المقالات

25 مارس 2024

يوم الاثنين من الأسبوع الثالث( لو ١١: ٣٣ - ٣٦)

لَيْسَ أَحَدٌ يُوقِدُ سِرَاجاً وَيَضَعُهُ فِي خِفْيَةٍ، وَلَا تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ، لِكَيْ يَنْظُرَ الدَّاخِلُونَ النُّورَ . سَرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّراً، وَمَتَى كَانَتْ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِماً. انْظُرْ إِذَا لِئَلَّا يَكُونَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظُلْمَةٌ. فَإِنْ كَانَ جَسَدُكَ كُلُّهُ نَيْراً لَيْسَ فِيهِ جُزْءٌ مُظْلِمٌ، يَكُونُ نَيِّراً كُلُّهُ، كَمَا حِينَمَا يُضِيءُ لَكَ السِّرَاجُ بِلَمَعَانِهِ . العين البسيطة إنجيل هذا الصباح يتكلم عن موضوع مهم للغاية، يُعتبر من أخطر المواضيع التي تقابل الإنسان الروحي في جهاده الروحي، وهو: العين البسيطة. هذا معيار مسيحي من الدرجة الأولى، ويُعتبر امتيازاً عالياً للإنسان الروحي. في الحقيقة لو أننا أخذنا التشبيه على أنه العين البشرية؛ لخرجنا تماماً عما يقصده المسيح الرب هنا لا يقصد العين البشرية. لأسباب كثيرة: أولاً : هي عين واحدة وليست عينين، فهنا يتجه المعنى ناحية عملها وليس ناحية الشكل أو الصفة. ثم هي عين بسيطة، وكلمة بسيطة في اللغة اليونانية تعني معاني قوية جداً، ولكن لا معنى منها يتفق مع الجسد. أول هذه المعاني إنها مفردة أي ليست مركبة، فهي لا تحتمل التعقيد أو الثنائية،بمعنى أنها لا يمكن أن تنقسم إلى رؤيتين. الصفة الثانية: هي عين مستقيمة، في اتجاه أمامي، وليس تعريجاً بين يمين ويسار. وصفة ثالثة : أنها صحيحة، أي ليست مريضة وليس بها شوائب. ثم هي واضحة أو صافية ليس فيها تعتيم، وآخر صفة لتلك العين البسيطة هي إنها مكشوفة، ليس فيها أشياء مخفية. إذن، كما رأينا، لا تنطبق واحدة من كل هذه الصفات على العين الجسدية. إذن ما هو المقصود بالعين البسيطة؟ إنها العين الروحية، إنها العين البصيرة، والبصيرة ليست الإبصار، إنها إدراك الحق وتمييزه وليس كالبصر الذي يرى فقط الظواهر الخارجية. فالعين التي يقصدها المسيح هي إدراك الحق والتمييز ما بين الحق وغير الحق والحق في المفهم اللاهوتي والإنجيلي هو النور، والباطل هو الظلمة. وعندما نقول: النور، فالمقصود هو شخص الرب يسوع الذي قال عن نفسه: «أنا هو نور العالم». فالعين البسيطة هي التي انفتحت بصيرتها على المسيح والحياة الأبدية. بعكس العين الشريرة التي انفتحت على الشر.وعندما نقول أنها عين بسيطة مفردة فنقصد أنها لا تقبل غير المسيح، وترفض أن يكون له بديل. ثم هي عين مستقيمة، أي أن اتجاهها هو ناحية المسيح، لا تميل عنه يمنة ولا يُسرى. وهي عين صحيحة، أي ليس بها سقم غوايات وشهوات الجسد، وتستطيع أن ترى المسيح بصفاء وبدون تشويش. ثم، هي أخيراً عين مكشوفة وصريحة، بمعنى أن كل شيء أمامها واضح.العين الروحية موقعها عند المسيح أعلى شيء عند الإنسان، وأهم عضو من أعضائها، والذي عليه كل التركيز في فهم الإنجيل. يقول عن تلميذي عمواس إنه: «فتح ذهنهم ليفهما المكتوب». لقد انفتحت العين الروحية على الحق ودخلها نور المسيح دخلها الحق؛ فانكشف لها كل شيء عن المسيح. انظروا كم هي مهمة، لذلك جعلها المسيح مثل المنارة التي يضعونها في أعلى مكان في البيت.لو كانت العين الروحية سليمة؛ فإن نور المسيح ونور الله سيدخل ويضيء كل أعضاء الإنسان المنظورة وغير المنظورة، يضيء الفكر والضمير والعواطف والمشاعر والقلب، وتبتدئ كلها تستنير وتعمل الحساب النور. فإذا كان النور البشري المصنوع عنده القدرة أن يعمل في الجسم ويطهر من الميكروبات ويُظهر الخفيات؛ فما بالك بالنور الروحي، نور المسيح الفائق الفاعلية، عندما يدخل ويستقر في الإنسان كم هو قادر أن يميت الخطية، ويطهر الفكر والقلب والضمير من الأعمال الميتة.لو كانت عينك الروحية سليمة؛ فإن النور الإلهي يدخلها وينفذ فيها،الأمر الذي يسميه المتصوفون: التحديق في النور الإلهي، أي الشخوص في نور المسيح.الإنسان الذي دخله شعاع النور من خلال العين الروحية يستطيع أن ينفذ أيضاً من خلالها لينظر ويتأمل في الله. وهذه عملية من أروع ما يمكن، ذلك لأن كلما تأمل الإنسان في الله أكثر ؛ كل ما انسكب فيه النور أكثر.فهنا التحديق في نور الله في الحق الإلهي في شخص يسوع المسيح، هذا يزيد العين جلاء واستنارة.ولكن لاحظ أنه في بداية التأمل يحصل صراخ، فبمجرد أن العين تتأمل في الأمور الإلهية ترتد العين سريعاً، ثوان قليلة وتعود أدراجها، لا تستطيع أن تحدق، لماذا؟ لأن العين ليست سليمة، لابد لها من تطهير وغسيل أكثر وأكثر. ولكن كلما داوم الإنسان في النسك وفي العبادة والقراءة؛ كلما راقت العين وصفت، ويستطيع بعد هذا أن يحدق في النور أكثر، ويوجه ذهنه نحو آية من الآيات أو صفة من صفات الله، ويركز فيها الذهن مع القلب والمشاعر مع الفكر، فلابد له هنا أن يخرج بغنيمة، ولا يمكن أن يخرج فارغاً أبداً. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
01 أبريل 2024

يوم الاثنين من الأسبوع الرابع (لو ١٦: ١-٩)

وَقَالَ أَيْضاً لِتَلَامِيذِهِ: كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ لَهُ وَكِيلٌ، فَوُشِيَ بِهِ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ يُبَدِّرُ أَمْوَالَهُ. فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُ عَنْكَ؟ أَعْطَ حِسَابَ وَكَالَتِكَ لأَنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ وَكِيلاً بَعْدُ. فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي نَفْسِهِ: مَاذَا أَفْعَلُ؟ لَأَنَّ سَيِّدِي يَأْخُذُ مِنِّي الْوَكَالَةَ لَسْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَلْقُبَ وَأَسْتَحِي أَنْ أَسْتَعْطِيَ. قَدْ عَلِمْتُ مَاذَا أَفْعَلُ، فَدَعَا كُلِّ وَاحِدٍ حَتَّى إِذَا عُزِلْتُ عَنِ الْوَكَالَةِ يَقْبَلُونِي في بيوتهم. مِنْ مَديوني سَيِّدِهِ، وَقَالَ لِلأَوَّلِ: كَمْ عَلَيْكَ لِسَيِّدِي؟ فَقَالَ : مِئَةُ بَثَّ زَيْتِ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ صَكَكَ وَاجْلِسَ عَاجِلاً وَاكْتُبْ خَمْسِينَ. ثُمَّ قَالَ لَآخَرَ: وَأَنْتَ كُمْ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: مِئَةُ كُرِّ قَمْحٍ فَقَالَ لَهُ: خُذْ صَكَّكَ وَاكْتُبْ ثَمَانِينَ. فَمَدَحَ السَّيِّدُ وَكِيلَ الظُّلْمِ إِذْ بِحِكْمَةٍ فَعَلَ، لأَنَّ أَبْنَاءَ هَذَا الدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ فِي جِيلِهِمْ وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ، حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالَ الأبدية . مثل وكيل الظلم هذا المثل قائم على فرضية أن الحياة هي فرص، لابد أن ننتهزها، ونقايض بها. علينا أن نبيع الذي لنا هنا تتلفه، تبذره، على أساس أن كل ما نملكه على الأرض هو أمور فانية، وذلك لكي نربح الذي لا يفنى والذي . يبقى إلى الأبد. فإن عرفت أن تقايض الفاني بالباقي تكون نجوت.مثل وكيل الظلم من أصعب الأمثلة التي ممكن أن نقابلها، لأنه وضع خارج القانون الأخلاقي، فالسيد امتدح ذلك الوكيل الظالم، مدحه لأنه عمل بحكمة أهل العالم، حكمة مال الظلم، حكمة السلوك بالجسد. يجب أن نعرف في البداية أن كل الأشياء التي لنا هنا على الأرض من مال وصحة وعافية وعينين وجسد وعقل كل هذه أمانات، وأن المسيح استأمننا عليها، هو صاحبها، ونحن عليها وكلاء. المسيح في هذا المثل يقول عن هذا الوكيل إنه بدد الأموال، التي ليست له، التي لا يملكها، زور في الدفاتر وكتب فيها أشياء ليست صحيحة. المسيح يقول أنا أريدكم أن يكون لكم تلك الذهنية، فالصحة التي عندكم والأموال التي في أيديكم هي ليست ملككم أنتم لستم أصحابها، عليكم أن تبددوها. أنا أقول لكم تصرفوا فيها، بددوها، لا تخافوا، ألست أنا صاحبها الأصلي. أنا سأعوضكم عنها، سأعطيكم أنا أجمل وأحسن منها مائة ضعف، ثم أيضاً أعطيكم معها الحياة التي فوق. كم ستعيش؟ ستين، ثماين سوف أعطيك حياة إلى الأبد. إن أنت بددتها لحسابي سوف أضيفها لحسابك فوق إلى الأبد؛ أما إن أنت أخذتها لحسابك، ضاعت منك وأنت ضعت، ولن يكون لك عندي شيء فوق.المثل دقيق جداً ولا يمكن فهمه إلا على هذا الأساس: أن كل ما نملكه هو ليس لنا. والمسيح يستلف من مثل وكيل الظلم ويكلم أولاد النور، يقول لهم: انظروا أولاد الظلمة إنهم أحكم منكم، انظروا كيف يأخذون مال الظلم المال الذي مآله الفناء ويتمتعوا به ويعملوا به أصدقاء، وأنتم ألا تفعلوا مثلهم وتكسبوا به الحياة الأبدية؟!ثم من يكون يا ترى هذا الشخص الذي يمكنه أن يبدد بسرور؟! هو الذي لا يحس أن الذي يملكه هو له، بل هو ملك المسيح، والمسيح حر فيه والمسئول عنه. لذا المسئولية واقعة عليه وليست علينا. مال الظلم معروف أن المال هو أصل كل الشرور. ولكن هذا المال، المال البطال عندما تبعزقه وتبدده الحساب المسيح يبقى للبر يكون مال بر، يصير للحياة الأبدية تماماً مثل كل شيء في العالم، فالعالم نفسه وضع في الشرير، والزمان الذي نحياه زمان مقصر وشرير؛ ولكن ماذا لو نحن استغلينا هذه الأيام في صلاة وسجود وعبادة؟ سيتحول هذا الزمان المقصر إلى خلود وحياة أبدية. الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي أعطي له حق تحويل الزمن إلى خلود. صل يوم تتحول بحساب الله إلى ألف سنة. صلِّ سنة تكون هذه هي الأبدية هذا هو قانون المقايضة تراب بمجد، ملاليم بجواهر سماوية هذا المثل عجيب ورائع للشخص الذي له وعي وعين روحية، ويمكن تلخيصه في نقطتين: الأولى هي مقدار السعادة والغبطة التي يذوقها الإنسان حينما يبدأ في التبديد الحساب الله، إنها سعادة لا يمكن أن تدانيها أي سعادة أخرى على الأرض، مهما أعطيت من تكريم وأمجاد وأفراح.. كل هذه لا يمكن أن تتساوى مع أحاسيس إنسان يبدد وليس فقط يعطي.والثانية هي أن المتغير يتحول إلى ثابت والفاني إلى باقي وإلى حياة أبدية تصور إنساناً يحس وهو هنا على الأرض بالخلود يحس بالشركة في المجد الإلهي لذلك تهون عليه أتعابه الجسدية، وفرحته لا يمكن أن يقدرها إنسان. المسيح هو أكبر مبدد ممكن أن يسمع عنه إنسان أو عقل بشر، وهو عندما يتكلم عن عطائه في الروح يقول: «ليس بكيل يُعطي الله الروح»، المسيح لا يعطينا حسب استحقاقنا، بل يعطينا بلا كيل. الذي عمل ساعة واحدة سوف يعطيه تماماً مثل الذي عمل ۱۱ ساعة، يقول له أنا صالح، أنا حر أبدد مالي كما أريد. يقول في العهد القديم: «جربوني يقول الرب، إن كنت لا أفتح لكم كوى السماء حتى أفيض عليكم حتى لا يكون هناك متسع حتى تقولوا كفى كفى . ماذا يكون هذا؟ تبديد بلا شك في معجزة إشباع الجموع، اسمع ما يقول أكلوا وشبعوا ثم رفعوا ما فضل منهم ۱۲ قفة مملوءة». إنه تبديد وأيضا نسمع عن الأجران التي حولها خمراً، ۱۸۰ لتراً من خمر جيدة لكي يفرحوا. ونقرأ عن الشبكة المملوءة سمكاً والتي كادت أن تتخرق من كثرة ما تحويه لسان حال المسيح في كل ما سمعنا أن كيله جيد فائض مهزوز ملآن في الأحضان وأخيراً، هذا المثل يخاطب أبناء النور يقول لهم: يا أبناء النور تعلموا من أبناء الظلمة كيف هم يبددون أموالهم على الباطل والبطال. المال مالي، وأنا استودعته عندكم الصحة والعافية أنا أعطيها وأزيد عليها. إن حجزتموها لحسابكم تنزع منكم وتفنى ولا عائد لكم. أما إن أنتم أضفتموها لحسابي تبقى لكم وتزيد وعائدها في السماء محفوظ لكم. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
27 أبريل 2024

سبت لعازر (يو١:١١-٥٤)

حلوه ودعوه يذهب سبت لعازر يحمل معاني عميقة لمحبي الطقس والهواة التلذذ بربط المعاني والغوص في بحر لآلى الأرثوذكسية. كل ما عرفناه عن السبت والسبوت أنه رمز الراحة والتوقف عن أعمال الحياة هكذا جعله العهد القديم رمزاً لانتهاء الخلقة الترابية ولكن فجأة، وكختام لعهد قدم وشاخ، يأتي سبت لعازر ليقلب معنى السبوت كلها معلناً عن بداية جديدة للحركة والحياة وفك ختوم السكوت والموت واقتحام الطريق الموصل بين القبر والهاوية هكذا تتلقف الكنيسة سبت لعازر لتجعل منه أحداً صغيراً وقيامة صغرى ترابية لواحد من أولاد آدم الأول، تمهيداً لقيامة عظمى إلهية للمسيح آدم الثاني سبت لعازر هو في الأرثوذكسية مفتاح سر البصخة سر الانتقال من القديم إلى الجديد من عهد السبوت إلى عهد الآحاد من عهد الموت إلى عهد القيامة. وهو أول مرحلة من مراحل العبور التي جازها مخلصنا، إذ بإقامة لعازر من الموت قدم المسيح صورة للنهاية قبل البداية، فأطلق في القلوب سر فرحة النصرة على الموت حتى لا تخور في موكب الصليب ليس جزافاً أن يطلق المسيح في يوم السبت سراح لعازر من بطن الهاوية ويقيمه من بين الأموات، ولكنه أراد أن يُمهّد بسبت لعازر للسبت الكبير، حتى تكون آلامه وصلبه ودفنه على رجاء، وقيامته يقيناً كالفجر هكذا كانت ولا تزال قيامة لعازر حجة رجاء ضد الموت ويقين قيامة ننتظرها على كافة المستويات حتى ولو أنتنت أجسادنا وانحلت وذابت وتلاشت في الماء أو بين ذرات التراب.هل كان لعازر في حاجة إلى أسبوعين يضافان إلى حياته أو شهرين أو عدة سنين أخر ؟ كلا،ولكن كان التلاميذ بل نحن بل العالم كله في أشد الحاجة أن يقوم لعازر من بين الأموات ليؤمن الجميع بالمسيح، ليس فقط أنه قادر أن يقوم، بل ويقيم من بين الأموات أيضاً !! والقصة تبدأ عندما أرسلت مريم ومرثا إلى المعلم بلهفة أن: أسرع، فلعازر الذي تحبه مريض. والإسراع هنا يفيد توقف إيمان الأختين بالرب عند حد شفاء الجسد: يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي». لهذا كانت اللهفة وكان الإسراع من جانب الأختين لئلا يموت وتضيع الفرصة. وبالرغم من ذلك نرى المسيح يتأخر، لأنه يرى في موت لعازر فرصة لإيمان أعلى: فلما سمع أنه مريض مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين. ثم بعد ذلك قال لتلاميذه: لنذهب وفي الطريق قال لهم: لعازر مات. وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك لتؤمنوا» الرب هنا يفرح عند ازدياد فرصة الإيمان أمام التلاميذ، عندما يسترد نفساً من بين مخالب الموت. ولكن العجيب أنه بعد قليل يواجه المسيح الأختين ويرى بكاءهما، فيبكي هو أيضاً من فرط تحننه : انزعج بالروح واضطرب بكى يسوع». فالذي رأيناه يفرح بازدياد فرص الإيمان للتلاميذ والأختين تجاه الموت نجده يبكي عندما يقف بين الباكين، وكأنما الفرح والبكاء عند المسيح نظير أو رهن ما يسرنا ويبكينا !! ولكن بتأمل صغير نجد أن الفرح والبكاء جاءا مختلفين في ترتيبهما لدى المسيح عن ما كان لدى الأختين والتلاميذ. فعند المسيح الفرح أولاً ثم البكاء، إذ كان يرى القيامة قبل الموت، ولكن بالرغم من ذلك لم تعقه فرحة الرؤيا المسبقة للعازر قائماً من بين الأموات عن أن يذرف الدمع مع الباكين أمام القبر.وهكذا بدا يسوع فائقاً جداً في حنانه وترفقه بالمتألمين إذ أخلى نفسه من فرحته النبوية لما سيكون، فبكى كما يستلزمه الإشفاق وتحتم به المودة. أما الأختان، فإذ اختفت رؤية القيامة عن مستوى إيمانهما بكتا بكاءً مُرَّا خُلواً من فرحة النبوة المسبقة بما سيكون! وأمام القبر وقف رب الحياة وسيد القيامة ونادى لعازر، فقام، وقام معه رجاء الإنسان كله كل بني آدم بالحياة الأخرى. والذي نادى لعازر باسمه فقام من بين الأموات ويداه ورجلاه مربوطات سيأتي وسينادي الإنسان، كل إنسان، لقيامة أبدية ودينونة وحياة. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
15 أبريل 2024

يوم الاثنين من الأسبوع السادس (لو ١٣: ١ - ٥)

[وَكَانَ حَاضِراً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِلَاطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ، فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ، لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هَذَا؟ كَلَّا أَقُولُ لَكُمْ. بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ. أَوْ أُولئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَهُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ كَلَّا أَقُولُ لَكُمْ ۚ بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ]. إن لم تتوبوا الرب في هذا الإنجيل أعطى مثلين لنوعين من الكوارث التي يُفاجأ بها الناس: أولاً : الكوارث الاجتماعية: وفيه يتحدث هذا الإنجيل عن الصدام الدموي الذي حدث بين الجليليين وبين الجنود الرومان داخل الهيكل. كانوا يظنون أن الهيكل سيدافع عنهم، ومن أمثلة هذا النوع الكوارث التي يتسبب فيها الإنسان كالحروب والاضطهادات العنصرية والصراعات المسلحة. ثانياً : الكوارث الطبيعية، والمثال الذي يقدمه الإنجيل هو سقوط برج على الناس مما أدى إلى موتهم. ويندرج تحتها كل ما ينشأ من الطبيعة وليس للإنسان يد فيها، مثل الزلازل والأعاصير والأمراض والحرائق.ولكن ما هي وجهة نظر المسيح في هذين النوعين من الكوارث؟ المسيح يرتفع بهذه الحوادث كلها ولا ينسب سببها إلى خطية محددة، فهو ينفي عن أولئك الذين قتلهم بيلاطس أنهم كانوا أكثر خطية من غيرهم، وهو أيضاً لا ينعت الجماعة التي قتلهم البرج في سقوطه بأنهم أكثر شراً من الآخرين. ولكنه يستطرد ويقول: إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون. وهنا يجب أن نلاحظ بعض الأمور: ١- أن الكارثة سواء كانت طبيعية أو اجتماعية هي عظة تنبيهية، هي إنذار، سواء لك أو لمن معك، أو للجماعة، أو للمدينة أو للشعب، إذن فعليك إذا تواجهت مع كارثة، فلا تبحث عن سببها، بل عليك بالتوبة. ٢- إن أي كارثة سببها خطية، ولكن ليس خطية الذين ماتوا فقط؛ ولكن خطية الكل. إنها خطية الذين ماتوا وخطية الذين نجوا، وهذا ما يوضحه المسيح عندما قال: أتظنون أن هؤلاء أكثر خطية من الآخرين، بمعنى إنهم كانوا خطاة مثلهم تماماً، وهو يجيب بالنفي التام. ٣- إن كل كارثة نسمع بها أو نراها أو ندخل فيها هي إنذار لكارثة أعم أكبر قادمة، ما لم يتبعها توبة. ٤ - التوبة قادرة أن توقف أي كارثة في الحال. والذي يسترعي انتباهنا في قول المسيح: جميعكم تهلكون»، إن "جميعكم" معناها أن الخطر القادم سيكون أشد ضراوة وسيشمل ويعم الجميع؛ فإذا كان البرج قد قتل فقط ثمانية عشر؛ فتعالوا انظروا ماذا فعل تيطس بمدينتهم أورشليم، حيث ارتكبت فظائع يندى لها الجبين. كان المسيح يرى الحاضر ويرى القادم ويرى وسيلة الخلاص من القضاء المحتم وقوعه. وهنا تظهر التوبة أمامنا بجلاء كقوة عظمى قادرة أن تُغيّر قضاء الله وتغير القانون المحتوم. الله ليس عنده قوانين محتمة القوانين مُحتمة علينا نحن فقط. الله حر في جميع قوانينه. والعجيب المذهل هو أن الله، وهو صاحب القضاء وصاحب القانون ألزم نفسه إن جاز التعبير، وهو جائز بأنه مستعد أن يُغيّر جميع أقضيته، وجميع حتمياته المقدر وقوعها إذا الإنسان تاب. هنا ترتفع التوبة في عيني أي إنسان لكي تبلغ إلى قامة الله في قدرته على تنفيذ الحكم، وفي نفس الوقت على رفع الحكم. الخطية تجعل الله ينفذ الحكم؛ والتوبة تجعله يلغيه.انظروا إلى أي مدى يعتمد الله علينا في قضائه وأحكامه.ولكن الشيء الأعجب من هذا كله هو أن الله لا يريد التوبة من الجميع، يكفيه عشرة فقط تائبين. واقرءوا المحادثة الرائعة التي دارت بين إبراهيم والله، وكيف تشفع فيهم إبراهيم حتى لا يحرق سدوم وعمورة معتمداً على وجود عشرة أشخاص فقط تائبين فيهما. المسيح يريد واحداً من كل بيت أو حتى من كل بيتين. مطلوب فدائيين للتوبة عن كل العالم مطلوب جماعات فدائية تتوب لأجل لمصر ولكل بلد، تكرّس حياتها الخاصة للصلاة والتقوى والتوبة عن نفسها والآخرين. لكي يرحم الله العالم ويرفع غضبه. أرجوكم انتبهوا،هذه هي مسئوليتكم! والآن ما هو موقفنا نحن يا مسيحيين، من إنجيل هذا اليوم؟ يجب أن نعلم أولاً أنه ليس هناك أفكار أو فتاو بشرية؛ ولكن المسيحية محكومة وقائمة على قدمين ١- إنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله. لذا فإن كل كارثة تحدث للشخص المسيحي هي أمر داخل في اعتبار الله واعتبار المنهج المسيحي للخلاص وتكميل الرسالة. لذلك يقول: «لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة»، بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل الملكوت»، في العالم سيكون لكم ضيق»، «سيأتي وقت يظن فيه كل من يقتلكم أنه يؤدي خدمة الله». إذا ليس في الأمر جديداً، ونحن لهذا نحيا، ولهذا ولدنا،وإن متنا بها؛ يا مرحبا. ٢- علينا أن نرى مسيحنا ونتعلم منه ففي أوج محنة آلامه وصلبه طلب من الآب أن يغفر خطايا أعدائه، وكأنه يقول: لا تجعل صليبي وموتي سبباً لدينونتهم، اغفر لهم، أنا مصلوب من أجلهم. لذلك لابد من حتمية الصفح والغفران للمسيئين.ما أعظم الصليب ! إذ ليس في كل ما يُعرض على الإنسان من كرامة ومجد يساوي حمل الصليب هذا هو منهجنا. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
03 مايو 2024

باكر يوم الجمعة الكبيرة

مت ١:٢٧ - ١٤ + مر ١٥ : ١- ٥ + لو ٢٢ : ٦٦ - ٢٣: ١٢ + يو ١٨ : ٢٨ - ٤٠ ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قيافا إلى دار الولايَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلايَةِ لِكَيْ لَا يَتَنَجَّسُوا ، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. فَخَرَجَ بيلاطس إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَيَّة شِكَايَةٍ تُقدِّمُونَ عَلى هذا الإِنْسَان؟» أَجَابُوا وقالوا له: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرِّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ !» فَقَالَ لَهُمْ بيلاطس: «خُدُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ». فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: لا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدًا». لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِينَةٍ كَانَ مُرْمِعًا أَنْ يَمُوتَ . ٣٣ ثُمَّ دَخلَ بيلاطس أَيْضًا إِلَى دَارِ الوِلايَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذا، أمْ آخَرُونَ قالُوا لكَ عَنِّي؟» أَجَابَهُ بيلاطس: «الْعَلِّي أَنَا يَهُودِيُّ؟ أمتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ مَاذَا فَعَلْتَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذا العالم. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذا العالم، لكَانَ خدامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أَسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِن الآن لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هنا». فقال له بيلاطس : «أَفَأَنْتَ إِذا مَلِكٌ ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ: إنِّي مَلِكٌ. لهذا قد وُلِدْتُ أنا، ولهذا قد أتَيْتُ إلى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي». ٣٨ قالَ لَهُ بيلاطس: «مَا هُوَ الْحَقُّ؟». ولما قال هذا خَرَجَ أَيْضًا إلى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: «أنا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَة وَاحِدَةً . وَلَكُمْ عَادَةُ أَنْ أُطلِقَ لَكُمْ وَاحِدًا فِي الْفِصْح. أفتُرِيدُونَ أنْ أطلق لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». فَصَرَحُوا أَيْضًا جَمِيعُهُمْ قَائِلِينَ: «لَيْسَ هَذا بَلْ بَارَا بَاسِ !». وَكَانَ بَارَابَاسُ لِصًا. مملكتي ليست من هذا العالم الذين قبلوا المسيح رباً وإلهاً، أصبحوا ليسوا من العالم، بل ويبغضهم العالم. لماذا؟ واضح جداً أن العالم وضع في يد الشرير، فالذي يحب العالم يحبه العالم، ويصبح لعبة في يد الشيطان، لأنه يطيعه في كل مشوراته. فالعالم لا يحتمل اسم المسيح لأنه يكته. فمن أجل اسم المسيح يضطهد العالم الذين للمسيح. وقد اضطهد العالم ورئيسه المسيح، اضطهاداً قادهم إلى صلبه، وأصبح الشيطان يعرف كيف يكيل للمسيح الضربات فيمن قبلوا المسيح وآمنوا به. وهكذا اتسم العالم بعداوة المسيحيين واضطهادهم من أجل الاسم. والمسيح هنا يسبق ويوعي الذين له، أن يكونوا عارفين بما يكنه العالم لهم،حتى لا ينساقوا وراء الذين يعيشون في العالم وهم مأسورين تحت جذبه.لهذا كان أول نصيحة يتقبلها الإنسان المسيحي، أن ينتبه وهو في بداية حياته الإيمانية، أن لا ينجرف وراء جذب العالم، ومعاشرة الأشرار الذين يعبدون العالم. هذا هو الجزء السلبي من الإيمان بالمسيح، القادر أن يبتلع الناشئين. ولكن بمجرد أن يبدأ الإنسان المسيحي طريقه الصحيح، ويصلّي ويتعرَّف على محبة المسيح، يبتعد عنه عملاء الشر. وبمجرد أن يحس بانحياز العالم ضده، يرتمي في حضن المسيح ويمسك بالإيمان.وبمجرد أن يمسك الإنسان بالمسيح، يحتضنه المسيح. لأن وعده قائم كل الدهور أن "من يقبل إلي لا أخرجه خارجاً". هكذا جعل المسيح الإيمان به رهن إشارة الإنسان الذي نوى أن يدخل حظيرة المسيح.وإزاء بغضة العالم لمن يقبل المسيح، يفتح المسيح أحضانه لكل من التجأ إليه. والمسيح الذي أحبنا وأسلم ذاته من أجلنا، قد اشترانا من قبضة الشيطان بدمه ولن يستطيع الشيطان ولا العالم أن يخطفنا من يد المسيح ويد الآب، التي هي قوتنا وملاذنا الأبدي. فمهما بغض العالم وكشر العدو بأسنانه، فنحن في حمى من خلق السماوات والأرض، وقد خلقنا جديداً بالروح لنفسه، فنحن أولاد الله وأعضاء بيت الله. وحظنا ونصيبنا محفوظ لنا في السموات، نراه بالإيمان ونحيا له بالعيان. ونسعد به في أحلك ساعات الظلام، لأن أعيننا مثبتة فوق من حيث يأتي عوننا، تحرسنا يمين الرب حتى نعبر إليه ونتهلل لأن نصيبنا قد قرب.وهكذا أصبح اضطهاد العالم لنا جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، وتعودنا عليها كما تعودنا على الصداع والإنفلونزا. أمور لا يصح أن نقف عندها لأنها تحصد الكل، وليس أحد أعز من الآخر أمامها، بل هي التي تختار من تستضيفه عن رضى وصمت.وحينما يرفع الإنسان بصره يرى المسيح قد جاز كل أنواع الاضطهادات ولم يشتك قط. فإن كانوا قد فعلوا ما فعلوا في رب المجد أفكثير عليهم إن جعلوه طعامنا وشرابنا ؟ فنحن نأكل الاضطهاد أكل الخبز ونشربه كالماء، ولكن بالرغم من ذلك فنحن بمسيحيتنا أكثر من منتصرين. ونقول ونسبق الحوادث كلها الآتية علينا من العالم، أننا غلبنا العالم وأعظم من المنتصرين. وعلى قدر ما يذيقنا العالم من مرار، فسوف نذوق حلاوة الرب، وسوف نرى كم هو طيب جداً، ومذاقه مذاق العسل المعقود.واعلموا أن مرار العالم زمني، وكل ما هو زمني هو حتماً زائل، أما الرب فثابت للأبد. لذلك ألا يتحتم علينا أن نستبدل المرار بالعسل، والألم والوجع بالراحة الأبدية؟! فاشربوا يا إخوة من المرار الزمني ولا تتمنعوا، فكل أطايب الملكوت محجوزة لكم، وكما صنعوا بالمسيح ليس بأقل مما يصنعون بنا، فنحن شركاء آلامه حقاً، ومجدنا هو صليبه ومساميره، وقد خار المسيح تحت ثقل الصليب، فإن خار أحدنا تحت الاضطهاد فلا ينسى صليب المسيح الذي وضع علينا أن نحمله رضينا أو لم نرض. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
02 مايو 2024

باكر يوم الخميس لو ٧:٢٢ - ١٣

وَجَاءَ يَوْمُ القَطِيرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُدْبَحَ فِيهِ الْفِصْحُ فَأَرْسَلَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِلاً: «اذْهَبَا وَأعِدًا لنا الفِصْحَ لِنَاكُل». فقالاً لَهُ: «أَيْنَ تريد أن نُعِدَّ؟». فقالَ لَهُمَا: «إذا دَخَلْتُمَا المَدِينَة يَسْتَقْبِلُكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّة مَاءِ اتْبَعَاهُ إِلَى الْبَيْتِ حَيْثُ يَدْخُلُ، وَقُولا لِرَبِّ الْبَيْتِ: يَقُولُ لَكَ المُعَلِّمُ: أَيْنَ المَنْزِلُ حَيْثُ ُأكُلُ الفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي ؟ " فذاكَ يُرِيكُمَا عِليَّة كَبِيرَةً مَفْرُوشَة. هُنَاكَ أَعِدًا». فانطلقا وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا، فَأَعَدًا الفصح. الافخارستيا ترياق عدم الموت سر الإفخارستيا هو خلاصة الإيمان المسيحي وهو محور الإيمان بالمسيح، والمنطلق العملي للحياة مع المسيح أو بالمسيح لنكون شعباً مبرراً وأمة مقدسة.والرب لم يؤسس هذا السر في بداية خدمته، لا بعد المعمودية مباشرة مثلاً، ولا بعد صوم الأربعيني، ولا كنهاية تعاليمه، ولكنه أخره متعمداً حتى ميعاده المضبوط تماماً في الليلة التي أسلم فيها». فحينما انتهى من كل تعاليمه، وحينما أكمل حبه، وحينما سلم لتلاميذه كل أسرار علاقته بالآب، ثم دخل بالفعل في ساعة الصفر وتقرر البدء في تنفيذ الصلب ودفع للخائن الثمن وتعين زمان ومكان التسليم وأحس المسيح بدنو ساعة الموت حينئذ أخذ خبزاً وباشر تأسيس أعظم أسرار الوجود الإنساني على الأرض؛ بل وأعظم أسرار الحياة قاطبة، هذا الذي صار للإنسان المائت ترياق عدم الموت، وقوة القيامة ومفتاحاً للخلود.في الليلة التي أسلم فيها في هذه المناسبة التاريخية القائمة بين تأسيس السر وليلة التسليم للموت، أصبحت بعد تحول الخبز والخمر مناسبة كرازية فائقة للزمان تستغرق كل الزمان ثم تتخطاه إلى الأبدية اللانهائية: «فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز و شربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء».فهناك سر يجمع بين المسيح الجالس مع تلاميذه والمتحد معهم بسر الحب ساعة ان شاء يوم الخميس، وبيننا نحن في كل الأجيال وعلى مدى كل الزمان والموت يداهمنا يوماً بعد يوم. هنا سر الإفخارستيا هو هو سر المسيا الكائن الذي كان والذي يأتي المتحد بأولاده بجسده السري عبر الزمان كله يحييهم بسر موته الحيي.ونحن نأكل الآن وكل يوم جسد الرب ونشرب دمه كتحقيق على مستوى الكرازة العملية أن المسيح مات وقام وإنه آت حيث يُستعلن يومئذ اتحادنا معه الذي أكملناه في سر الإفخارستيا، وينكشف علانية كيف عشنا وسنعيش إلى الأبد بموته.بشارتنا الآن بموت الرب كلما أكلنا من الخبز وشربنا من الكأس في واقع حال السر الإلهي، فهي لازمة وحتمية إلى أقصى حد لأن اعترافنا بموت الرب الذي نأكله ونشربه يلغي موتنا كل يوم الذي نموته بالخطية، يلغي فرقتنا، يلغي عداوتنا، يلغي كبرياءنا ... حياتنا الأبدية تنبع لنا من حيث نشهد بموت الرب الذي نأكله ونشربه في هذا السر. لذلك كان الجسد المكسور والدم المهرق في الإفخارستيا نبع حياة أبدية لنا منذ عشاء يوم الخميس حتى اليوم وإلى نهاية الدهور كلها. سر عشاء الخميس نواة الكنيسة كلها : تكريم الكنيسة لتأسيس سر الإفخارستيا يوم خميس العهد سنوياً ليس مجرد تذكار تاريخي المسيح وجماعة الرسل المجتمعين في ذلك المساء حاضرون معنا الآن بجملتهم في الكنيسة هنا عندما يُقام هذا السر، وليسوا هم وحدهم، بل وأيضاً كل الذين ضمتهم الكنيسة إلى جسد المسيح. السر في جوهره يضم باستمرار كل الذين يخلصون.فإذا تصورنا سحابة هائلة تمتد حتى عنان السماء ثم فحصنا كل نقطة ونقطة فيها من ذرات الماء الكثيف، واكتشفنا أن كل نقطة عبارة عن وجه قديس أو روح بار مكمل بالمجد، فهذه ربما تعطي صورة تقريبية للكنيسة. ولكن إذا دققنا وجدنا أن قوة تجمع وانجذاب كافة النقط معا بهذه الصورة تنبعث من الوسط، حيث توجد مائدة صغيرة في وسطها الرب وحولها التلاميذ، فتكون هذه هي الصورة التقريبية لسر عشاء الخميس. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
08 أبريل 2024

يوم الاثنين من الأسبوع الخامس(لو ۹ : ۱۲-۱۷)

"فَابْتَدَأَ النَّهَارُ يَمِيلُ. فَتَقَدَّمَ الاِثْنَا عَشَرَ وَقَالُوا لَهُ: اصْرِفِ الْجَمْعَ لِيَذْهَبُوا إِلَى الْقُرَى وَالصِّيَاعِ حَوَالَيْنَا فَيَبِيتُوا وَيَجِدُوا طَعَاماً،لأَنَّنَا هَهُنَا فِي مَوْضِعِ خَلَاءٍ.فَقَالَ لَهُمْ: أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا فَقَالُوا : لَيْسَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَيْنِ،إِلا أَنْ تَذْهَبَ وَنَبْتَاعَ طَعَاماً لِهَذَا الشَّعْبِ كُلِّهِ. لَأَنَّهُمْ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلَافِ رَجُلِ.فَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: أَتَّكِنُوهُمْ فِرَقًا خَمْسِينَ خَمْسِينَ.فَفَعَلُوا هَكَذَا وَأَنْكَلُوا فَأَخَذَ الْأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ،وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَهُنَّ، ثُمَّ كَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلَامِيذَ لِيُقَدِّمُوا لِلْجَمْعِ فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جَمِيعًا. ثُمَّ رُفِعَ مَا فَضَلَ الْجَمِيعَ،عَنْهُمْ مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ قُفَّةً". معجزة إشباع الجموع «فَابْتَدَأَ النَّهَارُ يَمِيلُ. فَتَقَدَّمَ الإِثْنَا عَشَرَ وَقَالُوا لَهُ: اصْرِفِ الْجَمْعَ لِيَذْهَبُوا إِلَى الْقُرَى وَالصِّيَاعِ حَوَالَيْنَا فَيَبِيتُوا وَيَجِدُوا طَعَاماً، لأَنَّنَا هَهُنَا فِي مَوْضِعِ خَلَاءٍ» واضح هنا أن الجموع التي تبعت المسيح ليست من سكان المكان،والمكان فعلاً قفر لا يصلح لمبيت ولا يوجد فيه ما يؤكل وربما كان المكان أيضاً ليس أرضاً يهودية بل قفراً تابعاً لأراضي المدن العشر الأممية، حيث يعز الضيافة والمبيت «فَقَالَ لَهُمْ: أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا فَقَالُوا : لَيْسَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَيْنِ، إِلَّا أَنْ تَذْهَبَ وَنَبْتَاعَ طَعَامًا لِهَذَا الشَّعْبِ كُلِّهِ». الدرس الذي يريد ق. لوقا أن يعطيه للكنيسة هو: أن الكنيسة مسئولة عن إطعام الشعب الجائع حتى ولو كانت فقيرة وليس لديها فلسان ولا لحسة زيت ولا شيء في كُوَّار الدقيق فهنا يؤسس الرب مبدأ على استفسار التلاميذ أن الكنيسة مسئولة، وليس لها أن تتجاهل منابع الزيت والدقيق الذي وضعته أرملة صرفة صيدا في خزانة الكنيسة، أو تتجاهل صنارة ق. بطرس فهي سند كبير يمكن أن يُطعم ويملأ الخزانة بالمال، هذا بجوار الاثنتي عشرة قفة التي أمر المسيح أن تُستودع في مخازن الكنيسة لوقت الحاجة. لأننا نحن بالرغم من النعمة التي نحن فيها مقيمون، ولكن نحتاج لبواقي وفضلات القديسين نسند بها قلبنا إن جف نبعه الجديد. كذلك شبكة ق. بطرس التي كانت قد طرحت على يمين السفينة موجودة في خزانة الكنيسة يمكن أن تنفع ساعة القحط وتعب الليل كله ولا يوجد الإدام.«ليس عندنا أكثر من خمسة أرغفة وسمكتين، إلا أن نذهب ونبتاع طعاماً لهذا الشعب كله إن أرقام رئيس مالية كل كنيسة لا تكذب فهي دائماً أقل ودائماً لا تكفي لشيء، هذا كله يسمعه الله ويتعجب ويقول: ألا يوجد في وسطكم صبي تكون أمه قد دست في مخلاته خمسة أرغفة وسمكتين؟ فقبل أن يعلن الرؤساء إفلاسهم ينبغي أولاً أن يصرخوا إلى الرب، فالرب لا يمطر من نفسه ذهباً ولا فضة ولكنه يضعها في مخلاة صبي. فلتبحث الكنيسة عن الإيمان الذي فيها، فرُبَّ صبياً له عند المسيح دالة، فالمسيح سبق وألهم الصبي أن يطالب أمه بالخبزات والسمكات قبل أن يجري مع الرفاق ليلحقوا.بالمسيح، أو تكون أمه وضعتها في مخلاته متوسلة أن يستخدمها وقت الجوع. فالنعمة تتكفل من ذاتها بترتيب كل شيء وليس علينا إلا أن نبحث عن الملهمين الذين أعطتهم النعمة مسئولية الجماعة كلها وهم لا يدرون. "لأَنَّهُمْ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلَافِ رَجُلٍ فَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: أَتْكِتُوهُمْ فِرَقاً خَمْسِينَ خَمْسِينَ. فَفَعَلُوا هَكَذَا وَأَتْكَلُوا الْجَمِيعَ".أما الأمر بجلوس الشعب فجيد، أما أن يجعلوهم صفوفاً والعدد خمسين فهذا رفع من اندهاش كل من الناس والتلاميذ، أين الطعام؟. فالشعب يعرف أنه ليس من خبز ولا إدام فمن أين يأتي بالطعام؟ وهنا في الحال استحضر الشعب ذكرى المن السماوي، بل وحتى المن غير منتظر لأن المن كان يسقط والشعب في خيامه، وفي الصباح كل واحد يجمع لنفسه. وهذه أول إشارة لسرية القصة التي ستتعجب عليها البشرية كل الأيام والسنين. لأن وضع هذا الشعب هكذا صفوفاً صفوفاً وكل خمسين معاً يعني أن المن في وسطهم ولن يقوموا ليبحثوا عنه لا في السماء ولا على الأرض، إذ حتماً سيأتيهم وهم جلوس !! «فَأَخَذَ الْأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَهُنَّ،ثُمَّ كَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلَامِيذَ لِيُقَدِّمُوا لِلْجَمْعِ». كل عيون الشعب مُسلطة على الرغيف الذي في يد الرب، والكل رآه وهو يرفع عينيه نحو السماء، فابتدأ الشعب يحس بالسر، لأن هنا الآن الخبز أخذ السر، سر البركة، من فوق من الآب ومن يد المسيح وقوة الروح القدس التي بدأت تكسر وتعطي الشعب، وإذ بالرغيف الذي انكسر لا يريد أن ينقص. هنا القوة، والسر في الكسر، هنا فعل سماوي روحي لاهوتي أزلي أبدي معاً، مطلق بمعنى فعل لا ينتهي. لقد ابتدأ سر الإفخارستيا كفعل بركة وشكر من فم المسيح وهو يدعو الآب ليشترك بالروح! ”سر الكسر كفعل خلق مستتر في الكسر وفي اليد التي تكسر ، يملأ كل تلميذ حجره، وبمجرد ما يستدير ويعطي المسيح ظهره ليمشي يعود الرغيف بكماله الذي كان عليه. الخبز حقيقي خبز قمح، ولكن الكسر فعل إلهي لا يتأتى منه نقص، فبمجرد أن ينكسر يعود الرغيف صحيحاً وكأنه لم ينكسر. وهذه سمة الروح لا ينكسر ولا يتغير ولا يزول وفيه القوة غير المنظورة وغير المحسوسة، يأخذها المتناول في فمه لتدخل أحشاءه لتصنع عملها الروحي، وهي بآن واحد خبزة تؤكل وتهضم، ولكن أثرها الروحي باق في الإنسان. اللقمة الصغيرة كالكبيرة لأن الخواص الطبيعية لا تهم، ولكن عمل الروح الذي فيها يعمل عمله في الإنسان الذي يقبلها بالروح والإيمان. «فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جَمِيعاً . ثُمَّ رُفِعَ مَا فَضَلَ عَنْهُمْ مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ قُفَّةً».هناك فعلان: «شبع»، و «فضل»، الامتلاء والفيض. وهذا هو سمة العمل السماوي: الكيل الملبد المهزوز أي الملآن الفائض، لأن كل هزة في الملء تجعله يفيض.أتوا إلى المسيح جائعين فارغين فذهبوا شباعي، والذي فاض عنهم يملأ اثنتي عشرة قفة.إن قصة الخمس خبزات والخمسة آلاف، وهي القصة التي انكسر فيها رقم (٥) ليمتد إلى اللانهائية بلا توقف ولا حدود؛ تمثل سر تحول المادة في يد المسيح إلى روح، والزمن إلى أبدية وخلود، الأمر الذي تجسد ليكمله في نفسه والإنسان معه. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
29 أبريل 2024

باكر يوم الاثنين مر ۱۱ : ۱۲ - ٢٤

"وَفِي الْعْدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ، فَنَظَرَ شَجَرَة تِينَ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا إلَّا وَرَقا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقتَ التِّين. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «لَا يَأْكُلْ أَحَدٌ منْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!». وَكَانَ تَلَامِيدُهُ يَسْمَعُونَ. وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِي بَاعَةِ الْحَمَامِ. وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَجْتَارُ الهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. " وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ: «أَلَيْسَ مكتوبًا بَيْتِي بَيْتَ صَلَاةِ يُدْعَى لِجَمِيعِ الأُمَمِ؟ وَأَنتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَعْارَةٌ لصوص». وَسَمِعَ الكَتَبَة وَرُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهْتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ، خَرَجَ إِلَى خارج المَدِينَةِ. وَفِي الصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوْا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الأصول، فَتَذكَّرَ بُطْرُسُ وَقالَ لَهُ: «يَا سَيِّدِي ، انظر التينة الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!» فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ : لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانَ بِاللَّهِ. " لأَنِّي الحقَّ أقولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قالَ لهذا الجَبَل : انْتَقِلْ وَانْطرح فِي الْبَحْرِ وَلَا يَشُكُ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ لِذَلِكَ أقولُ لَكُمْ: كُلَّ مَا تَطْلَبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ". شجرة التين غير المثمرة تعاليم المسيح تمتاز بالأثر العميق الذي يبقى في النفس إلى الأبد نظراً لما تشمله من تمثيل واقعي، مُدعماً أمثاله بأعمال قوية واضحة حتى يُثبت في ذهن الإنسان القصد الذي يرمي إليه.نظر يسوع شجرة تين مورقة على الطريق فجاء إليها ينشد ثمراً ولكنه لم يجد، فلعنها فجفت في الحال. كان لابد أن يكون مع الورق ثمر لأنهما يبدآن معاً، بل إن الثمر تظهر براعمه مبكرة عن الورق. فلما وجدها اخضرت وأورقت ولم تحمل ثمراً، حكم عليها بالموت، لأنها لم تعد تصلح لشيء إلا للنار حسب القول: «كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار.»وفي هذا لم يكن يعطف على الفلاح الذي كان يتعب فيها عبثاً، ولا على تعطيل الأرض التي تحملها.ولم يلعنها لتكون وقوداً لتدفئ الأيدي الباردة، ولكنه قصد ما هو أعظم من هذا،فإنه قصد أن يدفئ بها القلوب الجامدة. من هي الشجرة؟ كانت التينة المورقة العقيمة من الثمر رمزاً للأمة اليهودية التي حفظت الشريعة شجرة خضراء وجميلة؛ ولكن ليس فيها ثمر. دخل المسيح الهيكل فرآه كما رأى التينة، رآه مغارة للصوص، ونظر إلى الكهنة والكتبة والفريسيين فلم يشكرهم ولم يتركهم بل أعطاهم الويل المضاعف لأنه وجدهم مرائين، يأكلون بيوت الأرامل ولعلة عن ظهر قلب وتمت الطقوس بدقة فائقة وتمسكت بالشكليات إلى أبعد حد، كانت يطيلون الصلوات، وشبههم بالقبور المبيضة من الخارج وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. فلعن هيكلهم كما لعن التينة: هوذا بيتكم يترك لكم خراباً»،حتى أنه لم يبق منه حجر على حجر. وظل الهيكل خراباً حتى اليوم، ومجمعهم وكهنوتهم معطل حتى هذه الساعة. ذبل الهيكل كما ذبلت التينة، حتى جاء معول الرومان واقتلع الهيكل والعبادة اليهودية من أصولها، كما وضعت الفأس على أصل هذه التينة الجافة واقتلعتها يوماً.ماتت الشجرة ومات الهيكل، وظل هذا المثل القوي حيًّا، سيفاً مُسلّطاً على كل أمة لا تعمل البر، وكل فرد يتمسك بالمظهر دون الجوهر ويفتخر بعقيدته دون أن يفتح قلبه لرب العقيدة! حسبناه خروفاً فوجدناه ذئباً : انظر يا أخي، لئلا تكون شجرة تين خضراء، ولك مظهر العمل والخدمة واستطعت بمظهرك أن تجذب إليك الناس من بعيد، فتوهموا أنك الغني ومعلم النور وفاتح كنوز المعرفة والماسك بمفاتيح الملكوت؛ وأنت الفقير العريان الجالس في الظلمة ولم يُشرق النور على قلبك بعد المعرفة على لسانك وليست في قلبك. وقفت على الباب فما دخلت أنت ولا جعلت الداخلين يدخلون. إن كنت أنت هو، فاشفق على نفسك وعلى الناس، لأن الفأس قد وضعت على أصل الشجرة.وكيف سيقول الناس عنك حينذاك؟ سيقولون: حسبناه خروفاً فوجدناه ذئباً حسبناه أصلاً فوجدناه فرعاً انظر يا أخي، لئلا تكون شجرة خضراء أخرجت أوراقها قبل أن يتم نموها وتصلح لحمل الثمار، فاغترت بأوراقها وليس لها ثمر . لك غيرة على الحق ولكن ليس حسب المعرفة. لك نشاط وجهاد ولكن ليس كمن يرضي الله، بل لكي يرضي نفسه والناس! لا زلت تستقي اللبن في معرفة الله وتدعي أمام الناس بمنظرك وكلامك وتقواك المصطنعة أنك بالغ القامة في المسيح، وقبل أن تشتعل تريد أن تضيء! إن كنت أنت هو، فاحذر لأن البستاني لن يشفق على جمالك وأوراقك وبمنشاره الحاد سيقطع فروعك الكاذبة ويُعرِّيك من أوراقك الكثيرة، وحينئذ تظهر بين الأشجار صغيراً على حقيقتك. ولكن كيف سيقول الناس عنك حينذاك؟ سيقولون:حسبناه أصلاً فوجدناه فرعاً. له صورة التقوى ولكنه أنكر قوتها : انظر يا أخي، لئلا تكون شجرة خضراء نمت في تربة قليلة العمق، فاخضرت وأورقت، وإذ ليس لها عمق طلعت الشمس فضربتها والجفاف مصيرها. عمق يسا أخي في الأساس لئلا يكون تعبك باطلاً وجهادك كله للحريق. أرسل جذورك قبل أن تخرج أوراقك. انعكف على نفسك أولاً وتطهر من أدناسك وخطاياك وغشك وريائك، تأصل أولاً في معرفة الله، وحينئذ تقوى على شمس التجارب. واعلم أن إبليس أسد زائر، ولن يقف أمامه ضعاف النفوس الغاشون لأنفسهم ولكلمة الحق، غير المتأصلين في معرفة الله، إذ يضربهم ضربة لا يكون لها شفاء، فتكون الظلمة أحب إليهم من النور، والدنس أسهل عليهم من شرب الماء، والغش والمكر والخداع دروعهم التي يتحصنون بها .فتش ودقق ربما أنت واحد منهم، ولكن كيف يقول الناس عنك حينذاك؟ يقولون: كانت له صورة التقوى، ولكنه أنكر قوتها.يا أسفي على هذه الأشجار التي اخضرت للحريق وولدت للعنة. يا ليتها ما أخرجت ورقاً لأنها اكتفت بالأوراق دون الثمر وخدعت الناس للمجيء إليها فأتعبتهم بلا طائل صاروا لعنة لأنفسهم وضلالة للناس. الرب قادم إليك : وأنت أيها الشجرة الخضراء المورقة، اعلم أن المسيح قادم إليك مع شهود ليرى فيك ثمراً! هل وراء أقوالك وأعمالك ثمار الروح إيمان وحب وحق وفرح وسلام فيه ؟ مع تواضع وإنكار للذات وحرارة في الصلاة! الرب قادم إليك لأنه جوعان جوعان إلى ثمارك. أما أوراقك فإنها مُرَّة لا تؤكل ولن ينتفع أحد بها. إنه جوعان لحبك جوعان لطهرك وعفافك وقداستك، جوعان لثقتك فيه، جوعان لصومك وصلاتك. ثمن الدم والجسد : إنه طعمك بدمه، فكيف لم تخرج رائحته منك؟ إنه أطعمك جسده، فكيف لم تشمر بعد؟ إنه سقاك بعرقه المتصبب من جبينه، وسيج حولك بإكليل الشوك ليحميك من أعدائك، فما هو عذرك ؟ الفرصة أمامك اكتشف نفسك بنفسك ولا تخدع ذاتك أو تحاول أن تخدع الله ! أنت نجحت فقط في كيف تخدع الناس، أما عين الله فلن تخدع قط، وهو قادم ليطلب الثمر، ثمن الجسد والدم! حدد موقفك وإلا فلا تلمه إن هو لعن التينة! لم يلعن المسيح شيئاً قط. لم يشأ أن تنزل نار من السماء وتأكل المضادين، كما أشار عليه أحد تلاميذه. ولم يلعن ضاربيه أو صالبيه، بل كان مبدأه دائماً : فتيلة مدخنة لا تطفأ ، وقصبة مرضوضة لا تقصف، ولكنه لم يحتمل التينة الكاذبة غير المثمرة. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
01 مايو 2024

باكر يوم الأربعاء يو١١ : ٤٦- الخ

وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَمَضَوْا إلى الفريسيِّينَ وَقَالُوا لَهُمْ عَمَّا فَعَلَ يَسُوعُ.فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعًا وَقالُوا: «مَادًا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةَ . إنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُدُونَ مَوْضِعَنَا وَأَمَّتَنَا». فقالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قيافا، كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: «أنتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلَا تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لنا أنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلَا تَهْلِكَ الْأُمَّة كُلَّهَا ». وَلَمْ يَقُلْ هذا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السنة، تَنَبَّا أَنَّ يَسُوعَ مُرْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الْأُمَّةِ فقط، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ المُتَفَرِّقِينَ إلى وَاحِدٍ. فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا ليَقْتُلُوهُ. فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضًا يَمْشِي بَيْنَ الْيَهُودِ عَلَانِيَةٌ، بَلْ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى الكُورَةِ القريبَةِ مِنَ البَرِّيَّةِ، إلى مَدِينَةٍ يُقالُ لَهَا أَقْرَايمُ، وَمَكَتْ هُنَاكَ مَعَ تَلَامِيذِهِ. وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قريبًا. فَصَعِدَ كَثِيرُونَ مِنَ الْكُورِ إلى أورُشَلِيمَ قَبْلَ الْفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ. فَكَانُوا يَطْلُبُونَ يَسُوعَ وَيَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُمْ وَاقِفُونَ فِي الْهَيْكَل: «مَاذَا تَظُنُّونَ؟ هَلْ هُوَ لَا يَأْتِي إِلَى الْعِيدِ؟» وَكَانَ أَيْضًا رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ وَالْقَرِّيسِيُّونَ قَدْ أَصْدَرُوا أَمْرًا أَنَّهُ إِنْ عَرَفَ أَحَدٌ أَيْنَ هُوَ فَلْيَدَلَّ عَلَيْهِ، لِكَيْ يُمْسِكُوهُ. ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد الاتحاد أو الوحدة التي يطلبها لنا المسيح فيما بيننا، ثم فيما بيننا وبين الآب هي وحدة تتناسب قبل كل شيء مع تفردنا واختلاف أجناسنا وتباين طبائعنا . فنحن لسنا متساويين في كياننا الداخلي في أي شيء البتة، إلا في الخطية والعجز والقصور الروحيين !! لذلك فالوحدة التي يطلبها لنا المسيح لا تقوم البتة على ماهية أشخاصنا أو ما هو لنا؛ بل على أساس أن نتساوى فيه والآب، وليس تساوينا في ذواتنا. فبقدر ما تنسكب فينا قوة وحدة المسيح في الآب، سواء من جهة الحب بينهما أو من جهة الحق والقداسة بقدر ما نبتدئ نحن نتساوى ونتقارب ونتحد بهذه القوة الخارجة عنا والآتية إلينا من لدن الله. فمحبة الله تحصرنا، فتلغي عداواتنا وتنهي على انقساماتنا؛ وحق المسيح والآب يصهر أفكارنا وقلوبنا فيبدد جهالاتنا ويوقف حماقاتنا ويقدس أرواحنا وأجسادنا.ولاحظ أن وحدة المسيح مع الآب هي طبيعة جوهرية، تقوم على التساوي كلياً وفي كل شيء؛ أما وحدتنا التي لنا في المسيح والآب فهي نعمة ورحمة، هي تفضل وهبة، هي مجرد إشعاع فعال لوحدة المسيح مع الآب.وقد صور المسيح في سفر الرؤيا هذه الوحدة التي يسعى إليها من نحونا بدخوله بابنا ليتعشى معنا. فهو يتعشى من صحن هموم الإنسان وأوجاعه وأنينه، يتعشى متقاسماً معه لقمة الشقاء والتغرب والإنسان يتعشى معه بالنعمة - من صحن أفراحه وبهجة خلاصه، ويتناول من يده خبز حبه وختم استيطانه.هذه هي دعوة وطلبة المسيح التي يطلبها المسيح لنا جميعاً، لكل إنسان، لكل كنيسة، ولكل من يريد أن يكون في مرمى دعاء المسيح هذا، أو تحت طاعة دعوته،أو بالحري مستجيباً لوصيته العظمى هذه.إنها وحدة سرية للغاية، لا يستطيع العقل البشري أن يستنفد كل شروطها، أو يضع بنودها، أو يتصور حدودها.. لذلك علينا أن نتأكد جميعنا جيداً أن أي محاولة من هذا القبيل كفيلة أن تُفوّت علينا سر المسيح، بل سر المسيحية. لأنها على مستوى قيام المسيح في الآب وقيام الآب في المسيح؛ ليس من جهة الكلمة الأزلية وحسب بل من جهة الإنسان يسوع المسيح. هذه الوحدة التي جعلت الله يرتضي بدم المسيح المسفوك على الصليب ثمناً لها .المسيح يضع أبعاد قوة اتحاده بالآب واتحاد الآب به نموذجاً وهوية لوحدة يطلبها لنا فيه ولبعضنا بعض. وهو إذ يراها تفوق قدراتنا وتصوراتنا عاد ويطلبها ويلح في طلبها من الآب نفسه ولا يزال متوسلاً بدمه !! إذن، فاتحادنا ككنائس ليس هو اتحاداً ذا أبعاد زمنية أو جغرافية أو يمكن أن يُبنى على أي أساس بشري أو فكري مهما كان لأنه مطلوب أن يكون اتحاداً بالآب عبر المسيح أولاً، ثم تظهر أفعاله وقوته فينا على مستوى الزمن والعالم بعد ذلك.لن تكتمل وتتم هذه الوحدة دون موت ذات كل كنيسة لتحيا ذات المسيح وحدها،وحينئذ: «يؤمن العالم أنك أرسلتني». المتنيح القمص متى المسكين
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل