المقالات

07 أغسطس 2022

صوم مريم العذراء

هذا الصوم له تقدير كبير لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويندر أن يفطر فيه أحد من المسيحيين.. كما تصومه الغالبية بزهد وتقشف زائد كإطالة فترة الانقطاع حتى الغروب أحيانا، ويصومه الأتقياء بالماء والملح دون زيت وبدون سمك، على الرغم من أنه من أصوام الدرجة الثالثة أو الرابعة ويؤكل فيه السمك.ومدة هذا الصوم 15 يوم فقط، (1-16) مسرى، وهو يوم صعود جسد السيدة العذراء. لماذا صوم السيدة العذراء؟ هناك عدة أراء حول صوم السيدة مريم العذراء: 1- العذراء مريم اول من أسست هذا الصوم: من أسس صوم العذراء؟ العذراء مريم هي التي بدأت هذا الصوم, لأنها خاصة بعد صعود المسيح إلي السماء, نالها كثير من التعب والمضايقات والمنغصات من قبل اليهود, الذين حاولوا أن يصبوا عليها غضبهم وضيقهم من المسيح, وخاصة بعد أن قام من بين الأموات, فالعذراء نالت متاعب كثيرة جدا, وهي المرأة الرقيقة التي يجب أن لا تعامل بقسوة كما عاملها اليهود, كانت العذراء مقيمة في بيت يوحنا حتي تنيحت, نحو أربعة عشر سنة حسب وصية المسيح إليه عندما قال له خذ هذه أمك وقال للعذراء مريم خذي هذا ابنك. وكان يوحنا رسولا يكرز ويبشر وينتقل في كل أرض فلسطين.وكانت العذراء مريم تباشر العبادة من صلاة وصوم. وكانت تذهب إلي قبر المسيح له المجد, ومعها صويحباتها من عذاري جبل الزيتون, لقد اتخذن العذراء مريم رائدة لهن وقائدة لهن, وتمثلن بسيرتها فكن يتبعنها, وتألفت منهن أول جمعية للعذاري, وهو نظام العذاري السابق علي نظام الرهبنة بالنسبة للبنات.لأن في العصور القديمة قبل القرن الرابع للميلاد, كان هناك نظام اسمه نظام العذاري, لمن نذرن عذراويتهن للمسيح, وكان لهن خوروس أو قسم خاص في الكنيسة, ومذكور هذا في كتاب الدسقولية وهو تعليم الرسل, لم يكن هناك نظام للراهبات, إنما كان هناك صف العذاري.وعندما صار البابا ديمتريوس الكرام المعروف بطريركا, وكان في حياته الأولي رجلا متزوجا, وظل متزوجا سبعة وأربعين سنة قبل أن يدعي إلي البطريركية, غير أن زواجه كان من نوع الزواج الذي نسميه الزواج البتولي, مثل زواج آدم وحواء قبل السقوط في الخطيئة, وكزواج يوسف النجار ومريم العذراء, عندما صار ديمتريوس الكرام البابا الثاني عشر من باباوات الإسكندرية, ضم زوجته إلي خورس العذاري في الكنيسة, أما نظام الرهبنة للبنات بدأ من القرن الرابع, في عهد الأنبا باخوميوس المعروف بأب الشركة.العذراء مريم هي التي أنشات نظام العذاري, لأنها كعذراء بدأ يلتف حولها البنات العذاري بنات جبل الزيتون, وكن يتبعنها وكن يصلين معها وكن يذهبن معها إلي القبر المقدس, حيث كانت العذراء تسجد وتتعبد وتصلي وتصوم أيضا. ولقد كانت العذراء مريم تقضي كل وقتها في العبادة والصلاة, وكانت تمارس الصوم, مكرسة كل طاقاتها لحياة التأمل الخالص, ولم يكن لها عمل آخر غير تقديس ذاتها, بعد أن نالت مع الرسل, موهبة الروح القدس في يوم الخمسين (أع 1: 13-14), (أع 2: 1-4). والمعروف أن العذراء مريم لم تمارس عملا من أعمال الكهنوت, كما جاء في الدسقولية (تعاليم الرسل): النساء لا يعمدن. ونحن نعلمكم أن هذا الفعل خطيئة عظيمة لمن يفعله, وهو مخالف للشريعة... لأنه لو كان يجب أن يتعمد أحد من امرأة لكان السيد المسيح يتعمد من أمه (باب20)وقد أحبتها نساء وبنات أخريات, منهن صويحباتها اللائي عرفنها في حياتها, وأثناء وجود المسيح ابنها علي الأرض, منهن: مريم المجدلية, وحنة زوجة خوزي أمين خزانة هيرودس وسوسنة وأخريات كثيرات (لوقا8: 2, 3)، (لوقا 23: 49-55),(لوقا 24: 10)(لوقا 8: 2-3) 2وَبَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ. 3وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ وَسُوسَنَّةُ وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ.مريم المجدلية ويونا زوجة خوزى وكيل هيرودس، وهى من النساء الشريفات الغنيات، ومريم أم يعقوب خالة المسيح أخت العذراء مريم ومعهن مجموعة من النسوة التابعات للمسيح؛ هؤلاء قد استرجعن كل تعاليم المسيح عن آلامه وموته وقيامته، فصدقن كلام الملاكين وأسرعن إلى تلاميذ المسيح وكل تابعيه المجتمعين فى بيت مارمرقس ثم انضم إليهن عدد آخر من العذاري ممن عشقن حياة البتولية, والعفة الكاملة, تبعن العذراء مريم, واتخذنها رائدة لهن في حياة التأمل, والعبادة والتكريس التام بالروح والنفس والجسد. وقد تألفت منهن بقيادة العذراء مريم, أول جماعة من النساء المتبتلات المتعبدات, عرفن بعذاري جبل الزيتون, عشن حياة الرهبنة بغير شكل الرهبنة, وكن يعتزلن أحيانا في أماكن هادئة بعيدة عن صخب الحياة وضجيجها, رغبة في الانصراف إلي الله, في تعبد خالص.ولقد صارت هذه الجماعة معروفة في الكنيسة الأولي, حتي أن المعجبات من النساء والبنات بمثل هذه الخلوات الروحية, كن يلحقن بالعذاري العفيفات, ويمارسن صوم العذراء, بالتقشف والنسك, في تلك الأماكن الهادئة. ولربما كان هو السبب في أن صوم العذراء, تصومه الكثيرات إلي اليوم, بزهد ونسك كثير. ويمتنعن فيه عن أكل الزيت,علي الرغم من أن صوم العذراء ليس من أصوام المرتبة الأولي. بل وكثير من الرجال أيضا صاروا يصومون صوم العذراء صوما نسكيا بالامتناع حتي عن الزيت أي يصومونه علي الماء والملح, نظرا لما للمرأة من أثر البيت المسيحي علي أولادها وزوجها.فصوم العذراء مبدأه بالعذراء نفسها, العذراء هي التي صامت وظل هذا الصوم مقدسا علي الخصوص بين البنات, وفي عصور الكنيسة التالية بدأت البنات تخرج من البيوت ويذهبن إلي أماكن خلوية كالأديرة لكي يمارسن هذا الصوم بالصلوات وبالعبادة.وبفترات الخلوات الروحية الجيدة التي ترفع من المستوي الروحي. ولعل لهذا السبب أن الأقباط اليوم يقدسون هذا الصوم أكثر من أي صوم آخر. وذلك بفضل المرأة لأن المرأة عندما تهتم بهذا الصوم تقنع زوجها ثم أولادها, فيتربي الأولاد والبنات علي احترام صوم العذراء مريم, لدرجة أننا نري أن كثيرا من الأقباط يصومون صوم العذراء بالماء والملح, علي الرغم من أنه يجوز فيه أكل السمك.وأيضا عندما أراد المسيح له المجد أن يضع حدا لآلام العذراء مريم, فظهر لها وقال أنا أعلم ما تعانينه من الآلام, وقربت الأيام التي فيها تخرجين من هذا الجسد وتكرمين, لأن جسدك هذا يصعد أيضا إلي السماء, ونزل المسيح له المجد بذاته ليتسلم روحها بعد أن مرضت مرضا خفيفا, وكانت قد بلغت نحو الستين من عمرها, أو علي الأدق 58سنة و8 أشهر و16يوما.وبعد أن تمكن الآباء الرسل من أن يذهبوا ويدفنوا العذراء مريم في الجثسمانية, وهي موجودة بجوار جبل الزيتون وبجوار بستان جثسيماني, ظلوا يسمعون تهليل وترتيل الملائكة, فخجلوا من أن يتركوا الجثمان إلي حال سبيله فظلوا موجودين بجوار القبر ثلاثة أيام, إلي أن اختفت أصوات الملائكة فرجع الآباء الرسل في طريقهم. وهم في الطريق إلي أورشليم رأوا توما الرسول أنزلته سحابة علي الأرض, قالوا له أين كنت, لماذا تأخرت, العذراء مريم تنيحت, فطلب توما أن يعود إلي القبر ليتبارك من جسدها, فذهب معه الآباء الرسل إلي القبر الذي دفنت فيه العذراء مريم, ولما فتحوا القبر لم يجدوا جثمان العذراء مريم, إنما خرجت رائحة بخور ذكية, فخطر علي فكرهم أن اليهود رجعوا بعد أن تركوا القبر وأخذوا الجثمان, فلما رأي توما حزنهم قال لهم اطمئنوا يا إخوتي فإن جسد العذراء مريم حمل علي أجنجة الملائكة ورؤساء الملائكة, ولقصد حسن سمح الله أن أتأخر, أنا كنت في بلاد الهند وحملتني السحب لكي آتي فتأخرت, ولكني رأيت جسد العذراء مريم محمولا علي أجنحة الملائكة ورؤساء الملائكة, وكان ذلك فوق جبل أخميم, الذي بني فوقها الدير المعروف الآن بدير العين, وأحد الملائكة قال لي تعالي وتبارك من الجسد المقدس فتقدمت وقبلت الجسد, وأعطي توما الرسول الزنار الذي كانت العذراء تربط به ملابسها, والزنار كلمة سريانية وهي الحزام.فالآباء الرسل سعدوا بهذا الخبر خصوصا أنه من توما, لأن توما له موقف سابق أنه شك في قيامة المسيح, وظهر له المسيح وقال له تعالي يا توما وضع يدك في أثر المسامير وضع يدك في جنبي, ولا تكون غير مؤمن بل مؤمنا, لأنه هو نفسه كان يقول إن لم أضع يدي مكان المسامير فلا أومن, ولكن الرسل طلبوا أن يروا هذا المنظر وأن يتأكدوا وأن يتوثق الاعتقاد عندهم بصعود جسد العذراء فصاموا, وفي نهاية هذا الصوم وعدهم المسيح أن يروا بأنفسهم جسد العذراء مريم. وبر المسيح بوعده فرأي الرسل جسد العذراء مرة أخري وكان هذا في اليوم السادس عشر من مسري. والكنيسة تحتفل بظهور جسد العذراء في16مسري, وهو نهاية الصوم, لكن الواقع إذا أردتم الدقة أن يوم 16مسري هو يوم ظهور الجسد مرة أخري الذي بر فيه المسيح بوعده, فرأي الآباء الرسل صعود جسد العذراء, إنما الصعود في الواقع كان قبل ذلك, لأنه إذا كانت العذراء تنيحت في 21طوبة, فالمفروض أن صعود جسدها يكون في 24طوبة أي بعد ثلاثة أيام من نياحتها, ولكن كما يقول السنكسار: هذا هو اليوم الذي فيه بر المسيح بوعده للآباء الرسل بأن يروا جسدها مرة أخري. وصارت الكنيسة تعيد في السادس عشر من مسري بصعود جسد العذراء مريم.فهذا الصوم بدأ بحياة العذراء مريم نفسها لأنها كانت إنسانة متعبدة, عذراء طاهرة حياتها كلها عبادة وصلاة, وعرفت الصوم منذ أن كانت طفلة في الهيكل, في السادسة والثامنة من عمرها كانت العذراء تصوم, وتعطي طعامها للفقراء وهي في الهيكل, عاشت في جو القداسة والصلاة والتسبيح, عرفت أن تصوم من طفولتها المبكرة مع الصلوات والعبادة والترنيم والترتيل. العبقرية المبكرة لطفلة في هذا السن عرفت الصوم, وأيضا عرفت العطاء, لأنها كانت تعطي طعامها للفقراء وتظل هي صائمة. ويقول عنها التاريخ والآباء القدامي إن الملائكة كانت تشفق علي مريم وهي طفلة فكانت تأتيها بطعام آخر, وهذا شرف مريم أنها وهي طفلة عرفت أن تصلي, وعرفت أن ترنم, وعرفت أن تصوم, وعرفت أن تعطي عطاء للفقراء والمحتاجين.وبعد قيامة المسيح وصعوده إلي السماء أخذت تمارس الصوم, لأنها أيضا كانت محتاجة إليه من جهة تعبدية, ومن جهة أخري للمضايقات والمتاعب التي رأتها من اليهود, فكانت تصوم متعبدة مع العذاري, وبعد ذلك الآباء الرسل أيضا قدسوا هذا الصوم. وصارت الكنيسة علي هذا الخط, وصرنا نحن إلي اليوم نحتفل بهذا الصوم المقدس ونعتبره من أحسن الأصوام ومن أجمل الأصوام.هذا الصوم لا يصام صوما عاديا, ولكن كثير من الناس يصومونه صوما نسكيا, فتجد كثيرا من الأقباط يأكل بالماء والملح, أي لا يأكل مأكولات أخري مطبوخة, ومن هنا ظهرت الشلولو, والشلولو كلمة قبطية, يأخذون الملوخية المجففة علي صورتها الطبيعية ويضعوا عليها خلطة من الثوم والملح والبصل والشطة فى ماء بارد بلا طبخ علي الصورة الأولية, وهذه قمة ما يمكن تصوره من حالة النسك للإنسان, لأن كونه يستغني عن الطعام المطبوخ ويقنع بالشلولو فهذا نوع من الزهد 2-الكنيسة فرضته إكراما للسيدة العذراء، المطوبة من جميع الأجيال (لوقا 2: 48). 3- الرسل هم الذين رتبوه اكراما لنياحة العذراء. 4- القديس توما الرسول بينما كان يخدم فى الهند، رأى الملائكة تحمل جسد ام النور الى السماء، فلما عاد الى فلسطين، واخبر التلاميذ بما رأه، اشتهوا ان يروا مارأى توما، فصاموا هذا الصوم فأظهر لهم الله فى نهايته جسد البتول، ولذلك دعى بعيد صعود جسد ام النور. 5- العذراء نفسها هى التى صامته، واخذه عنها المسيحيون الآوائل، ثم وصل الينا بالتقليد. 6- كان سائدا قديما، فأقره اباء المجمع المسكونى الثالث بالقسطنطينية سنة 381م، وطلبوا من الشعب ضرورة صومه. 7- ذكر ابن العسال انه صوم قديم اهتمت به العذارى والمتنسكات ثم اصبح صوما عاما اعتمدته الكنيسة "المجموع الصفوى / باب 15". وهو نفس رأى العلامة القبطى ابو المكارم سعد الله، وزاد انه كان يبدأ فى ايامه " القرن 13م ".. من اول مسرى الى الحادى والعشرين منه. وهذا ايضا هو نفس رأى العلامة ابن كبر فى القرن الرابع عشر بأنه صوم قديم اهتمت به العذارى والمتنسكات ثم اصبح صوما عاما اعتمدته الكنيسة. قال احد الآباء: " ان كان مناسبا ان تصير صيامات لاعياد ربنا يسوع المسيح، فهكذا يليق بأعياد امه الطاهرة ان نصوم صومها استعدادا لاخذ بركتها مثل كل الاعياد تطور صوم السيدة العذراء عبر التاريخ ارتبط صوم السيدة العذراء بأحد أعيادها الذي يعقب الصوم مباشرة، وهو عيد تذكار صعود جسدها إلى السماء في 16 مسرى. وجدير بالذكر أن هذا العيد سابقاً بزمن طويل للصوم الذي ألحق بها بعد ذلك بعدة قرون. 1- أول إشارة عنه في الكنيسة القبطية نجدها عند القديس أنبا ساويرس ابن المقع أسقف الأشمونين في كتابه "مصباح العقل" حيث يقول: والصيام الذى يصومه أهل المشرق ونسميه صيام البتول مريم، وهو في خمسة عشر مسرى. وبرغم أنها إشارة مبهمة إلا أنه يتضح لنا منها أنه صوم معروف فى الشرق المسيحي، ولكن يبدو أن الأنبا ساويرس يتحدث هنا عن صوم يوم واحد في 15 مسرى يعقبه عيد العذراء في 16 مسرى 2- في القرن الثانى عشر يأتي ذكر صوم العذراء في مصر صراحة لأول مرة ولمدة ثلاثة أسابيع، ولكنه صوم كان قاصراً على العذارى في البداية. وهو ما نقرأه في كتاب الشيخ المؤتمن أبو المكارم سعد الله بن جرجس بن مسعود (1209م) فيقول: "صوم العذارى بمصر من أول مسرى إلى الحادى والعشرين منه. ويتلوه فصحهم في الثانى والعشرين منه، وخلال النصف الثانى من 1250 بدأ هذا الصوم يزداد شيوعاً بين الناس، ولكنة كان بالأكثر قاصراً على المتنسكين والراهبات. فيذكر ابن العسال (1260م) في كتابة "المجموع الصفوى" عن هذا الصوم فيقول: صوم السيدة العذراء، وأكثر ما يصومه المتنسكون والراهبات، وأوله أول مسرى وعيد السيدة فصحه (أى فطره). 3- فى بادية القرن الرابع عشر نجد أن هذا الصوم قد صار شائعاً بين الناس كلهم، لأن ابن كبر (1324م) في الباب الثامن عشر من كتابه "مصباح الظلمة وإيضاح الخدمة" ينقل ما سبق ذكره عن ابن العسال، ولكنه حذف عبارة "وأكثر ما يصومه المتنسكون والراهبات". ولازال صوم السيدة العذراء حتى اليوم هو أحب الأصوام إلى قلوب الناس قاطبة في الشرق المسيحى، الذى اختصته العذراء القديسة بظهوراتها الكثيرة المتعاقبة وصوم السيدة العذراء عند الروم الأرثوذكس هو أيضاً خمسة عشر يوماً كما في الكنيسة القبطية، وهو خمسة أيام عند كل من السريان الأرثوذكس والأرمن الأرثوذكس. أما عند الروم الكاثوليك يوما الجمعة اللذان يقعان بين يوم 1، 14 من شهر أغسطس. ويصومه الكلدان يوماً واحدا. نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد
02 أغسطس 2022

والدة الاله

"ها ان العذراء تحبل وتلد ابنا ، وتدعو اسمه عمانوئيل""اشعياء ١٥:٧" وقد كان ذلك كله ليتم ماقاله الرب بفم النبي القائل "ها ان العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانوئيل ، الذي تفسيره ( الله معنا )"متى ٢٢:١'٢٣" "لأنه يولد لنا ولد ، ونعطى ابنا وتكون الرئاسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيبا مشيرا ، الها قديرا ، اب أبديا ، رئيس السلام" "أشعياء٦:٩" "وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا ، وتسمينه يسوع وهذا يكون عظيما وابن العلي يدعى" "لو٣١:١'٣٢" ١- العذراء في بيت أبويها أبو العذراء هو يواقيم وأمها هي حنة ، وكان كلاهما بارا نقيا لكنهما كانا مجربين بتجربة الحرمان من النسل وظلا يسألان الرب أن يرزقهما بنسل دلیل رضاه تعالى عليهما ، ولنزع عارهما من بين الناس ، وقد نذرا نظرا أن الابن أو الابنة التي يرزقان بها يهبانها لله خادمة في هيكلـــــــه واستجاب الوهاب العظيم طلبتهما وأرسل لحنة أولا ولزوجها يواقيم ثانيا الذي كرس أربعين يوما يقضيها في تعبد البرية لهذا الغرض ، أرسل الرب لهما الملاك غبريال ( جبرائيل ) الذي بشرهما بميلاد ابنة يدعوانها مريم ومنه يكون خلاص آدم وذريته وتم الوعد الالهى بميلاد السيدة العذراء في يوم الأحد الذي يـقـابـل بـحسب تقويمنا القبطى ( أول بشنس ) وظلت فـى عناية والديها اللذين لمسا فيها منذ صغر سنها بوادر عظمـة شأنها ، وقد بذلا في تربيتها في خوف الله وتقواه اهتم الوالدين اللذين يقدران الفضيلة وطهارة السيرة لأنهم كانا بارين سالكين في جميع وصايا الرب بلا لوم بقيت العذراء في بيت أبويها مدة سنتين وسبعة شهور وسبعة أيام حتى حان الموعد الذي فيه كان لابد للوالدين أن يبـرا بنذرهما أمام الله. ( ۲ ) العذراء في الهيكل : ـ كان يوم الأربعاء 3 كيهك هو يوم وفاء النذر بتقديم العذراء لخدمة الهيكل المقدس ... وبدأت منذ ذلك اليوم تخدم الله بطهارة نفسها وقد وجدت نعمة عند كهنة الهيكل وعند جميع من رآها ، وكان الجميع يشعرون بحياتها السمائيـة لدى تطلعهم الى وجهها النورانی ... قضت العذراء الطاهرة مدة بقائها في الهيكل في عبادة وصلوات وكانت الملائكة تحدوها بعناية شاملة وكانت تقدم لها طعاما سمائيا بينمـا كانت تعطى هي طعامها للفقراء والمساكين ولما بلغت سن البلوغ تشاور الكهنة في مصيرها لأن لا يجوز أن تبقى في الهيكل بعد هذا السن ... غير أن موقف العذراء يحتاج الى تفكير وروية لأن العذراء عند بلوغها هذه السن كانت يتيمة من الأب والأم ، فأبوها قد مات بعد ست سنوات وأمها بعد ثماني سنوات من عمرها ، وتعيد الكنيس بنياحة يواقيم البار في 7 برمودة من كل عام . أوعز الملاك الى زكريا أن يجمع عصى شيوخ المدينة وشبابها ويكتب على كل عصا اسم صاحبها وفي اليوم التالي افرخت العصا التي كان مكتوبا عليها اسم يوسف ، وزاد علـى ذلك أن حمامة بيضاء جميلة استقرت على رأسه . ففهم الكهنة أن هذه دلالة على أن ارادة الله اقتضت أن تكون مريم فى حمى يوسف ... وأحسوا أن الله تعالى يحب هذه العذراء حتى أنه زودها بهذه العجائب . وحرصا على سمعة العذراء التي ستدخل في كنف رجـــل ، رأى الكهنة وجوب عقد زواج رسمى بينهما ، وكانت الحكمة الالهية وراء ذلك اكمال التدبير الالهى بتجسد الفادی ، لأنــــه ان حبلت العذراء دون أن يكون بينها وبين يوسف عقد زواج رسمی لرجمت بالأحجار حسب الشريعة قبل أن تلد المسيح ويتم تجسد الفادي ولما كان العقد رسميا لذلك استطاع يوسف أن يأخذهـا الى بيته وأن تنطلق معه الى حيث شاء هو أن ينطلق فقد ذهبت معه للاكتتاب في بيت لحم وقد سافرت معه إلى مصر وبقيت في بيته حتى وفاته والدليل الثالث على أن العقد بين يوسف والعذراء كـان عقد زواجی رسمی انما هو أقوال الكتاب ونصوصه التي تثبت أن العذراء زوجة يوسف من ذلك قول الانجيلي " فيوسف رجلـهـا كان بارا" مت١٩:١ ثم أن الملاك ظهر ليوسف فى الحلم وقال " يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امراتك "مت٢٠:١... فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمـره ملاك الرب وأخذ امرأته مت٢٤:١، وقال القديس لوقا "فصعد يوسف ليكتتب مع مريم امراته " لو٥:٢ . ولهذا يكون قد اتضح لنا بالدليل التاريخي ، والدليل العقلي ، وأخيرا بالدليل الكتابي أن مريم العذراء كانـــــــــت مرتبطة مع يوسف بعقد زواج رسمی ... أما قول الكتاب أحيانـا عن العذراء أنها مخطوبة كقوله : " لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف مت١٨:١ ... ، وكقول القديس لوقا : فصعد يوسف ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى "لو٥:٢ ، فذلك لأنه رغم العقـد الرسمي بينهما كانت العذراء تنوى أن تظل بتولا ، وكذلك يـوسف الذي كان شيخا نحو التسعة والثمانين من عمره لم يكن يفكر في أن يعيش مع مريم كزوج مع زوجته بل كخطيب مع خطيبته فهـي امرأة رسما واسما وخطيبة فعلا وعملا نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات اللاهوتية العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي عن كتاب السيدة العذراء
المزيد
15 يوليو 2022

القيم التي تنبع من غسل الأرجل ج٣

القيمة الثالثة الخدمة :- ما معنى الخدمة ؟ الواقع الخدمة في مفهومها الجوهري هو شيء يسديه الإنسان لآخر عندما يكون في حاجة إلى هذا الشيء . أي واحد محتاج لأمر أيا كان هذا الأمر سواء كان شيء مادى أو شيء معنوى . ثم تنبرى أنت لتقديم هذا الشيء لهذا الأخ المحتاج إليه ، هذه تعد خدمة . مثلا أعمى رأيته يتخبط في الطريق ، فتلحق به وتمسك يده وتعبر به الطريق هذه خدمة ، لأن هذا الإنسان في حاجة إلى أحد يمسك يده . إنسان مريض يتلوى من الألم ، كونك لا تتركه وتبحث عما يخفف عنه الألم ، ولو استدعى الأمر أن تدعو له طبيب أو تحضر له دواء ، أي شيء يخفف عنه الألم هذه خدمة ، واحد يغرق في النيل أو في الترعة أو يستغيث وأنت تعرف السباحة ، وتنزل مباشرة وتنقذ هذا الإنسان هذه خدمة نوع آخر من الخدمة ، واحد محتاج لأى نوع ، ينقصه شيء ، وأنت تقدر أن تحضره ، أي شيء مادي أو معنوی ، افرض أنك أنت في مستوى دراسي أعلى ، ويوجد تلميذ محتاج إلى مساعدتك ، و انبريت لخدمته بأن شرحت له درس بلا شك أن هذه خدمة ، فالخدمة ليس لها باب واحد ، وليس لها طريق واحد ، القاعدة العامة هي أنك تسدى خيراً لإنسان هو في حاجة إليه ، لكن لو لم يكن في حاجة إليه لا تكون خدمة . لأن في بعض الأحيان الإنسان لو عمل ذلك قد يتلف الشخص الآخر ، مثل واحد فقير محتاج إلى شيء فيمد يده فأنت تعطيه ، في هذه الحالة أنت تخدمه ، لكن لو رأيت إنسان قادر على العمل ومع ذلك يمد يده ، واستمر على ذلك أنت تشعر أنك لو أعطيته تتلفه وتفسده ، لأنه سيأخذ على ذلك وهذا يضره ، في هذه الحالة لاتعتبر أن هذه خدمة ، إنما إذا استطعت أن توجهه أن يعمل أو تعطيه فرصة عمل ، أو تسعى أن تلحقه بعمل ، أو في بعض الأحيان واحد يعطى لآخر مبلغ لكي يفتح به محل ، أو يبدأ به مشروع هنا خدمة ، كنت أرى من زمن شاب يلبس جلباب أبيض ، أنيق وحالق ذقنه ، وحذائه نظيف لامع ، ويقف على باب الكنيسة أو على باب الجمعية ويمد يده وعليها منديل الحقيقة قد تعطى له مرة أو إثنين ، ثم يأتي وقت من الأوقات قلبك يتقسى ، لأنك تشعر أعطيت هذا الإنسان كأنك تتلفه ، إنما عندما يكون واحد في حاجة تعطيه هذا واجب عليك أن تساعده ، كل شيء لابد أن يكون بحكمة ، لذلك الآن في المجتمعات الحديثة التنظيم الحالي للعطاء ، نحن نعطى الكنيسة والكنيسة تعرف إحتياجات شعبها ، والأصل في ذلك أن الآباء الرسل أقاموا الشمامسة للخدمة الإجتماعية ، فهذا إختصاص الشماس الأول الخدمة الإجتماعية أي خدمة الفقراء ، عندما تقرأ في أعمال الرسل أصحاح 6 تجد أن الشمامسة الذين رسموا كان إختصاصهم الأول الخدمة الإجتماعية ، وهي أعمال التوزيع على الأيتام والمساكين والفقراء ، هذا عمل مهم جداً من أعمال الخدمة الإجتماعية للآخرين ، إنما مبنية على أساس الإحتياج ، لذلك يقول : " إن كانت أرملة لها أولاد أو حفدة فليتعلموا أولا أن يوقروا أهل بيتهم ويوفوا والديهم المكافأة " ( 1 . تيموه : 3 -5 ) ، لكي لايثقل على الكنيسة ، أما الأرملة " التي هي بالحقيقة أرملة " وهنا يفرق بين الأرملة التي هي بالحقيقة أرملة أي المحتاجة فعلا ، إنما الشخص القادر لماذا يترك أمه للكنيسة ؟ هذا واجبه أولا نحو أمه ونحو جدته لكى لا يثقل على الكنيسة ، إنما الكنيسة تعطى للأشخاص الذين ليس لهم أحد عائل فكرة الخدمة أساساً أنك أنت تسدى الخير لإنسان هو في حاجة إليه ، إنما إذا كان ليس في حاجة إليه أنت تتلفه بذلك ، اخدمه بشيء آخر ، محتاج يتعلم ، محتاج مهنة أو حرفة ، ولذلك شيء جميل جدا في مجتمعاتنا الحديثة وفي كنائسنا ، أجد مثلا بالنسبة للبنات ، يقيموا فصول أعمال التطريز والخياطة وما إليها ، خدمة كبيرة أن تخرج الفتاة ذات حرفة أو قادرة على أن تعمل ، فيما بعد تقدر أن تعول نفسها أوتعول أسرتها حينما تكون في حاجة إلى ذلك ، وكذلك بالنسبة للأولاد ، في المجتمع الحديث العطاء لا يكون بغير حساب ، إنما لابد أن يكون هناك عملية تنظيمية ، الناس الذين لا يعرفون أن يوزعوا عشورهم ، الأفضل أن يحضروها للكنيسة ، والكنيسة هي التي تتولى هذه العملية . ولذلك لابد أن يكون في الكنيسة بإستمرار لجنة تختص بهذا الأمر ، وهي لجنة إجتماعية سواء من الشمامسة أو من بعض أراخنة الشعب لكي يقوموا بهذه العملية ، ليبحثوا عن المحتاج فعلا ، وهناك ناس يذهبوا إلى البيوت ويقدروا مدى إحتياج هذا الشخص ، حتى لا يكون العطاء مجرد عملية مجنونة من غير عقل ومن غير حساب ، لابد أن تكون محسوبة لتأتى بالفوائد الأعظم .نعود مرة أخرى لفكرة غسل الأرجل ، فهي تحمل إلى جوار معنى التواضع معنى الخدمة والخدمة معناها أن تسدى الخير لإنسان في حاجة إليه ، حينما تشعر أن إنسان محتاج لشيء لابد أن ضميرك يحركك أن تصنع معه شيء ، مادمت تقدر أن تخدمه لابد أن تتحرك ، وإن لم تصنع ذلك فأنت لم تستفد من هذا الدرس الذي أعطاه المسيح ، وهو غسل الأرجل لكي يعطينا شرف خدمة الآخرين ، وهذا الشرف معناه أنه أنا كإنسان أعمل عمل سیدی ، من سیدی ؟ سيد الكون . الله صانع الخيرات ، إحدى صفات الله أنه صانع الخيرات ، فالإنسان منا مدعو يشارك سيده في أن يصنع الخير ، ويمد آفاق الملكوت ويمد آفاق الخير ، ولذلك هذا التعبير هو الذي استخدمه بولس " نحن عاملان مع الله " ، أنت عامل مع الله لأن الله هو الخير الأعظم وهو صانع الخيرات ، فأنت عندما تعمل الخير تكون عامل مع الله ، والمحصلة بعد ذلك أن الخير يمتد ، لأنه لماذا خلق الله الإنسان ؟ هل الله في حاجة إليه ؟ لا .. هذا شرف أعطاه الله للإنسان أن يخلقه لمهمة ليعمل ، الله عندما خلق آدم الأول خلقه بعد أن خلق له كل شيء ، خلقه في آخر الحقبة الثالثة ، بعد أن خلق الحيوان والطيور والزحافات إلى آخره ، ثم خلق له الجنة ، ووضعه في الجنة ليحرسها ويفلحها ، لابد أن يكون له مهمة ، حقا أن الجنة خلقت قبله ، لكنه له مهمة وهذه المهمة مهمة شريفة ، وهي أن يكمل عمل الله أو يمد عمل الله . " ليفلحها " ولذلك يعد آدم هو الفلاح الأول ، وهذا شرف له أن يفلحها ويحرسها من إعتداءات الحيوانات ، أو مما يسموه عوامل التعرية ، ويحتاج الشجر إلى مايسمى بالتشذيب ، وهي قص الفروع الجافة التي تمنع إمتداد ونمو الفروع والأوراق ، فالفلاح يشذب ويهذب الأطراف ، فأدم كان له مهمة ، على الرغم من أن الله أعطاه كل شيء ، مهمة أن يفلح الأرض ، يحرثها ويعطى فرصة للهواء وللماء أنها تدخل في التربة ، وأعطاه الله أيضا مهمة الحراسة ، وهي مهمة الكاروبيم ، الذين هم أرقى أنواع الملائكة ، هؤلاء حراس العرش الجالس عليه الله ، أنت الجالس فوق الكاروبيم ، وهل الله محتاج لحراسة ، من ماذا يحرسوا العرش ؟ ! ، لاشيء لكنه شرف أضفاه الله على كائنات خلقها وخلق لها وظيفة وهو في غنى عنها ، إنما الكائن يشعر أنه موجود وأن وجوده له معنى ، عندما أن له وظيفة وله إختصاص ، أحيانا عندما ينتقموا من إنسان ينقلوه من وظيفته إلى مكان بلا وظيفة وبلا مكتب وبلا مسئولية ، .. ورغم أنه يستلم مرتبه لكنه يشعر بالمهانة ، وتجرحه كرامته الإنسانية من هذا الإهمال ، لأنه في مكان ولا عمل له ، على الرغم من أنه يأخذ مرتبه لكنه يحس بعدم كرامة أمام نفسه ، لكن متى يشعر الإنسان أن له قيمة ؟ عندما يحس أنه معين في عمل مطلوب منه ، فيحس أن له معنى . يشعر الملائكة الكاروبيم يسموهم حراس العرش ، ولو أنهم هم حملة العرش ، ويحرسه من من ؟ الله غير محتاج لحراسة ، حاشا !! إنما الحراسة من كائنات أخرى تتعدى حدودها ، فتقوم هؤلاء الملائكة بإيقاف هذا الكائن عند حده . مثلا سطانائيل وهو الشيطان عندما تجاوز حدوده ، " .ووقع فيما يسمى بخطيئة الكبرياء ، والكبرياء معناها أنه أعطى لنفسه حجماً أكثر من حجمه ، ومعناه أن الشيطان ارتأى في نفسه أنه أذكى من الله ، ورأى أن الله يصنع أشياء فانتقدها ، كما يحدث أن إنسان ينتقد أبوه أحيانا أو تلميذ ينتقد المعلم ، فما حدث أن الشيطان لم تعجبه حكمة الله ، هذا هو الكبرياء بالنسبة للشيطان ، ما معنى يتكبر ؟ هو يعرف نفسه أنه مخلوق ، لكن نوع الكبرياء أنه انتقد الفكر الإلهي ، وهذه الخطيئة نقع فيها كلنا ، عندما الصغير ينتقد الكبير ، مثلا الإبن يحتقر فكر أبوه ، أو التلميذ يحتقر فكر المعلم ، يحتقره في قلبه ، هذا الإنتقاد كثير ما نقع فيه ، الناس تقول أين الله ؟ لماذا يترك هذا الشرير ؟ لماذا لم يعمل كذا .. ؟ وهذا معناه أنه يرى أن الله مقصر ، وأنه يفهم أشياء أكثر من الله ، هذه هي خطيئة الشيطان ، الكبرياء كانت من هذا النوع ، الله أعلن للملائكة تدبير معين ، هذا التدبير الغالب هو موضوع التجسد ، لأنه يقول : " دم المسيح معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم " ( 1 . بط ۱ : ۲۰ ) . فمعلومة منذ الأزل تدبيرات الله ، فقبل أن يخلق الإنسان ، أعلن للملائكة أنه سيخلق إنساناً من تراب ، ويعطيه وصية ثم يخالف هذه الوصية ، ويقتضى الأمر أن الله يأخذ صورة الإنسان ويتجسد ، ويأخذ الطبيعة الترابية للإنسان ويخلصه . فكر من هذا القبيل لم يعجب الشيطان كيف يأخذ الله طبيعة ترابية ، هذا الفكر احتقره الشيطان ، احتقر فكر الله ، من هنا جاءت كلمة الحراسة ، ميخائيل رئيس الملائكة ، . معنى " ميخائيل " " من مثل الله " . فعندما يأتى إنسان يدعى لنفسه شيئا وهو من حق الله ، أول من ينبرى له ميخائيل ليوقفه عند حده ، وهذه المهمة هي التي قام بها ميخائيل في حربه مع الشيطان وأسقطه ، يقول : " حدثت حرب في السماء ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وملائكته ، ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء " ( رؤ ۱۲ : ۷ ) ، ويقول : " لأنه إذا كان الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا ، بل في سلاسل الظلام طرحهم في أعماق الجحيم ، بقيود أبدية تحت الظلمة محروسين ليوم القضاء " ( ۲. بط ٢ : ٤ ) ، هذه مهمة ميخائيل لأن سطانائیل تعدى حدوده ،ولم يحترم فكر الله ولم يخضع ، ولكن إرتأى فوق ما ينبغي أن يرتأى وكانت هذه الكبرياء . فكلمة الحراسة هنا ليس بمعنى أن الله محتاج للحراسة ، المعنى الأولى أو البسيط أو السطحى من كلمة الحراسة ، مثل العسكري الواقف على الباب لكى يحرس البيت من اللصوص ، وإنما الحراسة بمعنى أنهم يكونوا يقظين ، ولذلك هم مملوئين أعينا لترمز إلى الصحو وإلى اليقظة المستمرة وأنه حارس ، وهذا رأيناه عندما سقط آدم في الخطيئة ، وكان الله قد أظهر له شجرة الحياة ، ووعده أن يأكل من شجرة الحياة لو لم يخطىء . فلما رسب في الإمتحان يقول الكتاب : " أقام شرقى جنة عدن الكاروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة " ( تك 3 : ٢٤ ) ، ليمنع الإنسان من أن يقترب لشجرة الحياة ، هذه مهمة الكاروبيم ، حراسة شجرة الحياة لأن هذا الإنسان غير أهلا ، حتى لا يتجاسر ويأكل من شجرة الحياة . "فالحراسة وظيفة ، فعندما خلقنا الله خلق لنا وظيفة ، وظيفتنا أننا نعمل مع الله ، الله إله الخير وصانع الخيرات ، فلنا شرف أن نعمل مع سيدنا بأن ننشر الخير ، وماهو الخير ؟ أن تسدى للإنسان الخير الذي في حاجة إليه ، ولذلك مهمة التعليم في مدارس التربية الكنسية ، والتعليم والوعظ في الكنيسة تعد خدمة ؟ لأن هناك أشخاص محتاجين إليها ، قد يكون طفل أو شاب أو شابة أو شخص كبير محتاج لشيء من التعليم والفهم والمعرفة ، فكونك تقدم له هذه المعرفة التي هو في حاجة إليها ، أنت تسدى إليه خير وهذه خدمة الخلاصة أن كلمة الخدمة ليست قاصرة فقط على الدروس التي نعطيها للأطفال أو لصغار الشباب ، الخدمة هي كل خير أنت تسديه لإنسان هو في حاجة إليه ، أيا كان هذا الخير ، لو كان خير مادى أو خير معنوی . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
08 يوليو 2022

القيم التي تنبع من غسل الأرجل ج٢

القيمة الثانية : الاتضاع :- مجرد أن الإنسان يأخذ وضع الخادم ، وقد يكون في مركز أعلى من الذي يغسل له رجليه ، فكونه يأخذ هذا الوضع وينحنى ، هذه فضيلة لأن فيها معنى التواضع . وقلنا أنه في الثلاثينيات كنا نذهب إلى الأديرة ونجد الآباء الرهبان رغم أنهم شيوخ ونحن شباب صغير ، كانوا يصروا أن يغسلوا أرجلنا ، ويطلبوا أن لا نحرمهم من هذه البركة : يريد أن ينفذ وصايا الكتاب المقدس الذي يقول " لاتنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون وهذه القصة واضحة في سفر التكوين ، أن إبراهيم أبو الآباء أضاف ثلاثة رجال ، اتضح له فيما بعد أنهم ليسوا رجالا عاديين ووصفوا بأنهم ملائكة ، لكن هم في الواقع كانوا السيد المسيح في الوسط والملاك ميخائيل على يمينه والملاك جبرائيل على يساره . لذلك يقول الكتاب المقدس في سفر التكوين أصحاح ۱۸ : ۲۲ " فانصرف الرجال من هناك ، وذهبوا نحو سدوم وأما إبراهيم فكان لم يزل قائما أمام الرب " يكلمه ويقول له : " أديان كل الأرض لايصنع عدلا ، هب أن هناك في سدوم خمسين بارا في المدينة أفلا تصفح عن المكان كله من أجل الخمسين ؟ . قال إن وجدت هناك خمسين باراً أصفح " ، إذن من الذي يتكلم ؟ هو صاحب السلطان على الصفح والغفران ديان كل الأرض ، ثم يرجع ويقول له ها أنا أشرع أكلم المولى وأنا تراب ورماد ، لا يغضب المولى فأتكلم هذه المرة فقط ، هذا يدل على أن إبراهيم أدرك أنه هو المسيح نفسه ، وهذا مانسميه أحد ظهورات المسيح قبل التجسد من مريم ، وأول صورة للظهور ذكرها الكتاب المقدس عندما أخطأ أبونا آدم وحواء ، يقول سمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. يقول الكتاب لاتنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لايدرون ، فالذي عمله إبراهيم أول شيء أنه غسل أرجلهم ، إضافة الغرباء قبل تقديم المائدة ، قبل أن يقدم المائدة غسل أرجلهم ، غسل الأرجل كان يعد فضيلة لأنه خدمة تريح الإنسان ، فغسل الأرجل له هذه القيمة ، قيمة إراحة الآخر ، أي شفاء من التعب ، شفاء المرض الجسداني ، لأن تعب الإنسان نوع من أنواع المرض ، فهذا يعتبر خدمة تؤدى للإنسان المتعب ، كما أن غسل الأرجل دليل على التواضع ، خصوصا إذا كان الكبير هو الذي يقوم بهذه العملية . وهذا ما قاله المسيح أن الأعظم بينكم هو الذي يخدم وأنا كنت كالذي يخدم " سيد القوم خادمهم " فهنا السيد المسيح قدم مثال عملی کیف ؟ الكبير يخدم الصغير ، هو الكبير وقام بعمل غسل الأرجل ، فهنا تعليم أن غسل الأرجل في ذاته فضيلة وليس فقط أنه يريح الإنسان ، ولكن يحمل وراءه معنى التواضع ، ما معنى التواضع ؟ كثيرا جدا نستخدم كلمة التواضع في الكنيسة ، في الوعظ وفي التعليم وفي القراءات وفي الكتابات ، في اللغة العربية التواضع من وضع يضع ، فالحقيقة التواضع كفضيلة معناه أن الإنسان يعرف قدره ، فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمه وهو الغرور ، الإنسان يكون منفوخ في نفسه ، ويضخم نفسه نتيجة شعوره بأن عنده مواهب أو إمكانيات أو غنى أو أكثر علما أو حصل على شهادات أعلى ، فيأتى له إحساس بالإرتفاع ، يرتفع قلبه إحساساً منه أنه أفضل من غيره ، هذا الشعور بالتفوق يجعل الإنسان يحس أنه هو أعلى من غيره ، وقد يصاحبه أيضا إحتقاره لغيره ، يحس أن هناك فرق بينه وبين غيره ، وأن هذا الغير أقل منه ، إنما الإنسان المتواضع هو الذي يفهم نفسه على حقيقتها فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمها ، وأيضا لاينزل نفسه إلى أقل مما يجب ، تقول كيف ذلك ؟ لأن هناك تصرفات معينة لا تليق بك أن تتصرفها ، ولو أنت صنعتها لا تقول عنها أنها تواضع لأنها تنزل من كرامتك كإنسان ، فلو أن هناك أخطاء معينة عملها الإنسان تنزل من مكانته الإنسانية لابد أن يتولد عنها أنه هو نفسه يحتقر نفسه ، في بعض الأحيان توجد خطايا معينة تعملها ، وبعد أن تعملها تحتقر نفسك ، لأنك رأيت نفسك أنك لا تقدر أن تنتصر على نفسك ، أحسست أنك نزلت ، هذا الإحساس بالنزول ليس تواضع ، هذا إذلال لنفسك و إذلال لكرامتك الإنسانية ، التصرف الذي لايليق بك ، لا يكون تواضع ، إنت كإنسان .وخصوصا کمسیحی خلقك الله على صورته ومثاله ، لك كرامة ، كرامة الإله الذي تنتسب إليه . فلا تقبل أن تتنزل وتهين روحك وتهين خليقة الله بهذه التصرفات التي لا تليق بك .التواضع هو أن يعرف الإنسان قدره ، فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمه ، ولا يتنزل إلى تصرفات لاتليق به ولا تليق بإنسانيته ، أو أن يستعبد لعادة رديئة ويبقى عبد كما قال المسيح " إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً " ، لأنك كإنسان إذا استعبدت لعادة من العادات الرديئة ، وتقول أنا لا أقدر أن أتركها ، أليست هذه إهانة لطبيعتك ، وأنك أصبحت مستعبد لعادة رديئة ، حتى لو كنت سيد ، وحتى لو كنت كريم ، وحتى لو كنت حاصل على شهادات ، عندما تنظر إلى كأس من الخمر تسبيك أو سيجارة تنزلك عن مستواك الإنساني ، في مرة واحد من الناس كان مستعبد بشيء ذهب للصيدلى ، وانحنى يقبل حذاءه لكي يعطيه طلبه والصيدلى يمتنع ، أزل نفسه وهو رجل محترم ومركزه كبير وحاصل على شهادة عالية ، وهو رجل كبير ويقبل الحذاء ، هل أسمى هذا تواضع ؟ . فهنا وراء غسل الأرجل فضيلة التواضع ، ولذلك نحن في لقان خميس العهد يقال في صلوات الكنيسة " رسم التواضع " رسم التواضع الذي هو غسل الأرجل . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
01 يوليو 2022

القيم التي تنبع من غسل الأرجل ج١

يتحدث الكتاب المقدس في الأصحاح الثالث عشر من إنجيل معلمنا يوحنا ، عن عمل قام به المسيح لفت نظر الجماهير ، وأصبح أيضا عملا متميزا عبر الأجيال كلها وهو " غسل الأرجل " . كون المسيح له المجد يغسل الأرجل لتلاميذه ، هذا درس عملي يقدمه المعلم ، والمعلم الناجح يقدم وسيلة إيضاح عندما يشرح درس ، لأن الإنسان بطبيعته روح مرتبط بجسد ، فالإنسان يتأثر بالمحسوسات أكثر من التعليم النظري ، التعليم النظري قابل لأن ينسي ، وقابل أيضا بأن يشرد عنه الذهن فلا يلتفت الإنسان إليه ، أو يمر عليه مروراً سطحياً أو عابرا . إنما النموذج العملي والممارسات العملية ووسائل الإيضاح الحسية ، تطبع في الإنسان أثراً أعمق وأقوى مما يطرحه التعليم النظرى القابل لأن ينسى . القيمة الأولي إراحة الآخر : فسيدنا له المجد كونه يضع ماء في مطهرة أو في مغسل أو في حوض أو ما نسميه اللقان في خميس العهد ويأخذ وضع الخادم ، في العهد الذي ظهر فيه سيدنا في فلسطين لم يكـن هناك طرق مواصلات متوفرة مثل زماننا الحاضر ، ولم يكن هناك سيارات ، وكان الإنسان يمشى على رجليه ، ومع قطع المسافات الطويلة كان الإنسان يشعر بالإعياء ، فكان أول شيء يصنعوه له عندما يدخل بيت ، أن يغسل رجليه ، سواء كان في بيته فالشخص بنفسه أو خادمه يغسل له رجليه . وأيضا إذا دخل بيت آخر كضيف ، لهذا كان من أولى واجبات الضيافة أن الضيف تغسل رجليه ، فكان يكلف الخادم أن يأتى بحوض ويضع فيه ماء ثم يغسل رجلي هذا الإنسان ، غسل الأرجل مع التعب تعطيه راحة ، فتعد هذه خدمة للإنسان المتعب والمرهق من قطع المسافات وهم وأيضا عندما كنا نذهب إلى الأديرة في الثلاثينيات ، كنا نلاحظ أن الآباء الرهبان أول شيء عندما نصل لأننا كان نسير على أرجلنا ، كانوا يحضروا حوض به ماء دافيء وأحياناً يضعوا فيها شيء من الملح البسيط ، فأول شيء يصنعوه عند استقبالنا هو غسل الأرجل ونحن كنا شباب صغير فكنا نتمنع أو نستكلف ، وهم آباء كبار كيف يغسلوا أرجلنا ؟ فكانوا يقولوا لنا لا تحرمونا من هذه البركة ، لماذا ؟ لأنه يشعر أنه يعمل العمل الذي عمله السيد المسيح ، فيشعر أنه يتمم واجب ويعمل فضيلة ، وتسمعوا في الكنيسة عن الأنبا بيشوى ومذكور عنه حتى في القداس أنه غسل قدمی مخلصنا الصالح ، فسيدنا له المجد من محبته للأنبا بيشوى ظهر له شكل إنسان كأنه ضيف من مكان بعيد ، فقام الأنبا بيشوى بغسل قدميه وهو لا يعلم أنه هو المسيح ، فسيدنا له المجد تلطف به وظهر له بكامل حقيقته ، فذهل الأنبا بيشوى أن سيدنا له المجد بذاته نزل إلى قلايته أو إلى غرفته وشرفه بهذا الشرف ، ولاشك أنه نال بركة كبيرة جدا لأنه غسل قدمي المسيح نفسه ، فهذه تعتبر بإستمرار فضيلة ، وكان في بداية المسيحية إختيار المرأة الشماسة يقوم كما جاء في رسالة بولس الرسول إلى تلميذه تيموثيئوس ، على أنها قد غسلت أرجل القديسين . كأول مؤهلاتها لكي تنال درجة الشماسية . فهنا بالنسبة للكل رجال ونساء هذه فضيلة ، فسيدنا له المجد كونه هو نفسه يأخذ هذا الوضع وينحنى كخادم ، وقال أنا بينكم كالذي يخدم وكلمة " يخدم " في اليوناني " دياكون " وهي المصطلح الكنسي لكلمة " الشماس " فالمسيح مارس مهمة الشماس كما مارس أيضا مهمة القارىء ، عندما قرأ الفصول المقدسة التي يقرأها الأناغنوستيس ، ومارس جميع درجات الكهنوت بما فيها الأسقفية ولذلك يقول الكتاب : " لأنكم رجعتم الآن إلى راعي نفوسكم وأسقفها " ( 1 . بط ٢ : ٢٥ ) ، المهم أنه عندما غسل المسيح الأرجل ، بطرس الرسول استعظم هذا الأمر وقال له " لن تغسل رجلي ، فقال له " أنت لا تفهم الآن ولكنك ستفهم فيما بعد، لماذا أنا عملت ذلك ، هناك هدف وراء هذا العمل ، يوجد درس أنا أعطيه وسيلة إيضاح ، " إن كنت لا أغسلك فليس لك معى نصيب " ، هدده ، وأصر المسيح على أن يغسل.رجليه ، فقال له : " ياسيد ليس رجلي فقط بل يدي ورأسي " لأنه يهمنى أن يكون لي نصيب معك . وبعد أن غسل الأرجل جلس ، لاحظوا في عملية غسل الأرجل كونه أخذ مئزرة وائتزر بها وأخذ وضع الخادم ، لأنه في هذا الوقت كان الناس يلبسوا ملابس طويلة فيحتاج أن يرفع ملابسه ، لأن عملية الغسل تحتاج منه أن ينحنى فلا تبتل ملابسه ، رجال الكهنوت يلبسوا ما يسمى بالحياصة أو المنطقة ، وقد ظهر بها السيد المسيح في سفر الرؤيا للقديس يوحنا الحبيب ، عندما رأه في الرؤيا العظيمة ، يصفه في الأصحاح الأول من سفر الرؤيا أنه كان يلبس ملابس بيضاء إلى القدمين ومتمنطقا بمنطقة عند صدره ، ولهذا السبب يلبس الأسقف مثل هذه الملابس لأنه يمثل سيده ، وهذه المنطقة دليل أو علامة أنه خادم ، وفي بعض الكنائس الأخرى يعطوا الكهنة رغم أنه ليس أسقفاً لقب مونسنيير وتعنى سيدنا ، ولذلك يلبس حزام أحمرلكي يشير به إلى أنه خادم . وقال لهم السيد المسيح : أنتم تدعوني معلماً وسيداً وحسنا تقولون لأني أنا كذلك ، أي هذا ليس نفاق ولا ادعاء ، فأنا المعلم وأنا السيد ، ولكن إن كنت أنا المعلم والسيد قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض ، لم يطلب منهم أن يخدموه أو أنه يقوموا بغسل رجليه ، إنما طلب منهم أن يصنعوا ذلك بعضهم نحو بعض . ما الحكمة في هذا ؟ !! عملية غسل الأرجل في ذاتها خدمة ، أذكر رجل الآن في العالم الآخر ، كان يذكر من بين فضائل زوجته ، يقول : حتى لو دخلت الساعة ١٢ بالليل تدفىء الماء وتغسل رجلي ، لم ينس لها هذا الفضل ، لأن هذه فعلا خدمة مريحة ، فعندما نريح إنسان تعبان تعد خدمة . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
24 يونيو 2022

غسل الأرجل ومفهوم الخدمة

إن سيدنا ومخلصنا له المجد جعل نفسه خادماً ، وقال : " أنا بينكم كالذي يخدم " ( لو ٢٢ : ٢٧ ) ، " أنتم تدعونني معلماً وسيداً وحسنا تقولون لي لأني أنا كذلك ، فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فيجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض " ( يو ١٣ : ١٣ ، ١٤ ) . والحقيقة عندما نتأمل ما معنى غسل الأرجل ؟ ولماذا كان غسل الأرجل في يوم خميس العهد ؟ وما حكمة المسيح في أنه يقوم ويغسل أرجل تلاميذه ؟ هل هو مجرد ممارسة عمل من أعمال الضيافة التي كانت تقتضيها ظروف ذلك الزمان ؟ لم يكن هناك أحد يوم خميس العهد جاء من مكان بعيد حتى أنه يغسل أرجلهم بإعتباره المضيف ، إنما كان هناك لاشك معانى واسعة في أنه وهو المعلم وهو السيد يأخذ وضع الخادم . فهنا قلب المسيح مفهوم الخدمة . الخادم ليس هو الإنسان الذي يتكلم من فوق والناس من تحت ، لا .. ، الخادم هو الذي ينحنى ويأخذ الوضع الأدنى ، والمخدوم يكون هو في الوضع الأعلى ، هذا الكلام ليس معناه التواضع ، ولكن هذا هو مفهوم لمعنى الخدمة . ما معنى الخدمة ؟ الخدمة أن يسدى الإنسان الخير لإنسان في حاجة إليه ، وإحتياجات النفس البشرية كثيرة ، ليست نوع واحد ، إذن كل نوع من الخير يسديه الإنسان إلى آخـر في حاجة إليه ، هذه خدمة بكل معنى كلمة الخدمة ، فالخدمة ليست فقط أن يلقى الإنسان درساً أو أن يلقى عظة أو أن يقف على منبر ليكلم غيره من الناس ، ينقل إليهم خبرا أو ينقل إليهم تعليما ، ليس هذا هو المفهوم الكامل للخدمة ، هذا جزء من عمل الخدمة ، إنما هناك مفهوم أعم وأشمل للخدمة . فإذا وجد الإنسان أعمى في الطريق وأمسكه بيده وقاده فهذه خدمة ، حتى لو كانت خدمة ليس فيها نوع من الكلام ، في بعض الأحيان يكون هناك إنسان مجرب أو متألم أو حزين ، لمناسبة أو لأنه فقد قزيبه أو عزيزاً عليه ، في بعض الأحيان عندما تكون التجربة صعبة الإنسان لايجد كلام يقوله لهذا الإنسان المكلوم ، مثل هذا الإنسان ذو التجربة القاسية عندما تعزيه ، تكون حالته النفسية متعبة ، لدرجة أنه يشعر أن أي نوع من الكلام كأنه رجم الطوب بالنسبة له ، خصوصا بأن يوجد بعض الناس عندما تعزى ، يكون عزاؤها فيه نوع من اللوم والتقريع لهذا الإنسان ، إذا صدر منه أي مظهر من مظاهر الحزن غير المرغوب فيه ، ففي بعض الأحيان لايفيد الكلام ، أو يكون مؤلم بالنسبة لهذا الظرف المعين رغم أنه يحتاج إلى من يكلمه كلاماً يعزيه أو يصبره أو يجعله يحتمل ، لكن في بعض الأحيان مجرد الوجود مع الشخص حتى لو لم يكن هناك كلام ، يكون له فائدة ويكون نوع من الخدمة . عندما الإنسان يحس أن من هم حوله يحملون معه التجربة أو الألم ، هذه بمفردها وبدون كلام تعمل على التخفيف وعلى الترطيب وعلى التهدئة ، وأقول في بعض الأحيان ، يكون الصمت أفضل من الكلام أمام بعض التجارب المؤلمة . فمجرد وجودك مع إنسان متعب ، كونك تجلس معه حتى لو لم تكلمه كلاما ، وجودك بجواره خدمة ، إذن ليست الخدمة فقط في مفهومنا هي الدرس الذي يلقيه الإنسان ، أو العظة أو التعليم ، لا شك أننا محتاجين لهذا ، لكن هذا ليس كل شيء ، نريد أن نوسع مفهوم الخدمة ، فلا تكون الخدمة فقط الدرس الذي هي نلقيه أو العظة أو المحاضرة أو الحديث ، وإن كان لا غنى لنا عن هذا ، إنما أيضا هناك أنواع أخرى من الخدمات ، يمكن أنها تسدى خيرا لأشخاص في حاجة إليها ولا يكونون في حاجة إلى وعظ أو إلى درس أو إلى محاضرة . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
17 يونيو 2022

الخدمة وكيفية ممارستها

أولا : قيم ومفاهيم الخدمة مفهوم الخادم والخدمة : الخادم بالمعنى المفهوم للكلمة ، هو الإنسان الذي يربط وسطه ليعمل في المنزل ، ينظف ويطبخ . ويقـدم لـرب البيت ولربـة البيـت ولأفراد المنـزل مـا هـم في حاجة إليـه مــن طعام وشراب و ... ، هذا هو المفهوم الموجود في أذهاننا ، وربما لهذا السبب ومن أجله سيدنا له المجد عندما أراد أن يغسل أرجل التلاميذ ائتذر بمئذرة ، أي ربط وسطه بمنديل لكى يقـوم بـدور الخادم ، وانحنى على الأرض وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ، والبطريرك والأسقف والكهنة يفعلوا كما فعل المسيح ، ولهذا في تقليد الكنيسة أن رجال الدين يربطوا وسطهم بحزام ، وكذلك الرهبان يلبسوا المنطقة ، القصد من هذا أن الراهب قائم على خدمة الله وعبادته ، فيعبر عن هذه الخدمة بأن يربط وسطه ، رمز على أنه خادم الله ، لأن ربط الوسط يمكن الإنسان من أن يجمع ملابسه الواسعة لكـى يـكـون عنـده إستعداد بـأن يـقـوم بنشاط حركي كبير ، وحتى السيدات كن يلبسن الزنار ، والسيدة العذراء كانت تلبس زنار لكي تتمكن من العمل ، وأن تنحنى وأن تقـف بـدون عائق ، فهذا هو الأساس في أن سيدنا لـه المجد ربط وسطه بمئذرة ، وكذلك الكاهن يربط وسطه بالمنطقة لأنه يقوم بدور الخادم . المفهوم الخاص للخدمة : في المجال الكنسي عندما نقول خادم أو خدمة ، عادة ينصرف تفكير الإنسان بأن الخدمة هي العمل التعليمي في الكنيسة سواء كان للكبار أو للصغار ، ومفهوم الخدام هنا هو المعنى المحدود في خدمة التعليم المناسب للكبار وللصغار أيضا. المفهوم العام للخدمة : أما الخدمة في مفهومها المسيحي العام ، هي كل نوع من الخير يسديه الإنسان إلى شخص يكون في حاجة إليه ، فليس مفهوم الخدمة هو أن يلقى الإنسان درساً على أطفال أو على كبار فقط ، ولكن هناك معنى أعم للخدمة يظهر في الخدمات العملية ، فإذا كان الواحد يمشي في الطريق ورأى رجلا أعمى ، فكـونـه يقـود الأعمى حتى لو لم يطلب منه ، هذه خدمة ، أو كونه يريح إنسان ملهوف ، أو يتقدم لخدمة إنسان عجوز أو إمرأة عجوز ، ويعبر به أو يعبر بها الطريق فهذه خدمة . أو كونه يجد إنسان مريض ويكون في إمكانه أن يسعفه ، وإن لم يكـن في إمكانه أن يسعفه فكونه يستدعى له الطبيب ، أو يجرى ليحضـر لـه دواء ، هذه خدمة ، لو وجدت إنسان مسكيناً محتاج إلى القوت الضروري أو إلى ملابس ، لو أعطيته شيء يقتات به فأنقذت حياته بدلا من أن يموت من الجوع ، هذه خدمة ، كل إنسان يقوم بخدمة في دائرة عمله أو تخصصه سواء كان طبيب أو محامي أو قاضي أو مهندس أو محاسب أو رجل أعمال ، حتى عامل النظافة في الشارع يعد خادما ، لأنه فعلا يقوم بخدمة الآخرين ، وهذا الفعـل بـه خير والناس يحتاجون لهذا الخير ، فهنا الإنسان يـؤدى خدمة لأسـرتـه بالمعنى الضيق ، وللأسرة البشرية بمعناها الواسع ، كـل حسب إمكانياته العقلية أو الذهنية أو الروحية أو اليدوية أو العملية ، كل هذه خدمات ، وهنا يصدق قول الشاعر الناس للناس من بدو وحاضـرة بعض لبعض إن لم يشعروا خدم لذلك يجب أن نحس بإحترام لجميع الخدمات الإنسانية الموجودة في الأسرة البشرية ، ونحس بأن الإنسانية في حاجة إلى هذا النوع من الخدمات ، وإلى أن يتحول كل إنسان إلى خادم الله وخادم لكل الناس . خادم الله إذا أداها بـروح الخدمة من أجل الخير للبشر ، مع نية تنطوى على روح طيبة لإسداء الخير لجميع الناس ، وتخفيـف بـلـواهم وشقاءهم ، بـأن يحمـل متاعبهم ويساعدهم في حملها وتخفيفها عنهم قدر إمكانه أي نوع من هذه الخدمات حتى لو كانت خدمة صامته تدخل في نطاق الخدمة ، فكـون الإنسان يسدى خير لإنسان هو في حاجة إليه هذه هي الخدمة . لذلك نقول أولا : يجب أن لا نحتقر الخدمات الأخرى التي يؤديها آخرون من غير خدمة التعليم . وثانيا : يجب أن لا تقتصر خدمتنا على مجرد درس نلقية والذي أعطانا هذا المفهوم هو سيدنا له المجد ، عندما نتأمل خدمات المسيح له المجد نجد أنه لم يكن فقط يعلم الجماهير ويشبعها من تعاليمه ، ولكن أيضا كان ينظر إلى إحتياجاتها ، فيشفى المرضى ، ويقيم الموتى ، ويطهـر الـبرص ، ويجيـب كـل إنسان إلى إحتياجه ، وهذه هي الصورة التي نجدها في الأناجيل باستمرار . فإن كنا نحن مسيحيين لابد أن نفهم أن مهمتنا في الكنيسة أهم من أن يلقى الإنسان درساً . فلا بد أن نضيف إلى إلقاء الدرس الخدمات العملية . فإذا دخل الإنسان منزل لكي يفتقد طفل أو طفلة ، فإذا كان في إمكانه أن يؤدى خدمة تكون هذه الأسرة في حاجة إليها هذا داخل في مفهوم الخدمة ، وفي نطاق الخدمة ، فلا يكون في حاجة إليه ، فليس مفهوم الخدمة هو أن يلقى الإنسان درساً على أطفال أو على كبار فقط ، ولكن هناك معنى أعم للخدمة يظهر في الخدمات العملية ، فإذا كان الواحد يمشي في الطريق ورأى رجلا أعمى ، فكـونـه يقـود الأعمى حتى لو لم يطلب منه ، هذه خدمة ، أو كونه يريح إنسان ملهوف ، أو يتقدم لخدمة إنسان عجوز أو إمرأة عجوز ، ويعبر به أو يعبر بها الطريق فهذه خدمة . أو كونه يجد إنسان مريض ويكون في إمكانه أن يسعفه ، وإن لم يكـن في إمكانه أن يسعفه فكونه يستدعى له الطبيب ، أو يجرى ليحضـر لـه دواء ، هذه خدمة ، لو وجدت إنسان مسكيناً محتاج إلى القوت الضروري أو إلى ملابس ، لو أعطيته شيء يقتات به فأنقذت حياته بدلا من أن يموت من الجوع ، هذه خدمة ، كل إنسان يقوم بخدمة في دائرة عمله أو تخصصه سواء كان طبيب أو محامي أو قاضي أو مهندس أو محاسب أو رجل أعمال ، حتى عامل النظافة في الشارع يعد خادما ، لأنه فعلا يقوم بخدمة الآخرين ، وهذا الفعـل بـه خير والناس يحتاجون لهذا الخير ، فهنا الإنسان يـؤدى خدمة لأسـرتـه بالمعنى الضيق ، وللأسرة البشرية بمعناها الواسع ، كـل حسب إمكانياته العقلية أو الذهنية أو الروحية أو اليدوية أو العملية ، كل هذه خدمات ، وهنا يصدق قول الشاعر الناس للناس من بدو وحاضـرة بعض لبعض إن لم يشعروا خدم لذلك يجب أن نحس بإحترام لجميع الخدمات الإنسانية الموجودة في الأسرة البشرية ، ونحس بأن الإنسانية في حاجة إلى هذا النوع من الخدمات ، وإلى أن يتحول كل إنسان إلى خادم الله وخادم لكل الناس . خادم الله إذا أداها بـروح الخدمة من أجل الخير للبشر ، مع نية تنطوى على روح طيبة لإسداء الخير لجميع الناس ، وتخفيـف بـلـواهم وشقاءهم ، بـأن يحمـل متاعبهم ويساعدهم في حملها وتخفيفها عنهم قدر إمكانه أي نوع من هذه الخدمات حتى لو كانت خدمة صامته تدخل في نطاق الخدمة ، فكـون الإنسان يسدى خير لإنسان هو في حاجة إليه هذه هي الخدمة . لذلك نقول أولا : يجب أن لا نحتقر الخدمات الأخرى التي يؤديها آخرون من غير خدمة التعليم . وثانيا : يجب أن لا تقتصر خدمتنا على مجرد درس نلقية والذي أعطانا هذا المفهوم هو سيدنا له المجد ، عندما نتأمل خدمات المسيح له المجد نجد أنه لم يكن فقط يعلم الجماهير ويشبعها من تعاليمه ، ولكن أيضا كان ينظر إلى إحتياجاتها ، فيشفى المرضى ، ويقيم الموتى ، ويطهـر الـبرص ، ويجيـب كـل إنسان إلى إحتياجه ، وهذه هي الصورة التي نجدها في الأناجيل باستمرار . فإن كنا نحن مسيحيين لابد أن نفهم أن مهمتنا في الكنيسة أهم من أن يلقى الإنسان درساً . فلا بد أن نضيف إلى إلقاء الدرس الخدمات العملية . فإذا دخل الإنسان منزل لكي يفتقد طفل أو طفلة ، فإذا كان في إمكانه أن يؤدى خدمة تكون هذه الأسرة في حاجة إليها هذا داخل في مفهوم الخدمة ، وفي نطاق الخدمة ، فلا يكون دائما مفهوم الخدمة في نظرنا هي عملية تعليم للصغار أو الكبار ، إنما الإنسان يكون عنده أريحية وإستعداد لأن يؤدى ويشترك في خدمات كثيرة أخرى ، ولذلك حاليا في فروع مدارس التربية الكنسية عندما يعمد الأطفال الصغار الفقراء ، نجد البنات يصنعوا ملابس للأطفال الصغار ، وأيضا نجد في مناسبات الأعياد ، الخدام والخادمات يطبخوا في بعض الفروع بعض المأكولات وتوزع هذه المأكولات ، من اللحوم والخضار والفاكهة إلى البيوت الفقيرة ، ويشترك الخدام والخادمات في هذه الخدمة وهكذا . هذا بلا شك أن هذا مجال متسع جداً أن الإنسان يشغل الطاقات الموهوبـة لـه مـن الله في هذه الخدمات ، ولا تـكـون المسألة قاصرة على درس يلقيـه ، ولـكـن مـهـم جـدا الخدمات الأخـرى العملية ، فمثلا نجد البنات يقوموا بعمل لفائف للكنيسة وللمذبح وبعض الستائر ، والأولاد يعملوا صور وإيقونات ، ومن هنا جاءت فكرة المعارض التي تقدمها فصول مدارس التربية الكنسية ، في مناسبة عيد من الأعياد أو في الأجازة الصيفية أو في أي مناسبة أخرى ، هذا النشاط الذي يتقـدم بـه الأولاد والبنات والخدام والخادمات لإسداء خدمات معينة ، وأيضا حصيلة هذه الخدمات العملية تستغل في نشاط في قرى ، أو في الإنفاق على بعض المحتاجين هو المفهـوم العام للخدمة ، فالخدمة ليست هي فقط خدمة التعليم للصغارأو للكبار ، وبإضافة الخدمات الأخرى العملية ، مـن جهـة نجد بعض الخدام والخادمات ليس لهم موهبـة الشرح والدرس والتعليم ، لكن نجد أن لهم مواهب أخرى ممكن أن تستغلها ، فلا نحتقر أمثال هذه الخدمات ، لأن الكنيسة في حاجة إليها وهي تكمـل خدمة التعليم ، ومن الجهة الأخرى أن المسيح له المجد أعطانا ككنيسة أن لا نعلم الناس فقط ، بل ننظر إلى إحتياجات الناس الأخرى المادية والجسدية أو ما إلى ذلك .. ولهذا السبب قال المسيح لتلاميذه " اشفوا مرضى " ، لذلك دخل سر مسحة المرضى من ضمن الأسرار الكنسية ، الذي فيه الكنيسة تهتم بالمرضى المصابين بالأمراض الجسدية المتسببة عن علل نفسية وروحية ، إنما الأمراض الجسدية البحتة أو العضوية البحتة تدخل في إختصاص الطبيب . السيد المسيح لم يكن يعلم الجماهير فقط ، إنما كان ينظر إلى إحتياجات الإنسان كله باعتباره روح وجسد ، فنحن ككنيسة لابد أن نقوم بهذا العمل ، ولابد أن نوزع على الجميع الإختصاصات ، لأنه ليس كل واحد يقدر أن يقـوم بـكـل شيء ، الطبيب عندما يزور مريض ويفحصه ويشخص المرض ويصف الدواء ، وعن هذا الطريق يشفى المريض وتتحسن حالته ، أكيد أن هذه خدمة ، وهكذا قل عن الصيدلي والمعلم والتاجر والمحاسب ورجل الأعمال ، أعمال مختلفة وأنواع متعددة من الخدمات يمكن أن يسديها الإنسان إلى الآخر ، وهذا معنى خادم وخدام ، وهذا تعبير يجب أن لا نخجل منه ، لأن الشخص الذي يؤدى خدمة لآخر هذا شرف له ، هی كلمة كريمة ومحترمة ويجب أن نحيطها بما يليق بها من التقدير ، لأن الإنسان بهذه الخدمة يخرج عن أنانيته ويخرج عن الإثرة إلى الإيثار ، يبذل الجهد العصبي والجهد الجسماني والجهد المادي أو المالي ، أي نوع من البذل يحقـق خيراً ونفعاً إلى إنسان آخرفي حاجة ماسة إلى هذه الخدمة . عظمة هذه الخدمة لاتقاس بالكم بل بحاجة الشخص المخدوم إليها ، وأيضا بمقدار الجهد الذي بذله الخادم ، كلما كان الجهد أكثر وكلما كانت الحاجة أكثر تكون الخدمة أعظم . وأيضا كلما كانت الوسيلة والكيفية التي تؤدى بها هذه الخدمة ، فروح الخادم واسلوبه وهو يخدم غيره . هنا يظهر باطن هذا الخادم ، ولذلك السيد المسيح مدح المرأة التي أعطت فلسين ، فمـن جهة الكم كانت أقل من أعطى ، لكن السيد المسيح مدحها وقال أنها دفعت أكثر من الأغنياء ، نسبة ما أعطت مما تملك ، وكما قال المسيح أنها أعطت كـل معيشتها وكل ما عندها ، هذا إلى جانب ما انطوت عليه نفسيتها من روح إيمانية غير عادية ومحبتها الشديدة لعمل الخير ، وللكنيسة والهيكل وحب الناس الآخرين ، الذي دفعها أن تفضلهم على نفسها ولذلك هناك خدام لا يجيدون الكلام ، وليس لديهم القدرة على أن يعلموا آخرين ، ومع ذلك يعتبرون أمام الله خداماً من أعلى طراز ، لا يتكلمون وإنما يبذلون خدمات عملية قيمتها أمام الله عظيمة جدا . نقول هذا لا تحقيراً لخدمة الكلمة أو خدمة التعليم ، إنما حتى يتواضع الذين يعتبرون أنفسهم خـداماً ولا ينتفخـوا ، ويحترمـوا الخدمات العملية الصامتة الأخرى ويشعروا أن هذه الخدمات تبنى الكنيسة . وهناك خدمات أخرى خفية غير الخدمات العملية مثل خدمة الصلاة التي يسديها إنسان إليك وأنت لا تعلم ، سواء كانوا من الذين على الأرض أو الذين انتقلوا إلى العالم الآخر ، نحن نؤمن أن للصلاة فاعلية وأن للصلاة أثر كبير في مقاومة الشر وفي هزيمة الشيطان ومساعدة الإنسان . وأيضا موجود في الكنيسة خدمة الموائد ، التي تسمى الآن الخدمة الإجتماعية ، والآباء الرسل وجدوا أن هذه الخدمة ستعطلهم عن التبشير ، فأقاموا الشمامسة ليقوموا بهذه الخدمة وهي خدمة التوزيع على الفقراء والمحتاجين ، وتوجد أيضا خدمة الملاجىء ودور الإيواء وخدمة المسنين والعجزة والمستشفيات والأرامل والأيتام وخدمة اللقطاء ، كذلك حل مشاكل الناس المادية والمعنوية والإجتماعية ، كل هذه الخدمات وغيرها الكنيسة مكلفة بالقيام بها ، هذا إلى جانب خدمة إحتياجات الكنيسة من مبانى وتأثيث وقرابين وشمع وبخور ، وأيضا من خدمات الكنيسة المدارس والتعليم ، والأقباط أول من اهتم بالتعليم في مصر ، فهم أول من بنوا المدارس في مصر . وأول من أقام مدرسة للبنات هو البابا كيرلس الرابع ، فخدمة العقل أيضا من ضمن إهتمامات الكنيسة ، وقبـل المدارس اهتمت الكنيسة بإنشاء الكتاتيب الملحقة بالكنائس ، وكان يدرس فيها المعلم أو العريف ، ويسمى الآن المرتل ، وكل هذه الأعمال لها جزاءها الذي لا يقـل عـن خدمـة الـوعظ والتعليم الديني . كـل هـذه خدمات ومنها جميعهـا تـكـون الخدمة المتكاملة ، الكنيسة فعلا أعضاء في جسد واحد ، العين لها عمل ، والأذن لها عمـل ، والظفر له .عمل ، والشعر لـه عمـل ، كل شيء في جسم الإنسان له عمل . كما قال بولس الرسول " بـل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضرورية ، وأعضاء الجسد التي نحسب أنها بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل ، والأعضاء القبيحة فينا لها جمال أفضل ... " ( ۱ کو ۲۲ : ۱۲ - ۳ ) . وجميع من يخدمون ينالوا من الله أجرأ ، جزاء كل فعل أو خدمة أدوها بنية صالحة ، من أجل الله ومن أجل الخير لأخيه الإنسان قيمة الخدمة : تختلف قيمة الخدمة من واحد إلى آخر بحسب نوع الخدمة ، وبحسب الهدف الباطني من الخدمة ، وبحسب ما تؤديه هذه الخدمة من نفع حقيقي ، لشخص أو أشخاص أو مجموعة من البشر ، لنفرض أن موظف في عمل من الأعمال ، فهو في عمله يؤدي خدمة ، لكن هذا الموظف لو أدى عمله ليس بروح الخادم المؤمن بطبيعة العمل وبقيمته ، تكون خدمته مجرد أداء واجب مفروض عليه ، فتصير خدمته خدمة سطحية شكلية ، حقا أنها تسد خانة في المجتمع الإنساني ، لكنها خالية من الجوهر ومن الحياة ، ولو امتد هذا الوضع لأصبح كل إنسان يخدم المجموع البشرى بلا روح وبلا إيمان وبلا مبدأ وبلا قيم ، ولإرتد المجتمع البشرى وسقط من أساسه تستطيع وأنت مكانك أن تؤدى خدمة ، وتبلغ رسالة صارخة عن المسيحية يتمجد فيها الله ، بدون كلام أو وعظ أو تعليم ـ ولكن برسالة صامته ، قد لا يستطيع الكاهن بزيه أن يدخل هذه الأماكن ويؤدى خدمات بها ، فالذي لا يستطيعه الكاهن تستطيعه أنت كعلماني وكمـدنی الرسالة الصامته هي الرسالة التي تتكلم عن نفسها دون ألفاظ ، تعبر عنها بالروح التي تنبعث وتنطلق منك ، كأنها نور أو كهرباء أو مغناطسية تؤثر في المحيط الذي يحيط بك ، ما أضيق نطاق خدمة الكلام ، لكن هناك أبواب أوسع من ذلك ، يستطيع الإنسان أن يعبر بها عما في قلبه ونفسه ، وينقل روح المسيح التي في داخله إلى الآخرين ، نقلا أفضل بالعلامات وبالحركات والسكنات وبالصمت وبالخدمات ، يقدم رسالة المسيح أفضل مما يقدمها بالكلمات ، صارت الكلمات ثقلاً على الأذهان ، ما أبرع بعض الناس في قدرتهم على الكلام ، حتى تحولت ديانتنا إلى لباقة في الألفاظ وإلى خطابة ، ولكـن أيـن هـو الكسب الروحي للآخرين ، إن طريق الخدمة الخاصة هو أقرب الطرق لتوصيل رسالة المسيح . إذا لم يكـن لـك موهبة الخدمة الخاصة فهناك خدمات كثيرة أخرى ، المواهب متعددة ومختلفة كما يقول الرسول بولس ، فكـل عضو في الإنسان له وظيفة لا يستغنى عنها الجسم ، مهما كنت تـرى فـيـه أنـه عضو حقير ، فظفر الإنسان له وظيفة كبيرة وقيمة لا يستغنى عنه الجسم .. تستطيع أن تكتشف موهبتك الأولية وهنا تضع نفسك في الوضع الصحيح ، وتخدم الخدمة المثمرة حسب موهبتك . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
23 فبراير 2020

بمناسبة أحد الرفاع وبدء الصوم الكبير

بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين يُعرف هذا الأحد المبارك بأحد الرفاع، وكلمة الرفاع يُقصد بها أن يرفع الطعام الإفطارى أو الطعام الدسم، يُرفع فى هذا اليوم ليبدأ الصوم المعروف بالصوم الكبيروالصوم الكبير يُسمى بالصوم الكبير، ليس فقط لطوله وإنما لأهميته، لأنه هو ذاته صوم ربنا يسوع المسيح، ونحن نصوم من بعده وقياساً عليه، لأنه إذا كان هو قد صام وهو فى غير حاجة إلى الصوم، فمن باب أولى ومن الأحرى أن نصوم نحن لنستغفر الله ونطلب رحمته، والصوم عبادة. " اعبدوا الرب بخشية (بخوف)" (مز2: 11)، هذا هو المزمور الذى سبق الإنجيل " اعبدو الرب بخشية، واهتفوا له برعدة " فنـحن علاقتنا بالله علاقة العبد بالسيد، فنحن بالعبادة نربط أنفسنا ونتواصل مع الله، هذا التواصل هو إقرار بعبوديتنا له، هذا هو معنى العبودية ومنه التعبد بتقديم الصلوات والأصوام وأعمال الرحمة التى نقدمها برهانا لعبوديتنا لجلاله وإقراراً بأنه سيدنا ونحن عبيده، نقدم له صلواتنا وأصوامنا، خصوصاً وأن هذا الصوم وغيره من الأصوام العامة فى كنيستنا أصبحت أصواما تذهب وتجىء كل عام من هنا أصبحت أصواماً تعبدية، كنيستنا كنيسة تعبدية تقسم فترات السنة على مواسم، فبعض أيام السنة إفطار وبعضها أصوام، نصوم ثم نفطر ثم نصوم ثم نفطر وهكذا كل أيام السنة، والسبب فى هذا الإختلاف لأن الإنسان بطبيعته يميل إلى التغيير حتى لا يقع الإنسان تحت فعل الحياة النمطية التى تكون على وتيرة واحدة، فكنيستنا ترتب أيام السنة ترتيبا فيه تغيير، لأن التغيير فيه لفت للنظر وفيه تحويل للفكر وفيه تنبيه للإنسان، أما الحياة النمطية التى تسير على وتيرة واحدة فهذه حياة مؤداها إلى الفتور. لكن لكى يبقى الإحساس بالفارق موجوداً رأت الكنيسة أن تنظم أيام السنة على فترات تختلف فى الصوم والإفطار قلنا أن الصوم الكبير يُسَمى بالكبير ليس فقط لطوله وإنما لأهميته ، وكذلك هو من الأصوام التى تُسمى بأصوام الدرجة الأولى، وهى الأصوام التى حُدت بقانون، فكـل مسيحى مفروض أن يصوم هذه الأصوام، وهى لازمة وضرورية لكى يكون حقاً مسيحياً ومسيحياً متعبداً فهذه الأصوام الثلاثة هى الأربعين المقدسة، وأسبوع الآلام، والأربعاء والجمعة، حدها القانون الرسولى " مَن لا يصوم الأربعين المقدسة وأسبوع الآلام والأربعــاء والجمعة إن كان كاهناً يُقطع، وإن كان علمانياً يُفرز ". وذلك لأهميتها وهى تسمى أصوام المرتبة الأولى، إن على كل مسيحى هذا الواجب الذى لايصح أن يفلت منه إلاّ إذا كان مريضاً ويجرى مجرى هذه الأصوام الثلاثة فى الأهمية صوم البرمون، وهو اليوم السابق على عيد الميلاد مباشرة واليوم السابق على عيد الغطاس مباشرة، كلمة برمون معناها استعداد فوق العادة. وكذلك الصوم المعروف بصوم يونان نظراً للعلاقة والرباط بين هذا الصوم، وبين رب المجد يسوع المسيح حينما كان فى باطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال. ولذلك يسمى يوم الإفطار فصح يونان. وهذا هو التعبير الوحيد الذى يستخدم فيه كلمة فصح، فى إفطار صوم يونان، هذا نظراً للعلاقة الرمزية بين يونان الذى كان فى باطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، وبين رب المجد يسوع المسيح. الصوم الكبير يتألف فى الواقع من ثلاثة أصوام : 1- الأسبوع الأول يسمى مقدمة الصوم الكبير. 2- وبعد الأسبوع الأول مباشرة تبدأ الأربعون المقدسة. وفى نهاية الأربعين المقدسة نختم هذا الصوم بيوم الجمعة المعروف بجمعة ختام الصوم . 3- بعد ذلك يبدأ اسبوع الآلام . إن اسبوع الآلام فى الواقع اسبوع صوم مستقل بذاته، لأن سيدنا لم يتألم بعد أن صام مباشرة، إنما الكنيسة فى ترتيبها الحكيم رأت أن يُحتفل باسبوع الآلام بأن يصام صوماً نسكياً، ولكى يصام صوماً نسكياً جعلت الأربعين المقدسة مقدمة لأسبوع الآلام، حتى يكون الإنسان فى نهاية الصوم الأربعينى فى حالة من الزهد والنسك والروحانية تسمح له أن يدخل بورع وتقوى فى اسبوع الآلام. الـ 47 يوم الأولى تعتبرها الكنيسة مقدمة لأسبوع الآلام كما نعتبر الأسبوع الأول مقدمة للأربعين المقدسة وفرضت قوانين الكنيسة احتراما لهذا الصوم، وللإستفادة منه أن يصام إلــى الغروب وخصوصا للشباب، ممكن يُعفى من هذا الصوم الإنقطاعى الطويل المرضى والشيوخ والنساء الحوامل والنساء المرضعات والأطفال الصغار. إنما الشباب مدعوون إلى أن يصوموا الصوم الكبير إنقطاعيا إلى الغروب وبعد ذلك يأكل طعاماً نباتياً وعن هذا الطريق تكون الاستفادة الحقيقية من الصوم، ومن غير ذلك لا تكون الإستفادة كاملة أو تامة من الصوم، فإذا كان الإنسان لا يصوم إنقطاعياً فصومه ليس كاملاً ولا منطقياً، لأن الصوم يقتضى الإنقطاع عن الطعام، فإذا أفطر الإنسان فى الصباح فكيف يُعّد صائما، لابد أن ينقطع عن الطعام فترة مناسبة، وكما قلنا احتراماً لهذا الصوم وتوقيراً له رأت الكنيسة أن تربط هذا الصوم بقانون، أن القادرين وخصوصا من الشباب يصومونه إلى الغروب، أما الشيوخ والأطفال والمرضى والنساء الحوامل والنساء المرضعات والأطفال يعفون من هذا الصوم الإنقطاعى الطويل، وإن كانوا لا يعفون من الطعام النباتى. الأسبوع الأول نسميه مقدمة الصوم الكبير، السبب الأساسى فى هذه المقدمة هو ذات الاحترام والتقديس الذى للأربعين المقدسة التى صامها الرب يسوع. فمن منطلق هذا التقديس والاحترام والتوقير ندخل إلى الصوم بعد فترة معينة، نكون قد أعددنا أنفسنا لها، ولما كان هذا الصوم ينبغى أن يكون نسكياً فنبدأ بمقدمة، ففى الأسبوع الأول ممكن أن يصوم الإنسان إلى الثالثة أو إلى ما قبل ذلك، إذا لم يكن قادراً، حتى إذا دخل إلى الأربعين المقدسة يصوم إلى الغروب مثل أى حركة طبيعية فى الدنيا لابد أن تبدأ بطيئة، وئيدة، قطار السكة الحديد لا يمكن أن يبدأ بسرعة حينما يقوم، فهو لا يبدأ بسرعة 80 كيلو مثلا، إنما يبدأ بحركة وئيدة إلى أن تتمكن المحركات أن تسير بالسرعة الكبيرة المطلوبة. لازال السبت له كرامته:- فنحن تقديساً لهذا الصوم نبدأ بهذه المقدمة، وفى نفس الوقت هى تعويض عن أيام السبوت التى لا تصام إنقطاعياً، فى ترتيب كنيستنا أن يوم السبت لايصام إنقطاعيا، لأن يوم السبت عيد الشريعة القديمة، والكنيسة المسيحية لم تلغ احترام السبت، وهذه نقطة مهمة فيها رد على إخوتنا الذين يسموا أنفسهم بالسبتيين، نحن لم نبدل السبت بالأحد، هذا التعبير غير أرثوذكسى، لم يحدث أبداً أننا استبدلنا السبت بالأحد، إنمــا لازال السبت له كرامته، لكن مجد الأحد غطى على مجد السبت. كلمة أبدلنا السبت بالأحد، هذا ليس تعبيرنا لم يحدث فى الكنيسة الأرثوذكسية أن أبدلنا السبت بالأحـد، لازال يوم السبت مكرماً فى الكنيسة الأرثوذكسية: أولاً: لأن هذا اليوم لايصام فيه إنقطاعيا. إحتراما لأن السبت عيد ولازال عيداً فى الكنيسة الأرثوذكسية. ثانيا: فى الألحان يعامل يوم السبت معاملة الأعياد، ويعامل معاملة الأحد تماما، مما يدل على أن يوم السبت فى المسيحية الأرثوذكسية له كرامته بإعتباره عيداً. ثالثا: أنه تُمنع فيه الميطانيات مثل يوم الأحد، الميطانيات معناها الصلوات الراكعة، حتى بالنسبة إلى الرهبان، تمنع الميطانيات يوم السبت مثل يوم الأحد، وتُمنع فيه الصلاة الراكعة كما قال الكتاب المقدس عن بولس الرسول يقول " جثونا على ركبنا وصلينا "، هذا الجثو يعفى المسيحيون منه يوم السبت ويوم الأحد وكذلك أيام الخماسين المقدسة، تكريماً لها وكذلك لفتا للنظر ولتحريك القلب إلى الشعور، بأنه يجب أن تكون رؤوسنا مرفوعة وقائمة وليست مذلة لأن الرب قد صنع خلاصه معنا إذن لهذه النقط الثلاثة يوم السبت له كرامته فى الكنيسة الأرثوذكسية، فيعامل معاملة الأحد من حيث أنه لايصام إنقطاعيا، وكذلك فى الألحان وعدم الصلاة الراكعة أو الميطانيات إنما مجد يوم الأحد غطى على مجد يوم السبت، فهنا لا يوجد إبدال، وأنا أضرب مثل لهذا، عندما تشرق الشمس ننظر فى السماء فلا نجد النجوم، هل النجوم انعدم وجودها، لا.. طبعا فى النهار لاتزال النجوم موجودة، بدليل أنه إذا حدث كسوف للشمس تظهر النجوم، إذن النجوم كانت موجودة ولاتزال موجودة، إنما حينما تكون الشمس ساطعة، بهاء الشمس يغطى على بهاء النجوم، فالنجوم لاتظهر لكن ليس معنى ذلك أنها غير موجودة. فنحن لم نلغ السبت، وإنما مجد يوم الأحد لأن فيه قام المسيح من بين الأموات وصنع الخليقة الجديدة، فمجد الخليقة الجديدة ومجد العمل العظيم الذى صنعه المسيح بمجده وقيامته فاق مجد الخليقة الأولى، فمجد يوم الأحد غطى على يوم السبت. والسيد المسيح قال " لاتظنوا أنى أتيت لأنقض الشريعة والأنبياء، ماجئت لأنقض بل لأتمم "فنظرتنا فى المسيحية إلى أمور العهد الجديد إنما هى تتميم للقديم، فحتى فى مسألة يوم السبت لازال يوم السبت له كرامته، ولازال عيداً فى الكنيسة المسيحية، وأقدم المصادر المسيحية تشير إلى أن القداس كان يُحتفل به فى بدء المسيحية فى يومى السبت والأحد، فإقامة قداس يوم الأربعاء والجمعة هذه جاءت متأخرة فى الزمن، إنما فى بدء المسيحية كان الإحتفال بالقداس يوم الأحد ويوم السبت. وهذا تكريم آخر ليوم السبت وهو عيد الشريعة القديمة، فلا زالت له فى العهد الجديد كرامته. ففى الأربعين المقدسة فيه خمسة سبوت، فهذه يعوض عنها بخمسة أيام، الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ومع إضافة السبت والأحد يكون أسبوع المهم أن هذا هو الأسبوع الأول المعروف بمقدمة الصوم الكبير، الذى كما قلنا أنه تمهيداً للدخول فى الصوم نسكياً، الأمر الثانى أنه تعويض عن خمسة أيام السبوت التى لا تصام إنقطاعياً ثم بعد ذلك الأربعين المقدسة مباشرة، أنا أقول هذا الكلام أيضا تصحيحاً لبعض أولادنا الأقباط، الذين يصوموا الأربعين المقدسة، ويفطرون الـ 15يوم الأولى، ويقولوا نبدأ من الأربعين المقدسة، هذا خطأ، الأربعين المقدسة تبدأ بعد اسبوع واحد من الصوم، لأن الأسبوع الأخير هو اسبوع الآلام وهو صوم منفصل عـن الأربعين المقدسة نقول كما قال المزمور" اعبدوا الرب بخشية واهتفوا له برعدة "، اختارت الكنيسة هذا المزمور لتؤكد أننا فى حاجة إلى من يلفت نظرنا إلى أهمية العبادة فى حياتنا الدينية، نحن عبيد والرب هو سيدنا، فعلامة خضوعنا وتقديرنا واحترامنا وإجلالنا لخالقنا وسيدنا أن نعبده العبادة، عبد يعبد بمعنى خدم يخدم، وخدم بأن جعل نفسه عبداً لسيد وهذا السيد هو الله. فعلامة إعترافنا وإقرارنا بالله وبسيادته علينا أن نعترف له بعبوديتنا، فنحن عبيده وهو سيدنا، ومن هنا جاءت العبادة كمراسم يعبر بها الإنسان عن تعبده لله، والعبادة مراسم فيها روح وفيها شكل، روح وشكل، الإثنين معا لأننا روح وجسد، الإنسان يتألف من روح ومن جسد، فالعبادة فيها روح وفيها شكل، فيها جوهر وفيها مظهر، القلب يخضع ويخشع ويخنع ويتعبد ويقر ويتواضع وينسحق، والجسد أيضا لإرتباطه بالروح يعبر عما تنفعل به الروح، فالروح التى تخشع، يخشع معها الجسد، ومن هنا كان إنحناء الإنسان أو ركوعه أو سجوده تعبير عما ينطوى عليه ضميره وقلبه من خضوع وخشوع وورع وانسحاق أمام العزة الإلهية هذه العبادة تقوم على أركان ثلاثة: هى التى شملها كلام المسيح فى عظته على الجبل وفى هذا الفصل الذى تلى علينا فى هذا الصباح : الرحمة - الصدقة – الصوم والجميل أن يسوع المسيح ربنا لم يبدأ لا بالصلاة ولا بالصوم، إنما بدأ بالكلام عن الصدقة أو الرحمة. وهذه عظمة الشريعة المسيحية وعمق نظرة الله إلينا، ولفت لنظرنا أنه قبل أن يطالبنا بالصلاة أو الصوم يطالبنا بالرحمة، فالرحمة أفضل من الذبيحة عند الله، الرحمة للفقراء والمساكين، والشىء الذى يبدو لنا غريباً حسب النظرة الإنسانية أنه فى يوم الحساب وفى يوم الدينونة لن يسألنا لا عن الصلاة ولا عن الصوم أبدا، إنما يقول للذين عن يمينه "تعالوا أيها المباركون من أبى رثوا الملكوت المعد لكم قبل إنشاء العالم لأنى كنت جائعا فأطعمتمونى، عطشاناً فسقيتمونى، عرياناً فكسوتمونى غريباً ومحبوساً فأتيتم إلىّ " لا يوجد كلام آخر لا عن الصوم ولا عن الصلاة، كل الحساب قائم على أساس الرحمة، وهذا يؤكد تماما أن الله يريد الرحمة قبل أن يريد الذبيحة، إن عبادة الإنسان لها واجب على الإنسان لكن الله لا يطلبها، لو كنت إنسان عظيم ومرتفع النفسية وتعمل الخير لا تتطلب من الشخص أن يشكرك، هو من واجبه أن يشكرك، لكن لأنك خَيّر تعمل الخير لأجل الخير فى ذاته، فالله لو أنه يطلب منا الصلاة والصوم كفريضة ويحاسبنا عليها يكون الله خلقنا لغرض يعود عليه هو، وفى هذه الحالة يكون الله أنانياً، وهذا ما نسمعه أحيانا فى بعض الناس، يقول: ربنا خلقنا لكى يعذبنا !! هذا المفهوم خاطىء، الله خلقنا لخير يعود علينا نحن وليس عليه هو، الله كان فى غنى عنا، لكن لماذا خلقنا؟ خلقنا لخير يعود على الإنسان لأن الله فى سعـادة لا تستقصى، فأراد أن يشرك معه كائنات غير موجودة، يوجدها لكى تشترك معه فى هذه السعادة التى لا تستقصى، إذن الوجود خير من العدم، لماذا ننظر هذه النظرة البائسة الشقية أن الله خلقنا لكى نشقى، لا.. بل خلقنا لكى نسعد، والله لأنه السعيد الأعظم وسعادته لا تستقصى، خلقنا لنشترك معه فى سعادته التى لا تستقصى. اضرب لك مثل بسيط، عندما يكون إنسان غنى جدا وليس عنده أولاد يكون حزين لأنه ليس له ابن يتمتع بهذا الخير العظيم، لكن لو كان له ابن يكون له فرح لأنه اطمئن إلى أن هذا الغنى والإرث الذى له، له ابن يأخذه بدلا من أن يتدمر هذا الخير عندما يكون الإنسان سعيد أو عنده فرح، نراه يدعو الأصدقاء والجيران ليشتركوا معه فى هذا الفرح، لأن هذا يزيد فرحه على الرغم من التكاليف التى يتحملها. لماذا خلقنا الله ؟ جاءنا هذا الإحساس الخَيّر من الله، لأن الله هو خالقنا، والله فيه صفة الخيرية وصفة الجودة التى تجعله يفرح بأن يخلق كائنات لكى تشترك معه فى سعادته التى لا تستقصى، وهذا معنى أن الله جعل لذته فى بنى آدم عندما قال الملاك: " المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة "، بالناس المسرة أى بالناس مسرته؟ الله مسرور بخليقته، فرحان بخليقته، وبالنـاس مسرته، يعنى لذته فى بنى آدم، يفرح بهم إذن الله عندما خلقنا لم يخلقنا لكى يعذبنا كما يقول بعض الناس حاشا .. إنما لأن الله هو الخير الأعظم، كما يقول بعض الفلاسفة: فلأنه الخير الأعظم فمن خيريته وجودته محبته للبشر، لذلك نحن فى الصلوات نقول يامحب البشر، فالله يحب البشر قبل أن يخلقنا، ولأنه كان يتمتع بسعادة لا تستقصى لذلك خلقنا لنتنعم نحن بها ومعه. توجد كلمة جميلة يقولها يوحنا الرسول: " نحن الآن أولاد الله "، طبعا بالتبنى وبالفضل، نحن الآن أولاد الله بالمعمودية، أعطاهم الحق أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنين باسمه " نحن الآن أولاد الله ولم يتبين بعد ماذا سنكون !! " ياإلهى، ما هذا الجمال كله، لم يتبين بعد ماذا سنكون، هنا فتح أمامنا طريق الترقى، نحن اليوم فى درجة أولاد الله لكن أمامنا طريق مفتوح إلى فوق، طريق صاعد، قال: " كونوا كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل " نقطة البداءة أننا أولاد الله " لم يتبين بعد ماذا سنكون، غير أننا سنصير مثله " لأننا سنراه كما هو، سنراه كما هو فى حقيقته، فى طبيعته، ندخل إليه وإلى طبيعته دخولا، هو الله والإنسان خُلق ليكون إلهاً. كما يقول القديس اكليمنضس الاسكندرى، نحن خُلقنا لنكون آلهة، طبعا تحت قيادة الإله الأكبر العظيم، هذا هو الشرف الذى نحن فيه، لم نُخلَق لكى نشقى كما قال بعض الناس، لا.. نحن خُلقنا لكى نكون عائلة الله ، الله هو رب الأسرة، رب العائلة ، ونحن عائلة بيت الله ، هذا تعبير الكتاب المقدس، عائلة بيت الله، " لا أعود بعد أسميـكم عبيداً "، انظر الجمال لا أعود بعد، حتى كلمة عبيدك، هى أمر طبيعى لأننا عبيدك يارب، لكن الجمال أنه لا يريد أن نكون عبيد أو فى مرتبة العبيد، نحن نقول عبيد، وبولس الرسول يقول: عبد يسوع المسيح وأسيره، لكن المسيح له نظرة أخرى، نظرة ترفعنا إلى فوق، لا أعود أسميكم بعد عبيد إنما أحباء، لأنى أعلمتكم بكل ما سمعته من أبى. هنا يدخلنا إلى المعرفة، يدخلنا إلى فوق، يدخلنا إلى المكاشفات الروحانية التى ترفع مكانتنا من مكانة العبيد إلى أسرة بيت الله هنا العبادة تتألف من الرحمة أولا ثم بعد ذلك يتكلم عن الصلاة ويتكلم عن الصوم، والشىء الغريب أنه لم يقل صلوا، ولا مرة تجد المسيح يقول صلوا، أبداً، ولا يقول صوموا أبداً، ممكن تجد هذا الكلام من الرسل أو من نبى من الأنبياء، إنما الله لم يحدث أن قال صلوا أو صوموا، لأن هذا واجبنا نحن، هذه هى واسطتنا لكى نترقى إلى فوق، العبادة ليس المقصود بها أننا نثبت فقط أننا عبيد لخالقنا، وأن هذا برهان على عبادتنا، نظرة الله إلينا على أن الصلاة والصوم هذا واجبنا نحن، علينا أن نشكر الله، هو صنع معنا الخير ولا يتطلب حتى الشكر، لكن نحن علينا أن نشكر، هذا واجبنا، كذلك السيد المسيح لا يقول أن تصلى أو تصوم، أبدا، هذا واجبك، واجـب التعبد. أنت الذى تقدر فضل من يحسن إليك، ولذلك هو يقول متى صليتم، متى صمتم، لم يقل صلوا ولم يقل صوموا، واجبى أنا كإنسان يثبت أنه كريم وأنه يقدر فضل من أحسن إليه. سوء الفهم للصوم: أريد أن أنبه الناس التى ترى أن أولادها فى المدارس ويخافوا عليهم من الصوم، هذه نظرية خاطئة مبنية على سوء فهم للصوم، الإنسان الذى يتصور أن ابنه أو ابنته عندما يأكل طعام نباتى يضعف وخصوصا وهو يذاكر، هذا الكلام غير سليم، الثور الذى هو رمز القوة، ماذا يأكل؟ يأكل النبات فقط، النبات هو غذاء الإنسان فى حياته الأولى، الإنسان أصله نباتى، الفيل أقوى الحيوانات، الفيل لو أمسك الأسد بزلومته يقطمه، الفيل يضرب الشجرة برجله فتميل، الفيل يأكل النباتات. القرد الذى قوته عشرة أمثال قوة الرجل وعشرين مرة مثل المرأة، يأكل النباتات وجوز الهند إذن الأكل النباتى لا يضعف، كذلك الأكل النباتى يساعد على صفاء الذهن وهذه مهمة للأولاد والبنات الذين يدرسوا، بل أكثر من هذا أن الإنسان الذى يعيش نباتى لا تهاجمه الشيخوخة العقلية أو ما يسموه تصلب شرايين المخ، وهذه مسألة معروفة لذلك تجد من يسموهم النباتيين، الذين يعيشون طول أيام حياتهم يأكلوا نباتات ولا يسمحوا لأنفسهم أن يأكلوا اللحوم لأسباب صحية ولأسباب ذهنية، وليس لأسباب دينية وإنما لأسباب صحية، يوجد أديب ايرلندى كتب كتاب اسمه العودة إلى متوشالح، متوشالح عاش 960 سنة أطول إنسان عمراً، فيقول لو عاد الإنسان نباتيا طول أيام حياته لأصبح أطول عمراً، وأكثر صحة، وأكثر صفاءا ذهنياً، وهناك الرياضى العظيم فيثاغوراس كان نباتى أيضا، وهناك من العلماء والفلاسفة والمفكرين الذين يروا أن الحياة النباتية حياة أنسب للذهن وأيضا لصحة الإنسان، فلا تهاجمه الأمراض. الفيل يعيش أحيانا 300 سنة والأسد يعيش30 سنة والعشر سنين الأخيرة يكون فيها ضعيف أيضا هناك شىء مهم من الناحية الأخلاقية، النباتات تساعد على الدم الهادىء وعلى الأخلاقيات الطيبة، وأكل اللحوم يساعد على التوحش وعلى إثارة الغرائز ولهذا السبب الكنيسة المسيحية التى أباحت أكل اللحوم منعت أكل الدم والمخنوق؟ لأنه يثير الغرائز، الحيوانات آكلات النبات تجدها هادئة، الحيوانات آكلات اللحوم هى المتوحشة، الأطفال الصغار يركبون الفيل ويلعبون عليه ولا يشعروا بأى خطر لماذا ؟ لأنه من آكلات النبات، بينما كلب صغير كل الناس تخاف منه، حتى الرجل الكبير يخاف منه لماذا؟ لأنه من آكلات اللحوم. فالطبع يتأثر بالأكل وهى نظرية معروفة علمياً، فالحيوانات آكلات اللحوم دائما متوحشة، تعالوا معى إلى الطيور وإلى الدواجن والفراخ والبط والوز والحمام والعصافير، كل هذه هادئة لأنها من آكلات النبات أو الحبوب، بينما النسر والصقر وما إليها لأنها من آكلات اللحوم فيسموها الطيور الجوارح، ممكن نسر يخطف طفل يأكله، فهنا نظرية أخلاقية أن النبات يساعد على هدوء الطبع وعلى التحكم فى الغرائز، بينما اللحوم وما إليها تعمل على الإثارة، لذلك لو سيدة أخطأت وأعطت الفراخ مصارين فرخة ذبحتها تتوحش الفراخ، تأكل فى بعضها الخلاصة ياأولادنا أريد أن أقول أننا نخطىء عندما نلقن أولادنا وبناتنا خصوصا الذين فى المدارس أن الأكل الصيامى يُضعف أفلاطون فيلسوف وثنى غير مسيحى قبل المسيحية وقبل التجسد يقول " المدينة الصحية التى يأكل أهلها حبوباً وبقولاً وفواكه ولا يأكلون لحماً قط "، نريد أن نغير الأفكار التى فى أذهاننا، فلو صمنا فالصوم يفيدنا روحياً ويفيدنا صحياً ويفيدنا ذهنياً ويفيدنا أخلاقياً. ونعمة الرب تشملنا جميعا وله الإكرام إلى الأبد آمين . ‬ نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا غريغوريوس اسقف البحث العلمى
المزيد
10 سبتمبر 2019

نظرة القديسين إلى الاستشهاد

إكرام القديسين والشهداء في المسيحية إننا حين نكرم القديسين لا نكرمهم في ذواتهم، ولكننا نكرم الفضيلة فيهم، إننا نكرمهم لا من أجلهم ولكن من أجل اسم المسيح الذي بذلوا حياتهم من أجله، فإن كان مارمينا وإن كان غيره من القديسين المبرزين فليسوا في ذواتهم شيء إلا أنهم خدام لسيد السادات. إنهم لا يصنعون شيء لأجل نفوسهم وإنما عاشوا حياة فيه ضنك كثير وفيه تعب وإرهاق، دخلوا من الباب الضيق واحتملوا آلام كثيرة واضطهادات متنوعة وتركوا الطريق السهل، طريق الكرامة والمجد، أخلوا أنفسهم من بهاء الحياة ومن زخرفه، طرحوا جانب كرامة العالم والألقاب والمناصب وقنعوا بالمسيح وحده، فكان نصيبهم نصيب المسيح علي الأرض. "إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم"، اضطهدوا المسيح وعاش في الأرض مضطهدا، ظلم وحكم عليه ظلم وهكذا كل الذين يختارون طريق المسيح يضعون في قلوبهم أنهم لا يتوقعون مجدا من العالم، حتى المناصب يتركونها ويطرحونها أرضا، وكل الإغراءات وكل المزايا التي تعرض عليهم لكي ينكروا اسم المسيح يحتقرونها ويضعونها جانبا، بل يدوسونها بأقدامهم من أجل اسم سيدهم. اسمعوا بولس الرسول يقول تبكون وتكسرون قلبي إني مستعد ليس فقط أن أربط من أجل المسيح ولكن أن أموت من أجله، إن نفسي ليست ثمينة عندي، حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي قبلتها من الرب يسوع نفسي ليست ثمينة عندي، هؤلاء هم الذين وضعوا رؤوسهم علي كف أيديهم، من أجل الحق الذي خدموه ولول أنهم يؤمنون بالله ويؤمنون بالحياة الأخرى، لما كانت تكون عندهم الشجاعة التي يقومون بها علي احتقار أباطيل العالم. وعلي طرح المزايا والمناصب المعروضة عليهم، وعلي احتمال الآلام والاضطهادات والضيقات التي يتوعدونهم بها. إن عيونهم كانت شاخصة وقلوبهم متطلعة إلي الله الذي يرونه بقلوبهم ويحسبونه في حياتهم وفي حياة العالم، وكما قال الرسول بولس إني عالم بمن آمنت، وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلي ذلك اليوم عالم بمن آمنت، سمح لنفسه بان يعترف بهذا الأمر، بأنه عالم، ليس هذا غرور بالعلم، وإنما نتيجة خبرته ونتيجة علاقته الوطيدة الوثيقة بيسوع المسيح، وإيمانه اليقيني بالله يسوع المسيح وبقدرته و بلاهوته وبجلاله ومجده وأنه سيد الكون وحافظه، ليس إيمانه ضعيف ولا رخيص ولا عن جهل ولا عن غباوة، أن عالم بمن آمنت وموقن، موقن وهذه أعلي درجات المعرفة أن يصل الإنسان إلي الإيقان، إلي الثقة التي ليست بعدها ثقة، أن موقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلي ذلك اليوم. سبب الاستشهاد في المسيحية إذن الذين وضعوا نفوسهم من أجل اسم المسيح، الذين استشهدوا في زمن الضيقة لم يستشهدوا يأسا من الحياة، لم يستشهدوا تحت ضرورة وإنما استشهدوا لأنهم يعلمون علم اليقين من يستشهدون من أجله، وأنه يستحق أن يستشهد الإنسان من أجله، استشهدوا لا عن يأس ولا عن ضيق ولا عن محبة في الموت ويأس من الحياة حاشا، لأن الذي عرف الله يحب الحياة، ولا يكرهه، لأن المسيح كم قال في الإنجيل: أن أتيت لتكون لكم حياة ولكي يكون لكم أفضل، أنا أتيت لكي تكون لكم حياة ولكي تكون لكم هذه الحياة أفضل، الذين عرفوا الله يعيشون في الدنيا في سعادة روحية، وفي سلام مع أنفسهم ومع الآخرين، ولا يتمنون الموت يأس من الحياة ومن ضيقه، إنما إذ تمنوا الموت فإنما طمعا لحياة أفضل، لكن المؤمنون لا يضيقون بالحياة الدنيا، ولا يشعرون أبدا بأن هذه الحياة لا تستحق أن يحيا الإنسان من أجله، إن الذي يحب الله لابد أن يحب الكون ويحب الحياة أيضا، ولكنه من أجل المسيح يستغني عن هذه الحياة في سبيل المسيح وفي سبيل كلمته. فالمسيحي الحقيقي يقول ما قاله الرسول: إن نفسي ليست ثمينة عندي، حتى أتمم بفرح سعيي: أتمم بفرح لا بضيق ولا بألم ولا علي الرغم مني، إنما أتمم بفرح سعيي، فأنا في الحياة أقوم بواجبي بفرح، في الحياة الحاضرة أحيا في الدنيا فرحا بالرب افرحوا في الرب كل حين نقول هذا الكلام لماذا؟ لأن هناك بعض الناس من غير المسيحيين عندما يقرأون عن الشهداء يقولون أنهم كانوا متضايقين من الدنيا ومتعبون وكانوا ينتحرون، هذا تأويل بعض الكتاب، وبعض من غير المسيحيين لحركة الاضطهاد والاستشهاد المسيحي، يرون أن الاستشهاد نوع من أنواع الانتحار!! نقول لا..لا.. إن المسيحيين الذين استشهدوا لم يستشهدوا بصدد ضيقهم من الحياة ولا يأسا من الحياة، لأن المسيحي الحقيقي يعيش في الدنيا سعيدا بعلاقته بالله، لأن الدين يدخل إلي قلبه السعادة ويدخل إلي قلبه الفرح، وإذا كان هناك مسيحي لا يعيش سعيدا نفسيا في الدنيا ففي الواقع أنه لم يستفد من الدين شيئًا يوحنا ذهبي الفم عندما أرادوا أن ينفوه إلي خارج حدود إيبارشيته قال لهم: أين تذهبوا بي؟ إلي أي مكان أذهب؟ قالوا: إلي بلد بعيد وبعيد جد، إلي مكان قاحل، قال: لا يهمني، أنا أسأل سؤالا: هل هناك الله؟ قالوا له: الله موجود في كل مكان، قال إذن كل مكان بالنسبة لي سواء، أنا سعيد بربي في هذا المكان وسعيد به في أي مكان آخر، هذا لا يزعجني هذا لا يقلقني ما دام الله معي، ومادمت أنا مع الله فأنا سعيد ولا يعنيني المكان الذي أكون فيه. هذه هي نظرة القديسين إلي الاستشهاد هذه روح الإنسان المسيحي الذي يعيش في الدنيا غير متبرم ولا متضايق ولا يائس ولا يتمني الموت من أجل الخلاص من الحياة الضيقة، ولكنه يعيش في حياته يحس أن الحياة تستحق أن يعيش الإنسان من أجله، لأنه يحيا في الدنيا ليستعد إلي حياة أخري له هدف في حياته، وله أمل، والأمل واضح والهدف واضح وهو لا يتخلف عن هذا الهدف الواضح. إذن الشهداء حينما استشهدوا لم يكن استشهادهم عن ضيق في الحياة ولا عن تبرم، ولا عن رغبة حقيقية في الموت في ذاته ليتخلصوا من الحياة، كما يحدث للإنسان المنتحر، حاش، إن نفسه ثمينة ومن أجل أن نفسه ثمينة يسع لخلاص نفسه ولكنه إذا رأي أن خلاصه يقتضي أن يقدم حياته من أجل المسيح لا يتأخر نفسي ليست ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي قبلتها من الرب يسوع نفسه ثمينة في ذاته، ومن أجلها يسعي لكي يخلص به، ولكن ليست ثمينة بإزاء رسالته وبإزاء الهدف الذي يحيا المسيحي من أجله في هذه الحياة متطلعا إلي الأبدية متطلعا إلي الآخرة متطلعا إلي جعالة الله العلي، أنا موقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلي ذلك اليوم ولذلك فإن مارمينا وغيره من الشهداء كانوا يعذبون في أجسادهم تحرق أجسادهم، تقطع أعضاؤهم والناس من حولهم يتعجبون لأنهم لا يرون علي وجوه هؤلاء الشهداء علامة ضيق أو ألم، لدرجة أن نيرون مرة قال: تبا لهؤلاء الأوغال، كيف يقابلون الموت بالابتسامة؟!! كان الأمر بالنسبة له عجبا كيف يقابل المسيحيون الشهداء الموت بابتسامة، لم يعرف نيرون، ولا يعرف أهل العالم السعادة التي يعيش فيها السعداء والشهداء في بواطنهم، في اللحظة التي تقع عليهم الضربات والإهانات والشتائم، هناك لذة روحية، لذة عقلية، هناك شخوص إلي السماء ينسيهم الآلام التي من حولهم، ويخفف عنهم لأن عقولهم مركزة في السماء، لأن قلوبهم مرتفعة إلي فوق، لأنهم في عالم الروح لا يشعرون أهم في الجسد أم خارج الجسد أحد الشهداء حينما قيدوه بالسلاسل انحني يقبل السلاسل، وهذا يريكم نظرة الشهداء إلي الاستشهاد نظرة سعيدة، يقبل السلاسل التي يقيد بها كأنها قطع من ذهب توضع في معصميه أو توضع في رجليه، لا ينظر إليها علي أنها قيود وسلاسل، إنما يتطلع إليها علي أنها بركة أنعم بها عليه حتى يكون للمسيح شهيد، وحتى يترتب علي إيمانه وصبره واستشهاده إيمان الكثيرين من الآخرين المحيطين به، وبهذا يكون كارزًا باسم سيده، كارزًا بصمته كارزًا باحتماله وصبره وآلامه. كيف يبرز الرب إيمان الشهداء؟!! يمجدون بفضيلتهم في الأرض والسماء هذه نظرة القديسين إلي الاستشهاد، وهنا واحد يسأل ويقول: ولماذا يتركهم الله؟ كلما نري ضيقا في المجتمع كلما نري ضيقا في الكنيسة نقول لماذا الله يسمح بذلك؟ لماذا الله يترك الاضطهاد يقع علي الكنيسة؟ لماذا؟ هذا سؤال كثيرا ما نسأله، وكثيرا ما نسمع الشعب يردده، الله لم يترك، إنما هذا الترك إلي حين، ليري الله ماذا يصنع الثابتون علي الإيمان، إنه يعطي فرصة ليظهر إيمان المؤمنين، يعطي فرصة ليظهر الصبر والاحتمال والحب الذي يبرز في صبر القديسين وفي استشهادهم، لولا أن الله يتركهم إلي حين ويعطي فرصة للمضطهدين أن يضهطدوا، كيف يبرز إيمان الشهداء!! لو لم يعطي الله فرصة لأيوب حتى تقع عليه الآلام، هل كنا نحن نعلم الآن بصبر أيوب!! ومدي الصبر الذي أظهره أيوب في حياته!! لو كان الله تدخل في بدء الأمر لما كان أعطي أيوب فرصة ليظهر صبره واحتماله إذا كان الله يسمح في بعض الأوقات للكنيسة أن تضطهد، ولشعبه أن يعامل المعاملة المؤلمة كذلك يعطي فرصة لهذا الشعب أن يظهر حبه وأن يظهر إيمانه وأن يظهر مدي تمسكه به الله حينما امتحن إبراهيم وقال له قدم ابنك اسحق ذبيحة علي أحد الجبال الذي أعلمك به، وقام إبراهيم مبكرا وأسرج دابته، ومشي الطريق الطويل وصعد إلي الجبل العالي، وصنع مذبحا ورتب علي المذبح الحطب وربط ابنه اسحق علي المذبح كل هذا الطريق الطويل الذي عاناه إبراهيم، وعاناه معه اسحق، هل كان الله غافلا؟ كان الله يري، ولكن الله تركه ليظهر إبراهيم إيمانه، وليظهر إسحق طاعته وفي اللحظة المناسبة قال له ارفع يدك إني علمت أنك لم تمنع ابنك وحيدك إسحق عني لذلك بالبركة أباركك وبالكثرة أكثر نسلك فلا تظنوا أبدا أن الله إذ يترك الشدائد أن تحل علي كنيسته، أن الله غافل عنها أو أن الله تخلي عنها أبد، إنما هي فرصة من قبله تعالي يتيحها ليظهر فيها إيمان المؤمنين ويظهر صبرهم وتظهر محبتهم ويظهر مدي استمساكهم وبهذا يستحقون المكافأة ويستحقون الجزاء الأخروي وبهذا أيضا يضربون للناس من بعدهم المثل والقدوة والعبرة، ليتعلم الناس من ورائهم ويعرفوا مدي محبة هؤلاء لله، ثم يتمثلون بهم ويقتدون بهم ويحتذون بهم، وهكذا صار لنا تاريخ وصار تاريخ الشهداء مجيدا عظيم، نعتز به ونفخر علي الأيام أن هؤلاء احتملوا من أجل المسيح وصبروا من أجله، وأبرزوا إيمانهم به فيكون لنا نحن الأبناء فخر بهؤلاء الآباء فخر البنين آباؤهم، ونحن فخرنا في جيلنا بالآباء الذين سبقونا والذين أظهروا صبرا واحتمالا إن مارمينا العجايبي وقد كان شابا صغيرا حينما استشهد لم يكن يتعدي الثالثة والعشرين من عمره أو ربما أقل، في هذه السن المبكرة وبعد أن صار مار مينا واليا وحاكما حل محل أبيه، لكنه لما رأي أن اسم المسيحي مضطهد، وأن دقلديانوس قد كفر بالمسيح، وأنه أراد أن يضطهد كل من يؤمن باسم المسيح، لم يقبل مارمينا علي نفسه وهو وإل أن يبقي هكذا مخفيا نفسه، ولا يعلم الإمبراطور بأمره، فأراد أن يعلن إيمانه بالمسيح وينادي نفسه مسيحي، ولا ينكر اسم سيده ولا يختبئ تحت إغراء بأنه حاكم أو وال، ولا حتى بقبول الإغراءات التي عرضها الإمبراطور عليه حتى ينكر اسم المسيح فرفضها جميع، طرحها أرض، احتقرها بأباطيل العالم، لم يكن لهذه المراكز ولا المناصب إغراء ولا جمال ولا لذة بالنسبة له، لأنه في باطنة عابد لربه عابد لسيده ويعلم كرامته، لذلك أبي مارمين، أبي كل الإغراءات وكل المناصب وكل الوعود التي وعد بها في سبيل أن ينكر المسيح، أبي كل هذا وذهب متعبدا وطرح ملابس الجندية ليعلن تمرده علي الإمبراطور، وليعلن تبعيته لملك آخر يسوع المسيح، ولابد له أن يدفع الثمن، ودفع الثمن غاليا من دمه، ولكن نفسه لم تكن ثمينة عنده حتى يتمم بفرح سعيه والخدمة التي قبلها من الرب يسوع هذا الشاب يقف أمامنا مثلا للشباب، يقف صامتا معلما بصمته وبعمله، يقف ليدين أصحاب المراكز والمناصب الذين يبيعون المسيح من أجل منصب أو من أجل كرامة أو ليتفادوا اضطهادات تقع عليهم من أجل المسيح، هذا الشاب الصغير يقف ليدين كل من تحدثه نفسه بأن ينكر سيده أو يتنكر له، أو يجبن لسبب أو لآخر عن أن يعلن تبعيته للمسيح أنه نصراني، نحن في أيامنا هذه وفي الأيام المقبلة نحتاج إلي طراز مارمينا وإلي طراز الشهداء، أيام ستأتي يمتحن فيها إيماننا بالمسيح.نحن مقبلون علي زمن، نحن في الأيام الأخيرة، وهناك وسائط ووسائل متنوعة يتحدون بها المسيح، المسيح الآن في مركز التحدي بصور مختلفة سواء كنتم تشعرون أو لا تشعرون، الشيطان يسخر كل قواته وسوف تتفاقم هذه الشدائد لتحدي المسيح قبل أن يأتي في مجيئه الثاني فأنتم الآن أيها الأقباط أمامكم فرصة لتتنبهوا، ولتعلموا أنه سيمتحن إيمانكم ويمتحن صبركم وستمتحن محبتكم لربكم وتبعيتكم للمسيح الإله.اتخذوا من مارمينا، ولنتخذ من سائر الشهداء الذين قبلوا التحدي، ولو علي حساب سعادتهم المادية، ولو علي حساب المناصب والمراكز والمال والكرامة البشرية لكن من أجل اسم المسيح احتملوا، والمسيح لا ينسي تعبكم، ليس بظالم، كل من أنكره سينكره المسيح في مجيئه الثاني، وكل من يعترف به سيعترف به في مجيئه الثاني حينما يأتي ليدين الأحياء والأموات نعمة ربنا يسوع المسيح تشملنا جميعا وله الإكرام والمجد إلي الأبد آمين. نيافة المتنيح الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس أسقف عام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل