المقالات

08 سبتمبر 2024

الحياة الأبدية ج3

”وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي، آمين“(قانون الإيمان) مساكن الأبرار الحياة الطوبانية الحياة الطوبانية في الدهر الآتي هي الحياة الحُرَّة من الموت، وبالتالي من الخطية، وتكتمل بالحرية الدائمة إلى الأبد في حضرة الله. الحرية إلى الأبد:- في الحياة الأبدية كل طاقة بشرية سوف تتبارك في حضرة الله بما لا يمكن وصفه أو مقارنته بحياتنا في هذا الدهر فالنفس سوف تتبارك بالحياة الأبدية. وطاقة المعرفة في العقل البشري سوف تتبارك بالاستنارة، كما أوضح القديس بولس: «لأننا نعلم بعض العلم... ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يُبْطَل ما هو بعضٌ. لما كنتُ طفلاً كطفل كنت أتكلَّم، وكطفل كنتُ أَفْطَن، وكطفل كنتُ أفتكر. ولكن لما صرتُ رجلاً أبطلتُ ما للطفل» (1كو 13: 9-11) والإرادة سوف تتبارك بالاستقامة وصحة الحُكْم على الأمور، وبالسعادة بحُسْن الاختيار: «أما أنا فبالبرِّ أنظر وجهك، إذا استيقظتُ، وأشبع في يقظتي من حضورك» (مز 17: 15 – الترجمة العربية الحديثة) وأما الجسد المُمجَّد، جسد القيامة، فسيتبارك بالتحكُّم الصحيح في طاقات العواطف والانفعالات. أما طاقة التخيُّل، فستتبارك بفكر الأمان الكامل في الطوبانية المستقبلة بلا توقُّف حسب وعد المسيح: «ولكني سأراكم، فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم» (يو 16: 22). إنها سعادة لا يقدر أحد أن ينزعها من المُطوَّبين، لأنها قائمة على اتحاد أبدي مع الله إن الجسد الروحاني الذي سيقوم من الموت إلى الحياة الأبدية سوف يختبر استعادة الصحة الكاملة لحالة البشرية كما كانت قبل السقوط، كما أوضح سفر الرؤيا: «مَن يغلب فسأُعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله» (رؤ 2: 7)، والتي مُنِعَت عن الإنسان الأول بعد السقوط في مرض الخطية (كما في سفر التكوين 3: 24،22) إن حقيقة الموت الرهيبة جداً، والتي سيطرت على البشرية بسطوتها، هذه الرهبة ستتحوَّل بعد الموت وقيامة الأجساد إلى حرية من الموت، وانتصار وسعادة أبدية للأبرار: «ومتى لَبِسَ هذا الفاسد عدم فساد، ولَبِسَ هذا المائت عدم موت، فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: ”ابتُلِعَ الموت إلى غَلَبَة“. أين شوكتُك يا موت؟ أين غَلَبَتُكِ يا هاوية؟... ولكن شكراً لله الذي يُعطينا الغَلَبَة بربنا يسوع المسيح» (1كو 15: 54-57) وحقّاً كان يمكن أن تذوب وتذوي نفوس المؤمنين الغالبين في السماء أمام رهبة قداسة الله، ولكن النعمة الإلهية الموهوبة للمطوَّبين تُعطي لهم القوة ليحتملوا هذه السعادة الغامرة لأولئك الذين سيَحْيَوْن إلى الأبد في مجد حضرة الله. الأجساد المُمجَّدة للقديسين في السماء:- إن الوصف الوارد في الرسالة الأولى إلى كورنثوس (15: 42-53) هو مفتاح أوصاف النِّعَم التي سيتوشح بها جسد القيامة الذي سيلبسه الأبرار في ملكوت السموات: «هكذا أيضاً في قيامة الأموات: (الجسد) يُزرع (بالدفن في القبر) في فساد، ويُقام في عدم فساد. يُزرع في هوان، ويُقام في مجد. يُزرع في ضعف، ويُقام في قوة. يُزرع جسماً حيوانياً، ويُقام جسماً روحانياً» الجسم المُمجَّد، المتحرِّر من الموت، يوصَف في تعبير آباء الكنيسة (باللغة اليونانية) aphthartos، أي غير الفاسد. هذا الجسم الفاسد (بالموت) سيلبس الجسد ”غير الفاسد“ بالقيامة المزمعة أن تكون (1كو 15: 53). وسيصير في حالة أبعد ما يكون عن القلق بعد الموت: «الموت لا يكون فيما بعد» (رؤ 21: 4). وحتى النُّدوب (أي آثار جروح التعذيب قبل الاستشهاد) سوف تأخذ شكلاً بهيّاً، حيث لا تعود تشويهاً في الجسد، بل علامة مجد في أجساد الشهداء المُقامة من الموت، حسب تعبير القديس أُغسطينوس ويتميَّز الجسد المُقام من الموت، وبسبب خُلوِّه من ظلمة الموت، يتميَّز بالصفاء، واللمعان، والمجد، حسب قول المسيح: «حينئذ يُضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم» (مت 13: 43)، وهم بذلك يعكسون مجد الله الحال على أجسادهم. نفس هذا المجد الإلهي رآه من قبل تلاميذ المسيح في تجلِّيه وهو على الجبل: «وتغيَّرت هيئته قدَّامهم، وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج» (مر 9: 3،2)وأيضاً يتميَّز الجسد القائم من الموت، وبسبب خُلوِّه من الضعف، يتميَّز بالحيوية والقوة، حيث يتحرَّك الجسد بالخفة الكاملة كما تُحرِّكه النفس، كما ظهر ذلك في جسد المسيح بعد قيامته من بين الأموات وكذلك أيضاً، وبسبب تحرُّر الجسد المُقام من ضيق المكان وتقلُّب الزمان، فإنه يُمنَح عينين روحانيتين غير منظورتين. وهذا الجسد يتَّسم بالسموِّ الذي به تأخذ النفس على عاتقها حِفْظ حياة جسدها، وبهذا السمو ترفع الجسد إلى مستواها الروحاني، وبهذا يصير الجسد خاضعاً للروح. وحينما تحدث هذه التغييرات «حينئذ تصير الكلمة المكتوبة: ”ابتُلِعَ الموت إلى غَلَبَة“» (1كو 15: 54). هل السماء هي حقّاً جزاء أو مكافأة؟ ربما لا يكون مناسباً أن نقول إن الأبرار ينالون السماء جزاءً أو مكافأةً، إن كان المقصود بالجزاء والمكافأة أن يكون للإنسان حقٌّ أن يُطالِب بها أو يستحقها، لأن البار ليس له ادِّعاء الحق بالطوبانية النهائية كحقٍّ يُطالب به. إلاَّ أن السماء هي العطية الموعود بها للمؤمنين كنتيجة تلقائية ومباشرة لتجسُّد المسيح ولِبْسه طبيعتنا البشرية، فلأننا نحن فيه فسيتحقَّق قوله المبارك: «وإنْ مضيتُ وأعددتُ لكم مكاناً، آتي أيضاً وآخُذُكم إليَّ، حتى حيث أكونُ أنا تكونون أنتم أيضاً» (يو 14: 3)؛ وكذلك في صلاته الشفاعية يطلب إلى الآب: «أيها الآب أُريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم» (يو 17: 24). هل هناك درجات متفاوتة من المجد؟ كل قائم من الموت ومُحتفِل بأمجاد الله، سوف يعكس الصلاح الإلهي بطريقة مختلفة، هكذا يقول القديس إيرينيئوس أسقف ليون في القرن الثالث، والقديس كليمندس الإسكندري. هذا وبالرغم من أن كل واحد سوف يشترك في نفس الخلاص، إلاَّ أن انعكاس المجد الإلهي لن يكون على وتيرة واحدة، بل متنوعاً، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم ولكن حينما يقول القديس بولس الرسول مقارِناً بين مجد كلٍّ من أجسام الكواكب وأجساد الحيوانات وأجساد البشر، ثم يُقارِن بين مجد الشمس وبين مجد القمر وبين مجد النجوم، يقول الكلمات الآتية: «... ومجد النجوم آخر. لأن نجماً يمتاز عن نجم في المجد» (1كو 15: 41)؛ فإنه يتهيَّا للبعض أن هذه الآية ترمز إلى أمجاد متفاوتة في العظمة لأجساد البشر القائمين من الموت. وهذا التهيُّؤ غير صحيح، لأن الآية التالية تُظهِر قصد القديس بولس، وهو أن مجد جسد القيامة من بين الأموات يفوق كل أمجاد الأجسام المادية الأخرى: الشمس والقمر والنجوم، بالرغم مما بينها من تفاوت في المجد أما أنه يوجد ”تنوُّع“ - وليس تفاوتاً في درجة المجد - فهذا أمر معقول. فجسد الشهيد المسيحي المُثخن بالجراح وآثار التعذيب الوحشي الذي انتصر على قوات العالم المُعادي للمسيح، احتملها الشهيد بطريقة تختلف عن الطريقة التي انتصر فيها الناسك أو العذراء على الشهوة، أو عن الطريقة التي انتصر بها المعلم الكنسي المسيحي على قوى الضلال في التعليم في زمن انتشار الهرطقات. ولكن كما قال القديس بولس، فإنَّ الجميع على حدٍّ سواء سوف يتمتعون بنفس القدر من الغبطة والسعادة السماوية، إذ لن يكون سوى مجد واحد للكل، إذ أننا كلنا سنصير أبناء الله في المسيح يسوع ابن الله الوحيد ولأن الله عادل، فلن يكون ظلم في السماء. فما يبدو هنا على الأرض أنه تعارُض مع العدل أو جَوْر أو ظلم، فهذا يُعتبر بالنسبة لحياتنا الحاضرة المؤقتة نوعاً من الأنانية والتمركُّز حول الذات؛ أما في السماء، فالوضع يختلف، لأن الحياة هناك لن تكون نابعة من عطايا بشرية، بل كلها من نعمة الله المجانية للجميع. وكما يقول القديس أُغسطينوس: [لن يكون هناك حسد بسبب عدم تساوي في المجد، لأن المحبة الإلهية الواحدة هي التي ستسود على الجميع]. وليمة عُرْس الحَمَل: كل أعضاء جسد المسيح، وهم المدعوون إلى وليمة عُرْس الحَمَل المسيح: «طوبى للمدعوِّين إلى عشاء عُرْس الخروف» (رؤ 19: 9)، وهم الذي ذكرهم المسيح: «فيُرسل حينئذ ملائكته ويجمع مختاريه من الأربع الأرياح من أقصاء الأرض إلى أقصاء السماء» (مت 13: 27)، فهناك تكتمل الصورة الكاملة للكنيسة حيث تحتفل بعُرسها – أي اكتمال اتحادها الأبدي بالله – ويصفها القديس يوحنا الرائي كأنها عروس المسيح في يوم زفافها: «وأنا يوحنا رأيتُ المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مُزيَّنة لرجلها» (رؤ 21: 2)، مُحْتَفَى بها في مدينة الله الجديدة: «الروح والعروس يقولان: تعالَ» (رؤ 22: 17) وكما أن مَهْر العروس يسبق الزواج، هكذا المسيح قدَّم العطايا ليجعل العروس (أي البشرية المؤمنة به) تتمتَّع بالحياة الأبدية، كما قال هذا القديس يوحنا ذهبي الفم. والعطايا هنا هي: «مَن يعطش فَلْيأتِ، ومَن يُرِد فلْيأخذ ماء حياة مجاناً» (رؤ 21: 2). وماء الحياة هو شخص المسيح نفسه الذي سيكون مركز حياة المؤمنين المطوَّبين في السماء، وسيكون المسيح في هذه الرؤيا في صورة الحَمَل، بينما امرأته هي الكنيسة أي البشرية المفديَّة والممجَّدة في السماء: «لنفرح ونتهلَّل ونُعْطِهِ المجد، لأن عُرْس الخروف قد جاء، وامرأته هيَّأت نفسها... وقال لي: ”اكْتُبْ طوبى للمدعوِّين إلى عشاء عُرْس الخروف“. وقال: ”هذه هي أقوال الله الصادقة“» (رؤ 19: 7-9) أما الصورة الرمزية العكسية (رؤ 17: 4) فهي عن بابل رمز أورشليم الأولى، أي رمز العالم الحاضر الساقط، وفيها تظهر امرأة تبدو متسربلة بملابس مبهرجة رمزاً للإثم، وفي يدها كأس من ذهب مملوءة من رجاسات ونجاسات زناها. وتنتهي وليمة عُرْس هذه المرأة بانتهاء الأرض الأولى والسماء الأولى، وخَلْق أرض جديدة وسماء جديدة (رؤ 21: 1). ويأتي رمز أورشليم الجديدة، حيث الله والحَمَل يصيران موضوع العبادة والسجود، وحيث الحقيقة الجديدة في الدهر الآتي، وهي: «هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعباً، والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم. وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد، لأن الأمور (أنظمة وأنماط الحياة) الأولى قد مضت» (رؤ 21: 4،3). تسبحة الثالوث الأقدس:- وتتردَّد أصداء هذه الأفراح في ”وليمة عُرْس عشاء الحَمَل“، أي المسيح، إلى الأبد، وهي تسبيح الثالوث الأقدس ولا أفراحَ أخرى ولا تسبيحات غير هذه التسبحة تبثُّ المزيد من البهجة والفرح لشركة القديسين الله واحدٌ هو، غير منقسم إنه مُعطي الحياة للجميع، وفادي الجميع لقد سبق أن خُلِقَت هذه الخليقة، ثم سقطت في الموت، ثم افتُديت، وسوف تتمجَّد بحسب وعود الله في الحياة الأبدية في الدهر الآتي الله الآب خالق الكل، والمؤمنون يحتفلون ويُسبِّحون الآب، والابن الذي «به كان كلُّ شيء، وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس» (يو 1: 4،3)، والروح الأزلي الذي من خلاله يتكلَّم كلمة الله إلينا لقد دعانا الآب إليه من الظلمة إلى نور ابن محبته فالآب هو الله الحقيقي لقد كان الفداء هو العمل الأساسي للابن الذي أرسله الآب لنا نحن البشر، ومكَّننا الروح القدس أن ننال كل ما فعله الابن من أعمال الفداء ومنذ ما قبل الدهور والأزمنة، كان الابن مولوداً من الآب، كما يولد النور من النور وهكذا أتى الابن ليُخلِّصنا من الموت، لذلك قيل «فيه (في المسيح) كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس» فالابن هو الإله الحق من الإله الحق أما عمل تكميل وتحقيق كل شيء فهو منوط بالروح القدس، الذي قال عنه المسيح بأنه هو الذي «سيُرسله الآب باسمي» (يو 14: 26). فالروح يمكث فينا ليجعلنا نتغيَّر إلى شكل المسيح «إذا أُظهِرَ، نكون مثله، لأننا سنراه كما هو» (1يو 3: 2) أي أن رؤيتنا للمسيح في مجده في السماء، بانفتاح أعيننا لنراه كما هو، سوف تجعلنا نتغيَّر لنصير مثله! فالروح القدس هو الله إن سرَّ الله الثالوث هو: الله الآب، والله الابن، والله الروح القدس؛ وهذا هو الله الواحد. فهو الآب ضابط الكل، في ابنه ”كلمته الأزلية“، في روحه القدوس، الله الواحد. فالآب يُعطينا، من خلال ابنه المولود قبل كل الدهور، وفي الروح القدس روحه الأزلي. آمين: كلمة ”آمين“ هي آخر ما ننطق به بعد تلاوتنا لقانون الإيمان ابتداءً من: ”نؤمن“ إلى ”آمين“ والآن، من كلمة ”نؤمن“ (أول قانون الإيمان)، إلى ”وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي“، كلها تُثير فينا القول آمين.
المزيد
07 سبتمبر 2024

الحياة الأبدية ج2

”وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي، آمين“(قانون الإيمان) مساكن الأبرار (تابع) نهاية حياة الغربة على الأرض: يُشير الرب يسوع إلى الراحة النهائية للمؤمنين بهذا الوصف: «... أنا أمضي لأُعِدَّ لكم مكاناً. وإنْ مضيتُ وأعددتُ لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً» (يو 14: 3،2) الله كُلِّي القدرة يسكن: «في الموضع المرتفع المقدَّس» (إش 57: 15؛ «في العلاء» 33: 5)، «من السموات نظر الرب، رأى جميع بني البشر. من مكان سُكناه تطلَّع إلى جميع سُكَّان الأرض» (مز 33: 14،13؛ 24: 3؛ 91: 1) والمؤمنون السائحون على الأرض ينتظرون «المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله» (عب 11: 10). ولكن هذا الموضع مختلف عن أيِّ موضع آخر يعرفه الساكنون على الأرض. فالكتاب المقدَّس يتكلَّم عن السماء ويُصوِّرها بأوصاف تفوق تماماً حدود الخليقة المنظورة، كما قال عنها القديس بولس حينما قال إنَّ المسيح: «صعد أيضاً فوق جميع السموات لكي يملأ الكل» (أف 4: 10). لذلك، فـ ”الموضع“ يجب أن لا نفهمه على أنه مكان آخر في هذا الفضاء المحيط بنا في الزمان والمكان الله لم يترك ”الغرباء“ على الأرض، بل أعدَّ لهم مسكناً في حياتهم الآتية في الدهر الآتي. فالوحي الإلهي يتحدث عن ”مسكن“ للمؤمنين بعد الدينونة الأخيرة، إنه ”سماءٌ جديدة“ و”أرضٌ جديدة“ (2بط 3: 13؛ رؤ 21: 1؛ إش 65: 17؛ 66: 22) وفي ”أورشليم الجديدة“ سوف ”يسكن“ القديسون المُمجَّدون في الأجساد المُمجَّدة الجديدة التي استُعيدت لهم عند قيامة الأجساد. وهنا تظهر أهمية الوصايا السلوكية الآن في هذا الدهر، فطاعتها الآن [هي التي نتعلَّم منها على الأرض تلك المعرفة التي سوف تكتمل معنا هناك في السماء] – القديس جيروم. الرب نفسه هو الهيكل:- لم تَعُد القِبْلَة (اتجاه النظر والصلاة) إلى الهيكل في أورشليم الأرضية، كما كان عند اليهود قبل هدمه سنة 73م؛ بل صارت نظرتنا وقِبْلَتُنا تجاه الرب يسوع نفسه: «ولم أرَ فيها هيكلاً، لأن الرب الله القادر على كل شيء، هو والخروف (الحَمَل) هيكلها» (رؤ 21: 22). وليست وجهة عيوننا الآن إلى الشرق إلاَّ انتظاراً للمجيء الثاني للمسيح الذي سيكون هيكلنا ومسكننا الحقيقي في السماء الدافع الهادي لرؤيا يوحنا الرائي هو حضور الحَمَل القائم من بين الأموات، ولكن عليه آثار الذبح على الصليب (رؤ 22: 1)، والذي نحوه تُوجَّه التسبيحات الدائمة التي لا تتوقف لا من الأرض ولا من السماء. العمل المبارَك في السماء:- كل المطوَّبين في السماء سيتَّحدون معاً في العبادة لله والحَمَل (رؤ 4: 8؛ 5: 10،9؛ 7: 4-11)، وفي خدمة الله والحَمَل (رؤ 22: 3). وكل القدِّيسين «... يخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، الجالس على العرش يَحِلُّ فوقهم. لن يجوعوا بعد، ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحَرِّ» (رؤ 7: 16،15). إنهم يُسبِّحونه تسبحة الله. السماء ستكون موضع الموسيقى والألحان! وحتى الأبرار فإنَّ [الملائكة سوف تُسبِّح الله من أجلهم] – القديس هيبوليتس. إنه لا يمكن أن توجد سعادة كاملة إنْ أحس صاحبها بإحساس دائم وراسخ بأنها لابد أن يكون لها نهاية إنْ آجلاً أو عاجلاً؛ بينما السعادة الكاملة لابد أن تكون سعادة أبدية، كما يقول القديس أُغسطينوس السعادة الأبدية التي لا يمكن أن تنتهي هي الهناء المطلق، لأن كل نوع آخر من السعادة الأرضية هو عُرضة للإدراك الكئيب بأنه لابد أن يكون له نهاية وشيكة. أما التمتُّع بالوجود في حضرة الله فهو الابتهاج «بفرح لا يُنطَق به ومجيد» (1بط 1: 8)، حيث يرتفع الفرح إلى أعلى درجة من التعبير، كما يصفه القديس كبريانوس ويؤكِّد القديس يوحنا الرائي في رؤياه على تشبيهاته التي يستخدمها للتعبير عن الفرح الذي يختبره الشعب المفدي في السماء بأقصى ما يمكن من رؤى العين والخيال ولكن يجب أن نتنبَّه إلى أنه بالرغم من أن هذه التشبيهات المستخدمة تتضمن ما يُشبه المُتع التي في الحياة الأرضية، إلاَّ أن هذه المُتع الأرضية لا مكان لها في حياة الدهر الآتي. لأن كل هذه المُتع الأرضية يمكن أن يتمتَّع بها الإنسان إلى حين فقط، ثم يتبعها الإشباع ثم الذبول والنضوب ما يبعث في الجسد والنفس الاكتئاب والحسرة على عدم دوامها، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم أما أفراح السماء فهي نبع لا ينضب وكنز لا ينفد، حيث لا يبليه عث ولا سوس، ولا يسرقه سارق (لو 12: 33)، إنه «إكليل المجد الذي لا يبلَى» (1بط 5: 4). فالسعادة في السماء التي سيسعد بها القدِّيسون ستكون طاهرة تماماً، روحية تماماً، وذات طبيعة أرقى بما لا يُقاس، ما لا يمكن تشبيهه بأيِّ عمل جسدي أرضي، لأن السماء - بحسب قول القديس غريغوريوس النيسي - هي وحدها الحياة الدائمة الأبدية وصاحب سفر المزامير يُبارك الرب الذي يُسكِن جسده في القبر مُطمئناً، وسوف يملأه فرحاً في حضرة الله: «أمامك شِبَعُ سرور، وفي يمينك نِعَمٌ إلى الأبد» (مز 16: 11) والإرادة المُمجَّدة التي للمطوَّبين يصفها القديس هيبوليتس هكذا: [هناك سيسكن الأبرار منذ البداية غير محكومين بغريزة، بل متمتعين دائماً بالتأمُّل في البركات الإلهية]. لا عوائق أمام الحياة الكاملة:- بالقيامة والدينونة النهائيتين، يُشارك جسد الإنسان البار في الطوبانية الموعودة للمؤمنين، ما أسماه القديس بطرس الرسول في رسالته الثانية 1: 4: «وَهَبَ لنا المواعيد العُظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية». وهذه هي غاية التجسُّد والفداء النهائية: استعادة ما فقدته الطبيعة البشرية بسقوط آدم، أي الممارسة الكاملة للإرادة الحُرَّة كتمجيد وانعكاس للعطية الإلهية الثمينة. البركات المختصة بالتحرُّر من الموت والخطية:- وهذا ما يسأله المؤمن: لأيِّ حدٍّ سيتحرر المؤمن من عوائق الخطية والموت؟ إن أولى البركات للمؤمن البار هي انتهاء الخطية وأسباب الخطية، أي تحريض الجسد على الخطية. فالشيطان يعرض بضاعته عن طريق عرض ملذات الخطية، والجسد يستجيب، والعالم يُضلُّ. أما في السماء، فلا توجد شهوات جامحة، ولا خطية، ولا الألم الذي يتبع الخطية، ولا الحزن، ولا المرض، ولا الموت الذي هو نتاج المرض والألم. كما لن يكون أي اضطراب عقلي أو عصبي، ولا الفساد الأخلاقي، ولا تأثيرات الأشرار: «هناك يكفُّ المنافقون عن الشَّغْب» (أيوب 3: 17). والأبرار سوف يكونون منفصلين عـن «الكـلاب والسَّحَرة والزنـاة والقَتَلَـة وعَبَدَة الأوثان، وكـل مَن يُحِبُّ ويصنع كذباً» (رؤ 22: 15). انعدام الغواية:- في السماء لن تكون غواية لا للجسد ولا للنفس، بل مع وجود الحرية الكاملة، فلن يكون هناك حساسية قلق ولا خطية. فبسبب غياب الغواية، فهناك تكون الحرية من إمكانية الخطية. ففي السماء لا إمكانية للخطية بسبب عدم وجود الموت. وكما يقول القديس أُغسطينوس: [فالسعادة تبقى ناقصة غير كاملة إذا لم يكن هناك غيابٌ للخطية] فالأجساد المُمجَّدة في المدينة السماوية قد وُعِدَت بالتحصُّن ضد غوايات الزنا، والجوع، والعطش، والقلق على الجسد العتيق، كما وُعِدَ في أسفار العهد الجديد: (رؤ 7: 16؛ 1كو 6: 13؛ مت 22: 30؛ 1كو 15: 43،42). الراحة من الجهاد:- يصف القديس بولس في رسالته للعبرانيين الحالة النهائية للأبرار بأنهم: «... يدخلوا راحتي» (عب 4: 1-6)، أي الراحة من حروب الجهاد ضد الخطية. إنها راحة من تناقضات الوجود البشري تحت أغلال الخطية. هذه الراحة ليست تراخياً أو كسلاً، بل حيوية الانفكاك من أغلال غوايات الخطية، بسبب قيامة الأجساد بطاقة روحية عالية، هي طاقة التحرُّر من الخطية والموت. إنها راحة التسبيح أكثر من كونها كسلاً أو نوماً (رؤ 14: 3؛ 1كو 12: 9) وبعد الدينونة النهائية، فلن يُصيب المؤمن أسباب ونتائج الخطية، إذ يكون قد تحرَّر من كل ما يمكن أن يصرف النفس عن التحديق في الله، أو يفصم الإنسان عن الاتحاد بالله؛ ولكن دون دموع أو آلام أو قيود تُسبِّبها الخطية: «وسيمسح الله كل دَمعة من عيونهم، والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت» (رؤ 21: 4) والنفس التي تعبت لن تجد راحتها إلاَّ في الحضن الإلهي، ولن تطلب إلاَّ شيئين اثنين أكثر من أي شيء آخر: أن تتمتَّع – بلا توقُّف – باتحادها وشركتها في الله بـالروح القدس الذي هو الله، وأن تكون متحصِّنة ضد كل شك في حقيقة أنها ستبقى للأبـد في هــذا الحضن الإلهي آمين. (يتبع)
المزيد
05 سبتمبر 2024

بدعة الرسليين(شهود يهوه فيما بعد)

مؤسّسها شارل تاز رسل Charles Taze Russel (1852-1916) وهو تاجر أميركي ميسور الحال، قادته الصدف وهو بعد حدثاً إلى الاتصال بجماعة المجيئيين فانضمّ إليهم، وعنهم أخذ حب دراسة الأسفار المقدسة، وخصوصاً النبوّات المدوّنة فيها في أثناء انكبابه على دراسة الكتابات المقدسة استخرج رسل (Russel) عدة نبوّات عن مجيء المسيح ثانية، وابتداء الحكم الألفي، متوهماً أنّ باستطاعته تحديد تاريخ مجيء المسيح بالضبط. وقد حمله الحماس على تكريس وقته للتأليف والنشر، فأصدر عدة كتب، أضخمها كتاب في سبعة مجلدات، ضمنها أبحاثاً مسهبة غامضة، وتآويل مبهمة في غالبية موادها. ومع أنها مسندة بشواهد كثيرة من الكتاب المقدس، إلا أنها جاءت مخيّبة أمل القارئ المدقق، لأنّ تلك الشواهد كُلّفت بإثبات أمور لا علاقة لها بالمواضيع المدرجة. ولعل أسوأ ما في الأمر، هو محاولته تفسير النصوص وفقاً لأهوائه. وبذلك فرض على الكتاب المقدس أن يتكلّم بما ليس فيه وزيادة على ذلك أصدر رسل (Russel) عدداً وفيراً من النبذ والجرائد، أطلقها بعد حملة دعائية صاخبة في الصحف، وفي السينما حيث عرض فيلماً بعنوان «مسرح الخليقة» وبديهي أن يؤخذ رسل بالزهو، وحتى ليحمل على الادّعاء بأنّ مؤلفاته أعظم ما وجد في العالم بعد هذه الحملات الدعائية. ولكنّ هذا الزهو كان أمام الحقيقة كفقاعات الصابون أمام الهواء. ففي العام 1916م مات مشككاً، لأنّ شيئاً مما تنبّأ به لم يتم. وهكذا ذهبت كل تفسيراته للنبوّات أدراج الرياح، وتبعاً لذلك صار مجلّده السابع في دراسة الكتاب المقدس قبضة من الريح. نشاطات الرسليين 1872م. - في هذا العام وجّه رسل دعوة إلى أصدقائه، فاجتمعوا في مدينة بتسبرغ للاشتراك معه في دراسة شاملة للنبوّات عن مجيء المسيح الثاني، وإقامة ملكوت الله على الأرض. وبعد الدرس الموسّع، حُدّد عام 1874م. تاريخاً أكيداً لمجيء المسيح. 1874م. - في هذا العام مُني رسل بخيبة أملٍ أخرى كبرى لأنّ نبوّته عن المجيء الثاني لم تتحقق. وبديهي أن يحصد خيبة مؤلمة كهذه، لأنّه في تفسيره النبوات لم يُقِم وزناً لما قاله الرب في إنجيله بحسب (متّى 24: 36). حيث أكّد الرب أكثر من مرة أنّ أحداً لا يعلم اليوم والساعة التي يأتي فيها. 1876م. - في هذه السنة، زعم رسل أنّ المسيح جاء فعلاً وإنّما بصورة غير منظورة. وقصده من هذا الزعم أن يغطي الفشل الذي أصابه. ولكن محاولته هذه لم تنجح، لأنها صُدمت بالحقائق الواردة في سفر أعمال الرسل ورسائل بولس، التي تصف الكيفية التي فيها يجيء المسيح. 1878م.- في هذه السنة شعر رسل بأنّه بلغ حداً من القوّة بحيث يستطيع العمل في معزل عن المجيئيين، فانفصل عنهم مع محبّذيه من الأصدقاء. 1879م. - في هذه السنة أصدر رسل العدد الأول من مجلة «برج المراقبة»، التي ما زالت تصدر بمقالات شتى بأقلام جماعة شهود يهوه. 1880م. - في خلال هذه السنة، أصدر رسل منشوراً حدّد فيه نهاية هذا العالم الشرير، وذلك سنة 1914م. - وهذا التاريخ صار فخّاً لكثيرين، بسبب إندلاع نار الحرب العالمية الأولى. فانجذب العديد من الناس إلى تصديق زعمه. فحدث اضطراب لدى الكثيرين مما حملهم على تصفية أعمالهم، والتصرف بثرواتهم، بحيث لم يبقوا معهم من المال إلا ما ظنّوه كافياً إلى الوقت الذي فيه يُخطَفون لملاقاة الرب في الهواء (1 تسالونيكي 4: 17). 1898م. - في هذا العام، تقرّب ألكسندر فرايتاغ من الرسليين، وهو سويسري تأثر بتعاليم الرسليين إلى حد بعيد. إلا أنّه لم يلبث حتى خرج عن طور التابع إلى طور المعلّم الذي يفرض آراءه الشخصية. ومع أنّ أفراد هذه الجماعة أهملوا أفكاره عدّة سنوات إلا أنها أخذت تظهر ابتداءً من العام 1917م. 1904م. - في هذه السنة رفع المعتبرون من هذه الشيعة شارل تاز رسل إلى رتبة القسوسية، وذلك في حفل عظيم. 1909م. - نقل الجماعة مقرّ جمعيتهم في هذا العام من بتسبرغ إلى نيويورك (بروكلن) وهنا ارتأوا أنّه من المفيد لتسللهم بين المسيحيين أن يزيلوا عنهم اسم الرسليين، وأن يطلقوا على أنفسهم اسماً جديداً عليه طلاء من الشرعية. وكان الاسم المختار: (جمعية تلاميذ التوراة). 1914م. - لم تحدث في هذا العام نهاية العالم الشرير واختطاف الكنيسة كما تنبّأ رسل، بل إلى جانب الكارثة التي حلّت بالعالم من جرّاء الحرب، أتى هذا العام بكارثة أشدّ هولاً بالنسبة لتلاميذ التوراة، لأنّ نبوّاتهم لم يتحقق منها شيء، الأمر الذي أثار اليأس في نفوس المشرفين على الجمعية، فانفرط عقدهم إلى حين. 1916م. - في الربع الأخير من هذا العام توفي شارل تاز رسل، فانقسمت الجمعية على ذاتها، وتوزّعت في فِرَقٍ شتّى يربو عددها على العشرين، ادّعت كل واحدة منها أنها هي الوارثة الشرعية لعقيدة القس المتوفَّى. وبالرغم من اختلاف أوجه التعليم في ما بينها زعمت كل فرقة أنها الحائزة على الحقيقة وحدها ومع أنّ الحركة مُنيت بالانقسام، فقد بقي عدد كبير منها موالياً لرسل. وهؤلاء الموالون تجمّعوا حول القاضي روتفورد، وأقاموه رئيساً عليهم. وقد تميّز هذا الرجل بنشاط واسع في عالم الكتابة، فألّف عدة كتب. منها: قيثارة الله، المصالحة، النجاة، الخليقة، حياة، خلاص، الأعداء، يهوه. يُضاف إلى ذلك عدد كبير من النبذ في تلك الحقبة من الزمن وجد فرايتاغ أنّ الفرصة قد سنحت له لكي يستغلّ مكانته كمشرف على مكتب الجمعية ليبثّ أفكاره الشخصية التي تجاوزت في ضلالها كل تعاليم رسل. 1917م. - نشر فرايتاغ في هذا العام بعضاً من أفكاره الشخصية على صفحات مجلته الأسبوعية، فأثار بذلك حفيظة زملائه، فهبّوا لمقاومته بكل عنف. 1920م. - في هذه السنة أُثيرت حملة عنيفة ضد أفكار فرايتاغ، فهبّ للدفاع عن نفسه بمجموعة من المنشورات الشديدة اللهجة. ثم لم يلبث أن تحوّل إلى الهجوم، مقرراً أنّ مشايعي روتفورد هم كنيسة لاودكية المرتدة الفاترة التي عزم الرب على أن يتقيأها من فمه. واتهمهم بتحوير تنبؤات رسل عن مجيء المسيح الثاني، من 1914 إلى 1918م. فانبرى له القاضي روتفورد، ونشبت بينهما مشادة عنيفة، انتهت أخيراً إلى الانفصال عندئذٍ أنشأ فرايتاغ شيعة مضللة جديدة سمّاها «أصدقاء الإنسان». وسنّ لها قوانين جعلتها من أشد الهرطقات ضلالاً. ولكن جمعيته نفسها لم تدم طويلاً حتى انقسمت بعد وفاته، بسرعة لم تكن متوقعة. وقد ذُهل أصحابه فعلاً، لأنّه كان يزعم بأنّ الحياة الأبدية بالنسبة لمن يسمع تعليمه ستكون على الأرض. 1931م. - بعد أن انفصل فرايتاغ عن جمعية تلاميذ التوراة، عقيْب الضجة التي انطلقت خلال المشادات، وجد القادة أنهم لا يستطيعون بعد الآن البقاء تحت الاسم القديم. لذلك عقدوا مؤتمراً عاماً في هذا العام برئاسة روتفورد قرروا فيه: أولاً: تغيير اسم شيعتهم، فدعوا أنفسهم «شهود يهوه». ثانياً: متابعة إصدار منشوراتهم باسم «الجمعية العالمية لتلاميذ التوراة» كتاب (ليكن الله صادقاً، الذي نشر بالفرنسية عام 1948م). 1939م. - ظهرت خلال هذا العام نشرات ونبذ جديدة تختلف بالشكل عن منشورات شهود يهوه، ولكنّها تتفق بروحها مع تعاليم رسل المضلّة. وتلك النشرات وزّعها أناس ينتمون إلى فرقة جديدة من فِرَق تلاميذ التوراة دعت نفسها «الفجر» أحياناً ورسل الفجر الألفي أحياناً أخرى. 1942م. - توفّي القاضي روتفورد في 8 كانون الثاني (يناير) من هذا العام، فانتقلت زعامة شهود يهوه إلى ناثان كنور، الذي كان قبلاً يشغل رئاسة قسم الدعاية في الجمعية. وهو الذي أسّس مدرسة برج المراقبة، التي يتخرّج منها عدد ضخم من مبشّري شهود يهوه كل سنة. 1947م. - في هذا العام توفّي ألكسندر فرايتاغ، الذي زعم أنّه لن يرى الموت. ولذا كان موته المفاجئ خيبة قاسية لأتباعه من «أصدقاء الإنسان» الذين صُدموا، وغزا الشك قلوبهم، وزرعت التفرقة بينهم، بحيث أنهم لم يستطيعوا أن يختاروا خلفاً للمتوفّى ليرعى قطيعهم. ولكن قسماً كبيراً منهم التفّ حول المدعو رافينير، فأجلسوه على كرسي الرئاسة في قصر كارتينيي في جنيف. ومن هناك أصدر العدد الأول من جريدته «معلّم ملكوت البر» أمّا الآخرون فتبعوا برنارد سايرس، الذي أُطلق عليه اسم «الراعي الأمين» وجعل فرنسا مقراً دائماً له. ومن هناك بدأ بإصدار جريدته «ملكوت العدل والحق» وفي هذا العام أيضاً أصدر تلاميذ التوراة «رسل الفجر الألفي» أول عدد من جريدتهم «الفجر» وبعد ذلك بسنوات قلائل أخذوا يبثون تعاليمهم من دار إذاعة مونت كارلو، تحت عنوان «بيير توماس». 2 - تعاليم شهود يهوه «اِحْتَرِزُوا مِنَ ?لأَنْبِيَاءِ ?لْكَذَبَةِ ?لَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ ?لْحُمْلاَنِ، وَلَكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!» (متّى 7: 15)
المزيد
03 سبتمبر 2024

الحياة الأبدية

”وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي، آمين“(قانون الإيمان) هل الأبدية ”زمن لا ينتهي“؟ إن ”الأبدية“ تفوق الزمن، إنها دائمة، بلا بداية ولا نهاية، إنها بلا توقُّف، غير متناهية الأبدية هي استمرار، دوام بلا بداية ولا نهاية أبدية الله هي عدم محدودية الله من جهة علاقته بالزمن ولكن الله الذي بلا بداية صنع ”بداية“ للخليقة الله هو «الآن وإلى كل الدهور» (يهوذا 25)، وحكمة الله كانت ”قبل الدهور“ (1كو 2: 7) الله ممجَّدٌ فوق كل حدود الزمن («قبل إنشاء العالم» - يو 17: 24؛ «قبل تأسيس العالم» - أف 1: 4؛ «قبل الأزمنة الأزلية» - 2تي 1: 9) الله يعلو فوق التوقيت الزمني، وحياته هي حاضر لا يتجزَّأ وغير قابل للانقسام الله يعرف كل الأحداث في فعل واحد من الإدراك، بعكس أنماط المعرفة المحدودة التي للمخلوقات الخاضعة للزمن. ومعرفة الله بكل شيء تحتوي كل الزمن كأنها كلٌّ واحد، ولذلك قال القديس بطرس كلماته المعروفة: «... أنَّ يوماً واحداً عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيومٍ واحد» (2بط 3: 8). وطريقة الله في معرفة الزمن كأنه حادث في وقت واحد، بدون الانغلاق الذي في الذهن البشري الذي يرى تعاقُب اللحظات من ماضٍ إلى حاضر إلى مستقبل وبعكس البشر الذين يعيشون للموت، والخاضعين للزمن، الله وحده ”الرب الإله السرمدي“ (تك 21: 33). ودوام الله يوصف بأنه «ليس عنده تغيير ولا ظل دوران» (يع 1: 17)، فدوام الله هو عدم تغيُّره، لكنه سريع الاستجابة بأمانة للبشر العائشين في إطار الزمن حسب عهده الذي يقطعه مع شعبه. فالله يعمل في الزمن الزمن يختص بالخلائق، باعتبارها متميِّزة عن جوهر الله. ومع خلقة العالم خلق الله الزمن. قبل الزمن لم يكن سوى الله كما يتأمل القديس أُغسطينوس: [لم يكن زمن، وذلك لأنك لم تكن قد خلقتَ أي شيء، ولأنك لم تكن قد خلقتَ الزمن نفسه] الأبدية ليست مجرَّد لازمن، ولا هي زمن لا ينتهي، هي زمن الله. حياة الله ليست فقط غير زمنية، بل هي اختراق الله للزمن، وهي منشغلة دائماً بالتدفُّق الرائع للزمن. أما بالنسبة للكائنات البشرية، فالعكس صحيح، فالبشر يختبرون الزمن على أنه زائل، أما الله فهو يعمل في الزمن (اقرأ مزمور 90 الذي يبدأ هكذا: «يا ربُّ ملجأً كنتَ لنا في دور فدور. من قبل أن تولَد الجبال أو أَبْدَأتَ الأرض والمسكونة، منذ الأزل إلى الأبد أنت الله»). الأبدية بدأت من هنا على الأرض بقيامة المسيح من بين الأموات: «لأن الذين استُنيروا مرة (تعمَّدوا)، وذاقوا الموهبة السماوية (التناول من جسد الرب ودمه)، وصاروا شركاء الروح القدس (مسحة الروح القدس)، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي...» (عب 6: 5،4) وهكذا نحن ننتظر ”حياة الدهر الآتي“ التي لها بداية، ولكن ليس لها نهاية، كما يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي [الله كان، وهو دائماً يكون، ودائماً سيكون، أو بالحري الله كائن دائماً أبداً. لأن ”كان“ و”سيكون“ تُعبِّران عن الأجزاء التي تخص زماننا. فالزمن عندنا يُقاسُ بالشمس، أما الأبدية فتُقاسُ بالأبدي]. الحالة النهائية للأبرار مصير الأبرار هو الحياة الأبدية في الله ومعه دائماً وإلى الأبد، بلا خطية ولا موت، وبالقدرة على التمتُّع بمجد الله. والاسم الذي ذكرته الأسفار المقدسة عن الحالة النهائية الأخيرة للمبارَكين والمُطوَّبين هي الحياة الأبدية. الحياة الأبدية: مصير الأبرار هو: ”الحياة“، وأحياناً يُسمَّى ”الحياة الأبدية“ كما في المواضع الآتية، حيث تتبادَل كلمة ”الحياة“ مع ”الحياة الأبدية“ (1تي 6: 19؛ مت 18: 8؛ وفي آية واحدة استُخدمت الكلمتان – يو 5: 24). فالله الحي يجعل هذه الحياة الجديدة بلا نهاية، وتجديدنا لهذه الحياة الأبدية بدأ في معموديتنا. وهذه الحياة الأبدية تُكمِّل عمل النعمة الذي بدأ معنا في هذه الحياة الحاضرة. وكما يقول القديس هيلاريون أسقف بواتييه، فإنَّ جذور وثمار توبتنا عن الخطية سيُحقِّق قصد الله من الخليقة، والتجسُّد، والفداء، وتكميل خطة الله لحياتنا الأبدية. الحياة الأبدية في حياتنا الحاضرة: إن مفتاح الدخول في الحياة الأبدية مع الله هو ”الحياة“ التي أرسلها لنا الله في ابنه، والتي نتمتع بها في الكنيسة من خلال الأسرار حسب قول يوحنا الرسول: «أيها الأحباء، الآن نحن أولاد الله، ولم يُظهَر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أُظهِر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو» (1يو 3: 2). وكلمة ”مثله“ تعني أن رؤيتنا للمسيح في مجيئه الثاني كما هو قائماً من بين الأموات وحيّاً إلى الأبد، ستنطبع علينا فنصير قائمين للحياة الأبدية وحقيقة تمتُّعنا منذ الآن بهذه الحياة هو حسب الوعد: «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية» (يو 3: 36)، وأيضاً: «الله أعطانا حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه. مَن له الابن فله الحياة» (1يو 5: 12،11). واختبار هذه الحياة يختبرها المؤمن بكل المقاييس بالإيمان ومن خلال الرجاء وفي المحبة فإن كانت مواهب النعمة مثل الفرح الروحي الذي نناله في هذه الحياة هي عربون وبكور ثمار الروح القدس، فإنَّ الحصاد الكامل سوف نجنيه بالكامل وبوفرة في الأبدية، كما يُعبِّر عن هذا الاختبار القديس بولس: «نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضاً نئنُّ في أنفسنا، متوقِّعين التبنِّي فداء أجسادنا» (رو 8: 23)، وأيضاً: «إذ آمنتم، خُتمتُم بروح الموعد القدوس، الذي هو عربـون ميراثنـا، لفداء المُقْتَنَى لمدح مجده» (أف 1: 14،13). مساكن الأبرار في الكتاب المقدَّس يُطلَق اسم ”السماء“ و”السموات“ على مساكن الأبرار في الحياة الآتية هناك حيث يرى القدِّيسون الله. وكلمة ”السماء“ من فعل ”يسمو“ أي ”يرتفع“ عن الأرض التي هي مسكن الخلائق والبشر الذين يموتون. أما الله فلا يَسَعه مكان، لكنه أسمى من أيِّ مكان، فهو في كل مكان. لكن المقصود بالسماء الحالة الأسمى التي تفوق حالة عالمنا الأرضي من جهة محدودية المكان والزمان والجسد والحياة. فالسماء هي ما يسمو ويعلو ويستعصي على حواسنا ومحدودية أفكارنا الآن نحن العائشين في هذا الجسد الترابي. فمساكن الأبرار هي الحالة التي سيتجلُّون فيها، فيستطيعوا أن يروا الله والأمجاد الإلهية التي الآن «ما لم تـَرَ عين، ولم تسمع أُذن، ولم يخطر على بـال إنسان» (1كو 2: 9). وهو يقصد العين والأُذن والبال أو الفكر الذي في الكيان الجسدي الحالي. فـ ”ملكوت الله“ هو الذي سيراه ويسمعه ويخطر على قلب الأبرار الذين سيُوهبون جسد القيامة المُمجَّد الذي يمكنه أن يرى ويسمع ويخطر على فكره وقلبه الحياة العُليا الفائقة على حواس هذا الجسد الذي نلبسه الآن ففي الإيمان المسيحي، السماء هي كِلا المكان والحالة التي فيها يذوق الإنسان البار الراحة الأبدية والفرح الدائم في الرب. وهي التي يُعبِّر عنها القديس بولس: «نكون كل حين مع الرب» (1تس 4: 17)، «أكون مع المسيح» (في 1: 23)، «نتغرَّب عن الجسد ونستوطن عند الرب» (2كو 5: 8). فالسماء هي حيث يرى الأبرار المطوَّبون وبرؤيا جليَّة، يرون الله بانعكاس نور مجده عليهم، ويتمتعون ببركات هذا المجد الإلهي (مت 5: 12؛ 6: 20؛ لو 6: 23؛ 1بط 1: 4). إنها حياة السمو الأعلى عن الحياة الأرضية التي نعيشها الآن، الفائقة جداً حيث حضرة الله السماء هي موضع وحالة المجد والفرح والسلام ما لا يمكن النُّطق به. وعلاماته الجليَّة: النشوة الروحية، القداسة، النور البهي، رؤيا الله، السعادة الفائقة على سعادة الجسد، حضور الرب يسوع المسيح، وكما يصف ذلك سفر الرؤيا: «الذين أسماؤهم مكتوبة في سِفْر الحياة» (رؤ 17: 8). إنهم «أرواح أبرار مُكمَّلين» (عب 12: 23). وباختصار، فالسماء هي الحياة التي أرادها الله الآب لنا، أولاً في خلقته الأولى، حيث نعيشها في الابن، ونُكمِّلها بالروح القدس. والسماء هي المشاركة الكاملة في صلاح الله وطوبانيته والتي لا تنتهي، وكل هذا بسبب الاتحاد بالله. رؤيا الله: هكذا قيل عن المؤمنين حينما يبلغون حياة الدهر الآتي: «وهم سينظرون وجهه» (رؤ 22: 4)، وأيضاً: «... ولكن حينئذ (سننظره) وجهاً لوجه» (1كو 13: 12). والقديس يوحنا يقول: «نكون مثله، لأننا سنراه كما هو» (1يو 3: 3) كل هذه التصريحات مبنية على تعليم المسيح نفسه لتلاميذه، ما هو مسجَّل في أسفار العهد الجديد وما سمعه التلاميذ من المسيح نفسه: «طوبى للأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله» (مت 5: 8). والمسيح صلَّى للآب لكي يرى المؤمنون مجده: «أيها الآب أُريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم» (يو 17: 24). وهذا ما يعمله الملائكة دائماً، الذين قال عنهم المسيح عند حديثه عن الصغار: «إن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات» (مت 18: 10) إن رؤيا الله في حدِّ ذاتها تبعث السعادة والطوبانية في النفس. وكما يقول القديس كليمندس الإسكندري: [إن التطويب الأساسي للمطوَّبين هو رؤيا الله، والتحديق الكامل في صفاته] وتقول القديسة ماكرينا للقديس غريغوريوس النيصي شقيقها الأصغر بأن المطوَّبين سوف يصيرون مثل الله على قدر ما يُحدِّقون في طوبانية الله: [النفس وهي في حالة الطهارة تبلغ إلى شَبَهه (غاية خلقة الله للإنسان على صورته - تك 1: 27)، وهي تُعانقه كمَن يُعانق نفسه]. والنفس سوف [تعرف نفسها على نحو دقيق وحقيقة طبيعتها، وسوف تنظر الطوبانية الأصلية التي انعكست كما في مرآة على طوباويتها هي]. المدينة المنيرة: «يُضيء الرب بوجهه عليك» (عد 6: 25؛ مز 67: 1). يُشبَّه الموضع والحالة التي سيكون عليها الأبرار كأنها مدينة متميِّزة يُنيرها المجد الإلهي الذي سيجعل رؤيا الله ممكنة، كما يقول القديس هيبوليتس: [المدينة مليئة بالنور]. وهكذا يعيش الأبرار في النور الإلهي حينما يكون الأبرار في العالم يكونون مُفرَزين لحياة القداسة. ولكنهم بعد الموت، وحينما تتوقَّف الرؤيا القائمة على انعكاس الضوء من الأجسام المرئية، يبدأون في نظر الثالوث بوضوح بسبب انعكاس نوره غير المحدود عليهم. يُعبِّر عن هذه الحالة القديس بولس الرسول، ولكن بالتعبيرات السلبية: «ما لم تَرَ عين، ولم تسمع أُذن، ولم يخطر على بـال إنسان، ما أعدَّه الله للذين يُحبُّونه» (1كو 2: 9؛ إش 64: 4) هذه اللغة المجازية تُسمَّى أحياناً بـ ”الدَّهش“ و”رؤيا الله“. وقد عبَّر عنها القديس يوحنا الرائي بأنَّ «المدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليُضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والخروف (حمل الله أي المسيح) سراجها (مصباحها). وتمشي شعوب المًخلَّصين بنورها... وأبوابها لن تُغلَق نهاراً، لأن ليلاً لا يكون هناك» (رؤ 21: 23-25)، «ولا يكون ليل هناك، ولا يحتاجون إلى سراج (مصباح) أو نور شمس، لأن الرب الإله يُنير عليهم، وهم سيملكون إلى أبد الآبدين» (رؤ 22: 5). المعرفة والرؤيا الكاملتان: في السماء سيرى المطوَّبون ما كانوا على الأرض يُصدِّقونه بالإيمان. ولكن في السماء سيُعطَى للقدِّيسين معرفة عن الله أعمق، وأعظم بكثير من المعرفة المتقطِّعة المتناثرة التي نُحصِّلها في هذه الحياة الحاضرة، وهذا ما ورد على لسان المسيح في صلاته الشفاعية للآب: «وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلتَه» (يو 17: 3) أما المقارنة بين المعرفة التي نُحصِّلها في هذا الدهر وبين المعرفة التي سيُنعَم بها علينا في الدهر الآتي فيصوِّرها القديس بولس هكذا: «فإننا ننظر الآن في مرآة، في لُغْز، لكن حينئذ وجهاً لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأَعرِف كما عُرِفتُ (أي كما يعرفني الله)» (1كو 13: 12). فالمطوَّبون يسلكون الآن في العالم ”بالإيمان، وليس بالعيان (بالرؤيا البشرية)“ (2كو 5: 7) هذا الإيمان سيتحوَّل إلى معرفة كاملة بالتلاقي مع الله وجهاً لوجه حسب قول المسيح: «وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلتَه» (يو 17: 3). ويقول القديس غريغوريوس النيصي: [العقل سوف يستنير مباشرة بنور مجد الله] هذه الرؤيا بدأت هنا على الأرض في المؤمنين، ولكن بنوع مُعيَّن: «ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغيَّر إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح» (2كو 3: 18) فإن كان القديس بولس استطاع أن يقول هذا عن هذه الحياة الحاضرة، فماذا سيحدث حينما سنرى – ليس كما في مرآة – بل وجهاً لوجه؟ وإن كان القديس بطرس استطاع أن يكتب إلى مختاري الله: «الذي وإن لم تَرَوْه تحبُّونه. ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد، نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس» (1بط 1: 9،8)؛ فماذا يا تُرَى سيكون نوع الرؤيا التي سنأخذها في الأبدية؟ إنه بالنسبة للمعرفة الحاضرة، فأجسادنا الممجَّدة في الدهر الآتي لابد سوف تتجلَّى لتُناسب هذه الرؤيا الجديدة الخارجة والمختلفة عن الرؤيا البشرية في هذا الدهر. (يتبع)
المزيد
29 أغسطس 2024

بدعة الدوسيتية - Docetism

الدوسيتية كما جاءت في اليونانية " Doketai - δοκεται "، من التعبير " dokesis - δοκεσις " و " dokeo - δοκεο " والذي يعني " يبدو "، " يظهر "، " يُرى "، وتعني الخيالية Phantomism،وهي هرطقة ظهرت في القرن الأول، على أيام رسل المسيح وتلاميذه، وقد جاءت من خارج المسيحية، وبعيداً عن الإعلان الإلهي، وخلطت بين الفكر الفلسفي اليوناني، الوثني، والمسيحية وقد بنت أفكارها على أساس أن المادة شر، وعلى أساس التضاد بين الروح وبين المادة التي هي شر، في نظرها، ونادت بأن الخلاص يتم بالتحرر من عبودية وقيود المادة والعودة إلى الروح الخالص للروح السامي، وقالت أن الله، غير مرئي وغير معروف وسامي وبعيد جدا عن العالم، ولما جاء المسيح الإله إلى العالم من عند هذا الإله السامي ومنه، وباعتباره إله تام لم يأخذ جسدا حقيقيا من المادة التي هي شر لكي لا يفسد كمال لاهوته، ولكنه جاء في شبه جسد، كان جسده مجرد شبح أو خيال أو مجرد مظهر للجسد، بدا في شبه جسد، ظهر في شبه جسد،، ظهر كإنسان، بدا كإنسان، وبالتالي ظهر للناس وكأنه يأكل ويشرب ويتعب ويتألم ويموت، لأن الطبيعة الإلهية بعيدة عن هذه الصفات البشرية. بدا جسده وآلامه كأنهما حقيقيان ولكنهما في الواقع كانا مجرد شبه ولم يكونوا مجرد جماعة واحدة بل عدة جماعات، فقال بعضهم: 1 - أن الأيونAeon، إي الإله، المسيح، جاء في شبه جسد حقيقي. 2 - وأنكر بعضهم اتخاذ أي جسد أو نوع من البشرية على الإطلاق. أي كان روحاً إلهياً وليس إنساناً فيزيقياً. 3 - وقال غيرهم أنه اتخذ جسدا نفسيا Psychic، عقليا، وليس ماديا. 4 - وقال البعض أنه اتخذ جسداً نجمياً Sidereal. 5 - وقال آخرون أنه اتخذ جسدا ولكنه لم يولد حقيقة من امرأة. وجميعهم لم يقبلوا فكرة أنه تألم ومات حقيقة، بل قالوا أنه بدا وكأنه يتألم وظهر في الجلجثة كمجرد رؤيا.
المزيد
22 أغسطس 2024

بدعة التبنوية

التبنّويّة (Adoptianisme) الاتجاه الثاني الخاطئ الذي يؤدّي إلى إنكار ألوهية المسيح انطلق أيضاً من التمسّك بوحدانية الله، فأنكر الثالوث الأقدس، واعتقد أن يسوع المسيح ليس سوى إنسان تبنّاه الله ومنحه سلطة إلهيّة لتتميم رسالته لقد سار في هذا الاتجاه منذ القرن الأول بعض النصارى من اليهود، الذين آمنوا أن يسوع هو المسيح، لكنهم رفضوا الاعتراف بأنه ابن الله المولود من الآب منذ الأزل. ومن بين هؤلاء اليهود النصارى يذكر القديس ايريناوس في القرن الثاني بدعة الابيونيين الذين كانوا يقولون ان يسوع هو مجرّد إنسان وُلد من مريم ويوسف، وانه كان أقدس جميع الناس، وقد حلّ عليه في أثناء معموديته كائن سماوي هو المسيح وتلك البدعة لم تكن تعترف إلا بإنجيل متّى، وكانت تعتبر بولس الرسول كافراً وترفض كل رسائله وتعاليمه، وتلتزم جميع تعاليم الناموس الموسوي ووصاياه وفي أواخر القرن الثاني، دعا أيضاً إلى إنكار ألوهية المسيح ثيوذوتس البيزنطي الذي جحد إيمانه في أثناء اضطهاد حدث ضد المسيحيين، فهرب من بيزنطية والتجأ إلى رومة؛ ولتبرير جحوده قال انه لم ينكر إلهاً، بل أنكر إنساناً، لأن المسيح ليس سوى إنسان وأشهر القائلين ببدعة التبنوية التى دُعيت كذلك لأنها تقول ان يسوع هو مجرّد إنسان تبنّاه الله، بولس السميساطي الذي نشأ في "ساموساطة" في ما بين النهرين على الفرات، ثم صار أسقفاً على انطاكية من سنة 260 حتى سنة 272، حين حرمه مجمع محلّي وأقاله عن كرسيّه وكان يقول ان الله والكلمة شخص واحد كالانسان الذي يكوّن هو وفكره شخصاً واحداً أما يسوع فاعتبره مجرّد إنسان متّحد بالله اتحاداً عرضياً فالله قد ملأه، اكثر من سائر الأنبياء، من الحكمة الإلهية والقوة الإلهية. فلا مانع إذاً من أن ندعوه إلهاً، ولكن ليس بصورة بيانية لذا كان أتباع بولس السميساطي يذكرون اسم الآب والابن والروح القدس في إتمام سرّ المعمودية، ولكنهم لم يستعملوا تلك الكلمات بمعناها الحقيقي لذلك حدّد القانون 19 من قوانين المجمع المسكوني الأول المنعقد في نيقية سنة 325: "ان أتباع بولس السميساطي اللاجئين الى الكنيسة الجامعة، يجب أن تعاد معموديتهم" إن ما أرادت الكنيسة تأكيده في رفضها تعاليم بدعة التبنّوية هو أنّ يسوع ليس مجرّد إنسان لو كان يسوع فقط إنساناً مثلنا، لكان أيضاً مثلنا في علاقته بالله وعندئذٍ يمكننا أن نتسائل: لماذا نتبعه هو، ولا نتبع معلماً آخر؟ ولماذا نبشّر به وندعو الناس إلى أن يعتمدوا باسمه؟ يعلن الايمان المسيحي أن علاقة الانسان بالله يجب أن تمرّ بالمسيح، لأنّ المسيح لم يكن مجرّد إنسان كسائر الناس، ولا مجرّد نبيّ كسائر الأنبياء، واتحاده بالله لم يكن اتحاداً عرضياً، بل كان اتحاداً جوهرياً: انه من ذات جوهر الآب. وهذا ما ستؤكده الكنيسة بوضوح في رفضها تعاليم آريوس.
المزيد
15 أغسطس 2024

بدعة أفوديوس

فى حوالى عام 370م عشق رهبان نتريا فكر العلامة أوريجانوس فى التفسير وحفظ كثير منهم كتابات العلامة المصرى أوريجانوس، وكان الأخوة الطوال فى مقدمة هؤلاء الذين حفظوا عن ظهر قلب الملايين من سطور كتابات أوريجانوس، وإشتهر الإخوة الطوال بالقداسة والنسك والزهد الشديد، وسجل التاريخ نضالهم ضد الأريوسية وذهب أحدهم مع البابا أثناسيوس الرسولى إلى نيقية، وكانوا على علاقة طيبة مع كل من البابا أثناسيوس الرسولى 20، والبابا تيموثاوس 21، وكانوا على علاقة طيبة مع البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 حتى عام 400م وكان قد احبهم واكرمهم فرسم ديسقوروس أسقفاً على هرموبوليس، وأراد أن يرسم أخاً آخر منهم أسقفاً إلا أنه قطع اذنه، ورسم الأثنين الباقيين كاهنين عنما رفضاً الأسقفية وأراد البابا أن يبقيهما بالأسكندرية ولكنهما فضلا سكنى البرية وفى شقوق الأرض لممارسة عباداتهم الروحية. وقوع اغلبية من الرهبان فى بدعة وهرطقة تصور شكل الله الإنسانى فى منطقة الأسقيط حيث كان يتواجد أعداد كبيرة من الرهبان وكانوا فيما يبدوا على درجة بسيطة من العلم، رفضوا التفسير الرمزى الأوريجانى رفضاً قاطعا بل أنهم إعتبروا الرهبان الذين يأخذون به أعداء وهراطقة، وقاموا بتفسير العهد القديم تفسيراً حرفياً فتصورا أن الإله له وجه وعينان وأيدى وأعضاء جسدية وفسروا بعض الايات التى وردت فى العهد القديم بلغة يفهمها البشر بتفسير حرفى كقول العهد القديم إسجدوا عند موطئ قدميه (مز99: 5) عيناى على أمناء الأرض... المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عينى (مز 101: 6، 7) يداك صنعتانى وأنشأتانى (مز119: 73) أضئ بوجهك على عبدك وعلمنى فرائضك (مز114: 135) وهكذا سقطوا فى بدعة جديدة إعتنقوا فكر تجسيم شكل الإله أو تصور شكل الإله الإنسانى Anthropomorphism كان رأس وقائد هذه البدعة أفوديوس من بين النهرين وجر ورائه الكثيرين من الرهبان... وحدث نزاع فكرى بين الوريجانيين من جهة وأصحاب هرطقة تصور شكل الإله الإنسانى Anthropomorphism كم جهة أخرى وأصبح هناك حزبين من الرهبان وكثر اللغط والكلام حول هل للإله أعضاء جسدية؟ وهكذا أصبح فى مصر فريقان من الرهبان فريقاً وصل إلى أقصى درجات العلم فى التفسير وهو الفريق الذى تبنى التفسير الرمزى الأوريجانى وآخر فريقا من الرهبان جاهلاً تصور أن للإله أعضاء جسدية حسية وكان للأسف الرهبانمن أصحاب بدعة تصور شكل الإله الإنسانى Anthropomorphism هم الأكثر عدداً وقوة، فقد كان التعلم فى الأزمنة القديمة لا يقدر عليه إلا الأغنياء وكان يعتبر شكلاً من أشكال الرفاهية.
المزيد
08 أغسطس 2024

بدعة أفلوطين

الأفلاطونية الجديدة ماخوذه من الفلسفات اليونانية القديمة مثل الأفلاطونية (Platonism). واعتبار أن اللوغوس إله، ولكنه إله مخلوق وليس من جوهر الآب. وإنه كائن وسيط بين الله الإله الحقيقى (الآب) وبين العالم المخلوق لأنه لا يليق أن يتصل الله بالخليقة ووجد بعض الناس في طيماوس لأفلاطون قوتاً قامت به أنفسهم فانتعشت. فأكدوا قوله بالواحد الأوحد. وقالوا بالثنائية الأفلاطونية ففرقوا بين النفس والجسد. وجعلوا من أسطورة أفلاطون في الحياة بعد الموت عقيدة وتقبلوا نظريته في الوسطاء بين الله والبشر. وأكدوا أن رائد الإنسان إنما هو أن يصير مشابهاً لله. فظهرت في مصر وسورية أفلاطونية جديدة كان لها شأن كبير في عالم الفكر حتى أواخر القرن الخامس. أفلوطين: أشهر المؤسسين في هذا الحقل. ولد في مصر في ليقوبولس في سنة 204. وبدأ دروسه الفلسفية في سن الثامنة والعشرين في مدينة الإسكندرية. ولكن ما لقيه في هذه الدروس خيّب أمله. واعترف بذلك إلى أحد أصدقائه فقدمه هذا فوراً إلى أمونيوس سكاس. فعادت رغبته إليه. وبعد أن قضى إحدى عشر سنة في معية هذا المعلم علم أن الأمبراطور غورديانوس فتح أبواب هيكل يانوس في رومة ليعلن الحرب على ساسان. فصمم الفيلسوف الطالب على الالتحاق بهذه الحملة العسكرية ليسمع عن حكمة الفرس والهنود. والتحق بجيش غورديانوس ووصل معه إلى الفرات. ثم تمرد الجند واغتالوا الأمبراطور عند الصالحية فعاد أفلوطين إلى أنطاكية (244) وزار أبامية ليطلع عن كثب على فلسفة نوميانوس. ثم توجه من أنطاكية إلى رومة وبدأ يعلم فيها. وتميز بسمو أخلاقه ونفاذ بصيرته فصادف نجاحاً وأقبل على الأخذ عنه عدد من أفراد الأسر العالية وكثر عدد طلابه وتنوعوا. وعارضه بعضهم واتهموه بانتحال نومانيوس فردّ أميليوس برسالة يبين فيه الفرق بين الاثنين. وجرؤ آخرون من طلابه الغنوسيين المسيحيين على أفلاطون نفسه فقالوا أنه لم يستبطن كنه الماهية المعقولة. فثارت ثائرة أستاذهم ورد عليهم في سنة 264 برسالة سجل فيها موقفه من هؤلاء المسيحيين وانتقدهم في رأيهم في العالم والإنسان والخلاص. واتهمهم باستنباط أشياء لا تمت بصلة للثقافة اليونانية القديمة. فقد جاء في الفصل الثامن من الرسالة: "بأن التساؤل عن سبب وجود العالم يعني التساؤل عن سبب وجود النفس وعن سبب إنتاج الإله الخالق الذميورغوس. وهذا التساؤل يعني بدوره الاعتراف ببداية الذي كان موجوداً دائماً. وهذا الاعتراف يعني بالتالي أن هذا الذي كان دائماً موجوداً قد أصبح سبب وجود نتاجه بعد أن تغير هو نفسه وتطور أي أنه قد لحقه التغير والتحول، وهو ممتنع" ومما قاله أفلوطين في رسالته هذه أن هؤلاء يعتبرون أنفسهم موضوع عناية خاصة وينسون أن هذه العناية كلية جامعة تشمل جميع الكائنات وتسهر على الكل لا البعض فقط والدليل على ذلك هو الوجود نفسه المرفق بالحكمة وأخذ أفلوطين على هؤلاء -المسيحيين الغنوسيين- أيضاً أنه لم يكن لديهم رأي واضح في الفضيلة وأنهم تجاهلوا آراء القدماء في هذا الموضوع فأهملوا النظر في كيفية اكتساب الفضيلة وكيفية ابراء النفوس وتطهيرها.
المزيد
01 أغسطس 2024

بدعة إعادة معمودية الهراطقة

هل الراجعين من الهرطقة يجب أن يتطهروا بالمعمودية؟ كيف نادى كبريانوس ومن معه من الأساقفة بأن الراجعين من الهرطقة يجب أن يتطهروا بالمعمودية؟ قال المؤرخ يوسابيوس القيصرى (1): وأول كل شئ اصر كبريانوس راعى كنيسة قرطاجنة، على أنهم يجب أن لا يقبلوا إلا إذا تطهروا بالمعمودية من زلاتهم، ولكن أستفانوس أشتد غضبه ورآه غير ضرورى إدخال أيه بدعة تخالف التقليد السارى منذ البداية. الرسائل التى كتبها ديونيسيوس عن هذا الموضوع: وإذ راسله ديونيسيوس بتوسع بصدد هذا الموضوع، بين له أخيراً بأنه طالما كان الإضطهاد قد خفت وطأته فإن الكنائس فى كل مكان بدعة نوفاتوس وصارت فى سلام بين بعضها البعض، وقد كتب ما يلى: الهدوء الذى جاء عقب الإضطهاد: 1 - لكن أعلموا الآن يا أخوتى أن جميع الكنائس فى الشرق، وما بعد الشرق، التى كانت منقسمة، قد أتحدت كلمتها، وأصبح جميع ألأساقفة فى كل مكان برأى واحد، مغتبطين جداً بالسلام الذى جاء، فوق ما كان منتظراً، هكذا أغتبط ديمتريانوس فى أنطاكية (2)، وثيوكتستوس فى قيصرية (3)، ومازابانس فى آليا، ومارينوس فى صور (كان الأسكندر تنيح) وهليودورس فى لادوكية (بعد موت ثيليميدرس) وهيلينوس فى طرسوس، وجميع كنائس كيليكية، وفرميليانوس، وجميع كبادوكية، ولم أذكر سوى أبرز الأساقفة لكى لا تكون رسالتى طويلة، وكلماتى ثقيلة. 2 - وجميع سوريا وبلاد العرب التى ترسلون إليها المساعدات عند الحاجة، والتى كتبتم إليها ألان مباشرة، وما بين النهرين وبنطس وبيثينيا، وبالإيجاز أن الجميع فى كل مكان مغتبطون، ويمجدون الرب من أجل الوحدة والمحبة الأخوية " هذا ما ذكرة ديونيسيوس. 3 - أما أستفانوس فإذ شغل مركزة سنتين خلفه زيستوس، وقد كتب إليه ديونيسيوس رسالة أخرى عن المعمودية، بين له فيها فى نفس الوقت رأى وحكم أستفانوس والأساقفة الآخرين، وروى ما يلى عن أستفانوس: 4 - " لذلك سبق أن كتب عن هيلينوس وفرمليانوس وجميع من فى كيليكية، وكبادوكية وغلاطية والأمم المجاورة: قائلاً أنه لا يريد الإختلاط بهم لهذا السبب، أى لأنهم أعادوا معمودية الهراطقة، لكى نتأمل أهمية الموضوع. 5 - " صحيح أنه صدرت من أكبر مجامع الأساقفة - على ما أعلم - قرارات فى هذا الموضوع، متضمنة بأن القادمين من الهرطقات يجب تعليمهم، وبعد ذلك يغسلون وينظفون من الخميرة العتيقة الدنسة، وقد كتبت إليه متوسلاً من أجل جميع هذه الأمور، وبعد ذلك يقول: 6 - " وقد كتبت أيضاً بكلمات قليلة فى البداية، وبكلما كثيرة أخيراً إلى زميلينا القسين المحبوبين ديونيسيوس (4) وفيلمون (5) اللذين كانا يدينان بنفس رأى أستفانوس، وكتب إلى عن نفس الأمور " هذا ما قيل عن المناقشة السابق ذكرها. سقطة الهراطقة الشنيعة / الرؤيا الإلهية التى رآها ديونيسيوس والقانون الكنسى الذى قبله. 1 - وقد روى ديونيسيوس هذا نفسه ما يلى فى الرسالة الثانية عن المعمودية التى كتبها إلى فليمون القس الرومانى: " وقد فحصت أعمال وتقاليد الهراطقة، مدنساً عقلى وقتاً قصيراً بآرائهم الكريهة، ولكننى حصلت على هذه الفائدة منهم، وهى أننى قد فندت آرائهم بنفسى، وأزددت لهم كرهاً. 2 - وعندما حاول الأخوة من القسوس أن يمنعنى خشية أن أحمل فى تيار شرهم ونجاستهم (الذى قد يدنس نفسى) وكنت أرى أيضاً أنه يقول الحق، أتتنى من الله رؤيا شدتتنى، والكلمة التى أتتنى أمرتنى قائلة بكل وضوح: 3 -: " أقرأ ما يمكن أن تصل إليه يدك، لأنك تستطيع أن تصحح كل شئ وتمتحنه، وهذا هو سبب إيمانك من البداية " فقبلت الرؤيا على اساس أنها تتفق مع الكلمة الرسولية القائلة لمن هم أقوى منى: كونوا سيارفة ماهرين. 4 - وبعد التحدث عن كل الهرطقات يضيف قائلاً: " لقد قبلت هذه القاعدة وهذا الترتيب من أبينا الطوباوى هراكلاس، لأن الذين عادوا من الهرطقات، رغم إرتدادهم عن الكنيسة، أو بالأحرى لم يرتدوا بل بدا كأنهم قد أجتمعوا معهم وأتهموا بالإلتجاء لأحد المعلمين الكذبة، فإنه عند طردهم من الكنيسة لم يقبلهم ثانية، رغم توسلاتهم، إلا بعد أن قصوا علانية كل ما سمعوه من خصومهم، وعندئذ قبلهم دون أن يتطلب منهم معمودية أخرى، لأنهم كانوا قد قبلوا منه سابقاً الروح القدس ". 5 - وأيضاً بعد معالجة الموضوع بالتفصيل يضيف ما يأتى: " وقد علمت أن هذه لم تكن بدعة دخلت أفريقيا وحدها، بل أن هذا الرأى كان مقبولاً فى اشهر الكنائس منذ زمن طويل أيام الأساقفة الذى سبقونا، وفى مجامع الأخوة فى أيقونية وسنادا، كما كان مقبولاً من أشخاص آخرين كثيرين، وأنا لا أستطيع أن احتمل بأن أقلب آرائهم، وأطرح بهم إلى الخصام والنزاع، لأنه قيل: لا تنقل تخم صاحبك الذى نصبه ىباؤك. 6 - أما رسالته الرابعة عن المعمودية فقد كتبت إلى ديونيسيوس الرومانى الذى كان وقتئذ قساً، ولكنه أرتقى إلى اسقفية تلك الكنيسة بعد ذلك بوقت قصير، وواضح مما قاله عنه ديونيسيوس الأسكندرى أنه هو أيضاً كان رجلاً متعلماً مقتدراً، وضمن ما كتبه ذكر له ما يلى عن نوفاتوس: معمودية الهراطقة الخاطئة 1 - أما رسالته الخامسة فقد كتبت إلى زيستوس أسقف روما، وبعد التحدث كثيراً فى هذه الرسالة عن الهراطقة روى حادثة حدثت فى عصرة كما يلى: " لأننى أخشى حقاً أيها ألأخر فى حاجة إلى المشورة، وأننى أطلب حكمك فى موضوع عرض على، خشية أن اكون على خطأ. 2 - " فقد كان أحد الأخوة الذين يجتمعون يعتبر مؤمناً منذ زمن طويل، وكان عضو فى الجماعة قبل رسامتى، بل قبل رسامة المغبوط هراكلاس على ما أظن، وكان حاضراً مع من تعمدوا أخيراً، وعندما سمع الأسئلة والأجوبة أتانى باكياً ونادباً سوء حظه، وسقط عند قدمى، وأعترف محتجاً بأن المعمودية التى عمد بها مع الهراطقة لم تكن كهذه المعمودية بأى حال من الأحوال إذ كانت مملوءة كفراً وتجديفاً. 3 - وقال أن نفسه قد أنكسرت حزناً، وانه ليست له دالة ليرفع عينيه إلى الرب لأنه كان موافقاً على تلك الأقوال والأفعال الكفرية، ولهذا طلب لمن ينال هذا التطهير الكامل وهذه النعمة الجزيلة. 4 - ولكننى لم اجسر على أن أفعل هذا، وقلت أن شركتة الطويلة كافية، لأننى يجب أن لا أجسر على أن أجدد من البداية شخصاً سمع وشكر، وأشترك فى ترديد آمين، ووقف أمام المائدة ومد يديه ليتناول الطعام المبارك وتناوله فعلاً وأشترك وقتاً طويلاً فى جسد ودم ربنا يسوع المسيح، على أننى نصحته بأن يتشجع ويقترب إلى شركة القديسين بإيمان ثابت ورجاء صالح. 5 - ولكنه لا يكف عن النحيب، ويتحاشى الأقتراب من المائدة وبندر أن يحضر الصلاة ورغم الإلحاح عليه. 6 - وعلاوة على هذه لا تزال باقية أيضاً رسالة أخرى لنفس الرجل عن المعمودية، موجهة منه ومن أيبروشيته إلى زيستوس وكنيسة روما، وفيها يناقش الموضوع الذى أثير وقتئذ بحجج أقوى، ولا يزال باقياً أيضاً رسالة أخرى بعد هذه موجهة إلى ديونيسيوس الرومانى بخصوص لوسيان. هذا ما قيل عن هذه الأمور.
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل