وأحقاد بين فئتى الأغنياء والفقراء، وحتى الموظفين، الذين أصبحت دخولهم المادية لا تساعدهم على الحياة الكريمة. ز- تأثيرات الأسرة على الطفل والفتى والشاب، والتى يأتى بها إلى المدرسة، مشحونة بالسلبيات الخطيرة. ى- روح التهريج واللامبالاة والسخرية والتهكم، التى تسود فئات كثيرة، بسبب الإحباط والمتاعب الإقتصادية.. وهذه كلها أمور لها تأثيرها على شباب المرحلة الثانوية، وتستدعى من الكنيسة أن تكون "الأسرة البديلة"، التى يمكن أن تقوم "بإعادة تربية" للكثير من الشباب (Re- education Process). 5- أزمة المستقبل : ويالها من أزمة، بين شبابنا المكافح!! فمع تزايد الأعداد، بسبب الإنفجار السكانى، وتكدس الفصول، وضعف العملية التعليمية، والتنافس المحموم على الحياة والعمل، وصعوبة إختيار الدراسة التى يحبها الشباب، وأكثر منها صعوبة الحصول على عمل مجز بسبب البطالة المنتشرة، والركود العام فى الإقتصاد. هذه كلها أمور مقلقة لشبابنا، إذ لا يرى المستقبل بهيجاً ولا واضحاً ولا مأموناً... الأمر الذى يصيبه بتوتر فى أعماقه، قد يظهر على السطح فى صورة أشكال من العنف، أو أنواع من التهريج والسخرية والسلوك غير السوى، بل أنه قد يدفع الشباب إلى نوع من الإحباط والاكتئاب، ثم إلى التدخين والمخدرات، مع رفقاء السوء، وما أكثرهم!! 6- اختلاف الأجيال : وهو عامل آخر نضيفه إلى الظروف المحيطة بشباب المرحلة الثانوية، حيث كثيراً ما يحدث انفصال بين الوالدين وأبنائهم وبناتهم فى هذه المرحلة، ويكتفى الوالدون بالعمل على جمع المال، المطلوب طبعاً، وربما يستغرقون فى ذلك بطريقة تحرم الأولاد والبنات من عطف والديهم، واستماعهم إليهم، ومشاركتهم آمالهم وآلامهم. أضف إلى ذلك إمكانية سفر الوالدين أو أحدهما إلى الخارج، طلباً لمزيد من الدخل، مما يعرض الشباب إلى جوع عاطفى، و صداقات سيئة، وإنحرافات خطيرة. فإذا ما أضفنا إلى ذلك إحساس شباب ثانوى بأنهم كبار، ومحاولاتهم الاستقلال والاستغناء عن نصيحة الوالدين ومشورتهم، واستماعهم إلى أصدقائهم أكثر من والديهم، يتضاعف حجم المشكلة، وتتزايد الفجوة إتساعاً. وفى نفس المجال، إذا ما حاول الوالدين تربية أبنائهم وبناتهم بأسلوب ما تربوا هم عليه فى عهود سابقة، دون تفهم لما يدور حول الأجيال الجديدة من أمور، ودون تفاهم وحوار معهم... تتزايد الفجوة أكثر فأكثر. أضف إلى ذلك ما يمكن أن يحدث من أخطاء فى التربية مثل القسوة، أو التدليل، أو التفرقة فى المعاملة بين الأبناء والبنات، الأمر الذى يجعل من إختلاف الأجيال خلافاً، ثم إنحرافاً. هذه بعض الظروف التى تحيط بأبنائنا وبناتنا فى المرحلة الثانوية، فكيف يكون أسلوب التعامل الفعال معهم، وهم يجتازون مرحلة صعبة، وظروفاً أصعب... نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
12 نوفمبر 2018

علاقة الله بالإنسان - الجزء الثانى

5- عصر الناموس موسى النبي والذبيحة.. كانت العلّة التي أراد موسى النبي أن يُخرِج بها الشعب من مصر هي الذبيحة.. "الرَّبُّ إلهُ العِبرانيينَ التَقانا، فالآنَ نَمضي سفَرَ ثَلاثَةِ أيّامٍ في البَريَّةِ ونَذبَحُ للرَّب إلهِنا" (خر18:3)، وكان خروجهم من مصر مرتبطًا بذبح خروف الفصح.. "مُسّوا العَتَبَةَ العُليا والقائمَتَينِ بالدَّمِ" (خر22:12). كانت كل العلاقة مع الله تدور حول الدم.. إشارة إلى الحاجة إلى سفك دم السيد المسيح، وأيضًا إعلانًا عن غضب السماء بسبب خطية الإنسان التي تستوجب الموت والدم. ولم يكن هناك مجال للتسبيح والترنيم.. "فحينَ يَرَى الدَّمَ علَى العَتَبَةِ العُليا والقائمَتَينِ يَعبُرُ الرَّبُّ عن البابِ ولا يَدَعُ المُهلِكَ يَدخُلُ بُيوتكُمْ ليَضرِبَ" (خر23:12) أول ترنيمة.. كان خروج بني إسرائيل من مصر معجزة غير متوقعة، وما صاحب هذه المعجزة كانت أعاجيب وعظائم تخلب العقل. فالضربات التي أصابت فرعون وشعبه، وضرب الأبكار، وعبور البحر الأحمر، وهلاك فرعون.. كان شيئًا عظيمًا جدًّا مما فتح غلفة لسان الشعب فبدأوا يُسبِّحون: "حينَئذٍ رَنَّمَ موسَى وبَنو إسرائيلَ هذِهِ التَّسبيحَةَ للرَّب وقالوا..." (خر15). وهذه هي التسبحة التي رتبتها كنيستنا بنفس نصها الكتابي في (الهوس الأول)، وهي أيضًا التسبحة التي يتغنى بها السمائيون: "وهُمْ يُرَتلونَ ترنيمَةَ موسَى عَبدِ اللهِ، وترنيمَةَ الخَروفِ" (رؤ3:15). مذبح موسى النبي.. كانت هذه التسبحة طفرة في العلاقة مع الله، ولكنها ارتبطت أيضًا بالمذبح والذبيحة. لقد سبَّحوا الله بهذه التسبحة مرة واحدة فقط؛ وكأن الله كان يفتح لهم نافذة ليطلّوا منها علينا – العهد الجديد – ويشاركوا في تسبيح الخلاص الذي ننعم به نحن الآن. لم يكن الخلاص قد تم وقتها، وكانوا مازالوا ينتظرون مجيء السيد المسيح المُزمع أن يفدي البشرية، لتحيا بعدئذ حياة التسبيح الدائم.. "فبَنَى موسَى مَذبَحًا ودَعا اسمَهُ يَهوهْ نِسِّي" (خر15:17). 6- موسى النبي وتنظيم العبادة عمل موسى خيمة الاجتماع حسب المثال الذي أظهره له الله على الجبل، وكان كل ما يدور داخل هذه الخيمة مرتبطًا بالذبائح فقط. وقد نُظِمت العبادة في عهد موسى؛ فصار هناك أنواع من الذبائح اليومية: (المحرقة، الخطية، الإثم، السلامة)، بالإضافة إلى الذبائح الموسمية: (كالفصح، ويوم الكفارة العظيم). وكان تدشين المذبح وتطهير الشعب برش الدم (راجع خر5:24-8)، وكذلك تقديس هارون والكهنة وثيابهم كان بالدم (خر21:29). وهذا شرحه مُعلِّمنا بولس الرسول في الرسالة إلى العبرانيين فقال: "لأنَّ موسَى بَعدَما كلَّمَ جميعَ الشَّعبِ بكُل وصيَّةٍ بحَسَبِ النّاموسِ، أخَذَ دَمَ العُجولِ والتُّيوسِ، مع ماءٍ وصوفًا قِرمِزيًّا وزوفا، ورَشَّ الكِتابَ نَفسَهُ وجميعَ الشَّعبِ، قائلاً: "هذا هو دَمُ العَهدِ الذي أوصاكُمُ اللهُ بهِ". والمَسكَنَ أيضًا وجميعَ آنيَةِ الخِدمَةِ رَشَّها كذلكَ بالدَّمِ. وكُلُّ شَيءٍ تقريبًا يتطَهَّرُ حَسَبَ النّاموسِ بالدَّمِ، وبدونِ سفكِ دَمٍ لا تحصُلُ مَغفِرَةٌ!" (عب19:9-22). كان كل شيء في خيمة الاجتماع مرتبطًا بالدم؛ إشارة إلى الحاجة إلى دم السيد المسيح، وإعلانًا عن فظاعة الخطية وكراهية الله لها. فالموت ورائحة الدم والنار تقابل كل مَنْ يدخل إلى الخيمة للعبادة واللقاء مع الله، ليتذكر دائمًا خطيته ونتائجها المرعبة. 7- مذبح البخور لكن.. إلى جوار الدم والذبيحة كان هناك طفرة جديدة قدمها الله في العلاقة معه.. وهي مذبح البخور: "وتصنَعُ مَذبَحًا لإيقادِ البَخورِ. مِنْ خَشَبِ السَّنطِ تصنَعُهُ" (خر1:30). إنه مكان لا تُقدَّم عليه ذبائح دموية، ومع ذلك يُسمى "مذبح". هذا المذبح (مذبح البخور) يسبق فينبيء بنوع جديد من الذبائح (غير الدموية). فالبخور هو صلوات القديسين، كما جاء في سفر الرؤيا: "وجاءَ مَلاكٌ آخَرُ ووَقَفَ عِندَ المَذبَحِ، ومَعَهُ مِبخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وأُعطيَ بَخورًا كثيرًا لكَيْ يُقَدمَهُ مع صَلَواتِ القِديسينَ جميعِهِمْ علَى مَذبَحِ الذَّهَبِ الذي أمامَ العَرشِ. فصَعِدَ دُخانُ البَخورِ مع صَلَواتِ القِديسينَ مِنْ يَدِ المَلاكِ أمامَ اللهِ" (رؤ3:8-4) فمذبح البخور إذًا كان إشارة مبكرة إلى ذبيحة جديدة تقدمها البشرية هي: "ذبيحة التسبيح"تُرى متى دخلت ذبيحة التسبيح في العبادة؟ نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
05 نوفمبر 2018

علاقة الله بالإنسان

1- في البدء بالفردوس كانت العلاقة بين الله وآدم مليئة بالدفء والحب والدالة.. والآيات التالية تدّل على عمق هذه العلاقة القوية: "وبارَكَهُمُ اللهُ وقالَ لهُمْ: أثمِروا واكثُروا واملأَُوا الأرضَ، وأخضِعوها... وقالَ اللهُ: إني قد أعطَيتُكُمْ كُلَّ بَقلٍ يُبزِرُ بزرًا علَى وجهِ كُل الأرضِ..." (تك28:1-29). "وأخَذَ الرَّبُّ الإلهُ آدَمَ ووَضَعَهُ في جَنَّةِ عَدنٍ ليَعمَلها ويَحفَظَها" (تك15:2). "وقالَ الرَّبُّ الإلهُ: ليس جَيدًا أنْ يكونَ آدَمُ وحدَهُ، فأصنَعَ لهُ مُعينًا نَظيرَهُ" (تك18:2). "وجَبَلَ الرَّبُّ الإلهُ مِنَ الأرضِ كُلَّ حَيَواناتِ البَريَّةِ وكُلَّ طُيورِ السماءِ، فأحضَرَها إلَى آدَمَ ليَرَى ماذا يَدعوها، وكُلُّ ما دَعا بهِ آدَمُ ذاتَ نَفسٍ حَيَّةٍ فهو اسمُها" (تك19:2). حقًا قيل في إشعياء عن الإنسان: "هذا الشَّعبُ جَبَلتُهُ لنَفسي. يُحَدثُ بتسبيحي" (إش21:43). 2- الســقوط فجأة انقطعت هذه العلاقة الجميلة، وصارت هناك قطيعة بسبب الخطية.. وبدلاً من الدالة والحب والفرح صار هناك خوف واختباء ورعب.. "وسَمِعا صوتَ الرَّب الإلهِ ماشيًا في الجَنَّةِ... فاختَبأَ آدَمُ وامرأتُهُ مِنْ وجهِ الرَّب الإلهِ في وسطِ شَجَرِ الجَنَّةِ... فقالَ: سمِعتُ صوتكَ في الجَنَّةِ فخَشيتُ، لأني عُريانٌ فاختَبأتُ" (تك10،8:3).. وبدلاً من البركة صارت هناك لعنة وعداوة (راجع تك14:3-19) وطُرد آدم من وجه الرب.. "فطَرَدَ الإنسانَ، وأقامَ شَرقيَّ جَنَّةِ عَدنٍ الكَروبيمَ، ولهيبَ سيفٍ مُتَقَلبٍ لحِراسَةِ طريقِ شَجَرَةِ الحياةِ" (تك24:3) 3- الذبيحة الدموية لم تعُد العلاقة حبًا وودًا، بل تحولت إلى خصومة وعداوة وحاجز متوسط بين السمائيين والأرضيين، وساد الرعب والموت. ولم يكن من الممكن أن يقترب الإنسان إلى الله بدون دم.. فعمل الله أول ذبيحة ليعلّم آدم أنه: "بدونِ سفكِ دَمٍ لا تحصُلُ مَغفِرَةٌ" (عب22:9). ونستدل على هذه الذبيحة من الآية القائلة: "وصَنَعَ الرَّبُّ الإلهُ لآدَمَ وامرأتِهِ أقمِصَةً مِنْ جِلدٍ وألبَسَهُما" (تك21:3).. كان هذا الجلد هو جلد أول ذبيحة، ليعرف آدم أنه لن يُستَر عريه بدون الذبيحة وكان كذلك في ذبائح ابنَيْ آدم.. فقَبِل الله ذبيحة هابيل إذ كانت دموية، بينما رفض ذبيحة قايين إذ أنها نباتية بدون سفك دم.. "وقَدَّمَ هابيلُ أيضًا مِنْ أبكارِ غَنَمِهِ ومِنْ سِمانِها. فنَظَرَ الرَّبُّ إلَى هابيلَ وقُربانِهِ، ولكن إلَى قايينَ وقُربانِهِ لم يَنظُرْ" (تك4:4-5) لقد ضاعت العلاقة الجميلة والحب والفرح، وحلَّ محلهما الدم والموت!! 4- عصر الآباء.. (ما قبل الناموس) الآباء والمذبح.. على الرغم من الدالة والحب بين الله والآباء.. فقد كانت الصلة الأساسية التي تربطهم بالله هي المذبح والذبيحة، علامة على الحاجة إلى الكفارة والفداء بدم المسيح.. وهذا ما نراه متكررًا في سفر التكوين. نوح: "وبَنَى نوحٌ مَذبَحًا للرَّب. وأخَذَ مِنْ كُل البَهائمِ الطّاهِرَةِ ومِنْ كُل الطُّيورِ الطّاهِرَةِ وأصعَدَ مُحرَقاتٍ علَى المَذبَحِ، فتَنَسَّمَ الرَّبُّ رائحَةَ الرضا" (تك20:8-21). أبرام: "وظَهَرَ الرَّبُّ لأبرامَ وقالَ: "لنَسلِكَ أُعطي هذِهِ الأرضَ". فبَنَى هناكَ مَذبَحًا للرَّب الذي ظَهَرَ لهُ" (تك7:12). إسحاق: "فبَنَى هناكَ مَذبَحًا ودَعا باسمِ الرَّب" (تك25:26). يعقوب: "وأقامَ هناكَ مَذبَحًا ودَعاهُ إيلَ إلهَ إسرائيلَ" (تك20:33). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
29 أكتوبر 2018

عصر ما بعد السبي وحتى التجسد

بعد العودة من السبي واستقرار أمور شعب الله نسبيًا، وبناءً على تنظيم عزرا ونحميا لخدمة الهيكل والتسبيح، عادت للهيكل أمجاده القديمة،ومع مرور الوقت استقرت التنظيمات الخاصة بالعبادة داخل الهيكل،وصار لها ترتيب مستقر استمر حتى مجيء ابن الله بالجسد، حيث شارك فيها بالتسبيح ربنا يسوع مع تلاميذه القديسين والدارس في تاريخ الليتورجيا اليهودية وترتيباتها الطقسية يجد هناك نصوصًا وطقوسًا تشبه إلى حد كبير ترتيب طقس صلوات كنيستنا المسيحية في وجوه كثيرة، ونستطيع أن نتتبع هذه الترتيبات الطقسية اليهودية على مدار السنة فيما يلي: ? استخدام المزامير والتسابيح في العبادة اليومية بهيكل أورشليم كانت المزامير وتسابيح الأنبياء تُشكِّل المادة الأساسية لكل العبادة بالتسبيح في الهيكل بأورشليم فعلى مدار الأسبوع كانت هناك تسابيح مُخصصة لكل يوم، وكذلك كانت هناك تسابيح مُرتبة للأعياد والمواسم الدينية:- (1) تسابيح الأيام يوم الأحد:- يُمثل يوم بداية الخليقة، فكانوا يُسبِّحون بالمزمور (24): "للرَّب الأرضُ ومِلؤُها المَسكونَةُ، وكُلُّ السّاكِنينَ فيها لأنَّهُ علَى البِحارِ أسَّسَها، وعلَى الأنهارِ ثَبَّتَها مَنْ يَصعَدُ إلَى جَبَلِ الرَّب؟ الطّاهِرُ اليَدَينِ، والنَّقيُّ القَلبِ" إنه مزمور يتكلَّم عن سيادة الرب على الخليقة كلها، وصفات الشعب الذي يستحق أن يعبُده، ثم يختم بالحَث على الخضوع لهذا الإله العظيم الجبار. يوم الاثنين:- هو يوم خلق السماء (الجَلَد)، فكانوا يُسبِّحون بالمزمور (48) حيث يشكرون الله من أجل السماء الأرضية (صهيون)، فيقولون: "عظيمٌ هو الرَّبُّ وحَميدٌ جِدًّا في مدينةِ إلهِنا، جَبَلِ قُدسِهِ جَميلُ الارتِفاعِ، فرَحُ كُل الأرضِ، جَبَلُ صِهيَوْنَ اللهُ في قُصورِها يُعرَفُ مَلجأً كما سمِعنا هكذا رأينا في مدينةِ رَب الجُنودِ، في مدينةِ إلهِنا اللهُ يُثَبتُها إلَى الأبدِ ذَكَرنا يا اللهُ رَحمَتَكَ في وسطِ هيكلِكَ". يوم الثلاثاء:- هو يوم خلق الأرض والبحار والزروع، فيُسبِّحون بالمزمور (82) الذي يتكلّم عن الظلم الذي أصاب الأرض، فصار الناس كالبحر الذي يبتلع الأحياء بدون سبب: " حتَّى مَتَى تقضونَ جَوْرًا وترفَعونَ وُجوهَ الأشرارِ؟ مِنْ يَدِ الأشرارِ أنقِذوالا يَعلَمونَ ولا يَفهَمونَ في الظُّلمَةِ يتمَشَّوْنَ تتَزَعزَعُ كُلُّ أُسُسِ الأرضِ". + يوم الأربعاء:- هو يوم خلق الشمس والقمر والنجوم، فيُسبِّحون بالمزمور (94) وفيه يتكلمون مع الله (شمس البر): "يا إلهَ النَّقَماتِ يارَبُّ، يا إلهَ النَّقَماتِ، أشرِقِ ارتَفِعْ يا دَيّانَ الأرضِ ويقولونَ: الرَّبُّ لا يُبصِرُ، وإلهُ يعقوبَ لا يُلاحِظُ (وهم لا يعلمون أن الله هو النور الحقيقي الذي يعطي البصر والبصيرة للخليقة التي خلقها) الغارِسُ الأُذُنَ ألا يَسمَعُ؟ الصّانِعُ العَينَ ألا يُبصِرُ؟الرَّبُّ يَعرِفُ أفكارَ الإنسانِ أنَّها باطِلَةٌ عِندَ كثرَةِ هُمومي في داخِلي، تعزياتُكَ تُلَذذُ نَفسي فكانَ الرَّبُّ لي صَرحًا، وإلهي صَخرَةَ مَلجإي". + يوم الخميس:- خلق الله الحيوانات البحرية وطيور السماء، فيُسبِّحون بالمزمور (81): "رَنموا للهِ قوَّتِنا اهتِفوا لإلهِ يعقوبَ"، لقد عبر الإسرائيليون البحر الأحمر ككائنات بحرية، ثم طاروا في برية سيناء كطيور السماء، لذلك يُسبِّحون: "ارفَعوا نَغمَةً وهاتوا دُفًّا، عودًا حُلوًا مع رَبابٍ انفُخوا في رأسِ الشَّهرِ بالبوقِ، عِندَ الهِلالِ ليومِ عيدِنا عِندَ خُروجِهِ علَى أرضِ مِصرَ في الضيقِ دَعَوْتَ فنَجَّيتُكَ استَجَبتُكَ في سِترِ الرَّعدِ جَرَّبتُكَ علَى ماءِ مَريبَةَ أنا الرَّبُّ إلهُكَ، الذي أصعَدَكَ مِنْ أرضِ مِصرَأفغِرْ فاكَ فأملأهُ". + يوم الجمعة:- خلق الله البهائم والوحوش، ثم خلق الإنسان تاج الخليقة جميعًا لذلك حق لهم أن يُسبِّحوا الله بالمزمور (93): "الرَّبُّ قد مَلكَ لَبِسَ الجَلالَ لَبِسَ الرَّبُّ القُدرَةَ، ائتَزَرَ بها أيضًا تثَبَّتَتِ المَسكونَةُ لا تتزَعزَعُ كُرسيُّكَ مُثبَتَةٌ منذُ القِدَمِ منذُ الأزَلِ أنتَ رَفَعَتِ الأنهارُ يارَبُّ، رَفَعَتِ الأنهارُ صوتها ترفَعُ الأنهارُ عَجيجَها مِنْ أصواتِ مياهٍ كثيرَةٍ، مِنْ غِمارِ أمواجِ البحرِ، الرَّبُّ في العُلَى أقدَرُ شَهاداتُكَ ثابِتَةٌ جِدًّا ببَيتِكَ تليقُ القَداسَةُ يارَبُّ إلَى طولِ الأيّامِ". + وفي يوم السبت:- استراح الله من جميع أعمال الخليقة التي خلقها، فيُسبِّحون بالمزمور (92)، وذلك أثناء سكب السكيب المقدس(1) في يوم السبت الذي فيه يجتمعون بالهيكل وفي المجامع للصلاة، والتسبيح، وقراءة كلمة الله - وكان يُعتبر عندهم عيدًا أسبوعيًا عظيمًا. كان اللاويون يُرنمون هذا المزمور على ثلاث مراحل، والكهنة ينفخون في الأبواق ويقولون: "حَسَنٌ هو الحَمدُ للرَّب والتَّرَنُّمُ لاسمِكَ أيُّها العَليُّ. أنْ يُخبَرَ برَحمَتِكَ في الغَداةِ، وأمانَتِكَ كُلَّ ليلَةٍ، علَى ذاتِ عشَرَةِ أوتارٍ وعلَى الرَّبابِ، علَى عَزفِ العودِ لأنَّكَ فرَّحتَني يارَبُّ بصَنائعِكَ بأعمالِ يَدَيكَ أبتَهِجُ ما أعظَمَ أعمالكَ يارَبُّ! وأعمَقَ جِدًّا أفكارَكَ! أمّا أنتَ يارَبُّ فمُتَعالٍ إلَى الأبدِ الصديقُ كالنَّخلَةِ يَزهو، كالأرزِ في لُبنانَ يَنمو مَغروسينَ في بَيتِ الرَّب، في ديارِ إلهِنا يُزهِرونَ أيضًا يُثمِرونَ في الشَّيبَةِ يكونونَ دِسامًا وخُضرًا، ليُخبِروا بأنَّ الرَّبَّ مُستَقيمٌ صَخرَتي هو ولا ظُلمَ فيهِ"وفي نهاية ذبيحة السبت يُغني اللاويون "مزمور موسى" (تث32)، مُقسمًا على ستة أقسام، يتخللها نفخات أبواق الكهنة، ويشترك كل الشعب في التسبيح (راجع تث1:32-43) ثم يختمون التسبيح بترنيم "تسبحة موسى" (خر15)، وهو الهوس الأول الذي تستخدمه كنيستنا القبطية حتى اليوم ليُعبِّر عن فرحتنا بالخلاص الذي تممه الرب لنا بعبورنا المعمودية كما عبر بنو إسرائيل البحر. (2) تسابيح الأعياد في الأعياد أيضًا كانت هناك مزامير وتسابيح مُخصصة لكل عيد فعلى سبيل المثال:- (1) عيد الفصح:- كانوا يُرتلون مزامير التهليل (112-118) وفيها يُسبِّحون الله على أعماله العظيمة في خروج بني إسرائيل من مصر كان الاحتفال يبدأ بالتقديس (أي يقولون تسبحة "قدوس قدوس قدوس")، ثم يتناولون كأسًا من عصير الكرمة، ثم يسأل أحد الجلوس عن أهمية هذا اليوم فيُجيبه رئيس المتكأ: لأنه "بيد قوية أخرجنا الرب من مصر"، بعد ذلك يُسبِّحون بالجزء الأول من المزامير وتُسمى (مزامير الهلّيل): "نورٌ أشرَقَ في الظُّلمَةِ للمُستَقيمينَ هو حَنّانٌ ورحيمٌ وصِديقٌ الصديقُ يكونُ لذِكرٍ أبدي لا يَخشَى مِنْ خَبَرِ سوءٍ قَلبُهُ ثابِتٌ مُتَّكِلاً علَى الرَّب قَلبُهُ مُمَكَّنٌ فلا يَخافُ حتَّى يَرَى بمُضايِقيهِ (فرعون وجنوده) شَهوةُ الشريرِ تبيدُ" (مز112)هذا الخروج العظيم يستحق التسبيح والتمجيد لله: "هَللويا سبحوا يا عَبيدَ الرَّب مَنْ مِثلُ الرَّب إلهِنا المُقيمِ المَسكينَ مِنَ التُّرابِ، الرّافِعِ البائسَ مِنَ المَزبَلَةِ ليُجلِسَهُ مع أشرافٍ، مع أشرافِ شَعبِهِ المُسكِنِ العاقِرَ في بَيتٍ، أُمَّ أولادٍ فرحانَةً" (مز113) إنه يتكلَّم عن الأمة التي كانت مُستعبدة، ثم حررها الله بالعبور المقدَّس في الفصح العظيم وفي المزمور (114) يتكلَّم بوضوح عن الخروج المقدس: "عِندَ خُروجِ إسرائيلَ مِنْ مِصرَ، وبَيتِ يعقوبَ مِنْ شَعبٍ أعجَمَ، كانَ يَهوذا مَقدِسَهُ، وإسرائيلُ مَحَلَّ سُلطانِهِ البحرُ رَآهُ فهَرَبَ الأُردُنُّ رَجَعَ إلَى خَلفٍ الجِبالُ قَفَزَتْ مِثلَ الكِباشِ، والآكامُ مِثلَ حُملانِ الغَنَمِ ما لكَ أيُّها البحرُ قد هَرَبتَ؟ وما لكَ أيُّها الأُردُنُّ قد رَجَعتَ إلَى خَلفٍ؟ وما لكُنَّ أيَّتُها الجِبالُ قد قَفَزتُنَّ مِثلَ الكِباشِ، وأيَّتُها التلالُ مِثلَ حُملانِ الغَنَمِ؟ أيَّتُها الأرضُ تزَلزَلي مِنْ قُدّامِ الرَّب، مِنْ قُدّامِ إلهِ يعقوبَ! المُحَولِ الصَّخرَةَ إلَى غُدرانِ مياهٍ، الصَّوّانَ إلَى يَنابيعِ مياهٍ" بعد ذلك يتناولون كأسًا ثانية، ويغسلون أياديهم، ثم يأكلون الأعشاب المُرّة والفطير، ثم كأسًا ثالثة، ويُسبِّحون بباقي مزامير التهليل ثم المزمور (115) الذي يتحدث عن حالهم قبل العبور حيث العدو وراءهم والبحر أمامهم، وهم يطلبون أن يتمجد الله بانقاذهم من يد أعدائهم الوثنيين: "ليس لنا يارَبُّ ليس لنا، لكن لاسمِكَ أعطِ مَجدًا، مِنْ أجلِ رَحمَتِكَ مِنْ أجلِ أمانَتِكَ لماذا يقولُ الأُمَمُ: أين هو إلهُهُمْ؟ إنَّ إلهَنا في السماءِ كُلَّما شاءَ صَنَعَ أصنامُهُمْ فِضَّةٌ وذَهَبٌ، عَمَلُ أيدي الناسِ لها أفواهٌ ولا تتكلَّمُ لها أعيُنٌ ولا تُبصِرُ لها آذانٌ ولا تسمَعُ لها مَناخِرُ ولا تشُمُّ لها أيدٍ ولا تلمِسُ لها أرجُلٌ ولا تمشي، ولا تنطِقُ بحَناجِرِها مِثلها يكونُ صانِعوها، بل كُلُّ مَنْ يتَّكِلُ علَيها"ثم يردف في باقي المزمور بحَثْ شعب الله أن يتكلّوا عليه، لأنهم سبقوا واختبروا قوته، وصنيعه معهم أمام البحر الأحمروفي المزمور (116) يُعبّر عن حال الشعب بعد العبور، وتأمله فيما كان عليه، وكيف أنقذه الرب من حبال الموت وشدائد الهاوية: " لأنَّكَ أنقَذتَ نَفسي مِنَ الموتِ، وعَيني مِنَ الدَّمعَةِ، ورِجلَيَّ مِنَ الزَّلَقِ ماذا أرُدُّ للرَّب مِنْ أجلِ كُل حَسَناتِهِ لي؟ حَلَلتَ قُيودي فلكَ أذبَحُ ذَبيحَةَ حَمدٍ، وباسمِ الرَّب أدعو"ثم يُسبِّحون بالمزمور (117) حيث يدعون كل الأمم للمشاركة في التسبيح بهذا العيد العظيم:"سبحوا الرَّبَّ يا كُلَّ الأُمَمِ حَمدوهُ يا كُلَّ الشُّعوبِ لأنَّ رَحمَتَهُ قد قَويَتْ علَينا، وأمانَةُ الرَّب إلَى الدَّهرِ" والمزمور (118): "اِحمَدوا الرَّبَّ لأنَّهُ صالِحٌ" وكانوا يرتلونه بلحن طويل ختامًا للتسبيح في هذا العيد العظيم، ويتناولون في الآخر كأسًا رابعة، وينتهي الاحتفال وكانت هذه المزامير تُرنم أيضًا أثناء ذبح خروف الفصح، والكهنة يُبوقون ثلاث مرات بأبواقهم الفضية. (2) عيد اليوبيل:- الذي يحتفلون فيه بتحرير العبيد، والإبراء من الديون كانوا يُسبِّحون بالمزمور (81) لله الذي حرَّرهم من عبودية فرعون، وأنقذهم من الظلم والانكسار: "انفُخوا في رأسِ الشَّهرِ بالبوقِ، عِندَ الهِلالِ ليومِ عيدِنا عِندَ خُروجِهِ علَى أرضِ مِصرَ (عندما تحرر يوسف من العبودية والسجن، وصار رئيسًا ومُدبرًا) جَعَلهُ شَهادَةً في يوسُفَ عِندَ خُروجِهِ علَى أرضِ مِصرَ سمِعتُ لسانًا لم أعرِفهُ: أبعَدتُ مِنَ الحِملِ كتِفَهُ (حررته من نير العبودية) يَداهُ تحَوَّلَتا عن السَّل (تحررتا من السخرة والعمل القاسي) في الضيقِ دَعَوْتَ فنَجَّيتُكَ (حررنا من عبودية إبليس) استَجَبتُكَ في سِترِ الرَّعدِ. جَرَّبتُكَ علَى ماءِ مَريبَةَ اِسمَعْ يا شَعبي فأُحَذرَكَ يا إسرائيلُ، إنْ سمِعتَ لي! لا يَكُنْ فيكَ إلهٌ غَريبٌ، ولا تسجُدْ لإلهٍ أجنَبي أنا الرَّبُّ إلهُكَ، الذي أصعَدَكَ مِنْ أرضِ مِصرَ أفغِرْ فاكَ فأملأهُ فلم يَسمَعْ شَعبي لصوتي، وإسرائيلُ لم يَرضَ بي فسَلَّمتُهُمْ إلَى قَساوَةِ قُلوبِهِمْ، ليَسلُكوا في مؤامَراتِ أنفُسِهِمْ. لو سمِعَ لي شَعبي، وسلكَ إسرائيلُ في طُرُقي، سريعًا كُنتُ أُخضِعُ أعداءَهُمْ، وعلَى مُضايِقيهِمْ كُنتُ أرُدُّ يَدي مُبغِضو الرَّب يتذَلَّلونَ لهُ، ويكونُ وقتُهُمْ إلَى الدَّهرِ وكانَ أطعَمَهُ مِنْ شَحمِ الحِنطَةِ، ومِنَ الصَّخرَةِ كُنتُ أُشبِعُكَ عَسَلاً"لقد كان التسبيح والمزامير جزءًا أساسيًا في احتفالات كنيسة العهد القديم بالأعياد المقدسة. (3) عيد المظال:- وفيه يتذكرون أيام أن كانوا يعيشون في خيام في البرية قبل دخولهم أرض الموعد فكانوا يُسبِّحون بالمزمورين (67،65) فيقولون في المزمور (65):"لك ينبغي التسبيح يا الله في صهيون، ولك يُوفَى النَّذرُ يا سامع الصلاةِ، إليك يأتي كل بشرٍآثام قد قويت عليَّ مَعَاصينا أنت تُكفِّر عنها طوبى للذي تختاره وتُقرِّبه ليسكُن في ديارِك لنشبَعنَّ من خير بيتك، قُدسِ هيكلِك تجعل مطالع الصباح والمساء تبتهج تعهَّدت الأرض وجعلتها تفيضُ تُغنيها جدًّا سواقي الله ملآنة ماءً تُهيِّئ طعامهم لأنك هكذا تُعدُّها أَرْوِ أتلامَهَا مَهِّد أخاديدَها بالغُيوث تٌحلِّلُها تُبارِك غلَّتها كلَّلت السنة بِجُودك، وآثارك تَقطُر دسمًا تَقطُر مراعي البرية، وتتنطَّق الآكامُ بالبهجة اكتَست المُروجُ غنمًا، والأودية تتعطَّف برًّا تَهتف وأيضًا تُغنِّي"وفي المزمور (67) كانوا يتضرعون إلى الله أن يترأف عليهم، وأن تمتد معرفته بين الشعوب فيقولون:"ليَتَحَنَّنِ اللهُ علَينا وليُبارِكنا ليُنِرْ بوَجهِهِ علَينا لكَيْ يُعرَفَ في الأرضِ طَريقُكَ، وفي كُل الأُمَمِ خَلاصُكَ يَحمَدُكَ الشُّعوبُ يا اللهُ يَحمَدُكَ الشُّعوبُ كُلُّهُمْ تفرَحُ وتبتَهِجُ الأُمَمُ لأنَّكَ تدينُ الشُّعوبَ بالاستِقامَةِ، وأُمَمَ الأرضِ تهديهِمْ يَحمَدُكَ الشُّعوبُ يا اللهُ يَحمَدُكَ الشُّعوبُ كُلُّهُمْ الأرضُ أعطَتْ غَلَّتَها يُبارِكُنا اللهُ إلهنا يُبارِكُنا اللهُ، وتخشاهُ كُلُّ أقاصي الأرضِ"كان ضمن طقس هذا العيد العظيم أنه كان يخرج من الهيكل موكب عظيم من الكهنة واللاويين والشعب، ويذهبون إلى بركة سلوام كان أحد الكهنة يحمل وعاء من الذهب يملأه ماءً من بركة سلوام، ويعود الموكب إلى الهيكل مصحوبًا بالهتاف والترانيم والتسابيح يقودها جماعة المُسبحين وداخل الهيكل يستقبل الكهنة هذا الموكب بالنفخ ثلاثًا في الأبواق، ثم يصبون الماء على المذبح إشارة لخروج الماء من الصخرة على يد موسى النبي وشُرب آبائهم منها، وأثناء انسكاب الماء تُعزف الموسيقى في الهيكل، ويرنمون مزامير الهلّيل (113-118)، (التي يستخدمونها في عيد الفصح) كذلك كان عندما يأتون إلى المقاطع: "اِحمَدوا الرَّبَّ لأنَّهُ صالِحٌ"، "يارَبُّ أنقِذْ" يُلوح الشعب بالأغصان ويُرددون من تسابيح إشعياء: "هوذا اللهُ خَلاصي فأطمَئنُّ ولا أرتَعِبُ، لأنَّ ياهَ يَهوهَ قوَّتي وترنيمَتي وقد صارَ لي خَلاصًا فتَستَقونَ مياهًا بفَرَحٍ مِنْ يَنابيعِ الخَلاص صَوتي واهتِفي يا ساكِنَةَ صِهيَوْنَ، لأنَّ قُدّوسَ إسرائيلَ عظيمٌ في وسطِكِ" (إش2:12-6)وقد شارك السيد المسيح نفسه في احتفالات عيد المظال (راجع يو2:7، 14،10) وفي أحد السنوات التي حضر فيها هذا العيد، وعند وصول موكب الكهنة الموصوف سابقًا إلى الهيكل وعند انسكاب الماء غزيرًا من الجرة التي يحملونها أراد الرب يسوع أن يُنبِّه ذهنهم إلى الماء الحقيقي للخلاص، والصخرة الحقيقية التي هي ربنا يسوع المسيح نفسه فقال لهم: "إنْ عَطِشَ أحَدٌ فليُقبِلْ إلَيَّ ويَشرَبْ مَنْ آمَنَ بي، كما قالَ الكِتابُ، تجري مِنْ بَطنِهِ أنهارُ ماءٍ حَي" (يو37:7-38)، وكان هذا الإعلان: "في اليومِ الأخيرِ العظيمِ مِنَ العيدِ" (يو37:7)لقد أراد الرب يسوع أن يشرح لليهود أن كل ما كُتب في العهد القديم كان رمزًا له، وأن كل احتفالاتهم الطقسية كانت تمهيدًا لاكتشاف شخصه القدوس فهو بالحق شبع نفوسنا، ورواء ظمأنا "مَنْ يُقبِلْ إلَيَّ فلا يَجوعُ، ومَنْ يؤمِنْ بي فلا يَعطَشُ أبدًا" (يو35:6) وقد سبق وتنبأ بذلك إشعياء النبي حينما قال: "أيُّها العِطاشُ جميعًا هَلُمّوا إلَى المياهِ، والذي ليس لهُ فِضَّةٌ تعالَوْا اشتَروا وكُلوا. هَلُمّوا اشتَروا بلا فِضَّةٍ وبلا ثَمَنٍ خمرًا ولَبَنًا" (إش1:55)، وسيتحقق هذا بالحقيقة في الأبدية السعيدة "والرّوحُ والعَروسُ يقولانِ: تعالَ! ومَنْ يَسمَعْ فليَقُلْ: تعالَ! ومَنْ يَعطَشْ فليأتِ ومَنْ يُرِدْ فليأخُذْ ماءَ حياةٍ مَجّانًا" (رؤ17:22) إن المسيح صخرتنا الحقيقي هو موضوع تسبيحنا اليوم، كما كان هو موضوع تسبيح كل الأجيال فكانوا يتكلّمون عنه في تسبيحهم قائلين: " لَنَشبَعَنَّ مِنْ خَيرِ بَيتِكَ، قُدسِ هيكلِكَ سواقي اللهِ مَلآنَةٌ ماءً" (مز65). (4) عيد الأبواق:- هو عيد رأس السنة المدنية عند اليهود، وبداية الشهر السابع من السنة الدينية عندهم، "وكلَّمَ الرَّبُّ موسَى قائلاً: كلّمْ بَني إسرائيلَ قائلاً: في الشَّهرِ السّابِعِ، في أوَّلِ الشَّهرِ يكونُ لكُمْ عُطلَةٌ، تذكارُ هُتافِ البوقِ، مَحفَلٌ مُقَدَّسٌ عَمَلاً مّا مِنَ الشُّغلِ لا تعمَلوا، لكن تُقَربونَ وقودًا للرَّب" (لا23:23-25) وكان الكهنة ينفخون في الأبواق، ويعزف اللاويون على آلات موسيقية، ويترنم الشعب بالمزامير خاصة مزمور (81)، (وهو نفس المزمور المُستخدم في عيد اليوبيل)، ثم يُبارك الكاهن الشعب بالبركة المقدسة التي كان يستخدمها موسى النبي "يُبارِكُكَ الرَّبُّ ويَحرُسُكَ يُضيءُ الرَّبُّ بوَجهِهِ علَيكَ ويَرحَمُكَ يَرفَعُ الرَّبُّ وجهَهُ علَيكَ ويَمنَحُكَ سلامًا" (عد24:6-26)وقد وصف سفر العدد تفاصيل الاحتفال بهذا العيد: "وفي الشَّهرِ السّابِعِ، في الأوَّلِ مِنَ الشَّهرِ، يكونُ لكُمْ مَحفَلٌ مُقَدَّسٌ عَمَلاً مّا مِنَ الشُّغلِ لا تعمَلوا. يومَ هُتافِ بوقٍ يكونُ لكُمْ. وتعمَلونَ مُحرَقَةً لرائحَةِ سرورٍ للرَّب" (عد1:29-2) لقد كان الرقم (7) رقمًا محبوبًا ومقدسًا في العبادة اليهودية، لأنه يُمثل السبت والراحة والعبادة، ولأنه رقم الكمال لذلك كانوا يحتفلون في بداية الشهر السابع بهذا العيد أما في المسيحية فقد صار الرقم (8) هو الرقم المحبوب والمُقدس، لأنه يرمز إلى الأبدية، حيث ندخل في يوم جديد بعد السبعة أيام، التي تُمثل الزمان الحاضر لذلك قام السيد المسيح في اليوم الثامن من الأسبوع (الأحد)، وصار يوم الأحد هو يوم العبادة المسيحية بدلاً من سبت اليهود ولعل الختان في اليوم الثامن من ميلاد الطفل كان يسبق ويُشير إلى العهد الجديد بدم المسيح وقيامته كذلك في شريعة التطهير حيث تقدَّم الذبائح في اليوم الثامن (راجع عد10:6) إشارة إلى التطهير بدم المسيح وقيامته أيضًا بعد أن استعرضنا الرحلة الطويلة لخدمة التسبيح في العهد القديم منذ عهد داود حتى مجيء رب المجد في الجسد لنا أن نتساءل:ما هو موقف الرب يسوع نفسه من التسابيح التي كان يمارسها اليهود أيام حضوره بالجسد على الأرض؟ نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
22 أكتوبر 2018

عصر سبي بابل - الجزء الرابع

+ علامات الاهتمام بخدمة التسبيح بعد السبي (1) في الإحصاء الذي أجراه كل من زربابل وعزرا ونحميا للعائدين من السبي، كان هناك اهتمام خاص بأعداد المُسبِّحين، وقد أسماهم السفران عزرا ونحميا بـ "المغنين" "المُغَنّونَ بَنو آسافَ مِئَةٌ وثَمانيَةٌ وعِشرونَ" (عز41:2)، "ولهُمْ مِنَ المُغَنينَ والمُغَنياتِ مِئَتانِ" (عز65:2)وكان هؤلاء المغنين من ضمن الفرق التي صعدت مع عزرا "وصَعِدَ معهُ مِنْ بَني إسرائيلَ والكهنةِ واللاويينَ والمُغَنينَ والبَوّابينَ والنَّثينيمِ إلَى أورُشَليمَ في السَّنَةِ السّابِعَةِ لأرتَحشَشتا المَلِك" (عز7:7) وكانوا كذلك ضمن العائدين في عهد نحميا "المُغَنّونَ: بَنو آسافَ مِئَةٌ وثَمانيَةٌ وأربَعونَ" (نح44:7)، "ولهُمْ مِنَ المُغَنينَ والمُغَنياتِ مِئَتانِ وخَمسَةٌ وأربَعونَ" (نح67:7)وكانوا أيضًا ضمن الفئات التي تم تسكينها في المدن: "وأقامَ الكهنةُ واللاويّونَ والبَوّابونَ والمُغَنّونَ وبَعضُ الشَّعبِ والنَّثينيمُ وكُلُّ إسرائيلَ في مُدُنِهِمْ" (نح73:7)"فأقامَ الكهنةُ واللاويّونَ وبَعضُ الشَّعبِ والمُغَنّونَ والبَوّابونَ والنَّثينيمُ في مُدُنِهِمْ، وكُلُّ إسرائيلَ في مُدُنِهِمْ" (عز70:2)مجرد ذكر هذه الفئة ضمن تعداد الشعب وضمن فئات الناس، يُوحي بأن لهم كيانًا مستقلاً، واهتمامًا خاصًا، وأن القادة كانوا مُلتفتين إليهم باهتمام باعتبارهم ضروريين لعودة الروح إلى الشعب. (2) كان وجود فرق التسبيح جزءًا أساسيًا في احتفالات تدشين الهيكل والسور:- "ولَمّا أسَّسَ البانونَ هيكلَ الرَّب، أقاموا الكهنةَ بمَلابِسِهِمْ بأبواقٍ، واللاويينَ بَني آسافَ بالصُّنوجِ، لتسبيحِ الرَّب علَى ترتيبِ داوُدَ مَلِكِ إسرائيلَ وغَنَّوْا بالتَّسبيحِ والحَمدِ للرَّب، لأنَّهُ صالِحٌ لأنَّ إلَى الأبدِ رَحمَتَهُ علَى إسرائيلَ وكُلُّ الشَّعبِ هَتَفوا هُتافًا عظيمًا بالتَّسبيحِ للرَّب" (عز10:3-11) "وأقاموا في مَكانِهِمْ وقَرأوا في سِفرِ شَريعَةِ الرَّب إلهِهِمْ رُبعَ النَّهارِ، وفي الرُّبعِ الآخَرِ كانوا يَحمَدونَ ويَسجُدونَ للرَّب إلهِهِمْ" (نح3:9) "وعِندَ تدشينِ سورِ أورُشَليمَ طَلَبوا اللاويينَ مِنْ جميعِ أماكِنِهِمْ ليأتوا بهِمْ إلَى أورُشَليمَ، لكَيْ يُدَشنوا بفَرَحٍ وبحَمدٍ وغِناءٍ بالصُّنوجِ والرَّبابِ والعيدانِ" (نح27:12) "وذَبَحوا في ذلكَ اليومِ ذَبائحَ عظيمَةً وفَرِحوا، لأنَّ اللهَ أفرَحَهُمْ فرَحًا عظيمًا. وفَرِحَ الأولادُ والنساءُ أيضًا، وسُمِعَ فرَحُ أورُشَليمَ عن بُعدٍ" (نح43:12) لقد كانت فرحتهم ببناء الهيكل وبناء السور فرحة روحية مقدسة، لذلك كان يصاحبها التسبيح والترتيل لرب الجنود، ويلاحظ أنه ذُكر هنا أن التسبيح كان على ترتيب (نظام) داود ملك إسرائيل. (3) إعفاء فرق التسبيح من الضرائب ومنحهم مرتبات مجزية كمثل أيام داود وسليمان:- "ونُعلِمُكُمْ أنَّ جميعَ الكهنةِ واللاويينَ والمُغَنينَ والبَوّابينَ والنَّثينيمِ وخُدّامِ بَيتِ اللهِ هذا، لا يؤذَنُ أنْ يُلقَى علَيهِمْ جِزيَةٌ أو خَراجٌ أو خِفارَةٌ" (عز24:7)"لأنَّ وصيَّةَ المَلِكِ مِنْ جِهَتِهِمْ كانَتْ أنَّ للمُرَنمينَ فريضَةً أمرَ كُل يومٍ فيومٍ" (نح23:11)"وقد صَدَرَ مِني أمرٌ بما تعمَلونَ مع شُيوخِ اليَهودِ هؤُلاءِ في بناءِ بَيتِ اللهِ هذا فمِنْ مالِ المَلِكِ، مِنْ جِزيَةِ عَبرِ النَّهرِ، تُعطَ النَّفَقَةُ عاجِلاً لهؤُلاءِ الرجالِ حتَّى لا يَبطُلوا وما يَحتاجونَ إليهِ مِنَ الثيرانِ والكِباشِ والخِرافِ مُحرَقَةً لإلهِ السماءِ، وحِنطَةٍ ومِلحٍ وخمرٍ وزَيتٍ حَسَبَ قَوْلِ الكهنةِ الذينَ في أورُشَليمَ، لتُعطَ لهُمْ يومًا فيومًا حتَّى لا يَهدأوا عن تقريبِ رَوائحِ سُرورٍ لإلهِ السماءِ، والصَّلاةِ لأجلِ حياةِ المَلِكِ وبَنيهِ" (عز8:6-10)"وكانَ كُلُّ إسرائيلَ في أيّامِ زَرُبّابَلَ وأيّامِ نَحَميا يؤَدّونَ أنصِبَةَ المُغَنينَ والبَوّابينَ أمرَ كُل يومٍ في يومِهِ" (نح47:12)هذا الأمر لم يكن موجودًا قبل نحميا، مما جعله يخاصم الولاة، لأنهم لم يقوموا بإعطاء أنصبة اللاويين والمغنين "وعَلِمتُ أنَّ أنصِبَةَ اللاويينَ لم تُعطَ، بل هَرَبَ اللاويّونَ والمُغَنّونَ عامِلو العَمَلِ، كُلُّ واحِدٍ إلَى حَقلِهِ. فخاصَمتُ الوُلاةَ وقُلتُ: لماذا تُرِكَ بَيتُ اللهِ؟" (نح10:13-11)وقد تعهد الشعب ألا يترك خدمة بيت الله مرة أخرى "لأنَّ بَني إسرائيلَ وبَني لاوي يأتونَ برَفيعَةِ القمحِ والخمرِ والزَّيتِ إلَى المَخادِعِ، وهناكَ آنيَةُ القُدسِ والكهنةُ الخادِمونَ والبَوّابونَ والمُغَنّونَ، ولا نَترُكُ بَيتَ إلهِنا" (نح39:10). (4) اشتراك كل الشعب في التسبيح:- "فقالَ كُلُّ الجَماعَةِ: آمينَ وسبَّحوا الرَّبَّ وعَمِلَ الشَّعبُ حَسَبَ هذا الكلامِ" (نح13:5)"وبارَكَ عَزرا الرَّبَّ الإلهَ العظيمَ وأجابَ جميعُ الشَّعبِ: آمينَ، آمينَ! رافِعينَ أيديَهُمْ، وخَرّوا وسجَدوا للرَّب علَى وُجوهِهِمْ إلَى الأرضِ" (نح6:8) لم يكن الأمر مقصورًا على اللاويين والمُسبِّحين فقط، بل قد اشترك كل الشعب في تسبيح الرب الإله وعادت بذلك روح الحمد والتسبيح والفرح إلى كل الشعب، الذي كان سابقًا في أيام السبي يقول: "كيفَ نُرَنمُ ترنيمَةَ الرَّب في أرضٍ غَريبَةٍ؟" (مز4:137). (5) إنشاء تسابيح عظيمة جديدة على غرار مزامير داود، تمتلئ بشرح التاريخ المقدس، وحمد الله على صنيعه مع شعبه:- "وقالَ اللاويّونَ: يَشوعُ و قوموا بارِكوا الرَّبَّ إلهَكُمْ مِنَ الأزَلِ إلَى الأبدِ، وليَتَبارَكِ اسمُ جَلالِكَ المُتَعالي علَى كُل بَرَكَةٍ وتسبيحٍ" (نح5:9)(يمكنكم قراءة باقي هذه التسبحة الجميلة في نح5:9-38) وهكذا تجَدد عطاء الروح القدس على فم الأنبياء والآباء، بسبب عودة التوبة إلى القلوب، وعودة الفرح والإحساس بحضور الله في حياتهم. (6) لم يهملوا وظيفة التسبيح عند توزيع الوظائف على اللاويين كانت كل فرقة من اللاويين لها وظيفة، وكان المسبِّحون لهم أيضًا دور في تنظيم العبادة المقدسة، كمثل أيام داود وسليمان: "ومَتَّنيا بنُ ميخا بنِ زَبدي بنِ آسافَ، رَئيسُ التَّسبيحِ يُحَمدُ في الصَّلاةِ" (نح17:11). "ولَمّا بُنيَ السّورُ، وأقَمتُ المَصاريعَ، وترَتَّبَ البَوّابونَ والمُغَنّونَ واللاويّونَ" (نح1:7). "واللاويّونَ: يَشوعُ و الذي علَى التَّحميدِ هو وإخوَتُهُ" (نح8:12). "ومِنْ بَني الكهنةِ بالأبواقِ: زَكَريّا بنُ يوناثانَ بنِ شَمَعيا بنِ مَتَّنيا بنِ ميخايا بنِ زَكّورَ بنِ آسافَ" (نح35:12)"والكهنةُ: ألياقيمُ و بالأبواقِ وغَنَّى المُغَنّونَ ويِزرَحيا الوَكيلُ" (نح41:12-42)إنها صورة لِمَا حدث أيام داود النبي عندما رتب العبادة في الهيكل، وصارت كل فرقة من اللاويين مسئولة عن جزء من الخدمة، وكان للتسبيح دور بارز، وفِرق كثيرة تتناوب على القيام بهذه الخدمة المقدسة. (7) أدخل نحميا تطويرًا جديدًا على خدمة التسبيح، مازالت كنيستنا القبطية تعمل به، وهو نظام الخورسين اللذين يتبادلان التسبيح (ربع بحري وربع قبلي).. "وأقَمتُ فِرقَتَينِ عظيمَتَينِ مِنَ الحَمّادينَ" (نح31:12). "والفِرقَةُ الثّانيَةُ مِنَ الحَمّادينَ وكبَتْ مُقابِلهُمْ، وأنا وراءَها" (نح38:12). "فوَقَفَ الفِرقَتانِ مِنَ الحَمّادينَ في بَيتِ اللهِ، وأنا ونِصفُ الوُلاةِ معي" (نح40:12). هذا النظام في التسبيح يُسمى (Antiphon) أي نظام المرابعة، مما يعطي جمالاً للّحن، ويعطي فرصة لكل فريق أن يستريح قليلاً ريثما يُسبح الفريق المقابل. (8) التزموا بنظام داود وسليمان في العبادة بالتسبيح:- "علَى ترتيبِ داوُدَ مَلِكِ إسرائيلَ" (عز10:3). "بآلاتِ غِناءِ داوُدَ رَجُلِ اللهِ" (نح36:12). "حَسَبَ وصيَّةِ داوُدَ وسُلَيمانَ ابنِهِ" (نح45:12). "لأنَّهُ في أيّامِ داوُدَ وآسافَ منذُ القَديمِ كانَ رؤوسُ مُغَنينَ وغِناءُ تسبيحٍ وتحميدٍ للهِ" (نح46:12). وقد رأينا سابقًا أن التسبيح بلغ أوّج مجده في عهديْ هذيْن الملكيْن المباركيْن لذلك صار ترتيبهما مرجعًا لكل العصور وقد التزم نحميا بذلك ليُعيد المجد لإسرائيل وتحققت نبوات الأنبياء وعاد التسبيح إلى هيكل الرب: "صوتُ الطَّرَبِ وصوتُ الفَرَحِ، صوتُ العَريسِ وصوتُ العَروسِ، صوتُ القائلينَ: احمَدوا رَبَّ الجُنودِ لأنَّ الرَّبَّ صالِحٌ، لأنَّ إلَى الأبدِ رَحمَتَهُ صوتُ الذينَ يأتونَ بذَبيحَةِ الشُّكرِ إلَى بَيتِ الرَّب، لأني أرُدُّ سبيَ الأرضِ كالأوَّلِ، يقولُ الرَّبُّ" (إر11:33)"وتقولُ في ذلكَ اليومِ: أحمَدُكَ يارَبُّ، لأنَّهُ إذ غَضِبتَ علَيَّ ارتَدَّ غَضَبُكَ فتُعَزيني هوذا اللهُ خَلاصي فأطمَئنُّ ولا أرتَعِبُ، لأنَّ ياهَ يَهوهَ قوَّتي وترنيمَتي وقد صارَ لي خَلاصًا فتَستَقونَ مياهًا بفَرَحٍ مِنْ يَنابيعِ الخَلاصِ وتقولونَ في ذلكَ اليومِ: احمَدوا الرَّبَّ ادعوا باسمِهِ عَرِّفوا بَينَ الشُّعوبِ بأفعالِهِ ذَكِّروا بأنَّ اسمَهُ قد تعالَى رَنِّموا للرَّب لأنَّهُ قد صَنَعَ مُفتَخَرًا ليَكُنْ هذا مَعروفًا في كُل الأرضِ صَوتي واهتِفي يا ساكِنَةَ صِهيَوْنَ، لأنَّ قُدّوسَ إسرائيلَ عظيمٌ في وسطِكِ" (إش1:12-6)"لأجعَلَ لنائحي صِهيَوْنَ، لأُعطيَهُمْ جَمالاً عِوَضًا عن الرَّمادِ، ودُهنَ فرَحٍ عِوَضًا عن النَّوْحِ، ورِداءَ تسبيحٍ عِوَضًا عن الرّوحِ اليائسَةِ، فيُدعَوْنَ أشجارَ البِر، غَرسَ الرَّب للتَّمجيدِ" (إش3:61). والسؤال الآن: هل دام التسبيح في الهيكل؟ أم ماذا حدث له بعد تلك الأيام؟ نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
15 أكتوبر 2018

عصر سبي بابل - الجزء الثالث

(5) العودة من السبي + كورش الملك الوثني مسيح الرب صرخ الشعب إلى الله، وندموا على خطاياهم التي تسببت في سبيهم، وأحسوا باحتياجهم للعودة إلى أرضهم، وهيكلهم، وعلاقاتهم القديمة مع الله، واعترفوا بخطيتهم، وأخطائهم قائلين: "أنتَ بارٌّ في كُل ما أتَى علَينا لأنَّكَ عَمِلتَ بالحَق، ونَحنُ أذنَبنا ومُلوكُنا ورؤَساؤُنا وكهَنَتُنا وآباؤُنا لم يَعمَلوا شَريعَتَكَ، ولا أصغَوْا إلَى وصاياكَ وشَهاداتِكَ التي أشهَدتَها علَيهِمْ" (نح33:9-34) حينئذ سخّر الرب الملك الوثني "كورش" لخدمة شعب الله، وذلك بأن أمر بعودتهم إلى بلادهم، وتعمير أورشليم والهيكل وقد تنبأ إشعياء النبي عن هذا الملك الوثني باسمه قبل ولادته بأكثر من مائة عام قائلاً: "هكذا يقولُ الرَّبُّ لمَسيحِهِ، لكورَشَ الذي أمسَكتُ بيَمينِهِ لأدوسَ أمامَهُ أُمَمًا، وأحقاءَ مُلوكٍ أحُلُّ، لأفتَحَ أمامَهُ المِصراعَينِ، والأبوابُ لا تُغلَقُ: أنا أسيرُ قُدّامَكَ والهِضابَ أُمَهدُ أُكَسرُ مِصراعَيِ النُّحاسِ، ومَغاليقَ الحَديدِ أقصِفُ وأُعطيكَ ذَخائرَ الظُّلمَةِ وكُنوزَ المَخابِئ، لكَيْ تعرِفَ أني أنا الرَّبُّ الذي يَدعوكَ باسمِكَ، إلهُ إسرائيلَ لأجلِ عَبدي يعقوبَ، وإسرائيلَ مُختاري، دَعَوْتُكَ باسمِكَ لَقَّبتُكَ وأنتَ لستَ تعرِفُني أنا الرَّبُّ وليس آخَرُ لا إلهَ سِوايَ نَطَّقتُكَ وأنتَ لم تعرِفني" (إش1:45-5)وقد وصفه إشعياء النبي بصفات عجيبة، بالرغم من أنه ملك وثني مثل:- "راعيَّ" (إش28:44). "مسيح الرب" (إش1:45). "رجل مشورتي" (إش11:46). "قد أحَبَّهُ الرَّبُّ" (إش14:48). "كُلَّ مَسَرَّتي يُتَممُ" (إش28:44). " الكاسِرَ" (إش11:46). هذا يوضّح كيف يستخدم الله حتى غير المؤمنين لخدمة كنيسته وقد قيل إن هذه النبوات قُرأت أمام كورش فسُّر بها، وسمع من خلالها صوت الإله الحقيقي، الذي يبارك خطواته، وحياته مما جعله يُطيع النبوة: "القائلُ عن كورَشَ: راعيَّ، فكُلَّ مَسَرَّتي يُتَممُ ويقولُ عن أورُشَليمَ: ستُبنَى، وللهيكلِ: ستؤَسَّسُ" (إش28:44)علمًا بأن هذه النبوات التي قيلت عن كورش كمُخلِّص زمني لإسرائيل من السبي يمكن أيضًا أن تفهم بالبعد المسياني على أنها نبوات عن تجسد الله الكلمة لخلاص كل العالم من السبي الروحي. + العودة من السبي:- نبَّه روح الله كورش، فأطلق نداءه بالسماح لمَنْ يريد من المسبيين من اليهود، بالعودة إلى وطنهم، لبناء هيكل إله السماء: "نَبَّهَ الرَّبُّ روحَ كورَشَ مَلِكِ فارِسَ فأطلَقَ نِداءً في كُل مَملكَتِهِ وبالكِتابَةِ أيضًا قائلاً: هكذا قالَ كورَشُ مَلِكُ فارِسَ: جميعُ مَمالِكِ الأرضِ دَفَعَها لي الرَّبُّ إلهُ السماءِ، وهو أوصاني أنْ أبنيَ لهُ بَيتًا في أورُشَليمَ التي في يَهوذا" (عز1:1-2) وبدأ بعض المسبيين في العودة من السبي إلى بلادهم، وبدأت مع هذه العودة المباركة، نهضة روحية قادها بعض رجال الله القديسون. وكانت هذه العودة من السبي على أربعة مراحل:- (1) المرحلة الأولى:- عاد الفوج الأول من السبي بقيادة زربابل ويهوشع رئيس الكهنة: "آخُذُكَ يا زَرُبّابِلُ عَبدي ابنُ شألتيئيلَ، يقولُ الرَّبُّ، وأجعَلُكَ كخاتِمٍ، لأني قد اختَرتُكَ، يقولُ رَبُّ الجُنودِ" (حج23:2) وقد ذُكر خبر هذا الرجوع في سفر عزرا الأصحاح الثاني"وهؤُلاءِ هُم بَنو الكورَةِ الصّاعِدونَ مِنْ سبيِ المَسبيينَ، الذينَ سباهُمْ نَبوخَذناصَّرُ مَلِكُ بابِلَ إلَى بابِلَ، ورَجَعوا إلَى أورُشَليمَ ويَهوذا، كُلُّ واحِدٍ إلَى مَدينَتِهِ. الذينَ جاءوا مع زَرُبّابَلَ" (عز1:2-الخ)هؤلاء العائدون بنوا المذبح لإصعاد الذبائح والمحرقات، علامة العودة إلى عبادة الله الحي، بعد توقف هذه الذبائح طيلة فترة السبي (عز2:3-3). ولكن بسبب مضايقات الأعداء، توقفوا عن بناء الهيكل، إذ تم استصدار أمر ملكي من بابل بإيقاف العمل في البناء، نتيجة الوشاية لدى الملك (عز1:4-5). (2) المرحلة الثانية:- بعد نحو 16 سنة من النهضة الأولى قام حجي وزكريا النبييْن ببناء الهيكل، والاحتفال بعيديْ الفصح والفطير، وذلك بعد أن حنّن الرب قلب داريوس الملك؛ فأصدر أمرًا ملكيًا باستكمال العمل في بناء الهيكل، وكذلك تنبيه حجي وزكريا للشعب أن يلتفتوا إلى بناء الهيكل (عز1:6-3)، ولا يكتفوا بأنهم بنوا منازلهم الفخمة وسكنوا فيها: "هل الوَقتُ لكُمْ أنتُمْ أنْ تسكُنوا في بُيوتِكُمُ المُغَشّاةِ، وهذا البَيتُ خَرابٌ؟ والآنَ فهكذا قالَ رَبُّ الجُنودِ: اجعَلوا قَلبَكُمْ علَى طُرُقِكُمْ زَرَعتُمْ كثيرًا ودَخَّلتُمْ قَليلاً تأكُلونَ وليس إلَى الشَّبَعِ تشرَبونَ ولا تروونَ تكتَسونَ ولا تدفأونَ والآخِذُ أُجرَةً يأخُذُ أُجرَةً لكيسٍ مَنقوبٍ هكذا قالَ رَبُّ الجُنودِ:اجعَلوا قَلبَكُمْ علَى طُرُقِكُمْ اِصعَدوا إلَى الجَبَلِ وأتوا بخَشَبٍ وابنوا البَيتَ، فأرضَى علَيهِ وأتَمَجَّدَ" (حج4:1-8)، وكذلك تنبأ زكريا النبي عن بناء أورشليم قائلاً: "قد رَجَعتُ إلَى أورُشَليمَ بالمَراحِمِ فبَيتي يُبنَى فيها، يقولُ رَبُّ الجُنودِ" (زك16:1). (3) المرحلة الثالثة:- قادها عزرا النبي بناءً على أوامر من أرتحشستا الملك، بعودة مَنْ يريد من الباقين من السبي، إلى أورشليم "مِنْ أرتَحشَشتا مَلِكِ المُلوكِ، إلَى عَزرا الكاهِنِ كاتِبِ شَريعَةِ إلهِ السماءِ الكامِلِ، إلَى آخِرِهِ قد صَدَرَ مِني أمرٌ أنَّ كُلَّ مَنْ أرادَ في مُلكي مِنْ شَعبِ إسرائيلَ وكهَنَتِهِ واللاويينَ أنْ يَرجعَ إلَى أورُشَليمَ معكَ فليَرجِعْ" (عز12:7-13)، وبعد هذه العودة قرأ عزرا الشريعة على الشعب وألزمهم بتنفيذها "لأنَّ عَزرا هَيّأَ قَلبَهُ لطَلَبِ شَريعَةِ الرَّب والعَمَلِ بها" (عز10:7)وكانت هذه أيضًا نهضة روحية رائعة لشعب الله، بسبب العودة إلى كلمة الله وقراءتها بروح التوبة، والغيرة المقدَّسة. (4) المرحلة الرابعة:- قادها نحميا النبي بعد نحو 14 سنة من النهضة الثالثة (راجع نحميا1:2-8)، وبنى أسوار أورشليم، وعمَّر المدينة، وذلك بعد تجميع الشعب وتحفيزه، وبعد طلب مشورة الرب وتدعيمه وكانت أيضًا عودة بناء أسوار أورشليم والهيكل سببًا في بعث الغيرة المقدَّسة للشعب، مما دفعهم لتجديد العهود مع الله، وإحياء روح ذبيحة التسبيح. (6) النهضة الروحية المصاحبة للعودة من السبي بالطبع كانت عودة الشعب إلى أرضه المقدَّسة سببًا في عودة الروح إليه، وبدأ الناس يفكرون من جديد في إلههم وبدأوا يعودون إلى عبادته المقدسة. فكان من أبرز علامات النهضة الروحية التي صاحبت العودة من السبي عودة ذبيحة التسبيح إلى مكانتها ومجدها اللائقَين بها. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل