المقالات

11 نوفمبر 2022

مفهوم الاتحاد الزيجي الاتحاد الفكري

الأسرة هي المكون الطبيعي لأيّة كنيسة أو مجتمع، وباعتبار الزواج ليس قرارًا سهلًا قررنا في المجمع المقدس أن يكون هذا العام (من يونيو 20٢٢ إلى يونيو 20٢٣) في كل الاجتماعات والإبيارشيات داخل وخارج مصر، للتركيز على مواضيع الأسرة ‏بكل تنوعاتها: المقبلين على الزواج، حديثي الزواج، أو من لهم عشر سنوات، بحيث يكون هناك حملة توعية كبيرة من أجل سلامة الأسرة المسيحية. لا بد أن تكون المفاهيم التي تقوم عليها الأسرة واضحة وحاضرة أمامنا في كل، وهذا الأمر كبير وليس سهلًا، وهو مسئولية كل أب وكل أم، كل شاب وكل شابة؛ مسئوليتك في تكوين واختيار الأسرة التي ستنتمي لها، وتكوينها بنعمه المسيح. لذلك في الاجتماع الأسبوعي خلال فترة صوم الرسل (في الإسكندرية)، سنتناول موضوعات أسرية تهم جميعكم، وكما ذكرت فنحن نشجع الآباء الأساقفة والآباء الكهنة على تناول هذه المواضيع لأهميتها، ولأن هناك أفكارًا غريبة تغزو الأسرة، مثل مفهوم الجنس والنوع وغيرهما... نقرأ جزءًا من رساله معلمنا بولس إلى أفسس، حيث كتب عن الأسرة، وهو الفصل الذي يُقرَأ في سر الزيجة المقدس: «فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ. وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ، مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ. شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ. خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ اللهِ. أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ. كَذلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ. لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ. «مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا». هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ. وَأَمَّا أَنْتُمُ الأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا» (أف5: 15-33). أريد أن أكلمكم عن مفهوم الاتحاد الزيجي في خمس مجالات: (1) الاتحاد الفكري، (2) الاتحاد العاطفي، (3) الاتحاد الروحي، (4) الاتحاد الاجتماعي، (5) الاتحاد الجسدي. هذه الخمس مجالات تشكّل قوام الاتحاد الزيجي. سنتحدث اليوم عن الاتحاد الفكري.. هو إنسان فاضل، يصلي ويطلب من الله أن يختار له إنسانة فاضلة، وهي كذلك بالمثل تطلب من الله أن يختار لها زوجًا مناسبًا، وفي الوقت المناسب يلتقيان وتحدث الخطوبة. قرار الزواج ليس قرارًا سهلًا. بعض العلماء يقولون إن قرار الزواج للأفراد يساوي قرار الحرب للدول. نقطة البداية مهمة وإلّا سيتوه الطرفان في رحلة الحياة. تكوين الأسرة يحتاج شخصًا ناضجًا جدًا، نفسيًا وعقليًا وعاطفيًا وروحيًا.الاتحاد الفكري هو بداية الخطوبة، وهي المرحلة التي يكثر فيها الكلام بين الخطيبين ليعرفا أحدهما الآخر، مثلما قال الإنجيل «لغتك تظهرك» (مت26: 73). الخطوبة ليست مجرد وعد ولا عقد ولا مشروع، بل هي دعوة للاتحاد الشامل عاطفيًا وروحيًا ونفسيًا وجسديًا، هي دعوة وبداية لإتمام سر الزيجة المقدس. في فترة الخطوبة يجب ان يضع الخطيبان في ذهنيهما أن الأسرة أيقونه الكنيسة، أيقونة حية. الخطوبة تبدأ بالصلاة، ولهذا هي بداية لطريق القداسة والطهارة، وكأن الصلاة في الخطوبة معانها أن الله شاهد على هذه الخطبة. أحيانًا ينشغل الخطيبان بمظاهر الخطوبة من ثياب وأكل وشرب، وينسيان جوهر الموضوع! ارتباط الخطبة بالصلاة يعني أن الله شاهد عليها، وأنها تتم تحت رعايته. كذلك تتم الخطبة في العلانية الكنسية، حيث يحضر الخطيبان وأسرتيهما والمدعوين؛ والعلانية نوع من الالتزام من كلا الطرفين والأهل. كذلك هناك محضر للخطبة (شاع جدًا كلمة نصف إكيل وهي تسمية خاطئة)، والمحضر دليل على صدق رغبة الخطيبين في تكوين أسرة تدوم مدى الحياة؛ وتعجبني كثيرًا كلمة "شريك الحياة". ماذا يفعل الخطيبان في فترة الخطبة؟ هي فتره يتبادل فيها الخطيبان الأفكار. أرقى ما في الإنسان هو العقل، والغرض من هذه الفترة هو تبادل الحديث لكي يتعرّف كل منهما على الآخر وعالمه وأسلوب تفكيره في المستقبل، وكيف يمكن أن يرضي كلٌّ منهما الآخر ويعطيه المكانة اللائقة ويقدم له المحبة، وانتبهوا لأن المحبة بالكلام هي أرخص محبة، ولكن المحبة الحقيقية هي أعمال مثلما عمل السيد المسيح حين نزل من السماء وتجسد وصُلِب ليبين محبته لنا. كذلك يجب أن يكون الكلام موزونًا، سواءً حين يلتقيان أو تلفونيًا أو غيره، يحاولان إيجاد ماهو مشترك بينهما. الزواج السليم والصالح أن يكتشف الزوج زوجته كل يوم، وكذلك هي. الزواج رحلة يتغير في الإنسان من يوم إلى يوم. في الخطوبة يتبادل الخطيبان الأفكار والكلام والاشتياقات والطباع، كيف يحترم أحدهما الآخر وكيف يعبران لبعضهما عن محبتهما. فترة الخطبة هي فترة يكتشف فيها أحدهما الآخر، ويفكران في كيفية إدارة الحياة. هذا هو الاتحاد الفكري، أن أفهم الآخر والاختلافات وغير ذلك.وإذا تم الاتحاد الفكري، فستجد أن أن الأربعة اتحادات الباقية تمت تلقائيًا. افهموا بعضكم البعض، تفهموا مخاوف بعضكما، ولكن أريد أن ألفت نظركم لشيء هام في موضوع الخطبة؛ من الطبيعي أن البنات تحب أن تتكلم كثيرًا، وشيء طبيعي أن الرجال قليلو الكلام. الرجل دائمًا يتكلم بالعقل ثم القلب، ولكن المرأة تتكلم بالقلب ثم العقل، فعلى بيل المثال حين يحكي الرجل حكاية، سيحكيها في دقائق لكن المرأة قد تحكيها في ساعتين، حذارِ أيها الرجل أن تخطئ وتطالبها بالاختصار، أو توجهها لما يجب عمله، وإيّاكِ أيتها المرأة أن تتهميه بأنه يخفي عنكِ أشياء حين يحكي باختصار، هذه طبيعة كليكما، لهذا نت المهم في فترة الخطوبة أن تفهما أحدكما الآخر، لا يحاول أحدكما أن يجعل الآخر نسخة منه، بل كلٌّ منكما له طبيعة وكيان خاص، وعيكما أن تكتشفا كيف تتلاقيان وتتفاهمان وتتشاركان وتتحدان.في فترة الخطوبة يجب أن يعرف الخطيبان أسرة أحدهما الآخر، فالزواج ليس ارتباط رجل وامرأة فقط، ولكنه ارتباط أسرتين، لذلك يجب أن يحصل كلا الخطيبين على مباركة أسرتيهما للارتباط. أخيرًا هناك ثلاثة أشياء تفسد الخطبة: (1) الغيره المتطرفة أو الأنانية، (2) الماضي، (3) الأمور المادية. الخلاصة أيها الأحباء: إن أرد الإنسان أن يبدأ مشروعًا قويًا للارتباط، وتكون الأسرة الجديدة بالحقيقة مصنع قديسين، عليه أن يبدا بالاتحاد الفكري. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
04 نوفمبر 2022

كيف تكون عائلتك مقدسة؟

أن أكلمكم اليوم عن كيف تكون عائلتك مقدسة؟ كيف نعيش فكرة الأسرة كما أرادها السيد المسيح؟ القديس يوحنا ذهبي الفم له عبارة جميلة يقول فيها: "الأسرة أيقونة الكنيسة". عندما ننتهي من بناء كنيسة، نزينها بالأيقونات، كذلك كل أسرة منكم هي أيقونة تجمّل الكنيسة. هل بيتك فعلًا أيقونة حلوة، أم أيقونة مشوهة ومهملة؟ المسيح هو أصل الأسرة: نحن نؤمن أن الرابطة الزيجية هي بين رجل وامرأة وفي وسطهم المسيح، لذلك نقول إن رابطة الزواج ثلاثية. في يوم الإكليل عدتم إلى بيتكم ثلاثة أشخاص لا اثنين لأن المسيح معكم في البيت. هل المسيح سعيد بكم وببيوتكم؟ المسيح هو بداية الاسرة، وكأن السيد المسيح يمسك بيد الزوج بإحدى يديه، ويمسك بالأخرى يد الزوجة، وكلا الزوجين يمسك أحدهما بيد الآخر من ناحية، وبالمسيح باليد الأخرى؛ وهذا ما يجعل رابطة الزواج رابطة قوية لأنها بحضور وحلول المسيح. لذلك نؤمن بوحدة الزواج، أي الزواج بشريك واحد، ونؤمن بدوام الزيجة وأنها لا تنحل إلا بالخطية أو الموت. كذلك نؤمن أن كل زيجة لها ثمار، إمّا أبناء أو فضائل أو خدمات؛ لا نعرف عقمًا في الزيجة المسيحية.. كيف إذًا تكون بيوتنا وأسرنا مقدسة؟ (1) الحب الحب قدمه الله لنا كبشر «لأنَّهُ لَمْ يُرسِلِ اللهُ ابنَهُ إلَى العالَمِ ليَدينَ العالَمَ، بل ليَخلُصَ بهِ العالَمُ» (يوحَنا 3: 17). حين يتزوج الإنسان وينجب فإنه يأخذ من حب المسيح ويقدم في أسرته، وهذا الحب ليس بالكلام فقط. كلمة حب من حرفين: "الحاء" حياة و"الباء" بقاء، فبقاء الحياة يكون من خلال الحب الحقيقي الذي يضعه الله في قلوبنا. الحب عاطفة مهمة جدًا، والعاطفة نعمة من عند ربنا. الأسرة كيان الحب. وإذا أحببتم أبناءكم وبناتكم حبًا صحيحًا سيكبرون وهم يعرفون الله، لكن إذا غاب الحب، وعاملتم أبناءكم بقسوة، سيتكوّن عند الولد والبنت صورة سيئة عن الله. يقول الكتاب إن «النفس الشبعانة تدوس العسل» (أمثال 27: 7)، النفس الشبعانة من الحب في البيت، فمهما كانت الإغراءات لا يمكن أن يقع الأبناء. البيت الصحيح يُبنى على حب الله، ويشبع أفراده من الحب داخل البيت. إن مسئولية الأب هي أن يحتوي زوجته وأولاده.الحب أيها الأحباء يعني أن أسامح الآخر متى أخطأ في حقي، سواء شريك الحياة أو الأبناء. كما يعني الحب أن أنسى الإساءة؛ هذا هو حب المسيح الذي سامحنا على الصليب رغم خطايانا وضعفاتنا، ولا يعيّر أي إنسان (مثلما فعل مع السامرية وزكا). أظهروا الحب بوضوح لأولادكم، لكي تعيشوا فرحين ويعيشوا طفولتهم طفولة حب وطفولة فرح. من الأشياء المهمة جدًا لتوصيل الحب هي العناق، عانقوا أولادكم، لكي يشبعوا من عاطفة الحب، فالعناق يوصل لهم رسالة مباشرة أن لهم قيمة كبيرة عندنا، وأننا نفرح بهم. (2) الحوار الحوار مكمّل للحب. أكثر ما يتمتع به الإنسان أن يتكلم مع من يحبهم، لأن الانسان كائن ناطق، أعطاه الله نعمة الكلام لكي ينقل الأفكار والمشاعر. ما هي نوعية كلامك مع أسرتك؟ هل تخصص وقتًا للكلام مع الأسرة؟ يجب أن يكون هناك حوار بين أفراد الأسرة على الأقل نصف ساعة يوميًا، دون الانشغال بالموبايل أو المشاكل أو المتاعب. عندما نتحاور نعرف بعضنا البعض أكثر. علّم أولادك الحوار وكيف يعتذرون متى أخطأوا. الحوار بين الكبار والصغار يقوم على الحب. مشكلتنا أن الناس قد تدخل في الحوار كأنها في شجار! يوجد حوار ويوجد شجار ويوجد جدار، أي أنني اتكلم والآخر لا يجيب! نقرأ في الانجيل: «هلموا نتحاجج يقول الرب» (إشعياء 1: 18). الرجال بطبعهم قليلو الكلام، والنساء بالعكس. الرجل لا يحب التفاصيل، والمرأة تستفيض فيها. هذا الاختلاف طبيعي لذا يجب أن يتفهّم أحدهما الأخر. تعلموا أن تسمعوا أولادكم أيضًا ولا تقاطعوهم، بل احترموا مشاعرهم. الحوار يبدأ بالحب، وينمو بالحب، ويكمل بالحب. إذا كنت زوجًا أو زوجة، أو ابنًا أو ابنه، كبيرًا أو صغيرًا، تحتاج أن تهتم بالآخر، وتقول له كلمة تشجيع، دعاء، كلمة طيبة... كلنا نحتاج لهذا. (3) الحرية الحرية لا تعني الانفلات والفوضى. لا بد من وجود هامش من الحرية في بيوتنا. مهما فعل ابنك أو ابنتك، احتضنهم لكي تحافظ عليهم. أعطهم بعض الحرية. علموا أبناءكم أن يكون لهم شخصية في المجتمع الذي سيعيشون فيه، قادرين على التعبير عن أنفسهم، ولهم قدرة على الاختيار، فحين يكبرون يستطيعون اتخاذ القرارات الصحيحة. الحرية مرتبطة بالوصية التي نعيشها، وبالقانون المدني في المكان الذي تعيش فيه. عندما تضيّقون على أبنائكم تكون النتيجة أنهم يخفون عنكم أمورهم الخاصة، وتكون النتيجة أنهم يقعون في أخطاء متعددة قد تتطور حتى ترك المنزل. أنتم السبب إذا لم تعرفوا كآباء وأمهات كيف تحتوون وتحتضنون أبناءكم.الحرية تعني احترام الآخر حتى ولو أخطأ. الحرية معناها الإرشاد، أرشد ابنك للصواب. الحرية معناها أن الإنسان يتصرف بإيجابية. الحرية معناها الاهتمام. الحرية احترام، إرشاد، إيجابية، اهتمام. علموا أولادكم أن يختاروا الملابس الوقورة والمناسبة للمكان، فثياب اللعب تختلف عن ملابس القداس، عن المصيف عن البيت... علموهم ألا ينساقوا وراء كل شيء جديد بل أن يفعلوا الصواب. أشياء كثيرة في التربية لا بد أن ننتبه لها ولنتذكر قول الكتاب: «كل الاشياء تحل لي، ولكن لا يتسلط عليّ شيء» (1كورنثوس 6: 12).الحب والحوار والحرية هي معالم أن أسرتك مقدسة وعائلة مباركة. الله يبارك كل بيت وكل أسرة. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
28 أكتوبر 2022

المسئولية الأسقفية جـ 4

ذكرنا في الأعداد الثلاثة الماضية عشرة جوانب عن المسئولية الأسقفية. ونستكمل في هذا العدد آخر جانبين من هذه المسئولية وهما: المسئولية المعرفية – المسئولية الجمعية. وبذلك تكتمل هذه المقالات الأربعة عن المسئولية الأسقفية في اثني عشر جانبًا لها. حادي عشر: المسئولية المعرفية: يليق بالأسقف أن يكون على دراية وإلمام بل ومعرفة كاملة ببعض الأمور التي تستوجبها خدمته في إيبارشيته، وبخاصة مع عالم يجابه متغيرات سريعة وتحديات صعبة وأخلاقيات مغلوطة.. 1- المعرفة اللاهوتية: بكل أبعادها التاريخية والكنسية والمسكونية. 2- المعرفة الثقافية الحضارية: اللغة: والمقصود بها لغة البلد التي سيخدم بها (لغة أجنبية)، وأيضًا اللغة بشكلها الاجتماعي ولهجاتها المختلفة والمفردات التي تميز كل لهجة وطريقة استخدامها تبعًا للمجتمع الذي تُستخدم فيه.. وطريقة الحوار المناسبة لكل فئة.. الـCulture : وهو موضوع كبير جدًا يحتاج إلى قراءات واسعة.. وإرشاد من الذين يعيشون في مجتمع الإيبارشية.. وتدريب عملي بالمعايشة لفترة قبل السيامة.. وهي دراسة ومعرفة تخصّ المجتمع الكبير وليس مجتمع الكنيسة.. والتحدي الأكبر هنا يكون للأسقف في الخارج: كيف يفكرون؟ ما هي الأخلاقيات المقبولة، وغير المقبولة؟ ما الذي يحكم ثقافتهم؟ ما هو مصدر ومرجع تفكيرهم وسلوكهم: الدين، أم الفلسفات والأفكار، أم المنفعة الاقتصادية، أم التوجه السياسي، أم القوانين، أم غير ذلك؟ 3- المعرفة النفس – اجتماعية:- ابتعاد الراهب عن العالم وعن الحياة المجتمعية وعن الحياة الاجتماعية والأسرة والزوجة والأطفال والشباب والإخوة والأخوات والجيران وزملاء وزميلات العمل والشارع والمتطلبات المادية والاجتماعية والنفسية لكل هؤلاء (المقصود ابتعاده عن خبرات الحياة في هذه الأدوار) تجعل من الصعب أن يتفهم الأسقف حقيقة حياة هؤلاء.. لذا تصبح مهمة استيعاب ودراسة تلك الأمور صعبة وشاقة وتحتاج اجتهادًا ومعونة للحكمة والفهم.. المرأة: أكبر مشكلة فهم سيكولوجية المرأة وطبيعتها ونموها واختلاف مراحل حياتها فسيولوجيًا ونفسيًا.. المرأة المتزوجة، الأم، الراهبة، المكرّسة، الخادمة.. المرأة المعينة (حواء)، المطيعة المتعجلة (سارة)، الزوجة المعزية، والأم المميِّزة لأحد الأبناء (رفقة)، الجميلة السارقة (راحيل)، المنسية واسعة الحيلة (ثامار)، الجدعة المسئولة (مريم أخت هارون)، المغوية اللحوحة الشريرة (دليلة - قض16:16)، الوديعة التابعة (راعوث)، الذكية الحكيمة (أبيجايل)، الباحثة المدققة المحبة التعلّم (ملكة سبأ)، الطماعة غير القانعة الشريرة (إيزابل، زوجة لوط)، المصابة بجنون العظمة والـInsecurity (عثليا)، المضحية (أستير)، الصبورة والجاهلة (زوجة أيوب)، الخائنة (زوجة فوطيفار، جومر زوجة هوشع)، المرأة القادرة (هيروديا)... المرأة الفاضلة.. مَنْ يجدها؟ الرجل: سيكولوجية الرجل وطبيعته الجسدية ومراحل قوته وضعفه.. أنماط الرجال.. طريقة التعامل معهم واستخدام مواهبهم وقدراتهم. الأسرة: تحديات.. متطلّبات.. متغيرات جوهرية.. الشباب: أجيال متباينة.. مستويات عقلية وفكرية وثقافية متباينة.. نفسيات متطلبة جدًا.. انفتاح أخلاقي.. رؤية مختلفة جدًا للكنيسة وطقوسها وأسرارها وآباءها وحتى تاريخها.. العقل لا النقل!!!!! الجيل Z وهم الذين وُلدوا بعد عام 2000م ولهم الآن 22 سنة في عصر جديد. 4- معرفة مجتمع الإيبارشية:- جغرافية الإيبارشية وتاريخها نوعية المجتمع (زراعي – تجاري – متعدد المهن – فقير / غني – متعلم / مثقف / غير متعلم – حضاري – سياحي – عمالي...) كبار الكهنة والشيوخ والأراخنة وأصحاب التأثير وكيفية التعامل بحكمة معهم. 5- المعرفة القانونية والوطنية:- معرفة قوانين البلد التي تنتمي لها الإيبارشية – العادات – التقاليد – القيم معرفة القيادات الوطنية وتقديم المحبة لهم والشخصيات المؤثرة في الإيبارشية، وتقديم المحبة لهم هذه هي المسئولية المعرفية وهي واسعة جدًا وما ذكرناه مجرد شذرات قليلة... ولذا وجب الاجتهاد الشخصي والقراءة والمناقشة والملاحظة... الخ. ثاني عشر: المسئولية المجمعية: 1- الحضور والالتزام:- في مجمع أورشليم التزم الرسل والأساقفة بالحضور: «فَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ وَالْمَشَايخُ لِينْظُرُوا فِي هذَا الأَمْرِ» (أع15: 6). هدف حضورنا جميعًا هو التأكيد على المحبة قبل كل الأمور المتعلقة بالكنيسة وشركتنا في المجمع معًا كلنا هي أكبر محبة.. «وَلْنُلاَحِظْ بَعْضُنَا بَعْضًا لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ، غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَبِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُبُ» (عب10: 24-25). 2- المشاركة والحوار:- لا تمتنع عن إبداء رأيك: «لاَ تَمْتَنِعْ مِنَ الْكَلاَمِ فِي وَقْتِ الْخَلاَصِ، وَلاَ تَكْتُمْ حِكْمَتَكَ إِذَا جَمُلَ إِبْدَاؤُهَا. فَإِنَّمَا تُعْرَفُ الْحِكْمَةُ بِالْكَلاَمِ» (سيراخ 4: 28-29) ستسمع الآخرين ولكن مشاركتك هي إثراء وزيادة وغنى لما قاله الآخرون: «الْعَالِمُ إِذَا سَمِعَ كَلاَمَ حِكْمَةٍ مَدَحَهُ، وَزَادَ عَلَيْهِ» (سيراخ 21: 18) ثق أن مشاركتك مطلوبة ومبتغاة منّا جميعًا: «فَمُ الْفَطِنِ يُبْتَغَى فِي الْجَمَاعَةِ، وَكَلاَمُهُ يُتَأَمَّلُ بِهِ فِي الْقَلْبِ» (سيراخ 21: 20). 3- الدراسة والبحث:- يقول القديس لوقا عن يهود بيرية: «وَكَانَ هؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟» (أع17: 11)، يصف القديس لوقا يهود بيرية بأنهم أشرف من يهود تسالونيكي لأنهم بالرغم من إيمانهم وقبولهم كلمة الإنجيل، ذهبوا للفحص والدراسة والتأكد مما قاله لهم بولس بفحص النبوات والبحث عن الإجابات لـ"هل هذه الأمور هكذا؟". عندما تطرح نتيجة دراستك وبحثك في أمر ما من أمورنا الكنسية، ستشارك المجمع ولجانه بهذا العلم الذي وصلت إليه، وسنأخذ المشورة الصالحة التي نبنيها على دراستك واجتهاد بحثك: «عِلْمُ الْحَكِيمِ يَفِيضُ كَالْعُبَابِ، وَمَشُورَتُهُ كَيَنْبُوعِ حَيَاةٍ» (سيراخ 21: 16). 4- التمثيل اللائق للمجمع: أضع أمامك عنوانًا مهمًا وهو: "شكلي أيضًا يمجدك".. لنا مظهر نحتاج أن نهتم به، لا من أجل كرامتنا الشخصية، لكن من أجل كرامة الكهنوت وتمجيد الله الذي اختار ثيابًا للكاهن وأطلق عليها صفة التقديس، وجعلها لتميّز عمل الكاهن ورتبته وهو يقوم بالعمل الكهنوتي، وفي العهد الجديد العمل السرائري. هذا واجب وتقليد ينبغي الحفاظ عليه خاصة في الاجتماعات والمقابلات الرسمية: «وَاصْنَعْ ثِيَابًا مُقَدَّسَةً لِهَارُونَ أَخِيكَ لِلْمَجْدِ وَالْبَهَاءِ» (خر28: 2). 5- أمانة الحديث / صون خصوصية المجمع: "المجمع المقدس هو بيت الكنيسة، وأعضاؤه هم القائمون على صون البيت وخصوصية أهله".وبالتالي لا ندخل الغرباء إلى هذا البيت دون فحص ونطلعهم على خصوصياتنا: «لاَ تُدْخِلْ كُلَّ إِنْسَانٍ إِلَى بَيْتِكَ؛ فَإِنَّ مَكَايِدَ الْغَشَّاشِ كَثِيرَةٌ» (سي11: 31).كما لا نعلن نحن بألسنتنا خصوصيات هذا البيت المقدس: «قُلْتُ: أَتَحَفَّظُ لِسَبِيلِي مِنَ الْخَطَإِ بِلِسَانِي. أَحْفَظُ لِفَمِي كِمَامَةً فِيمَا الشِّرِّيرُ مُقَابِلِي» (مز39: 1)، ومكتوب: «قُلُوبُ الْحَمْقَى فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَأَفْوَاهُ الْحُكَمَاءِ فِي قُلُوبِهِمْ» (سيراخ 21: 29). ولتكن صلاتنا: «ضَع يَا رَبُّ حَافِظَاً لِفَمِي. وَبَابَاً حَصِينًا لِشَفَتَيَّ» كقول داود النبي. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
21 أكتوبر 2022

المسئولية الأسقفية جـ3

تحدثنا عن جوانب المسئولية الأسقفية وهي عديدة، وذكرنا ستة جوانب هي: الشخصية – الروحية – الأبوية – الرعوية – المالية – التعليمية. ونستكمل الحديث هذه المرة في أربعة جوانب أخرى. سابعًا: المسئولية المجتمعية: كل أسقف في إيبارشيته مسئول مسئولية اجتماعية تجاه الآخرين الذين ليسوا من المسيحيين، في أي مجتمع داخل وخارج مصرالكنيسة تعيش في المجتمع وتتعامل معه وتقدم له المحبة والمساعدة والسند في كل الظروف.. لذا ينبغي أن يدرك الأسقف تلك المسئولية ويتذكر أنها مسئولية عمل لا مجرد كلام: «يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!» (1يو3: 18). مثال: نضع دائمًا مثل السامري الصالح الذي قدّم للآخر الذي لا يعرفه محبة غير مشروطة فقط لأنه أخوه في الإنسانية.. وهنا نعيد تعريف "القريب".. مَنْ هو قريبي؟ حسب تعليم الرب: هو كل إنسان.. 1- «وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ» (ننظر للمجتمع ونشعر بآلامه). 2- «فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ» (الشعور بداية للعمل وتقديم المساعدة العملية). 3- «اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا» (كما صنع السامري نصنع نحن أيضًا فهذا أمر الرب لنا)(لو10: 29-37) المشاركة الإيجابية في جميع قضايا المجتمع مثل التعليم والصحة والبيئة وتقديم الخدمات المتنوعة... ثامنًا: المسئولية التكريسية: كيفية الاختيار ومعاييره ونوعيته. كل شخص تكرّسه أنت، بهذا تضع طوبة في مستقبل الكنيسة من أصعب المسئوليات مسئولية الاختيار.. كل شخص تقوم بتكريسه لا بد أن تختاره بعناية وبأناة وبصوت الروح القدس.. وأضع أمامك النص الآتي: «أُنَاشِدُكَ أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْمُخْتَارِينَ، أَنْ تَحْفَظَ هذَا (1) بِدُونِ غَرَضٍ، (2) وَلاَ تَعْمَلَ شَيْئًا بِمُحَابَاةٍ. (3) لاَ تَضَعْ يَدًا عَلَى أَحَدٍ بِالْعَجَلَةِ» (1تي5: 21-22). 1- بدون غرض: أي لا يكون اختيارك مبني على هوى خاص بك إلّا إذا كان الغرض هو الخدمة وصلاحية هذا الشخص للخدمة والتكريس الذي سيقوم بها. 2- إياك والمحاباة.. من أي جانب إلّا مخافة الله. 3- أعط لاختيارك فرصة وقت كاف.. الوقت مع الصلاة يسمح بإرشاد الروح القدس. مثال: «فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْظَرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لأَنِّي قَدْ رَفَضْتُهُ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإِنْسَانُ. لأَنَّ الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ» (1صم16: 7) أحيانًا ننخدع بالمظاهر.. شكل التقوى.. CV ضخم وفخم.. صوت ملائكي.. لباقة في الكلام.. كاريزما.. وقد يكون كل هذا مرفوضًا من الرب لأنه ينظر إلى لقلب لا إلى العينين.. لذا نحتاج أن نسمع صوت الروح القدس بوضوح قبل الاختيار إن مسئولية التكريس خطيرة للغاية لأنه ينبغي أن نقدم أفضل العناصر في مجالات الخدمة، سواء الكاهن أو الراهب أو المُكرَّس أو المُكرَّسة. ولا تنسَ أن التكريس والتعليم هما قَدَما الكنيسة، وبهما تتقدم وتخدم وتنجح في كل زمان. تاسعًا: المسئولية الوطنية: تجاه الوطن كله.. الحفاظ على سلام الوطن بكل حكمة وبكل روية وبكل فكر متعقّل مسئوليتنا الوطنية هي مسئولية تجاه الوطن والعالم كله.. نتذكر دائمًا أننا ملح الأرض، ولو لم نقم بدورنا نُداس من الناس.. ونور العالم الذي به نمجّد اسم الله الآب «أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (مت5: 13-16) بكل حكمة وتعقّل احفظ السلام.. وابدأ بالمحبة.. وانشر كلمة الحق الهادئة دون الإثارة.. مثال: أكبر مثل للوطنية كان نحميا الذي لم يحزن لهدم الهيكل فقط بل ولأن أورشليم وطنه قد انهدم.. قال: «هَلُمَّ فَنَبْنِيَ سُورَ أُورُشَلِيمَ وَلاَ نَكُونُ بَعْدُ عَارًا» (نح12: 17).. وشجع الشعب على البناء.. وقاوم المقاومين بشجاعة وبوطنية، وصار قول نحميا المثل الشهير "يدٌ تعمل، ويدٌ تحمل السلاح": «الْبَانُونَ عَلَى السُّورِ بَنَوْا وَحَامِلُو الأَحْمَالِ حَمَلُوا. بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ، وَبِالأُخْرَى يَمْسِكُونَ السِّلاَحَ» (نح4: 17).المقصود هنا بالبناء هو البناء الروحي داخل الكنيسة، والسلاح هو اليقظة لمحاربات المقاومين الذين يريدون نزع السلام الوطني.. مسئوليتنا أن ننتبه للجانبين لأنهما يتكاملان.. الجانب الروحي والمؤسسي للكنيسة والجانب الوطني لاستقرار وسلام الوطن. عاشرًا: المسئولية الصحية: صحته وصحة شعبه وهي مهمة «الْعَافِيَةُ وَصِحَّةُ الْبِنْيَةِ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ الذَّهَبِ، وَقُوَّةُ الْجِسْمِ أَفْضَلُ مِنْ نَشَبٍ لاَ يُحْصَى. لاَ غِنَى خَيْرٌ مِنْ عَافِيَةِ الْجِسْمِ، وَلاَ سُرُورَ يَفُوقُ فَرَحَ الْقَلْبِ» (سيراخ 30: 15-16) الجسد وصحته وزنة ضرورية للخدمة، والطاقة الجسدية تقلّ بمرور الأعوام والسنين، ولذا الاحتفاظ باللياقة الجسدية أمر هام على المستوى النفسي والعقلي والبدني. والمتابعة الطبية ضرورية لسلامة الأداء والتدبير كذلك الاهتمام بصحة الرعية سواء الجسدية أو النفسية لكل القطاعات: الأطفال أو المرأة أو الرجل أو المسنين أو ذوي القدرات الخاصة، من خلال وجود مستشفيات أو عيادات أو بيوت رعاية، أو من خلال تشجيع الناس على الالتحاق بالمبادرات الصحية التي تقدمها الدولة في مواقع عديدة. قداسة البابا تواضروس الثانى (للحديث بقية)
المزيد
14 أكتوبر 2022

المسئولية الأسقفية جـ2

تحدثنا في العدد الماضي عن ثلاثة جوانب من المسئولية الأسقفية، وكان حديثنا بمناسبة سيامة عَشرة آباء أساقفة جدد لبعض الإيبارشيات وبعض الأديرة، وهذه الجوانب الثلاثة التي تحدثنا عنها هي: أولاً: المسئولية الشخصية أي التخلي عن الذات. ثانيًا: المسئولية الروحية أي النمو الروحي المستمر. ثالثًا: المسئولية الأبوية أي الأبوة لكل الشعب. واليوم نستكمل الحديث في ثلاثة جوانب أخرى هي: رابعًا: المسئولية الرعوية: كل جوانب الرعاية المناسبة لطبيعة الشعب وقطاعاته. مسئولية الأسقف الرعوية هي مسئولية ضخمة وتتكامل مع مسئوليته الأبوية. أولاً: تحتاج كأسقف أن تعرف شعبك واحتياجاته الرعوية: «مَعْرِفَةً اعْرِفْ حَالَ غَنَمِكَ، وَاجْعَلْ قَلْبَكَ إِلَى قُطْعَانِكَ» (أم27: 23). ثانيًا: تحتاج مهارات روحية وعملية لتلبية هذه الاحتياجات الرعوية.. وجِّه قلبك نحو شعبك واشعر بهم، وعندها سيمنحك الروح القدس المهارات العملية لتلبية ما شعرت به من احتياجات الشعب: «فَرَعَاهُمْ حَسَبَ كَمَالِ قَلْبِهِ، وَبِمَهَارَةِ يَدَيْهِ هَدَاهُمْ» (مز87: 72) ثالثًا: تذكر أنك كراعٍ تتحمل المسئولية وتتخذ قرارات ولكنك لا تتسلّط على الشعب إطلاقًا.. سلطان الأسقف هو للخدمة وليس للتسلُّط.. والفرق كبير.. تذكر كلمات بطرس الرسول وضعها أمامك دائمًا: «ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ» (1بط5: 2، 3).وهنا نذكر مثل دِيُوتْرِيفِسَ الذي رفضه يوحنا في رسالته الثالثة.. ما حدث هو أن دِيُوتْرِيفِسَ (الذي يقوته زفس) كان كما يظن المفسرون أسقفًا يرى نفسه سيدًا متسلطًا، وبالرغم من أن يوحنا الرسول هو الأكبر كنسيًا إلّا أنه كان يرى نفسه "الأول" ولا يقبل كلام يوحنا.. ولا يقبل الرعية، بل ويطردهم..! «كَتَبْتُ إِلَى الْكَنِيسَةِ، وَلكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بَيْنَهُمْ لاَ يَقْبَلُنَا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ، إِذَا جِئْتُ فَسَأُذَكِّرُهُ بِأَعْمَالِهِ الَّتِي يَعْمَلُهَا، هَاذِرًا عَلَيْنَا بِأَقْوَال خَبِيثَةٍ. وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِهذِهِ، لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضًا الَّذِينَ يُرِيدُونَ، وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الْكَنِيسَةِ» (3يو1: 9-10). مثال آخر هو الرعاة الذين رفضهم الله بلسان حزقيال النبي: «الْمَرِيضُ لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ، بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ» (حز34: 4).. ثم قال الله إنه سيقوم بالرعاية الصحيحة كما ينبغي: «أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْل» (حز34: 15-16). خامسًا: المسئولية المالية: كل ما يرسله الله من مال في أيدينا ليس لنا فضل فيه. نحن أمناء على استخدامه وتقديمه لمصلحة الرعية.الأسقف راهب تخلّى بإرادته عن أيّة ممتلكات.. ودخل الرهبنة ثم الأسقفية وهو لا يملك سوى التقوى: «وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ. لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ» (1تي6:6-7).ولكي نفهم طريقة التعامل مع الأموال التي يباركنا الله بها في خدمتنا، وكيف نتعامل بشفافية فيها نرى هذا المثال «كما هو مَكتوبٌ: «الّذي جَمَعَ كثيرًا لَمْ يُفضِلْ، والّذي جَمَعَ قَليلًا لَمْ يُنقِصْ». ولكن شُكرًا للهِ الّذي جَعَلَ هذا الِاجتِهادَ عَينَهُ لأجلِكُمْ في قَلبِ تيطُسَ، لأنَّهُ قَبِلَ الطِّلبَةَ. وإذ كانَ أكثَرَ اجتِهادًا، مَضَى إلَيكُمْ مِنْ تِلقاءِ نَفسِهِ. وأرسَلنا معهُ الأخَ الّذي مَدحُهُ في الإنجيلِ في جميعِ الكَنائسِ. وليس ذلكَ فقط، بل هو مُنتَخَبٌ أيضًا مِنَ الكَنائسِ رَفيقًا لنا في السَّفَرِ، مع هذِهِ النِّعمَةِ المَخدومَةِ مِنّا لمَجدِ ذاتِ الرَّبِّ الواحِدِ، ولِنَشاطِكُمْ. مُتَجَنِّبينَ هذا أنْ يَلومَنا أحَدٌ في جَسامَةِ هذِهِ المَخدومَةِ مِنّا. مُعتَنينَ بأُمورٍ حَسَنَةٍ، ليس قُدّامَ الرَّبِّ فقط، بل قُدّامَ النّاسِ أيضًا» (2كو8: 15-21).هنا يطلب بولس من أهل كورنثوس أن يتبرعوا بالمال لخدمة إخوتهم في اليهودية، ويوضح لهم: 1) نزاهة الخادمين تيطس ورفيقه اللذين ائتمنهما بولس لحمل "العطية الكبيرة". 2) أن الخدمة لمجد الرب فقط. 3) أنه يوضح بشفافية حتى لا يُلام مع أنه لن يحمل العطية بنفسه. 4) أنه في الأمور المالية يجب أن نراعي الناس أيضًا ولا نكتفي بأن الله يعلم نزاهتنا. مثال آخر نذكر أبانا إبراهيم لأنه كان مثالاً في النزاهة في أكثر من موقف، ومنها أنه عندما انتصر إبراهيم لابن أخيه لوط وملك سدوم: «وَقَالَ مَلِكُ سَدُومَ لأَبْرَامَ: «أَعْطِنِي النُّفُوسَ، وَأَمَّا الأَمْلاَكَ فَخُذْهَا لِنَفْسِكَ». فَقَالَ أَبْرَامُ لِمَلِكِ سَدُومَ: «رَفَعْتُ يَدِي إِلَى الرَّبِّ الإِلهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ آخُذَنَّ لاَ خَيْطًا وَلاَ شِرَاكَ نَعْل وَلاَ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ لَكَ، فَلاَ تَقُولُ: أَنَا أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ» (تك14: 21-23).تذكر معي عبارة القديس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم الأسبق عندما قال: لا حزنا، ولا عوزنا". المال هو للخدمة: للمحتاجين.. للتعليم.. للتعمير... وليس للاكتناز تحت أي سبب. يمكنك أن تستخدم المال الذي بين يديك في مشروعات المدارس بأنواعها والعيادات والمستشفيات والتي تخدم قطاعات كبيرة من المصريين... سادسًا: المسئولية التعليمية: إيجاد الوسائل والاجتماعات والمناسبات التي يتم فيها التعليم، والتعليم البنائي وليس الروحي فقط، في المجالات الكنسية والعقائدية والإيمانية والتاريخية والمستقبلية... الخ. التعليم هو الدور الأساسي للأسقف كما يقول بولس لتيموثاوس «صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ» (1تي3: 2) ولتيطس: «لِكَيْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ» (تيطس 1: 9). أولاً يجب أن يتصف الأسقف المعلم بالآتي: «وَعَبْدُ الرَّبِّ 1) لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ 2) مُتَرَفِّقًا بِالْجَمِيعِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، 3) صَبُورًا عَلَى الْمَشَقَّاتِ، 4) مُؤَدِّبًا بِالْوَدَاعَةِ الْمُقَاوِمِينَ، عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ» (2تي2: 24-26). ثانيًا ينبغي أن يكون كل تعليمنا مبنيًا على المسيح وأساسه المسيح: «فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ، وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ، بِنَاءُ اللهِ. حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ» (1كو3: 9-11). ثالثًا يكون التعليم بكل طريقة جديدة وقديمة، وفي كل وقت، ليس بالوعظ فقط بل بالإرشاد السريع، وبالانتهار إذا تطلّب الأمر، وبالقدوة في كل وقت: «اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ» (2تي4: 2). مثال: أكبر مثال للتعليم هو الرب يسوع الذي -كما ذكر يوحنا- علّم التلاميذ بالوعظ والكلام، والانتهار لبطرس، والتحدي ليهوذا، والتطهير بغسل الأرجل، وقال لهم بوضوح: أنا المعلم صنعت هكذا، أنتم أيضًا اصنعوا بالمثل: «أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يو13:13-15). قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
07 أكتوبر 2022

المسئولية الأسقفية جـ1

الدرجات الإكليروسية في الكنيسة المقدسة ثلاث، هي: الشموسية – القسيسية – الأسقفية، والإكليروس (كلمة يونانية تعني المُكرَّسين لله) هم الذين يقومون بسائر الخدمات الليتورجية والكنسية المتعدّدة في نظام دقيق جدًا ومُحدَّد كما يقول الكتاب: «لكل واحد منّا أُعطِيت النعمة حسب قياس هبة المسيح» (أفسس 4: 7).. «لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح» (أفسس 4: 12-16). وبمناسبة سيامة عشرة أساقفة جدد ليخدموا في المواضع التي خلت بنياحة عدد من الأحبار الأجلّاء خلال الفترة الماضية، فإنني أودّ أن أتحدث عن جوانب المسئولية الأسقفية، والتي تُعتبر (الأسقفية) أعلى درجات السلم الإكليروسي، ومن الأساقفة يتكون أعضاء المجمع المقدس برئاسة البابا البطريرك. بنعمة المسيح نتحدث عن المسئولية الأسقفية في عشرة جوانب متعدّدة ونكتب عنها في أكثر من مقال. أولًا: المسئولية الشخصية: التخلي عن الذات: دورنا كأساقفة هو النظر للآخر.. النظر للشعب وليس لأنفسنا: «لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا» (في2: 4) إذا استطعنا أن نقول مع بولس إننا عبيد للشعب من أجل يسوع، فنحن إذًا أساقفة ورعاة بحق: «فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبًّا، وَلكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ» (2كو4: 5).كلمة السر لبلوغ التخلّي التام عن الذات هي الاتضاع.. الاتضاع هو أكبر وأضمن طريق للنمو الروحي الدائم.. الاتضاع هو حارس نعمة الأسقفية. ولذلك أقول لك أيها الآب الأسقف: اجعل مَثَلَك يوحنا المعمدان: «يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ» (يو3: 30-32). ثانيًا: المسئولية الروحية: النمو فيها، وتجنُّب الجفاف الروحي: المسئولية الروحية عن ذاتك تتلخص فيما قاله بولس الرسول: (1) «لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا الْمَسِيحُ يَسُوعُ» (في3: 12). نحن جميعنا في سعي دائم بل ونجري، كيما ندرك وننمو.. ولو شعرنا للحظة أننا قد صرنا كاملين يبدأ الجفاف الروحي.. (2) كيما نظل في حالة نمو دائم ينبغي أن نتذكر درس بولس الرسول لتيموثاوس أن يكون قدوة: «لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ» (1تي4: 12).وحتى ما يكون دائمًا قدوة، نصحه بولس الرسول بدوام ملاحظة تعليم نفسه: «لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا»(1تي4: 16).المثل القوي هنا هو مثل سلبي لأسقف لاودكية الذي فكّر بل وقال إنه غني وقد استغنى ويعلم كل شيء ولا يحتاج أي شيء.. لذا صار لا حارًّا ولا باردًا كما يقول الرائي: «وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ:«هذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا! هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي. لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ» (رؤ3: 14-17). ثالثًا: المسئولية الأبوية: لكل قطاعات الشعب الأبوة الروحية هي أن تلد أبناء في المسيح، وهذا هو تعريف الأبوة الروحية: «لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ، لكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ. لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ» (1كو4: 15). أمّا ممارسة الأبوة الروحية فهي متابعة الأبناء بالوعظ والتعليم والتشجيع، وعدم الملل في التحفيز للأبناء ليسلكوا كما يحق بالإنجيل: «كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَالأَبِ لأَوْلاَدِهِ، وَنُشَجِّعُكُمْ، وَنُشْهِدُكُمْ لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ ِللهِ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَمَجْدِهِ» (1تس2: 11-12) (Encouraging, Comforting and Urging) وأخيرًا على الأسقف أن يكون أبًا للكل لأن الأبوة الروحية تشمل كل الشعب.. وبالتالي تحتاج كأسقف أن تتعامل مع كل ابن بالطريقة المناسبة له: «فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ. وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ للهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا» (1كو9: 20-22)أمّا الانشغال عن الأبوة الحقيقية فينتج عنه مشكلة كبيرة وهي فقدان الأبناء.. يذهبون وراء آخر.. أيّ آخر يبدي لهم اهتمامًا بأحوالهم وقضاياهم.. انشغال داود عن الشعب أعطى الفرصة لـ"أبشالوم" لسرقة قلوب الشعب إذ كان أبشالوم يتواصل مع مَنْ يأتي لداود ويقول لهم: «انْظُرْ. أُمُورُكَ صَالِحَةٌ وَمُسْتَقِيمَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ مَنْ يَسْمَعُ لَكَ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ» (2صم15: 3). وكانت النتيجة أن 200 من الشعب ساروا وراء أبشالوم ببساطة ودون تمييز: «وَانْطَلَقَ مَعَ أَبْشَالُومَ مِئَتَا رَجُل مِنْ أُورُشَلِيمَ قَدْ دُعُوا وَذَهَبُوا بِبَسَاطَةٍ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ شَيْئًا» (2صم15: 11). للحديث بقية قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
23 سبتمبر 2022

رائحة المسيح الذكية

أتدري يا صديقي أنه متى كانـت لـك حيـاة روحيـة حقيقية وقلـب ممتلئ بالنعمـة لا بد أن ينعكس ذلك على حياتك العملية ، فتظهر رائحـة المسيح في كل تصرفاتك ؟ وهذا هو ما نود الحديث عنه في موضوعنا هنا إنها الخطوة السابعة في طريقك الروحي والتي تعكس نجاحك في الخطوات الست السابقة . " ولكـن شـكراً للـه الـذي يقودنا في موكب تصـرته في المسيح كـل حـين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان . لأننا رائحة المسيح الذكية لله ، في الذين يخلصون وفي الذين يهلكـون لهـؤلاء رائحـة مـوت يـمـوت ، ولأوليك رائحـة حيـاة لحياة ومن هو كفوء لهذه الأمور ؟ لأننا لسنا كـالكثيرين غاشين كلمة الله ، لكن كما من إخلاص ، بل كما من الله نتكلم أمام الله في المسيح " ( ۲ کو ٢ : ١٤ - ١٧ ) تظهر فينا رائحة المسيح ، من خلال خمس فضائل :- أولا المحبة : - الإنسان المسيحي لا يعرف إلا المحبة . والعالم اليوم في أشد الحاجة إلى المحبة النقية الحقيقية ، تلك المحبة التي يقدمها الإنسان المسيحي الحقيقي في معاملاته مع الجميع . لذا على الإنسان المسيحي أن يراجع نفسه دائماً ، ويسأل نفسه : هل يوجد في قلبه فكر كراهية من جهة أي أحد ؟! وما هو مقياس المحبة تجاه كل من هـم حوله ؟! والقديس أغسطينوس له هذا القول الجميل : " حب الكل ، فيكـون لـك الكل " . ثانياً السلام :- وتسمى صناعة السلام بالصناعة الصعبة بل أنها أصعب صناعة يحتاجها العالم اليوم ، فالعالم أضحى ممتلئاً بالتوثر في كل مكان ، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط " وثمر البر يزرع في السّلام من الذين يفعلون السّلام " ( یع ۳ : ۱۸ ) . فهناك شخص مجرد وجوده يكون سبب في تهيج المشكلات ، بسبب كلامـه غير الحكيم ، ولكن نجد شخصاً آخر ، كلامه يريح الجميع بحكمته وتصرفاته التي تزرع السلام من تعلم يا صديقي فن حل المشكلات بهـدوء ، بل اجعـل نفسـك دائماً صناع السلام ، كما يقول الكتاب " طوبى لصانعي السّلام ، لأنهم أبناء الله يدعون " ( مت 5 : 9 ) . ثالثاً اليقظة :- بمعنـى التوبـة في كـل يـوم ، فالإنسان المسيحي إنسـان يقـظ ومنتبـه ومستعد واليقظة أيضاً تعني السهر والاستعداد ، فمتى تسلل الكسـل إلى حياتك الروحية عليك أن تتدارك نفسك سريعاً ، واعلم أن هذا الكسل هو حـرب من الشيطان ، يجب الانتباه له حتى لا تفسد الخطية حياتك بسبب هذا الكسل . رابعاً الحكمة :- " إن كان أحـد كـم ثـعـوزه حكمـة ، فليطلب مـن اللـه الـذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير ، فسيعطى له " ( يع 1 : 5 ) . فالفضيلة لا تكـون فضـيلة إلا بالحكمـة ، والحكمـة تتجشـد في حيـاة الإنسان بشكل عملي في حسن التصرف ، أو في عرض موضوع ما ، أو في حل مشكلة .الخ . ويحكى في التاريخ ، أن ملكاً في أحد العصور أقام حفلـة كبيرة ، ودعا إليها جميع کبار رجال الدولة ، وكان من ضمن المدعوين البابا البطريرك ، وفي نهاية الحفل ، كان كل فرد من رجال الدولة يقـوم بتقبيـل يـد الملك اليمنى ، فيضع الملك فيها كيساً من الذهب ،على سبيل الهدية . فجاء دور البابا البطريرك ، فقبل صدر الملك ! فتعجب الملك وقال له : لماذا صنعت ذلك ، فقال البابا لأنه يوجد لدينا آية في الإنجيـل تقـول : " قلـب المـلك في يد الرب " ( أم ٢١ : ١ ) . وأنا قبلت يد الرب التي تحرس قلبك يا جلالة الملك ، فارتاح الملك لهذا الكلام ، وأعطى البابا كيسين من الذهب ! وهذه هي الحكمة . فقد كرز بالإنجيل وقدم محبة وتصرف بدبلوماسية . الإنسان المسيحي الحقيقـي عـادة مـا يـكـون إنساناً حكيماً ، لأنـه يـتعلم الحكمة من حياة ربنا يسوع المسيح ، فعندما سألوا السيد المسيح عـن الجزية ، وهل يجب دفعها أم لا ؟! طلب أن يرى عملة ، ونظر إلى وجهيها ، ثـم قـال في حكمة : " لمن هذه الصورة والكتابة ؟ قالوا له : لقيصر ، فقال لهم : أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ( مت ۲۲ : ۲۰ - ۲۱ ). وأيضاً في قصة المرأة السامرية ( يو 4 ) ، تعامل السيد المسيح معها بمنتهى الحكمة ، وبدأ هو في الحديث معها ، وكان يشجعها في حديثها ببعض الكلمات المشجعة ، مثل " حسناً قلت " ، وبذلك قادها إلى التوبة والإيمان . حتى أن زكا وفي مقابلة زكا ، تقابل السيد المسيح معه بمنتهى الأطف تغيّر قلبه وتاب ، وقال : " ها أنا يارب أعطي نصف أموالي للمساكين ، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف " ( لو 19 : 8 ) . وفي قصة الابن الضال ( لو 15 ) ، كان من الممكن أن أبـاه لا يقبـل عودتـه ويطرده ، ولكنه تعامل مع ابنه بحكمة وأخذه في حضنه وقبله . وهكذا يا عزيزي القارئ ، الإنسان المسيحي يظهر رائحة المسيح في حكمته في مواجهة المواقف المختلفة . خامساً ينبوع التعزيات :- الإنسان المسيحي هو ينبوع التعزيات ، فحضـور المسيحي حضـور مـفـرح فعندما يأتي الإنسان المسيحي يأتي معه الفرح والبشاشة . وهكذا حضور الإنسان المسيحي يعكس حضـور اللـه ، بالفرح الذي يملأ قلبه . وأخيراً هذه الفضائل الخمس : المحبة ، السلام ، اليقظة ، الحكمة ، وينبـوع التعزيات . هي مظاهر حضور الله في حياتنا ، وإذا أخذنا الحرف الأول في هـذه الكلمات الخمس ، ستظهر كلمة " مسيحي " .اجلس مع نفسك قليلاً في هدوء ، وراجع حياتك ، ما هي المجالات التي يمكن أن تظهر رائحة المسيح فيها ؟ والآن سأقدم لك يا عزيزي تطبيقاً عملياً عن كيف تكون رائحة المسيح الذكية في تعاملاتك مع الآخرين .في البداية هناك ثلاثة أسئلة هامة يجب أن تضعها أمامك عنـدما تتعامل مع أي شخص : هل تعرف احتياجات الإنسان الأساسية ؟ ... هـل تعـرف أشكال التواصـل مع الآخرين ؟ ... هل تعرف مبادئ التفاعل مع الآخر ؟ السؤال الأول :هل تعرف احتياجات الإنسان الأساسية ؟ إن أي شخص منـا ، مـهـمـا كـان وضعه وسنه وعملـه ومنصبه ودراسته وتكوينه ، له احتياجات ، فما هي هذه الاحتياجات ؟! إن أي إنسـان منـا ، يحتـاج إلى أربعة احتياجات أساسية وهي : الاحتياجـات الجسدية ، والاحتياجـات النفسية والاحتياجـات العقلية ، والاحتياجات الروحية . فلا يوجد شخص لا يحتاج إلى هذه الاحتياجات .. الاحتياجات الجسدية تتلخص في : الأكل والشرب والملبس والنـوم ، وأحياناً تسمى الاحتياجات الجسدية بالاحتياجات البيولوجيـة فكلمـة " بيـو " باللغة اليونانية تعني " حياة " .أما الاحتياجات النفسية ، فهي الاحتياج إلى التقدير والحنـان ، والأمـان والحرية ، وأيضاً يحتاج الإنسان إلى الحب ، وهذه الاحتياجات تبـدأ منذ بدايـة ولادة الطفل ، وتنمو وتتغيـر بنمو الإنسان . وبالنسبة للاحتياجات العقلية ، فهي الاحتياج إلى تغذية العقـل بـالقراءة والاطلاع والمعرفة . أما الاحتياجات الروحية ، فهي الاحتياج المطلق إلى الله ، والاحتياج إلى الغفران ، أي احتياج الإنسان لعمل الله في حياته ، ومعية الله في كل أعماله . ويعد الاحتياج النفسي أحد أهـم هـذه الاحتياجات ، وهـو يـتلخص في الاحتياج للحب ، فيصير الحب هو مفتاح القلوب ، فمتى شعر الإنسان بمحبة الآخرين سيتقبل منهم أي شيء بحب واهتمام . لذلك عندما تعامل الله معنا نحن البشر ، تعامل معنا من منطلق الحب كـمـا يقـول الكتـاب : " لأنّـه هـكـذا أحـب اللـه العـالم حتّى بذل ابنه الوحيـد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 16 ) . السؤال الثاني : هل تعرف أشكال التواصل مع الآخرين ؟ التواصل لـه ثلاثـة أشكال ، وهي : الشكل الفردي ، والشكل الجماعي والشكل المتعدد . الشكل الفردي : يكون في الافتقاد ، وليس شـرط أن يتم الافتقاد في المنزل ، فيمكن أن يتم في الكنيسة ، ويسمى : " جلسة حب " ، أو يتم عن طريق التليفون . الشكل الاجتماعي : يكون عن طريق الاجتماعات بكل تنوعاتها ، وتسـمي هذه الاجتماعات " لقاء حب " . أما الشكل الثالث ، فهو الشكل المتعدد : فهو شكل الأنشطة الكنسية على اختلاف أنواعها ، وهذه تسمى " أعمال حب " . تلاحظ هنا تكرار كلمة " حب " ، لأن مفتاح الإنسـان هـو الحـب ، وكلمـة " حب " هي كلمة من حرفين ، وهما : " الحاء " ومعناها " حياة " ، و " الباء " ومعناهـا " بقاء " ، فبقاء الحياة لا يكون إلا بالحب . السؤال الثالث : هل تعرف مبادئ التفاعل مع الآخر ؟! مع بمعنى كيف يتفاعل الإنسان مع أخيه الإنسان ؟! وكيف يكون كلامك الآخر مقبولاً ، وكلمة تفاعل تعني Reaction ، فقد تتقابـل مـع شخص ، ومـن أول لقاء يحدث نوع من القبول بينكما ويبدأ الحوار . مبادئ التفاعل ثلاثة مبادئ :- أولها مبدأ القبول : الإنسان المسيحي يقبل الجميع ، ولا يكـون لـه جماعـة خاصـة به ، فقلبـه مفتوح للجميع . المبدأ الثاني هو مبدأ التفاهم أو الاتصال :- بمعنى أنك تستطيع أن تصل إلى الآخر،إلى قلبه وعقله . المبدأ الثالث هو المبادرة:- فالذي يبادر بالحديث هو الذي يبادر بكسر الحواجز بينه وبين الآخرين ، وبذلك يفتح قنوات عديدة للحديث والتفاعل . المبدأ الرابع هو التشجيع : والتشجيع هـو إحـدى الاحتياجات الأساسية في التفاعـل الإنساني مثـل وهـو أيضـاً أحـد الأسباب الرئيسية لنجاح التفاعـل مع الحب تـمامـاً الآخرين . والآن أود أن أحدثك . عن ثلاث مهارات أساسية للتفاعل مع الآخرين المهارة الأولى : الحوار والمناقشة ، والسؤال والجواب . المهارة الثانية : الاستماع الإيجابي . المهارة الثالثة : القراءة والثقافة والاطلاع . 1ـ المهارة الأولى :- هي مهارة الحوار والمناقشة ، والسؤال والجواب ، بمعنى مهـارة الكلام وترتيبه . وتوجـد لغتـان للكـلام : لغـة لفظية ، ولغة جسدية ، أي بـدون ألفاظ ! الإنسان يتأثر باللغة اللفظية بنسبة 40 % ، أما اللغة الجسدية ، فيتأثر بها بنسبة 60 % ، وهذه اللغة تشمل : نظرات العين ، وطريقة الجلوس وغيرها مـن الحركات والأوضاع التي نعتمد عليها في حديثنا . مهارة الحوار أيضاً يدخل بها فترات الصمت ، بمعنى أنه أثناء حديثك مع شخص آخر ، قد يكون هناك فترة صمت لمدة ثوان ، وإذا قام الشخص الآخـر بالبكاء ، حاول أن تقدر سبب بكائه وحساسية مشاعره . أيضـاً نـبرات الصـوت لـهـا عـامـل هـام ، فـإذا أردت أن تعطي اهتمام في الحديث ، وتشعر مـن أمامـك بأهميتـه عنـدك ، يجـب أن تخفـض نـبرة صـوتك وكأنك تهمس في أذنه ، وهذا يعطي نوع من الخصوصية للآخر ، وكأنك تعطيـه رسالة خاصة ، وأنه قريب إليك جداً وأن هذه الرسالة لا تريد أن يسمعها أحـد غيره ، وحاول أن تجعل جلستك منطقية ومسلسلة ، وأنصحك أن تصلي في قلبك أثناء حديثك مع الآخر ، فصلي قائلاً : " يارب أرشدني وعلمني ماذا أقـول ، اكشـف لي يارب ما يجب أن أتحدث به " . ٢- المهارة الثانية :- هي مهارة الاستماع الإيجابي ، والإنصات الكياني . ... فاسمع بابتسامة واظهـر الاهتمام والتعبير ببعض الكلمات البسيطة ، مثل : شاطر ، أو ماذا فعلت بعد ذلك ؟ ... وهكذا من كلمات ، تبرز مدى الاهتمام .كذلك الاهتمام بلغة الجسد فهي تنقل العديد من الرسائل أبلغ وأقـوى من الكلمات . وعلى قدر استطاعتك ، عليك أن تضع الإنجيـل بينك وبين من تحدثه بالأخص في جلسات الافتقاد ، ويمكنك أن تستعين به في حديثك ، فـروح اللـه تستطيع أن ترشد الإنسان ، وتعطيه حكمة في الموضوع الذي يتحدث فيه . 3 ـ المهارة الثالثة :- وهي مهارة القراءة والثقافة والاطلاع ، فالقراءة توسّع مدارك الإنسان وتنميها ، مثل علم النفس أو علم الشخصيات ، أو كيفية مواجهة المواقف والأزمات . أخيراً يا عزيزي أود أن أهمس في أذنك ، أن اللمسات الشخصية التـي تقدمها للآخرين تصنع فارقاً كبيراً في كيفيـة مـواجهتهم للمواقف . وتذكر أن " رابح النفوس حكيم " ( أم 11 : 30 ) . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
16 سبتمبر 2022

ذبيحة الحب الالهى

هذه المائدة هـي عضـد نفوسنا .. رباط ذهننـا .. أساس رجائنا وخلاصنا ونورنا وحياتنـا . عنـدمـا تـرى المائدة معدة قدامك قل لنفسك : من أجـل جسـده لا أعـود أكـون تراباً ورماداً ، ولا أكون سجيناً بل حراً . من أجل هذا الجسـد أترجى السماء " . ( القديس يوحنا الذهبي الفم ) مزمور لداود : " الرب راعـي فـلا يـعـوزني شيء . في مـراع خضر يربضني . إلى مياه الراحـة يوردني . يرد نفسي . يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه . أيضاً إذا سرت في وادي ظل المـوت لا أخاف شرا ، لأنك أنت معي . عصاك وعكارك هما يعزيانني . تُرتب قدامي مائدة تجاه مضايقي . مسحت بالدهن رأسي . كأسي ريا . إنّما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي ، وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام " ( مز ٢٣ ) . اقرأ المزمور السابق مرة أُخرى ثم دعنا نتأمل فيه قليلاً .يقدم لنا هذا المزمور صورة عن الحياة المسيحية ..فالمراعي الخضـر هـي كلمة الله .. وماء الراحة هو المعمودية .. بينما يمثل وادي ظل المـوت الـدفن في المعمودية ، والدهن كذلك يمثل الميرون . أما المائدة فهي سر الإفخارستيا ، والكأس هو عصير الكرمة ، وبيت الرب هو الكنيسة . إنها ذبيحة الحب الإلهي والخطوة السادسة التي تضـيء طريقنا الروحي . دعنـا في البدايـة نـرسـي معـا مبـادئ هـامـة فيما يتعلق بـسـر الإفخارستيا ، والقداس الإلهي : سر التناول أو الإفخارستيا هو نعمة غير منظـورة مـن خـلال القداس الإلهـي الـذي يمثـل قمـة الصـلوات المسيحية ، فالقداس الإلهـي سـواء بصلوات الأب الكاهن أو مـردات الشعب غنـي بـالطقوس والقراءات الكتابية .الله هو صاحب كل النعم في حياتك وليس لك فضـل في شيء ، وفي سـر الإفخارستيا كأنك تأخـذ مـما أعطاك اللـه لتشكره بـه ، فتصير ذبيحـة الخبـز والخمـر ذبيحـة شـكر ، وبعـد التقديس تصير الذبيحـة جسد ودم المسيح بالحقيقة . المسيح هنـا هـو الكاهن والذبيحـة ... ففـي كـل مـرة تحضـر القـداس الإلهي كأنك في وقت الصليب تماماً والمسيح المصلوب هـو حاضـر فهل كل مرة تتقدم لهذا السر وأنت تشعر بحضور المسيح فيه ؟! القداس الإلهـي خـارج حيـز الـزمـن وكـأن المسيح يذكرنا : " خذوا كلوا . هذا هو جسدي " ( مت ٢٦ : ٢٦ ) ، وهـذا مـا يكــرره الأب الكاهن في القداس عن فم المسيح ، وبفاعلية عمل الروح القدس . يقول الآباء : " المسيحيون يقيمون سر الإفخارستيا ، وسـر الإفخارستيا يقيم المسيحيين " . أتتساءل الآن : لماذا لا أستفيد من القداس الإلهي ؟! دعنا نناقش سويا ما يمنعك من التمتع بالقداس الإلهي : الحضور المتأخر : كـل صـلوات القداس منـذ بدايتها ( عشية - باكر - تقدمة الحمل - قداس الموعوظين ـ قداس المـؤمنين ) إلى نهايتهـا وحـدة واحـدة وعـدم حضـور أي منهم يفقـدك جـوهرة ثمينـة مـن جـواهر فضلاً عن غياب التهيئة المناسبة للحضور بالاستعداد القداس الإلهي ، الذهني والروحي والجسدي .الحضـور الروتينـي : وفي ذلـك عـدم الاشتراك في المـردات والألحـان فالقداس الإلهي هو سيمفونية مقدسة مشتركة بين الكاهن والشماس والشعب . فضلاً عـن عـدم التركيز والتأمـل والانشغال بأمور الحياة ، ويتبقـى لنـا في هـذه النقطـة ... الانشغال بالإداريـات مثـل : جمـع العطاء ، البيع ، التنظيم ... التـي بـدورها تعـوق الإنسـان عـن التمتّع بالقداس الالهي . الحضور الشكلي : ولهذه النقطة محاور عدة مثل : عـدم التناول ، عـدم الاعتراف ، وكذلك الجلوس في المؤخرة ومحادثة الآخرين . كل ما سبق يمثل أساليب عدة يحـاول بهـا عـدو الخير أن يمنعـك عـن التمتع بالقداس الإلهي ، وبالتالي عن الشبع بالمسيح . أتود أن تسألني الآن : كيف أستفيد من القداس الإلهي ؟ في خطوات عملية سأوضح لك كيف يمكنك التمتع بالقداس الإلهـي ولكن في البداية ضع في قلبك أن القداس الإلهي هو رحلة شيقة للتمتع بالمعية الإلهية . ١- افهم سر الإفخارستيا ... كـن واعياً لعظمـة السـر وعمـل المسيح فيـه وكأنك تستحضر بداخلك ما صنعه الفادي المحب لأجلك . في طريقـك إلى الكنيسـة ردد : " فرحـت بالقائلين لـي : إلى بيـت الـرب تذهب " ( مز ۱۲۲ : ۱ ) ... امـلأ قلبـك وذهنـك بالاستعداد لمقابلـة ملـك الملوك ورب الأرباب . ۲- استعد بنفسك لكي مـا تشعر بعمـق هـذا السـر في حياتك ، فالاستعداد النفسي سيهيئ قلبك ليحل المسيح فيـه ... اقـرأ قراءات القداس الإلهـي الليلة السابقة ، وخذ قسطاً كافيـاً مـن النـوم ، كي تتجنب الإرهـاق الجسدي أثناء القداس الإلهي . ۳- شارك في القداس الإلهـي بكل كيانك ... اجلس في الصفوف الأمامية .احضـر مبكراً وقوفـك في القداس الإلهـي سيملأ قلبـك بالخشـوع وكأنك تمجد الله بتلك الصحة التي منحك إياها . ٤- اشترك في صلوات القداس الإلهي ... سبح الله بالمردات والألحان . 5- عش صلوات القداس الإلهي بفاعلية ... عش مع المسيح صلبه وقيامتـه في القداس الإلهي وانتظار الكنيسة لمجيئه الثاني . 6- ارفع قلبك بالصلوات سواء التي تمجد فيها الله على عظـم صـنيعه معنا ، أو التـي تطلـب فيهـا غـفـران خطايـاك ، أو تصلي لأجـل المتألمين والمرضى والذين رقدوا . استمتع بعشرة القديسين في المجمع المقدس ، ومـن خـلال الأيقونات ... أنظر إلى نهاية سيرتهم وتمثل بإيمانهم أتركك الآن مع باقة من أقوال الآباء عن القداس الإلهي : " إن اتحادنـا بالمسيح بتناولنـا مـن جسـده ودمـه ، أسـمـى مـن كـل اتحاد "( القديس أثناسيوس الرسولي ) .أعطانا ( الله ) جسده الحقيقي ودمه ، لكي تتلاشى قوة الفساد ، ويسكن في أنفسنا بالروح القدس ، ونصير شـركاء بالقداسة وأناساً روحيين " . ( القديس البابا كيرلس عمود الدين ) " إن المائـدة السـرية جسد المسيح تمـدنا بالقوة ضـد النـزوات وضـد الشياطين ، ذلك لأن الشيطان يخـاف مـن هـؤلاء الذين يشتركون في الأسـرار بوقار وتقوى " ( القديس البابا كيرلس عمود الدين ) " المسيحيون يقيمـون الإفخارستيا ، والإفخارستيا تقيم المسيحيين " . ( الشهيد فيلكس من القرن الثالث ) " نحن الكثيرين خبز واحد ، جسـد واحـد ؛ لأننـا جميعاً نشترك في الخبـز الواحد " ( القديس يوحنا الذهبي الفم ). " إن رئيس كهنتنا الأعظـم قـدم الذبيحـة التـي تطهرنـا ( على الصليب ) ، ومـن ذلـك الوقت إلى الآن تقدم نحن أيضـاً هـذه الذبيحة نفسـها . وهذه الذبيحة غير الفانية وغير النافدة ( لأنها غير محدودة ) هي نفسها ستتمم إلى انقضاء الدهر حسب وصية المخلص : " وهذا اصنعوه لذكري " . ( القديس يوحنا الذهبي الفم ) في النهاية أود أن أقدم لك تدريباً عملياً يقـودك لعمـق صـلوات القـداس الإلهي ، سأتركك عزيزي القارئ مـع إحـدى صـلوات القسمة التـي تقـال في القداس الإلهي ؛ لتتأملها ثم تدون تأملك ، وصلاة شخصية منها : أيها الابن الوحيد ، الإلـه الكلمـة الـذي أحبنا ، وحبـه أراد أن يخلصـنـا مـن الهلاك الأبدي . ولما كان الموت في طريق خلاصنا ، اشتهى أن يجوز فيه حباً بنا . وهكذا ارتفع على الصليب ليحمل عقاب خطايانا ، نحـن الـذين أخطأنا ، وهو الذي تألم . نحن الذين صرنا مديونين للعدل الإلهي بذنوبنا ، وهـو الـذي دفع الديون عنا . لأجلنا فضل التألم على التنعم ، والشقاء على الراحة ، والهـوان على المجـد ، والصليب على العرش الذي يحمله الكاروبيم . قبل أن يربط بالحبال ، ليحلنا من رباطات خطايانا ، وتواضع ليرفعنا ، وجـاع ليشبعنا ، وعطش ليروينا ، وصعد إلى الصليب عرياناً ليكسونا بثـوب بـره ، وفتح جنبه بالحربة لكي ندخل إليه ونسكن في عرش نعمته ، ولكي يسيل الـدم مـن جسده لنغتسل من آثامنا ، وأخيراً مات ودفن في القبر ليقيمنا من موت الخطية ويحيينا حياة أبدية . فيا إلهي إن خطاياي هي الشوك الـذي يـوخز رأسـك المقدسة ، أنـا الـذي أحزنت قلبك بسروري بملاذ الدنيا الباطلة . ومـا هـذه الطريق المؤدية للمـوت التي أنت سائر فيها يا إلهـي ومخلصـي ، أي شيء تحمـل عـلى منكبيـك ؟ هـو صليب العار الذي حملته عوضاً عني . ما هذا أيها الفادي ؟ ما الذي جعلك ترضى بذلك ؟ أيهان العظيم ؟! أيـذل الممجد ؟! أيوضع المرتفع ؟! يا لعظم حبك !! نعم هو حبك العظيم الذي جعلـك تقبل احتمال كل ذلك العذاب من أجلي .أشكرك يا إلهي وتشكرك عني ملائكتك وخليقتـك جميعاً لأني عاجز عـن القيام بحمدك كما يستحق حبك ، فهل رأينـا حبـاً أعظـم مـن هـذا ؟! فـاحزني يا نفسي على خطاياك التي سببت لفاديك الحنون هذه الآلام . ارسمي جرحه أمامك ، واحتمـي فيـه عنـدما يهيج عليـك العـدو . أعطنـي يا مخلصـي أن أعتبر عذابك كنزي ، وإكليل الشوك مجـدي ، وأوجاعك تنعمي ، ومرارتك حلاوتي ، ودمك حياتي ، ومحبتك فخري وشكري . یا جراح المسيح ، اجرحيني بحربة الحب الإلهي . يا موت المسيح ، أسكرني بحب من مات من أجلي . يادم المسيح ، طهرني من كل خطية . يا يسوع حبيبي ، إذا رأيتني عضـوا يابساً ، رطبنـي بزيت نعمتـك وثبتنـي فيك غصناً حياً أيها الكرمة الحقيقية . وحينما أتقدم لتناول أسرارك ، اجعلني مستحقاً لذلك ومؤهلاً للاتحاد بك . لكي أناديك أيها الآب السماوي بنغمة البنين قائلاً : أبـانـا الذي . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
09 سبتمبر 2022

مغبوط هو العطاء

" مـن يترحم على إنسان ، يصيـر باب الـرب مفتوحاً لطلباته في كـل سـاعـة " .( الشيخ الروحاني ) " ومتـى جـاء ابـن الإنسـان فـي مجـده وجميع الملائكـة القديسين معـه فحينيـذ يجلس على كرسـي مجـده . ويجتمـع أمامـه جميـع الشـعوب ، فيميـز بعضـهم مـن بعـض كمـا يميز الراعـي الخـراف مـن الـجـداء ، فيقيم الخـراف عـن يمينـه والـجـداء عـن اليسار . ثـم يقـول الملك للذين عـن يمينـه : تعـالـوا يـا مبـاركي أبـي ، رثـوا الملكوت المعـد لـكـم منـذ تأسيس العالم . لأني جعـت فـأطعمثموني . عطشت فسقيتموني . كنت غريباً فآويثموني . غريانا فكسوتموني . مريضاً فزرتموني . محبوسـاً فـأتيثم إلـي . فيجيبـه الأبـرار حينـد قـائلين : يـارب ، متى رأينـاك جائعاً فأطعمنـاك ، أو عطشاناً فسقيناك ؟ ومتى رأيناك غريبـاً فآوينـاك ، أو غريانـاً فكسوناك ؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك ؟ فيجيب الملك ويقول لهم : الحـق أقـول لكم : بما أنكم فعلتُمـوه بأحـد إخـوتـي هـؤلاء الأصاغر ، فبي فعلتُم . ثـم يقـول أيضاً للذين عن اليسار : اذهبوا عني يا ملاعين إلى النّار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته ، لأني جعت فلم تطعموني . عطشت فلم تسقوني . كنت غريباً فلـم تـأووني . غرياناً فلـم تكسـوني . مريضـاً ومحبوسـاً فـلـم تزوروني . حينئذ يجيبونـه هـم أيضـاً قـائلين : يـارب ، متى رأينـاك جائعـاً أو عطشـاناً أو غريبـاً أو غريانـاً أو مريضـاً أو محبوسـاً ولم نخـدمك ؟ فيجيبهم قائلاً : الحـق أقـول لـكـم : بمـا أنـكـم لم تفعلـوه بأحـد هـؤلاء الأصـاغر ، فـبـي لم تفعلـوا . فيمضـي هـؤلاء إلى عـذاب أبـدي والأبـرار إلى حيـاة أبدية " ( مت ٢٥ : ٣١ - ٤٦ ) . " المسيحية والعطاء وجهان لعملة واحدة ، كلاهما حاضـر بحضـور الآخـر في أعماقه " . وبصفة عامة فإن حياة العطاء مطوبة حسب قول الكتاب : " مغبـوط هو العطاء أكثر من الأخـذ " ( أع ٢٠ : ٣٥ ) . والعطاء هو خطوتنا الخامسة في مسيرتنا الروحية . في البداية دعنا نرسي سويا مبادئ أساسية عن فضيلة العطاء :- 1 ـ الإنسان بحاجة إلى أن يعطي :- إذ يحقق هذا وجوده وكيانه ويشعره بقيمته وآدميته ، وهذا الشعور هـو إحدى مكونات الشخصية الناجحة ، حتى أن علماء النفس كثيراً مـا يـذكرون أن العطاء مصحوب براحة قلبية . لذلك عندما يعطي أب ابنه الصغير مالاً لكي ما يضعه الصغير في صندوق العطاء ، فإنه يزرع هذه الفضيلة فيه منذ الصغر ، بل وينمي شخصيته . وكذلك الأب الذي يساعد أولاده لكي ما يقدموا هدية لوالدتهم أو صـديق لهـم في أي مناسبة فإنه ينمي داخلهم هذه الفكرة . ٢ ـ الله ليس محتاجاً على الإطلاق لما تعطيه :- مهما كان ومهما ارتفعت قيمته المادية أو المعنوية ، والسبب أن اللـه هو مصدر كل عطية .. فهو الخالق والواجد لهذا العالم ، ويعقـوب الرسـول يـذكرنا : " كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هـي مـن فـوق ، نازلـة مـن عنـد أبـي الأنوار ، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران " ( یع ۱ : ۱۷ ) . 3ـ العطاء هو وسيلة للتعبير عن مشاعرك نحو الله : تأمل معي في قصة السامرية حين قابلهـا رب المجـد وقـال لـهـا : " أعطيني لأشرب " ( يو ٤ : ٧ ) ، فهو له المجد لم يكن محتاجاً للماء ، لأن من عنده تجـري كـل الأنهار ، وإنما كان في حاجة أن يعرف حقيقة مشاعرها الداخلية نحوه . وفضيلة العطاء أو الصدقة تشكل إحدى ركائز الحياة الروحية ( صـوم + صلاة + صدقة ) ، والمعروف أن كلمة " صدقة " وكلمة " صديق " مـن أصـل لغـوي واحد ، فكأن الصديق هو الذي يصنع الصدقة وعندما قال سليمان الحكيم : " اذكر خالقك في أيام شبابك " ( جا ١٢ : ١ ) إنما كان يتحدث بلغة العطاء ، لأنه معروف أن حياة الإنسان تنقسم إلى مراحـل متتابعة : ( الطفولة ـ النضج / الرجولة ـ الشيخوخة ) .. المرحلتان الأولى والثالثة هما مرحلتا أخذ ، أما المرحلة الثانية وتحوي في داخلها مرحلة الشباب إنما هـي مرحلة عطاء بالدرجة الأولى . وأنت يا صديقي تستطيع أن تعطي في فترة شبابك ورجولتك أكثر من أي مرحلة أخرى . لك أن تسألني الآن ماذا أعطي ؟ هل مالاً .. أم وقتاً .. أم ماذا .. ؟ إني أُجيبك : إن ما تستطيع أن تقدمـه لا يمكـن حصـره ، إنما تستطيع أن تتخيل معي سلماً عليه خمس درجات في ترتيب تصاعدي تمثل درجات العطاء المـال- الجهاد - الـوقـت - التسبيح - النفس ( القلب ) بل ويمكن أن تمزج بين هذه الدرجات الخمس ، فالصلاة هـي عطـاء وقـت وقلـب وتسبيح ... وفي خدمة الآخرين يكمـن عطـاء المـال والوقت والجهـد والحب ، وهكذا وهنا لا يمكننا أن ننسى أن قمة العطاء الذي بلا حدود هو في تجسّد ربنا يسوع ، فهو الذي أعطانا دمه الثمين على عود الصليب ، وها هو كل يـوم يقـدم نفسه ذبيحة لأجلنا من خلال القداس الإلهي . أيدور في ذهنك الآن كيف أعطي ؟ أريدك أولاً أن تقرأ معي هذه القصة : بالرغم من الطقس البارد والثلج المتساقط ، كان يجلس هذا الصبى ، خـارج منزله الحقير ، ولم يرتد في رجليه سوى حذاء رقيقاً ، لا يصلح حتى لأيام الصيف . لقد كان يحاول بأقصى جهده ليفكر عما يقدر أن يقدمـه لأمه بمناسبة عيـد الميلاد ، لكن من غير نتيجة ، فقد حاول كثيراً ، حتى لو استطاع أن يفكر في شيء ما ، فليس بحوزته شيء من المال ، فمنذ وفاة والده ، وهم يعيشون في حالة فقر دائم ، فكانت والدته تعمل بأقصى جهدها لأجل أولادها الخمسة . فلم يكن لها إلا دخلاً ضئيلاً ، لكن تلك الأم بالرغم من فقرها ، كانت تحب أولادها محبة بلا نهاية . ، كان هذا الصبى حزيناً للغاية ، فلقد استطاع إخوته الثلاثة ، إعـداد هدية لأمه أما هو وأخيه الصغير ، فلم يستطيعا شـراء أي شيء ، واليوم هـو آخـر يـوم قبل عيد الميلاد . مسح - هذا الصبى دموعه ، ثم أخذ يسير باتجاه المدينة ، ليلقى نظرة أخيرة على الأماكن المزينة والمحلات المليئة بالهدايا والألعاب . كـان ينظـر من خلال الواجهات ، إلى كل ما في الداخل ، وعيناه تبرقان ، كان كل شيء جميل للغاية ، لكن لم يكن بمتناوله عمل أي شيء . بدت الشمس تعلن عن مغيبها ، فهم هذا الصبى بالعودة إلى المنزل ، وهـو يسير حزينـاً مـنكس الـرأس ..وفـجـأة إذ بـه يـرى شيء يلمـع عـلى الأرض ، اندفع هذا الصبي مسـرعاً ، وإذ بـه يلتقط 10 قروش مـن عـلى الأرض ... ملأ الفرح قلبه ، وإذ به يشعر وكأنـه يملـك كـنـزاً عظيماً ، ولم يعـد يـبـالـي بـالبرد ، إذ كان في حوزته عشرة قروش دخل إحدى المحلات ، عله يستطيع شراء شيء ما ، لكـن يـا لخيبـة الأمـل فقد أعلمه البائع ، بأنه لن يستطيع شـراء أي شيء بـ 10 قروش ، دخـل هـذا الصبى محلاً آخر لبيع الورود ، كان هناك العديد من الزبائن ، فانتظر دوره بعد بضع دقائق ، سأله البائع عما يريد ... قـدم هـذا الصبي إلى البائع الـ 10 قروش التي في حوزته ، ثم سأل إن كان بإمكانه شـراء وردة واحدة لأمه بمناسبة عيد الميلاد . نظر صاحب المحل إلى هذا الولد الصغير ملياً ، ثـم أجابه : انتظـرني قليلاً ... سأرى عما باستطاعتي عمله ... دخل البائع إلى الغرفة الداخليـة ، ثـم بعد قليل عاد وهو يحمل في يديه اثنتي عشرة وردة حمراء ، لم ير هذا الصبى نظيرها في الجمال من قبل ، ثـم أخـذ صاحب المحل ، يضع بجانبهما الزينة وغيرها ، ثم وضعهما بكل عنايـة في علبة بيضـاء ، وقدمهما إلى ذلك الصبي ، وقال : 10 قروش من فضلك أيها الشاب . هـل يعقـل مـا يسـمع . لقـد قـال لـه البائع السابق ... لن تستطيع شراء أي شيء بـ 10 قروش ... فهل يعقـل مـا يسمعه شعر البائع بتردد الولـد فـقـال لـه : أنت تريـد أن تشتري ورود بـ 10 قروش ، أليس كذلك ؟ فإليك هذه الورود بـ 10 قروش ، فهـل تريدها بكل سـرور أجاب الولد ، معطياً كل ما لديه للبائع ... فتح البائع الباب للصبى ، ثم ودعه قائلاً : عید میلاد سعید یا ابنی عاد البائع إلى منزله ، وأخبر زوجتـه بـالأمر العجيـب الـذي حصـل معـه في ذلك اليوم ، فقال لها : في هذا اليوم وبينما أحضـر الورود ... جاءني صوت يقـول اختر ۱۲ وردة حمراء من أفضل الورود التي لديك ، وضعهما جانباً ... لهدية خاصة ... لم أدر معنى هذا الصوت ، لكنني شعرت بقرارة نفسي بأنه ينبغي عليّ أن أطيعه ، وقبل أن أغلق المحل ، جاءني صبي صغير تبدو عليه علامات الفقر والعـوز ، راغباً أن يشتري لأمـه وردة واحدة ، ومقدماً لي كل ما يملك ، 10 قروش ... وأنا إذ نظرت إليه ، ذكرت نفسـي ، كيـف عنـدما كنت في سـنه ، كيف لم أملك أي شيء لأقدم لأمى في عيد الميلاد ، وذات مرة صنع معـي إنساناً لم أعرفه من قبل معروفاً ... لم أنسـه إلى هـذا اليـوم امتلأت عينـا الرجل وزوجته بالدموع ، ونظرا إلى بعض ، وشكرا الله . دعنا الآن نسرد سويا كيف تُعطي من خلال تأملنا في القصة السابقة : 1- بالمحبة : أترى كيف كان حب هذا الولد لأمه ... لا بد أن تكون المحبة هـي الـدافع الأول وراء صدق المشاعر التي تقدم بها عبادتنا وعطايانا لله وللآخرين ، وكـما قـال سـفر النشيد : " إن أعطى الإنسـان كـل ثـروة بيتـه بـدل المحبة ، تُحتقـر احتقاراً " ( نش ۸ : ۷ ) . فأنت لا تقدم مدفوعاً بشعور الواجـب أو الخجـل أو الاضطرار ، ولا حباً في الكرامة والتقدير ، أو طلباً للإعلان أو المديح ... إنما من قلب فياض بالمحبة . ... 2- بسخاء : طلب الولد الصغير وردة واحـدة قيمتهـا عـشـرة قـروش ، فأعطاه البائع اثنتي عشـرة وردة مـن أجـمـل مـا يـكـون هذا هو العطاء الحقيقـي بدون حساب للماديات ، لأن اللـه ينظـر ويعـرف والكتاب يقـول : " المعطي فبسخاء " ( رو ۱۲ : ۸ ) ، لأننـا بـذلك نتمثـل ب اللـه الـذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيـر " ( يـع ١: ٥ ) . والعطـاء هـنـا كـالزرع " مـن يـزرع بالشـح فبالشـح أيضـاً يحصد " ( ۲ کو ٩ : ٦ ) . 3- بفرح وسرور : أترى كيف كان الولد الصغير والبائع سعيدين بعطائهما .. يقول الكتـاب المقدس : " المعطي المسرور يحبه الله " ( ۲ کو ۹ : ۷ ) ، والوصية تقـول : " من سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين " ( مت 5 : ٤١ ) . ( والمقصود بالميل الثاني أنك ذهبت راضياً حراً ) . بقي لنا عزيزي أن نتأمل في صفات ما نقدمه من عطايا : 1 ـ أن تكون أفضل ما عندنا : إن العطاء هو مشاعر قبل أي شيء ومشاعرنا تعبر عنها بأفضل ما عنـدنا .إن هابيل الصديق قدم أفضل ما عنده من الذبائح ، بينما أخـوه قـايين اختـار تقدمة من ثمار الأرض دون أن يدقق فيها ( تك ٤ : ٤ - ٥ ) إن هذا المبدأ ينطبـق في حياتنا العملية بأمثلة كثيرة منها :- اختيار الوقت الأفضل المناسب للصلاة ، كالصباح الباكر . اختيار الذهن النشط المناسب لقراءة الكتاب المقدس . تقديم النقود في حالة جيدة ، وليس القديم أو المستهلك . تقديم التسابيح والألحان بأفضل ما عندنا من أنغام وأصوات . 2- أن تكون في الخفاء : وليس هناك أبلغ مـن قـول الكتاب : " لا تُعرف شمالك ما تفعل يمينك " ( مت ٦ : ٣ ) ، ويعتبر هذا مبدأ مشترك في كل أركان العبادة ... أما إن كان العطـاء طلباً للدعاية أو لنوال مركز أو لمدح الذات ، فإنه يفقد قيمته ويصير دينونة . 3 ـ أن تكون ذا نفع لمن تعطى له : فليست العبرة أن تُعطي وحسب ، إنما في احتياج الآخرين لهذا العطاء . أتركك الآن مع بعض الآيات عن العطاء : - " منك الجميع ومـن يـدك أعطيناك " ( ١ أخ ٢٩ : ١٤ ) . " من يرحم الفقير يقرض الرب ، وعن معروفه يجازيه " ( أم ١٩ : ١٧ ) . " هاتوا العشور ... وجربوني " ( ملا 3 : ۱۰ ) . " أعطوا تعطوا " ( لو ٦ : ٣٨ ) . " ليعطك الرب حسب قلبك " ( مز ٢٠ : ٤ ) . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل