المقالات

27 نوفمبر 2020

قوة خرجت مِنّي

في معجزة شفاء المرأة نازفة الدم، المذكورة في إنجيل لوقا أصحاح 8، يقول الإنجيلي إنّه لما جاءت المرأة من وراء، ولمسَتْ طرَف ثوب الرب، أنّها شُفيتْ في الحال، ووقف نزْف دمها.. فالتفتَ الربُّ العارف كلّ شيء، فاحص القلوب ومختبر الكُلى، وقال: «مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟» بالطبع لم يكن خافيًا على الرب.. بل لقد عرفها، عرف ما أضمرته في قلبها بالإيمان الذي سكنَ فيها، حين قالت: أنا إن لمستُ فقط طرف ثوبه شُفيت.لذلك بعد أن أظهرها الرب للجميع، مدح إيمانها، ودعاها ابنته، قائلاً لها: «ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ». والذي يجذب الانتباه قول الرب: «لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي». لأنّه لما سأل الرب من الذي لمسني؟ ملَكَ العجب على الذين كانوا حوله إذ قد كان الزحام حول الربّ شديدًا جدًّا، حتّى قال القديس بطرس ومَن معهُ «يَامُعَلِّمُ، الْجُمُوعُ يُضَيِّقُونَ عَلَيْكَ وَيَزْحَمُونَكَ، وَتَقُولُ مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟». فكانت إجابة الرب «قَدْ لَمَسَنِي وَاحِدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي».الأمر إذن غاية في الوضوح، فشتَّان بين من يَزحِم وبين من يَلمِس، بين مَن كان معدودًا إنّه سائر مع المسيح أو قريب منه، وبين مَن يتلامس مع الرب تلامسًا حقيقيًّا. لقد خرجَتْ قوّة شفاء من الرب، واستقرّتْ في المرأة التي لمسته ليس بطرف أصبعها بل تلامسَت معه بقلبها العامر بالإيمان.كلّ مرّة أقترِبُ لألمس الرب، يلزمني هذا القلب وهذا الإيمان، لأشعر بالقوّة الخارجة وأتحصل عليها، ويقف نزيف الدم الذي يؤدِّي إلى الموت. ربى يسوع... العارف قلب كلّ واحدٍ، هَبني هذه النعمة، ومُرْ لي بالقوّة الخارجة من عندك، حتّى تسكُن أعماقي، فأشعر في الحال بنعمة الحياة.. حياة المسيح تدب فيَّ.. حينئذ يتوقّف عمل الموت في الحال. هبني يارب أن أتلامس معك كلّ يوم وكلّ ساعة.. ومهما يكُن مِن زحام حولك في كلّ مكان وكلّ زمان، أعطِني نصيب هذه المرأة، وأن أطلبك أنت وحدك من عمق نيتي، وأن لا يشغلني الزحام أو يعوّقني أو يعطّلني عن التلامس معك. لاسيّما يا سيدي حينما أقترب وأتلامس مع جسدك المقدس ودمك الكريم.. هو في الواقع تلامُس حقّ، لأنّ جسدك ودمك هما الحقّ بذاته. وما أحتاجه في الحقيقة هو خلوص النيّة واستقامة الغرض، لكي أتقرّب وأنا واثق أنّني حالما أتلامس تسري فيَّ قوّة الحياة والشفاء. فلتدركني نعمتك يا سيدي، واسمَح لعبدك أن يقترب منك للتلامس الحقيقي، فأحظى بهذا النصيب الصالح. وأخيرًا، إذ أقف أمامك معترفًا بفضلك عليَّ، وأُخبِر الكلّ بعمل نعمتك، أسمع صوتك الإلهى المُفعَم صلاحًا «ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ». وإذ أَنعَم بهذا السلام من فمِك الإلهي، تكون قد تبدّلَتْ الأمور في حياتي.. من مرض إلى صحة، ومن موتٍ إلى حياة، ومن خوف إلى سلام إلهي لا يُنطق به؛ آمين. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
20 نوفمبر 2020

مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي

+ سرّ التناول مِن جسد الربّ رهيب وعجيب.. هو سرّ الأسرار، عاشته الكنيسة منذ أول عصورها وسلَّم المسيح جسده للرسل في عليةّ صهيون وإلى اليوم. آلاف السنين وما زال السرّ مستورًا لم يَصِل أحد إلى كماله. ملايين الملايين من البشر نالوه ولم يُستَنفَذ بعد. أليس هو جسد المسيح الإله ودمه الكريم يُقام في ذات الوقت في عشرات الآلاف من الأماكن، وهو ذات المسيح الواحد، كالشمس التي تدخل إلى ملايين الأماكن في ذات الوقت. وهو يتوزَّع ولا ينقسم. مئات الملايين تناله وهو واحد أحد لا ينقسم. لا ينال الواحد جزءًا منه، ولكنّه يناله بالكليّة، فكلّ واحد مِنّا يأخذ المسيح، يدخُل إلى داخل أعماق الملايين، ولكنّه غير محدود وغير محصور، مثل الشمس تخترق أكوام النفايات ولا تتّسخ. دخول جسد المسيح داخلنا نحن الخطاة، يطهِّر الخطايا ويغسل الضمير. نحن نأكل الطعام لنحوِّله إلى طاقّة للحركة والحياة، ولكن نأكل المسيح ليحوِّلنا إليه، لنحيا به وله. هناك قولٌ يقول: «المسيحيون يقيمون الإفخارستيا، والإفخارستيا تُقيم المسيحيين». الغرض الرئيسي من إعطاء الربّ جسده لنا، لكي نحيا به، ولا نحيا بعد بذواتنا وفكرنا وبشريتنا وغرائزنا المنحرفة. نحن نأكله لكي نثبت فيه وهو فينا. نحن نأكله لكي يكون لنا حياة أبدية به. نحن نأكله لأنّه خبز الحياة الأبدية. بدون أكله ليس لنا حياة. به نحيا ونتحرّك ونوجَد. وبدونه لا حياة ولا حركة حقيقية ولا وجود. + التناول بدون إدراك روحي حقيقي، يُفقِد الإنسان كلّ شيء. مثل الذين أكلوا المن – خبز الله - النازل من السماء. أكلوه بحاسّة بشريّة وبدون وعي روحي.. أكلوه ماديًّا، فتأفّفوا مِنه، وسئموه، وسمّوه الطعام السخيف.. فلم يُسَر الله بهم، وماتوا وطُرِحَت جُثثهم في القفر. لذلك نبّهنا السيد بقوله لليهود «آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. هذَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ» (يو6: 49 – 51). + لا بد مِن المذاقة الروحيّة الحقيقيّة، لنستطعِم خبز الحياة. خبز الحياة الذي لا يُقاس بالأمور الماديّة ولا بالعقلانيّة ولا بالحواس الجسديّة، مِن نظر ولَمس وتذوُّق، بل بالحواس الروحيّة النقيّة، التي لإنساننا الداخلي، وبالبصيرة الروحيّة نراه، مع الملائكة الذين يخدمونه ويسترون وجوههم من بهاء مجده. وبالخشوع الروحي الداخلي نقترب إليه، وبالخوف الحقيقي نقبله كما قبل إشعياء جمرة النار من يد الساروف (واحد من السيرافيم) وبالإيمان نسمع ذات الكلام «إِنَّ هذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ». (إش6: 7). + ولكن أين هذا من واقعنا اليوم؟ كثر المتناولون، ولا عدد لهم في كلّ كنيسة، وفي كلّ القُدّاسات، وكلّ الأيام، ولكن قَلّما نجد أثرًا للتناول. أين المسيح الحيّ في هؤلاء.. فهو قال «مَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي» (يو6: 57). نتناول كلّ يوم ولكن نعيش بذواتنا ولذواتنا. نتناول خبز السماء، ولكن حياتنا تشهد أنّنا مازلنا أرضيّين ترابيّين. نتناول لغفران الخطايا، ولكن مازلنا متمسّكين بخطايانا، لأنّنا نتناول بدون توبة. + دينونة عظيمة للذي يتناول بعدم تمييز «غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ» (1كو11: 29). + دينونة عظيمة للذي يتناول بدون استحقاق. + الاستعداد للتناول بالتوبة والاعتراف والصلاة المنسحقة لقبول المسيح. وصلاة الشكر والامتنان بعد التناول يجعل الإنسان في نمو مستديم. + الروتين وحضور القداسات كما لقومٍ عادة، يقتل الحياة الروحيّة بجملتها، ويتحوّل الإنسان فيها كآلةٍ بِلا إحساس.. الآباء القديسون بسبب حرصهم الشديد وعمق علاقتهم بالمسيح، لم يَدخل إليهم الروتين والآلية، بل ظلّوا مدى الحياة في حِسٍّ مرهف، ويقظة روحية، لاسيما في ممارسة الأسرار، فكانوا يزدادون كلّ مرة يتزوّدون فيها من الذخيرة الروحيّة. + أمِل أذنَك الروحيّة عندما تسمع القول: «القُدْسات للقديسين» واطلب إلى القدوس أن تصير القدسات لك للتقديس وتطهير الحياة برُمّتها. + قال لي قداسة البابا شنودة (نيَّح الله نفسه) إنّني حينما أتناول أقول للرب «ليس من أجل استحقاقي بل من أجل احتياجي» هكذا يجب أن نقترب إلى السرّ الرهيب. من يأكلني يحيا بيَّ الإيمان بالمسيح، بتجسّده، وعمله الخلاصي على الصليب، وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السموات، وجلوسه عن يمين الآب، وإرساله موعد الآب، روح الحقّ الذي من عند الآب ينبثق... وكلّ ما عمله المسيح وعلَّم به، وكلّ آيات الشفاء والمعجزات والتعليم الإلهى.. وكلّ ما يختصّ بحياة الأبد وميراث الملكوت.. كلّ هذا ذخَّره المسيح لنا حينما أعطانا جسده مأكلاً حقيقيًّا، ودمه لنشربه مَشربًا حقيقيًّا. فالإيمان بالقلب، والاعتراف باللسان، مُعتَبَران أمرًا شفويًّا يخصّ التصديق والكلام العَلَن. أمّا التناول فهو فعل وليس قولاً. التناول أكل وشرب.. وتناول الجسد المكسور بالحبّ هو فِعل حبّ إلهي فائق، وشُرب الدم المهراق على الصليب هو فعل الذبيحة التى اشتمَّها الآب وقت المساء على الجلجثة. فكون المسيح يعطي ذاته ويبذلها من أجل خلاص العالم، ويسلّمه لنا فِعلاً حقيقيًا ولكنه مَخفيٌ في سِرّ إلهي فائق، ويقدمه لنا في الهيئةِ كخبز نازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان فيأكل الحياة الأبدية، فهذا أمرٌ يفوق العقول، ويتجاوز أفهام البشر والملائكة معًا. + الجسد المبذول هو عطية الله لحياة الإنسان الأبديّة، لأنّ الرب يسوع إذ قال: «مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ» (يو6: 54)، سيقيمنا معه، وجسده الذي نتناوله هو القيامة بذاتها. فالتناول من الجسد الأقدس هو الذى يقيمنا الآن وفي الدهر الآتي. + وكما أنّ طعام الجسد يقُوته ويعطيه حياة، إذ لا يُعقَل أن يحيا الجسد بدون طعام.. هكذا صار خبز الحياة الأبدية بالنسبة لأرواحنا. + قال الرب: «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ» (يو6: 35). هو شبع نفوسنا.. وحين نناله لا نجوع بعد إلى العالم. «لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً... لِغَيْرِ شَبَعٍ؟» هكذا تساءل إشعياء النبي «أَيُّهَا الْجياعُ... أَيُّهَا الْعِطَاشُ ... تَعَالَوْا وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ... خذوا وَكُلُوا... اِشربوا وَلْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ» (إش55: 1، 2). وهو بدون فضة أو ذهب، إذ يُعطَى مجانًّا، ولكنّه ليس رخيصًا، لأنّ قيمته أغلَى مِن كلّ ممتلكات الدنيا. هو ليس من هذه الخليقة.. بل هو جسد ابن الله بالحقيقة. مَن يا تُرى يستطيع أن يُدرِك كمال هذا السرّ؟!! نحن نَقبَل هذه النعمة بإيمان بغير فحص العقل، ونشترك في الجسد الواحد الذي يحوّلنا إليه، ويوحّدنا بعضنا مع بعض كأعضاء في جسد واحد. هذا هو سِرّ الحُبّ وسِرّ الحياة.. مستحيل على الطبيعة البشرية أن تذوق هذا الحبّ بعيدًا عن سِرّ جسد المسيح، لأنّ فيه وحده عدم الموت والحبّ المطلق. + الاستعداد للتناول من الجسد والدم، يكون كما قال الرسول: «لِيَمْتَحِنِ (ليفحص) الإِنْسَانُ نَفْسَهُ» (1كو11: 28). أولاً من جِهة المحبّة، أن يكون ذا قلبٍ مُحِبٍ للأخوة، بصفاء النيّة، ويكون مُختبِرًا السلام الإلهي مع جميع الناس. - «اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ» (رو12: 9).. الرياء يُفسِد المحبّة. - «أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ» (1بط1: 22).. لا يوجد إنسان كامل في المحبّة، ولا يوجد أحد لم يتعكّر قلبه مُطلقًا.. هذا أمر مؤكَّد، ولكن إن اتّسخ القلب بعكارة العداوة أو عدم المحبة من جهة إنسان، فيُوجَد ينبوع لغسل الخطايا وتطهير القلب. الإنسان المسيحي يُسرع إلى ينبوع دم المسيح بالصلاة والتوسُّل.. ولا يطيق أن يحيا في العداوة. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
13 نوفمبر 2020

اعرف حقيقة نفسك

«مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟» (1كو2: 11). + الناس يعرفون عنّا ما يرونه. وأحكام الناس فينا هي أحكام مبنيّة على ما نبدو عليه من الخارج. الشكل الخارجي قد يختلف كثيرًا عمّا هو بالداخل. فكلّ إنسان يعمل جاهدًا أن يَظهر بمظهر لائق، ويجاهد لكي يخفي ما لا يليق أو ما لا يَعجِب. والطامة الكبرى هي ضبط السلوك الخارجي بينما الداخل على غير ذلك. وقد كانت هذه عِلّة الكتبة والفريسيين والكهنة ومعلّمي الناموس. + كانوا عارفين الحقّ، وكان عندهم مفاتيح المعرفة. وقد قال الرب لهم بكلّ الأسف: «مَا دَخَلْتُمْ أَنْتُمْ، وَالدَّاخِلُونَ مَنَعْتُمُوهُمْ» (لو11: 52). وقد يبدو أنّ هذه الضربة لم ينجُ منها إنسان ولا سيّما المتديّنين. وقد بلغ الأمر أنْ قيل عنهم «لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا» (2تي3: 5). ويجدر بالإنسان أن يراجع الويلات الثمانية التي قالها الرب للكتبة والفريسيين قديمًا (راجع مت23). وإن كان هؤلاء قد مضوا ومضى زمانهم.. فلنعتبر نحن لئلا يصيبنا ما أصابهم. اعرف حقيقة نفسك الأمر يحتاج إلى مَرّات ومَرّات يجلس فيها الإنسان منفردًا في هدوءٍ، ويبدأ يزيل كلّ ما هو غريب على طبيعته المخلوقة على صورة الله فى القداسة والحق. هذه الأيقونة البديعة شوّهتها الأيام، والمعرفة الكاذبة، ومعرفة أنواع الشرور، وممارسة الكثير منها.. طبقات طبقات من سنين جهل، وسلوك غير منضبط، وخِبرات شرور، وما علَق في الذّهن من مبادئ عالمية، أو أناس فاسدي الذّهن عادمي الحقّ.. إلى خُلطة أناس غير مقدّسين.. إلى انفتاح الذهن على طرق الشرّ والخبث والحقد وحُب النقمة. إلى ما صار مخزونًا في الذاكرة، من مناظر ومواقف تخدم الشرّ والشهوات.. إلى حُبّ المال، وحُبّ الظهور، وما هو سائد من أعراف العالم وحتميّاته الكاذبة.. إلى ما جُرِحَت به النفس جراء سقوطها في يد العدو وقبولها مشورات الخبث.. شيء مهول كَتَرَاكُم جبال. كم يحتاج إلى الخلود إلى الحق، لكي يكشف الإنسان عوار نفسه؛ ويحتاج إلى دموع توبة، وتبكيت وسهر وصلاة، حتى يصِل إلى حقيقة النفس التي تغرَّب عنها. لأنّه لما قبلنا بإرادتنا كلّ ما عُرِضَ علينا من أمور العالم، وزيف كلّ ما فيه، وتفاعَلنا عائشين بالأيام والسنين حسب أهواء الناس كباقي المجتمع.. صار فينا بذلك تراكُمات من عوائد وتصرّفات بعيدة عن طبيعتنا الجديدة المخلوقة في المعمودية. لذلك وَجَبَ علينا أن نعود إلى أصلنا. وإن كانت الحياة بعيدة عن أصلنا أفقدتنا كثيرًا من وعينا الروحي، وقدراتنا، بل وحُبّنا وتمتُّعنا بما هو روحي سماوي. ولكن قوة التوبة والرجوع تجعلنا نتحصّل على ما فُقد منا، بل بالحرى أكثر وأكثر، لأنّ لهيب الغيرة الروحية عند اكتشاف ما فُقد منا يدفعنا إلى جهادات وصراع وتصحيح وحزن، بل وبُكاء وغيرة متقدة.. قادرة بالنعمة أن ترد إلينا ما كان لنا بالأكثر كثيرًا. + خُذْ مثلاً.. إذا جلستَ إلى نفسك: بصلاة وهدوء، وتذكّرتَ أيام طفولتك الأولى.. كيف كان شكلك؟ كيف كان ذهنك وفكرك وقلبك.. وبساطة نفسك؟ كلّها نور، وكلّها خير، وكلّها بساطة واتضاع ونقاوة قلب وفكر وفرح.. كلّ هذا الخير وهذه الصورة القديمة التي في ذهنك هي حقيقة نفسك. فأين أنت منها الآن؟!! وهل من رجوع؟ وهل ممكن الرجوع إلى تلك الصورة بعينها؟!! ألستَ تعلم أنّ هذا هو قول الرب: «إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (مت18: 3). التوبة هي الرجوع إلى الأصل. والأصل فينا هو معموديّتنا المقدّسة. وولادتنا من الله من بطن الكنيسة، مخلوقين «مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى» (1بط1: 23). قد يندم الإنسان عندما يَضَع مقابله صورته الأولى، وما فيها من براءة الأطفال، وواقعه الحالي بكلّ ما فيه. ولكن هذا الندم لابد أن يكون الدافع الأول للرجوع. إذ أنّ الربّ لم يغلق الباب ولن يغلقه لأنّه قال: «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا» (يو6: 37). بل بالعكس فالرب ذاته قال: أنا «وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ» (رؤ3: 20). إذن المفتاح من داخلك.. في يدك وفي مقدورك.. فلتفتحْ للرب باب قلبك. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
06 نوفمبر 2020

سراج الجسد

قال ربنا يسوع: «سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا» (مت6: 22). فإن أردتَ راحةً ونورًا وسلامًا لجسدك احفظ عينَكَ بسيطةً كقول الرب. فالعين هي آلة التصوير في جسدِك. إن انفتحَتْ على السماويات وتطلّعت إلى كلّ ما هو جليل وكلّ ما هو طاهر فإنّها تحفظ نقاوتها وتزداد بساطتها والعكس صحيح. افتح عينك في الإنجيل.. واجعلها تمتلئ من نور الكلمة الإلهية. افتح عينك على أيقونات القديسين وتأّمل حياتهم المنيرة فتستنيرادخل إلى الكنيسة المقدسة وقُل مع داود المرتّل الذي قال: «أدْخلُ إلَى مَذْبحِ (هيكل) الله تِجاهَ وَجْه اللهِ الَّذي يُفرحُ شَبابي» (مز42 أجبية). وقال أيضًا: «وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ، وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ المقدس» (مز27: 4).هناك تفرح العين وتمتلئ من النور الإلهى. افتح عينك لتشاهد مجد الله في خليقته. تأمّل في السموات فإنّها تُحدِّث بمجد الله، بل افتح عينك وتأمل نفسك، وما صنعه الله بك ورحمك.. إنّ مَن ينظر خطاياه ويتوب عنها أفضل من الذي يرى الرؤى. من جهة الجهاد السلبي احفظ عينك من العثرات والمناظر والخيالات النجسة، لأنّ العدو يستغل هذا ويحاربك ليلاً ونهارًا بآلاف الصور، التي سمحْتَ لعينك أن تلتقطها بإرادتك.. فهو يهجم عليك، ويحول جسدك إلى الظلمة. فجاهد أن تجعل عينَك عفيفةً، ولا يغرّك غِشّ الجمال الباطل ومناظر الخلاعة. درّب عينك على النظر العميق – لا تنظر إلى الشكل الخارجي – بل تأمّل جوهر الأشياء.. الخارج سريعًا ما يتغيّر ويضمحل، أمّا الداخل فهو باقٍ دائم. قال الرسول: «نَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ» (2كو4: 18)اِعلَم «أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً» (1يو5: 20).. أي العين الداخلية في خِلقتنا الجديدة التى نرى بها أسرار الله وأعمال الله ويد الله من وراء ما هو منظور. «فطُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ» (مت5: 8) العين البسيطة والقلب النقي يفتحان أمام الإنسان المجال الإلهي، فيحيا على الأرض حياة فردوسيّة مملوءة بالفرح الذي لا يُنطق به. الرب نوري وخلاصي.. لذلك يضيء طريقي وينير سبيلي في كلّ زمان ومكان. قُلْ للرب في الصلاة «أَنِرْ عَيْنَيَّ لِئَلاَّ أَنَامَ نَوْمَ الْمَوْتِ» (مز13: 3). وتمتّع بقول المسيح «طُوبَى لِعُيُونِكُمْ لأَنَّهَا تُبْصِرُ... لأنّ ملوكًا وأَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ اشْتَهَوْا أَنْ يَرَوْا مَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا» (مت13: 16، 17). أمّا مِن جهة أمور هذا العالم، والذين يشتهون هذا العالم وخيالاته.. فإنّ الحكيم قال: «الْعَيْنُ لاَ تَشْبَعُ مِنَ النَّظَرِ» (جا1: 8).. ففي السعي وراء نظر الأمور العالميّة، لا يوجد امتلاء، ولا يوجد شبع. اجعل عينَك تشبع من الذي قيل عنه «أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ» (مز45: 2). لا تتطلّع إلى الأرضيات، بل ثبِّت نظرك إلى أعلى وقل: رفَعتُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ، مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي» (مز121: 1)أنت إنسان سماوي، أنت تدعو الله أبًا وتقول: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.. أنت تقول: الرب نوري.. وتقول: بنورك يا رب نعاين النور سراج جسدك هو عينك.. احذر لئلا ينطفئ السراج.. احفظه منيرًا.ارشم علامة الصليب على عينك فتتقدّس. في قصّة شمشون الجبار أحد قضاة بني إسرائيل، لمَا كسر نذره وارتمى في حضن الخطايا وفقد قوّته. قبض عليه الفلسطينيون وقلعوا عينيه.. فلما فقد البصر وصار أعمى عاش في مذلّة ما بعدها مذلة.. إلى أن جاء الوقت الذي عادت إليه قوّته، فقال للرب اسمعني هذه المرّة فقط لأنتقم لعينيَّ. كانت المرارة كلّها في فقد بصره وبصيرته.اطلُبْ من الرب بقلب كامل، أن يحفظ نظرك، ويقدِّس بصيرتك، ويجعل سراج جسدك منيرًا بنور الله. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
30 أكتوبر 2020

فاض قلبي بكلام صالح

الملء يسبق الفيض.. «... القَلْب... مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ» (أم4: 23). هناك حفظ القلب مِمّا هو سائد في العالم من الشرور والخطايا بأن يسهر الإنسان على مداخل النفس: العين والأذن واللسان حتى لا يتسرّب إلى داخله شيء من النجاسات أو الشرور. ولكن الحركة الإيجابية هي أن يمتلئ القلب من النعمة ويمتلئ من روح الله، من كلّ ما هو جليل وطاهر، من كل ما هو نور وحق.فإن امتلأ القلب بهذه الحاسيات الإلهية يصير كنز القلب صالحًا كقول الرب.«خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي... » (مز119: 11).. فصارت كلمة الرب تسكن هناك وهي «حَيَّةٌ (قوية) وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ» (عب4: 12).«أَبْتَهِجُ أَنَا بِكَلاَمِكَ كَمَنْ وَجَدَ غَنِيمَةً وَافِرَةً (غنائم كثيرة)» (مز119: 162).. يتحصّل القلب بفرح على كلمة الحياة الأبدية بابتهاج لا يُعبَّر عنه.. يجد فيها لذّة لا تدانيها لذّة.. يمتلئ بها الداخل ويغتني، ويَستغني بها عن كلّ غِنى أرضي.«وُجِدَ كَلاَمُكَ (حلو) فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ» (إر15: 16) قال الرب لحزقيال لما أراه في الرؤيا الكلمة الإلهية المكتوبة في دَرَج الكتاب.. قال له الرب: «كُلْ مَا تَجِدُهُ..» فخضع حزقيال للأمر وقال: «فَفَتَحْتُ فَمِي فَأَطْعَمَنِي... فَصَارَ فِي فَمِي كَالْعَسَلِ حَلاَوَةً» (حز3: 1–3). فأطعم جوفه للشبع.عندما تسكن كلمة الرب بغنى في القلب، وعندما تجد في القلب أرضًا صالحة، تُثمِر الكلمة «ثَلاَثِينَ وَسِتِّينَ وَمِئَةً» (مت13).سُكنى الكلمة في القلب تُغيِّر القلب الحجري إلى قلب لحم. أي أنّ الكلمة الإلهية تُرَقِّق المشاعر، وتجعل الإنسان رحيمًا رقيقًا، ذا ضمير حساس مرهَف لعمل الصلاح والإحسان والشعور بالضعيف والمظلوم والذين في ضيقة.ومتى مَلَكَت الكلمة على القلب، صارت توجُّهات القلب كلّها نحو الصلاح والحقّ، وصار مضبوطًا بالحب، وصار البذل والعطاء منهجًا للحياة.عمل الكلمة في القلب لا يمكن شرحه، فهي ضابطةٌ للسلوك، وضابطة للكلام والتصرفات، ضابطة للطبع والمزاج، ضابطة للصحو والنوم والفرح والحزن.. بحيث أنّ الكلمة تقود وتوجِّه وتُحَكِّم.قال أب فاضل لآخر كان يشتمه: "كنت قادرًا أن أردّ عليك، ولكن ناموس إلهي أغلقَ فمى".ملء القلب من نعمة الكلمة يأتي من اللهج فيها النهار والليل.«لَوْ لَمْ تَكُنْ شَرِيعَتُكَ لَذَّتِي (هي تلاوتي)، لَهَلَكْتُ حِينَئِذٍ فِي مَذَلَّتِي» (مز119: 92).. القلب الطالب ناموس الرب يجد فيها مسرته عندما يمتلئ القلب يفيض، فتجري الكلمة على اللسان بدون مانع ولا عائق، تتدفّق كالنهر الجارف طبيعيًّا بدون تَكَلُّف. يفيض القلب فيضانًا دائمًا كقول الرب: «تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» (يو7: 38). قال الرسول: «لَسْنَا كَالْكَثِيرِينَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللهِ» (2كو2: 27).الكلمة الفائضة من قلب مملوء نعمة، لا تحتاج إلى فلسفة الكلام الكلمة الفائضة من قلب مملوء نعمة، لا تحتاج إلى زُخرف الألفاظ وجمال اللغات الكلمة الفائضة من قلب مملوء نعمة، لا تحتاج إلى جدل لإثبات، بل هي تحمل قوّة الله للعمل في القلب.لا تحتاج للتمثيل، وحركات الوُعَّاظ، وعلو الصوت وخفضه، وكلّ المؤثّرات البشريةهي بعيدة عن الكلام االمَلِقُ (اللين) لكي تُرضي السامعين، أو تشتري وِدّهم. فالرسل الكذبة وصفهم القديس بولس أنّهم بالكلام المَلِق يخدعون قلوب السُلماء ويُغرِّرون بهم، وهم يخدمون بطونهم ومصالحهم ويعملون لحساب ذواتهم لا لحساب المسيح. «لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ لاَ يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ بَلْ بُطُونَهُمْ. وَبِالْكَلاَمِ الطَّيِّبِ وَالأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ» (رو16: 18).لذلك فالفيض من ينبوع الروح يكون لحساب المسيح وحده، والروح هو الذي يعمل في الكلمة.. ألا تذكُر كيف رجع الخدام الذين أرسلهم الكتبة والفريسيون ليأتوا بالمسيح؟ كيف أنّهم رجعوا يقولون: «لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَانِ!» (يو7: 46) لأنهم استمعوا إلى كلمات النعمة الخارجة من فمه المبارك كلّ من يمتلئ يفيض.. هكذا عرفنا الآباء القديسين، وهكذا قنَّنت الكنيسة أقوال الآباء القديسين الذين فسروا لنا الكتب وحفظوا لنا الإيمان. وهذا أيضًا ما كتبه القديس بطرس: «بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (1بط1: 21). أيها الأخ الحبيب ليجعل الله كلمته الحيّة تدخُل بالحقّ إلى أعماق قلبك ونفسك وتعمل عملها العجيب كما قال الرب: «لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ» (إش55: 11). وليجعل قوله كاملاً فيك: «اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ» (لو6: 45). المتنيح القمّص لوقا سيداروس
المزيد
23 أكتوبر 2020

«مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَح»

الخطيّة هي التعدّي أو قُل أنّها فِعل الإرادة عندما تنفصل عن الله. أو هي عمل الإرادة الذاتية في مخالفة وصايا الله. وقال الكتاب أنّ أجرة الخطيّة هي موت.وبداية سقوط الإنسان كانت مخالَفة وصيّة خالِقه، ومع المخالفة صار الانفصال عن الله -عن مصدر الحياة والنور- ومع الخطية دخل الموت، وساد على الإنسان بإرادته عندما ابتعد عن الحياة، لذلك قال: «مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ» (أم28: 13). المسيح جاء للخطاة -أي للموتي بالخطايا- جاء إليهم ليهب الحياة للميّت. جاء ليقيم الموتى ويحييهم. ولما كان هو غير الخاطئ وحدَه.. لذلك حمل خطيّة الخاطئ، ودفع أجرة الخطيّة عنه لما مات على الصليب، ووفّى الدين بالكامل، وخلّص الخاطئ من حكم الموت. لذلك عندما اشترانا المسيح من الموت، وسدّد الدين، وعَتَقَنا من العبودية، صرنا مديونين للمسيح. وصِرنا أحرارًا من العبودية لمّا محا الصكّ الذي كان علينا. سؤال: بعد أن تحرّرنا بنعمة المسيح من الموت، لماذا مازلنا نخطئ؟ المسيح لما اشترانا لم يَلغِ إرادتنا ولم يُنهِ حرّيتنا بل قال: «إِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يو8: 36). تقديس الإرادة وتقديس الحريّة هو هدف الحياة في المسيح. ليست الحرية أن أفعل ما أريد، بل الحريّة هي أن لا أُستعبَد لشيء بَطَّال.. «كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يو8: 34).. الخطيّة تُفقِدني الحرّيّة الداخلية، وتتسلّط على إرادتي فأصير ضعيفًا..أنا ضعيف، وأنا مُعَرّض للسقوط.. هذا حق. قد أَسقُط، ولكنّ الصِّدّيق يسقط والرب يقيمه. الخطية لم تعُد من طبيعتي، بعد أن تجدّدتُ بالمعمودية.. الخطية عنصر غريب.. بل قُل هي مرض الموت. كِتمان الخطيّة واخفاؤها هي كَمَن يُخفي مرضَهُ عن الطبيب. هذا يصير في خطر الموت. من أكبر النعم التى حصلنا عليها في المسيح غفران الخطايا. نحن نكشف قلبنا للنور فتتبدّد الظلمة. الشيطان وكلّ قواته لا يعمل إلاّ في الظلام. كَشْفُ الخطايا يجعل إبليس يهرب. أنا أعترف أمام الكاهن.. هو وكيل الله كقول الرسول ووكيل سرائر الله. وفى نفس الوقت هو أبي.. عندما أعترفُ، أنا أرجع إلى أبي، أقول أخطأتُ وأطلبُ غفرانًا. لمّا أخطأ داود النبي وأخفى خطيّته قال: «لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي» (مز32: 3)، صار مُعَذّبًا، ولمّا اعترف أمام ناثان النبي وقال: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ». فقال له النبي في الحال: «الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ» (2صم12: 13).التوبة هي عقدٌ للصلح بيني وبين الله الذي أخطأتُ إليه. أنا راجع مِثل الابن الضال.. باكيًا نادمًا حزينًا بعد أن بدّدتُ مالي وصرتُ في العوز. عقدٌ للصلح بين اثنين: الخاطئ الراجع، والآب السماوي، ويُمَثِّله وكيله. الوكيل يمثل الله، وينوب عنه، ويمضي العقد، لأنّه مُفَوَّض بتوكيل. أنا أسمع كلمة غفران من فمِ الوكيل.الوكيل لا يملك شيئًا بل هو مؤتَمَن على أموال موكِّله، هو يمثّله في كلّ شيء. لذلك لا يصح أن اعترف بخطاياي أمام أي أحد ليس عنده توكيل. الوكيل لا يعطي من ذاته ولا يصرف من خزانته. الوكيل يتصرف بحسب أوامر سيده.الكاهن يضع يده بالصليب على رأس المعترف.. فالصليب هو الذي دفع ثمن الخطيّة بموت المسيح عليه.. في الصليب الغفران، ودم يسوع المسيح يطهّرنا من كلّ خطيّة. والكاهن يقول لله: «الذين أحنوا رؤوسهم تحت يدك» فيد الكاهن المنظورة تشير إلى يد الله غير المنظورة..أنا أطلب الحل والغفران فيقول الكاهن: «الله يحالك من خطيتك».رباطات الخطية هي رباطات الموت.. والكاهن وكيل الله أخذ هذا من فم المسيح «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ» (يو20: 23). هو قال للرسل الأطهار لما أقام لعازر: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ» (يو11: 44). أنا أخرج من الاعتراف في قمّة الفرح، لأجل غفران الخطايا، وكسر القيود، وحلّ الرباطات التي كنتُ مربوطًا بها.أشعر أنّ روحي عادت إلى حريّتها ورونقها ورجائها. قد تبدّدت الظلمة. لم يعد في نفسي شيء أخجل منه.. أشرق النور داخلي.. أعودُ أجدّد عهودي، وأسترد قوتي للجهاد الروحي، والسعْي نحو خلاصي وتمتُّعي بالنعمة. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
16 أكتوبر 2020

قدِّموا أجسادكم ذبيحة لله

«أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (1كو3: 16). جسدى هو هيكل للروح القدس الساكن فيَّ. أنا لا أبغض جسدي بل أقوته وأربيه، كما فعل المسيح بجسده، الذي هو الكنيسة. بما أنّ جسدي هو هيكل للروح، فيجب أن يكون جسدي مقدسًا. الخطيّة –بالذات خطايا النجاسة- تسيء إلى الجسد.. الخطيّة تُهين الجسد، الذي يزني يخطئ إلى جسده. أنا أمجّد الله في روحي وفي جسدي، لأنّ المسيح اشتراني فصرتُ مِلكًا له «مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (1كو6: 20). أعضاء جسدي صارت أعضاء جسد المسيح.. «أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ جسد الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا للخطية؟» (1كو6: 15) «حَاشَا! نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟» (رو6: 2). عندما يُشاغب الجسد ويقع تحت تجارب العدو أقول مع الرسول: «أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ» (1كو9: 27). أنا أدرّب جسدي ليخدم خلاصي.. بدون تدريب الجسد يتمرّد ويجرّني إلى التراب. أجساد الوحوش والحيوانات تقودُها الغرائز التى أوجدها الله فيها، فلا تنحرف عن الغرض الذي خُلقت من أجله. فإذا جاع الحيوان تقوده الغريزة للأكل، وإذا عطش تقوده إلى الشرب، فإذا امتلأ يكفّ عن الأكل والشرب. الغريزة وُضِعَتْ لإبقاء الحياة.. الغرائز في الحيوان لها أوقات لا تتعدّاها. انحراف الغرائز موجود فقط في الإنسان لأنّ الإنسان يتمتّع بنفسٍ عاقلة والعقل يوجِّه حياة الإنسان. العقل واقع بين الجسد والروح، كما يقول القديس أنبا مقار. فإن انحاز العقل نحو الجسد وغرائزه وشهواته، يصير الإنسان جِسدانيًا شهوانيًا، والعقل يُزيِّن له ويخترع له طُرُقًا لا تنتهى، ويَستهلك الإنسان. فينحدر الإنسان في هوّة عميقة بلا شبع. وإذا انحاز العقل للروح.. فبالروح يقدر أن يُخضع الجسد ويُميت أعماله. أنا أقدِّم جسدي ذبيحة كوصية الرسول بولس، أخدم المسيح بجسدي بالصوم والصلاة والتأمُّل وكلّ أنواع الخِدَم.. أبذل جسدي في مساعدة أخوتي.. وأتعب لراحتهم. زينة الجسد هي اهتمام العالم كلّه.. أمّا زينة الروح فيعرفها الإنسان المسيحي. زينة الجسد مؤقَّتة، محكوم عليها بالزمن، فالجسد اليوم صحيح ولكن غدًا مريض. ملوك الجمال الجسدي اليوم يأتي عليهم الزمن فيصيروا بلا اعتبار وبلا جمال. ولكنّ الذين اهتموا بزينة أرواحهم بالفضائل، صاروا من مجد إلى مجد. زينة الروح في الداخل تبقى وتدوم. الذين يزرعون للجسد فمن الجسد يحصدون فسادًا.. لأنّ الجسد بالنهاية فاسد. أمّا الذين يزرعون للروح فمِن الروح يحصدون حياةً وسلامًا. إن كان طبع الوحوش قد أُخضع لتدريب الإنسان، فقد أَثبَت الإنسان أنّه يقدر أن يُخضِع الغرائز التي للحيوانات.. فبالأولى يقدر أن يدرّب غرائزه الخاصة. التدريب ليس بالأمر السهل.. ولكنه ليس مستحيلاً. ملايين البشر استهوتهم طرق التدريب.. التدريب الرياضى للياقة الجسد خلقَ أبطالاً فى جميع الألعاب الرياضيّة، والمسابقات في الأولمبياد.. أشياءٌ يتعجّب لها كلّ من يشاهدها، ويندهش كيف وصل هؤلاء؟ الموهبة، مع الأمانة في التدريب، مع الاستمرار، هي التي خَلَقَت البطولات الخارقة. أنا أملك الموهبة والنعمة.. نعمة البنوة لله، وموهبة الروح القدس. ينقصني التدريب الروحي، والأمانة، والاستمرار فيه، عندئذ تَظهر في الإنسان بطولات الإيمان، وبطولات القداسة والمحبة والاتضاع، وكلّ الفضائل التي ظهرت في القديسين، وفَتَنوا بها المسكونة. العيب فينا أنّنا أهملنا الموهبة التي فينا.. ونسينا التدريب في الحياة الروحية. القديس بولس الرسول قال: «أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي ضَمِيرٌ صالح» (أع24: 16) وقال: «أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا» (1كو9: 27). أُدرِّب فكري أن يلهج في ناموس المسيح ليلاً ونهارًا.. بالصلاة الدائمة. أُدرِّب عينيّ لكي لا تنحرِف نحو النظر البطَّال.. لأنّ سراج جسدي هو عيني. أُدرّب لساني أن يكون ينبوع للبركة، وألاّ تخرج كلمة رديّة من فمي. أُدرّب قلبي أن يكون دائم النقاوة. أُدرِّب نفسي على عمل الخير. أُدرِّب نفسي على ضبط النفس والوداعة، وأُخضِع قوّة الغضَب والسُّخط، لكي لا تملكني. إنّ تدريب النفس في الحياة المسيحية أمرٌ يغطِّي الحياة كلّها.. أُدرِّب نفسي كلّ يوم وكلّ ساعة. قد أفشل أحيانًا.. ولكنّ الفشل لا يمنعني من المسيح. قد أسقُطُ أحيانًا ولكنّي أقوم وأكمل جهادي. وأخيرًا بنعمة المسيح أَصِل إلى ميناء الخلاص. «جاهدوا الجهاد الحسن». المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
09 أكتوبر 2020

جعلت الرب أمامي في كلّ حين

هل اختبرتَ الحياة في حضرة المسيح ولو ليومٍ واحد؟ وهل شعرت إنّه يرافقك كلّ اليوم؟ ويشترك معك في كلّ عمل؟ إنّه بالفعل اختبار فائق لا يمكن وصفه. فصُحبة المسيح تملأ اليوم بالنور الحقيقي، فتَسعَد به لأن الظلام يهرب، وحضوره الحقيقي يُفرِّح القلب «فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ» (يو20: 20). بل قُلْ إنّ هذا هو الفرح. هذا ليس فكرًا ولا خيالاً. لأنّ المسيح يسوع هو الحق ذاته. هو قال: «أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ» (مت28: 20)، وقال: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً. (يو14: 23)، وقال: «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي» (يو14: 21). فالأمر إذن مُعَلَّق بحبّ يسوع وحفظ وصاياه. وكأن هذا هو المدخل للحياة في المسيح أو للحياة بالمسيح أو للحياة مع المسيح. لما تجسّد رب المجد وصار إنسانًا أخذ الذي لنا.. وشاركنا في كلّ شيء من تفاصيل حياتنا البشرية، ما خلا الخطية وحدها. فجميع الأعمال اليومية التي نمارسها، من صحو ونوم، ومشي وجلوس، وأكل وشُرب، شاركنا ويشاركنا فيها بدون أدنى شك. فإن أحببناه من كلّ القلب وحفظنا وصاياه فإنّنا سنراه ونلمسه في كلّ تفاصيل الحياة.. نرى يده تعمل معنا وتعمل بنا، ونلمس حضوره.. ننادي اسمه القدوس فيجيبنا، ونطلبه فيوجَد لنا، نراه فتفرح قلوبنا. وحينئذ نفهم أنّه بدونه لا نقدر أن نفعل شيئًا. هو العامل فينا، وحينما نبتعد عنه بإرادتنا أو بانشغالاتنا الباطلة أو بخديعة العدو واغراءاته الكاذبة، نشعر في الحال أنّنا ابتعدنا عن مصدر فرحنا، فتَلَفّنا الظلمة في داخل النفس، ونشعُر بالفراغ والبؤس، وكأنّ حياتنا قد تفرغت تمامًا من معناها، فنشعر أنّ وجودنا بلا قيمة، إذ قد اختفى هدف وجودنا الحقيقي. ولكن عندما نعود نطلبه يشرق علينا ويبدد ظلمتنا في الحال. الآباء علمونا كيف تكون الحياة في حضرة المسيح بالصلاة الدائمة.. مارسوها وأحبّوها وعاشوا في نعيمها. نادوا اسم يسوع بحُبٍّ ودالّة فوجدوه حاضرًا دائمًا. فلما ذاقوا هذه الحياة الفردوسية واظبوا على الصلاة ليلاً نهارًا بفرحٍ لا ينطق به. وشعروا بحضور الرب الدائم، حتى أنّهم من كثرة ما نادوا الاسم المبارك صار في أفواههم تسبحةً بغير سكوتٍ ولا فتور.. حتى أنّهم لما أسلموا أنفسهم للنوم ظلّت قلوبهم تلهج بالتسبيح كَمَن يقول: «أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ» (نش5: 2). وبالنسبة لنا نحن الذين نعيش في العالم، يمكن أن ندرِّب أنفسنا شيئًا فشيئًا على مناداة اسم الخلاص الذى لربنا يسوع المسيح.. نناديه بحقّ وحبّ، ونثق أنّنا عندما نناديه نجده حاضرًا.. وهذا يُدخل إلى عالمنا بهجةً وفرحًا، ويصبغ أعمالنا البسيطة بصبغة الروح والقداسة في آنٍ واحد. فتتقدّس الأعمال وتتبارك بحضور الرب، وتنال نعمةً ونجاحًا إذ قد اقترنَت بالصلاة. وممكن لأكثر الناس مشغولية أن يمارسوا هذه الصلاة العميقة، لأنّها على الرغم من قلّة كلماتها إلاّ أنّها تُدخل الإنسان للحال في الحضرة الإلهية؛ فتُزيل الهموم مهما كانت، وترفَع القلب في الحال إلى السماء.. فما أجملها حياة. وقد مارسها أناسٌ كثيرون عندما اقتحمتهم الأمراض الصعبة والآلام فوجدوا عزاءًا وعونًا في حينِهِ. فالربّ سامع الصلاة ومستجيب لكلّ مَن يدعوه. فصار اسم يسوع لهم عزاءًا يغلب الألم، ويجدّد الصبر، ويسند الضعف. فقد تَمَثّل أمام أعينهم يسوع المسيح وإيّاه مصلوبًا، وكان في حضوره إنّه «فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ» (إش63: 9).. فأحَبوا الآلام لكونهم شركاء آلامه، بل إنهم لم يطلبوا أن تُرفع عنهم الآلام، ولكن طلبوا الشركة الدائمة «لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا» (2كو1: 5). نؤمن أنّ ربنا غير زمني، لا يحدّه زمان ولا مكان، فهو الكائن الذي لا بداية له ولا نهاية.. فهو موجود معنا على الدوام بحسب وعده، وحين نطلبه نجده. في قصة القديس أنبا أنطونيوس لما اعتدَتْ عليه الشياطين وضربوه حتى قارب الموت. ففي أنين الألم نادى قائلاً: يا رب يسوع.. فوجد الرب قائمًا بجواره، فعاتبه عتاب الأحباء قائلاً: لماذا تركتني للشياطين ولم تنقذني؟ فأجابه الرب قائلاً: حينما طلبتني وجدتني. فبالرغم من وجود الله معي في حجرتي، فلن أشعر بوجوده أو بصحبته دون أن أطلبه من كلّ قلبي، وأتوسل إليه أن يوجَد معي. حينئذ يبدأ الحوار وتتحرّك الحواس الروحيّة لإدراك حضوره الإلهي. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
02 أكتوبر 2020

خبز كل يـــوم

تعودنا أن ندرس كلمة الله ونتغذى عليها كل يوم. وكمثل المن النازل من السماء الذي عال به الرب الشعب أربعين سنة، هي مدة غربتهم، حتى وصلوا إلى أرض الميعاد، هكذا تكون كلمة الله تُشبع وتُغني الساعين نحو الوطن الأفضل.وهى كما كان المن -جديدة متجددة كل صباح- ويلتقط الواحد منها ما يكفيه لسعي يوم بيوم. ولا يكفي ما التقطه بالأمس لمواجهة احتياجات اليوم. وأيضًا كما اختبر الآباء الأولون كيف يأكلون الكلمة.. إذ أعطاهم الرب هذه النعمة كما فعل حزقيال وإرميا وداود وغيرهم. اختبروا مذاقة الكلمة وحلاوتها، وأيضًا مُرَّها فى الباطن وتبكيتها الشديد. ثم طعمها الذى كالعسل حلاوة.وفي عهد النعمة قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس مُشجعًا إيّاه على اللهج في ناموس الرب أن يواظب على القراءة والدرس.. يأكل الكلمة ويُعلِّمها ويستأمن أُناس أكفاء يعطيهم مما تحصَّل عليه من النعمة بواسطة الإنجيل ليُعلِّموا آخرين أيضًا.لذلك وجدنا أن نشجع شعبنا على القراءة اليومية والدرس الروحي العميق لكلمة الله، بدون فلسفة أو جدل.. لكي تتحول الكلمة إلى طعام روحي وخبز كل يوم، الذى لا يستغني عنه السائر فى الطريق. ويَتبع التأمُّل الروحي العميق للكلمة تطبيقها فى الحياة اليومية إذ تكون النفس قد تشبّعت بروح الإنجيل وتأدبت بكلام الحياة الأبدية، فلم تعُد تصدر عنها أفعال إلا المضبوطة بفعل الكلمة. لأنّ الأعمال هي الترجمة الحقيقية للإيمان.. «لأَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ» (يع 2 : 20). لذلك نحن نقدم عينة تصلح أن تكون بداية لتدريب النفس على الانحياز لكلمة الله والتلمذة للإنجيل، بعيدًا عن فلسفة الكلام وحكمة العقل البشري، ومماحكات الكلام.. فنحن نؤمن أنّ الإنجيل هو الحياة.فالكلمة فعلاً «حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ» (عب 4 : 12). وليبارك المسيح إلهنا في كل كلمة لمنفعتنا وخلاص نفوسنا. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل