المقالات

27 يونيو 2024

بدعة أريوس ج1

بدعة أريوس إنتشرت البدعة الأريوسية فى أوساط مكة وقريش قبل الإسلام وقالوا أن الله سابق للإبن أى سابق لزمان كلمة الله فيكون المسيح إله مخلوق من إله أكبر هرطقة آريوس: حول طبيعة المسيح كان اريوس ينكر لاهوت المسيح ويرى أنه أقل من الآب في الجوهر وأنه مخلوق ومازالت جذور الاريوسية قائمة حتى الآن حتى بعد أن شجبها مجمع نيقي ة المسكونى سنة 325 م ظل اريوس والاريوسيين من بعده سبب تعب وشقاق وشك للكنيسة المقدسة بدعة آريوس اتخذت الآريوسية اسمها من الكاهن المبتدع آريوس كان ليبيّ المنشأ، وتعلّم في مدرسة انطاكية لدى لوكيانوس الشهير، ثم انتقل إلى مصر حيث رُسم كاهناً سنة 310، وأصبح خادماً لإحدى كنائس الإسكندرية،وبسبب تعاليمه المناقضة للإيمان القويم، حرمه مجمع محلّي عُقد في الاسكندرية سنة 320 برئاسة الاسكندر أسقف تلك المدينة، فالتجأ الى نيقوميذية حيث كان أسقفاً صديقه أوسابيوس المؤرخ، وألّف هناك، لنشر تعاليمه، كتاب "الوليمة"،وهو مزيج من النثر والشعر والأناشيد الدينية الشعبية وانتشرت أفكاره وتعاليمه في مختلف كنائس الشرق والغرب،وانقسم المسيحيون بين مساند له ومناوئ. فالتأم في نيقية سنة 325 المجمع المسكوني الأول وحرم بدعته، فنفاه عندئذ الامبراطور قسطنطين، إلاّ أنّه عاد فعفا عنه بعد بضع سنوات لكن اثناسيوس أسقف الاسكندرية رفض استقباله، فحصل له أتباعه أن يلتحق بإكليروس القسطنطينية، إلاّ أنه توفي سنة 336 قبل دخوله المدينة. ولد اريوس فى ليبيا 270م درس الكثير من العلوم ثم جاء الى الاسكندرية والتحق بمدرستها اللاهوتية . نبغ فى دراسته حتى تكبر وسعى لنوال الكهنوت وحاول الانضمام الى ملاتيوس اسقف اسيوط وحرضة على العصيان على القديس بطرس خاتم الشهداء . لكنه ادرك انه بهذا لم يصل للدرجات الكهنوتية فترك ملاتيوس وتصالح مع البابا بطرس تم رسامته شماسا ثم قسا 306 م بدعة اريوس: انكر اريوس لاهوت السيد المسيح وادعى انه مخلوق وغير مساو للاب فى الجوهر وبدا اريوس فى نشر ضلاله حتى بعد البابا بطرس وجاء البابا الكسندروس وتم عقد مجمع لمناقشة بدعة اريوس . المجمع النيقى وقراراته: قرر المجمع وضع قانون الايمان النيقى نسبة الى البلد التى انعقد المجمع فيها وهى (نيقيه) وبعد الفصل فى قضية اريوس تم الفصل فى باقى القضايا من حيث تحديد يوم عيد القيامه ومشكلة معمودية الهراطقة . مجمع نيقية انعقد 325م بدعوة من الامبراطور قسطنطين الكبير وحضره 318 اسقفا ووضع قانون الايمان و20 قانون لسياسة الكنيسة . اولا: مقدمة عن بدعة أريوس 1. الاريوسية هى بدعة ظهرت فى القرن الثالث الميلادى وبالتحديد عام 318 م على يد كاهن بالإسكندرية يدعى اريوس فى عهد البابا الكسندروس البابا ال19من بابوات الكرسى السكندرى. 2. بدعة اريوس تنحصر فى قضيتين بخصوص طبيعة السيد المسيح الإلهية (الابن) وهم: أ- إن الابن ليس أزليا مع الأب. ب- إن الابن كائن مخلوق. إنّ تعاليم آريوس يمكن إيجازها في النقاط التالية: أ) إنّ الله واحد أحد، أزلي غير مولود، وكل ما سواه من الكائنات مخلوق من العدم بإرادته الحرة. ب) إنّ الكلمة كائن وسط بين الله والخلائق؛ فالله قد خلقه من العدم قبل سائر الخلائق، ثم أعطاه أن يخلق جميع المخلوقات؛ لذلك نستطيع أن ندعوه إلهاً، فهو إله ثانٍ أدنى من الله. وهذا التمييز بين الإله الأول والإله الثاني، استقاه آريوس من الفلسفة الأفلاطونية. ج) كذلك نستطيع أن ندعو الكلمة "ابن الله" أو "مولوداً من الله"، الاّ أنّ تلك البنوّة الالهية ليست في الواقع إلا تبنّياً. فالكلمة ليس من جوهر الله، إنما تبنّاه الله منذ خلَقه، استباقاً لاستحقاقاته. وفكرة التبنّي هذه أخذها آريوس عن بولس السميساطي. د) إنّ الكلمة، بما أنّه مخلوق، فهو معرّض من طبيعته للخطيئة، لكنه في الواقع استطاع أن يحيا حياة قداسة وكمال ولم يسقط قط في الخطيئة. فهو أدنى من الله، ولكنه أقدس جميع الخلائق، ولا يمكن أن يُخلق كائن أعلى منه. ه) إنّ الروح القدس هو أوّل خلائق الكلمة، وهو أيضاً ليس من جوهر الله. الفكر الاريوسى بخصوص طبيعة السيد المسيح (الابن): 1- آن الابن ليس أزليا مع الأب وقد بنوا هذه النظرية على: التمسك الشديد على وحدانية اللة وحدانية مطلقة وان هناك هوة عظيمة لا نهائية تفصل بين اللة والناس،ولقد أراد اللة ان يخلق العالم ولكنة بمقتضى طبيعته لايمكنة آن يخلق الكون المادى مباشرة ولذلك فقد خلق اللوغوس لهذا الغرص بصفته ابنا له. 2- أن الابن كائن مخلوق وقد بنوا نظريتهم على فكرتين: أ-أن كان المسيح ابن اللة فهو متأخر فى الوجود عن اللة. ب-أن الأب منفرد انفرادا تاما، كما أنة روحاني روحانية مطلقة وذلك يتعارض مع آن يكون أن الابن قد وجد من جوهر الأب وانما وجد بعملية خارجية محدودة او بفعل صادر عن إرادة الأب،وعلى ذلك فلقد كان الأب وحدة هو الموجود أولا ثم بعد ذلك اوجد الابن من العدم.وعلى هذا الأساس بنى الاريوسين عقيدتهم فى المسيح وساقوا فى تأيد عقيدتهم كل نصوص الكتاب المقدس التى تبدوا أنها تضمن اعتباران عقيدتهم. ولهم منهج ثابت فى التفكير وهو: 1- إخضاع علوم اللاهوت لعمليات التفكير الفيزيقي الرياضي 2- تفسير الكتاب المقدس تفسيرا نقديا 3- تحويل علم اللاهوت الى علم بالمصطلحات والمواصفات الفنية أى اصبح علم يمكن استنباطه فى القياس وما لايمكن استنباطه. 4- إخضاع المسيحية للمنطق والفلسفة. وللاريوسية أخطارها ومضارها العقيدية: 1- تصور اللة تصورا خاطئا. 2- إنكار الوحي الإلهي. 3- إنكار معرفة الابن معرفة جوهرية عن الأب. 4- هدم عقيدة الفداء والكفارة. ثانيا: طرق مواجهتها من الكنيسة 1- انعقد مجمع مكانى عام 321 م بمدينة الاسكندرية لمحاكمة اريوس والرد على بدعته أعلنوا تجريدة من الكهنوت. 2- وانعقد مجمع مسكونى فى نقية عام 325 م من 318 أسقفا أى سدس أساقفة العالم المسيحى أن ذاك وقد اقر المجمع مايلى: قانون الأيمان الذى وضعة اثناسيوس شماس البابا الاكسندروس السكندرى ينص على: بالحقيقة نؤمن باله واحد الله الاب ضابط الكل خالق السماء والارض مايرى وما لايرى نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود قبل كل الدهور نور من نور اله حق من اله حق مولود غير مخلوق واحد مع الاب فى الجوهر الذى به كان كل شيى الذى من اجلنا نحن البشر ومن اجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تانس وصلب عنا فى عهد بيلاطس البنطى تألم ومات وقبر وقام من بين الاموات فى اليوم الثالث كما فى الكتب وصعد الى السموات وجلس عن يمين أبيه وأيضا يأتى فى مجده ليدين الاحياء والاموات الذى ليس لملكه انقضاء. ثم حرم اريوس ونفيه. 3- وقد صدر سنة 428 م فى عهد ثيودسيويوس الثانى قانونا يقضى بستئصال الاريوسية فى كل انحاء الامبراطورية الرومانية ثالثا: الكنائس التى تؤمن بالبدعة الاريوسية 1- المشكلة الاريوسية لم تنته بذلك وصارت لها ذيول أزعجت الكنيسة وقتا طويلا بعد مجمع نيقية،وقد امتدت الاريوسية حتى ألان بطرق عديدة نذكر منها: أ- تأليف الاغانى الشعبية لنشر بدعتهم فى كل مكان منذ القرن الرابع الميلادى، ب- رواج البدعة بتأثير اليهود لان عقلية اليهود يمكنها تقبل الأفكار الاريوسية لما فيها من قوة الاعتقاد فى وحدانية اللة وإنكارها لاهوت السيد المسيح 2- وبقت لها زيول فى اسبانيا والولايات الجرمانية حتى القرن السادس. 3- السيطرة على كراسي الاسقفيات الهامة برسامة أساقفة تتبع العقيدة الاريوسية ونجحوا هذه السياسة نجاحا تاما فى بلاد الشرق الأقصى وشمال العراق حتىظهور النسطورية وسيطرتها على تلك الكنائس. 4- حاليا ظهرت بشكل جديد فى القرن التاسع عشر الميلادى فى شكل طائفة بروتستانتية تدعى شهود يهوة وتنشر الفكر الاريوسى فى كل العالم المسيحى رابعا: الكنائس التى لا تؤمن بالبدعة الاريوسية أ-جميع الكنائس الرسولية وهم: 1-عائلة الكنيسة الارثوذكسية الشرقية اللاخلقيدونية القديمة 2-عائلة الكنيسة الارثوذكسية الشرقية الخلقيدونية 3-عائلة الكنيسة الكاثوليكية الغربية الخلقيدونية ب-جميع الكنائس البروتستانتية فى العالم وللحديث البقية
المزيد
20 يونيو 2024

بدعة أبوليناريوس

هرطقة أبوليناريوس: حول طبيعة المسيح كان ينادى بلاهوت المسيح ولكن لا يؤمن بكمال ناستوه إذ كان يرى أن ناسوت المسيح لم يكن محتاجا الى روح فكان بغير روح لأن اللهه اللوجوس كان يقوم بعملها في منح الحياة ولما كان هذا يعنى ان ناسوت المسيح كان ناقصا لذلك حكم مجمع القسطنطينية المسكونى المقدس المنعقد سنة 381 م بحرم ابوليناريوس وهرطقته هذه الأبولينارية من هو أبوليناريوس؟ أبوليناريوس كان أسقف اللاذقية (لاوديكيا Laodices) اشتهر في النصف الثاني من القرن الرابع (حوالى سنة 310 - حوالى 390 م) وكان أبنا لناظر (مدير) مدرسة بيرتيوس Berytus الذى أصبح فيما بعد قسيساً فى لاودوكيا وقد قام الأب الذى أشتهر بأسم ابوليناريوس الكبير بتأليف بعض الكتب المسيحية محاكاه للتآليف القديمة التى يطلق عليها أسم الكلاسيكية الوثنية، وكان الأمبراطور يوليانى (يوليانوس) Julian قد أصدر قوانين تربوية منعت المسيحيين من دراسة الأدب اللاتينى واليونانى القديم أو تدريسه وشب أبوليناريوس الصغير (الأبن) دارساً ومتعلماً، ثم ساعد اباه فى عمله، فكتب يدافع عن المسيحية ضد يوليانى وفورفروريوس Porphyry وضد هراطقة آخرين أمثال آريوس ومارسيليوس Marcellus، كما كتب تفاسير للكتب المقدسة وكتب كتباً أخرى لم يبق منها غير شذرات أوردها فى اجاباته غرغوريوس النزيزى (رسالة 101، 102) إلى كليدزنيوس ثم غريغوريوس وكان ذا مكانة مرموقة بين لاهوتيي عصره وذلك لدفاعه عن المسيحية وولائه لقانون إيمان نيقية, [ كان أبوليناريوس أسقف اللاذيقية قد هيأ نفسه كنيقوى غيور وكمقاوم ممتاز ضد يوليانوس التى أستهدف إحياء الوثنية، تسنده المصارد (ضد الوثنية والدفاع عن المسيحية) كما ينظر إليه بحق كأفضل لاهوتى فى عصره بعد أثناسيوس، وكان باسيليوس القيصرى واحداً من كثيرين من الجيل الأصغر من المسيحيين الذين يطلبون مشورته هرطقة أبوليناريوس Apollinarius أسقف اللاذقية 390م حوّل أبوليناريوس تعليم ثلاثية تكوين الإنسان trichotomy من سيكولوجية أفلاطون إلى كريستولوجى. فقال: كما أن الإنسان العادى مكوَّن من جسد ونفس وروح، هكذا يسوع المسيح هو مكوّن من جسد ونفس والكلمة (اللوغوس). وفى رأيه أن الكلمة قد حل محل الروح واتحد بالجسد والنفس لتكوين الاتحاد لم يتصور أبوليناريوس إمكانية وجود نفس إنسانية عاقلة فى المسيح فى وجود الله الكلمة الذى هو روح والذى هو العقل الإلهى منطوق به ربما تصوّر أبوليناريوس أن النفس الإنسانية العاقلة تعنى بالضرورة شخصاً بشرياً متمايزاً عن شخص الله الكلمة بمعنى أنه خلط بين مفهوم الشخص الذى هو مالك الطبيعة، ومفهوم العقل الذى هو أحد خواص الطبيعة التى يملكها الشخص، أى أنه اعتبر أن الشخص هو العقل وأراد بإلغاء الروح الإنسانية العاقلة أن يؤكّد أن شخص كلمة الله هو الذى تجسد وهو هو نفسه يسوع المسيح بمعنى أن كلمة الله لم يتخذ شخصاً من البشر بل اتخذ جسداً ذا نفس بلا روح عاقلة وبهذا تتحقق -فى نظره- وحدة الطبيعة فى المسيح الكلمة المتجسد وعصمته من الخطيئة وقد تصوّر البعض أن القديس أثناسيوس الرسولى فى القرن الرابع قد تأثر بفكر وتعليم أبوليناريوس فى تعاليمه الكريستولوجية. ولكن القديس أثناسيوس قد شرح هذا الأمر باستقامته المعروفة فى التعليم فى رسالته إلى أبيكتيتوس وقال أن عبارة القديس يوحنا الانجيلى أن "الكلمة صار جسداً" (يو1: 14) تعنى أن "الكلمة صار إنساناً" وأن السيد المسيح قد اتخذ طبيعة بشرية كاملة من جسد وروح عاقلة فقال القديس أثناسيوس:لأن القول "الكلمة صار جسداً" هو مساو أيضاً للقول "الكلمة صار إنساناً" حسب ما قيل فى يوئيل النبى "إنى سأسكب من روحى على كل جسد" لأن الوعد لم يكن ممتداً إلى الحيوانات غير الناطقة، بل هو للبشر الذين من أجلهم قد صار الرب إنساناً] وقال أيضاً فى نفس الرسالة:[ إلا أن خلاصنا، فى واقع الأمر، لا يعتبر خيالاً، فليس الجسد وحده هو الذى حصل على الخلاص، بل الإنسان كله من نفس وجسد حقاً، قد صار له الخلاص فى الكلمة ذاته ]. إدانة هرطقة أبوليناريوس: أدانت عدة مجامع مكانية فى روما (377م)، والإسكندرية (378م)، وأنطاكية (379م) تعاليم أبوليناريوس. ثم أدين فى المجمع المسكونى الثانى الذى انعقد فى القسطنطينية (381 م) كان رأى آباء مجمع القسطنطينية أن السيد المسيح له نفس إنسانية عاقلة لأنه جاء لخلاص البشر وليس لخلاص الحيوانات وأنه كان ينبغى أن تكون للمسيح إنسانية كاملة لكى يتم افتداء الطبيعة الإنسانية وأن الروح البشرية مثلها مثل الجسد فى حاجة إلى الفداء وهى مسئولة عن سقوط الإنسان فبدون الروح البشرية العاقلة كيف يكون الإنسان مسؤولاً مسؤولية أدبية عن خطيئته؟ فالروح البشرية أخطأت مع الجسد وتحتاج إلى الخلاص، ولهذا يجب أن يتخذها كلمة الله مع الجسد لأن ما لم يتخذ لا يمكن أن يخلص، كما قال القديس غريغوريوس النازيانزى عبارته المشهورة ضد أبوليناريوس فى رسالة إلى الكاهن كليدونيوس "لأن ما لم يتخذه (الله الكلمة) فإنه لم يعالجه؛ ولكن ما تم توحيده بلاهوته فهذا يخلص" إن أهم ما شغل الآباء ضد الأبولينارية هو"أن النفس الإنسانية العاقلة، بقدرتها على الاختيار، كانت هى مقر الخطيئة؛ ولو لم يوحّد الكلمة هذه النفس بنفسه، فإن خلاص الجنس البشرى لم يكن ممكناً". صداقة البابا أثناسيوس الرسولى وابوليناريوس لأن أبوليناريوس كان مدافعاً غيوراً ضد الأريوسيين فقد توطدت بينه وبين القديس أثناسيوس صداقة وطيدة ولكنه أراد أن يقدم نظاماً للاهوت بالطريقة الكلاسيكية الوثنية التى تعلمها على يد أبيه فسقط فى بدعة خطيرة، ويذكر القديس غريغوريوس أسقف نزينزا أن بداية الأبولينارية بمكن الن ترجع إلى حوالى سنة 352 م، غير أن تعاليمهات لم تنتشر بصورة عامة حتى أنعقاد مجمع الأسكندرية، عندما ا{سل مندوبى أبوليناريوس إلى البابا أثناسيوس لمساندته (ضد الأريوسية) وفى عام 372 م كتب البابا أثناسيوس كتابين ضد هرطقة أبوليناريوس بدون أن يذكر أسمه، ربما فعل ذلك لأجل الصداقة القديمة التى كانت تربط البابا أثناسيوس مع أبوليناريوس صاحب الهرطقة محتوى البدعة والهرطقة الأبيولينارية - لا يوجد نفس بشرية فى المسيح أبتدع ابيوليناريوس نظرية خريستولوجية عرفت باسمه "أبولينارية" ويقول المتنيح الأنبا غريغوريوس عن نقطة البدء فى بدعة البوليناريوس: "كان أبوليناريوس من أشد الخصوم الأريوسية.. ولعله أبتدع نظريته دفاعاً عن الحقيقة الأرثوذكسية وقد ساقه إلى ذلك باعثان: - الأول: تعليم آريوس نادى بإمكانية التغيير الأخلاقى عند المسيح، وأنه لهذا كان الكلمة قابل للنمو أو التطور الخلقى، وأنه عندما كان يفعل الخير كان يصنعة بإرادة حرة كان يمكنها أيضاً أن تختار فعل الشر، وعلى ذلك يكون الخلاص الذى صنعة المسيح عملاً قام به كائن محدود، أقام ذاته مخلصاً بفعل إرادته الحرة، ومن ثم فلا تكون كفارته خلاصاً للجنس البشرى كله إلا من قبيل إظهار أمكانية كسب الخلاص، وليست هناك نفس بشرية واحدة يمكن أن تكون بريئة كل البراءة من وصمة الضعف البشرى لهذا أندفع أبوليناريوس فى غيرة ملتهبة لتأكيد ألوهية المسيح الكاملة وطهارتة التامة من الخطيئة وذلك بمحض طبيعته الذاتية. الثانى: خلط أبوليناريوس بين مدلولات الألفاظ من الوجهة اللاهوتية، رأى أبوليناريوس أن كلمة " طبيعة " وكلمة " أقنوم " بمعنى واحد، فإذا كان فى المسيح طبيعة لاهوتية كاملة، وطبيعة ناسوتية كاملة إجتمعا معاً فى المسيح، فإذا أجتمع فى المسيح لاهوت كامل، وأجتمع فيه كل مكونات الناسوت فإن هاتين الطبيعتين الكاملتين يكونان أقنومين إذ لا يمكن أن يتألف أقنوم واحد من طبيعتين وعلى ذلك يرى ابوليناريوس أن الرأى القائل بإتحاد اللاهوت بالناسوت كاملاً، كليين فى كلى واحد، رأى مستحيل،هذان هما الباعثان اللذان دفعا ابوليناريوس إلى نظريته التى قصد بها إبعاد المخاوف التى خلقتها البدعة الأريوسية وليخرج من المأزق الأريوسى حول التغيير الأخلاقى عند المسيح إذا لم يكن للمسيح نفس أنسانية، فلا يكون ثمة مجال لممارسة رية الإختيار لديه، ولا تكون له شخصية بشرية أو أقنوم بشرى ليتحد بالأقنوم الإلهى بل يكون هناك الكلمة الإلهى وحده وهى القوة الوحيدة المسيطرة فى أقنوم المسيح المتجسد وقد وجد أبوليناريوس فى هذا التفسير المخرج الوحيد من كل الصعوبات السابقة، قال أن المسيح بالحقيقة هو الإله المتجسد، ولا يمكن أن يتم أتحاد حقيقى بين اللوغوس والنفس الأنسانية الناطقة لأنه أما أن تحتفظ الطبيعة البشرية المتحدة بالطبيعة الإلهية، بإرادتها الخاصة واضحة متميزة وفى هذه الحالة لا يكون هناك أتحاد حقيقى بين اللاهوت والناسوت، أو أن تفقد النفس الناطقة حريتها وكأنها قد أمتصت فى فى الطبيعة الإلهية، لذلك يرى أبوليناريوس أن اللوغوس يحتل مكان النفس الناطقة العاقلة وقد أتخذ له جسماً بشرياً ونفساً حيوانية، وصار هو القوة المسيطرة والمبدأ السائد فى المسيح ويحييها بالحياة العليا الإلهية وبهذا حفظت الوحدة فى الأقنوم ولو أن الأقنوم لم يكن كله إلهاً ولا كان كله أنساناً بل مزيج من الإله والإنسان وكلمة تعنى مزيج أو خليط، وأستعملت هذه الكلمة لمدة طويلة عند بعض الآباء الذى خطوا الكتب ومنهم ترتليانس Apol. 21 de idol. vanit يقول أنسان ممتزج بالإله، وكذلك كبريانوس homo des mixtuseus combomine misctur يقول أن الإله أمتزج بالأنسان، ولاكتنانتيوس Inet. iv. 13 deus est et homo, ex utroque genere permixlus وتكلم أوريجينوس فى كتابه الرد على كلسس contro cels عن أتحاد الطبيعتين كأنه منسوج أو محبوك وكذلك إيريانوس فى كتابه الرد على الهراطقة ك3 ف 19/1 وغيره إلى زمن غريغوريوس وأغريغوريوس الذى أستعمل كل منهما كلمة وهذا يؤيد ما يذكره الكتاب المقدس أن (الكلمة صار جسداً) وأن " الإله ظهر فى الجسد " وقد قال القديس غريغوريوس النزنيزى (رسالة 101): " إن الجسد هنا معناه الطبيعة البشرية من قبيل إطلاق الجزء على الكل وعلى ذلك فإن كلمة تجسد تعنى فى الحقيقة تأنس وكان أبوليناريوس قد أنكر أقنومية الطبيعة الإنسانية وكانت نظريته مبنية على أن: مركز الأقنومية هو فى الكلمة ولذلك فإنه كان دائم القول هذه العبارة التى وردت على لسان البابا كيرلس الأول فيما بعد ونسبها أيضاً إلى البابا أثناسيوس الرسولى: " طبيعة واحدة متجسدة للإله الكلمة " وكان أبوليناريوس يعنى الجسد بإعتباره جزءاً من الطبيعة التى وصفت بانها واحدة، وربما كان الطبيعة كما فهما أبوليناريوس طبيعة جديدة ومؤلفة بطريقة فريدة فى نوعها، ولكنها بكل تأكيد مختلفة عما فى فكر البابا كيرلس الذى أستعمل نفس العبارة من دون أن يعنى بذلك طبيعة أخرى جديدة لأنهي قول فى موضع آخر طبيعة واحدة من طبيعتين ثم وهما يفيدان معنى يفترب من فكرة تحول الطبيعة الأنسانية إلى الإلهية (أوريجينيوس فى نفس الوضع) ولو أنهما عبرا بصراحة عن شخصية الطبيعيتين (الإله والإنسان) وحتى أوغسطينوس أيضاً قال (إن الإنسان موصول) وبمعنى آخر (ممزوج) بكلمة ألإله ليتم وحدة الأقنوم. قال فيها أن المسيح كان لدية جسد ونفس غير عاقلة وأنكر وجود النفس العاقلة فيه لأنه علم أن الكلمة الإلهية أخذت مكانها. انطلق من مبدأ أنه لا يمكن لشيئين تامين (كاملين) أن يصبحا واحدا. لهذا في معالجته لموضوع شخص المسيح طالما أن مجمع نيقة منع أي تقليل أو تصغير أو تغيير في "الكلمة" أي في الطبيعة الالهية وذلك للوقاية ضد تعاليم آريوس فإن أبوليناريوس استخدم الخيار الآخر وقلل وشوه الطبيعة البشرية للمسيح وأنقص منها النفس العاقلة لأنه اعتبرها مسؤولة عن الخطيئة فكانت برأيه هذه هي الطريقة الوحيدة لحفظ المسيح بدون خطيئة وبالتالي إمكانية تحقيق الخلاص أبوليناريوس اعتمد في نظريته على تقسيم أفلاطون الشهير للطبيعة البشرية: جسد،نفس،روح الكنيسة منذ البداية حاربت تعاليم أبوليناريوس فأثناسيوس كتب كتابين ضده، غريغوريوس النزينزي كتب عدة رسائل ضده أيضا وغريغوريوس النيصصي في كتابه "ضد الهرطقات". والتعليم الذي ساد كان عبارة القديس غريغوريوس النزينزي: "ما لم يؤخذ لم يشفى" جدير بالذكر هنا أن الكثير من كتابات أبوليناريوس وضعها تلاميذه تحت أسماء لاهوتيين مشهورين لإكسابها الشرعية المطلوبة مثل غريغوريوس العجائبي (شرح الإيمان) واثناسيوس الكبير (عن التجسد) والبابا يوليوس (في وحدة المسيح) الجدال الأبوليناري بالرغم من عدم تضخمه إلا أنه لعب دورا هاما في تاريخ العقيدة المسيحية فقد حول الجدال من المحور الثالوثي إلى المحور الخريستولوجي. هكذا بعد الانتهاء من مناقشة الثالوث والروح القدس أصبح الباب الوحيد المفتوح لدخول الهرطقات هو الابن. من هنا ستنهمك المجامع اللاحقة بموضوع الابن، الأقنوم الثاني من الثالوث أي بما يعرف ب "الخريستولوجية". أي إتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح وقال أبوليناريوس في القرن الرابع: المسيح وإن كان قد وُلد من العذراء إلا أنه لم يتخذ جسده منها، بل أن جوهره الإلهي استحال إلى جسد في بطنها، ولذلك لم تكن له نفس بشرية، إذ أن لاهوته حل محل النفس فيه. وحجته في ذلك أن النفس تميل إلى الخطيئة، والمسيح لم يمل إليها إطلاقاً، بل عاش كل حياته بعيداً كل البعد عنها كان أبوليناريوس أسقفاً بالشام و كان من اشد المدافعين عن الإيمان ضد الاريوسيين حتى سقط فى بدعة خطيرة وهى إن الابن عند تجسده حل لاهوته مقام الروح الجسدية و تحمل الآلام و الصلب مع الجسد.كما كان يعتقد ايضاً بوجود تفاوت فى الاقانيم الثلاثة منادياً بأن الروح عظيم والإبن اعظم أما الآب فهو الأعظم ومن مذاهب الضلال من جهة ناسوت المسيح مذهب الأبوليناريين (نسبة إلى أبوليناريوس الذي كان أسقفاً شهيراً في لاودكية). ويقول مذهبهم إن الإنسان (على رأي أفلاطون) مؤلَّف من ثلاثة جواهر وهي الجسد والنفس الحيوانية والروح الناطقة، وإن المسيح مؤلف من ثلاثة جواهر وهي الجسد والنفس الحيوانية واللاهوت. وبذلك أنكروا أن للمسيح روحاً ناطقة كما لسائر البشر. وزعموا أن اللاهوت أخذ في المسيح مكان الروح الناطقة في الإنسان. ومما قادهم إلى هذا القول صعوبة تصوُّر اتحاد طبيعتين كاملتين في شخص واحد. فقالوا: إذا كان المسيح الله أو الكلمة الإلهي فإنه يكون كاملاً. وإذا كان إنساناً فلا بد أن يكون ذا عقل محدود وإرادة بشرية، فكيف يمكن أن يكون (والحالة هذه) شخصاً واحداً؟ نعم إن ذلك مما لا يدركه العقل البشري، ولكن لا تناقض فيه. فانعقد مجمع مسكوني في القسطنطينية سنة 381م وفند التعليم الأبوليناري ورفضه، ثم تلاشى بعد قليل.
المزيد
06 يونيو 2024

بدعة فالنتينوس

فالنتينوس الهرطوقى 1- أتى فالنتينوس إلى روما فى عهد هيجينوس، وإزداد قوة (أى أنتشر فكره) فى عهد بيوس، وظل حتى أنيسيتوس ودخل الكنيسة ايضاً كردون سلف مركيون، فى عهد هيجينوس تاسع اسقف، وأعترف، وأستمر هكذا، يعلم فى السرحينا، وكان يعترف جهراً حيناً، وفى بعض الأحيان كان يوشى به بسبب تعاليمه الفاسدة فينسحب من إجتماعات الأخوة، هذا ما هو مكتوب فى الكتاب الثالث من المؤلف " ضد الهرطقات " بدعة كردون وبدعة مركيون البنطى 2 - وفى الكتاب الأول ذكر الاتى عن كردون: " أما كردون الذى استمد شيعته من أتباع سيمون، واتى إلى روما فى عهد هيجينوس، تاسع أسقف منذ عهد الرسل، فقد نادى بأن الرب افله الذى أعلنه الناموس والأنبياء ليس أبا ربنا يسوع المسيح، لأن الأول معروف، والأخير غير معروف، الأول عادل، والأخير صالح ، أما مركيون البنطى فقد خلف كرودون فوسع تعاليمه ونطق بتجاديف مزرية " 3 - ويكشف إيريناوس فى دقة عن هاوية ضلالة فالنتينوف فيما يتعلق بالمادة ويعلن خبثه وخداعه السرى والخفى كالحية الكامنة فى وكرها . فلاسفة الغنوسية - الفليسوف فالنتينوس فالنتينوس والمدرسة الفالنتينية صرف المعلِّم والفيلسوف المسيحي العظيم فالنتينوس (حوالى 100-175 م) سنوات تأهيله في الإسكندرية، حيث اتصل أغلب الظن بباسيليدس. وقد غادر بعد ذلك إلى روما، حيث باشر سيرتَه في التعليم العام، الذي كان من النجاح بحيث أُتيحَتْ له فرصةٌ جدية لانتخابه أسقفًا لروما. على أنه خسر الانتخابات، وخسرت الغنوصيةُ بذلك فرصةً أن تصير مرادفة للمسيحية، وبالتالي دينًا عالميًّا. لكن هذا لا يعني أن فالنتينوس فشل في التأثير على تطور اللاهوت المسيحي – إذ إنه أثَّر قطعًا، كما سنرى أدناه. فعِبْرَ فالنتينوس، ربما أكثر من أيِّ مفكر مسيحيٍّ آخر معاصرٍ له، صار للفلسفة الأفلاطونية، والأناقة البلاغية، ولمعرفة تأويلية عميقة بالكتاب المقدس، أن تتسلل معًا إلى عالَم اللاهوت المسيحي. وقد بقي إنجاز فالنتينوس بلا نظير مدة حوالى قرن، حتى ظهور أوريجينس الذي لا يضاهى على الساحة. ومع ذلك، قد لا يجانب الصوابَ قولُنا بأن أوريجينس ما كان ل"يحدث" لولا المثال الذي ضربه فالنتينوس لم تبدأ كوسمولوجيا فالنتينوس بوحدة، بل بثنوية أولية – زوجين – عبارة عن كيانين يُدعيان "اللاموصوف" و"الصمت". ومن هذين الكائنين الأصليين ولد زوجان ثانيان: "الوالد" و"الحقيقة". وعن هذه الكينونات تتولد أخيرًا رباعيةٌ هي "الكلمة" logos و"الحياة" z?? و"الإنسان" anthropos و"الكنيسة" ekkl?sia. ويشير فالنتينوس إلى هذا الفريق الإلهي ب"الثُمانية الأولى" (إيريناوس، 1.11.1)؛ وهذه الثُمانية تمخَّضت عن كائنات أخرى عديدة، منها واحد تمرَّد أو "عصى"، كما يخبرنا إيريناوس، وبذلك أطلق الدراما الإلهي الذي أنتج الكوسموس في المآل. وبحسب إيريناوس، الذي كَتَبَ بعد موت فالنتينوس بخمس سنوات فقط، والذي في رسالته ضد الزندقات حفظ الخطوطَ العريضة لكوسمولوجيا فالنتينوس، فإن الكيان المسؤول عن مباشرة الدراما يُشار إليه بوصفه "الأم"، التي ربما المقصود منها هي صوفيا (الحكمة)؛ ومن هذه "الأم" نشأ كلٌّ من الهيولى المادية hul? والمخلِّص، "المسيح". وقد وُصِفَ عالمُ المادة ك"ظل"، مولود من "الأم"، باعَد المسيحُ بين نفسه وبينه و"سارع صاعدًا إلى الملأ" (إيريناوس، 1.11.1؛ قارن: بويماندرس، 5). وعند هذه النقطة قامت "الأم" بولادة "طفل" آخر، "الباري" d?miourgos المسؤول عن خلق الكوسموس. وفي الرواية التي حفظها إيريناوس، لا يَرِدُ شيءٌ عن أيِّ دراما كوني تقع وفقه "الشراراتُ الإلهية" في شراك أجسام من لحم من خلال خطط الديميورغوس. إلا أنه يُفترَض أن فالنتينوس شَرَحَ أنثروبولوجيا شبيهة بأنثروبولوجيا أسطورة صوفيا الكلاسيكية (كما وردتْ، مثلاً، في كتاب يوحنا المنحول؛ راجع أيضًا: أقانيم الرؤساء ورؤيا آدم)، ولاسيما أن مدرسته، كما مثَّل لها تمثيلاً بالغ الأهمية تلميذُه اللامع بطليموس (انظر أدناه)، آلت إلى بَسْطِ أسطورة أنثروبولوجية غاية في التعقيد، لا بدَّ أنها تفرَّعتْ عن النموذج الأبسط الذي قدَّمه فالنتينوس نفسه. وتنتهي الرواية التي حفظها إيريناوس بوصفٍ لعقيدة مشوشة نوعًا ما عن مسيح سماويٍّ وأرضي، وبمقطع وجيز عن دور الروح القدس (إيريناوس، 1.11.1)، منه يخرج المرءُ بفكرة أن فالنتينوس كان يراود عقيدة بدائية للثالوث. وبالفعل، فبحسب لاهوتيِّ القرن الرابع ماركيلوس الأنقري، كان فالنتينوس "أول مَن استنبط مفهوم ثلاثة كيانات (أقانيم) في كتابه في الطبائع الثلاث" (فالنتينوس، مقطع ب، ليتون). كان فالنتينوس قطعًا هو المسيحي الأصرح بين الفلاسفة الغنوصيين في زمانه لقد رأينا كيف تخلَّل فكرَ باسيليدس ميلٌ رواقي، وكيف شعر مرقيون بالحاجة إلى تجاوُز الكتاب المقدس ليطرح إلهًا فاديًا "غريبًا". أما فالنتينوس، من ناحية أخرى، فيبدو أنه اطَّلع، كما يتبيَّن من آرائه، على الكتب والتفاسير اليهودية والمسيحية بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية على الفلسفة "الوثنية"، وبخاصة الأفلاطونية. ويظهر هذا كأشد ما يكون في روايته الخاصة للمفهوم الثيولوجي المألوف عن "الاصطفاء" أو "التقدير المسبَّق"، الذي يَرِدُ فيه (على غرار بولس في الرسالة إلى الرومانيين 8: 29) أن الله اصطفى أفرادًا معينين، قبل بدء الأزمنة، للخلاص. وقد كَتَبَ فالنتينوس في نصٍّ يبدو وكأنه بقية من موعظة (فالنتينوس، مقطع و): منذ البدء، وأنتم ["المصطفَوْن" أو المسيحيون الغنوصيون] خالدون، وأنتم أبناء الحياة الأبدية. تنشدون رَصْدَ الموت لأنفسكم بحيث يمكن لكم أن تنفقوه وتستنفدوه، وبحيث يموت الموتُ فيكم ومن خلالكم. إذ عندما تُعدِمون العالم من غير أن تفنوا أنتم، فأنتم السادة على الخلق وعلى كلِّ فساد هذا يبدو وكأنه ردُّ فالنتينوس على معضلة ديمومة الخلاص: بما أن صوفيا أو "الأم" الإلهية – وهي فَرْدٌ من الملأ الأعلى – قد سقطت في الضلال، كيف يمكن لنا التأكد من أننا لن نقترف الغلط نفسه أو غلطًا مماثلاً بعد أن نبلغ الامتلاء؟ فبإعلانه أن دورَ "المصطفى" (أو المسيحي الغنوصي) ومهمَّتَه هي استنفاد الموت و"إعدام" العالم، يوضح فالنتينوس موقفه الذي مفاده أن تلك النفوس المختارة نفوس مشارِكة في خلاص العالم، إلى جانب المسيح، الذي كان أول مَن حمل الخطيئة والفساد المتأصِّلين في العالم المادي (راجع: إيريناوس، 1.11.1؛ وليتون، ص 240). لذا، بما أن "أجرة الخطيئة هي الموت" (الرسالة إلى الرومانيين 6: 23)، فإن أيَّ كائن قادرٍ على تحطيم الموت لا بدَّ أن يكون معصومًا من الخطيئة. ففي نظر فالنتينوس، إذن، أن الفرد المقدَّر له أن يخلص مقدَّر له أيضًا نوعٌ من الخلافة الإلهية تتضمن دورًا فاعلاً في التاريخ، وليس مجرد راحة مع الله، أو حتى حياة غبطة من الخلق المحب، كما ذهب باسيليدس. طالب فالنتينوس مستمعيه – على غرار بولس – بالاعتراف بمخلوقيَّتهم؛ إلا أنهم – خلافًا لبولس – اعترفوا بخالقهم بوصفه "الوالد اللاموصوف"، وليس كإله الكتب المقدسة اليهودية. وبعد فالنتينوس، أضحت مهمةُ التأويل المسيحي إثباتَ الاستمرارية بين العهدين القديم والجديد. وفي هذا الصدد، كما وفي الروحانية العامة لتعاليمه – ناهيك عن عقيدته البدائية في التثليث – كان لفالنتينوس وَقْعٌ لا يُجارى على تطور المسيحية. د. منظومة بطليموس وصف إيريناوس بطليموس Ptolemaeus (حوالى 140 م) ب"بزهرة مدرسة فالنتينوس" (ليتون، ص 276). لكننا لا نعرف شيئًا يُذكَر عن حياة بطليموس ما عدا الكتابين اللذين وصلانا: الأسطورة الفالنتينية الفلسفية المفصَّلة التي حفظها إيريناوس، والرسالة إلى فلورا، من وضع فالنتينوس، التي حفظها القديس أبيفانيوس حرفيًّا. نقع في الكتاب الأول على منظومة فالنتينوس، مفصَّلة تفصيلاً كبيرًا على يد بطليموس، التي تحتوي على أسطورة أنثروبولوجية مركَّبة تتمركز حول آلام صوفيا. كما نقع أيضًا، في كلٍّ من الأسطورة والرسالة، على محاولة بطليموس للتوفيق بين الكتب اليهودية وبين تعاليم الغنوصية والتأويل المجازي للعهد الجديد، في صورة غير مسبوقة بين الغنوصيين قبلئذٍ في النظام البطليموسي يَرِدُ في صراحة أن سبب سقوط صوفيا هو رغبتها في معرفة الآب الفائق الوصف. وبما أن سبب توليد الآب للأيونات (الذين صوفيا آخرهم) كان "رفعهم جميعًا إلى مرتبة الفكر" (إيريناوس، 1.2.1)، لم يكن مسموحًا لأيٍّ من الأيونات أن يبلغ معرفة تامة بالآب. لقد كانت الغاية من الملأ الأعلى أن يوجد كتعبير حيٍّ، جمعيٍّ، عن السعة العقلية للآب؛ فإذا قُيِّضَ لأيِّ كائن مفرد ضمن الملأ الأعلى أن يصل إلى الآب لتوقفت الحياة برمَّتها. تقوم هذه الفكرة على موقف إيجابي بالدرجة الأولى تجاه الكون، بمعنى أن الوجود، مفهومًا ككفاح، ليس من أجل نهاية مستكينة، بل من أجل مستوى متزايد أبدًا من البصيرة الخلاقة أو "التكوينية". والهدف، من هذه الوجهة، هو الإبداع من خلال الحكمة، وليس مجرد الوصول إليها كغرض أو كغاية في حدِّ ذاتها. ومثل هذا الوجود لا يتَّسم بالرغبة في غرض ما، بل بالحري في القدرة على الإمعان في الانخراط الخلاق والتكويني مع "الظرف" (= الوضعية المعيَّنة أو الميدان الفردي) الخاص بالمرء. عندما رغبتْ صوفيا في معرفة الآب، فإن ما كانت ترغب فيه إذ ذاك، في المقام الأول، هو تلاشيها لصالح فنائها الخاص فيما جعل وجودها ممكنًا في الأصل. وهذا يعادل رفض هبة الآب، بمعنى هبة الوجود والحياة الفرديين. لهذا السبب لم يُسمَح لصوفيا بمعرفة الآب، بل رُدَّتْ إلى "الحد" horos الفاصل بين الملأ الأعلى وبين "السعة اللاموصوفة" للآب (إيريناوس، 1.2.1) أما ما تبقَّى من رواية بطليموس فيتعلق بإنتاج الكوسموس المادي اعتبارًا من "آلام" صوفيا المُأقْنَمَة وفاعلية المخلِّص (يسوع المسيح) في ترتيب هذه الآلام الشواشية أصلاً في تراتبية منتظمة من الموجودات (إيريناوس، 5.4.1 وما بعدها، وقارن: الرسالة إلى القولوسيين 1: 16). إن ثلاثة صفوف من الكائنات البشرية تنوجد من خلال هذا الترتيب: "المادي" hulikos و"النفساني" psukhikos و"الروحاني" pneumatikos. البشر "الماديون" هم أولئك الذين لم يبلغوا الحياة العقلية، وبالتالي لا يعقدون آمالهم إلا على ما هو هالك – ولا أمل في الخلاص لهؤلاء. "النفسانيون" هم أولئك الذين ليس لديهم إلا تصور نصف متشكِّل عن الإله الحقيقي، وعليهم، بالتالي، أن يحيوا حياة منذورةً للأعمال المقدسة والثبات على الإيمان؛ وبحسب بطليموس، هؤلاء هم المسيحيون "العاديون". وأخيرًا، هناك البشر "الروحانيون"، الغنوصيون، الذين لا يحتاجون إلى الإيمان لأنهم على معرفة فعلية (غنوص) بالحقيقة العقلية، وبذلك هم ناجون بالطبيعة (إيريناوس، 2.6.1، 4.6.1) يقوم المفهوم الفالنتيني البطليموسي للخلاص على فكرة أن الكوسموس هو التجلِّي العياني أو الأقْنَمَة لرغبة صوفيا في معرفة الآب و"الآلام" التي نجمتْ عن فشلها. إن تاريخ الخلاص للكائنات البشرية له، إذن، صفة التجلِّي الخارجي للسيرورة المثلَّثة لافتداء صوفيا نفسها: الاعتراف بآلامها؛ "رجوعها" epistroph? تاليًا؛ وأخيرًا، فعل توليدها الروحي، الذي انبثقتْ منه الإنسانيةُ الغنوصية (راجع: إيريناوس، 1.5.1). الخلاص، إذن، في شكله النهائي، يجب أن يتضمن نوعًا من الخلق الروحي من قِبَل الغنوصيين الذين يبلغون الملأ الأعلى. غير أن على البشر "النفسانيين"، المكوَّنين جزئيًّا من مادة قابلة للفساد وجزئيًّا من ماهية روحية، أن يظلوا مكتفين بوجود بسيط مريح مع "صانع" الكوسموس، بما أنه لا يمكن لعنصر ماديٍّ أن يدخل الملأ الأعلى (إيريناوس، 1.7.1) في رسالته إلى فلورا (في أبيفانيوس، 1.3.33-10.7.33)، التي هي محاولة لهداية امرأة مسيحية "عادية" إلى مذهبه المسيحي الفالنتيني، صاغ بطليموس صياغة واضحة مذهبَه في العلاقة بين إله الكتب المقدسة العبرية، الذي هو "عَدْل" وحسب، وبين الآب اللاموصوف، الذي هو الخير الأسمى. وعوضًا عن مجرَّد إعلان أن هذين الإلهين غير متَّصلين، كما فعل مرقيون، بَسَطَ بطليموس قراءة مركَّبة، مجازية، للكتب المقدسة اليهودية فيما يتصل بالعهد الجديد بغية ترسيخ سلالة تربط الملأ الأعلى، صوفيا و"آلامها"، الديميورغوس، والنشاط الخلاصي ليسوع المسيح بعضها ببعض. إن مدى عمل بطليموس ودقَّته، والأثر الذي خلَّفه على المسيحية الأرثوذكسية الناشئة، يؤهِّله لكي يكون واحدًا من أهم اللاهوتيين المسيحيين الأوائل، الأرثوذكسيين الروَّاد منهم و"الزنادقة".
المزيد
30 مايو 2024

بدعة الكربوكراتسية

الكمال المسيحي في ممارسة الشهوات ] نسبة إلى « كربوكراتس » ويسمى أتباعه نيوستينيين أي المعلمين أو المستنيرين وقد زعم أن يسوع المسيح كان إبن يوسف النجار ومولود منه كعامة البشر لكنه متميزاً عنهم بقوته فقط وأن الملائكة خلقوا العالم وأنه يلزم من آثر البلوغ إلى الله أن يتم جميع أفعال الشهوة المتمردة التي يجب أن تطاع في كل شيء مجدفاً بقوله أنها ذاك العدو الذى يأمر الإنجيل بأن نصطلح معه (مت ه : ٢٥ ) فكل شهوة طاهرة لأن الله خلقها وأن من رام الخلاص فعليه أن يرتكب أقبح الشهوات ! وكان يقول أنه باحتقار شرائع الملائكة الأشرار كافة على هذا الأسلوب تحصل على قمة الكمال وأن النفس تنتقل إلى أجساد مختلفة إلى أن ترتكب جميع الأفعال الأكثر شناعة، وكان ينادى بوجود نفسين، وأن الأولى منهما دون الثانية تكون خاضعة للملائكة المتمردين وأن العالم المخلوق من مادة خبيثة، وأن الأنفس خلقت قبل الأجساد وحبست فيها قصاصاً لمعاص ارتكبتها ، وعلم بالسحر وأنكر قيامة الأموات . وأتباع هذا الهرطوقي كانوا يدعون مسيحيين ويميزون أنفسهم عن غيرهم بوسمهم طرف الأذن بالنار والحديد ، وكانوا يسجدون الصور تلاميذ أفلاطون وفيثاغوراس وغيرهما من الفلاسفة مع صور السيد المسيح على حد سواء [ المرجعان السابقان ]
المزيد
28 مايو 2024

موت المسيح : هل هو ضعف؟

سؤال كيف يكون المسيح إلهاً ويموت ؟ كيف يموت الله ؟ أليس هذا ضعفاً ؟ .. الجواب إن اللاهوت بطبعه لا يموت ولكن المسيح ليس مجرد لاهوت فقط ، انه أخذ ناسوتاً مثلنا ، أخذ جسداً متحداً بروح بشرية وعندما مات على الصليب، إنما مات بالجسد، أي انفصلت روحه الإنسانية عن جسده، دون أن يتأثر لاهوته بشيء من هذا الموت لأن اللاهوت لا يموت ودون أن ينفصل لاهوته عن ناسوته فقد انفصلت نفسه عن جسده، ولا هوته لم ينفصل قط لا عن نفسه ولا عن جسده، كما تقول القسمة السريانية على أنه حتى فى هذا الموت بالجسد كان المسيح قوياً فعند اسلامه الروح يقول الكتاب انه صرخ بصوت عظیم (مت ۲۷: ٥٠) هذا الصوت العظيم يدل على قوته، لأنه كان من الناحية الجسدية في حالة فى منتهى الوهن والتعب بعد خمس محاكمات والسير مسافة طويلة والضرب والجلد والاهانة وحمل الصليب وتسميره على الخشب فصراحه بعد هذا بصوت عظيم يدل على قوته لا على ضعفه كما أن هذا الموت تقدم إليه المسيح باختياره، فهو الذي بذل ذاته وما أعظم قوله فى الدلالة على قوته في هذا الموت لهذا يحبنى الآب لأنى أضع نفسى لأخذها أيضاً ليس أحد يأخذها منى، بل أضعها أنا من ذاتى لى سلطان أن أضعها ولى سلطان أن آخذها أيضاً » (يو ۱۰ : ۱۷ ، ۱۸ ) وكان موت المسيح في هذا ، عنصر قوة ، قوة الحب ، كان دليلاً على التضحية والبذل وكما قال : «ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه » (يو ١٥ : ١٣)ومن أكبر الدلائل على قوة المسيح في موته أنه لما أسلم الروح إذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل،والأرض تزلزلت ، والصخور تشققت ، والقبور تفتحت ، وقام كثير من أجساد القديسين حتى أن قائد المائة الذي كان يحرسه خاف - بسبب هذه المعجزات - هو وجنوده ، وقالوا : حقاً كان هذا ابن الله » (مت ٢٧ : ٥١ - ٥٤ ) دليل آخر على قوة المسيح في موته ، انه وهو ميت بالجسد ،ذهبت روحه إلى الجحيم وأطلق الأنفس التي كانت راقد على الرجاء تنتظر خلاص المسيح لها وفتح باب الفردوس ، ورد آدم وبنيه إلى الفردوس ومن دلائل قوته فى موت ، انه بالموت داس الموت ، وأصبح الموت حالياً مجرد قنطرة ذهبية يصل بها الناس إلى الحياة الأسمى والأفضل إن المسيح القائم من الأموت هو دليل على القوة التي انتصرت على الموت .
المزيد
23 مايو 2024

بدعة باسيليدس

فلاسفة الغنوسية - الفليسوف باسيليدس الفيلسوف المسيحي باسيليدس الإسكندري (132-135 م) هو أول من قال أن المسيح شبه به .فباسيليوس من أتباع الغنوسية ادعى أن المسيح عندما أرادوا أن يصلبوه اتخذ صورة سمعان القيرواني وأعطاه صورته فصلب سمعان لا يسوع نظراً لعدم تصديقهم بأن صاحب هذه المعجزات لا يصلب ويموت هكذا بالرغم من وجود نبوءات موجوده فى كتب اليهود الموحى بها والتى ما زالت فى يدهم حتى الان ومن أشهرها النبوءات الموجوده فى كتاب أشعياء النبى اليهودى . أما يسوع فصعد إلى السماء كما أن هذا ادعاء أن سمعان القيروانى أخذ صورة السيد المسيح ليس له سند فى آيات الكتاب المقدس وأن هذا العمل الرخيص يدخل تحت بند خداع ومكر ودهاء إله وهذا الإله المخادع والماكر لا يخدع أو يمكر على الناس فهو إله بعيد تماماً عن إله المسيحية ويدخل هذا العمل تحت بند الأعمال الشيطانية أو نوعاً من أنواع السحر والسحر هى أستعمال قوة شريرة فى التأثير على الناس وهذا ضد عمل وصفات الإله الحقيقى ولا شك ان سمعان كان معروفاً لأنه كان عملاق وأن المسيح ضرب وآثار الجروح من الضربات ظاهرة عليه أى أن هناك فروق ظاهرة وواضحة بين الأثنين وكان أوّل من قال بإلقاء شِبْه يسوع علي غيره هو باسيليدس الذي تصوّر وجود ‏صراع بين الآلهة العديدة والذين كان أحدهم يسوع المسيح. وقد نقل عنه القديس ‏إريناؤس قوله: "وصنع الملائكة الذين يحتلون السماء السفلي المرئية لنا كل شئ ‏في العالم، وجعلوا لأنفسهم اختصاصات للأرض والأمم التي عليها، ولما أراد ‏رئيس هؤلاء، إله اليهود كما يعتقدون، أنْ يخضع الأمم الأخري لشعبه اليهود، ‏واعترضه وقاومه كلّ الرؤساء الآخرين بسبب العدواة التي كانت بين أمّته وكل ‏الأمم، ولمّا أدرك الآب غير المولود والذي لا اسم له أنّهم سيُدمّرون أرسل بِكْرَه ‏العقل (وهو الذي يُدعي المسيح) ليُخلّص من يُؤمن به، من قوّة هؤلاء الذين ‏صنعوا العالم. فظهر علي الأرض كإنسان لأمم هذه القوات وصنع معجزات. ‏وهو لم يمتْ بل أُجبر سمعان القيرواني علي حمل صليبه وألقي شَبْهَه عليه ‏واعتقدوا أنَّه يسوع فصُلِبَ بخطأٍ وجهلٍ . وإتّخذ هو شكل سمعان القيرواني ‏ووقف جانبًا يضحك عليهم. ولأنَّه قوّة غير مادي وعقل الآب غير المولود فقد ‏غيّر هيئته كما أراد وهكذا صعد إلي الذي أرسله".‏ من هو الفيلسوف باسيليدس الإسكندري؟ الفيلسوف المسيحي باسيليدس الإسكندري (132-135 م) هو صاحب فلسفة علم نشأة للكون (كوسمولوجيا) وقد أبتعد عن أسطورة صوفيا الخاصة بالغنوصية الكلاسيكية ؛ كما أنه أعاد تأويل المفاهيم المسيحية الرئيسية عن طريق الفلسفة الرواقية الشعبية للعصر. بدأ باسيليدس منظومته ب"ثُمانية أولية" عبارة عن "الوالد غير المولود" أو الآب؛ العقل nous؛ "المبدأ المنظِّم" أو الكلمة logos؛ "الحصافة" phron?sis؛ الحكمة (صوفيا)؛ القدرة dunamis) و"العدل" و"السلام" وعبر الاتحاد بين الحكمة والقدرة، انوجدتْ مجموعةٌ من الحكام الملائكيين؛ ومن هؤلاء الحكام ولدت 365 سماءٌ أو أيون . كان لكلِّ سماء حاكمُها الرئيس arkh?n والعديد من الملائكة الأصغر. والسماء الأخيرة – التي هي، دنيا المادة التي نقطنها جميعًا – هي التي يحكمها، على ما قال، "إلهُ اليهود" الذي فضَّل الأمة اليهودية على الأمم الأخرى، وبهذا سبَّب كلَّ ألوان النزاع مع الأمم التي اتفق لها أن تتماسَّ معهم، بل حتى فيما بين اليهود أنفسهم. وهذا السلوك دفع حكَّام السماوات ال364 الأخرى إلى معارضة إله اليهود وإرسال مخلِّص – هو يسوع المسيح – من عالم الآب (أسمى العوالم) لإنقاذ البشر الذين يكدحون تحت نير ذلك الإله الغيور . باسيليدس والدوكيتية (الموت الظاهرى على الصليب) وبما أن عالم المادة هو المصدر الأوحد لهذا الإله الحاقد، لم يجد باسيليدس فيه أيَّ شيء ذي قيمة، وصرَّح بأن "الخلاص مُلْك للروح فقط؛ إذ إن الجسد فاسد بطبيعته" . بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك ليعلن، معارضًا الأرثوذكسية المسيحية، أن موت المسيح على الصليب كان موتًا ظاهرًا فقط، ولم يحدث فعلاً "في الجسد" – وهذا المذهب يسمَّى الدوكيتية إن المفهوم القائل بأن الوجود المادي هو وليد إله خالق غيور وفاسد، يفضِّل عِرقًا معينًا على باقي الأعراق، هو بالفعل التعبير "الأسطوري" عن اعتقاد أخلاقي متأصِّل بأن مصدر الشرور كلِّها هو الوجود المادي أو الجسماني. وبالفعل فقد ذهب باسيليدس إلى حدِّ التأكيد على أن الخطيئة هي النتاج المباشر للوجود الجسماني، وبأن ألم الإنسان هو العقاب المستحَق إما على خطايا فعلية مرتكَبة، أو حتى على مجرَّد الميل العام إلى الخطيئة، الذي ينجم عن النوازع الجسدية (راجع المقطعين و وز).ويعلن باسيليدس، في تكييفٍ للمقولات الأخلاقية الرواقية، أن الإيمان pistis "ليس القبول العقلاني لنفس تمتلك إرادة حرة" (المقطع ج)، بل هو بالحري الكيفية الطبيعية للوجود؛ وبالتالي، فإن كلَّ مَن يحيا في تناغُم مع "قانون الطبيعة" pronoia (الذي يطلق عليه باسيليدس اسم "الملكوت") سيبقى متحررًا من النوازع الجسدية وسيكون في حالة "خلاص" (المقطع ج). غير أن باسيليدس يتخطَّى المذهب الرواقي البسيط في اعتقاده بأن "الصفوة"، أي أولئك الذين يحيون بالإيمان، "غرباءٌ عن هذا العالم، كما لو أنهم متعالون بطبيعتهم" (مقطع ه)؛ إذ إن باسيليدس، على غير الرواقيين الذين آمنوا بكوسموس ماديٍّ واحد، أخذ بفكرة أن الكوسموس، كما رأينا، مكوَّن من سماوات عديدة، وأن العالم المادي هو السماء الدنيا، وبالتالي فهو فاسد. وبما أن هذه السماء الأخيرة تمثل "النحب الأخير" للفيض الإلهي، إذا جاز التعبير، وأنها ليست، ولا من أيِّ وجه، صورةً كاملة عن الألوهة الحقيقية، فإن اعتناق قوانينها لا يمكن له أن يفضي إلى أيِّ خير. لا بل إن الجسم، بما أنه الوسيلة التي يستخدمها حاكمُ هذا الكوسموس المادي لفَرْض قوانينه، فإن بلوغ الحرية مشروط بالتخلِّي عن جميع النوازع والرغبات الجسدية أو ب"عدم الاكتراث بها". غير أن عدم المبالاة adiaphoria هذا بنوازع الجسد لا يؤدي إلى مجرَّد تنسك راكد وباسيليدس لا يدعو مستمعيه إلى ترك العالم المادي، بما يجعلهم يذوبون في السلبية، بل هو يقدِّم لهم حياة جديدة، متوسلاً التراتبية العظمى من الحكَّام التي تشرف على العالم المادي (مقطع د). فحين يلجأ المرء إلى المرتبة العظمى للوجود تكون النتيجة "خلق أشياء طيبة" (المقطع ج، الترجمة معدَّلة). الحب والإبداع الشخصي – استيلاد الخير – هما النتاج الأخير لنظام باسيليدس الجدلي الملتبس؛ ولهذا السبب فهو أحد أهم التعبيرات الأولى للفلسفة المسيحية الحق، وإن لم تكن "أرثوذكسية".
المزيد
16 مايو 2024

بدعة الأمونيوسية

[ توحيد الديانات الوثنية في المسيحية ] نسبة إلى أمونيوس السقاص » الذي ظهر في القرن الثاني الميلادي ضمن جماعة المبتدعين الدارسين في مدرسة الإسكندرية الذين جرهم إلى الهرطقة تفننهم فى مزج أسرار الديانات الوثنية المصرية وغوامض رموزها بقواعد الإيمان المسيحي البسيطة راغبين في إذاعة تعاليمهم المسيحية متوشحين بأثواب الفلاسفة ورتبهم فاستعاروا التعاليم الأفلاطونية وألبسوها الصفة المسيحية ، وقد كان من بين هؤلاء أمونيوس هذا الذى أراد أن يضم جميع الأديان بما فيها الدين المسيحى إلى ديانة واحدة ليعتنقها الجميع وحاول أن يجعل قواعد هذه الديانة الموحدة مرضية لكل المؤمنين بالأديان المختلفة فحول كل تاريخ الآلهة الوثنية إلى تشابه واستعارات مثبتاً أن ما يكونه العامة والكهنة بألقاب آلهة إنما هم خدام الله الذين يليق بنا أن نقدم لهم الخشوع حتى لا يبعدوا عن الخشوع الأعظم اللائق بالله تعالى، وزعم بأن المسيح كان إنساناً خارقاً للعادة وحبيباً الله وعارفاً بعمل الله بطريقة عجيبة وأنكر أن المسيح أخذ في ملاشاة عبادة الأرواح خدام العناية الإلهية (آلهة الوثنيين ) بل أراد أن يزيل ما تلطخت به الأديان القديمة وتلاميذه أفسدوا ودنسوا مبادىء معلمهم . [ تاريخ الكنيسة القبطية » - المرجع السابق ] .
المزيد
09 مايو 2024

بدعة الغنوسية

أثر الغنوسية ظاهراً في التعاليم التي سبقت كلها. واللفظ اليوناني غنوسيس Gnosis معناه المعرفة والحكمة. والغنوسية محاولة فلسفية دينية لتفسير الشر والخلاص منه. والغنوسيون يقولون بإله أعلى لا يدرك صدرت عنه أرواح سموها أيونات وأراكنة. وهه صدرت زوجاً فزوجاً ذكراً وأنثى فتضاءلت في الألوهية كلما ابتعدت عن مصدرها الإله الأعلى. وقالوا أن أحد هذه الأركنة أراد أن يرتفع إلى مقام الإله الأعلى فطرد من العالم المعقول. ثم أضافوا أنه صدر عن هذا الأركون الخاطئ أرواح شريرة مثله وصدر العالم المحسوس الذي لم يكن ليوجد لولا الخطيئة. فهوا والخالة هذه عالم شرّ ونقص بصانعه وبالمادة المصنوع منها. وقالوا أيضاً أن هذا الأركون الخاطئ حبس النفوس البشرية في أجسامها فكوَّن الإنسان وأن هذه النفوس تتوق إلى الخلاص وأن الناجين قليل لأن الناس طوائف ثلاث متمايزة: طائفة أولى تشمل الروحيين الذين هم من أصل إلهي وهم الغنوسيون صفوة البشر طائفة ثانية تتألف من الماديين الذين لا يمكنهم الصعود فوق العالم السفلي. طائفة ثالثة تجمع الحيوانيين الذين قدّر لهم الارتفاع والسقوط. النجاة والهلاك. واختلفوا في وسيلة النجاة فمنهم من قهر الجسم وطرح كل ما يثقل النفس ويمنعها من الوصول إلى المقر الذي هبطت منه ومنهم من قال بدناءة الجسم فأطلق العنان للشهوة وعظموا الفراغ بين الإله الأعلى والعالم وخشوا استحالة رجوع النفوس إلى هذا الإله فقالوا بايونات تصدر عن الإله الأعلى ووجدوا فيها سلسلة من الوسطاء بين الأنفس والإله الأعلى. فإذا ما حاولت الأنفس الاجتياز من عالمها السفلي إلى العلوي قالت "كلمة السرّ" لكل ايون تصادفه وتحولت إلى صورته. وكان القول بالوسطاء شائعاً فسماهم البعض مثلاً أخذاً عن الأفلاطونية ودعاهم البعض الآخر "كلمات" أي القوى الطبيعية الكبرى بموجب الفلسفة الرواقية. وسماهم فيلون اليهودي "الملائكة" وغيره عبّر عنهم ب "الجن" وأتباع الفكر الغنوس هم أكثر الناس الذي أخذوا يؤلفون أناجيل منحولة ما بين منتصف القرن الثاني حتى القرن الثالث. البدعة الغنوصية (الغنوسية أو الغنوسطية) تبلور الفكر الدوسيتي إلى فكر الغنوسية وأصبح هو محور الفلسفة الغنوسية الرئيسى البدعة (الهرطقة) الغنوصية / العارفين بالرب مخطوط رقم - 2 في المجموعة الغنوسية (مذهب المعرفة الروحية) والتي تضم 13 مخطوطا أو جزءا، وتجمع بين المسيحية والفلسفة الغنوسية. وهي تحمل الدليل الوحيد في الدنيا على وجود هذا المذهب. ويضم المخطوط أيضا كتابين مشكوك في صحة نسبتهما، وهما: إنجيل مريم وإنجيل توما. وتحتوي هذه البردية أيضا على نقوش تمثل عددا من التويجات التي تشبه زخارف مضفرة (مجدولة) تعد هذه النقوش أقدم نموذج لمثل هذه الزخارف في المخطوطات القبطية. والمخطوط مكتوب بالقبطية، كل صفحة تحتوى على 34 سطرا مدونا. الأبعاد العرض 14.5 سم الطول 28 سم أسم الغنوسية يعنى المعرفة أو البصيرة كلمة "غنوص" gn?sis، التى أطلقت على هذه الطائفة هى كلمة اليونانية تعنى "معرفة" أو "بصيرة"، وأُطلِقَ هذا الإسم على طائفة دينية لها فكر فلسفى ليس لها تنظيم معين ازدهرتْ في القرنين الأول والثاني للميلاد وخاصة فى مصر حتى عصر أثناسيوس الرسولى، وكانت الإسكندرية بمصر أهم مراكز الغنوصية أو الغنوسية فقد عثر على كتاباتهم من ضمن مخطوطات نجع حمادى الشهية (الصورة الجانبية أحدى أوراق مجموعة نجع حمادى) (1) والغنوصية كلمة يونانية تعني المعرفة أو الحكمة وقد اطلقت الجرائد التى تصدر فى مصر عن هذه الفئة الغنوسية أسم " العارفين بالله" المذهب أو البدعة الغنوسية المصرية يقول القس منسى يوحنا تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا طبع مكتبة المحبة سنة 1982 م الطبعة الثالثة ص 23 الغنوسطية أى مذهب التوليد وقد نشأت فى فلسطين أو سوريا عند ظهور الدين المسيحى، ولم يكن مذهب الغنوسطيين إلا خلط ما بين المسيحية والأديان الوثنية القديمة، وأنشأوا له مدرسة فى الأسكندرية فى أوائل القرن الثانى الميلادى وأعتنقة بعض المصريين، ولكن الغنوسطية المصرية كانت تختلف عن الغنوسطية الأسيوية فقد أعتقد المصريون أن المادة أبدية وحيوية أيضاً، وكانوا يعتقدون أن المسيح هو شخصان .. الأنسان يسوع وابن الله أو المسيح - فالمسيح الشخص الإلهى زعموا أنه دخل فى يسوع الإنسان حين أعتمد من يوحنا وتركه حين قبض عليه اليهود وكانوا يعتقدون أن للمسيح جسداً حقيقياً لا وهمياً مع أنهم لم يتفقوا على ذلك، ووضعوا شرائع أخرى تبيح بفساد أميال البشر، وقد أنقرضت هذه البدعة أو الهرطقة فى أواخر القرن السادس . لماذا درس عالم ألمانى الغنوسية؟ أشتهرت الهرطقة أو البدعة الغنوصية بعد قام البروفيسور كورت رودولف وهو من من أبرز العلماء الألمان الذين اهتموا بتاريخ الأديان وفلسفتها بعد كتب عدة كتب منها كتابه الشهير "الغنوصية: طبيعة وتاريخ الغنوصية" (الترجمة الانكليزية 1987), و الكتب الأخرى هى كتاب "المندائيون" (بالألمانية 1960-1961 في مجلدين), وكتاب آخر بالانكليزية عن المندائيين (لايدن 1978) ومن المعروف ان البروفيسور كورت رودولف قام بالتدريس فى جامعات أميركية عديدة كما شغل منصب بروفيسور في جامعة فيليبس في مدينة ماربورغ الألمانية قبل تقاعده .، وقام ايضاً بترجمة أحد كتبهم الدينية "ديوان نهرواثا" (أي ديوان الأنهر, برلين 1982). وأصبح البروفيسور كورت رودولف عضوا فخرياً مدى الحياة في الاتحاد الدولي لتاريخ الأديان ويرجع إهتمام البروفيسور كورت رودولف بالغنوصية لأنه كان لها علاقة بالمعرفة الخاصة بأصل النفس البشرية وبكيفية عودة النفس الى عالم النور . ويعتقد أن الأقباط وهراطقة مسيحيين آخرين قاموا بنسخ مخطوطات الغنوصيين فى القرون اللاحقة لهذا السبب بعينه، وقد تأثرت فئات أو مجموعات من البشر بالأفكار الغنوصية تعود الى القرن الأول الميلادي, ويرجح بعض المؤرخين إلى أنها كانت موجودة في فترات أقدم, لكن بالتأكيد عاشت هذه الجماعات عصرها الذهبي في القرنين الثاني والثالث الميلاديين. الفلسفة الغنوسية وفكر الغنوصية هو فى الأصل خليط من أفكار مسيحية ويهودية وإغريقية وثنية، . فالثقافة اليونانية الغربية القديمة التى كانت قبل المسيحية تمازجت بالمصرية الشرقية . هذه الجماعات أنتشرت وعاشت في مناطق متفرقة من مصر، وكان يقودها أسقف بتنظيم صارم كالبابا، وعندما كان هؤلاء الغنوصيين يعيشون فى مجموعات قليلة متفرقة كان يراسهم كاهن وكان كثير من الغنوصيين من النساك ويؤكد بعض المؤرخون أن الغنوصية هى خليط من فكر فارس? وحكمة مصر والفلسفة الأفلاطونية يقوم الفكر الفلسفى على التأمل وتجيب الغنوسية على: " الأسئلة الأساسية عن الوجود أو عن "الوجود–في–العالم" Dasein، بمعنى: مَن نحن (كبشر)؟ .. من أين أتينا؟ .. إلى أين نتَّجه؟ – تاريخيًّا وروحيًّا " الغنوسية تجيب من أين أتينا؟ العالم – الكون المادي – وفقًا للغنوصيين، هو نتيجة لخطأ أصلي من جانب الكائن فوق الكوني، السامي الألوهية، الذي عادة ما يُطلَق عليه اسمُ صوفيا (الحكمة) التى هى "الكلمة" Logos. هذا الكائن يوصف باعتباره الفيض الأخير لتراتبية إلهية، تُدعى "الملأ الأعلى" Pl?r?ma أو "الكمال"، على رأسها يقيم الإلهُ الأسمى، الواحد المتعالي على الوجود. خطأ صوفيا – الذي يوصف كرغبة طائشة في معرفة الإله المتعالي – أدَّى إلى "أقْنَمَة" [= تحويل إلى أقنوم] رغبتها على هيئة مخلوق نصف إلهي، جاهل أساسًا، عُرِفَ بالديميورغوس (من الإغريقية: D?miourgos، "الباري")، أو يلضباؤوث Ialdabaoth، هو المسؤول عن تكوين الكون المادي. هذه الصنعة الماهرة هي في الواقع محاكاة لعالم الملأ الأعلى؛ لكن الديميورغوس يجهل ذلك ويُعلِن نفسه بكلِّ اعتداد بوصفه الإله الأوحد الموجود. عند هذه النقطة، يبدأ النقد التنقيحي الغنوصي للكتب المقدسة اليهودية، كما يبدأ الرفض العام لهذا العالم بوصفه نتاجًا للخطأ والجهل، ويبدأ افتراض وجود عالم أعلى تعود إليه النفسُ الإنسانية في المآل. مَن نحن؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتضمن تعليلاً (الكلمة) لطبيعة النفس psukh? ؛ ومحاولةُ تقديم إجابة عن هذا السؤال أطلق عليها "علم النفس" أو ممارسته فى العصر الحديث – وهو يقدم تعليلاً للنفس أو الذهن psukh? في اللغة اليونانية القديمة، كلمة تطلق على معنيين فى آن واحد الأول على النفس، كمبدأ الحياة، ويطلق أيضاص على الذهن، كمبدأ العقل لقد ميَّز كارل يونغ – اعتمادًا على النظريات الغنوصية الأسطورية – الوعي الموجَّه موضوعيًّا بالجزء المادي أو "الجسدي" من الجنس البشري – أي، بحسب الغنوصيين، ذلك الجزء من الإنسان المشدودَ إلى الدورة الكونية للكون والفساد والخاضع لقيود الجَبْر والزمن إن الإنسان الذي يتماهى مع العالم الموجود موضوعيًّا يؤوْل إلى بناء شخصية أو حسٍّ ب"ذات"، فيكون، من حيث الأساس، متكلاً كليًّا على البُنى المتغيِّرة أبدًا للوجود الزمني. وما ينجم عن ذلك من انعدام أيِّ حسٍّ بالديمومة وبالاستقلالية يؤدي بمثل هذا الفرد إلى اختبار القلق بأنواعه كافة، وفي المآل، إلى الانصراف عن النماذج السرَّانية ذات المغزى الجمعي للوجود الإنساني لصالح الانكفاء على سياق ذاتي شخصي وخانق، تستهلك الحياةُ نفسَها في إطاره دون الرجوع إلى أيِّ مخطط أو نظام أوسع. والقنوط والإلحاد واليأس هي نواتج حياة كهذه. ما هى الذات ليست الذات المبنية زمنيًّا هي الذات الحقيقية: الذات الحقيقية das Selbst هي الوعي الأسمى الموجود والمتواصل فيما يتعدى كلَّ زمان ومكان الذي أطلق عليه يونغ اسم الوعي المحض أو الذات، في تمييز قاطع له عن "وعي الأنيَّة"، الذي هو الصورة المبنية والمحافَظ عليها زمنيًّا للوجود المنفصل أما أهم تعاليم الغنوصية فهي أنها كانت تُعلِّم بوجود نوعين من الألوهية: وهذا الشكل الأخير للوعي "الدنيوي" طابَق الغنوصيون بينه وبين النفس psukh?، بينما طابَقوا بين الذات أو الوعي المحض وبين الروح pneuma – بمعنى العقل المنعتق من سياقه وقيوده الزمنية. ولقد كان لهذا التمييز دورٌ هام في الفكر الغنوصي؛ وقد أخذ به القديس بولس، بصفةٍ أخص في مذهبه في القيامة الروحية (الرسالة الأولى إلى الكورنثيين 15: 44). والأساس النفساني أو التجريبي لهذا الرأي، هو الإقرار بعجز العقل البشري عن تحقيق مساعيه العظمى مادام خاضعًا للقانون وللنظام الصارم لكوسموس لامبالٍ ومتعالٍ. إن التمييز بين الروح والنفس (الذي يُترجَم إلى التمييز الأكثر أساسية بين العقل والجسم، وربما يحتِّم هذا التمييز أصلاً) يعيِّن بداية موقف مُسْتَعْلٍ ومخلِّصي تجاه الكوسموس والوجود الزمني بصفة عامة. وجود الإنسان تتضمن الخبرة الأساسية للوجود التي وصفتْها الفلسفةُ التي تُعْرَف الآن ب"الوجودية" شعورًا عامًّا بالعزلة والهَجْر Geworfenheit، أي "الانقذاف" في/إلى عالم لا ينصاع لرغبات الإنسان الأصلية (راجع: جوناس، ص 336). إن الاعتراف بأن رغبة الإنسان الأولى أو الأولية هي في تحقيق أو ترسيخ ذات أو "أنا" عيانية (فرد مستقلٍّ ومنفصل موجود ومستمر وسط فيض "الواقع" الزمني والخارجي وجريانه) يؤدي إلى إدراكٍ مزعج بأن العالم ليس متجانسًا مع الكائن البشري؛ إذ إن هذا العالم (على ما يبدو) يتبع مسلكه الخاص – المسلك المخطَّط له والمحرَّك مسبقًا قبل مجيء الوعي البشري بوقت طويل. لا بل إن النشاط الأساسي للإنسان – أي تحقيق ذات مستقلة ضمن العالم – يُنفَّذ على تضادٍّ مع سلطان أو "إرادة" (قوة الطبيعة) يبدو وكأنها تُحبِطُ هذا المسعى الإنساني بامتياز أو تُفسِده على الدوام، بما يقود إلى الإقرار بوجود قدرة مضادة للإنسان، وبالتالي مضادة للعقل؛ وهذه القدرة، بما أنها فاعلة على ما يبدو، موجودة حتمًا. غير أن حقيقة أن فعل تلك القدرة لا يتجلَّى كاتصال بين الإنسانية والطبيعة (أو الموضوعية المحضة)، بل بالحري كسيرورة ميكانيكية للضرورة العمياء، في معزل عن المسعى البشري، تضع الكائن الإنساني في مقام أعلى. إذ على الرغم من أن قوة الطبيعة قد تمحق موجودًا فرديًّا بشريًّا ما محقًا اعتباطيًّا بالسهولة ذاتها التي توجِده بها، فإن هذه القوة الطبيعية ليست واعية بنشاطها. أما العقل البشري، فهو على العكس، واعٍ بما يفعل. وبهذا تحدث فجوةٌ أو صَدْع – كنتاج للانعكاس – قد يتمكَّن الإنسانُ من خلاله أن يوجِّه نفسه، لبرهة وجيزة، مع ونحو العالم الذي يوجد فيه ويستمر. وقد وصف مارتن هيدغِّر تلك البرهة الوجيزة من التوجُّه مع العالم وفيه (نحوه) بوصفها "رعاية" Sorge، هي دومًا رعاية واهتمام ب "اللحظة" Augenblick التي يحدث فيها كلُّ وجود. وهذه "الرعاية" ["الإنسان هو راعي الوجود"] تُفهَم بوصفها نتاجًا لإقرار الإنسانية بحتمية كينونتها نحو الموت لكن هذا التوجُّه لا يكتمل أبدًا، من حيث إن النفس البشرية تكتشف أنها لا تستطيع تحقيق غايتها أو تحقُّقها التام ضمن الحدود التي وضعتْها الطبيعة. وفي حين أن الضرورة المقيِّدة للطبيعة هي حقيقة بسيطة غير قابلة للشكِّ في نَظَر الوجودي، فإنها، عند الغنوصيين، نتاجٌ لمخطَّطات خبيثة من وَضْع إله أدنى، هو الديميورغوس، تمَّ تنفيذُها عبر قانون هذا الإله الجاهل وبه. بعبارة أخرى، فإن الطبيعة، في نَظَر الوجودية الحديثة، لامبالية فقط، في حين أنها كانت عند الغنوصيين معادية بالفعل للمسعى الإنساني: "إن القانون الكوني، الذي كان معبودًا ذات مرة كتعبير عن عقل يمكن لعقل الإنسان أن يتواصل معه في فعل التعرُّف، لا يُرى في حالتنا هذه إلا في مظهره القسري الذي يُجهِض حرية الإنسان." (جوناس، ص 328). وبذلك يؤول الزمن والتاريخ إلى فهمهما كمنشأ للعقل البشري على الضدِّ من مفاهيم مثالية عبثية من نحو القانون nomos والنظام cosmos. المعرفة، من هذا المنطلق، تصير مسعى عيانيًّا – مهمة مخلِّصة للنفس يكلَّف بها الجنسُ البشري. والذات، إذ تعي نفسها، تكتشف كذلك أنها ليست ملكًا لنفسها حقًّا، بل هي بالحري أشبه ما تكون بالمنفِّذ اللاإرادي لمخطَّطات كونية. والمعرفة (الغنوص) قد تحرِّر الإنسان من هذه العبودية. ولكن، بما أن الكوسموس معاكِس للحياة وللروح، فإن المعرفة المُنجِيَة لا يمكن لها أن تهدف إلى الاندماج في الكلِّ الكوني وإلى الانصياع لقوانينه: "فعند الغنوصيين [...] لا بدَّ لغربة الإنسان عن العالم من أن تُعمَّق وتتسنَّم ذروتَها من أجل استخلاص الذات الباطنة التي لا يمكن لها أن تفوز بنفسها إلا على هذا النحو." (جوناس، ص 329) إذ ذاك يصير السؤال البيِّن "من أين جئنا؟" أكثر معقولية في محاذاة وضمن السؤال الأكثر دينامية "إلى أين نمضي؟" التأويل في سياق التفكير الإغريقي القديم، غالبًا ما تلازمتْ كلمةُ herm?neia (تأويل) مع كلمة tekhn? (فن)، فيما عُرَف بtekhn? herm?neutik?، أو "فن التأويل"، الذي ناقشه أرسطو في رسالته في التأويل Peri Herm?neias (باللاتينية: De Interpretatione). والتأويل، بحسب أرسطو، لا يقودنا إلى معرفة مباشرة لمعنى الأشياء، بل إلى مجرد فهمٍ للكيفية التي تؤوْل بها الأشياءُ إلى الظهور أمامنا، وبذلك يزوِّدنا بمنهاج إلى المعرفة التجريبية، إذا جاز التعبير: "علاوة على ذلك، يُعَدُّ الخطابُ تأويلاً لأن العبارة الخطابية إنما هي قبضٌ على التعبير المعنوي الحقيقي، وليست طائفة من الانطباعات المزعومة القادمة من الأشياء ذاتها." (بول ريكور، تعارُض التأويلات، 1974، ص 4) بهذا المعنى، يجوز أن نقول إن "فنَّ التأويل" طريقةٌ تاريخية بامتياز لفهم الواقع أو للتفاهم معه. بعبارة أخرى، بما أن "تعبيرنا" هو دومًا طرح، أي خروج من الأشكال أو النماذج الجاهزة للواقع باتجاه استعمال حيٍّ لتلك النماذج مع الحياة وفيها، إذ ذاك فإننا، بوصفنا كائنات إنسانية مستمرة في عالم الصيرورة، مسؤولون، في التحليل الأخير، ليس عن الحقائق الأبدية أو "الأشياء في ذاتها"، بل فقط عن الصور التي تتخذها تلك الأشياء ضمن سياق وجودٍ حيٍّ ومفكِّر. إذن، فالمعرفة أو الفهم لا يتناولان الأشياء السرمدية والأبدية في ذاتها، بل بالحري السيرورة التي تنكشف من خلالها الأشياءُ – أي الأفكار والموضوعات والأحداث والأشخاص إلخ – ضمن السيرورة الوجودية أو الأونطولوجية للصيرورة المعرفية. فالانتباه إلى السيرورة وإلى انبثاق المعنى يحدث على المستوى الاختباري الأكثر مباشرة للوجود البشري؛ وبالتالي فهو لا يتصف بأية صفة ميتافيزيقية. غير أن ولادة الميتافيزيقا قد تتعيَّن ضمن البِنية الأصلية أو الظاهرية للخبرة الأساسية "الخام"؛ إذ إن العقل البشري مفطور على تنظيم معطياته وترتيبها بحسب مبادئ عقلانية بيد أن السؤال الذي سينطرح حتمًا هو عن أصل اشتقاق تلك المبادئ العقلانية: أهي نتاج مشتق من العالم الظاهري للتجربة؟ أم أنها، على نحو ما، مستوطِنة للعقل البشري بما هو كذلك، وبالتالي أزلية؟ إذا اتخذنا السؤال الأول إجابةً نصل إلى الفينومينولوجيا، التي "تكتشف، بدلاً من ذات مثالية محبوسة ضمن منظومة من المعاني، كائنًا حيًّا اتخذ منذ الأزل عالَمًا – العالمَ – أفقًا لكلِّ مقاصده" (ريكور، ص 9). وبحسب الصياغة العامة المعاصرة أو "ما بعد الحداثية"، فإن مثل هذا "الكائن الحي" مقود دائمًا وفقط، بشكل مقصود، نحو عالَم أو فلك تعددي، حيث النشاط البشري نفسه يصير الهدف الأوحد للمعرفة، في معزل عن أية مُثُل أو ترسيمات ميتافيزيقية "متعالية". من جانب آخر، فإن الغنوصيين، الذين اشتغلوا ضمن السؤال الثاني وعليه وأعطوا عنه جوابًا إيجابيًّا – وإن يكن مشوبًا بشيء من الشاعرية الميثولوجية – يذهبون إلى أن المبادئ العقلانية، التي تبدو وكأنها مستمَدة من مجرد التَّماس مع الواقع المحسوس، تُعَدُّ تذكيرات بوجودٍ موحَّد هو إمكانية أبدية، مُتاحة لأيِّ فرد قادر على التسامي فوق عالم التجربة والسيرورة هذا – أي عالم التاريخ – لا بل على خَرْقه. وهذا "الاختراق" عبارة عن فعل موازنة النفس ضمن التاريخ وفيه، وعن توجيه النفس نحوه، بوصفه نَوَسانًا بين الماضي والحاضر، فيه يتمالك الفردُ نفسَه للأخذ بأحد خيارين: إما الخضوع لفيض وجريان وجود كوني خارج عن مركزه بالدرجة الأولى، أو الكفاح في سبيل إعادة الاندماج في الألوهة، التي يكاد ألا يستذكرها والتي هي أشد إبهامًا من الإدراكات المباشرة للواقع. "إلى أين نمضي؟" هذا التساؤل يقع في اللبِّ من التفسير الغنوصي؛ وهو بالفعل يلوِّن ويوجِّه سائر محاولات التوافق، ليس فقط مع العهد القديم اليهودي الذي مثَّل النصَّ الرئيسي الذي أعمل فيه الغنوصيون تأويلهم، بل مع الوجود بعامة أيضًا. إن المقترَب التأويلي المعياري، في كلا عصرنا الحالي وفي الأزمنة الهلينية المتأخرة، هو نهج التلقِّي – أي التعاطي مع نصوص من الماضي تعاطيًا يحكمُه، من جهة المؤوِّل، اعتقادٌ بأن هذه النصوص تنطوي على ما يمكن لنا أن نتعلَّمه. وسواء كنَّا نكافح من أجل تخطِّي "أحكامنا" وافتراضاتنا المسبقة، التي هي النتيجة الحتمية لانتمائنا إلى موروث معيَّن عن طريق الفعل التأويلي (غدامر)، أو كنَّا نسمح لأحكامنا المسبقة بتشكيل قراءتنا للنص، فإننا، من جراء فعل "استهتار إبداعي" (بلوم)، ما نزال نعترف، على نحو ما، بما ندين به للنصِّ الذي نتعاطى معه أو باتِّكالنا عليه. أما الغنوصيون، في قراءتهم للكتاب المقدس، فلم يعترفوا بمثل هذا الدَّيْن؛ إذ إنهم اعتقدوا بأن الكتاب العبري صُنِّف، بوحي من إله خالق أدنى d?miourgos، مليئًا بأكاذيبٍ القصد منها تشويش عقول وأحكام البشر الروحانيين pneumatikoi الذين عزم هذا الديميورغوس على استعبادهم في هذا الكوسموس المادي. وبالفعل، بينما ينطوي منهج التلقِّي التأويلي على وجود شيء ما نتعلَّمه من النص، فإن الطريقة التي استعملها الغنوصيون (التي يمكن تسميتها منهج "الوحي") تأسَّست على فكرة أنهم – أي الغنوصيين – تلقَّوْا وحيًا "فوق كوني"، إما على هيئة "نداء" أو رؤيا أو حتى، ربما، من خلال إعمال الجدل الفلسفي. وهذا "الوحي" كان هو معرفة (غنوص) أن الجنس البشري غريب عن هذه الدنيا وأن له "مسكنًا سماويًّا"، في "الملأ الأعلى" pl?r?ma، حيث تصير الرغباتُ العقلانية للعقل البشري إلى إيناعها التام الكامل. انطلاقًا من هذا الاعتقاد، فإن المعرفة كلَّها مُلْك للغنوصيين أولاء، وكلُّ تأويل للنصِّ الكتابي إنما غايته تفسير الطبيعة الحقيقية للأشياء بالكشف عن أخطاء الديميورغوس وتحريفاته. وهذا المقترَب تَعامَل مع الماضي كشيء تمَّ تجاوزُه أصلاً، لكنه ما ينفك "حاضرًا" مادام بعض أفراد الجنس البشري يكابدون تحت الناموس القديم – أي ماداموا يقرأون الكتاب المقدس قراءة المتلقِّي. أما الغنوصي، مادام يحيا في الدنيا بوصفه كائنًا موجودًا، فهو، من ناحية أخرى، حاضر ومستقبل في آنٍ معًا – أي أنه يجسِّد في ذاته الديناميةَ الخلاصية لتاريخٍ على قطيعة مع قيد الماضي الاستبدادي، وَجَدَ حرية ابتكار نفسه من جديد. لقد فهم الغنوصي نفسَه بوصفه، في آنٍ معًا، في القلب من التاريخ، وفي نهايته، وفي نقطة الأوج منه؛ وهذه الفكرة أو المثال انعكس انعكاسًا قويًّا للغاية على التأويل الغنوصي القديم. فلننتقلْ الآن إلى مناقشةٍ للنتائج العيانية لهذا المنهج التأويلي. 1.2: الميثولوغوس الغنوصي الفكرة أو المفهوم الغنوصي ليس ابن منهاج أو نظرة فلسفية إلى العالم؛ إذ إن الرؤية الغنوصية للعالم تأسَّست بالحري على حَدْس بوجود هوَّة جذرية، تبدو غير قابلة للردم، بين عالم المكابدة pathos، من جانب، وبين عالم الكينونة الحق، أي الوجود في مظهره الإيجابي والخلاق والأصيل. والمشكلة التي واجهها الغنوصيون هي كيفية تعليل مثل هذا الحدس الجذري ما قبل الفلسفي. وهذا الحدس هو "ما قبل فلسفي" لأن الخبرة الخام للوجود، في عالم مُعادٍ لأشواق الجنس البشري، يمكن لها أن تُسلِسَ ذاتها للعديد من التأويلات؛ ومحاولة التأويل قد تتخذ شكل إما "القصة" muthos أو "العقل" logos: إما مجرد ترجمة وصفية للخبرة، وإما رواية مرتَّبة عقلانيًّا لمثل هذه الخبرة، تتضمَّن شرحًا لأصولها. وقد قُيِّض للتعليل الإغريقي القديم لهذه الخبرة أن يدعوها "رهبة" أو "دهشة" أولية، يشعر بها الإنسان وهو يواجه العالم الذي ينتصب بكلِّ هذا الاستقلال عنه، ثم يضع هذه الخبرة كبداية للفلسفة (راجع: أرسطوطاليس، الميتافيزيقا، 982 ب 10-25 وأفلاطون، ثيئيطيطس، 155 د). لكن الغنوصيين رأوا هذه "الرهبة" بوصفها نتاجًا لاختلال جذري في تناغمِ عالمٍ دائم فيما يتعدى الصيرورة – أي فيما يتعدى "الصيرورة" بمعنى "المعاناة" pathos أو "ما يُكابَد" تتوافق "القصة" دائمًا مع الترجمة "الفورية" التي قام بها امرؤٌ كابَدَ مكابدةً مباشرة تأثيرَ حَدَثٍ ما؛ وهي دومًا تعليلٌ لشيء معروف أصلاً، وبالتالي تحمل ادِّعاءها الحقيقةَ بين طياتها، مثلما أن فورية حَدَثٍ ما تحول دون أيِّ شكٍّ أو تشكيك فيه من جانب مكابِده. أما "العقل"، من ناحية أخرى، فهو نتاج تفكُّر dianoia متأنٍّ، يحيل، من حيث حقانيَّته، ليس إلى اللحظة الفورية ل"التقاط" الظاهرة prol?psis، بل إلى لحظة التفكُّر التي يبلغ المرءُ في أثنائها معرفةً مفهومية للظاهرة ويكون أول مَن يعرفها بما هي كذلك – وذلكم هو "الغنوص": البصيرة. والنتيجة المباشرة لهذا الغنوص هي الانبعاث من حسِّ الوجود ك"مكابدة" إلى فعلية الكينونة ك"شعور" aesthesis – أي تلقِّي الخبرة والحكم عليها عن طريق معايير عقلانية أو محض إلهية. ومثل هذه المعايير ينبع مباشرة من "العقل" logos، أو "المبدأ المنظِّم" الإلهي، الذي اعتقد الغنوصيون أنهم متصلون به عن طريق النَّسَب الإلهي وعلى الرغم من أن الأونطوثيولوجيا (علم اللاهوت الوجودي) الغنوصي تنبسط عن طريق أسطورة متقنة السَّبك، فإنها أسطورة يُخبِر عنها "العقل" دومًا؛ فهي، إذن، بهذه المثابة، "ميثولوجيا" حقيقية – أي أنها رواية، عِبْرَ آنيَّة اللغة، لما هو حاضر أبدًا (عند الغنوصي) كنتاج لتفكُّر ممتاز. نحن الإنسانية بحسب الميثولوجيا الغنوصية (عمومًا)، موجودون في هذه الدنيا لأن إحدى أفراد الألوهة المتعالية، صوفيا (الحكمة)، رغبت في تحقيق كمونها الفطري للإبداع من دون إذْنٍ من شريكها أو زوجها الإلهي. وكبرياؤها، في هذا الصدد، كان بمثابة مادة خام، ورغبتُها (التي توجَّهتْ إلى الآب السرِّي المبهم) تجلَّتْ بوصفها يلضباؤوث، الديميورغوس – مبدأ الكون والفساد المرتد ذاك، الذي عِبْرَ ضرورته الجبرية، يَهَبُ الكائناتِ جميعًا الحياة، للحظة وجيزة، ثم يقضي عليها بالموت إلى الأبد. غير أنه بما أن "الملأ الأعلى" ذاته، بحسب الغنوصيين، ليس مستثنى من الرغبة أو الهوى، لا مندوحة من تدخُّل حَدَثٍ خلاصي أو مخلِّص – أي المسيح، الكلمة، "الرسول"، إلخ – ينزل إلى العالم المادي من أجل إبطال الأهواء كافة والارتقاء ب"الشرارات" الإنسانية البريئة (التي سقطت من صوفيا) إلى مرتبة الملأ الأعلى (راجع: كتاب يوحنا المنحول [سفر المخطوطات 2] 9: 25-25: 14 وما بعدها). وإن سيرورة الاندماج من جديد هذه مع الألوهة وفيها هي واحدة من المعالم الأساسية للأسطورة الغنوصية. والهدف من هذا الاندماج (ضمنًا) هو تأسيس سلسلة من الموجودات متأخِّرة أونطولوجيًّا عن صوفيا، وهي التجسيد العياني لرغبتها "المُصدِّعة" – ضمن الحلبة الموحَّدة للملأ الأعلى. فبالفعل، إذا كان الملأ الأعلى حقًّا هو الامتلاء، الحاوي على الأشياء كلِّها، فلا بدَّ أن يحتوي المبادئ العديدة لتوق الحكمة. بهذا المعنى يجب ألا ننظر إلى الخلاص الغنوصي كقضية وحيدة الجانب وحسب: ف"الشرارات" الإلهية التي سقطت من صوفيا، في أثناء "آلامها"، هي مظاهر غير مندمجة بعدُ للألوهة. في وسعنا القول، إذن، أن الإله الغنوصي الأسمى يسعى أبدًا، بالمعنى الهيغلي، إلى تحقُّقه الخاص عن طريق الوعي الذاتي الكامل (راجع: غ.ف.ف. هيغل، تاريخ الفلسفة، الجزء 2، ص 396-399). لكن الأمر ليس بهذه البساطة فعلاً: فإله الغنوصيين الأسمى يلد الملأ الأعلى من غير جهد؛ ومع ذلك (أو ربما لهذا السبب!) يتفق لهذا الملأ الأعلى أن يسلك في استقلالية عن الآب – وهذا لأن جميع أفراد الملأ الأعلى (المعروفين بالأيونات Aeons) هم أنفسهم "جذور وينابيع وآباء" (الرسالة المثلثة، 68: 10)، يحملون الزمن في أنفسهم كشرط من شروط كينونتهم. حين أزعج الاختلال الذي نجم عن رغبة صوفيا الملأ الأعلى، لم يُفهَم هذا الأمر كاختلال لوحدة مسبَّقة الرسوخ، ولكن بالحري كاختلالٍ لركود لا يطاق، قُيِّض له أن يُحتَفى به بوصفه إلهيًّا. وبالفعل، عندما نظر الإغريق إلى السماء للمرة الأولى وأُعجِبوا بانتظام دوران النجوم والكواكب، فإن ما أُعجِبوا به – بحسب الغنوصيين – ليس صورة الألوهة، بل صورةٌ أو تمثيلٌ لركود "إلهي"، لقانون ونظام خَنَقا الحرية، التي هي أصل الرغبة (راجع: جوناس، ص 260-261). إن آلام صوفيا – إنتاجها للديميورغوس، استعباده ل"الشرارات" الإنسانية في الكوسموس المادي، الفداء والتجديد اللاحقين – ليست إلا فصلاً عرضيًّا في الدراما المتفتِّح اللانهائي للوجود الأرضي. ونحن، بوصفنا بشرًا، اتَّفق لنا أن نكون الضحايا غير المقصودين لهذا الدراما. وإذا كان خلاصنا، كما يذهب الغنوصيون، عبارة عن صيرورتنا آلهة (بويماندرس، 26) أو "سادة على الخلق وعلى كلِّ فساد" (فالنتينوس، المقطع و، ليتون)، كيف نكون واثقين من أنه، في أزمنة قادمة، لن يضع أحدُنا كونًا ملعونًا آخر، مثلما فعلتْ صوفيا؟ الغنوصية المسيحية كان للفكرة المسيحية القائلة بأن الربَّ قد أرسل "ابنه" الوحيد (الكلمة) ليتألَّم ويموت من أجل خطايا البشرية جمعاء، وبهذا يجعل الخلاص متاحًا للجميع، وَقْعٌ عميق على الفكر الغنوصي. ففي المجموعة الواسعة والهامة من الكتابات الغنوصية المكتشَفة في نجع حمادي (مصر) في العام 1945، ليس ثمة غير حفنة منها من الممكن أن تكون نشأت في وسط ما قبل مسيحي، هلِّيني يهودي على الأغلب؛ ذلك أن غالبية هذه النصوص هي كتابات مسيحية غنوصية تعود إلى الفترة من أوائل القرن الثاني وحتى أواخر القرن الثالث الميلادي، وربما بعد ذلك بقليل. وعندما ننظر في مفهوم الخلاص ومعناه عند الغنوصيين الأوائل، الذين ركزوا على المظهر الخلاق لوجودنا ما بعد الخلاصي، يذهلنا التأكيدُ الجريء الذي مفاده أن حاجتنا إلى الخلاص نشأت، في المقام الأول، من خطأ اقترفه كائنٌ إلهي، هو صوفيا (الحكمة)، إبان قيامها بفعلها الخلاق (راجع: كتاب يوحنا المنحول [سفر المخطوطات 2] 9: 25-10: 6). وبما أن الحال هي كذلك، كيف – نتساءل قطعًا – سيكون وجودُنا فيما بعد الخلاص أقل تعرضًا للغلط أو للجهل، وحتى للشر؟ لقد قدَّمتْ الرسالةُ الجذرية للمسيحية الأولى الجوابَ على هذا السؤال الإشكالي؛ وبهذا التقط الغنوصيون الفكرة المسيحية وحوَّلوها، بقوة فنِّهم القصصي العقلي، إلى ترسيمة تأملية فلسفية ولاهوتية التركيب. * النوع الأول: وهو الإله السامي? أو العظيم? وهذا الإله يرأس سلسلة كثيرة الحلقات من الآلهة المتميزين الواحد عن الآخر في الدرجة والسلطان قد انبثعوا سواء من هذا الإله الأعظم أو خرجوا الواحد من الآخر، وهذه الكائنات سواء كانت منفردة منعزلة أو كانت أزواجاً فإنها كوّنت معاً ما يسمى المجموعة الإلهية، وقد حدث خلل في هذه المجموعة نتيجة لسقوط أحدها? ولكن هذا الكائن الإلهي الذي سقط سيرد إلى رتبته وطهارته عندما تتم عملية الفداء, * النوع الثاني: وهو يشبه النوع الأول من حيث النظام والتكوين? ولكنه يختلف من حيث النوع لأن الذي يرأس هذه المجموعة إله شرير? الإله الذي خلق المادة? نصف الإله وقد ساعد الإله? وتعاون معه الآلهة الأشرار والمخربون, والصراع بين إله الشر وأعوانه? وإله الخير وأعوانه مستمر غير أن المرء ما يلبث أن يجد، بعد أن يقال كلُّ شيء ويُفعَل، أن خطأ صوفيا واستيلاد كونٍ أدنى هما حدثان يتبعان قانونًا محددًا للضرورة، وأن ما يُسمَّى ثنوية الإلهي والأرضي هو حقًّا انعكاسٌ وتعبيرٌ عن التوتر المعيِّن الذي يشكِّل كينونة الإنسانية – الكائن البشري. أثناسيوس الرسولى وأكليمنضس السكندرى والغنوسية ويرجع أصول العنوسية إلى القرنين الأول والثاني ق م، مثل المقالات المبكرة لل Corpus Hermeticum ["المجموعة الهرمسية"]، والكتابات العبرية الرؤيوية – وخاصة الفلسفة الأفلاطونية والكتب اليهودية المقدسة وكان من أبرز كبار قادة الغنوصيين فى القرن الرابع بالإسكندرية هم باسيليدس وكربو كراتس وفالنتينوس. وقد حذر القديس أثناسيوس الرسولى من خطرهم على العقيدة المسيحية بينما قام القديس اكليمنضس الإسكندري بوضع دراسات تحليلية لعقيدة فئات غنوصية متعددة وحاول أن يؤسس "غنوصية مسيحية حقيقية". التعاليم الغنوصية 1- تؤمن الغنوصية بالثنائية وتفصل بين العالمين الروحي والمادي. 2- اعتقدت الغنوصية بأن الكون شئ مادي خلق نتيجة لنزول الحكمة. وقال بعضهم إن العالم هو أصلا من صنع إله مزج بين الإنسان الأبدي وعناصر الشر. وأن الإله له القدرة على إصلاح العالم . . وقالت الغنوصية بأن خلق الكون المادي قد خرج من الكون الإلهي بواسطة سلسلة انبثاقات طويلة أو قصيرة. 3- قسّم الغنوصيون المؤمنين بها إلى طبقتين: الروحيون الذين هم نفوس مستنيرة والجسديون أو الماديون وهم عبيد المادة. وأضاف بعض فئات الغنوصيين فئة النفسانيين وهم طبقة متوسطة. 4- أرجع الغنوصيون اكتسابهم للمعرفة السرية بواسطة الصبر و المثابرة على استقامة الأخلاق والاستنارة الفجائية التي تمكنهم من إدراك الطريق الإلهى والكون وذواتهم. وقالوا إن هذه المعرفة تحرر البشر وتكشف لهم أسرار الحق. 5- أعتقد الغنوصيون أنهم تبحروا فى فهم المعرفة والحكمة فقالت جماعة منهم هي جماعة ناسن (200م): "إننا وحدنا نعرف أسرار الروح غير المنطوق بها". 6- وأعتقد للغنوصيين أن السيد المسيح هو مبعوث الله العلي الجالب "المعرفة". وبما أنه الكائن الإلهي فقد اتخذ الجسد البشري ولكنه لم يتعرض للموت. فهو قد سكن مؤقتا في جسد بشري. 7- آمن الغنوصيون بالقضاء والقدر. دخل الغنوصيون في جدال عنيف مع معارضيهم من المسيحيين الأقباط الأرثوذوكس من قادة مدرسة أفسكندرية حول العلاقة بين العهدين القديم والجديد. فبينما أكد اباء الكنيسة على الحفاظ على العلاقة بين العهدين على أساس العلاقة الواحدة لروح الكتاب أبرز الغنوصيون المتناقضات بين ناموس العهد القديم والأناجيل. كما عاب الأرثوذوكس على الغنوصية إيمانها بالقضاء والقدر وبالعقيدة الثنائية فقد تركت الغنوصيّة أدب دعاية غزيرًا انتشر في الشرق الأوسط: في سورية مع الكسائيّة (شيعة تحافظ على عادات يهوديّة) والمعمدانيّين الذين سيلدون التيّار المندعي (أو العارفين). وفي الإسكندريّة التي ظلّت مكان تخمير فكريّ. ومن هناك انتقلت إلى المراكز المثقّفة في عالم البحر المتوسّط (رومة، أثينة) رفي العالم الفارسيّ حيث ستنفصل عنها المانويّة في القرن الثالث كان لهذا الأدب سوابقُ وثنيّةٌ ولاسيّما في مجموعة هرمس. ولكن حين أدخل النهج الغنوصيّ عناصر مسيحيّة. دخل في عالم المعمّدين والموعوظين. من جهة، اقتدى الكتَّاب بالفنون الأدبيّة في الكتابات الرسوليّة فدوّنوا أناجيلَ ورؤىً (لا رسائل لأنّهم لا يقدرون أن يزيّفوها). ومن جهة ثانية، تخفّت المؤلَّفات تحت اسم رسل المسيح: توما، يعقوب، فيلبّس، برثلماوس، متّيّا... وهكذا عُرض تعليمُ المعلّمين الغنوصيّين في مؤلّفاتهم. مثلاً: تفسير يوحنّا لهيراكليون، الذي سيرد عليه أوريجانس. "رسالة من بطليموس إلى فلورا". كتبها تلميذ إيطاليّ لولنطينس واحتفظ بها إبّيفانيوس. وانتقل التقليد الدينيّ لباسيلديس (بين 120 و150) وولنطينس (بين 135 و160) من خلال الأدب المنحول، فانتشر في أوساط واسعة: إنّ مسيح الإيمان قد أعطى تعاليم سريّة لبعض تلاميذَ مختارين، قبل انطلاقه من هذا العالم أو بعد قيامته. واتّخذ مضمونُ هذا التعليم شكلَ "أقوال" انحرفت فجها بعض الموادّ الإنجيليّة الأولى عن معناها، فأعيد تفسيرها وتأليفها، وصيغت صياغةً جديدةً وموسّعة. إنّ إنجيل توما (يعود إلى القرن الثاني وإلى محيط سوريّ) يعطينا أمثلة عن هذه العمليّات المختلفة.
المزيد
11 أبريل 2024

بدعة ميناندر الهرطوقى العراف

كان سامرى وتلميذ لسيمون الساحر، وأنه أتى إلى انطاكيه وخدع كثيرين بسحره فقد علم ميناندر أن من يتبعه لن يموت .. ويذكر أن ميناندر أدعى أنه المخلص المرسل من فوق العالم الايونات المرئيه، حتى ما يخلص البشر . فبواسطة المعموديه التى يمنحها هو، يصير الإنسان أعلى من الملائكه المخلوقين. وقد أتسع نفوذ ميناندر فى انطاكيه بين سنتى 100،70م. ميناندر العراف ذكر يوسابيوس القيصرى (1): ميناندر العراف: 1 - لقد برهن ميناندر (2) خلف سيمون الساحر، بتصرفاته على أنه آله أخرى فى يد القوة الشيطانية لا يق عن سلفه، وكان هو أيضاً سامرياً، وأذاع أضاليله إلى مدى لا يقل عن معلمه، وفى نفس الوقت عربد فى طياشات أعجب منه، لأنه قال بأنه هو نفسه المخلص الذى أرسل من الدهور غير المنظور لخلاص البشر(3) 2 - وعلم بانه لا يستطيع أحد أن ينال السيادة على الملائكة نفسها خالقة العالم (أتفق مع سيمون بان الملائكة خلقت العالم)، إلا إذا جاز فى النظام السحرى الذى يمنحه هو وقبل المعمودية منه، أما من يحسبون أهلاً لهذا فإنهم ينالون الخلود الدائم حتى فى الحياة الحاضرة، ولن يموتوا، بل يبقون إلى الأبد، ويصبحون عديمى الفناء دون أن يشيخوا، وهذه الحقائق يمكن أن نجدها بسهولة فى مؤلفات إيريناوس. 3 - أما يوستينوس فإنه فى الفقرة التى تحدث فيها عن سيمون قدم وصفاً عن هذا الرجل أيضاً فى الكلمات التالية: " ونحن نعلم أن شخصاً معيناً أسمه ميناندر، وكان أيضاً سامرياً من قرية كابرانى (مكان هذه القرية غير معروف الآن) وكان تلميذ لسيمون، وهو أيضاً إذ طوحت به الشياطين أتى إلى أنطاكية وأضل الكثيرين بسحره، وأقنع أتباعه بأنهم لم يموتوا، ولا يزال البعض منهم موجود ويؤكد هذا" 4 - وقد كانت مهارة من أبليس حقاً أن يحاول، بإستخدام أمثال هؤلاء العرافين الذين أنتحلوا لأنفسهم أسم مسيحيين، تشويه سر التقوى العظيم بالسحر، وتعريض تعليم الكنيسة عن خلود النفس وقيامة الأموات للسخرية، على أن الذين أختاروا هؤلاء الناس كمخلصين لهم سقطوا من الرجاء الحقيقى.
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل