المقالات

16 مايو 2024

بدعة الأمونيوسية

[ توحيد الديانات الوثنية في المسيحية ] نسبة إلى أمونيوس السقاص » الذي ظهر في القرن الثاني الميلادي ضمن جماعة المبتدعين الدارسين في مدرسة الإسكندرية الذين جرهم إلى الهرطقة تفننهم فى مزج أسرار الديانات الوثنية المصرية وغوامض رموزها بقواعد الإيمان المسيحي البسيطة راغبين في إذاعة تعاليمهم المسيحية متوشحين بأثواب الفلاسفة ورتبهم فاستعاروا التعاليم الأفلاطونية وألبسوها الصفة المسيحية ، وقد كان من بين هؤلاء أمونيوس هذا الذى أراد أن يضم جميع الأديان بما فيها الدين المسيحى إلى ديانة واحدة ليعتنقها الجميع وحاول أن يجعل قواعد هذه الديانة الموحدة مرضية لكل المؤمنين بالأديان المختلفة فحول كل تاريخ الآلهة الوثنية إلى تشابه واستعارات مثبتاً أن ما يكونه العامة والكهنة بألقاب آلهة إنما هم خدام الله الذين يليق بنا أن نقدم لهم الخشوع حتى لا يبعدوا عن الخشوع الأعظم اللائق بالله تعالى، وزعم بأن المسيح كان إنساناً خارقاً للعادة وحبيباً الله وعارفاً بعمل الله بطريقة عجيبة وأنكر أن المسيح أخذ في ملاشاة عبادة الأرواح خدام العناية الإلهية (آلهة الوثنيين ) بل أراد أن يزيل ما تلطخت به الأديان القديمة وتلاميذه أفسدوا ودنسوا مبادىء معلمهم . [ تاريخ الكنيسة القبطية » - المرجع السابق ] .
المزيد
09 مايو 2024

بدعة الغنوسية

أثر الغنوسية ظاهراً في التعاليم التي سبقت كلها. واللفظ اليوناني غنوسيس Gnosis معناه المعرفة والحكمة. والغنوسية محاولة فلسفية دينية لتفسير الشر والخلاص منه. والغنوسيون يقولون بإله أعلى لا يدرك صدرت عنه أرواح سموها أيونات وأراكنة. وهه صدرت زوجاً فزوجاً ذكراً وأنثى فتضاءلت في الألوهية كلما ابتعدت عن مصدرها الإله الأعلى. وقالوا أن أحد هذه الأركنة أراد أن يرتفع إلى مقام الإله الأعلى فطرد من العالم المعقول. ثم أضافوا أنه صدر عن هذا الأركون الخاطئ أرواح شريرة مثله وصدر العالم المحسوس الذي لم يكن ليوجد لولا الخطيئة. فهوا والخالة هذه عالم شرّ ونقص بصانعه وبالمادة المصنوع منها. وقالوا أيضاً أن هذا الأركون الخاطئ حبس النفوس البشرية في أجسامها فكوَّن الإنسان وأن هذه النفوس تتوق إلى الخلاص وأن الناجين قليل لأن الناس طوائف ثلاث متمايزة: طائفة أولى تشمل الروحيين الذين هم من أصل إلهي وهم الغنوسيون صفوة البشر طائفة ثانية تتألف من الماديين الذين لا يمكنهم الصعود فوق العالم السفلي. طائفة ثالثة تجمع الحيوانيين الذين قدّر لهم الارتفاع والسقوط. النجاة والهلاك. واختلفوا في وسيلة النجاة فمنهم من قهر الجسم وطرح كل ما يثقل النفس ويمنعها من الوصول إلى المقر الذي هبطت منه ومنهم من قال بدناءة الجسم فأطلق العنان للشهوة وعظموا الفراغ بين الإله الأعلى والعالم وخشوا استحالة رجوع النفوس إلى هذا الإله فقالوا بايونات تصدر عن الإله الأعلى ووجدوا فيها سلسلة من الوسطاء بين الأنفس والإله الأعلى. فإذا ما حاولت الأنفس الاجتياز من عالمها السفلي إلى العلوي قالت "كلمة السرّ" لكل ايون تصادفه وتحولت إلى صورته. وكان القول بالوسطاء شائعاً فسماهم البعض مثلاً أخذاً عن الأفلاطونية ودعاهم البعض الآخر "كلمات" أي القوى الطبيعية الكبرى بموجب الفلسفة الرواقية. وسماهم فيلون اليهودي "الملائكة" وغيره عبّر عنهم ب "الجن" وأتباع الفكر الغنوس هم أكثر الناس الذي أخذوا يؤلفون أناجيل منحولة ما بين منتصف القرن الثاني حتى القرن الثالث. البدعة الغنوصية (الغنوسية أو الغنوسطية) تبلور الفكر الدوسيتي إلى فكر الغنوسية وأصبح هو محور الفلسفة الغنوسية الرئيسى البدعة (الهرطقة) الغنوصية / العارفين بالرب مخطوط رقم - 2 في المجموعة الغنوسية (مذهب المعرفة الروحية) والتي تضم 13 مخطوطا أو جزءا، وتجمع بين المسيحية والفلسفة الغنوسية. وهي تحمل الدليل الوحيد في الدنيا على وجود هذا المذهب. ويضم المخطوط أيضا كتابين مشكوك في صحة نسبتهما، وهما: إنجيل مريم وإنجيل توما. وتحتوي هذه البردية أيضا على نقوش تمثل عددا من التويجات التي تشبه زخارف مضفرة (مجدولة) تعد هذه النقوش أقدم نموذج لمثل هذه الزخارف في المخطوطات القبطية. والمخطوط مكتوب بالقبطية، كل صفحة تحتوى على 34 سطرا مدونا. الأبعاد العرض 14.5 سم الطول 28 سم أسم الغنوسية يعنى المعرفة أو البصيرة كلمة "غنوص" gn?sis، التى أطلقت على هذه الطائفة هى كلمة اليونانية تعنى "معرفة" أو "بصيرة"، وأُطلِقَ هذا الإسم على طائفة دينية لها فكر فلسفى ليس لها تنظيم معين ازدهرتْ في القرنين الأول والثاني للميلاد وخاصة فى مصر حتى عصر أثناسيوس الرسولى، وكانت الإسكندرية بمصر أهم مراكز الغنوصية أو الغنوسية فقد عثر على كتاباتهم من ضمن مخطوطات نجع حمادى الشهية (الصورة الجانبية أحدى أوراق مجموعة نجع حمادى) (1) والغنوصية كلمة يونانية تعني المعرفة أو الحكمة وقد اطلقت الجرائد التى تصدر فى مصر عن هذه الفئة الغنوسية أسم " العارفين بالله" المذهب أو البدعة الغنوسية المصرية يقول القس منسى يوحنا تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا طبع مكتبة المحبة سنة 1982 م الطبعة الثالثة ص 23 الغنوسطية أى مذهب التوليد وقد نشأت فى فلسطين أو سوريا عند ظهور الدين المسيحى، ولم يكن مذهب الغنوسطيين إلا خلط ما بين المسيحية والأديان الوثنية القديمة، وأنشأوا له مدرسة فى الأسكندرية فى أوائل القرن الثانى الميلادى وأعتنقة بعض المصريين، ولكن الغنوسطية المصرية كانت تختلف عن الغنوسطية الأسيوية فقد أعتقد المصريون أن المادة أبدية وحيوية أيضاً، وكانوا يعتقدون أن المسيح هو شخصان .. الأنسان يسوع وابن الله أو المسيح - فالمسيح الشخص الإلهى زعموا أنه دخل فى يسوع الإنسان حين أعتمد من يوحنا وتركه حين قبض عليه اليهود وكانوا يعتقدون أن للمسيح جسداً حقيقياً لا وهمياً مع أنهم لم يتفقوا على ذلك، ووضعوا شرائع أخرى تبيح بفساد أميال البشر، وقد أنقرضت هذه البدعة أو الهرطقة فى أواخر القرن السادس . لماذا درس عالم ألمانى الغنوسية؟ أشتهرت الهرطقة أو البدعة الغنوصية بعد قام البروفيسور كورت رودولف وهو من من أبرز العلماء الألمان الذين اهتموا بتاريخ الأديان وفلسفتها بعد كتب عدة كتب منها كتابه الشهير "الغنوصية: طبيعة وتاريخ الغنوصية" (الترجمة الانكليزية 1987), و الكتب الأخرى هى كتاب "المندائيون" (بالألمانية 1960-1961 في مجلدين), وكتاب آخر بالانكليزية عن المندائيين (لايدن 1978) ومن المعروف ان البروفيسور كورت رودولف قام بالتدريس فى جامعات أميركية عديدة كما شغل منصب بروفيسور في جامعة فيليبس في مدينة ماربورغ الألمانية قبل تقاعده .، وقام ايضاً بترجمة أحد كتبهم الدينية "ديوان نهرواثا" (أي ديوان الأنهر, برلين 1982). وأصبح البروفيسور كورت رودولف عضوا فخرياً مدى الحياة في الاتحاد الدولي لتاريخ الأديان ويرجع إهتمام البروفيسور كورت رودولف بالغنوصية لأنه كان لها علاقة بالمعرفة الخاصة بأصل النفس البشرية وبكيفية عودة النفس الى عالم النور . ويعتقد أن الأقباط وهراطقة مسيحيين آخرين قاموا بنسخ مخطوطات الغنوصيين فى القرون اللاحقة لهذا السبب بعينه، وقد تأثرت فئات أو مجموعات من البشر بالأفكار الغنوصية تعود الى القرن الأول الميلادي, ويرجح بعض المؤرخين إلى أنها كانت موجودة في فترات أقدم, لكن بالتأكيد عاشت هذه الجماعات عصرها الذهبي في القرنين الثاني والثالث الميلاديين. الفلسفة الغنوسية وفكر الغنوصية هو فى الأصل خليط من أفكار مسيحية ويهودية وإغريقية وثنية، . فالثقافة اليونانية الغربية القديمة التى كانت قبل المسيحية تمازجت بالمصرية الشرقية . هذه الجماعات أنتشرت وعاشت في مناطق متفرقة من مصر، وكان يقودها أسقف بتنظيم صارم كالبابا، وعندما كان هؤلاء الغنوصيين يعيشون فى مجموعات قليلة متفرقة كان يراسهم كاهن وكان كثير من الغنوصيين من النساك ويؤكد بعض المؤرخون أن الغنوصية هى خليط من فكر فارس? وحكمة مصر والفلسفة الأفلاطونية يقوم الفكر الفلسفى على التأمل وتجيب الغنوسية على: " الأسئلة الأساسية عن الوجود أو عن "الوجود–في–العالم" Dasein، بمعنى: مَن نحن (كبشر)؟ .. من أين أتينا؟ .. إلى أين نتَّجه؟ – تاريخيًّا وروحيًّا " الغنوسية تجيب من أين أتينا؟ العالم – الكون المادي – وفقًا للغنوصيين، هو نتيجة لخطأ أصلي من جانب الكائن فوق الكوني، السامي الألوهية، الذي عادة ما يُطلَق عليه اسمُ صوفيا (الحكمة) التى هى "الكلمة" Logos. هذا الكائن يوصف باعتباره الفيض الأخير لتراتبية إلهية، تُدعى "الملأ الأعلى" Pl?r?ma أو "الكمال"، على رأسها يقيم الإلهُ الأسمى، الواحد المتعالي على الوجود. خطأ صوفيا – الذي يوصف كرغبة طائشة في معرفة الإله المتعالي – أدَّى إلى "أقْنَمَة" [= تحويل إلى أقنوم] رغبتها على هيئة مخلوق نصف إلهي، جاهل أساسًا، عُرِفَ بالديميورغوس (من الإغريقية: D?miourgos، "الباري")، أو يلضباؤوث Ialdabaoth، هو المسؤول عن تكوين الكون المادي. هذه الصنعة الماهرة هي في الواقع محاكاة لعالم الملأ الأعلى؛ لكن الديميورغوس يجهل ذلك ويُعلِن نفسه بكلِّ اعتداد بوصفه الإله الأوحد الموجود. عند هذه النقطة، يبدأ النقد التنقيحي الغنوصي للكتب المقدسة اليهودية، كما يبدأ الرفض العام لهذا العالم بوصفه نتاجًا للخطأ والجهل، ويبدأ افتراض وجود عالم أعلى تعود إليه النفسُ الإنسانية في المآل. مَن نحن؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتضمن تعليلاً (الكلمة) لطبيعة النفس psukh? ؛ ومحاولةُ تقديم إجابة عن هذا السؤال أطلق عليها "علم النفس" أو ممارسته فى العصر الحديث – وهو يقدم تعليلاً للنفس أو الذهن psukh? في اللغة اليونانية القديمة، كلمة تطلق على معنيين فى آن واحد الأول على النفس، كمبدأ الحياة، ويطلق أيضاص على الذهن، كمبدأ العقل لقد ميَّز كارل يونغ – اعتمادًا على النظريات الغنوصية الأسطورية – الوعي الموجَّه موضوعيًّا بالجزء المادي أو "الجسدي" من الجنس البشري – أي، بحسب الغنوصيين، ذلك الجزء من الإنسان المشدودَ إلى الدورة الكونية للكون والفساد والخاضع لقيود الجَبْر والزمن إن الإنسان الذي يتماهى مع العالم الموجود موضوعيًّا يؤوْل إلى بناء شخصية أو حسٍّ ب"ذات"، فيكون، من حيث الأساس، متكلاً كليًّا على البُنى المتغيِّرة أبدًا للوجود الزمني. وما ينجم عن ذلك من انعدام أيِّ حسٍّ بالديمومة وبالاستقلالية يؤدي بمثل هذا الفرد إلى اختبار القلق بأنواعه كافة، وفي المآل، إلى الانصراف عن النماذج السرَّانية ذات المغزى الجمعي للوجود الإنساني لصالح الانكفاء على سياق ذاتي شخصي وخانق، تستهلك الحياةُ نفسَها في إطاره دون الرجوع إلى أيِّ مخطط أو نظام أوسع. والقنوط والإلحاد واليأس هي نواتج حياة كهذه. ما هى الذات ليست الذات المبنية زمنيًّا هي الذات الحقيقية: الذات الحقيقية das Selbst هي الوعي الأسمى الموجود والمتواصل فيما يتعدى كلَّ زمان ومكان الذي أطلق عليه يونغ اسم الوعي المحض أو الذات، في تمييز قاطع له عن "وعي الأنيَّة"، الذي هو الصورة المبنية والمحافَظ عليها زمنيًّا للوجود المنفصل أما أهم تعاليم الغنوصية فهي أنها كانت تُعلِّم بوجود نوعين من الألوهية: وهذا الشكل الأخير للوعي "الدنيوي" طابَق الغنوصيون بينه وبين النفس psukh?، بينما طابَقوا بين الذات أو الوعي المحض وبين الروح pneuma – بمعنى العقل المنعتق من سياقه وقيوده الزمنية. ولقد كان لهذا التمييز دورٌ هام في الفكر الغنوصي؛ وقد أخذ به القديس بولس، بصفةٍ أخص في مذهبه في القيامة الروحية (الرسالة الأولى إلى الكورنثيين 15: 44). والأساس النفساني أو التجريبي لهذا الرأي، هو الإقرار بعجز العقل البشري عن تحقيق مساعيه العظمى مادام خاضعًا للقانون وللنظام الصارم لكوسموس لامبالٍ ومتعالٍ. إن التمييز بين الروح والنفس (الذي يُترجَم إلى التمييز الأكثر أساسية بين العقل والجسم، وربما يحتِّم هذا التمييز أصلاً) يعيِّن بداية موقف مُسْتَعْلٍ ومخلِّصي تجاه الكوسموس والوجود الزمني بصفة عامة. وجود الإنسان تتضمن الخبرة الأساسية للوجود التي وصفتْها الفلسفةُ التي تُعْرَف الآن ب"الوجودية" شعورًا عامًّا بالعزلة والهَجْر Geworfenheit، أي "الانقذاف" في/إلى عالم لا ينصاع لرغبات الإنسان الأصلية (راجع: جوناس، ص 336). إن الاعتراف بأن رغبة الإنسان الأولى أو الأولية هي في تحقيق أو ترسيخ ذات أو "أنا" عيانية (فرد مستقلٍّ ومنفصل موجود ومستمر وسط فيض "الواقع" الزمني والخارجي وجريانه) يؤدي إلى إدراكٍ مزعج بأن العالم ليس متجانسًا مع الكائن البشري؛ إذ إن هذا العالم (على ما يبدو) يتبع مسلكه الخاص – المسلك المخطَّط له والمحرَّك مسبقًا قبل مجيء الوعي البشري بوقت طويل. لا بل إن النشاط الأساسي للإنسان – أي تحقيق ذات مستقلة ضمن العالم – يُنفَّذ على تضادٍّ مع سلطان أو "إرادة" (قوة الطبيعة) يبدو وكأنها تُحبِطُ هذا المسعى الإنساني بامتياز أو تُفسِده على الدوام، بما يقود إلى الإقرار بوجود قدرة مضادة للإنسان، وبالتالي مضادة للعقل؛ وهذه القدرة، بما أنها فاعلة على ما يبدو، موجودة حتمًا. غير أن حقيقة أن فعل تلك القدرة لا يتجلَّى كاتصال بين الإنسانية والطبيعة (أو الموضوعية المحضة)، بل بالحري كسيرورة ميكانيكية للضرورة العمياء، في معزل عن المسعى البشري، تضع الكائن الإنساني في مقام أعلى. إذ على الرغم من أن قوة الطبيعة قد تمحق موجودًا فرديًّا بشريًّا ما محقًا اعتباطيًّا بالسهولة ذاتها التي توجِده بها، فإن هذه القوة الطبيعية ليست واعية بنشاطها. أما العقل البشري، فهو على العكس، واعٍ بما يفعل. وبهذا تحدث فجوةٌ أو صَدْع – كنتاج للانعكاس – قد يتمكَّن الإنسانُ من خلاله أن يوجِّه نفسه، لبرهة وجيزة، مع ونحو العالم الذي يوجد فيه ويستمر. وقد وصف مارتن هيدغِّر تلك البرهة الوجيزة من التوجُّه مع العالم وفيه (نحوه) بوصفها "رعاية" Sorge، هي دومًا رعاية واهتمام ب "اللحظة" Augenblick التي يحدث فيها كلُّ وجود. وهذه "الرعاية" ["الإنسان هو راعي الوجود"] تُفهَم بوصفها نتاجًا لإقرار الإنسانية بحتمية كينونتها نحو الموت لكن هذا التوجُّه لا يكتمل أبدًا، من حيث إن النفس البشرية تكتشف أنها لا تستطيع تحقيق غايتها أو تحقُّقها التام ضمن الحدود التي وضعتْها الطبيعة. وفي حين أن الضرورة المقيِّدة للطبيعة هي حقيقة بسيطة غير قابلة للشكِّ في نَظَر الوجودي، فإنها، عند الغنوصيين، نتاجٌ لمخطَّطات خبيثة من وَضْع إله أدنى، هو الديميورغوس، تمَّ تنفيذُها عبر قانون هذا الإله الجاهل وبه. بعبارة أخرى، فإن الطبيعة، في نَظَر الوجودية الحديثة، لامبالية فقط، في حين أنها كانت عند الغنوصيين معادية بالفعل للمسعى الإنساني: "إن القانون الكوني، الذي كان معبودًا ذات مرة كتعبير عن عقل يمكن لعقل الإنسان أن يتواصل معه في فعل التعرُّف، لا يُرى في حالتنا هذه إلا في مظهره القسري الذي يُجهِض حرية الإنسان." (جوناس، ص 328). وبذلك يؤول الزمن والتاريخ إلى فهمهما كمنشأ للعقل البشري على الضدِّ من مفاهيم مثالية عبثية من نحو القانون nomos والنظام cosmos. المعرفة، من هذا المنطلق، تصير مسعى عيانيًّا – مهمة مخلِّصة للنفس يكلَّف بها الجنسُ البشري. والذات، إذ تعي نفسها، تكتشف كذلك أنها ليست ملكًا لنفسها حقًّا، بل هي بالحري أشبه ما تكون بالمنفِّذ اللاإرادي لمخطَّطات كونية. والمعرفة (الغنوص) قد تحرِّر الإنسان من هذه العبودية. ولكن، بما أن الكوسموس معاكِس للحياة وللروح، فإن المعرفة المُنجِيَة لا يمكن لها أن تهدف إلى الاندماج في الكلِّ الكوني وإلى الانصياع لقوانينه: "فعند الغنوصيين [...] لا بدَّ لغربة الإنسان عن العالم من أن تُعمَّق وتتسنَّم ذروتَها من أجل استخلاص الذات الباطنة التي لا يمكن لها أن تفوز بنفسها إلا على هذا النحو." (جوناس، ص 329) إذ ذاك يصير السؤال البيِّن "من أين جئنا؟" أكثر معقولية في محاذاة وضمن السؤال الأكثر دينامية "إلى أين نمضي؟" التأويل في سياق التفكير الإغريقي القديم، غالبًا ما تلازمتْ كلمةُ herm?neia (تأويل) مع كلمة tekhn? (فن)، فيما عُرَف بtekhn? herm?neutik?، أو "فن التأويل"، الذي ناقشه أرسطو في رسالته في التأويل Peri Herm?neias (باللاتينية: De Interpretatione). والتأويل، بحسب أرسطو، لا يقودنا إلى معرفة مباشرة لمعنى الأشياء، بل إلى مجرد فهمٍ للكيفية التي تؤوْل بها الأشياءُ إلى الظهور أمامنا، وبذلك يزوِّدنا بمنهاج إلى المعرفة التجريبية، إذا جاز التعبير: "علاوة على ذلك، يُعَدُّ الخطابُ تأويلاً لأن العبارة الخطابية إنما هي قبضٌ على التعبير المعنوي الحقيقي، وليست طائفة من الانطباعات المزعومة القادمة من الأشياء ذاتها." (بول ريكور، تعارُض التأويلات، 1974، ص 4) بهذا المعنى، يجوز أن نقول إن "فنَّ التأويل" طريقةٌ تاريخية بامتياز لفهم الواقع أو للتفاهم معه. بعبارة أخرى، بما أن "تعبيرنا" هو دومًا طرح، أي خروج من الأشكال أو النماذج الجاهزة للواقع باتجاه استعمال حيٍّ لتلك النماذج مع الحياة وفيها، إذ ذاك فإننا، بوصفنا كائنات إنسانية مستمرة في عالم الصيرورة، مسؤولون، في التحليل الأخير، ليس عن الحقائق الأبدية أو "الأشياء في ذاتها"، بل فقط عن الصور التي تتخذها تلك الأشياء ضمن سياق وجودٍ حيٍّ ومفكِّر. إذن، فالمعرفة أو الفهم لا يتناولان الأشياء السرمدية والأبدية في ذاتها، بل بالحري السيرورة التي تنكشف من خلالها الأشياءُ – أي الأفكار والموضوعات والأحداث والأشخاص إلخ – ضمن السيرورة الوجودية أو الأونطولوجية للصيرورة المعرفية. فالانتباه إلى السيرورة وإلى انبثاق المعنى يحدث على المستوى الاختباري الأكثر مباشرة للوجود البشري؛ وبالتالي فهو لا يتصف بأية صفة ميتافيزيقية. غير أن ولادة الميتافيزيقا قد تتعيَّن ضمن البِنية الأصلية أو الظاهرية للخبرة الأساسية "الخام"؛ إذ إن العقل البشري مفطور على تنظيم معطياته وترتيبها بحسب مبادئ عقلانية بيد أن السؤال الذي سينطرح حتمًا هو عن أصل اشتقاق تلك المبادئ العقلانية: أهي نتاج مشتق من العالم الظاهري للتجربة؟ أم أنها، على نحو ما، مستوطِنة للعقل البشري بما هو كذلك، وبالتالي أزلية؟ إذا اتخذنا السؤال الأول إجابةً نصل إلى الفينومينولوجيا، التي "تكتشف، بدلاً من ذات مثالية محبوسة ضمن منظومة من المعاني، كائنًا حيًّا اتخذ منذ الأزل عالَمًا – العالمَ – أفقًا لكلِّ مقاصده" (ريكور، ص 9). وبحسب الصياغة العامة المعاصرة أو "ما بعد الحداثية"، فإن مثل هذا "الكائن الحي" مقود دائمًا وفقط، بشكل مقصود، نحو عالَم أو فلك تعددي، حيث النشاط البشري نفسه يصير الهدف الأوحد للمعرفة، في معزل عن أية مُثُل أو ترسيمات ميتافيزيقية "متعالية". من جانب آخر، فإن الغنوصيين، الذين اشتغلوا ضمن السؤال الثاني وعليه وأعطوا عنه جوابًا إيجابيًّا – وإن يكن مشوبًا بشيء من الشاعرية الميثولوجية – يذهبون إلى أن المبادئ العقلانية، التي تبدو وكأنها مستمَدة من مجرد التَّماس مع الواقع المحسوس، تُعَدُّ تذكيرات بوجودٍ موحَّد هو إمكانية أبدية، مُتاحة لأيِّ فرد قادر على التسامي فوق عالم التجربة والسيرورة هذا – أي عالم التاريخ – لا بل على خَرْقه. وهذا "الاختراق" عبارة عن فعل موازنة النفس ضمن التاريخ وفيه، وعن توجيه النفس نحوه، بوصفه نَوَسانًا بين الماضي والحاضر، فيه يتمالك الفردُ نفسَه للأخذ بأحد خيارين: إما الخضوع لفيض وجريان وجود كوني خارج عن مركزه بالدرجة الأولى، أو الكفاح في سبيل إعادة الاندماج في الألوهة، التي يكاد ألا يستذكرها والتي هي أشد إبهامًا من الإدراكات المباشرة للواقع. "إلى أين نمضي؟" هذا التساؤل يقع في اللبِّ من التفسير الغنوصي؛ وهو بالفعل يلوِّن ويوجِّه سائر محاولات التوافق، ليس فقط مع العهد القديم اليهودي الذي مثَّل النصَّ الرئيسي الذي أعمل فيه الغنوصيون تأويلهم، بل مع الوجود بعامة أيضًا. إن المقترَب التأويلي المعياري، في كلا عصرنا الحالي وفي الأزمنة الهلينية المتأخرة، هو نهج التلقِّي – أي التعاطي مع نصوص من الماضي تعاطيًا يحكمُه، من جهة المؤوِّل، اعتقادٌ بأن هذه النصوص تنطوي على ما يمكن لنا أن نتعلَّمه. وسواء كنَّا نكافح من أجل تخطِّي "أحكامنا" وافتراضاتنا المسبقة، التي هي النتيجة الحتمية لانتمائنا إلى موروث معيَّن عن طريق الفعل التأويلي (غدامر)، أو كنَّا نسمح لأحكامنا المسبقة بتشكيل قراءتنا للنص، فإننا، من جراء فعل "استهتار إبداعي" (بلوم)، ما نزال نعترف، على نحو ما، بما ندين به للنصِّ الذي نتعاطى معه أو باتِّكالنا عليه. أما الغنوصيون، في قراءتهم للكتاب المقدس، فلم يعترفوا بمثل هذا الدَّيْن؛ إذ إنهم اعتقدوا بأن الكتاب العبري صُنِّف، بوحي من إله خالق أدنى d?miourgos، مليئًا بأكاذيبٍ القصد منها تشويش عقول وأحكام البشر الروحانيين pneumatikoi الذين عزم هذا الديميورغوس على استعبادهم في هذا الكوسموس المادي. وبالفعل، بينما ينطوي منهج التلقِّي التأويلي على وجود شيء ما نتعلَّمه من النص، فإن الطريقة التي استعملها الغنوصيون (التي يمكن تسميتها منهج "الوحي") تأسَّست على فكرة أنهم – أي الغنوصيين – تلقَّوْا وحيًا "فوق كوني"، إما على هيئة "نداء" أو رؤيا أو حتى، ربما، من خلال إعمال الجدل الفلسفي. وهذا "الوحي" كان هو معرفة (غنوص) أن الجنس البشري غريب عن هذه الدنيا وأن له "مسكنًا سماويًّا"، في "الملأ الأعلى" pl?r?ma، حيث تصير الرغباتُ العقلانية للعقل البشري إلى إيناعها التام الكامل. انطلاقًا من هذا الاعتقاد، فإن المعرفة كلَّها مُلْك للغنوصيين أولاء، وكلُّ تأويل للنصِّ الكتابي إنما غايته تفسير الطبيعة الحقيقية للأشياء بالكشف عن أخطاء الديميورغوس وتحريفاته. وهذا المقترَب تَعامَل مع الماضي كشيء تمَّ تجاوزُه أصلاً، لكنه ما ينفك "حاضرًا" مادام بعض أفراد الجنس البشري يكابدون تحت الناموس القديم – أي ماداموا يقرأون الكتاب المقدس قراءة المتلقِّي. أما الغنوصي، مادام يحيا في الدنيا بوصفه كائنًا موجودًا، فهو، من ناحية أخرى، حاضر ومستقبل في آنٍ معًا – أي أنه يجسِّد في ذاته الديناميةَ الخلاصية لتاريخٍ على قطيعة مع قيد الماضي الاستبدادي، وَجَدَ حرية ابتكار نفسه من جديد. لقد فهم الغنوصي نفسَه بوصفه، في آنٍ معًا، في القلب من التاريخ، وفي نهايته، وفي نقطة الأوج منه؛ وهذه الفكرة أو المثال انعكس انعكاسًا قويًّا للغاية على التأويل الغنوصي القديم. فلننتقلْ الآن إلى مناقشةٍ للنتائج العيانية لهذا المنهج التأويلي. 1.2: الميثولوغوس الغنوصي الفكرة أو المفهوم الغنوصي ليس ابن منهاج أو نظرة فلسفية إلى العالم؛ إذ إن الرؤية الغنوصية للعالم تأسَّست بالحري على حَدْس بوجود هوَّة جذرية، تبدو غير قابلة للردم، بين عالم المكابدة pathos، من جانب، وبين عالم الكينونة الحق، أي الوجود في مظهره الإيجابي والخلاق والأصيل. والمشكلة التي واجهها الغنوصيون هي كيفية تعليل مثل هذا الحدس الجذري ما قبل الفلسفي. وهذا الحدس هو "ما قبل فلسفي" لأن الخبرة الخام للوجود، في عالم مُعادٍ لأشواق الجنس البشري، يمكن لها أن تُسلِسَ ذاتها للعديد من التأويلات؛ ومحاولة التأويل قد تتخذ شكل إما "القصة" muthos أو "العقل" logos: إما مجرد ترجمة وصفية للخبرة، وإما رواية مرتَّبة عقلانيًّا لمثل هذه الخبرة، تتضمَّن شرحًا لأصولها. وقد قُيِّض للتعليل الإغريقي القديم لهذه الخبرة أن يدعوها "رهبة" أو "دهشة" أولية، يشعر بها الإنسان وهو يواجه العالم الذي ينتصب بكلِّ هذا الاستقلال عنه، ثم يضع هذه الخبرة كبداية للفلسفة (راجع: أرسطوطاليس، الميتافيزيقا، 982 ب 10-25 وأفلاطون، ثيئيطيطس، 155 د). لكن الغنوصيين رأوا هذه "الرهبة" بوصفها نتاجًا لاختلال جذري في تناغمِ عالمٍ دائم فيما يتعدى الصيرورة – أي فيما يتعدى "الصيرورة" بمعنى "المعاناة" pathos أو "ما يُكابَد" تتوافق "القصة" دائمًا مع الترجمة "الفورية" التي قام بها امرؤٌ كابَدَ مكابدةً مباشرة تأثيرَ حَدَثٍ ما؛ وهي دومًا تعليلٌ لشيء معروف أصلاً، وبالتالي تحمل ادِّعاءها الحقيقةَ بين طياتها، مثلما أن فورية حَدَثٍ ما تحول دون أيِّ شكٍّ أو تشكيك فيه من جانب مكابِده. أما "العقل"، من ناحية أخرى، فهو نتاج تفكُّر dianoia متأنٍّ، يحيل، من حيث حقانيَّته، ليس إلى اللحظة الفورية ل"التقاط" الظاهرة prol?psis، بل إلى لحظة التفكُّر التي يبلغ المرءُ في أثنائها معرفةً مفهومية للظاهرة ويكون أول مَن يعرفها بما هي كذلك – وذلكم هو "الغنوص": البصيرة. والنتيجة المباشرة لهذا الغنوص هي الانبعاث من حسِّ الوجود ك"مكابدة" إلى فعلية الكينونة ك"شعور" aesthesis – أي تلقِّي الخبرة والحكم عليها عن طريق معايير عقلانية أو محض إلهية. ومثل هذه المعايير ينبع مباشرة من "العقل" logos، أو "المبدأ المنظِّم" الإلهي، الذي اعتقد الغنوصيون أنهم متصلون به عن طريق النَّسَب الإلهي وعلى الرغم من أن الأونطوثيولوجيا (علم اللاهوت الوجودي) الغنوصي تنبسط عن طريق أسطورة متقنة السَّبك، فإنها أسطورة يُخبِر عنها "العقل" دومًا؛ فهي، إذن، بهذه المثابة، "ميثولوجيا" حقيقية – أي أنها رواية، عِبْرَ آنيَّة اللغة، لما هو حاضر أبدًا (عند الغنوصي) كنتاج لتفكُّر ممتاز. نحن الإنسانية بحسب الميثولوجيا الغنوصية (عمومًا)، موجودون في هذه الدنيا لأن إحدى أفراد الألوهة المتعالية، صوفيا (الحكمة)، رغبت في تحقيق كمونها الفطري للإبداع من دون إذْنٍ من شريكها أو زوجها الإلهي. وكبرياؤها، في هذا الصدد، كان بمثابة مادة خام، ورغبتُها (التي توجَّهتْ إلى الآب السرِّي المبهم) تجلَّتْ بوصفها يلضباؤوث، الديميورغوس – مبدأ الكون والفساد المرتد ذاك، الذي عِبْرَ ضرورته الجبرية، يَهَبُ الكائناتِ جميعًا الحياة، للحظة وجيزة، ثم يقضي عليها بالموت إلى الأبد. غير أنه بما أن "الملأ الأعلى" ذاته، بحسب الغنوصيين، ليس مستثنى من الرغبة أو الهوى، لا مندوحة من تدخُّل حَدَثٍ خلاصي أو مخلِّص – أي المسيح، الكلمة، "الرسول"، إلخ – ينزل إلى العالم المادي من أجل إبطال الأهواء كافة والارتقاء ب"الشرارات" الإنسانية البريئة (التي سقطت من صوفيا) إلى مرتبة الملأ الأعلى (راجع: كتاب يوحنا المنحول [سفر المخطوطات 2] 9: 25-25: 14 وما بعدها). وإن سيرورة الاندماج من جديد هذه مع الألوهة وفيها هي واحدة من المعالم الأساسية للأسطورة الغنوصية. والهدف من هذا الاندماج (ضمنًا) هو تأسيس سلسلة من الموجودات متأخِّرة أونطولوجيًّا عن صوفيا، وهي التجسيد العياني لرغبتها "المُصدِّعة" – ضمن الحلبة الموحَّدة للملأ الأعلى. فبالفعل، إذا كان الملأ الأعلى حقًّا هو الامتلاء، الحاوي على الأشياء كلِّها، فلا بدَّ أن يحتوي المبادئ العديدة لتوق الحكمة. بهذا المعنى يجب ألا ننظر إلى الخلاص الغنوصي كقضية وحيدة الجانب وحسب: ف"الشرارات" الإلهية التي سقطت من صوفيا، في أثناء "آلامها"، هي مظاهر غير مندمجة بعدُ للألوهة. في وسعنا القول، إذن، أن الإله الغنوصي الأسمى يسعى أبدًا، بالمعنى الهيغلي، إلى تحقُّقه الخاص عن طريق الوعي الذاتي الكامل (راجع: غ.ف.ف. هيغل، تاريخ الفلسفة، الجزء 2، ص 396-399). لكن الأمر ليس بهذه البساطة فعلاً: فإله الغنوصيين الأسمى يلد الملأ الأعلى من غير جهد؛ ومع ذلك (أو ربما لهذا السبب!) يتفق لهذا الملأ الأعلى أن يسلك في استقلالية عن الآب – وهذا لأن جميع أفراد الملأ الأعلى (المعروفين بالأيونات Aeons) هم أنفسهم "جذور وينابيع وآباء" (الرسالة المثلثة، 68: 10)، يحملون الزمن في أنفسهم كشرط من شروط كينونتهم. حين أزعج الاختلال الذي نجم عن رغبة صوفيا الملأ الأعلى، لم يُفهَم هذا الأمر كاختلال لوحدة مسبَّقة الرسوخ، ولكن بالحري كاختلالٍ لركود لا يطاق، قُيِّض له أن يُحتَفى به بوصفه إلهيًّا. وبالفعل، عندما نظر الإغريق إلى السماء للمرة الأولى وأُعجِبوا بانتظام دوران النجوم والكواكب، فإن ما أُعجِبوا به – بحسب الغنوصيين – ليس صورة الألوهة، بل صورةٌ أو تمثيلٌ لركود "إلهي"، لقانون ونظام خَنَقا الحرية، التي هي أصل الرغبة (راجع: جوناس، ص 260-261). إن آلام صوفيا – إنتاجها للديميورغوس، استعباده ل"الشرارات" الإنسانية في الكوسموس المادي، الفداء والتجديد اللاحقين – ليست إلا فصلاً عرضيًّا في الدراما المتفتِّح اللانهائي للوجود الأرضي. ونحن، بوصفنا بشرًا، اتَّفق لنا أن نكون الضحايا غير المقصودين لهذا الدراما. وإذا كان خلاصنا، كما يذهب الغنوصيون، عبارة عن صيرورتنا آلهة (بويماندرس، 26) أو "سادة على الخلق وعلى كلِّ فساد" (فالنتينوس، المقطع و، ليتون)، كيف نكون واثقين من أنه، في أزمنة قادمة، لن يضع أحدُنا كونًا ملعونًا آخر، مثلما فعلتْ صوفيا؟ الغنوصية المسيحية كان للفكرة المسيحية القائلة بأن الربَّ قد أرسل "ابنه" الوحيد (الكلمة) ليتألَّم ويموت من أجل خطايا البشرية جمعاء، وبهذا يجعل الخلاص متاحًا للجميع، وَقْعٌ عميق على الفكر الغنوصي. ففي المجموعة الواسعة والهامة من الكتابات الغنوصية المكتشَفة في نجع حمادي (مصر) في العام 1945، ليس ثمة غير حفنة منها من الممكن أن تكون نشأت في وسط ما قبل مسيحي، هلِّيني يهودي على الأغلب؛ ذلك أن غالبية هذه النصوص هي كتابات مسيحية غنوصية تعود إلى الفترة من أوائل القرن الثاني وحتى أواخر القرن الثالث الميلادي، وربما بعد ذلك بقليل. وعندما ننظر في مفهوم الخلاص ومعناه عند الغنوصيين الأوائل، الذين ركزوا على المظهر الخلاق لوجودنا ما بعد الخلاصي، يذهلنا التأكيدُ الجريء الذي مفاده أن حاجتنا إلى الخلاص نشأت، في المقام الأول، من خطأ اقترفه كائنٌ إلهي، هو صوفيا (الحكمة)، إبان قيامها بفعلها الخلاق (راجع: كتاب يوحنا المنحول [سفر المخطوطات 2] 9: 25-10: 6). وبما أن الحال هي كذلك، كيف – نتساءل قطعًا – سيكون وجودُنا فيما بعد الخلاص أقل تعرضًا للغلط أو للجهل، وحتى للشر؟ لقد قدَّمتْ الرسالةُ الجذرية للمسيحية الأولى الجوابَ على هذا السؤال الإشكالي؛ وبهذا التقط الغنوصيون الفكرة المسيحية وحوَّلوها، بقوة فنِّهم القصصي العقلي، إلى ترسيمة تأملية فلسفية ولاهوتية التركيب. * النوع الأول: وهو الإله السامي? أو العظيم? وهذا الإله يرأس سلسلة كثيرة الحلقات من الآلهة المتميزين الواحد عن الآخر في الدرجة والسلطان قد انبثعوا سواء من هذا الإله الأعظم أو خرجوا الواحد من الآخر، وهذه الكائنات سواء كانت منفردة منعزلة أو كانت أزواجاً فإنها كوّنت معاً ما يسمى المجموعة الإلهية، وقد حدث خلل في هذه المجموعة نتيجة لسقوط أحدها? ولكن هذا الكائن الإلهي الذي سقط سيرد إلى رتبته وطهارته عندما تتم عملية الفداء, * النوع الثاني: وهو يشبه النوع الأول من حيث النظام والتكوين? ولكنه يختلف من حيث النوع لأن الذي يرأس هذه المجموعة إله شرير? الإله الذي خلق المادة? نصف الإله وقد ساعد الإله? وتعاون معه الآلهة الأشرار والمخربون, والصراع بين إله الشر وأعوانه? وإله الخير وأعوانه مستمر غير أن المرء ما يلبث أن يجد، بعد أن يقال كلُّ شيء ويُفعَل، أن خطأ صوفيا واستيلاد كونٍ أدنى هما حدثان يتبعان قانونًا محددًا للضرورة، وأن ما يُسمَّى ثنوية الإلهي والأرضي هو حقًّا انعكاسٌ وتعبيرٌ عن التوتر المعيِّن الذي يشكِّل كينونة الإنسانية – الكائن البشري. أثناسيوس الرسولى وأكليمنضس السكندرى والغنوسية ويرجع أصول العنوسية إلى القرنين الأول والثاني ق م، مثل المقالات المبكرة لل Corpus Hermeticum ["المجموعة الهرمسية"]، والكتابات العبرية الرؤيوية – وخاصة الفلسفة الأفلاطونية والكتب اليهودية المقدسة وكان من أبرز كبار قادة الغنوصيين فى القرن الرابع بالإسكندرية هم باسيليدس وكربو كراتس وفالنتينوس. وقد حذر القديس أثناسيوس الرسولى من خطرهم على العقيدة المسيحية بينما قام القديس اكليمنضس الإسكندري بوضع دراسات تحليلية لعقيدة فئات غنوصية متعددة وحاول أن يؤسس "غنوصية مسيحية حقيقية". التعاليم الغنوصية 1- تؤمن الغنوصية بالثنائية وتفصل بين العالمين الروحي والمادي. 2- اعتقدت الغنوصية بأن الكون شئ مادي خلق نتيجة لنزول الحكمة. وقال بعضهم إن العالم هو أصلا من صنع إله مزج بين الإنسان الأبدي وعناصر الشر. وأن الإله له القدرة على إصلاح العالم . . وقالت الغنوصية بأن خلق الكون المادي قد خرج من الكون الإلهي بواسطة سلسلة انبثاقات طويلة أو قصيرة. 3- قسّم الغنوصيون المؤمنين بها إلى طبقتين: الروحيون الذين هم نفوس مستنيرة والجسديون أو الماديون وهم عبيد المادة. وأضاف بعض فئات الغنوصيين فئة النفسانيين وهم طبقة متوسطة. 4- أرجع الغنوصيون اكتسابهم للمعرفة السرية بواسطة الصبر و المثابرة على استقامة الأخلاق والاستنارة الفجائية التي تمكنهم من إدراك الطريق الإلهى والكون وذواتهم. وقالوا إن هذه المعرفة تحرر البشر وتكشف لهم أسرار الحق. 5- أعتقد الغنوصيون أنهم تبحروا فى فهم المعرفة والحكمة فقالت جماعة منهم هي جماعة ناسن (200م): "إننا وحدنا نعرف أسرار الروح غير المنطوق بها". 6- وأعتقد للغنوصيين أن السيد المسيح هو مبعوث الله العلي الجالب "المعرفة". وبما أنه الكائن الإلهي فقد اتخذ الجسد البشري ولكنه لم يتعرض للموت. فهو قد سكن مؤقتا في جسد بشري. 7- آمن الغنوصيون بالقضاء والقدر. دخل الغنوصيون في جدال عنيف مع معارضيهم من المسيحيين الأقباط الأرثوذوكس من قادة مدرسة أفسكندرية حول العلاقة بين العهدين القديم والجديد. فبينما أكد اباء الكنيسة على الحفاظ على العلاقة بين العهدين على أساس العلاقة الواحدة لروح الكتاب أبرز الغنوصيون المتناقضات بين ناموس العهد القديم والأناجيل. كما عاب الأرثوذوكس على الغنوصية إيمانها بالقضاء والقدر وبالعقيدة الثنائية فقد تركت الغنوصيّة أدب دعاية غزيرًا انتشر في الشرق الأوسط: في سورية مع الكسائيّة (شيعة تحافظ على عادات يهوديّة) والمعمدانيّين الذين سيلدون التيّار المندعي (أو العارفين). وفي الإسكندريّة التي ظلّت مكان تخمير فكريّ. ومن هناك انتقلت إلى المراكز المثقّفة في عالم البحر المتوسّط (رومة، أثينة) رفي العالم الفارسيّ حيث ستنفصل عنها المانويّة في القرن الثالث كان لهذا الأدب سوابقُ وثنيّةٌ ولاسيّما في مجموعة هرمس. ولكن حين أدخل النهج الغنوصيّ عناصر مسيحيّة. دخل في عالم المعمّدين والموعوظين. من جهة، اقتدى الكتَّاب بالفنون الأدبيّة في الكتابات الرسوليّة فدوّنوا أناجيلَ ورؤىً (لا رسائل لأنّهم لا يقدرون أن يزيّفوها). ومن جهة ثانية، تخفّت المؤلَّفات تحت اسم رسل المسيح: توما، يعقوب، فيلبّس، برثلماوس، متّيّا... وهكذا عُرض تعليمُ المعلّمين الغنوصيّين في مؤلّفاتهم. مثلاً: تفسير يوحنّا لهيراكليون، الذي سيرد عليه أوريجانس. "رسالة من بطليموس إلى فلورا". كتبها تلميذ إيطاليّ لولنطينس واحتفظ بها إبّيفانيوس. وانتقل التقليد الدينيّ لباسيلديس (بين 120 و150) وولنطينس (بين 135 و160) من خلال الأدب المنحول، فانتشر في أوساط واسعة: إنّ مسيح الإيمان قد أعطى تعاليم سريّة لبعض تلاميذَ مختارين، قبل انطلاقه من هذا العالم أو بعد قيامته. واتّخذ مضمونُ هذا التعليم شكلَ "أقوال" انحرفت فجها بعض الموادّ الإنجيليّة الأولى عن معناها، فأعيد تفسيرها وتأليفها، وصيغت صياغةً جديدةً وموسّعة. إنّ إنجيل توما (يعود إلى القرن الثاني وإلى محيط سوريّ) يعطينا أمثلة عن هذه العمليّات المختلفة.
المزيد
11 أبريل 2024

بدعة ميناندر الهرطوقى العراف

كان سامرى وتلميذ لسيمون الساحر، وأنه أتى إلى انطاكيه وخدع كثيرين بسحره فقد علم ميناندر أن من يتبعه لن يموت .. ويذكر أن ميناندر أدعى أنه المخلص المرسل من فوق العالم الايونات المرئيه، حتى ما يخلص البشر . فبواسطة المعموديه التى يمنحها هو، يصير الإنسان أعلى من الملائكه المخلوقين. وقد أتسع نفوذ ميناندر فى انطاكيه بين سنتى 100،70م. ميناندر العراف ذكر يوسابيوس القيصرى (1): ميناندر العراف: 1 - لقد برهن ميناندر (2) خلف سيمون الساحر، بتصرفاته على أنه آله أخرى فى يد القوة الشيطانية لا يق عن سلفه، وكان هو أيضاً سامرياً، وأذاع أضاليله إلى مدى لا يقل عن معلمه، وفى نفس الوقت عربد فى طياشات أعجب منه، لأنه قال بأنه هو نفسه المخلص الذى أرسل من الدهور غير المنظور لخلاص البشر(3) 2 - وعلم بانه لا يستطيع أحد أن ينال السيادة على الملائكة نفسها خالقة العالم (أتفق مع سيمون بان الملائكة خلقت العالم)، إلا إذا جاز فى النظام السحرى الذى يمنحه هو وقبل المعمودية منه، أما من يحسبون أهلاً لهذا فإنهم ينالون الخلود الدائم حتى فى الحياة الحاضرة، ولن يموتوا، بل يبقون إلى الأبد، ويصبحون عديمى الفناء دون أن يشيخوا، وهذه الحقائق يمكن أن نجدها بسهولة فى مؤلفات إيريناوس. 3 - أما يوستينوس فإنه فى الفقرة التى تحدث فيها عن سيمون قدم وصفاً عن هذا الرجل أيضاً فى الكلمات التالية: " ونحن نعلم أن شخصاً معيناً أسمه ميناندر، وكان أيضاً سامرياً من قرية كابرانى (مكان هذه القرية غير معروف الآن) وكان تلميذ لسيمون، وهو أيضاً إذ طوحت به الشياطين أتى إلى أنطاكية وأضل الكثيرين بسحره، وأقنع أتباعه بأنهم لم يموتوا، ولا يزال البعض منهم موجود ويؤكد هذا" 4 - وقد كانت مهارة من أبليس حقاً أن يحاول، بإستخدام أمثال هؤلاء العرافين الذين أنتحلوا لأنفسهم أسم مسيحيين، تشويه سر التقوى العظيم بالسحر، وتعريض تعليم الكنيسة عن خلود النفس وقيامة الأموات للسخرية، على أن الذين أختاروا هؤلاء الناس كمخلصين لهم سقطوا من الرجاء الحقيقى.
المزيد
04 أبريل 2024

بدعة سيمون الساحر

بدء فكرة السيمونية Simony "ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة اللَّه، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا" القديس يوحنا الذي سبق فطلب مع أخيه يعقوب من رب المجد يسوع أن يرسل نارًا ليحرق قرية سامرية (لو 9: 25 الخ)، هو نفسه الآن ينطلق مع القديس بطرس، منتدبين من الكنيسة في أورشليم، لمساندة القديس فيلبس في خدمته في السامرة. ذهبا الآن لكي تنزل نار الروح القدس الذي يجدد القلوب ويسكب المحبة الإلهية فيها، ويشَّكل النفوس لتصير العروس المقدسة للسيد المسيح إذ قبل السامريون الكلمة بأعداد كبيرة صار العمل يحتاج إلى أيدٍ أخرى للعمل بجانب القديس فيلبس. إنها أول حركة كنسية جريئة من أورشليم، أن تبعث رسولين إلى خارج اليهودية لخدمة السامريين، لينضم سامريون إلى العضوية الكنسية إرسال بطرس ويوحنا إلى السامرة من قبل الكنيسة في أورشليم يؤكد العمل الكنسي الجماعي، ودور الكنيسة في أورشليم القيادي، وأنه لم يكن بين الرسل رئيس، بل كان الكل متساوين في السلطان الرسولي. لا يحمل القديس بطرس رئاسة ليرسل رسلاً، بل في تواضعٍ وحبٍ وشركةٍ أطاع صوت جماعة الرسل الذين أرسلوه مع القديس يوحنا للعمل بحكمة. اختار الرسل القديس بطرس المعروف بغيرته واندفاعه ومعه القديس يوحنا المعروف بهدوئه ورقته؛ وقد حدث انسجام بينهما مع اختلاف سماتهما، إذ شعر كل منهما محتاجًا للآخر. فاختلاف السمات أو المواهب علامة صحية للكنيسة مادام الحب مع التواضع يعملان في حياة الجماعة "اللذين لمّا نزلا صلَّيا لأجلهم، لكي يقبلوا الروح القدس" "لأنه لم يكن قد حلّ بعد على أحدٍ منهم،غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع" "حينئذ وضعا الأيادي عليهم،فقبلوا الروح القدس" كان المؤمنون قد نالوا سرّ العماد، الآن وضع الرسولان بطرس ويوحنا الأيادي ليحل الروح القدس عليهم. وقد تسلم الأساقفة هذا التقليد أو التسليم: "وضع الأيادي"، وقد دُعي سرّ المسحة" أو "سرّ الميرون" حيث يسكن الروح القدس في أعماق النفس، ويقدس حياة المؤمن، ويقوده لكي يحمل أيقونة المسيح، وسأتحدث عنه في ملحقٍ خاص به في نهاية الحديث عن هذا الإصحاح. لقد سبق فأوصى تلاميذه ألا يدخلوا مدينة للسامريين (مت 10: 5)، الآن بعد صعوده وإرسال روحه القدوس فتح أبوابها لهم ليكرزوا ويعمدوا. قام القديس فيلبس بتعميدهم باسم الرب يسوع، فلماذا لم يضع يده عليهم ليحل عليهم الروح القدس؟ يرى البعض أن موضوع قبول الأمم للإيمان ونوالهم سرّ العماد وحلول الروح القدس كان أمرًا غاية في الخطورة، لم يكن ممكنًا لليهود المتنصرين في البداية أن يقبلوه. فلو تم ذلك خلال فيلبس وحده لأخذ اليهود المتنصرين منه موقفًا متشددًا، وربما حسبوا عمله باطلاً. لهذا قام بالكرازة والعماد، وجاءت كنيسة الختان ممثلة في شخصي بطرس ويوحنا تثبت صحة العمل بوضع الأيادي ليقبلوا الروح القدس. فما فعله الرسولان لا يقلل من شأن القديس فيلبس، ولا يضعه في موقف العجز عن وضع اليد لقبول الروح القدس، إنما كان بخطة إلهية لتأكيد وحدة العمل جميعًا في فتح باب الإيمان للأمم كان قبول الروح القدس في بداية الكرازة يختلف من حالة إلي أخرى حسب ما يراه الروح من أجل ظروف الكنيسة القديس كيرلس الأورشليميي قال: " أيام موسى كان الروح يُعطي بوضع الأيدي (عد 11: 29)، وبوضع الأيدي يعطي بطرس الروح. " "ولما رأى سيمون أنه بوضع أيدي الرسل يُعطى الروح القدس، قدّم لهما دراهم".ظن سيمون أنه قادر أن ينال سلطان الرسل في صنع الآيات والعجائب بدفع دراهم للرسل، ولم يدرك أن الرسل أنفسهم تمتعوا بها كنعمةٍ مجانيةٍ، مُقدمة لهم من الله نفسه؛ وأن هؤلاء الرسل قد باعوا كل ما لهم ليتبعوا المصلوب. فما أراد أن يقدمه لهم سيمون ليس له موضع في قلوبهم ولا في فكرهم مع أن سيمون قد قبل الإيمان المسيحي، لكن قلبه كان لا يزال أسيرًا لعمل أمور فائقة خلال السحر، ولعله ظن في السلطان الرسولي أنه نوع من السحر، ولكن بطبيعة أخرى غير التي مارسه قبل الإيمان إنه مثل بلعام، قدم مالاً ليقتنى الموهبة، فكانت غايته نوال مكاسب مادية وراء هذا العمل أخيرًا فإن تصرف سيمون يكشف عما في قلبه من كبرياء واعتداد بالذات القديس أغسطينوس قال: " أحب سيمون الساحر سلطان المسيحيين أكثر من البرّ. " "قائلاً: أعطياني أنا أيضًا هذا السلطان، حتى أي من وضعت عليه يدي يقبل الروح القدس" يرى القديس ايريناؤس أن سيمون الساحر ظن أن ما يمارسه الرسل من عجائب هو عن معرفة أعظم للسحر وليس بقوة الله، لذلك أراد اقتناء هذه الموهبة بدراهمٍ، لكشف السرّ له. لقد أظهر رغبته في التعرف على أسرار أعظم للسحر عوض إيمانه بالله وتوبته العلامة ترتليان يقول: " لا يقدر أن يرجو ملكوت السماوات من يفسد السماء بإصبعه وعصاته السحرية (أي باستخدامه النجوم في السحر)." القديس إيريناؤس يقول: " إذ تقبلت الكنيسة العطايا مجانًا من الله تخدم الآخرين مجانًا. "القديس كيرلس الأورشليمي يقول: " لم يقل: "أعطياني أنا أيضًا شركة الروح القدس" بل قال: "هذا السلطان"... لقد قدم مالاً لمن ليس لهم مقتنيات، مع أنه رأى الناس يقدمون ثمن الأشياء المُباعة ويضعونها عند أرجل الرسل. "القديس أغسطينوس يقول: " عندما رأى سيمون ذلك ظن أن هذه القوّة هي من البشر، فأراد أن تكون له هو أيضًا. ما ظنّه أنه من البشر، أراد أن يشتريه من بشر. " "فقال له بطرس: لتكن فضتك معك للَّهلاك، لأنك ظننت أن تقتني موهبة اللَّه بدراهم". كشف له القديس بطرس عن جريمته، وهي اعتقاده أنه قادر أن يقتني المواهب الإلهية التي لا تُقدر بثمن بدفع دراهمٍ يؤمن القديس بطرس أن محبة المال مدمرة للنفس، فإن كان قلب سيمون مرتبطًا بهذه الرذيلة إنما يهلك مع ما لديه من فضة، التي حتمًا تزول وتتبدد، بل والأرض كلها تزول لقد ربط نفسه بما هو زائل فينحدر مع ما ارتبط به ظن سيمون أنه قادر أن يشتري من الله إحساناته الإلهية وعطاياه السماوية بالمال؛ وهو بهذا يهين الله الكلي الحنو "ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الأمر، لأن قلبك ليس مستقيمًا أمام اللَّه"."نصيب": تستخدم في توزيع الميراث حيث ينال كل شخص نصيبه منه. فإذ كان قلب سيمون غير مستقيمٍ لم يعد يُحسب ابنا لله القدوس، وبالتالي ليس من حقه أي نصيب في الميراث. وكأن ما يشغل ذهن المسيحي ليس نواله النصيب من الميراث، مهما بلغت قيمته، وإنما التمتع بالبنوة لله، والثبات فيها، عندئذ ما يناله من مواهب في هذا العالم، أو من ميراث في الحياة الأبدية، هو ثمر طبيعي للبنوة الفائقة "قرعة": كانت تستخدم حين تتحقق نصرة جيشٍ ما، فيجمع الغنائم وتُستخدم القرعة في توزيعهما. ليس من حق سيمون أن يتمتع بالقرعة، لأنه عزل نفسه عن جيش الله، ولم يعد بالجندي الصالح الذي يهدم حصون إبليس ويسحقه بالنعمة تحت قدميه، فأي قرعة تعمل لحسابه؟أخيرًا، فإن علاج الموقف ليس مجرد التراجع عن طلب الموهبة بدراهمٍ، بل التحول من الاعوجاج أو عدم استقامة قلبه إلى الاستقامة والقداسة والإخلاص في محبته لله لقد آمن سيمون واعتمد، لكنه أصر على الاعوجاج وعدم التمتع بالحياة الجديدة التي في المسيح يسوع. فالله يراه حسبما يكون قلبه عليه، لأنه فاحص القلوب والكلي تُنسب السيمونية لسيمون الساحر الذي ظن أنه قادر أن يقتني مواهب الروح القدس بدراهمٍ، إما لمكسبٍ مادي أو لنوال كرامةٍ زمنيةٍ. تناقض السيمونية عمل الروح، لأن مواهب الروح تقدم لمن باعوا العالم وصلبوا الذات مع الشهوات من أجل المجد السماوي. فمن كان نصيبه السماء لا ينتظر مكاسب مادية أو مجدًا زمنيًا جاء في إبيفان Epiphan [قال سيمون عن نفسه أنه الابن، وأنه لم يتألم حقيقة، بل بدا لهم هكذا.] [وأنه جاء بنفسه بين اليهود بكونه الابن، وبين السامريين الآب، ولبقية الأمم بكونه الروح القدس.] في دفاعه الموجه إلى أنطونيوس بيوس كتب الشهيد يوستينوس [كان يوجد سيمون السامري من قرية تدعى Gitton في أيام حكم كلاديوس قيصر في روما مدينتكم الملكية، هذا صنع أعمالاً وسحرًا، وذلك بواسطة الشياطين العاملة فيه. لقد حسبوه إلهًا وكُرم بينكم بعمل تمثال له، حيث أقيم في نهر التيبر بين جسرين، وحمل هذا النقش "Simoni Deo Sanceto" الذي هو "سيمون، اللَّه القدوس."] وذكر القديس إيريناؤس والعلامة ترتليان ذات القصة القديس كيرلس الأورشليمي قال: " سيمون الساحر هو مصدر كل هرطقة، هذا الذي جاء عنه في سفر أعمال الرسل أنه فكَّر أن يشتري بمالٍ نعمة الروح القدس، فسمع القول: "ليس لك نصيب في هذا الأمر" الخ.، وعنه أيضًا كُتب: "منا خرجوا، لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا" (1 يو 19: 2) هذا الإنسان بعدما طرده الرسل جاء إلى روما، حيث استمال إليه زانية تدعى هيلين Helene. وقد تجاسر بفمه المملوء تجديفًا أن يُدعي أنه هو الذي ظهر على جبل سيناء كالآب، وظهر كيسوع المسيح بين اليهود، ليس في جسدٍ حقيقيٍ بل كان يبدو هكذا، وبعد ذلك كالروح القدس الذي وعد المسيح أن يرسله كمعزٍلقد خدع مدينة روما حتى أقام له كلوديوس تمثالاً نقش عليه من أسفل بلغة الرومان: Simoni Deo Sancto، وهى تعني "إلى سيمون اللَّه القدوس" القديس ايريناؤس قال: " اشترى سيمون من صور، وهي مدينة فينيقية، زانية معينة تدعى هيلين، اعتاد أن يأخذها معه، معلنًا أن هذه السيدة هي أول إدراكات ذهنية، وأنها أم الجميع، بواسطتها أدرك منذ البداية خلقة الملائكة ورؤساء الملائكة. "كشف له الرسول عن سمات شخصيته الخفية وهي "عدم استقامة قلبه"؛ فجريمته تكمن في أعماقه، ولا تقف عند ما نطق به أو سلك به. فهو في حاجة إلى تجديدٍ داخليٍ للقلب. إنه يحمل فكرًا عالميًا ماديًا، أو طبيعيًا، لا يقبل ما لروح لله، فكيف ينال مواهب الروح؟ "فتبْ من شرِك هذا، وأطلب إلى اللَّه، عسى أن يغفر لك فكر قلبك".قدم له الرسول العلاج وهو "التوبة"، فقد آمن واعتمد، لكن لم يرجع إلى الله بالتوبة... متى قدم توبة يمكنه أن يرفع عينيه إلى الله، فيراه غافر الخطايا، مهما كان جرمها. فالصلوات والطلبات والتضرعات لن تُقبل بدون التوبة. "فكر قلبك": إنك محتاج ليس فقط إلى التوبة عن تصرفك بطلب مواهب الله المجانية بدراهم، وإنما أيضًا عن فكر قلبك الذي تخفيه في داخلك، لكنه ظاهر أمام الله طالبه أن يحول نظره عن المال الذي بين يديه، أو الذي يتوقع نواله، كما يحوله عن حب السلطة والكرامة، ليتطلع إلى أعماقه ويكتشف ما بلغه قلبه من فسادٍ ونجاسةٍ ويصرخ إلى الله مخلصه ليغفر له خطاياه مع قوله: "لتكن فضتك معك للهلاك"، بمعنى دعْ سيدك في جيبك لدمارك، يفتح له باب التوبة: "تب من شرك هذا" "لأني أراك في مرارة المرْ، ورباط الظلم" "مرارة": تشير الكلمة هنا إلى السائل الأخضر باصفرار الذي يوجد خفية في الكبد، فإن الخطية تفيض في داخل النفس سائلاً مرًا، يُفقد القلب سلامه، والنفس فرحها، ليعيش الإنسان مرْ النفس، أحيانًا بلا سبب خارجي نال سيمون شهرة عظيمة، حسده الكثيرون عليها، وظنه الكثيرون من أسعد الناس وأقواهم، أما القديس بطرس فرأى مرارته الداخلية، وقيود نفسه التي تكبله وتحبسه داخل الظلمة "لأني أراك في مرارة المر ورباط الظلم". أدرك القديس بطرس كيف دخل الشيطان بسيمون إلى الكنيسة ليفسدها، فقد كان لعمله هذا أثره على الشرق والغرب إلى قرابة ثلاثة قرون. بل ولازال عدو الخير يبذل كل الجهد لإفساد كنيسة الله بالسيمونية. إنه لا يزال يثمر سيمون علقمًا وأفسنتينًا (تث 29: 18) يفضل البعض ترجمتها: "مرًا وأفسنتينا" "رباط الظلم" الأصل اليوناني معناه "قيود الشر". كان الرسول بولس يطالبه بالتوبة والرجوع إلى الله، وهو يراه مقيدًا بقيود الشر القديس يوحنا الذهبي الفم قال: " لماذا لم يضرباه بالموت كما حدث مع حنانيا وسفيرة؟ فإنه حتى في الأوقات القديمة الذي جمع الحطب في يوم السبت قُتل (رجمًا) ليكون عبرة للآخرين (عد ١٥: ٣٢)، ولم يحدث هذا بعد في الأمثلة التي بعد ذلك، هكذا في المناسبة الحاضرة القديس يوحنا الذهبي الفم قال: " هذه كلمات تحمل سخطًا شديدًا. لكنه لم يعاقبه، حتى لا يكون الإيمان بالإكراه، ولكي لا يبدو الأمر فيه قسوة، لكي يفتح باب التوبة، فإنه يكفي لإصلاح أمره أن يقنعه ويخبره بما في قلبه حتى يجتذبه إلى الاعتراف بخطئه. فإن قوله: "أطلبا أنتما إلى الرب من أجلي" هو اعتراف أنه ارتكب خطأً تًمثل الخطية هنا بالمرارة، السم القاتل، الحرمان من الفرح، هذه كلها من عمل الخطية بكونها مدمرة لكل ما هو صالح، كما تُمثل أيضًا بقيود العبودية والحرمان من حرية الحركة والعمل، والتمتع بالبرّ الإلهي (مز 116: 16؛ أم 5: 22؛ رو 7: 23- 24) "فأجاب سيمون وقال: أطلبا أنتما إلى الرب من أجلي، لكي لا يأتي عليّ شيء مما ذكرتما"اظهر سيمون انزعاجًا شديدًا بسبب اللعنة التي حلت عليه، لكن يبدو أنه لم يكن جادًا في توبته. لقد طلب الرسول بطرس منه أن يتوب وأن يصلي، لكي ما يكشف الله عن خطاياه كما يكشف له عن نعمة الخلاص، حيث ينال مغفرة خطاياه ويتمتع بالبركات الأبدية، أما سيمون فيبدو أنه لم يكن يشغله خلاص نفسه، بل يشغله ما تحل به من إهانات وفقدان للكرامة، أي عقوبة الخطية. لهذا لم يطلب من الرسولين أن يسنداه بصلواتهما لأجل توبته، بل لكي لا تحل به العقوبة. حسن أن نطلب صلوات الآخرين عنا، على أن تكون سندًا لنا في صلواتنا؛ نطلبها في شعورٍ حقيقي بالحاجة إلى التوبة، لا بالخوف من العقوبة الإلهية أمام الناس لقد تمثل سيمون بفرعون في طلبه من موسى الصلاة عنه (خر 8: 28، 32)، وأيضا يربعام (1 مل 13: 6). هكذا يطلب أحيانًا الأشرار الصلاة من أجلهم، مع تشبثهم وإصرارهم على ممارسة الشر.
المزيد
28 مارس 2024

بدعة سيمون الساحر

بدعة السيمونيه: نسبة إلى سيمون الساحر هذا الذى كان يستعمل السحر ودُهش به شعب السامره ثم لما آتى الرسولان بطرس ويوحنا إلى السامره ليمنحا الروح القدس للمعمدين قال لهم " اعطيانى أنا أيضاً هذا السلطان هتة أى من وضعت عليه يدى يقبل الروح القدس " (أع19: 8) فأنتهره بطرس قائلاً: لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتنى موهبة الله بدراهم ليس لك نصيب ولا قرعه فى هذا الأمر لأن قلبك ليس مستقيماتً أمام الله "(أع 8: 21،20) وقد عرفت الكنيسه شناعة هذه الخطيه فأطلقت أسم السمونيه على كل من يتاجر فى الوظائف الكنسيه أو الحصول على درجات الكهنوت مقابل المال واتباع سيمون يدعون السيمونيون لأنهم عبدوا سيمون كالإله الأول وربط به امرأه تدعى هيلانه التى أدعى سيمون أن فكره الأول تجسد منها وكانت هيلانه امراه عاهره تتجول معه ظهرت البدع في المسيحية منذ عصر الرسل أنفسهم إذ يروي لنا سفر أعمال الرسل عن أول بدعة في المسيحية في إصحاحه الثامن عندما يؤرخ لنا القديس لوقا أن عندما اعتنق سيمون الساحر السامري المسيحية واعتمد أراد أن يشتري موهبة الروح القدس بالمال فزجره الرسول بطرس وطرده: " فَانْحَدَرَ فِيلُبُّسُ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ وَكَانَ يَكْرِزُ لَهُمْ بِالْمَسِيحِ وَكَانَ الْجُمُوعُ يُصْغُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى مَا يَقُولُهُ فِيلُبُّسُ عِنْدَ اسْتِمَاعِهِمْ وَنَظَرِهِمُ الآيَاتِ الَّتِي صَنَعَهَا لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الَّذِينَ بِهِمْ أَرْوَاحٌ نَجِسَةٌ كَانَتْ تَخْرُجُ صَارِخَةً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَكَثِيرُونَ مِنَ الْمَفْلُوجِينَ وَالْعُرْجِ شُفُوا فَكَانَ فَرَحٌ عَظِيمٌ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَكَانَ قَبْلاً فِي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ اسْمُهُ سِيمُونُ يَسْتَعْمِلُ السِّحْرَ وَيُدْهِشُ شَعْبَ السَّامِرَةِ قَائِلاً: «إِنَّهُ شَيْءٌ عَظِيمٌ!» وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتْبَعُونَهُ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ قَائِلِينَ: «هَذَا هُوَ قُوَّةُ اللهِ الْعَظِيمَةُ» وَكَانُوا يَتْبَعُونَهُ لِكَوْنِهِمْ قَدِ انْدَهَشُوا زَمَاناً طَوِيلاً بِسِحْرِهِ وَلَكِنْ لَمَّا صَدَّقُوا فِيلُبُّسَ وَهُوَ يُبَشِّرُ بِالْأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ وَبِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدُوا رِجَالاً وَنِسَاءً وَسِيمُونُ أَيْضاً نَفْسُهُ آمَنَ. وَلَمَّا اعْتَمَدَ كَانَ يُلاَزِمُ فِيلُبُّسَ وَإِذْ رَأَى آيَاتٍ وَقُوَّاتٍ عَظِيمَةً تُجْرَى انْدَهَشَ وَلَمَّا سَمِعَ الرُّسُلُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ أَنَّ السَّامِرَةَ قَدْ قَبِلَتْ كَلِمَةَ اللهِ أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا اللَّذَيْنِ لَمَّا نَزَلاَ صَلَّيَا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ يَقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ - غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَمِدِينَ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ وَلَمَّا رَأَى سِيمُونُ أَنَّهُ بِوَضْعِ أَيْدِي الرُّسُلِ يُعْطَى الرُّوحُ الْقُدُسُ قَدَّمَ لَهُمَا دَرَاهِمَ قَائِلاً: «أَعْطِيَانِي أَنَا أَيْضاً هَذَا السُّلْطَانَ حَتَّى أَيُّ مَنْ وَضَعْتُ عَلَيْهِ يَدَيَّ يَقْبَلُ الرُّوحَ الْقُدُسَ» فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاَكِ لأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَقْتَنِيَ مَوْهِبَةَ اللهِ بِدَرَاهِمَ لَيْسَ لَكَ نَصِيبٌ وَلاَ قُرْعَةٌ فِي هَذَا الأَمْرِ لأَنَّ قَلْبَكَ لَيْسَ مُسْتَقِيماً أَمَامَ اللهِ فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هَذَا وَاطْلُبْ إِلَى اللهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ لأَنِّي أَرَاكَ فِي مَرَارَةِ الْمُرِّ وَرِبَاطِ الظُّلْمِ» فَأَجَابَ سِيمُونُ: «اطْلُبَا أَنْتُمَا إِلَى الرَّبِّ مِنْ أَجْلِي لِكَيْ لاَ يَأْتِيَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمَا». وجاء في بعض الكتب الأبوكريفية أن سيمون سافر إلى روما فعظم شأنه يقول القديس يوستينوس الذي إلى السامرة أن أتباع سيمون كانوا كُثراً وانهم اعتبروه الإله الأعلى وأشركوا معه أنوية Ennoia الفكر الذي انبثق عنه فتجسد في امرأة اسمها هيلانة. وجاء في الدفاع ضد هذه الهرطقة للقديس ايريناوس أن سيمون قال بإله ذكر أعلى Sublimissima Virtus وبفكر Ennoia منبثق عن هذا الإله الأعلى انثى موازية له وأن أنوية هذه خلقت الملائكة الذين خلقوا العالم وأن هؤلاء الملائكة حبسوا أنوية في جسم امرأة وأوقعوا بها أنواعاً من الإهانات وأن أنوية هذه هي هيلانة امرأة مينيلاوس الزانية في صور ومما قاله سيمون بموجب رواية القديس ايريناوس أن الإله الأعلى أظهر نفسه بصفة الابن بيسوع بين اليهود وبصفة الآب بين السامريين في شخص سيمون وفي بلاد أخرى بصفة الروح القدس ومما نقله أفسابيوس المؤرخ عن هيغيسبوس أن مينانذروس الكبَّاراتي وذوسيثفس وكليوبيوس جميعهم ادعوا الإلوهية في القرن الأول وعلّموا مثل ما علّم سيمون الساحر. ويرى البعض أن مينانذروس تتلمذ على يد سيمون وعلّم في السامرة وأنطاكية. بدعة السيمونية من اخطر البدع التى واجهت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية سِيمون شراء موهبة الرب بدراهم من أخطر البدع التى واجهت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وتغلغلت فيها وعصفت بها فى بعض الأزمنة أثناء الإضطهاد الإسلامى الشديد حيث كانوا يلزم الولاة بطاركة القبط بمبالغ ضخمة من المال فكانوا يضطرون إلى الجولان على بيوت الأقباط فى الوجه البحرى ثم القبلى لجمع هذه الأموال وقد يضطرون إلى بيع مراكز الأساقفة بدراهم وهذا لتسديد ما طلب منهم للوالى أو الخليفة وقد أنشأ هذه البدعه سيمون الساحر وقد أنضم إلى الكنيسة الأولى أملاً فى الحصول على القوة الإلهية عارضاً مالاً على الرسل ظاناً منه أن قوة الرسل الإعجازية إنما هى قوة سحرية يتعلمها ويمارسها مع الناس للحصول على المال كما كان يفعل قبل إيمانه، وقد أطلق أسم السيمونية فيما بعد على بيع مراكز الأسقفيات كما سبق واوضحنا من قبل ومن الآباء البطاركة الذين أشتهروا بالسيمونية - كيرلس الثالث [75] كان يدعى داود بن لقلق - حاول بكل السبل [بالرشاوى والوسائط والحيل أن يرسم بطريركا ] - وبسببه ظل الكرسي خاليا 20 سنة، ونجح أخيرا في الوصول لغايته إذ دفع 3 آلاف دينار للحكومة - رسم باسم كيرلس الثالث - أعاد السيمونية. - استولى على أموال الأديرة. - وأخيراً أجبره الأساقفة على عقد مجمع قدموا فيه طلباتهم لتحديد إختصاصاته . من هو سيمون؟ سيمون هو ساحر أدهش شعب السامرة بسحره، فكانوا يقولون أن سحره شيء عظيم، وكان يرضى شهوة نفسه من العظمة وترديد الناس لإسمه كما كان يجنى أرباحاً طائلة من سحرة فقداعتقدأهل السامرة أن قوة إلهية عظيمة حلت فيه! وذهب فيلبس الرسول والشماس يكرز بالإنجيل في السامرة ورأى سيمون المعجزات التي تجري على يد فيلبس، فأيقن أنها تجري بقوة أعظم من سحره، فآمن واعتمد ولازم فيلبس مندهشاً من المعجزات التي يجريها ويبدو أن إيمانه لم ينشأ عن إقتناعه بقوة إلهية حقيقية إنما كان عن خداع فقد ظن أن في المسيحية قوة سحرية أقوى من قوة سحره. وقد ردت قصة سيمون في الإصحاح الثامن من سفر الأعمال (9-24) وسمعان هو اسم عبراني معناه ((السامع)) وسمع بطرس ويوحنا عن عمل الله في السامرة، فنزلا إليها. وأجرى الرب بهما معجزات أخرى شبيهة بتلك التي حدثت يوم الخمسين (أعمال 2) فأندهش سيمون أكثر، وأسرع طالباً معرفة تلك القوة السحرية العظيمة مقدماً المال ثمناً لذلك، فوبخه بطرس بشدة وطلب منه أن يتوب وقد عرفت الكنيسة الأولى شناعة هذه الخطيئة فأطلقت اسم السيمونية على كل من يتاجر في الوظائف الكنسيةوقد واجه الكارزون الأولون بالمسيحية مقاومة من السحرة، مثلما جرى مع عليم الساحر الذي قاوم بولس الرسول (أعمال 13: 6 و 7). ولكن قوة معجزات التلاميذ هزمت السحرة كما هومت قوة الرب التى حلت فى موسى سحرة فرعون . هل السيمونية فئة من البدعة الغنوسية؟ وقد كان لسيمون أتباع أعجبوا بقوة سحرة أطلق عليهم اسم السيمونيون اعتبروا سيمون نبياً لهم . وهم شيعة صغيرة من شيع الغنوسيين يقول اوريجانوس عنهم أنهم ليسوا مسيحيين لأنهم يعتبرون سيمون مظهر قوة إلهية ويقول ايريناوس أن سيمون هذا هو أبو الغنوسيين،ولكن لم يتأكد ألعلاقة بين السيمونية والهرطقة الغنوسية فهى علاقة غير معروفه تماماً. وذلك لسبب بسيط هو أن السيمونية تعتمد على السحر فى الإنتشار أما الغنوسية فتعتمد على الفلسفة ولعل الصواب جانب الآباء المسيحيين الأولين الذين ربطوا بين سيمون الساحر (أعمال 8) مع فكرة الغنوسية. إيمان سيمون الساحر "وكان قبلاً في المدينة رجل اسمه سيمون، يستعمل السحر، ويُدهش شعب السامرة، قائلاً أنه شيء عظيم" كان استخدام السحر أمرًا شائعًا في العالم القديم. في البداية كان السحرة يدرسون الفلسفة وعلم التنجيم والأفلاك والطب الخ. لكن صار اسم "السحرة" يشير إلى الذين يستخدمون معرفة الفنون بغرض التعرف على المستقبل، بدعوى أن ذلك يتحقق خلال تحركات الكواكب، ويشفون المرضى بالتعاويذ السحرية (إش 2: 6؛ دا 1: 20؛ 2: 2). وقد حرّمت الشريعة ذلك (لا 19: 31؛ 20: 6) "وكان الجميع يتبعونه، من الصغير إلى الكبير، قائلين: هذا هو قوة اللَّه العظيمة" يرى بعض الدارسين أن سيمون هذا هو الذي أشار إليه المؤرخ يوسيفوس، الذي وُلد في قبرص، وكان ساحرًا. استخدمه فيلكس الوالي لكي يغوي دروسللا Drusilla أن تترك زوجها عزيزوس Azizus وتتزوجه لكن رفض بعض الدارسين ذلك، لأن سيمون هنا غالبًا ما كان يهوديًا أو سامريًا، كرَّس حياته لدراسة فنون السحر درس الفلسفة في الإسكندرية، وعاش بعد ذلك في السامرة ادعي أنه المسيح، ورفض ناموس موسى، وكان عدوًا للمسيحية، وإن كان قد اقتبس بعض تعاليمها لكي يجتذب بها البعض "وكانوا يتبعونه لكونهم قد اندهشوا زمانًا طويلاً بسحره" إذ رأى عدو الخير كلمة الله يتجسد، وربما أدرك أن مملكته تنهار، بذل كل الجهد لإقامة العقبات في كل موضع، فحث سيمون على عمل السحر زمانًا طويلاً، وخدع الجميع من الصغير إلى الكبير كان سيمون الساحر (ماجوس) شخصية خطيرة، لها سمعتها في الأوساط التاريخية والعلمية، استخدم وسائل شيطانية كثيرة، وحسبه الجميع قوة الله العظيمة. وبحسب القديس إيريناوس كان يجول بامرأة تدعى هيلانة، تُدعي أنها من تجسد سابق من إله العقل، أو من فكر الإدراك الإلهي الذي خرجت منه كل القوة الملائكية والمادية. ويقدم القديس هيبوليتس تقريرًا شاملاً لمنهجه القائم على أساس غنوسي، دعاه "الكشف الأعظم"ويروي الشهيد يوستين كيف استطاع هذا الساحر أن يجتذب أشخاصًا يكرسون حياتهم لنظامه بواسطة قوة السحر، ليس فقط في السامرة، بل وفي إنطاكية أيضًا وروما. وقد عُمل له تمثال في روما نُقش عليه: "تذكار لسمعان الإله المقدس" وقد أثار الحكام في روما ضد المسيحيين ويُقال أنه دخل في صراعٍ مريرٍ مع القديس بطرس انتهي بدحره وبتقرير العلامة أوريجينوس بقت جماعة السيمونيين تخرب في الكنيسة حتى منتصف القرن الثالث "قوة الله العظيمة"، وتعني: "الله القوي" أو "يهوه الجبار" جاء في كتاب اليوبيل (أبوكريفا يهودي) أن الشعب في مصر كان يخرج وراء يوسف ويصيحون El- El wa abir El، ومعناه "الله والقوة الذي من الله" ويرى البعض أن الترجمة الدقيقة لعبارة "قوة الله العظيمة" هي: "هذا هو قوة الله، الإله الذي يُدعى العظيم" تسبب سيمون في عزل بيلاطس بنطس، فقد أعلن أنه سيذهب إلى جبل جرزيم، ويستخرج من تحت أنقاض هيكل جرزيم الآنية التي كان يستخدمها موسى نفسه. فانطلقت وراءه الجماهير، مما اضطر بيلاطس أن يرسل حملة من الجنود فحدثت مذابح رهيبة اشتكى السامريون للحاكم الروماني في سوريا، فأبلغ روما التي استدعت بيلاطس بلا عودة يروي هيبوليتس أنه في استعراض له بروما طلب أن يدفنوه حيًا، مدعيًا أنه سيقوم في اليوم الثالث، فدُفن ولم يقم "ولكن لمّا صدقوا فيلبس، وهو يبشّر بالأمور المختصّة بملكوت اللَّه، وباسم يسوع المسيح، اعتمدوا رجالاً ونساء"يقول لوقا البشير: "ولكن لما صدقوا فيلبس"،وكأنهم قارنوا بين الحق الذي شهد له فيلبس الرسول، والسحر والأعمال المبهرة التي مارسها سيمون، فأعطى الروح القدس قوة لكرازة فيلبس حطمت أباطيل إبليس وجنوده يقرن القديس فيلبس ملكوت السماوات بالعماد باسم يسوع المسيح في عرضٍ رائعٍ، يقدم لنا الشهيد كبريانوس خبرته بخصوص معموديته، قائلاً: [إنني مثلك، ظننت مرة إنني كنت حرًا، مع إنني كنت أسيرًا، مقيدًا في ظلمةٍ روحيةٍ. نعم كنت حرًا، أحيا كيفما أشاء. ولكنني كنت في فراغٍ إلي زمنٍ طويلٍ. كنت أبحث على الدوام عن شيءٍ أؤمن به مع تظاهري بأنني واثق من نفسي، كنت كموجةٍ تلطمها الريح. كنت أيضًا أنجذب إلي كل أمور هذه الحياة معتزًا بالممتلكات والسلطة بينما كنت أعرف في قلبي أن كل هذه الأمور ليست إلا كفقاعةٍ علي البحر، تظهر الآن ثم تتفجر لتزول إلي الأبد مع تظاهري باليقين الخارجي، كنت أعرف أنني مجرد تائه في الحياة، ليس لي خطة أسلكها، ولا مسكن تستقر فيه نفسي يمكنك أن ترى إنني لم أعرف شيئًا عن الحياة الحقيقية، الحياة الجديدة المقدمة لنا من فوق لأنني كنت أبحث عن الحق خلال خبراتي الذاتية، معتمدًا علي طرق منطقي الذاتي، لذا بقي الحق مراوغًا وإذ اعتمدت علي فهمي الخاص، كان نور الحضرة الحقيقية لله مجرد إشراقة بعيدة سمعت أن رجالاً ونساءً يمكنهم أن يُولدوا من جديد، وأن الله نفسه أعلن طريق تحقيق هذا الميلاد الجديد بالنسبة لنا، وذلك لمحبته للخليقة التائهة مثلي في البداية ظننت أن هذا مستحيل كيف يمكن لشخص مثلي عالمي وعنيف أن يتغير ويصير خليقة جديدة؟ كيف يمكن لمن هو مثلي أن يعبر من تحت المياه ويعلن أنه قد وُلد من جديد؟ هذا بالنسبة لي أمر غير معقول، أن أبقى كما أنا جسمانيًا، بينما يتغير صُلب كياني ذاته، وأصير كأنني إنسان جديد لم أرد أن أترك عدم إيماني، ومقاومتي لهذه الفكرة بأنني أولد من فوق. لقد اعترضت: "نحن من لحمٍ ودمٍ، مسالكنا طبيعية، غريزية، مغروسة بحق في أجسامنا إننا بالطبيعة نقدم أنفسنا على الغير، ونسيطر ونتحكم ونصارع لكي نغلب الآخرين مهما كانت التكلفة توجد بعد ذلك عادات اقتنيناها حتى وإن كانت تضرنا، صارت هذه العادات جزًء منا، كأنها أجسامنا وعظامنا كيف يُمكن لشخصٍ أحب الشرب والولائم أن يصير ضابطًا لنفسه ومعتدلاً؟ كيف يمكنك أن تستيقظ صباحًا ما وبمسرةٍ ترتدي ثوبًا بسيطًا وقد اعتدت علي الملابس الفاخرة وما تجلبه من الأنظار والتعليقات؟ كيف يمكنك أن تحيا ككائنٍ متواضعٍ بينما قد نلت كرامة في أعين الجماعة؟هكذا كان تفكيري الطبيعي، إذ كنت في عبودية لأخطاء لا حصر لها تسكن في جسدي. بالحقيقة يئست من إمكانية التغيير فقد تكون تلك العادات ضارة لي، لكنها كانت جزءً مني. لذلك كان التغير مستحيلاً، فلماذا أصارع؟ فإنني كنت أشبع رغباتي بتدليلٍ ولكن في يومٍ أخذت خطوة وحيدة بسيطة وضرورية متجهًا نحو الله تواضعت أمامه وكطفل قلت: "أؤمن" نزلت تحت المياه المباركة فغسلت مياه الروح الداخلية وسخ الماضي، وكأن بقعة قذرة قد أُزيلت من كتانٍ فاخرٍ، بل وحدث ما هو أكثر أشرق نور عليَّ كما من فوق اغتسلت في سلامٍ لطيفٍ تطهرت في الحال قلبي المظلم يتشبع بحضرته، وعرفت عرفت أن الحاجز الروحي القائم بيني وبين الله قد زال تصالح قلبي وقلبه أدركت الروح، نسمة الآب، قد حلّ فيّ من هو فوق هذا العالم وفي تلك اللحظة صرت إنسانًا جديدًا منذ ذلك الحين وأنا أنمو في معرفة كيف أحيا بطريقٍ ينعش حياتي الجديدة المعطاة لي ويعينها ما كنت أتشكك فيه صار لازمًا أن أتعامل معه بكونه الحق واليقين ما كنت أخفيه يلزم أن يخرج إلي النور بهذا ما كنت أسيء فهمه بخصوص الله والعالم الروحي بدأ يصير واضحًا وأما عن عاداتي الخاصة بإنساني القديم، فقد تعلمت حسنًا كيف تتغير حيث تُعاد خلقة هذا الجسد الأرضي بواسطة الله في كل يوم أنمو علي الدوام، صرت أكثر قوة، وحيوية في روح القداسة الآن أخبرك ببساطة الخطوة الأولي في طريق الروح: قف أمام الله كل يومٍ بوقارٍ مقدسٍ، كطفلٍ بريءٍ ثق فيه. هذا الاتجاه يحمي نفسك يحفظك من أن تصير مثل الذين ظنوا أنهم متأكدون أنهم يخلصون، فصاروا مهملين. بهذا فإن عدونا القديم، الذي يتربص دومًا، أسرهم من جديد لتبدأ اليوم أن تسير في طريق البراءة، الذي هو طريق الحياة المستقيمة أمام الله والإنسان. لتسر بخطوة ثابتة أقصد بهذا أنك تعتمد علي الله بكل قلبك وقوتك ألا تشعر به، الآب، إذ هو موجود حولك؟ إنه يود أن يفيض عليك فقط اذهب إليه وأنت متعطش للحياة الجديدة افتح الآن نفسك واختبر نعمته، التي هي الحرية والحب والقوة، تنسكب عليك من أعلى، تملأك وتفيض افتح نفسك أمامه الآن، هذا الذي هو أبوك وخالقك كن مستعدًا أن تنال الحياة الجديدة وتمتلئ بها هذه التي هي الله نفسه "وسيمون أيضًا نفسه آمن، ولمّا اعتمد كان يلازم فيلبس، وإذ رأى آيات وقوات عظيمة تُجرى اندهش" استطاع سيمون في البداية أن يميز بين الحق والباطل، وما هو من الله وما هو من الشيطان، فآمن وصار مرافقًا لفيلبس الرسول. لقد أبهرته الآيات والقوات العظيمة، وللأسف اندهش فاشتهاها، وصمم أن يشتريها بالمال القديس أغسطينوس يقول: " عندما نسمع: "من آمن واعتمد خلص" (مر 16: 16)، فبالطبع لا نفهم ذلك على من يؤمن بأيّة طريقة، فالشيّاطين يؤمنون ويقشعرّون (يع 2: 19). كما لا نفهم ذلك على من يتقبّلون المعموديّة بأيّة طريقة كسيمون الساحر الذي بالرغم من نواله العماد إلا أنه لم يكن له أن يخلص. إذن عندما قال: "من آمن واعتمد خلص" لم يقصد جميع الذين يؤمنون ويعتمدون بل بعضًا فقط، هؤلاء الذين يشهد لهم أنهم راسخون في ذلك الإيمان الذي يوضّحه الرسول: "العامل بالمحبّة" (غل 5: 6). "القديس كيرلس الأورشليمي: " حتى سيمون الساحر جاء يومًا إلى الجرن (أع 13: 8) واعتمد دون أن يستنير، فمع أنه غطس بجسمه في الماء، لكن قلبه لم يستنر بالروح. لقد نزل بجسمه وصعد، أما نفسه فلم تُدفن مع المسيح ولا قامت معه (رو 4: 6، كو 12: 2) ها أنا أقدم لكم مثالاً لساقطٍ حتى لا تسقطوا أنتم. فإن ما حدث كان عبرة لأجل تعليم المتقرّبين لهذا اليوم (يوم العماد) إذن ليته لا يكون بينكم من يجرب نعمة اللَّه، لئلا ينبع فيه أصل مرارة ويصنع انزعاجًا (عب 15: 12)! ليته لا يدخل أحدكم وهو يقول: لأنظر ماذا يعمل المؤمنون! لأدخل وأرى حتى أعرف ماذا يحدث؟! (أي يدخل لمجرد حب الاستطلاع) أتظن أنك ترى الآخرين وأنت (في نيتك أن) لا ترى؟! أما تعلم إنك وأنت تفحص ما يحدث معهم، يفحص اللَّه قلبك؟! " وللحديث بقية
المزيد
21 مارس 2024

بدعة كيرينثوس

كان يهودياً منتصراً، تحكم بحمة المصريين، قدم إلى اورشليم فى زمان الرسل، وأقم فيه بعض الوقت ثو انتقل إلى قيصرية لسطين فأنطاكيه وعلم فيها وحط رحاله أخيراً فى أفسس التى كانت حقل خدمة يوحنا الرسول . وقد علم كيرنيثوس أن العالم لم يخلقه الله، بل قوة خارجه عن الأله الأعلى وأن إلهاً آخر الذى هو اله اليهود، أعطى الشرائع والناموس وظهر أيضاً في القرن الأول كان يهودياً من مصر جاء إلى أورشليم في أيام الرسل و ثم انتقل إلى قيصرية فلسطين ومن ثم أنطاكية وعلّم فيها ومما دوّنه القديس ايريناوس عنه أنه أزعج يوحنا الحبيب بتعاليمه وضلاله. وأسماه القديس يوحنا ب "عدو الحق" وقال أيضاً القديس ايريناوس عنه أنه حفظ يوم السبت والاختتان وغيرها من فروض الناموس وادعى بأن السيد المسيح هو ابن يوسف ومريم وأن ملاكاً من الملائكة خلق الكون وآخر الذي هو الله إله اليهود أعطى الشرائع والناموس وأن شيئاً من الروح القدس المنبثق من الإله الأعلى حلّ على يسوع عند اعتماده في نهر الأردن فرافقه حتى الصلب وأضاف القديس هيبوليتوس أن كيرينثوس نفى قيامة المسيح بعد الصلب وجعلها مع قيامة "جميع الأتقياء" كورنثيوس هو يهودى تعلم الفلسفة بالأسكندرية وبدأ فى نشر بدعته سنة 73 م - وقد أنشأ ديانة جديدة أثناء حياة يوحنا الرسول ألفها بخلط تعاليم السيد المسيح ومبادئة السامية مع تعاليم الكنوسسيين ويقول القس منسى يوحنا : " تعاليم الكنوسسيين بنيت على خرافات البليروما (أى العالم العلى) والأيون (أى الأشخاص السماوية الخالدة بنو الأرواح) ودميورج (أى خالق العالم الذى يختلف عن الإله الأعظم) ولكنه أظهر مبادئة بصورة لا ينفر منها اليهود فعلم أن الذى سن الشريعة اليهودية هو خالق العالم وهو ذو مناقب حميدة وصفات شريفة مكتسبة من الإله الحق، ولكن هذه الفضائل لم تلبث أن تدنست فأراد الله أن يلاشى سلطان مشترع اليهود بواسطة أيون مقدس أسمه المسيح ويسوع هو رجل يهودى كامل وقدوس وأبن بالطبيعة ليوسف ومريم، فهذا حل فيه المسيح بنزوله عليه على هيئة حمامة عند عماده من يوحنا فى نهر الأردن وعندما أتحد المسيح بيسوع قاوم إله اليهود (خالق العالم) بشجاعة وعندما رأى إله اليهود مقاومة المسيح يسوع فقام بتحريض أتباعه اليهود فقبضوا عليه ليصلبوه، فلما رأى المسيح أنهم قبضوا على يسوع طار إلى السماء وترك يسوع وحده يصلب ولهذا أوصى كورنثيوس أتباعه بإحترام الإله الأعظم أبى المسيح وبإحترام المسيح، وأمرهم بعدم إتباع شريعة اليهود ورفض مبادئ الناموس الموسوى، وأوصاهم بالسير على نظام المسيح معلماً إياهم بأنه سيعود ثانية ويتحد بالإنسان يسوع الذى حل فيه قبلاً ويملك مع تابعيه على فلسطين ألف سنة، ثم وعدهم بقيامة أجسادهم وتمتعها بأفراح سامية فى مدة ملك المسيح ألف سنة وبعد ذلك يدومون فى حياة سعيدة فى العالم السماوى ويقول يوسابيوس القيصرى: " كيرنثوس زعيم الهراطقة 1- وقد أعلمنا أنه فى هذا الوقت ظهر شخص يدعى كيرنثوس مبتدع شيعة أخرى،وقد كتب كايوس الذى سبق أن أقتبسنا كلماته (ك2 ف 6و 7) فى المساجلة المنسوبة إليه ما يلى عن هذا الرجل: 2 - ويقدم أمامنا كيرنثوس أيضاً - بواسطة الرؤى التى يدعى أن رسولاً عظيماً كتبها - أموراً عجيبة يدعى زوراً أنها أعلنت إليه بواسطة الملائكة، ثم يقول أنه عند قيامة الأموات سوف يقوم ملكوت المسيح على الأرض، وأن الجسد المقيم فى أورشليم سوف يخضع ثانية للرغبات والشهوات، وإذ كان عدو للأسفار الإلهية فقد أكد - بقصد تضليل البشر - أنه ستكون هناك فترة ألف سنة (رؤ 20: 4) لحفلات الزواج " 3 - أما ديونيسوس الذى كان أسقفاً لأيبروشية الأسكندرية فى أيامنا، فإنه فى الكتاب الثانى من مؤلفه عن "المواعيد " حيث يتحدث عن رؤيا يوحنا بأمور أستقاها من التقليد، يذكر نفس هذا الرجل فى الكلمات ألآتية (راجع ك7 ف 40) " 4 - " ويقال أن كيرنثوس مؤسس الشيعة المسماة بأسمه (الكيرنثيون) إذ أراد أن يعطى قوة لشيعته صدرها بأسمه وكانت التعاليم التى نادى بها تتلخص فيما يلى: أن ملكوت المسيح سيكون مملكة أرضية. 5 - " ولأنه هو نفسه كان منغمساً فى الملذات الجسدية، وشهوانياً جداً بطبيعته، توهم أن الملكوت سوف ينحصر فى تلك الأمور التى أحبها، أى فى شهوة البطن وشهوة الجسد والشهوة الجنسية، أو بتعبير آخر فى الأكل والشرب والتزوج، والولائم والذبائح وذبح الضحايا، وتحت ستارها ظن أنه يستطيع الإنغماس فى شهواته بباعث أفضل " هذه كلمات ديونيسيوس " 6 - على أن إيرناوس، فى الكتاب الأول من مؤلفه " ضد الهرطقات " يصف تعاليم أخرى أشد قبحاً لنفس الرجل، وفى الكتاب الثالث يذكر رواية تستحق أن تدون هنا، فيقول، والحجة فى ذلك بوليكاربوس: أن الرسول يوحنا دخل مرة حماماً ليستحم ولكنه لما علم أن كيرنثوس كان داخل الحمام قفز فازعاً وخرج مسرعاً، لأنه لم يطق البقاء معه تحت سقف واحد، ونصح مرافقيه للأقتداء به قائلاً: " لنهرب لئلا يسقط الحمام، لأن كيرنثوس عدو الحق موجود بداخلة "
المزيد
14 مارس 2024

بدعة نيقولاوس

النيقولاويون يذهب البعض إلى أنهم أتباع نيقولاوس الأنطاكي أحد الشمامسة السبعة الذين رسمهم الرسل وأن نيقولاوس هذا ضل في الإيمان وخرج عن الكنيسة ولكن مراجع أصحاب هذا الرأي متأخرة ونصوصها مبهمة وغامضة فلا بد والحالة هذه من الاعتراف بأننا لا ندري من هم هؤلاء بالضبط وهناك آخرون يقولون أن الاسم نيقولاوس هو رمز فقط وآخرون يقولون أن اسمهم يعود لشخص اسمه نيقولاوس مجهول الهوية وأسسس هذه البدعة أو الهرطقة شخص أسمه نيقولاوس كان أحد الشمامسة وسننقل ما جاء عنه فى كتاب لمؤرخ فى القرون الأولى للمسيحية تاريخ الكنيسة - يوسابيوس القيصرى (264 - 340 م) ص 159-160 1 - وفى هذا الوقت ظهرت الشيعة المسماة بشيعة النيقولاويين ولم تستمر إلا وقتاً قصيراً، وقد ذكرها الإنجيل فى رؤيا يوحنا (1)، وأعضاء هذه البدعة يفتخرون بأن الذى بدء هذا الفكر هو نيقولاوس أحد الشمامسة الذين أقامهم الرسل مع أستفانوس لخدمة الفقراء ويخبرنا عنه أكليمنضس السكندرى فى الكتاب الثالث من مؤلفه المسمى "ستروماتا " (فى هذا المؤلف يحاول أن يثبت بأن الأسفار اليهودية أقدم من أى كتابة يونانية .) 2 - " يقولون أنه كانت له زوجة جميلة، وإذا أتهمة الرسل بالغيرة والحسد بعد صعود المخلص، أخذ زوجته وأوقفها فى وسطهم وسمح لأى واحد أن يتزوج بها، لأنه قال أن هذا كان يتفق مع القول المعروف عنه أن المرء يجب أن يذل جسده، أما الذين أتبعوا هرطقته وقلدوا حماقته وكل ما فعله وقاله إنما أتبعوه كعميان يتبعون أعمى فإرتكبوا الزنى بلا خجل ولا حياء . 3 - ولكنى علمت أن نيقولاوس لم يعرف أمرأة اخرى غير زوجته التى تزوجها، وأن بناته أستمرين فى حالة العذراوية حتى سن الشيخوخة، أما أبنه فلم يتدنس، وإن صح عنه أعنه عندما أحضر زوجته (التى كان غيوراً فى محبتها) وسط الرسل فقد كان واضحاً أنه ينبذ شهوته، وعندما أستخدم تعبير " إذلال الجسد " كان يشهر سيف ضبط النفس فى وجه تلك الملذات التى تقتفى البشرية أثرها بإلحاح، لأننى أعتقد أنه، إتماماً لوصية المخلص .. لم يشأ أن يعبد سيدين .. الشهوة والرب 4 - " ويقال أن متياس أيضاً نادى بنفس التعليم أننا يجب ان نحارب الجسد ونذله، وأن لا نرخى له العنان بملذاته، بل يجب أن نقوى للروح بالإيمان والمعرفة " أما تعليمهم التي استوجب هذه الانذارات الشديدة اللهجة فإنها قد تكون نوع من الانتيمونية. وقد يكون الزنى المشار إليه في هذا الفصل من الرؤيا هو النوع الذي عُبر عنه بالكلمة اليونانية Porneia أي التزاوج بين الأقرباء الذي نهى عنه الناموس.وهم أتباع تيار غنوسي إباحي في جماعة أفسس وبرغامون. وتوجه رؤيا يوحنا الحبيب ما بين السنة 75 والسنة 85 انذاراً إلى ثلاثة من الكنائس السبع التي في آسية إلى تيتيرة وبرغامون وأفسس انذارات بوجوب الابتعاد عن النيقولاويين الذين يتمسكون بتعليم بلعام الذي علّم بالاق أن يلقي معثرة أمام بني اسرائيل "حتى يأكلوا من ذبائح الأوثان ويزنوا". وتأخذ الرؤيا على ملاك كنيسة تيتيرة أنه يدع المرأة ايزابل الزاعمة أنها نبية تعلّم وتضل العباد حتى يزنوا ويأكلوا من ذبائح الأوثان ولا سيما أنها أمهلت مدة لتتوب من زناها فلم ترضَ أن تتوب ولذا فهي تُطرح في فراش واللذين يزنون معها في ضيق شديد أن لم يتوبوا من أعمالهم "ولسائر في تيتيرة من جميع الذين ليس لهم هذا التعليم والذين لم يعرفوا أعماق الشيطان أني لا ألقي عليكم ثقلاً آخر ولكن تمسكوا بما هو عندكم إلى أن آتي" (رؤ2: 14 و18-26) لم تستمر هذه البدعة كثيراً لأنها مخالفة للتعليم المسيحى بشريعة الزوجة الواحدة - ومن نظر لأمرأة ليشتهيها فقد زنى فى قلبه وقد طردوا من الكنيسة وتكلم عنهم الإنجيل بأنهم هرطقة أقوال الاباء عن هذه البدعة أما الأخير في قائمة الرسل فهو نيقولاوس. اسم يوناني معناه "المنتصر علي الشعب"يرى البعض مثل القديسين ايريناؤس وأبيفانيوس أن بدعة النيقولاويين (رؤ 2: 6، 15) تُنسب إلى الشماس نيقولاوس: 1. يقول القديس ايريناؤس [النيقولاويون هم أتباع نيقولا أحد الشمامسة السبع (أع 5: 6)، وهؤلاء يسلكون في الملذات بلا ضابط ويعلمون بأمور مختلفة كإباحة الزنا وأكل المذبوح للأوثان.] 2. يبرئ القديسان إكليمنضس الإسكندرى وأغسطينوس نيقولاوس من البدعة وينسبانها لأتباعه. ويعلل البعض نسبة هذه الهرطقة إليه ترجع إلي تأويل كلماته، فقد قال بأن الذين لهم زوجات كأنه ليس لهم، أي يحيا مع زوجته بالروح ينشغلان بالأكثر بخلاصهما ونموهما الروحي والشهادة لإنجيل الخلاص. لكن بعض أتباعه قاموا بتأويل كلمته، ظانين أنه نادى بأن من له زوجة فليهجرها ويصير كمن بلا زوجة، ويسمح إن تكون مشاعًا. 3. يرى العلامة ترتليان والقديس جيروم أنه لما أختير للشموسية امتنع عن الاتصال بزوجته، وبسبب جمالها عاد إليها. ولما وبَّخوه على ذلك انحرف في البدعة إذ أباح الزنا. جاء رد الفعل في كتابات العلامة ترتليان حيث قال: "كل الأشياء مشترك بيننا فيما عدا زوجتنا" Omnia indiscreta apud nos praeter upores. القديس جيروم: نيقولاوس أحد الشمامسة السبعة، والذي في فسقه لم يعرف الراحة ليلاً أو نهارًا، انغمس في أحلامه الدنسة. 4. يرى آخرون أنه كان يغير على زوجته جدًا بسبب جمالها، فلما ذمَّه البعض بسبب شدة تعلقه بها أراد أن يظهر العكس فأباح لمن يريد أن يأخذها، فسقط في هذه البدعة لا تسقط مسؤليته انحراف نيقولاوس على الرسل القديسين في رسالة وجهها القديس جيروم إلى الشماس سابينيانوس Sabinianus يدعوه إلى التوبة وألا يتكل على أن الذي سامه أنه أسقف قديس: أتوسل إليك أن ترحم نفسك تذكر أن حكم الله سيحل عليك يومًا ما تذكر أي أسقف هذا الذي سامك. لقد أخطأ هذا القديس في اختياره لك، لكنه سيكون بريئًا (ربما لأنه ندم على سيامته)، والله نفسه ندم أنه مسح شاول ملكًا (1 صم 15: 11) وُجد حتى بين الاثنى عشر رسولاً يهوذا خائنًا ووُجد نيقولاوس الأنطاكي شماسًا مثلك (أع 6: 5)، نشر الهرطقة النيقولاوية وكل وسيلة للدنس (رؤ 2: 6، 15) القديس جيروم: يلاحظ أن السبعة يحملون أسماء يونانية، ولعلهم أقيموا لخدمة المتذمرين من اليونانيين بشيء من التعاطف معهم، ولم يكن من بينهم شخص واحد يهودي بالمولد لقد كان الاثنا عشر تلميذًا عبرانيين، لذلك اُختير السبعة من اليونانيين لتحقيق شيء من المساواة والشعور بالتزام الكل بالعمل واضح أن عمل السبعة لم يدم كثيرًا، فقد استشهد استفانوس ثم حدث ضيق شديد على الكنيسة، وتشتت الشعب خارج أورشليم يكرزون بالكلمة، بينما بقي الرسل في أورشليم.
المزيد
07 مارس 2024

البدع والهرطقات في المسيحية

البدع جمع ( بدعة » وهى الشيء المبتكر غير التقليدي، والهرطقات جمع « هرطقة » وهى كلمة دخيلة على اللغة العربية من اللغة اليونانية ، وهى تعنى إختيار لرأى ما مع تفضيله على غيره من الآراء وكانت تستعمل للدلالة على مذاهب الفلسفة ثم أخذت الكلمة طريقها إلى الدين فصارت تطلق على الفرق أو الطوائف الفكرية داخل الدين الواحد ، وقد صارت تعنى الشقاق الضار بسلامة الكنيسة والتعليم الكاذب المخالف للتعليم الرسولى وأصبحت الهرطقة جريمة شنعاء يعد مؤسسها أو المنتمى إليها عدواً الله وللكنيسة المقدسة ، وقد ذهب بعض القديسين إلى أنه يتقبل على نفسه أي اتهام في أخلاقه إلا الاتهام بالهرطقة .وقد نشأت المسيحية كديانة على مسرح الحياة في العالم القديم وسط ديانات عديدة وتيارات فكرية وفلسفية متنوعة مهدت للمسيحية طريقها وشكلت صعوبات بالغة أمامها في نفس الوقت نتيجة لمحاولة بعض المتنصرين من معتنقى الديانات والفلسفات التوفيق بينها وبين المسيحية التي اعتنقوها ، فكان الخلط والإنحراف والبلبلة الفكرية التي أقلقت الكنيسة كثيراً ، وقد كان الشيطان عدو كل خير وراء هذه الإنحرافات، كما كانت الكبرياء والاعتداد بالرأى تسير جنباً إلى جنب مع الهرطقات ، رغم أن هذه البدع قد دفعت الكنيسة إلى البحث، وحضت المؤمنين على الدفاع عن إيمانهم الصحيح بالتصدى لهذه الأفكار المنحرفة التي كانت تخبو ثم تعود للظهور من جديد مع اختلاف أسماء المبتدعين الذين يدخلون عليها أحياناً بعض التحويرات والتعديلات على مر العصور. القرن الأول : (۱) و (۲) النصرانية المتهودة والأبيونية[ السبتيون القدامي ] أراد أصحاب هذا الإتجاه ربط أنفسهم بالناموس اليهودي القديم، وإدماج المسيحية باليهودية بحيث يصبح الإنجيل هو الناموس القديم محسناً أو مكملاً واعتبار السيد المسيح مجرد نبي أو موسى الثانى منكرين طبيعته الإلهية ووظائفه كملك وكاهن كان هؤلاء فى ظاهرهم مسيحيين بالإسم، وفي حقيقتهم يهوداً ، وقد مارسوا وأتموا ناموس موسى الأدبي والطقسي واعتبروه ملزماً لهم ، وأنه لازم للخلاص ، ولم يفهموا المسيحية على أنها ديانة عامة مسكونية جديدة متحررة من الناموس القديم ومن هؤلاء «أبيون» الذى عاش فى القرن الأول بعد خراب أورشليم الذى ارتأى أن السيد المسيح ولد من يوسف ومريم ولادة طبيعية ، وامتاز عن البشر بالفضيلة والطهارة وأنه لا يكفى الإيمان به للخلاص، بل ينبغى أن يتحد بإتمام الختان وحفظ يوم السبت ،وتبعه كثيرون، وكان يقدم لأتباعه الخمير الصرف والفطير، حتى قيل أنه لما ذهب إلى روما أخذ معه هذه العادة عند اسكندر أسقفها نحو سنة ۱۲۰م. كما انتشرت هذه الأفكار في فلسطين والأقطار المجاورة والمراكز التي تشتت فيها اليهود بعد خراب أورشليم، وقد أشار إليهم بولس الرسول ( الأخوة الكذبة » ( ٢ كو ١١ : ٢٦ وغل ٢ : ٤ ) . وقد أقلقوا سلام الكنيسة وبخاصة في أنطاكية وغلاطية وقاوموا قانونية رسوليته وتعقبوه من مدينة لأخرى . « والأ بيونيون » إسم عبراني ( أبيونيم) تعنى فقراء أو مساكين وهذه التسمية إما أنهم أطلقوها على أنفسهم لينالوا الطوبي التي أعطاها السيد المسيح للمساكين بالروح وإما أطلقها عليهم المسيحيون لأنهم فقراء ومساكين في أفكارهم المنحرفة ، وقد انتشروا في فلسطين والأقطار المجاورة وامتدوا إلى روما وإلى جميع مراكز الشتات، والأبيونية بدعة ظهرت في أيام المسيحية الأولى لكنها لم تصبح مذهباً له أتباع إلا فى أيام حكم الإمبراطور تراجان ( ٢ ٥ - ١١٧م) . والأ بيونيون فريقان : ۱ - متزمتون : يحفظون ناموس موسى حفظاً حرفياً و يقدسون السبت، و يعتبرون الختان لازماً للخلاص، وأوجبوا على المسيحيين حفظ الناموس القديم كشرط لخلاصهم، ومن جهة إيمانهم في المسيح فقد أنكروا لاهوته وأزليته، ورفضوا اعتباره اللوغوس أو كلمة الله وحكمته ، كما أنكروا ميلاده المعجزى من العذراء مريم واعتبروه إنساناً عادياً كسائر البشر ولد حسب الطبيعة من يوسف ومريم ، وأنه هو النبى الذى تنبأ عنه موسى، ورفضوا الإعتقاد بأن المسيح خضع للموت ، ولكنهم اعتقدوا أن المسيح سيأتي ثانياً في مجد ملكي وأنه يعد لنفسه ولأتباعه لاسيما من أتقياء اليهود ملكاً ألفياً على الأرض . ۲ - معتدلون : يحفظون الناموس اليهودي لكنهم لا يلزمون الجميع به ، ولا يتعصبون ضد من يرفضون حفظه وكانوا يحتفلون بيوم الأحد، ولا يعترضون على ميلاد المسيح المعجزى من العذراء بغير زواج وعلى آلامه وموته ، وإن كانوا يشتركون مع المتزمتين في إنكار لاهوته وأزليته مذكرة الأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمي - ۱۹۷۲ - الكلية الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس ) .
المزيد
03 مارس 2024

زكا العشار(لوقا ١٩ : ١ – ١٠)

معنى اسم زكا هو الطيب عمله كان عشارا أي جابي ضرائب لصالح الرومان المحتلين ومن الواضح انه كان يجني اكثر من المطلوب فيظلم الناس. وعمله هذا سبب رفض الناس له. وبسبب هذا الرفض كان يعيش فراغا كبيرا ولدَ عنده عطشا حقيقيا لأن يتعرف الى يسوع ،فترك كل شيء وذهب ليراه عن قرب ولما لم يتمكن من ذلك بسبب الحشد الكبير و عوقه، حيث انه قصير القامة، استعان بشجرة الجميزة هي على الطريق من حيث سيمر يسوع فيراه كان له رغبة حقيقية ان يرى يسوع، ومن المؤكد ان هذه الرغبة جاءت مما سمعه عن يسوع من صفات محبة ورحمة وقبول الخاطىء واعمال ومعجزات زكا اعجب بكل ما سمعه من يسوع وبذل كل جهوده لأن يراه. نظر يسوع الى الأعلى حيث كان زكا صاعدا اعلى الجميزة، نظر اليه نظرة محبة وقبول ،نظرة ثاقبة وفاحصة لأعماق زكا المتلهفة لرؤية يسوع، فدعاه يسوع للنزول سريعا عن الشجرة لأنه اليوم سيقيم في بيته، مختارا اياه من بين كل الجموع ليدخل معه في علاقة وشركة رغم كونه مرفوض من المجتمع وخاطىء في نظر الآخرين الجميزة هي كل ما يساعدنا لنرتفع اعلى من واقعنا الأليم، مشاكلنا اليومية، جروحاتنا، خطايانا،عاداتنا البالية ،قيودنا البشرية الخ قد تكون الجميزة هي صلاتنا، قراءة الكتاب المقدس، التأمل في اسرار الله والأنسان، اعمال المحبة تجاه الآخر، هناك الكثير من اشجار الجميز على الطريق من حيث سيمر يسوع كل يوم الجميزة لا تحجب رؤيتنا للواقع الأليم الذي نعيشه بل تنقي نظرتنا فنميز يسوع حاضرا في واقعنا الأليم ، نميز يسوع مارا بالقرب منا في الناس اللذين نلتقي بهم كل يوم كل ما علينا فعله هو النظر الى الواقع بحثا عن يسوع لا بحثا عن حلول لمشاكلنا دعا يسوع زكا دعوة عامة امام الملأ جميعا وذلك ليسدد احتياجه للقيمة الأجتماعية فبدل رفض الجميع يمنحه يسوع قبوله الكامل ويرفع من مكانته الأجتماعية لم يتردد زكا في ان ينزل مسرعا الى بيته دلالة على ان زكا ما اراد رؤية يسوع بدافع الفضول بل رغبة حقيقية وعطش كبير للقياه واذ ما تم هذا اللقاء بقرب شديد بعد ان اقام يسوع عنده وسكن قلبه كانت لحظة التوبة عند زكا ،لحظة الندامة الحقيقية والتكفير عن كل خطاياه تجاه الآخرين، كان تحولاً لصورة جديدة ،كان تغيراً يهز الأعماق فيغير سلوك زكا الى ماهو الأفضل لخير الأنسانية جمعاء، كانت ولادة جديدة فقد بدء زكا بنزع الأنسان القديم ولبس الأنسان الجديد ،الأنسان المملؤ بنعمة الروح القدوس ،والسالك بحسب مشيئة الرب يسوع. شفى يسوع ازمة زكا النفسية بدعوته اياه باسمه امام الملأ ،بقبوله له بكل ما يحمل من عيوب وخطايا ،شفاه يسوع بمحبته الغافرة بعد اعلان زكا لتوبته وعمله التكفيري بارجاع اموال الآخرين اضعافا مضاعفة والآن يشفيه يسوع من ازمته الروحية بمنحه الخلاص لهذا البيت ،وبأعلانه انه ايضا هو من ابناء ابراهيم، وصفة ابن ابراهيم هي رمز واشارة لأبن الله فنحن ابناء الله بالتبني وبسبب رحمة الله الواسعة وعمل يسوع الخلاصي نحن نستحق الخلاص. والان لنرجع اليك... هل انت متجه الى حيث سيكون يسوع حاضرا (منتميا الى جماعة مؤمنين)؟ ماهو العوق الذي يمنعك من الالتقاء بيسوع لقاء شخصيا ؟ هل تبحث عن جميزة لتساعد نفسك قليلا لترى يسوع عن قرب؟ هل تعلم ان يسوع سينقي نظرتنا للواقع الذي نعيشه فتتغير طريقة تعاملنا مع هذا الواقع؟ هل اعيش خبرة لقاء شخصي بيسوع؟ هل اعيش الحرية التي نلتها من لقاءي بيسوع؟ حرا من قيود خطاياي، شافيا من آثار جروحاتي الطفولية؟ هل انا في شركة مع الرب يسوع كوني انا ايضا ابن ابراهيم، ابن الله؟
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل