المقالات

12 سبتمبر 2024

الشهادة والاستشهاد

معني الاستشهاد لغويا: يقال في اللغة العربية استشهد بمعني قتل في سبيل الله هذا هو المعني الاصطلاحي، لكن المعني الاشتقاقي لكلمة الاستشهاد مشتق من الشهادة، فاستشهد بمعني سئل للشهادة، أو طلب للشهادة، والشهادة هنا الشهادة للإيمان الذي يدين به الإنسان ويزود عنه، هناك بعض الناس يقرؤها استشهد، لكنها استشهد. استشهد فلان أي طلب للشهادة، فشهد للإيمان الذي يؤمن به وشهداؤنا سئلوا عن إيمانهم فجهروا به، وأعلنوه في قوة وفي جرأة، وكانت شهادتهم كرازة للحكام، ولمن سمعوا شهادتهم، وكثيرًا ما ربحت هذه الشهادة لملكوت السموات جموعا آمنوا بالمسيح، كان يترتب علي هذه الشهادة أن هناك أناسًا غير مؤمنين عندما يسمعون هذه الشهادة يؤمنوا بالمسيح، وأيضا يطلبون أن يموتوا شهداء, هذا هو إذن معني الاستشهاد، أن يشهد المسيحي للحق الذي يؤمن به. ويدعو الآخرين إلي أن يؤمنون، شهادة حق في إخلاص للحق وحب للحق، شهادة صدق من قلب طاهر مستند إلي الحق ذاته، وهو شهادة لشرف الحق الذي يعتنقه في فخر واعتزاز, فقد كانوا الشهداء فخورين بدينهم وبتبعيتهم للمسيح, ولم يكن الصليب عندهم عارًا وإنما لهم عزة وفخار، رسموه علي وجوههم وعلي أيديهم وهذا هو أساس دق الصليب علي اليد، وهي معروفة عندنا نحن الأقباط الدق بالإبرة وبنوع من الخضرة ليبقي في اليد ولا يمحَى، لكن أساسه كان في عصور الاستشهاد، من حب المسيحيين للاستشهاد، الآباء والأمهات كانوا يخافوا علي أطفالهم الصغار غير القادرين علي أن يتكلموا، فلو فرضنا أن الأب والأم قتلا من أجل المسيح, وتركا ابنهما الطفل، فخوفا عليه وعلي مستقبله فيدقوا علي يد الطفل منذ أن يكون رضيعًا علامة الصليب، حتى أن الطفل وإن كان لا يعرف الكلام فلو أوتي به أمام الحاكم فهذه العلامة التي علي يده تنطق أنه مسيحي. ولو فرضنا أن الأب والأم ماتوا والطفل بقي في الحياة، فعندما يكبر يعرف أن أصله مسيحي من علامة الصليب التي علي يده، وذلك من اعتزازهم وخوفهم علي ابنهم أو ابنتهم من أنها تحسب غير مسيحية، يكونوا فرحانين ومبسوطين أن أطفالهم يقتلوا من أجل المسيح، لكي يضمنوا مستقبلهم الأبدي، ولو فرضنا أن الأب والأم ماتوا فيكون الطفل فيما بعد لو ترك حيا يعلم أنه مسيحي من علامة الصليب، وهي الأثر الباقي الذي يذكره أنه مسيحي، وأنه تعمد بالمسيح وأصبح في حساب المسيحيين والاستشهاد أيضا معناه وفاء بالمعروف، لأن إنكار المسيح خيانة، والاعتراف به وفاء بحبه وتقدير لحبه وتكريم لدينه، نذكر كلمات المسيح له المجد من اعترف بي أمام الناس أعترف به أنا أيضا أمام ملائكة السماء، ومن أنكرني أمام الناس أنكره أمام ملائكة الله فالاستشهاد فيه اعتراف لتبعية الإنسان للمسيح ولا ينكره في ساعة الاضطهاد, وساعة الآلام، لا يتنكر لمعرفته للمسيح ولتبعيته له إنما يعترف به، أوقات الاستشهاد أوقات مرة وفيها يمتحن الإيمان، وفيها يكون فرصة للتعذيب. لماذا الاستشهاد؟ الشجرة في أوقات معينة وخصوصًا أوقات الخريف، تهتز هزة عنيفة، هذه الهزة العنيفة للشجرة تجعل الأوراق تسقط، لكن أية أوراق؟ الأوراق الصفراء الضعيفة، في الخريف تجد الأرض كلها مملوءة بالورق، ولكن الورق الذي سقط لصالح الشجرة, لأنه أنقذ الشجرة من هذا الورق الأصفر الضعيف، لأنه لولا سقوط هذا الورق الأصفر الضعيف لما كانت هناك فرصة للبراعم الجديدة الخضراء أن تظهر، في البلاد الباردة مثل إنجلترا وألمانيا أو روسيا وما إليها من البلاد، نري في الشتاء أن الشجرة كلها عبارة عن حطب أسود، كل الورق وقع لدرجة الواحد يقول الشجرة ماتت. والنجيل من كثرة ما يسقط عليه الثلج يتفحم ويتحول إلي لون فحم أسود، والواحد يقول خلاص الطبيعة ماتت وهذا الكلام لا نحسه نحن في الشرق لأنه لا يكون عندنا برد بهذه الشدة لدرجة يموت الورق والشجر، لكن في البلاد الباردة التي صل لدرجة البرودة أحيانا إلي 50,35,30 تحت الصفر فيحدث أن الورق يقع كله، وتنظر الأشجار عبارة عن حطب أسود، وفي الربيع في أواخر مارس تبدأ براعم خضراء ونوع من اللون الأخضر الخفيف يسموه Line Green تنبت البراعم الخضراء الجميلة والواحد يكون مبسوط جدا أنه يري البراعم الجديدة الخضراء وحينئذ يحس الإنسان بالأمل، ويفهم معني الأمل، ويفهم معني الموت ومعني الحياة بعد الموت لأن الحياة بعد الموت ممكنة، نري الشجر مات ومع ذلك تدب فيه الحياة من جديد، وبدلا من الأوراق الصفراء الزائلة التي سقطت نبتت براعم جديدة هذه سياسة ربنا في الطبيعة... لماذا؟ حتى لا يعطل الورق الذابل البراعم الجديدة، فالشجرة لازم تهز ولا بُد أن تمر عليها هذه التجربة الأليمة، لكي تقع الأوراق الصفراء الذابلة لكي تعطي فرصة للبراعم الجديدة الخضراء والمحصلة بعد كل هذا أن الهزة العنيفة لم تضر الشجرة وإنما أفادتها فهنا إجابة علي السؤال الذي نسأله أحيانًا لماذا الله يسمح بالتجارب والاضطهادات والآلام؟ لماذا يسمح بهذا؟ ثم يكون هناك سؤال أكبر من هذا، لماذا يترك بعض الشهداء يعذبوا ويأخذوا مدد طويلة من العذاب، مثلا مارجرجس أخذ 7 سنين, أي واحد فينا تمر عليه تجربة صغيرة يقول لماذا...؟ لماذا صنع الله ذلك، ويكون حزين ومتضايق من ربنا ويجدف علي الله، لكن نري واحد مثل مارجرجس استمر 7 سنوات، لماذا تركه ربنا يعذب....هذا سؤال؟ أو أبي سيفين أو الأمير تادرس أو الست دميانة أو غيرهم، كل هؤلاء السؤال يقول لماذا ربنا تركهم؟ لماذا من الأول ربنا لم يساعدهم أو ينصرهم علي الأعداء؟ الإجابة علي هذا السؤال أن ربنا يعطي الفرصة للامتحان أوقات الاستشهاد، أوقات الامتحان هذه يظهر العنصر الطيب فرصته لثبات الإيمان الكتاب المقدس يقول جملة مهمة، لا بُد أن يكون بينكم بدع ليكون المزكون ظاهرين، الذين تزكوا أي تطهروا بارزين, آباء الكنيسة الكبار العظماء ما الذي صنع عظمة هؤلاء؟ الآلام. لولا الآلام لما ظهرت عظمة هؤلاء الآباء الكبار، لما ظهر صبرهم، ولما ظهر عنصرهم القوي، ولما ظهر ثباتهم، ولما ظهر عنادهم في الحق، وهذه أمثلة ونماذج وأدلة علي المحبة لله وعلي الصمود والصبر وقوة الثبات وقوة الإرادة وقوة الإخلاص وعدم التزعزع وعدم التردد كل هذه الصفات كيف تبرز، كيف تظهر، كيف يتمرن الإنسان عليها؟ إلا إذا كانت هناك ظروف الآلام واضطهاد. فنحن كثيرًا جدًا نسمع من شعبنا هذا السؤال لماذا؟ لماذا يتركنا الله؟ لماذا لا يمد يده وينقذنا؟ الله يصبر ويري ويرقب من السماء ويعرف من الثابت, من الذي يتزعزع؟ من الذي يصمد؟ من الذي تخونه قواه؟ مَنْ الذي يستمر ومن الذي يرجع؟ وهذه العملية تطهر الكنيسة من العناصر الضعيفة. وهي مؤلمة لأن سقوط الأوراق من الشجرة خسارة ثم أنه يلوث الأرض، ولكن هذه العملية مفيدة للشجرة، تطهر الشجرة من الأوراق الصفراء الضعيفة الكنيسة من وقت إلي آخر في حاجة إلي هذه الهزة لتطهيرها، لتطهيرها من العناصر الضعيفة، الله لكي يحفظ للكنيسة استمرارها وبقائها يعطي الفرصة لأن تتخلص الكنيسة من العناصر الضعيفة المعطلة، لكي تتنقى الشجرة وتصير سليمة وتحمل رسالتها إلي الأجيال الآتية، فالاضطهادات مفيدة، وفترات الاستشهاد مفيدة، من جهة لبيان الثبات والصمود، وبيان محبة الإنسان لله إن كان حقًا يحبه من قلبه، هناك كثيرون يتبعوا الدين لأن تبعيتهم للدين تنفعهم، تنفعهم للدني، ويوجد آخرون يربحوا، علي الأقل غير النفع المادي الذي عند بعض الناس في بعض المجالات، يكون هناك نفع أدبي، إن هذا الإنسان ينال كرامة أو ينال مدحًا أو يمدح من الآخرين، فلان هذا رجل متدين أو إنسان متدين، هذه البنت متدينة، هذه تكسبهم شهرة وممكن يترتب عليها نوع آخر من الكسب من أي نوع، فنحن علي حساب المسيح نكسب، علي حساب الدين نكسب، هذه العناصر التي تستفيد من الدين عندما تأتي ساعة الشدة تسقط وتتخلي عن الدين وتتنكر للدين، فإذا هزت الشجرة وسقطت هذه الأوراق الضعيفة، فهذا خير للشجرة لكي تتخلص من هذه الأوراق الضعيفة حتى تبقي الشجرة وحتى تكون هناك فرصة للبراعم الجديدة وهذا ما قالوه بعض الآباء دماء الشهداء بذار الإيمان أي دم الشهداء يتحول إلي بذور تنبت منه نبت جديد، هذا ما لاحظناه علي مر العصور أن ثبات الشهداء ووقفتهم الشديدة، الأمانة لسيدهم بهر بها غير المؤمنين فآمنوا ويصبح هذا ضد ما أراده الحكام، أنهم يضطهدوا المسيحيين لكي يقل عدد المسيحيين وتتطهر البلاد منهم، فإذا بهذه الشهادة يولد مسيحيون جدد ومن أحسن طراز, لأن الشخص الذي يدخل المسيحية في أيام الاضطهاد يكون من العناصر الطيبة التي لم تأت للإيمان نتيجة أي إغراء مادي، إذن ما الذي دفعه أن يدخل المسيحية؟ هي الفضيلة التي رآها متمثلة في هؤلاء الشهداء الأبرار، فتأثرت نفسه بصمودهم وصبرهم وجهادهم وفضيلتهم، فأراد أن يتمثل بهم، بهر بثباتهم فانجذب إلي المسيح عن طريقهم. إذن دِماء الشهداء بذار الإيمان هنا نبين أولا أن الاضطهاد والاستشهاد لا مفر منه, وبعد ذلك هو مفيد لكيان الكنيسة، هزة عنيفة يترتب عليها أن تسقط بعض أوراقها الضعيفة، وإن كان هذا خسارة لكنه بالنسبة للشجرة فائدة ومكسب. نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد
10 سبتمبر 2024

عصر الاستشهاد امتحان للإيمان

عندما تعيد الكنيسة بأعياد الشهداء إنما تقدم لنا نماذج للبطولة وللصبر، وللثبات علي الإيمان ولمحبة المسيح، والارتباط بالإيمان به وعدم التفريط في العقيدة وعدم التزعزع، إننا لا نحتفل بالنسبة لأعياد الشهداء بعيد ميلاد لهم، إنما نحتفل بعيد استشهاد، والكنيسة بهذا تريد أن تضع أمام أنظار شعبها بطولة وقداسة هؤلاء الشهداء وتقدم نماذج في الإيمان الثابت غير المتزعزع، وحتى تكون باستمرار أمثال هذه الأعياد حافزا لنا أن نكون نحن أيضًا ثابتين علي إيماننا، إذا تعرضت حياتنا لنوع من الضيق أو الألم أو الاضطهاد، فنتخذ من صبر آبائنا ومن ثباتهم علي الإيمان نموذجًا وأمثولة ومثلًا أعلي، حتى لا ننسي هذا الدرس في خضم الحياة أو تحت متاعبه، حتى لا ننسي أنفسنا إذا أظلمت الدنيا وضاقت واستحكمت حلقاته، من وقت لآخر تقدم لنا الكنيسة في أمثال هذه الأعياد سيرة هؤلاء الأبطال الذين سبقونا لنتعلم منهم حتى إذا فترنا في لحظة من اللحظات، أو ضعفنا وضعف إيماننا وخارت قوانا نعود فنتشجع ونتقوى فنثبت. في أيامنا هذه نسمع بعض أصوات من شعبنا، لماذا الله تركنا لماذا؟ لماذا يسمح بالضيقات لنا، أمثال هذه الأسئلة وعتاب مستمر نعتب به علي الله، كأن الله هو المخطئ، ونسوا أننا نحن نمتحن أحيان، وفي هذا الامتحان نثبت إذا كنا حقًا بالحقيقة مؤمنين وإلا كانت تبعيتنا للمسيح تبعية سطحية، لابد أن يكون من وقت إلي آخر امتحان، والامتحان ليس معناه أن الله بعيد عنا إنما يرقب من السماء ليري ماذا نحن عليه من صبر واحتمال، ماذا نحن عليه من أمانة، كن أمينًا حتى الممات فأعطيك إكليل الحياة لا يمنح الإكليل عبث، ولا يمنح بغير ثمن، لا يمنح مجان، كن أمينا حتى الممات أعطيك إكليل الحياة إذا كان هناك صبر، إذا كان هناك إيمان، إذا كان هناك احتمال هنا يكون الإنسان جديرًا بأن ينال الجزاء، إنما الديانة إذا كانت رخيصة، إذا كانت تبعيتنا للمسيح سطحية، فكيف ننال الجزاء وأين ومتى يظهر الاحتمال والإيمان؟ إن كان نحبه نحتمل من أجله وهذا دليل الحب، إذا كان حبا صادق، إنما لا يظهر الحب صادقًا إلا إذا امتحن، ففي الامتحان يظهر عنصر الإنسان، عندما يكون فيه قطعة من المعدن، ونريد أن نعرف إذا كانت ذهبًا حقيقيًا أم ذهبًا مزيف، يوجد ما يسموه المحك نحك به هذه القطعة الذهبية، بهذا المحك يتبين إذا كانت حقًا قطعة ذهبية حقيقية من عنصر الذهب النقي أم هي مزيفة التجارب التي تحيط بالكنيسة، الآلام والاضطهاد هو الذي به يفرز إيمان الصادقين من إيمان الكاذبين، ليعرف إذا كان حقا الذين يتبعون المسيح يتبعونه من قلوبهم، أم أنهم يتبعونه ظاهري، ومرة قال المسيح لبعض أتباعه حينما تجمهروا عليه، قال لهم: أنتم تتبعونني لا لأنكم رأيتم آيات فآمنتم، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم (إنجيل يوحنا 6:2),هذا تقرير مر، تقرير مؤلم من رب المجد يسوع المسيح، صدم به هؤلاء الناس الذين يتبعونه، جماعات كبيرة يتجمهرون من حوله، ويقولون له لقد أتينا من أماكن بعيدة، كأنهم يريدون أن يظهروا محبتهم له، لكنه عرف أن أكثرهم يتبعونه لا عن إيمان وإنما لكي ينتفعوا من ورائه بمعجزة يصنعها معهم فيؤمنون، أو أنه يقدم لهم مائدة من الطعام فيأكلون. قال لهم: أنتم تتبعونني لا لأنكم رأيتم آيات فآمنتم بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم فديانتنا لابد من وقت لآخر أن تخضع لمحك والمحك هنا التجربة جزي الله الشدائد كل خير عرفت بها صديقي من عدوي، لولا التجارب لما عرف الإنسان إذا كان هذا الذي يصادقه عن إيمان أو عن حب أو يصادقه عن منفعة. ونحن يمكن أن نتبع المسيح لأننا ننتفع من ورائه، فهنا التجربة تجعله يترك المسيح، فمن وقت لآخر يسمح للشيطان أن يهز الكنيسة، والمسيح لا يخاف من هذه الهزة لأنه أقوي منه، وهو يعلم أنه في آخر الأمر هو الضامن لسلامة الكنيسة، قال: أبواب الجحيم لن تقوي عليها لأنه الضامن, علي هذه الصخرة أبني كنيستي كنيسته مبنية علي صخرة والصخرة هو المسيح.لأنه من هو صخرة غير إلهنا، فلا خوف علي الكنيسة، لكن هذه الهزة تكون لصالحه، هل تعلمون أن الأشجار الكبيرة النخل مثلا تنزل جذورها إلي أعماق الأرض وفي بعض الأحيان تبلغ الجذور في النخلة إلي ضعف طول النخلة، حينما تهزها الأعاصير والرياح الشديدة يبدو أن الشجرة تهتز هزًا عنيفًا كأنها تنكسر، وطبعًا يترتب علي ذلك أن كثيرًا من الأوراق تسقط، كما نلاحظ في فصل الخريف كثيرا من الأوراق تسقط، لكنها عادة هي الأوراق الصفراء الضعيفة، سقوطها مؤلم لأنه خسارة ولأنه يلوث الأرض فتتسخ الأرض بهذه الأوراق الصفراء الساقطة علي الأرض، لكن المحصلة النهائية أن سقوط هذه الأوراق الصفراء، يعطي فرصة للبراعم الجديدة أن تنبت في الشجرة أوراقًا خضراء جديدة، لولا سقوط الأوراق الصفراء الضعيفة لما كانت هناك فرصة لأوراق جديدة خضراء زاهرة تنبت في الشجرة فكأن هذه الهزة العنيفة وإن كان فيها سقوط، لكن في المحصلة النهائية هذه الهزة مفيدة للشجرة لأنها تنقيه، تنقيها من الأوراق الصفراء الضعيفة وتعطي فرصة لأوراق جديدة، الكنيسة تتجدد، الاضطهاد والآلام لا تزيل الكنيسة أبدًا أبد، بل الاضطهادات والآلام والاستشهاد وما إليها من ظروف الآلام إنها تشد عود الكنيسة وتطهره، تطهرها من الأعضاء الضعيفة، وتعطي فرصة أيضًا لأن يتجدد فيها عناصر أخري جديدة، لم تكن موجودة يولدها الاضطهاد، وهكذا سري بين المسيحيين في كافة العصور مثل يقول: إن دماء الشهداء بذار الإيمان احفظوا هذه الجملة دماء الشهداء بذار الإيمان ماذا تعني دماء الشهداء بذار الإيمان؟ البذار هي الحب الذي يخرج منه بقول كثيرة، انظروا كيف يحول الله الشر إلي خير ويجعل الآلام فرصة لأن يقوي الإيمان ويزداد الإيمان ويعظم الإيمان بعض الشهداء عندما كانوا يتعذبون، والناس غير المسيحيين عندما كانوا يرون الاستبسال والشجاعة والقوة والصبر والاحتمال والأمانة والثبات وعدم التزعزع، كانوا يقولون ما أعظم هذا الدين وما أعظم هذا الإيمان وكانوا ينضمون إلي المسيح، وكان كثيرون منهم أيضا يتعرضون للاستشهاد، ألوف وعشرات الألوف ولدوا في الكنيسة بسبب الاضطهاد، لم يكونوا في الكنيسة أول، إنما ثبات المؤمنين كان سببًا في كسب هذا العدد الضخم أيام استشهاد مارجرجس أو أبي سيفين أو الأمير تادرس أو كل الشهداء، كانت هذه المناظر سببا في إثارة روح الإيمان في غير المؤمنين، وبهذا عاشت الكنيسة ولم تمت أبد، فترات الضعف الذي ظن أنها ضعف كانت هي الفترات التي فيها سر القوة، لأنها كما أن المرأة تعاني المخاض قبل أن تلد الطفل، هكذا الكنيسة عن طريق الاضطهاد وهو مخاضها تلد أولاد، إذا مرحبًا بالاضطهاد وبالآلام، إنها فرصة لإثبات إيماننا بالمسيح، فرصة لإثبات أمانتنا له، وثباتنا علي عقيدتنا، وهنا يبدو الإيمان ثمينًا غالي، الشيء الذي تدفع فيه ثمنًا غاليًا يكون غاليًا عليك، إنما الأشياء التي تأتي لك رخيصة تبقي رخيصة ليس لها قيمة، المثل الذي قاله سيدنا يسوع المسيح، قال: يشبه ملكوت السموات لؤلؤة كثيرة الثمن، فباع رجل كل ما يملك واشتري هذه اللؤلؤة، لا بد من عملية الشراء والبيع، لكن ماذا تشتري شيء ثمين أو شيء لا معني له، إذا كانت هناك لؤلؤة كثيرة الثمن والإنسان باع أشياء كثيرة في سبيل أن يشتري هذه اللؤلؤة يكون هو الكسبان، صحيح خسر أشياء لكن كسب ما هو أعظم مما خسر هكذا ملكوت السموات لا بد أن تشتريه بثمن غال لكي يكون ملكوت السموات غاليًا عليك أيضًا. لا بُد أن تدفع الثمن، لا تستطيع أن تأخذه بالرخيص، إن الله لا يرضي أن يبيع لك الملكوت بغير ثمن، والثمن هو الثبات وهو الاستمساك بمبادئ المسيح، هو تطبيق مبادئ الإنجيل، والاحتمال من أجلها وحينئذ يكون الجزاء المبارك، لا يكلل أحد إن لم يجاهد، احفظوا هذه العبارة لا يكلل أحد إن لم يجاهد جهادًا قانونيًا إكليل لكن لا تأخذه بالرخيص، لا بد أن تدفع الثمن لكي تشتري الإكليل، له ثمن وثمنه هو الجهاد لكي يكون غالي عليك، أثبت أنك تستحقه، إنما إذا لم يكن هناك تعب من أجله فكيف تستحق الإكليل، هناك مبدأ من المبادئ المقررة في الكتاب المقدس كل سيأخذ أجرته حسب تعبه التعب هو المقياس، هو المقياس في التفاوت في الجزاء، القديسون ليسوا في درجة واحدة، نجم يمتاز عن نجم في المجد، هناك نجم يكون لامعًا جد، هذا البريق اللامع هو الفرق في المجد لأنه يجذب الانتباه، لكن ليس كل النجوم في لمعان واحد، ليس كل الأبرار في درجة واحدة، هناك تفاوت في الجزاء لأن الله عادل ويقول أجازي كل واحد علي حسب عمله، لابد أن يكون هناك تفاوت في الجزاء وبالتالي أيضًا لا بد أن يكون هناك تفاوت في العقاب، لأن الله عادل. فكل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه من هنا تكون الآلام والاضطهادات يفرح بها القديسون لأنها هي التي تتحول إلي لآلئ في إكليلهم اللآلئ في إكليل المجد كيف تتكون؟ بالألم والجروح والتعب، إذن لا نحزن من التعب من أجل المسيح، ونترك الكلام الضعيف الرخيص الذي يخرج من أفواهنا من وقت لآخر ونقول لماذا ربنا سمح؟ كل هذا الكلام لم يكن الآباء يقولونه أبدا أبدا إنما نحن في فترات الضعف التي أصبحنا اليوم فيها نتضايق من الاضطهاد ومن الألم، كان آباؤنا يعتبرون الألم فرصة إظهار إيمانهم وتمسكهم به. لا تظنوا إذن أن الله تخلي عن الكنيسة، الله يرقب ليري الصابرين، كلنا نقول: صبر أيوب صبر أيوب، المسيحيون واليهود والمسلمون، العالم كله يقول: صبر أيوب لماذا؟ لأن أيوب صبر سبع سنوات علي آلام متوالية، ونجح أخيرًا بأنه لم يتزعزع إنما ثبت، لو كان أيوب انهار من أول تجربة مثل ما يحدث لن، كان أيوب اختفي مع الزمن مثل غيره، لكن ثباته جعل أيوب نموذجًا لكل الأجيال في الصبر والاحتمال وطول البال هكذا الآباء الذين نفتخر بهم الآن هم الآباء الذين تألموا، أكثر من غيرهم، لماذا مارجرجس يسمونه أمير الشهداء، المسيح في أحد ظهوراته وتجلياته له قال له: لم يقم من بين المولودين من النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان ولم يقم من بين الشهداء من هو أعظم منك لماذا مارجرجس، لأنه أكثر واحد تعذب، سبع سنوات متواصلة بكافة صنوف العذاب، لو كان قال أين ربنا؟ والله تركني، وهذا الكلام... لم يكن هناك مارجرجس، ولم يخرج لنا أبطال الإيمان، ولذلك يقول الكتاب المقدس: لابد أن يكون بينكم بدع ليكونوا المزكون ظاهرين، من الذين نفتخر بهم اليوم ونعيش علي سمعتهم وعلي سيرتهم من هم؟ هم الذين احتملوا والذين صبروا، إذن انتظار المسيح وعدم تدخله ليس لأنه بعيد عن الكنيسة، أو لأنه تخلي عن الكنيسة، أو لأنه ضعيف، لا...هو واقف يرقب ليري الصبر. ليري إذا كنا ثابتين علي الإيمان أو لا...فالضيقات، والآلام فرصة ليبرز فيها صبر الصابرين، ويبدو فيها الإيمان وبهذا الإيمان نكسب للمسيح أكثر مما نكسب في أيام الضعف وفي أيام الرخاوة، العود إذا أحرق تخرج منه الرائحة الجميلة، فبدون الحرق لا تخرج منه الرائحة الجميلة الرائحة الجميلة إذن في المسيحيين تخرج حينما تكون هناك ضيقات ويكون هناك حرق وضغوط عليهم، فإذا ثبتوا خرجت رائحتهم ذكية أمام الله وأمام الناس أيضًا وللأجيال وللتاريخ كنيستنا سميت كنيسة الشهداء لماذا؟ كنيستنا تفتخر اليوم أنه لا يوجد كنيسة في العالم كله صدرت إلي السماء عددًا من الشهداء بقدر ما صدرت كنيسة مصر. هذا فخرها ولذلك نحن نسبيا علي الرغم مما فينا من ضعف ما زالت عندنا بركة قد نكون نحن لا نستحقها ورثنا المجد عن آباء صدق أسأنا في ديارهم الصنيع إذا المجد التليد توارثته بناة السوء أوشك أن يضيع إنما نحن إذا كنا نعيش إلي اليوم فهذه بركة آبائنا الصامدين الأقوياء الذين صمدوا أمام الآلام، فعبدوا أمامنا الطريق وهيأوا أمامنا السبيل فدخلنا نحن علي تعبهم، آخرون تعبوا كما يقول المسيح وأنتم دخلتم علي تعبهم إذا كانت هناك بركة لنا وبركة لشعبنا فهي بركة هؤلاء الآباء الذين صمدوا علي الإيمان وثبتوا ولم يتزعزعوا ولم تخر قواهم، وتركوا لنا أمثلة للبطولة والشجاعة، فإذا لم نكن نحن صامدين نكون قد جلبنا العار علي كنيستنا وعلي آبائنا وعلي أجدادنا وعلي كل تاريخنا. نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد
07 أغسطس 2022

صوم مريم العذراء

هذا الصوم له تقدير كبير لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويندر أن يفطر فيه أحد من المسيحيين.. كما تصومه الغالبية بزهد وتقشف زائد كإطالة فترة الانقطاع حتى الغروب أحيانا، ويصومه الأتقياء بالماء والملح دون زيت وبدون سمك، على الرغم من أنه من أصوام الدرجة الثالثة أو الرابعة ويؤكل فيه السمك.ومدة هذا الصوم 15 يوم فقط، (1-16) مسرى، وهو يوم صعود جسد السيدة العذراء. لماذا صوم السيدة العذراء؟ هناك عدة أراء حول صوم السيدة مريم العذراء: 1- العذراء مريم اول من أسست هذا الصوم: من أسس صوم العذراء؟ العذراء مريم هي التي بدأت هذا الصوم, لأنها خاصة بعد صعود المسيح إلي السماء, نالها كثير من التعب والمضايقات والمنغصات من قبل اليهود, الذين حاولوا أن يصبوا عليها غضبهم وضيقهم من المسيح, وخاصة بعد أن قام من بين الأموات, فالعذراء نالت متاعب كثيرة جدا, وهي المرأة الرقيقة التي يجب أن لا تعامل بقسوة كما عاملها اليهود, كانت العذراء مقيمة في بيت يوحنا حتي تنيحت, نحو أربعة عشر سنة حسب وصية المسيح إليه عندما قال له خذ هذه أمك وقال للعذراء مريم خذي هذا ابنك. وكان يوحنا رسولا يكرز ويبشر وينتقل في كل أرض فلسطين.وكانت العذراء مريم تباشر العبادة من صلاة وصوم. وكانت تذهب إلي قبر المسيح له المجد, ومعها صويحباتها من عذاري جبل الزيتون, لقد اتخذن العذراء مريم رائدة لهن وقائدة لهن, وتمثلن بسيرتها فكن يتبعنها, وتألفت منهن أول جمعية للعذاري, وهو نظام العذاري السابق علي نظام الرهبنة بالنسبة للبنات.لأن في العصور القديمة قبل القرن الرابع للميلاد, كان هناك نظام اسمه نظام العذاري, لمن نذرن عذراويتهن للمسيح, وكان لهن خوروس أو قسم خاص في الكنيسة, ومذكور هذا في كتاب الدسقولية وهو تعليم الرسل, لم يكن هناك نظام للراهبات, إنما كان هناك صف العذاري.وعندما صار البابا ديمتريوس الكرام المعروف بطريركا, وكان في حياته الأولي رجلا متزوجا, وظل متزوجا سبعة وأربعين سنة قبل أن يدعي إلي البطريركية, غير أن زواجه كان من نوع الزواج الذي نسميه الزواج البتولي, مثل زواج آدم وحواء قبل السقوط في الخطيئة, وكزواج يوسف النجار ومريم العذراء, عندما صار ديمتريوس الكرام البابا الثاني عشر من باباوات الإسكندرية, ضم زوجته إلي خورس العذاري في الكنيسة, أما نظام الرهبنة للبنات بدأ من القرن الرابع, في عهد الأنبا باخوميوس المعروف بأب الشركة.العذراء مريم هي التي أنشات نظام العذاري, لأنها كعذراء بدأ يلتف حولها البنات العذاري بنات جبل الزيتون, وكن يتبعنها وكن يصلين معها وكن يذهبن معها إلي القبر المقدس, حيث كانت العذراء تسجد وتتعبد وتصلي وتصوم أيضا. ولقد كانت العذراء مريم تقضي كل وقتها في العبادة والصلاة, وكانت تمارس الصوم, مكرسة كل طاقاتها لحياة التأمل الخالص, ولم يكن لها عمل آخر غير تقديس ذاتها, بعد أن نالت مع الرسل, موهبة الروح القدس في يوم الخمسين (أع 1: 13-14), (أع 2: 1-4). والمعروف أن العذراء مريم لم تمارس عملا من أعمال الكهنوت, كما جاء في الدسقولية (تعاليم الرسل): النساء لا يعمدن. ونحن نعلمكم أن هذا الفعل خطيئة عظيمة لمن يفعله, وهو مخالف للشريعة... لأنه لو كان يجب أن يتعمد أحد من امرأة لكان السيد المسيح يتعمد من أمه (باب20)وقد أحبتها نساء وبنات أخريات, منهن صويحباتها اللائي عرفنها في حياتها, وأثناء وجود المسيح ابنها علي الأرض, منهن: مريم المجدلية, وحنة زوجة خوزي أمين خزانة هيرودس وسوسنة وأخريات كثيرات (لوقا8: 2, 3)، (لوقا 23: 49-55),(لوقا 24: 10)(لوقا 8: 2-3) 2وَبَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ. 3وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ وَسُوسَنَّةُ وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ.مريم المجدلية ويونا زوجة خوزى وكيل هيرودس، وهى من النساء الشريفات الغنيات، ومريم أم يعقوب خالة المسيح أخت العذراء مريم ومعهن مجموعة من النسوة التابعات للمسيح؛ هؤلاء قد استرجعن كل تعاليم المسيح عن آلامه وموته وقيامته، فصدقن كلام الملاكين وأسرعن إلى تلاميذ المسيح وكل تابعيه المجتمعين فى بيت مارمرقس ثم انضم إليهن عدد آخر من العذاري ممن عشقن حياة البتولية, والعفة الكاملة, تبعن العذراء مريم, واتخذنها رائدة لهن في حياة التأمل, والعبادة والتكريس التام بالروح والنفس والجسد. وقد تألفت منهن بقيادة العذراء مريم, أول جماعة من النساء المتبتلات المتعبدات, عرفن بعذاري جبل الزيتون, عشن حياة الرهبنة بغير شكل الرهبنة, وكن يعتزلن أحيانا في أماكن هادئة بعيدة عن صخب الحياة وضجيجها, رغبة في الانصراف إلي الله, في تعبد خالص.ولقد صارت هذه الجماعة معروفة في الكنيسة الأولي, حتي أن المعجبات من النساء والبنات بمثل هذه الخلوات الروحية, كن يلحقن بالعذاري العفيفات, ويمارسن صوم العذراء, بالتقشف والنسك, في تلك الأماكن الهادئة. ولربما كان هو السبب في أن صوم العذراء, تصومه الكثيرات إلي اليوم, بزهد ونسك كثير. ويمتنعن فيه عن أكل الزيت,علي الرغم من أن صوم العذراء ليس من أصوام المرتبة الأولي. بل وكثير من الرجال أيضا صاروا يصومون صوم العذراء صوما نسكيا بالامتناع حتي عن الزيت أي يصومونه علي الماء والملح, نظرا لما للمرأة من أثر البيت المسيحي علي أولادها وزوجها.فصوم العذراء مبدأه بالعذراء نفسها, العذراء هي التي صامت وظل هذا الصوم مقدسا علي الخصوص بين البنات, وفي عصور الكنيسة التالية بدأت البنات تخرج من البيوت ويذهبن إلي أماكن خلوية كالأديرة لكي يمارسن هذا الصوم بالصلوات وبالعبادة.وبفترات الخلوات الروحية الجيدة التي ترفع من المستوي الروحي. ولعل لهذا السبب أن الأقباط اليوم يقدسون هذا الصوم أكثر من أي صوم آخر. وذلك بفضل المرأة لأن المرأة عندما تهتم بهذا الصوم تقنع زوجها ثم أولادها, فيتربي الأولاد والبنات علي احترام صوم العذراء مريم, لدرجة أننا نري أن كثيرا من الأقباط يصومون صوم العذراء بالماء والملح, علي الرغم من أنه يجوز فيه أكل السمك.وأيضا عندما أراد المسيح له المجد أن يضع حدا لآلام العذراء مريم, فظهر لها وقال أنا أعلم ما تعانينه من الآلام, وقربت الأيام التي فيها تخرجين من هذا الجسد وتكرمين, لأن جسدك هذا يصعد أيضا إلي السماء, ونزل المسيح له المجد بذاته ليتسلم روحها بعد أن مرضت مرضا خفيفا, وكانت قد بلغت نحو الستين من عمرها, أو علي الأدق 58سنة و8 أشهر و16يوما.وبعد أن تمكن الآباء الرسل من أن يذهبوا ويدفنوا العذراء مريم في الجثسمانية, وهي موجودة بجوار جبل الزيتون وبجوار بستان جثسيماني, ظلوا يسمعون تهليل وترتيل الملائكة, فخجلوا من أن يتركوا الجثمان إلي حال سبيله فظلوا موجودين بجوار القبر ثلاثة أيام, إلي أن اختفت أصوات الملائكة فرجع الآباء الرسل في طريقهم. وهم في الطريق إلي أورشليم رأوا توما الرسول أنزلته سحابة علي الأرض, قالوا له أين كنت, لماذا تأخرت, العذراء مريم تنيحت, فطلب توما أن يعود إلي القبر ليتبارك من جسدها, فذهب معه الآباء الرسل إلي القبر الذي دفنت فيه العذراء مريم, ولما فتحوا القبر لم يجدوا جثمان العذراء مريم, إنما خرجت رائحة بخور ذكية, فخطر علي فكرهم أن اليهود رجعوا بعد أن تركوا القبر وأخذوا الجثمان, فلما رأي توما حزنهم قال لهم اطمئنوا يا إخوتي فإن جسد العذراء مريم حمل علي أجنجة الملائكة ورؤساء الملائكة, ولقصد حسن سمح الله أن أتأخر, أنا كنت في بلاد الهند وحملتني السحب لكي آتي فتأخرت, ولكني رأيت جسد العذراء مريم محمولا علي أجنحة الملائكة ورؤساء الملائكة, وكان ذلك فوق جبل أخميم, الذي بني فوقها الدير المعروف الآن بدير العين, وأحد الملائكة قال لي تعالي وتبارك من الجسد المقدس فتقدمت وقبلت الجسد, وأعطي توما الرسول الزنار الذي كانت العذراء تربط به ملابسها, والزنار كلمة سريانية وهي الحزام.فالآباء الرسل سعدوا بهذا الخبر خصوصا أنه من توما, لأن توما له موقف سابق أنه شك في قيامة المسيح, وظهر له المسيح وقال له تعالي يا توما وضع يدك في أثر المسامير وضع يدك في جنبي, ولا تكون غير مؤمن بل مؤمنا, لأنه هو نفسه كان يقول إن لم أضع يدي مكان المسامير فلا أومن, ولكن الرسل طلبوا أن يروا هذا المنظر وأن يتأكدوا وأن يتوثق الاعتقاد عندهم بصعود جسد العذراء فصاموا, وفي نهاية هذا الصوم وعدهم المسيح أن يروا بأنفسهم جسد العذراء مريم. وبر المسيح بوعده فرأي الرسل جسد العذراء مرة أخري وكان هذا في اليوم السادس عشر من مسري. والكنيسة تحتفل بظهور جسد العذراء في16مسري, وهو نهاية الصوم, لكن الواقع إذا أردتم الدقة أن يوم 16مسري هو يوم ظهور الجسد مرة أخري الذي بر فيه المسيح بوعده, فرأي الآباء الرسل صعود جسد العذراء, إنما الصعود في الواقع كان قبل ذلك, لأنه إذا كانت العذراء تنيحت في 21طوبة, فالمفروض أن صعود جسدها يكون في 24طوبة أي بعد ثلاثة أيام من نياحتها, ولكن كما يقول السنكسار: هذا هو اليوم الذي فيه بر المسيح بوعده للآباء الرسل بأن يروا جسدها مرة أخري. وصارت الكنيسة تعيد في السادس عشر من مسري بصعود جسد العذراء مريم.فهذا الصوم بدأ بحياة العذراء مريم نفسها لأنها كانت إنسانة متعبدة, عذراء طاهرة حياتها كلها عبادة وصلاة, وعرفت الصوم منذ أن كانت طفلة في الهيكل, في السادسة والثامنة من عمرها كانت العذراء تصوم, وتعطي طعامها للفقراء وهي في الهيكل, عاشت في جو القداسة والصلاة والتسبيح, عرفت أن تصوم من طفولتها المبكرة مع الصلوات والعبادة والترنيم والترتيل. العبقرية المبكرة لطفلة في هذا السن عرفت الصوم, وأيضا عرفت العطاء, لأنها كانت تعطي طعامها للفقراء وتظل هي صائمة. ويقول عنها التاريخ والآباء القدامي إن الملائكة كانت تشفق علي مريم وهي طفلة فكانت تأتيها بطعام آخر, وهذا شرف مريم أنها وهي طفلة عرفت أن تصلي, وعرفت أن ترنم, وعرفت أن تصوم, وعرفت أن تعطي عطاء للفقراء والمحتاجين.وبعد قيامة المسيح وصعوده إلي السماء أخذت تمارس الصوم, لأنها أيضا كانت محتاجة إليه من جهة تعبدية, ومن جهة أخري للمضايقات والمتاعب التي رأتها من اليهود, فكانت تصوم متعبدة مع العذاري, وبعد ذلك الآباء الرسل أيضا قدسوا هذا الصوم. وصارت الكنيسة علي هذا الخط, وصرنا نحن إلي اليوم نحتفل بهذا الصوم المقدس ونعتبره من أحسن الأصوام ومن أجمل الأصوام.هذا الصوم لا يصام صوما عاديا, ولكن كثير من الناس يصومونه صوما نسكيا, فتجد كثيرا من الأقباط يأكل بالماء والملح, أي لا يأكل مأكولات أخري مطبوخة, ومن هنا ظهرت الشلولو, والشلولو كلمة قبطية, يأخذون الملوخية المجففة علي صورتها الطبيعية ويضعوا عليها خلطة من الثوم والملح والبصل والشطة فى ماء بارد بلا طبخ علي الصورة الأولية, وهذه قمة ما يمكن تصوره من حالة النسك للإنسان, لأن كونه يستغني عن الطعام المطبوخ ويقنع بالشلولو فهذا نوع من الزهد 2-الكنيسة فرضته إكراما للسيدة العذراء، المطوبة من جميع الأجيال (لوقا 2: 48). 3- الرسل هم الذين رتبوه اكراما لنياحة العذراء. 4- القديس توما الرسول بينما كان يخدم فى الهند، رأى الملائكة تحمل جسد ام النور الى السماء، فلما عاد الى فلسطين، واخبر التلاميذ بما رأه، اشتهوا ان يروا مارأى توما، فصاموا هذا الصوم فأظهر لهم الله فى نهايته جسد البتول، ولذلك دعى بعيد صعود جسد ام النور. 5- العذراء نفسها هى التى صامته، واخذه عنها المسيحيون الآوائل، ثم وصل الينا بالتقليد. 6- كان سائدا قديما، فأقره اباء المجمع المسكونى الثالث بالقسطنطينية سنة 381م، وطلبوا من الشعب ضرورة صومه. 7- ذكر ابن العسال انه صوم قديم اهتمت به العذارى والمتنسكات ثم اصبح صوما عاما اعتمدته الكنيسة "المجموع الصفوى / باب 15". وهو نفس رأى العلامة القبطى ابو المكارم سعد الله، وزاد انه كان يبدأ فى ايامه " القرن 13م ".. من اول مسرى الى الحادى والعشرين منه. وهذا ايضا هو نفس رأى العلامة ابن كبر فى القرن الرابع عشر بأنه صوم قديم اهتمت به العذارى والمتنسكات ثم اصبح صوما عاما اعتمدته الكنيسة. قال احد الآباء: " ان كان مناسبا ان تصير صيامات لاعياد ربنا يسوع المسيح، فهكذا يليق بأعياد امه الطاهرة ان نصوم صومها استعدادا لاخذ بركتها مثل كل الاعياد تطور صوم السيدة العذراء عبر التاريخ ارتبط صوم السيدة العذراء بأحد أعيادها الذي يعقب الصوم مباشرة، وهو عيد تذكار صعود جسدها إلى السماء في 16 مسرى. وجدير بالذكر أن هذا العيد سابقاً بزمن طويل للصوم الذي ألحق بها بعد ذلك بعدة قرون. 1- أول إشارة عنه في الكنيسة القبطية نجدها عند القديس أنبا ساويرس ابن المقع أسقف الأشمونين في كتابه "مصباح العقل" حيث يقول: والصيام الذى يصومه أهل المشرق ونسميه صيام البتول مريم، وهو في خمسة عشر مسرى. وبرغم أنها إشارة مبهمة إلا أنه يتضح لنا منها أنه صوم معروف فى الشرق المسيحي، ولكن يبدو أن الأنبا ساويرس يتحدث هنا عن صوم يوم واحد في 15 مسرى يعقبه عيد العذراء في 16 مسرى 2- في القرن الثانى عشر يأتي ذكر صوم العذراء في مصر صراحة لأول مرة ولمدة ثلاثة أسابيع، ولكنه صوم كان قاصراً على العذارى في البداية. وهو ما نقرأه في كتاب الشيخ المؤتمن أبو المكارم سعد الله بن جرجس بن مسعود (1209م) فيقول: "صوم العذارى بمصر من أول مسرى إلى الحادى والعشرين منه. ويتلوه فصحهم في الثانى والعشرين منه، وخلال النصف الثانى من 1250 بدأ هذا الصوم يزداد شيوعاً بين الناس، ولكنة كان بالأكثر قاصراً على المتنسكين والراهبات. فيذكر ابن العسال (1260م) في كتابة "المجموع الصفوى" عن هذا الصوم فيقول: صوم السيدة العذراء، وأكثر ما يصومه المتنسكون والراهبات، وأوله أول مسرى وعيد السيدة فصحه (أى فطره). 3- فى بادية القرن الرابع عشر نجد أن هذا الصوم قد صار شائعاً بين الناس كلهم، لأن ابن كبر (1324م) في الباب الثامن عشر من كتابه "مصباح الظلمة وإيضاح الخدمة" ينقل ما سبق ذكره عن ابن العسال، ولكنه حذف عبارة "وأكثر ما يصومه المتنسكون والراهبات". ولازال صوم السيدة العذراء حتى اليوم هو أحب الأصوام إلى قلوب الناس قاطبة في الشرق المسيحى، الذى اختصته العذراء القديسة بظهوراتها الكثيرة المتعاقبة وصوم السيدة العذراء عند الروم الأرثوذكس هو أيضاً خمسة عشر يوماً كما في الكنيسة القبطية، وهو خمسة أيام عند كل من السريان الأرثوذكس والأرمن الأرثوذكس. أما عند الروم الكاثوليك يوما الجمعة اللذان يقعان بين يوم 1، 14 من شهر أغسطس. ويصومه الكلدان يوماً واحدا. نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد
02 أغسطس 2022

والدة الاله

"ها ان العذراء تحبل وتلد ابنا ، وتدعو اسمه عمانوئيل""اشعياء ١٥:٧" وقد كان ذلك كله ليتم ماقاله الرب بفم النبي القائل "ها ان العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانوئيل ، الذي تفسيره ( الله معنا )"متى ٢٢:١'٢٣" "لأنه يولد لنا ولد ، ونعطى ابنا وتكون الرئاسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيبا مشيرا ، الها قديرا ، اب أبديا ، رئيس السلام" "أشعياء٦:٩" "وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا ، وتسمينه يسوع وهذا يكون عظيما وابن العلي يدعى" "لو٣١:١'٣٢" ١- العذراء في بيت أبويها أبو العذراء هو يواقيم وأمها هي حنة ، وكان كلاهما بارا نقيا لكنهما كانا مجربين بتجربة الحرمان من النسل وظلا يسألان الرب أن يرزقهما بنسل دلیل رضاه تعالى عليهما ، ولنزع عارهما من بين الناس ، وقد نذرا نظرا أن الابن أو الابنة التي يرزقان بها يهبانها لله خادمة في هيكلـــــــه واستجاب الوهاب العظيم طلبتهما وأرسل لحنة أولا ولزوجها يواقيم ثانيا الذي كرس أربعين يوما يقضيها في تعبد البرية لهذا الغرض ، أرسل الرب لهما الملاك غبريال ( جبرائيل ) الذي بشرهما بميلاد ابنة يدعوانها مريم ومنه يكون خلاص آدم وذريته وتم الوعد الالهى بميلاد السيدة العذراء في يوم الأحد الذي يـقـابـل بـحسب تقويمنا القبطى ( أول بشنس ) وظلت فـى عناية والديها اللذين لمسا فيها منذ صغر سنها بوادر عظمـة شأنها ، وقد بذلا في تربيتها في خوف الله وتقواه اهتم الوالدين اللذين يقدران الفضيلة وطهارة السيرة لأنهم كانا بارين سالكين في جميع وصايا الرب بلا لوم بقيت العذراء في بيت أبويها مدة سنتين وسبعة شهور وسبعة أيام حتى حان الموعد الذي فيه كان لابد للوالدين أن يبـرا بنذرهما أمام الله. ( ۲ ) العذراء في الهيكل : ـ كان يوم الأربعاء 3 كيهك هو يوم وفاء النذر بتقديم العذراء لخدمة الهيكل المقدس ... وبدأت منذ ذلك اليوم تخدم الله بطهارة نفسها وقد وجدت نعمة عند كهنة الهيكل وعند جميع من رآها ، وكان الجميع يشعرون بحياتها السمائيـة لدى تطلعهم الى وجهها النورانی ... قضت العذراء الطاهرة مدة بقائها في الهيكل في عبادة وصلوات وكانت الملائكة تحدوها بعناية شاملة وكانت تقدم لها طعاما سمائيا بينمـا كانت تعطى هي طعامها للفقراء والمساكين ولما بلغت سن البلوغ تشاور الكهنة في مصيرها لأن لا يجوز أن تبقى في الهيكل بعد هذا السن ... غير أن موقف العذراء يحتاج الى تفكير وروية لأن العذراء عند بلوغها هذه السن كانت يتيمة من الأب والأم ، فأبوها قد مات بعد ست سنوات وأمها بعد ثماني سنوات من عمرها ، وتعيد الكنيس بنياحة يواقيم البار في 7 برمودة من كل عام . أوعز الملاك الى زكريا أن يجمع عصى شيوخ المدينة وشبابها ويكتب على كل عصا اسم صاحبها وفي اليوم التالي افرخت العصا التي كان مكتوبا عليها اسم يوسف ، وزاد علـى ذلك أن حمامة بيضاء جميلة استقرت على رأسه . ففهم الكهنة أن هذه دلالة على أن ارادة الله اقتضت أن تكون مريم فى حمى يوسف ... وأحسوا أن الله تعالى يحب هذه العذراء حتى أنه زودها بهذه العجائب . وحرصا على سمعة العذراء التي ستدخل في كنف رجـــل ، رأى الكهنة وجوب عقد زواج رسمى بينهما ، وكانت الحكمة الالهية وراء ذلك اكمال التدبير الالهى بتجسد الفادی ، لأنــــه ان حبلت العذراء دون أن يكون بينها وبين يوسف عقد زواج رسمی لرجمت بالأحجار حسب الشريعة قبل أن تلد المسيح ويتم تجسد الفادي ولما كان العقد رسميا لذلك استطاع يوسف أن يأخذهـا الى بيته وأن تنطلق معه الى حيث شاء هو أن ينطلق فقد ذهبت معه للاكتتاب في بيت لحم وقد سافرت معه إلى مصر وبقيت في بيته حتى وفاته والدليل الثالث على أن العقد بين يوسف والعذراء كـان عقد زواجی رسمی انما هو أقوال الكتاب ونصوصه التي تثبت أن العذراء زوجة يوسف من ذلك قول الانجيلي " فيوسف رجلـهـا كان بارا" مت١٩:١ ثم أن الملاك ظهر ليوسف فى الحلم وقال " يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امراتك "مت٢٠:١... فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمـره ملاك الرب وأخذ امرأته مت٢٤:١، وقال القديس لوقا "فصعد يوسف ليكتتب مع مريم امراته " لو٥:٢ . ولهذا يكون قد اتضح لنا بالدليل التاريخي ، والدليل العقلي ، وأخيرا بالدليل الكتابي أن مريم العذراء كانـــــــــت مرتبطة مع يوسف بعقد زواج رسمی ... أما قول الكتاب أحيانـا عن العذراء أنها مخطوبة كقوله : " لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف مت١٨:١ ... ، وكقول القديس لوقا : فصعد يوسف ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى "لو٥:٢ ، فذلك لأنه رغم العقـد الرسمي بينهما كانت العذراء تنوى أن تظل بتولا ، وكذلك يـوسف الذي كان شيخا نحو التسعة والثمانين من عمره لم يكن يفكر في أن يعيش مع مريم كزوج مع زوجته بل كخطيب مع خطيبته فهـي امرأة رسما واسما وخطيبة فعلا وعملا نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات اللاهوتية العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي عن كتاب السيدة العذراء
المزيد
15 يوليو 2022

القيم التي تنبع من غسل الأرجل ج٣

القيمة الثالثة الخدمة :- ما معنى الخدمة ؟ الواقع الخدمة في مفهومها الجوهري هو شيء يسديه الإنسان لآخر عندما يكون في حاجة إلى هذا الشيء . أي واحد محتاج لأمر أيا كان هذا الأمر سواء كان شيء مادى أو شيء معنوى . ثم تنبرى أنت لتقديم هذا الشيء لهذا الأخ المحتاج إليه ، هذه تعد خدمة . مثلا أعمى رأيته يتخبط في الطريق ، فتلحق به وتمسك يده وتعبر به الطريق هذه خدمة ، لأن هذا الإنسان في حاجة إلى أحد يمسك يده . إنسان مريض يتلوى من الألم ، كونك لا تتركه وتبحث عما يخفف عنه الألم ، ولو استدعى الأمر أن تدعو له طبيب أو تحضر له دواء ، أي شيء يخفف عنه الألم هذه خدمة ، واحد يغرق في النيل أو في الترعة أو يستغيث وأنت تعرف السباحة ، وتنزل مباشرة وتنقذ هذا الإنسان هذه خدمة نوع آخر من الخدمة ، واحد محتاج لأى نوع ، ينقصه شيء ، وأنت تقدر أن تحضره ، أي شيء مادي أو معنوی ، افرض أنك أنت في مستوى دراسي أعلى ، ويوجد تلميذ محتاج إلى مساعدتك ، و انبريت لخدمته بأن شرحت له درس بلا شك أن هذه خدمة ، فالخدمة ليس لها باب واحد ، وليس لها طريق واحد ، القاعدة العامة هي أنك تسدى خيراً لإنسان هو في حاجة إليه ، لكن لو لم يكن في حاجة إليه لا تكون خدمة . لأن في بعض الأحيان الإنسان لو عمل ذلك قد يتلف الشخص الآخر ، مثل واحد فقير محتاج إلى شيء فيمد يده فأنت تعطيه ، في هذه الحالة أنت تخدمه ، لكن لو رأيت إنسان قادر على العمل ومع ذلك يمد يده ، واستمر على ذلك أنت تشعر أنك لو أعطيته تتلفه وتفسده ، لأنه سيأخذ على ذلك وهذا يضره ، في هذه الحالة لاتعتبر أن هذه خدمة ، إنما إذا استطعت أن توجهه أن يعمل أو تعطيه فرصة عمل ، أو تسعى أن تلحقه بعمل ، أو في بعض الأحيان واحد يعطى لآخر مبلغ لكي يفتح به محل ، أو يبدأ به مشروع هنا خدمة ، كنت أرى من زمن شاب يلبس جلباب أبيض ، أنيق وحالق ذقنه ، وحذائه نظيف لامع ، ويقف على باب الكنيسة أو على باب الجمعية ويمد يده وعليها منديل الحقيقة قد تعطى له مرة أو إثنين ، ثم يأتي وقت من الأوقات قلبك يتقسى ، لأنك تشعر أعطيت هذا الإنسان كأنك تتلفه ، إنما عندما يكون واحد في حاجة تعطيه هذا واجب عليك أن تساعده ، كل شيء لابد أن يكون بحكمة ، لذلك الآن في المجتمعات الحديثة التنظيم الحالي للعطاء ، نحن نعطى الكنيسة والكنيسة تعرف إحتياجات شعبها ، والأصل في ذلك أن الآباء الرسل أقاموا الشمامسة للخدمة الإجتماعية ، فهذا إختصاص الشماس الأول الخدمة الإجتماعية أي خدمة الفقراء ، عندما تقرأ في أعمال الرسل أصحاح 6 تجد أن الشمامسة الذين رسموا كان إختصاصهم الأول الخدمة الإجتماعية ، وهي أعمال التوزيع على الأيتام والمساكين والفقراء ، هذا عمل مهم جداً من أعمال الخدمة الإجتماعية للآخرين ، إنما مبنية على أساس الإحتياج ، لذلك يقول : " إن كانت أرملة لها أولاد أو حفدة فليتعلموا أولا أن يوقروا أهل بيتهم ويوفوا والديهم المكافأة " ( 1 . تيموه : 3 -5 ) ، لكي لايثقل على الكنيسة ، أما الأرملة " التي هي بالحقيقة أرملة " وهنا يفرق بين الأرملة التي هي بالحقيقة أرملة أي المحتاجة فعلا ، إنما الشخص القادر لماذا يترك أمه للكنيسة ؟ هذا واجبه أولا نحو أمه ونحو جدته لكى لا يثقل على الكنيسة ، إنما الكنيسة تعطى للأشخاص الذين ليس لهم أحد عائل فكرة الخدمة أساساً أنك أنت تسدى الخير لإنسان هو في حاجة إليه ، إنما إذا كان ليس في حاجة إليه أنت تتلفه بذلك ، اخدمه بشيء آخر ، محتاج يتعلم ، محتاج مهنة أو حرفة ، ولذلك شيء جميل جدا في مجتمعاتنا الحديثة وفي كنائسنا ، أجد مثلا بالنسبة للبنات ، يقيموا فصول أعمال التطريز والخياطة وما إليها ، خدمة كبيرة أن تخرج الفتاة ذات حرفة أو قادرة على أن تعمل ، فيما بعد تقدر أن تعول نفسها أوتعول أسرتها حينما تكون في حاجة إلى ذلك ، وكذلك بالنسبة للأولاد ، في المجتمع الحديث العطاء لا يكون بغير حساب ، إنما لابد أن يكون هناك عملية تنظيمية ، الناس الذين لا يعرفون أن يوزعوا عشورهم ، الأفضل أن يحضروها للكنيسة ، والكنيسة هي التي تتولى هذه العملية . ولذلك لابد أن يكون في الكنيسة بإستمرار لجنة تختص بهذا الأمر ، وهي لجنة إجتماعية سواء من الشمامسة أو من بعض أراخنة الشعب لكي يقوموا بهذه العملية ، ليبحثوا عن المحتاج فعلا ، وهناك ناس يذهبوا إلى البيوت ويقدروا مدى إحتياج هذا الشخص ، حتى لا يكون العطاء مجرد عملية مجنونة من غير عقل ومن غير حساب ، لابد أن تكون محسوبة لتأتى بالفوائد الأعظم .نعود مرة أخرى لفكرة غسل الأرجل ، فهي تحمل إلى جوار معنى التواضع معنى الخدمة والخدمة معناها أن تسدى الخير لإنسان في حاجة إليه ، حينما تشعر أن إنسان محتاج لشيء لابد أن ضميرك يحركك أن تصنع معه شيء ، مادمت تقدر أن تخدمه لابد أن تتحرك ، وإن لم تصنع ذلك فأنت لم تستفد من هذا الدرس الذي أعطاه المسيح ، وهو غسل الأرجل لكي يعطينا شرف خدمة الآخرين ، وهذا الشرف معناه أنه أنا كإنسان أعمل عمل سیدی ، من سیدی ؟ سيد الكون . الله صانع الخيرات ، إحدى صفات الله أنه صانع الخيرات ، فالإنسان منا مدعو يشارك سيده في أن يصنع الخير ، ويمد آفاق الملكوت ويمد آفاق الخير ، ولذلك هذا التعبير هو الذي استخدمه بولس " نحن عاملان مع الله " ، أنت عامل مع الله لأن الله هو الخير الأعظم وهو صانع الخيرات ، فأنت عندما تعمل الخير تكون عامل مع الله ، والمحصلة بعد ذلك أن الخير يمتد ، لأنه لماذا خلق الله الإنسان ؟ هل الله في حاجة إليه ؟ لا .. هذا شرف أعطاه الله للإنسان أن يخلقه لمهمة ليعمل ، الله عندما خلق آدم الأول خلقه بعد أن خلق له كل شيء ، خلقه في آخر الحقبة الثالثة ، بعد أن خلق الحيوان والطيور والزحافات إلى آخره ، ثم خلق له الجنة ، ووضعه في الجنة ليحرسها ويفلحها ، لابد أن يكون له مهمة ، حقا أن الجنة خلقت قبله ، لكنه له مهمة وهذه المهمة مهمة شريفة ، وهي أن يكمل عمل الله أو يمد عمل الله . " ليفلحها " ولذلك يعد آدم هو الفلاح الأول ، وهذا شرف له أن يفلحها ويحرسها من إعتداءات الحيوانات ، أو مما يسموه عوامل التعرية ، ويحتاج الشجر إلى مايسمى بالتشذيب ، وهي قص الفروع الجافة التي تمنع إمتداد ونمو الفروع والأوراق ، فالفلاح يشذب ويهذب الأطراف ، فأدم كان له مهمة ، على الرغم من أن الله أعطاه كل شيء ، مهمة أن يفلح الأرض ، يحرثها ويعطى فرصة للهواء وللماء أنها تدخل في التربة ، وأعطاه الله أيضا مهمة الحراسة ، وهي مهمة الكاروبيم ، الذين هم أرقى أنواع الملائكة ، هؤلاء حراس العرش الجالس عليه الله ، أنت الجالس فوق الكاروبيم ، وهل الله محتاج لحراسة ، من ماذا يحرسوا العرش ؟ ! ، لاشيء لكنه شرف أضفاه الله على كائنات خلقها وخلق لها وظيفة وهو في غنى عنها ، إنما الكائن يشعر أنه موجود وأن وجوده له معنى ، عندما أن له وظيفة وله إختصاص ، أحيانا عندما ينتقموا من إنسان ينقلوه من وظيفته إلى مكان بلا وظيفة وبلا مكتب وبلا مسئولية ، .. ورغم أنه يستلم مرتبه لكنه يشعر بالمهانة ، وتجرحه كرامته الإنسانية من هذا الإهمال ، لأنه في مكان ولا عمل له ، على الرغم من أنه يأخذ مرتبه لكنه يحس بعدم كرامة أمام نفسه ، لكن متى يشعر الإنسان أن له قيمة ؟ عندما يحس أنه معين في عمل مطلوب منه ، فيحس أن له معنى . يشعر الملائكة الكاروبيم يسموهم حراس العرش ، ولو أنهم هم حملة العرش ، ويحرسه من من ؟ الله غير محتاج لحراسة ، حاشا !! إنما الحراسة من كائنات أخرى تتعدى حدودها ، فتقوم هؤلاء الملائكة بإيقاف هذا الكائن عند حده . مثلا سطانائيل وهو الشيطان عندما تجاوز حدوده ، " .ووقع فيما يسمى بخطيئة الكبرياء ، والكبرياء معناها أنه أعطى لنفسه حجماً أكثر من حجمه ، ومعناه أن الشيطان ارتأى في نفسه أنه أذكى من الله ، ورأى أن الله يصنع أشياء فانتقدها ، كما يحدث أن إنسان ينتقد أبوه أحيانا أو تلميذ ينتقد المعلم ، فما حدث أن الشيطان لم تعجبه حكمة الله ، هذا هو الكبرياء بالنسبة للشيطان ، ما معنى يتكبر ؟ هو يعرف نفسه أنه مخلوق ، لكن نوع الكبرياء أنه انتقد الفكر الإلهي ، وهذه الخطيئة نقع فيها كلنا ، عندما الصغير ينتقد الكبير ، مثلا الإبن يحتقر فكر أبوه ، أو التلميذ يحتقر فكر المعلم ، يحتقره في قلبه ، هذا الإنتقاد كثير ما نقع فيه ، الناس تقول أين الله ؟ لماذا يترك هذا الشرير ؟ لماذا لم يعمل كذا .. ؟ وهذا معناه أنه يرى أن الله مقصر ، وأنه يفهم أشياء أكثر من الله ، هذه هي خطيئة الشيطان ، الكبرياء كانت من هذا النوع ، الله أعلن للملائكة تدبير معين ، هذا التدبير الغالب هو موضوع التجسد ، لأنه يقول : " دم المسيح معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم " ( 1 . بط ۱ : ۲۰ ) . فمعلومة منذ الأزل تدبيرات الله ، فقبل أن يخلق الإنسان ، أعلن للملائكة أنه سيخلق إنساناً من تراب ، ويعطيه وصية ثم يخالف هذه الوصية ، ويقتضى الأمر أن الله يأخذ صورة الإنسان ويتجسد ، ويأخذ الطبيعة الترابية للإنسان ويخلصه . فكر من هذا القبيل لم يعجب الشيطان كيف يأخذ الله طبيعة ترابية ، هذا الفكر احتقره الشيطان ، احتقر فكر الله ، من هنا جاءت كلمة الحراسة ، ميخائيل رئيس الملائكة ، . معنى " ميخائيل " " من مثل الله " . فعندما يأتى إنسان يدعى لنفسه شيئا وهو من حق الله ، أول من ينبرى له ميخائيل ليوقفه عند حده ، وهذه المهمة هي التي قام بها ميخائيل في حربه مع الشيطان وأسقطه ، يقول : " حدثت حرب في السماء ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وملائكته ، ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء " ( رؤ ۱۲ : ۷ ) ، ويقول : " لأنه إذا كان الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا ، بل في سلاسل الظلام طرحهم في أعماق الجحيم ، بقيود أبدية تحت الظلمة محروسين ليوم القضاء " ( ۲. بط ٢ : ٤ ) ، هذه مهمة ميخائيل لأن سطانائیل تعدى حدوده ،ولم يحترم فكر الله ولم يخضع ، ولكن إرتأى فوق ما ينبغي أن يرتأى وكانت هذه الكبرياء . فكلمة الحراسة هنا ليس بمعنى أن الله محتاج للحراسة ، المعنى الأولى أو البسيط أو السطحى من كلمة الحراسة ، مثل العسكري الواقف على الباب لكى يحرس البيت من اللصوص ، وإنما الحراسة بمعنى أنهم يكونوا يقظين ، ولذلك هم مملوئين أعينا لترمز إلى الصحو وإلى اليقظة المستمرة وأنه حارس ، وهذا رأيناه عندما سقط آدم في الخطيئة ، وكان الله قد أظهر له شجرة الحياة ، ووعده أن يأكل من شجرة الحياة لو لم يخطىء . فلما رسب في الإمتحان يقول الكتاب : " أقام شرقى جنة عدن الكاروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة " ( تك 3 : ٢٤ ) ، ليمنع الإنسان من أن يقترب لشجرة الحياة ، هذه مهمة الكاروبيم ، حراسة شجرة الحياة لأن هذا الإنسان غير أهلا ، حتى لا يتجاسر ويأكل من شجرة الحياة . "فالحراسة وظيفة ، فعندما خلقنا الله خلق لنا وظيفة ، وظيفتنا أننا نعمل مع الله ، الله إله الخير وصانع الخيرات ، فلنا شرف أن نعمل مع سيدنا بأن ننشر الخير ، وماهو الخير ؟ أن تسدى للإنسان الخير الذي في حاجة إليه ، ولذلك مهمة التعليم في مدارس التربية الكنسية ، والتعليم والوعظ في الكنيسة تعد خدمة ؟ لأن هناك أشخاص محتاجين إليها ، قد يكون طفل أو شاب أو شابة أو شخص كبير محتاج لشيء من التعليم والفهم والمعرفة ، فكونك تقدم له هذه المعرفة التي هو في حاجة إليها ، أنت تسدى إليه خير وهذه خدمة الخلاصة أن كلمة الخدمة ليست قاصرة فقط على الدروس التي نعطيها للأطفال أو لصغار الشباب ، الخدمة هي كل خير أنت تسديه لإنسان هو في حاجة إليه ، أيا كان هذا الخير ، لو كان خير مادى أو خير معنوی . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
08 يوليو 2022

القيم التي تنبع من غسل الأرجل ج٢

القيمة الثانية : الاتضاع :- مجرد أن الإنسان يأخذ وضع الخادم ، وقد يكون في مركز أعلى من الذي يغسل له رجليه ، فكونه يأخذ هذا الوضع وينحنى ، هذه فضيلة لأن فيها معنى التواضع . وقلنا أنه في الثلاثينيات كنا نذهب إلى الأديرة ونجد الآباء الرهبان رغم أنهم شيوخ ونحن شباب صغير ، كانوا يصروا أن يغسلوا أرجلنا ، ويطلبوا أن لا نحرمهم من هذه البركة : يريد أن ينفذ وصايا الكتاب المقدس الذي يقول " لاتنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون وهذه القصة واضحة في سفر التكوين ، أن إبراهيم أبو الآباء أضاف ثلاثة رجال ، اتضح له فيما بعد أنهم ليسوا رجالا عاديين ووصفوا بأنهم ملائكة ، لكن هم في الواقع كانوا السيد المسيح في الوسط والملاك ميخائيل على يمينه والملاك جبرائيل على يساره . لذلك يقول الكتاب المقدس في سفر التكوين أصحاح ۱۸ : ۲۲ " فانصرف الرجال من هناك ، وذهبوا نحو سدوم وأما إبراهيم فكان لم يزل قائما أمام الرب " يكلمه ويقول له : " أديان كل الأرض لايصنع عدلا ، هب أن هناك في سدوم خمسين بارا في المدينة أفلا تصفح عن المكان كله من أجل الخمسين ؟ . قال إن وجدت هناك خمسين باراً أصفح " ، إذن من الذي يتكلم ؟ هو صاحب السلطان على الصفح والغفران ديان كل الأرض ، ثم يرجع ويقول له ها أنا أشرع أكلم المولى وأنا تراب ورماد ، لا يغضب المولى فأتكلم هذه المرة فقط ، هذا يدل على أن إبراهيم أدرك أنه هو المسيح نفسه ، وهذا مانسميه أحد ظهورات المسيح قبل التجسد من مريم ، وأول صورة للظهور ذكرها الكتاب المقدس عندما أخطأ أبونا آدم وحواء ، يقول سمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. يقول الكتاب لاتنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لايدرون ، فالذي عمله إبراهيم أول شيء أنه غسل أرجلهم ، إضافة الغرباء قبل تقديم المائدة ، قبل أن يقدم المائدة غسل أرجلهم ، غسل الأرجل كان يعد فضيلة لأنه خدمة تريح الإنسان ، فغسل الأرجل له هذه القيمة ، قيمة إراحة الآخر ، أي شفاء من التعب ، شفاء المرض الجسداني ، لأن تعب الإنسان نوع من أنواع المرض ، فهذا يعتبر خدمة تؤدى للإنسان المتعب ، كما أن غسل الأرجل دليل على التواضع ، خصوصا إذا كان الكبير هو الذي يقوم بهذه العملية . وهذا ما قاله المسيح أن الأعظم بينكم هو الذي يخدم وأنا كنت كالذي يخدم " سيد القوم خادمهم " فهنا السيد المسيح قدم مثال عملی کیف ؟ الكبير يخدم الصغير ، هو الكبير وقام بعمل غسل الأرجل ، فهنا تعليم أن غسل الأرجل في ذاته فضيلة وليس فقط أنه يريح الإنسان ، ولكن يحمل وراءه معنى التواضع ، ما معنى التواضع ؟ كثيرا جدا نستخدم كلمة التواضع في الكنيسة ، في الوعظ وفي التعليم وفي القراءات وفي الكتابات ، في اللغة العربية التواضع من وضع يضع ، فالحقيقة التواضع كفضيلة معناه أن الإنسان يعرف قدره ، فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمه وهو الغرور ، الإنسان يكون منفوخ في نفسه ، ويضخم نفسه نتيجة شعوره بأن عنده مواهب أو إمكانيات أو غنى أو أكثر علما أو حصل على شهادات أعلى ، فيأتى له إحساس بالإرتفاع ، يرتفع قلبه إحساساً منه أنه أفضل من غيره ، هذا الشعور بالتفوق يجعل الإنسان يحس أنه هو أعلى من غيره ، وقد يصاحبه أيضا إحتقاره لغيره ، يحس أن هناك فرق بينه وبين غيره ، وأن هذا الغير أقل منه ، إنما الإنسان المتواضع هو الذي يفهم نفسه على حقيقتها فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمها ، وأيضا لاينزل نفسه إلى أقل مما يجب ، تقول كيف ذلك ؟ لأن هناك تصرفات معينة لا تليق بك أن تتصرفها ، ولو أنت صنعتها لا تقول عنها أنها تواضع لأنها تنزل من كرامتك كإنسان ، فلو أن هناك أخطاء معينة عملها الإنسان تنزل من مكانته الإنسانية لابد أن يتولد عنها أنه هو نفسه يحتقر نفسه ، في بعض الأحيان توجد خطايا معينة تعملها ، وبعد أن تعملها تحتقر نفسك ، لأنك رأيت نفسك أنك لا تقدر أن تنتصر على نفسك ، أحسست أنك نزلت ، هذا الإحساس بالنزول ليس تواضع ، هذا إذلال لنفسك و إذلال لكرامتك الإنسانية ، التصرف الذي لايليق بك ، لا يكون تواضع ، إنت كإنسان .وخصوصا کمسیحی خلقك الله على صورته ومثاله ، لك كرامة ، كرامة الإله الذي تنتسب إليه . فلا تقبل أن تتنزل وتهين روحك وتهين خليقة الله بهذه التصرفات التي لا تليق بك .التواضع هو أن يعرف الإنسان قدره ، فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمه ، ولا يتنزل إلى تصرفات لاتليق به ولا تليق بإنسانيته ، أو أن يستعبد لعادة رديئة ويبقى عبد كما قال المسيح " إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً " ، لأنك كإنسان إذا استعبدت لعادة من العادات الرديئة ، وتقول أنا لا أقدر أن أتركها ، أليست هذه إهانة لطبيعتك ، وأنك أصبحت مستعبد لعادة رديئة ، حتى لو كنت سيد ، وحتى لو كنت كريم ، وحتى لو كنت حاصل على شهادات ، عندما تنظر إلى كأس من الخمر تسبيك أو سيجارة تنزلك عن مستواك الإنساني ، في مرة واحد من الناس كان مستعبد بشيء ذهب للصيدلى ، وانحنى يقبل حذاءه لكي يعطيه طلبه والصيدلى يمتنع ، أزل نفسه وهو رجل محترم ومركزه كبير وحاصل على شهادة عالية ، وهو رجل كبير ويقبل الحذاء ، هل أسمى هذا تواضع ؟ . فهنا وراء غسل الأرجل فضيلة التواضع ، ولذلك نحن في لقان خميس العهد يقال في صلوات الكنيسة " رسم التواضع " رسم التواضع الذي هو غسل الأرجل . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
01 يوليو 2022

القيم التي تنبع من غسل الأرجل ج١

يتحدث الكتاب المقدس في الأصحاح الثالث عشر من إنجيل معلمنا يوحنا ، عن عمل قام به المسيح لفت نظر الجماهير ، وأصبح أيضا عملا متميزا عبر الأجيال كلها وهو " غسل الأرجل " . كون المسيح له المجد يغسل الأرجل لتلاميذه ، هذا درس عملي يقدمه المعلم ، والمعلم الناجح يقدم وسيلة إيضاح عندما يشرح درس ، لأن الإنسان بطبيعته روح مرتبط بجسد ، فالإنسان يتأثر بالمحسوسات أكثر من التعليم النظري ، التعليم النظري قابل لأن ينسي ، وقابل أيضا بأن يشرد عنه الذهن فلا يلتفت الإنسان إليه ، أو يمر عليه مروراً سطحياً أو عابرا . إنما النموذج العملي والممارسات العملية ووسائل الإيضاح الحسية ، تطبع في الإنسان أثراً أعمق وأقوى مما يطرحه التعليم النظرى القابل لأن ينسى . القيمة الأولي إراحة الآخر : فسيدنا له المجد كونه يضع ماء في مطهرة أو في مغسل أو في حوض أو ما نسميه اللقان في خميس العهد ويأخذ وضع الخادم ، في العهد الذي ظهر فيه سيدنا في فلسطين لم يكـن هناك طرق مواصلات متوفرة مثل زماننا الحاضر ، ولم يكن هناك سيارات ، وكان الإنسان يمشى على رجليه ، ومع قطع المسافات الطويلة كان الإنسان يشعر بالإعياء ، فكان أول شيء يصنعوه له عندما يدخل بيت ، أن يغسل رجليه ، سواء كان في بيته فالشخص بنفسه أو خادمه يغسل له رجليه . وأيضا إذا دخل بيت آخر كضيف ، لهذا كان من أولى واجبات الضيافة أن الضيف تغسل رجليه ، فكان يكلف الخادم أن يأتى بحوض ويضع فيه ماء ثم يغسل رجلي هذا الإنسان ، غسل الأرجل مع التعب تعطيه راحة ، فتعد هذه خدمة للإنسان المتعب والمرهق من قطع المسافات وهم وأيضا عندما كنا نذهب إلى الأديرة في الثلاثينيات ، كنا نلاحظ أن الآباء الرهبان أول شيء عندما نصل لأننا كان نسير على أرجلنا ، كانوا يحضروا حوض به ماء دافيء وأحياناً يضعوا فيها شيء من الملح البسيط ، فأول شيء يصنعوه عند استقبالنا هو غسل الأرجل ونحن كنا شباب صغير فكنا نتمنع أو نستكلف ، وهم آباء كبار كيف يغسلوا أرجلنا ؟ فكانوا يقولوا لنا لا تحرمونا من هذه البركة ، لماذا ؟ لأنه يشعر أنه يعمل العمل الذي عمله السيد المسيح ، فيشعر أنه يتمم واجب ويعمل فضيلة ، وتسمعوا في الكنيسة عن الأنبا بيشوى ومذكور عنه حتى في القداس أنه غسل قدمی مخلصنا الصالح ، فسيدنا له المجد من محبته للأنبا بيشوى ظهر له شكل إنسان كأنه ضيف من مكان بعيد ، فقام الأنبا بيشوى بغسل قدميه وهو لا يعلم أنه هو المسيح ، فسيدنا له المجد تلطف به وظهر له بكامل حقيقته ، فذهل الأنبا بيشوى أن سيدنا له المجد بذاته نزل إلى قلايته أو إلى غرفته وشرفه بهذا الشرف ، ولاشك أنه نال بركة كبيرة جدا لأنه غسل قدمي المسيح نفسه ، فهذه تعتبر بإستمرار فضيلة ، وكان في بداية المسيحية إختيار المرأة الشماسة يقوم كما جاء في رسالة بولس الرسول إلى تلميذه تيموثيئوس ، على أنها قد غسلت أرجل القديسين . كأول مؤهلاتها لكي تنال درجة الشماسية . فهنا بالنسبة للكل رجال ونساء هذه فضيلة ، فسيدنا له المجد كونه هو نفسه يأخذ هذا الوضع وينحنى كخادم ، وقال أنا بينكم كالذي يخدم وكلمة " يخدم " في اليوناني " دياكون " وهي المصطلح الكنسي لكلمة " الشماس " فالمسيح مارس مهمة الشماس كما مارس أيضا مهمة القارىء ، عندما قرأ الفصول المقدسة التي يقرأها الأناغنوستيس ، ومارس جميع درجات الكهنوت بما فيها الأسقفية ولذلك يقول الكتاب : " لأنكم رجعتم الآن إلى راعي نفوسكم وأسقفها " ( 1 . بط ٢ : ٢٥ ) ، المهم أنه عندما غسل المسيح الأرجل ، بطرس الرسول استعظم هذا الأمر وقال له " لن تغسل رجلي ، فقال له " أنت لا تفهم الآن ولكنك ستفهم فيما بعد، لماذا أنا عملت ذلك ، هناك هدف وراء هذا العمل ، يوجد درس أنا أعطيه وسيلة إيضاح ، " إن كنت لا أغسلك فليس لك معى نصيب " ، هدده ، وأصر المسيح على أن يغسل.رجليه ، فقال له : " ياسيد ليس رجلي فقط بل يدي ورأسي " لأنه يهمنى أن يكون لي نصيب معك . وبعد أن غسل الأرجل جلس ، لاحظوا في عملية غسل الأرجل كونه أخذ مئزرة وائتزر بها وأخذ وضع الخادم ، لأنه في هذا الوقت كان الناس يلبسوا ملابس طويلة فيحتاج أن يرفع ملابسه ، لأن عملية الغسل تحتاج منه أن ينحنى فلا تبتل ملابسه ، رجال الكهنوت يلبسوا ما يسمى بالحياصة أو المنطقة ، وقد ظهر بها السيد المسيح في سفر الرؤيا للقديس يوحنا الحبيب ، عندما رأه في الرؤيا العظيمة ، يصفه في الأصحاح الأول من سفر الرؤيا أنه كان يلبس ملابس بيضاء إلى القدمين ومتمنطقا بمنطقة عند صدره ، ولهذا السبب يلبس الأسقف مثل هذه الملابس لأنه يمثل سيده ، وهذه المنطقة دليل أو علامة أنه خادم ، وفي بعض الكنائس الأخرى يعطوا الكهنة رغم أنه ليس أسقفاً لقب مونسنيير وتعنى سيدنا ، ولذلك يلبس حزام أحمرلكي يشير به إلى أنه خادم . وقال لهم السيد المسيح : أنتم تدعوني معلماً وسيداً وحسنا تقولون لأني أنا كذلك ، أي هذا ليس نفاق ولا ادعاء ، فأنا المعلم وأنا السيد ، ولكن إن كنت أنا المعلم والسيد قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض ، لم يطلب منهم أن يخدموه أو أنه يقوموا بغسل رجليه ، إنما طلب منهم أن يصنعوا ذلك بعضهم نحو بعض . ما الحكمة في هذا ؟ !! عملية غسل الأرجل في ذاتها خدمة ، أذكر رجل الآن في العالم الآخر ، كان يذكر من بين فضائل زوجته ، يقول : حتى لو دخلت الساعة ١٢ بالليل تدفىء الماء وتغسل رجلي ، لم ينس لها هذا الفضل ، لأن هذه فعلا خدمة مريحة ، فعندما نريح إنسان تعبان تعد خدمة . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
24 يونيو 2022

غسل الأرجل ومفهوم الخدمة

إن سيدنا ومخلصنا له المجد جعل نفسه خادماً ، وقال : " أنا بينكم كالذي يخدم " ( لو ٢٢ : ٢٧ ) ، " أنتم تدعونني معلماً وسيداً وحسنا تقولون لي لأني أنا كذلك ، فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فيجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض " ( يو ١٣ : ١٣ ، ١٤ ) . والحقيقة عندما نتأمل ما معنى غسل الأرجل ؟ ولماذا كان غسل الأرجل في يوم خميس العهد ؟ وما حكمة المسيح في أنه يقوم ويغسل أرجل تلاميذه ؟ هل هو مجرد ممارسة عمل من أعمال الضيافة التي كانت تقتضيها ظروف ذلك الزمان ؟ لم يكن هناك أحد يوم خميس العهد جاء من مكان بعيد حتى أنه يغسل أرجلهم بإعتباره المضيف ، إنما كان هناك لاشك معانى واسعة في أنه وهو المعلم وهو السيد يأخذ وضع الخادم . فهنا قلب المسيح مفهوم الخدمة . الخادم ليس هو الإنسان الذي يتكلم من فوق والناس من تحت ، لا .. ، الخادم هو الذي ينحنى ويأخذ الوضع الأدنى ، والمخدوم يكون هو في الوضع الأعلى ، هذا الكلام ليس معناه التواضع ، ولكن هذا هو مفهوم لمعنى الخدمة . ما معنى الخدمة ؟ الخدمة أن يسدى الإنسان الخير لإنسان في حاجة إليه ، وإحتياجات النفس البشرية كثيرة ، ليست نوع واحد ، إذن كل نوع من الخير يسديه الإنسان إلى آخـر في حاجة إليه ، هذه خدمة بكل معنى كلمة الخدمة ، فالخدمة ليست فقط أن يلقى الإنسان درساً أو أن يلقى عظة أو أن يقف على منبر ليكلم غيره من الناس ، ينقل إليهم خبرا أو ينقل إليهم تعليما ، ليس هذا هو المفهوم الكامل للخدمة ، هذا جزء من عمل الخدمة ، إنما هناك مفهوم أعم وأشمل للخدمة . فإذا وجد الإنسان أعمى في الطريق وأمسكه بيده وقاده فهذه خدمة ، حتى لو كانت خدمة ليس فيها نوع من الكلام ، في بعض الأحيان يكون هناك إنسان مجرب أو متألم أو حزين ، لمناسبة أو لأنه فقد قزيبه أو عزيزاً عليه ، في بعض الأحيان عندما تكون التجربة صعبة الإنسان لايجد كلام يقوله لهذا الإنسان المكلوم ، مثل هذا الإنسان ذو التجربة القاسية عندما تعزيه ، تكون حالته النفسية متعبة ، لدرجة أنه يشعر أن أي نوع من الكلام كأنه رجم الطوب بالنسبة له ، خصوصا بأن يوجد بعض الناس عندما تعزى ، يكون عزاؤها فيه نوع من اللوم والتقريع لهذا الإنسان ، إذا صدر منه أي مظهر من مظاهر الحزن غير المرغوب فيه ، ففي بعض الأحيان لايفيد الكلام ، أو يكون مؤلم بالنسبة لهذا الظرف المعين رغم أنه يحتاج إلى من يكلمه كلاماً يعزيه أو يصبره أو يجعله يحتمل ، لكن في بعض الأحيان مجرد الوجود مع الشخص حتى لو لم يكن هناك كلام ، يكون له فائدة ويكون نوع من الخدمة . عندما الإنسان يحس أن من هم حوله يحملون معه التجربة أو الألم ، هذه بمفردها وبدون كلام تعمل على التخفيف وعلى الترطيب وعلى التهدئة ، وأقول في بعض الأحيان ، يكون الصمت أفضل من الكلام أمام بعض التجارب المؤلمة . فمجرد وجودك مع إنسان متعب ، كونك تجلس معه حتى لو لم تكلمه كلاما ، وجودك بجواره خدمة ، إذن ليست الخدمة فقط في مفهومنا هي الدرس الذي يلقيه الإنسان ، أو العظة أو التعليم ، لا شك أننا محتاجين لهذا ، لكن هذا ليس كل شيء ، نريد أن نوسع مفهوم الخدمة ، فلا تكون الخدمة فقط الدرس الذي هي نلقيه أو العظة أو المحاضرة أو الحديث ، وإن كان لا غنى لنا عن هذا ، إنما أيضا هناك أنواع أخرى من الخدمات ، يمكن أنها تسدى خيرا لأشخاص في حاجة إليها ولا يكونون في حاجة إلى وعظ أو إلى درس أو إلى محاضرة . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
17 يونيو 2022

الخدمة وكيفية ممارستها

أولا : قيم ومفاهيم الخدمة مفهوم الخادم والخدمة : الخادم بالمعنى المفهوم للكلمة ، هو الإنسان الذي يربط وسطه ليعمل في المنزل ، ينظف ويطبخ . ويقـدم لـرب البيت ولربـة البيـت ولأفراد المنـزل مـا هـم في حاجة إليـه مــن طعام وشراب و ... ، هذا هو المفهوم الموجود في أذهاننا ، وربما لهذا السبب ومن أجله سيدنا له المجد عندما أراد أن يغسل أرجل التلاميذ ائتذر بمئذرة ، أي ربط وسطه بمنديل لكى يقـوم بـدور الخادم ، وانحنى على الأرض وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ، والبطريرك والأسقف والكهنة يفعلوا كما فعل المسيح ، ولهذا في تقليد الكنيسة أن رجال الدين يربطوا وسطهم بحزام ، وكذلك الرهبان يلبسوا المنطقة ، القصد من هذا أن الراهب قائم على خدمة الله وعبادته ، فيعبر عن هذه الخدمة بأن يربط وسطه ، رمز على أنه خادم الله ، لأن ربط الوسط يمكن الإنسان من أن يجمع ملابسه الواسعة لكـى يـكـون عنـده إستعداد بـأن يـقـوم بنشاط حركي كبير ، وحتى السيدات كن يلبسن الزنار ، والسيدة العذراء كانت تلبس زنار لكي تتمكن من العمل ، وأن تنحنى وأن تقـف بـدون عائق ، فهذا هو الأساس في أن سيدنا لـه المجد ربط وسطه بمئذرة ، وكذلك الكاهن يربط وسطه بالمنطقة لأنه يقوم بدور الخادم . المفهوم الخاص للخدمة : في المجال الكنسي عندما نقول خادم أو خدمة ، عادة ينصرف تفكير الإنسان بأن الخدمة هي العمل التعليمي في الكنيسة سواء كان للكبار أو للصغار ، ومفهوم الخدام هنا هو المعنى المحدود في خدمة التعليم المناسب للكبار وللصغار أيضا. المفهوم العام للخدمة : أما الخدمة في مفهومها المسيحي العام ، هي كل نوع من الخير يسديه الإنسان إلى شخص يكون في حاجة إليه ، فليس مفهوم الخدمة هو أن يلقى الإنسان درساً على أطفال أو على كبار فقط ، ولكن هناك معنى أعم للخدمة يظهر في الخدمات العملية ، فإذا كان الواحد يمشي في الطريق ورأى رجلا أعمى ، فكـونـه يقـود الأعمى حتى لو لم يطلب منه ، هذه خدمة ، أو كونه يريح إنسان ملهوف ، أو يتقدم لخدمة إنسان عجوز أو إمرأة عجوز ، ويعبر به أو يعبر بها الطريق فهذه خدمة . أو كونه يجد إنسان مريض ويكون في إمكانه أن يسعفه ، وإن لم يكـن في إمكانه أن يسعفه فكونه يستدعى له الطبيب ، أو يجرى ليحضـر لـه دواء ، هذه خدمة ، لو وجدت إنسان مسكيناً محتاج إلى القوت الضروري أو إلى ملابس ، لو أعطيته شيء يقتات به فأنقذت حياته بدلا من أن يموت من الجوع ، هذه خدمة ، كل إنسان يقوم بخدمة في دائرة عمله أو تخصصه سواء كان طبيب أو محامي أو قاضي أو مهندس أو محاسب أو رجل أعمال ، حتى عامل النظافة في الشارع يعد خادما ، لأنه فعلا يقوم بخدمة الآخرين ، وهذا الفعـل بـه خير والناس يحتاجون لهذا الخير ، فهنا الإنسان يـؤدى خدمة لأسـرتـه بالمعنى الضيق ، وللأسرة البشرية بمعناها الواسع ، كـل حسب إمكانياته العقلية أو الذهنية أو الروحية أو اليدوية أو العملية ، كل هذه خدمات ، وهنا يصدق قول الشاعر الناس للناس من بدو وحاضـرة بعض لبعض إن لم يشعروا خدم لذلك يجب أن نحس بإحترام لجميع الخدمات الإنسانية الموجودة في الأسرة البشرية ، ونحس بأن الإنسانية في حاجة إلى هذا النوع من الخدمات ، وإلى أن يتحول كل إنسان إلى خادم الله وخادم لكل الناس . خادم الله إذا أداها بـروح الخدمة من أجل الخير للبشر ، مع نية تنطوى على روح طيبة لإسداء الخير لجميع الناس ، وتخفيـف بـلـواهم وشقاءهم ، بـأن يحمـل متاعبهم ويساعدهم في حملها وتخفيفها عنهم قدر إمكانه أي نوع من هذه الخدمات حتى لو كانت خدمة صامته تدخل في نطاق الخدمة ، فكـون الإنسان يسدى خير لإنسان هو في حاجة إليه هذه هي الخدمة . لذلك نقول أولا : يجب أن لا نحتقر الخدمات الأخرى التي يؤديها آخرون من غير خدمة التعليم . وثانيا : يجب أن لا تقتصر خدمتنا على مجرد درس نلقية والذي أعطانا هذا المفهوم هو سيدنا له المجد ، عندما نتأمل خدمات المسيح له المجد نجد أنه لم يكن فقط يعلم الجماهير ويشبعها من تعاليمه ، ولكن أيضا كان ينظر إلى إحتياجاتها ، فيشفى المرضى ، ويقيم الموتى ، ويطهـر الـبرص ، ويجيـب كـل إنسان إلى إحتياجه ، وهذه هي الصورة التي نجدها في الأناجيل باستمرار . فإن كنا نحن مسيحيين لابد أن نفهم أن مهمتنا في الكنيسة أهم من أن يلقى الإنسان درساً . فلا بد أن نضيف إلى إلقاء الدرس الخدمات العملية . فإذا دخل الإنسان منزل لكي يفتقد طفل أو طفلة ، فإذا كان في إمكانه أن يؤدى خدمة تكون هذه الأسرة في حاجة إليها هذا داخل في مفهوم الخدمة ، وفي نطاق الخدمة ، فلا يكون في حاجة إليه ، فليس مفهوم الخدمة هو أن يلقى الإنسان درساً على أطفال أو على كبار فقط ، ولكن هناك معنى أعم للخدمة يظهر في الخدمات العملية ، فإذا كان الواحد يمشي في الطريق ورأى رجلا أعمى ، فكـونـه يقـود الأعمى حتى لو لم يطلب منه ، هذه خدمة ، أو كونه يريح إنسان ملهوف ، أو يتقدم لخدمة إنسان عجوز أو إمرأة عجوز ، ويعبر به أو يعبر بها الطريق فهذه خدمة . أو كونه يجد إنسان مريض ويكون في إمكانه أن يسعفه ، وإن لم يكـن في إمكانه أن يسعفه فكونه يستدعى له الطبيب ، أو يجرى ليحضـر لـه دواء ، هذه خدمة ، لو وجدت إنسان مسكيناً محتاج إلى القوت الضروري أو إلى ملابس ، لو أعطيته شيء يقتات به فأنقذت حياته بدلا من أن يموت من الجوع ، هذه خدمة ، كل إنسان يقوم بخدمة في دائرة عمله أو تخصصه سواء كان طبيب أو محامي أو قاضي أو مهندس أو محاسب أو رجل أعمال ، حتى عامل النظافة في الشارع يعد خادما ، لأنه فعلا يقوم بخدمة الآخرين ، وهذا الفعـل بـه خير والناس يحتاجون لهذا الخير ، فهنا الإنسان يـؤدى خدمة لأسـرتـه بالمعنى الضيق ، وللأسرة البشرية بمعناها الواسع ، كـل حسب إمكانياته العقلية أو الذهنية أو الروحية أو اليدوية أو العملية ، كل هذه خدمات ، وهنا يصدق قول الشاعر الناس للناس من بدو وحاضـرة بعض لبعض إن لم يشعروا خدم لذلك يجب أن نحس بإحترام لجميع الخدمات الإنسانية الموجودة في الأسرة البشرية ، ونحس بأن الإنسانية في حاجة إلى هذا النوع من الخدمات ، وإلى أن يتحول كل إنسان إلى خادم الله وخادم لكل الناس . خادم الله إذا أداها بـروح الخدمة من أجل الخير للبشر ، مع نية تنطوى على روح طيبة لإسداء الخير لجميع الناس ، وتخفيـف بـلـواهم وشقاءهم ، بـأن يحمـل متاعبهم ويساعدهم في حملها وتخفيفها عنهم قدر إمكانه أي نوع من هذه الخدمات حتى لو كانت خدمة صامته تدخل في نطاق الخدمة ، فكـون الإنسان يسدى خير لإنسان هو في حاجة إليه هذه هي الخدمة . لذلك نقول أولا : يجب أن لا نحتقر الخدمات الأخرى التي يؤديها آخرون من غير خدمة التعليم . وثانيا : يجب أن لا تقتصر خدمتنا على مجرد درس نلقية والذي أعطانا هذا المفهوم هو سيدنا له المجد ، عندما نتأمل خدمات المسيح له المجد نجد أنه لم يكن فقط يعلم الجماهير ويشبعها من تعاليمه ، ولكن أيضا كان ينظر إلى إحتياجاتها ، فيشفى المرضى ، ويقيم الموتى ، ويطهـر الـبرص ، ويجيـب كـل إنسان إلى إحتياجه ، وهذه هي الصورة التي نجدها في الأناجيل باستمرار . فإن كنا نحن مسيحيين لابد أن نفهم أن مهمتنا في الكنيسة أهم من أن يلقى الإنسان درساً . فلا بد أن نضيف إلى إلقاء الدرس الخدمات العملية . فإذا دخل الإنسان منزل لكي يفتقد طفل أو طفلة ، فإذا كان في إمكانه أن يؤدى خدمة تكون هذه الأسرة في حاجة إليها هذا داخل في مفهوم الخدمة ، وفي نطاق الخدمة ، فلا يكون دائما مفهوم الخدمة في نظرنا هي عملية تعليم للصغار أو الكبار ، إنما الإنسان يكون عنده أريحية وإستعداد لأن يؤدى ويشترك في خدمات كثيرة أخرى ، ولذلك حاليا في فروع مدارس التربية الكنسية عندما يعمد الأطفال الصغار الفقراء ، نجد البنات يصنعوا ملابس للأطفال الصغار ، وأيضا نجد في مناسبات الأعياد ، الخدام والخادمات يطبخوا في بعض الفروع بعض المأكولات وتوزع هذه المأكولات ، من اللحوم والخضار والفاكهة إلى البيوت الفقيرة ، ويشترك الخدام والخادمات في هذه الخدمة وهكذا . هذا بلا شك أن هذا مجال متسع جداً أن الإنسان يشغل الطاقات الموهوبـة لـه مـن الله في هذه الخدمات ، ولا تـكـون المسألة قاصرة على درس يلقيـه ، ولـكـن مـهـم جـدا الخدمات الأخـرى العملية ، فمثلا نجد البنات يقوموا بعمل لفائف للكنيسة وللمذبح وبعض الستائر ، والأولاد يعملوا صور وإيقونات ، ومن هنا جاءت فكرة المعارض التي تقدمها فصول مدارس التربية الكنسية ، في مناسبة عيد من الأعياد أو في الأجازة الصيفية أو في أي مناسبة أخرى ، هذا النشاط الذي يتقـدم بـه الأولاد والبنات والخدام والخادمات لإسداء خدمات معينة ، وأيضا حصيلة هذه الخدمات العملية تستغل في نشاط في قرى ، أو في الإنفاق على بعض المحتاجين هو المفهـوم العام للخدمة ، فالخدمة ليست هي فقط خدمة التعليم للصغارأو للكبار ، وبإضافة الخدمات الأخرى العملية ، مـن جهـة نجد بعض الخدام والخادمات ليس لهم موهبـة الشرح والدرس والتعليم ، لكن نجد أن لهم مواهب أخرى ممكن أن تستغلها ، فلا نحتقر أمثال هذه الخدمات ، لأن الكنيسة في حاجة إليها وهي تكمـل خدمة التعليم ، ومن الجهة الأخرى أن المسيح له المجد أعطانا ككنيسة أن لا نعلم الناس فقط ، بل ننظر إلى إحتياجات الناس الأخرى المادية والجسدية أو ما إلى ذلك .. ولهذا السبب قال المسيح لتلاميذه " اشفوا مرضى " ، لذلك دخل سر مسحة المرضى من ضمن الأسرار الكنسية ، الذي فيه الكنيسة تهتم بالمرضى المصابين بالأمراض الجسدية المتسببة عن علل نفسية وروحية ، إنما الأمراض الجسدية البحتة أو العضوية البحتة تدخل في إختصاص الطبيب . السيد المسيح لم يكن يعلم الجماهير فقط ، إنما كان ينظر إلى إحتياجات الإنسان كله باعتباره روح وجسد ، فنحن ككنيسة لابد أن نقوم بهذا العمل ، ولابد أن نوزع على الجميع الإختصاصات ، لأنه ليس كل واحد يقدر أن يقـوم بـكـل شيء ، الطبيب عندما يزور مريض ويفحصه ويشخص المرض ويصف الدواء ، وعن هذا الطريق يشفى المريض وتتحسن حالته ، أكيد أن هذه خدمة ، وهكذا قل عن الصيدلي والمعلم والتاجر والمحاسب ورجل الأعمال ، أعمال مختلفة وأنواع متعددة من الخدمات يمكن أن يسديها الإنسان إلى الآخر ، وهذا معنى خادم وخدام ، وهذا تعبير يجب أن لا نخجل منه ، لأن الشخص الذي يؤدى خدمة لآخر هذا شرف له ، هی كلمة كريمة ومحترمة ويجب أن نحيطها بما يليق بها من التقدير ، لأن الإنسان بهذه الخدمة يخرج عن أنانيته ويخرج عن الإثرة إلى الإيثار ، يبذل الجهد العصبي والجهد الجسماني والجهد المادي أو المالي ، أي نوع من البذل يحقـق خيراً ونفعاً إلى إنسان آخرفي حاجة ماسة إلى هذه الخدمة . عظمة هذه الخدمة لاتقاس بالكم بل بحاجة الشخص المخدوم إليها ، وأيضا بمقدار الجهد الذي بذله الخادم ، كلما كان الجهد أكثر وكلما كانت الحاجة أكثر تكون الخدمة أعظم . وأيضا كلما كانت الوسيلة والكيفية التي تؤدى بها هذه الخدمة ، فروح الخادم واسلوبه وهو يخدم غيره . هنا يظهر باطن هذا الخادم ، ولذلك السيد المسيح مدح المرأة التي أعطت فلسين ، فمـن جهة الكم كانت أقل من أعطى ، لكن السيد المسيح مدحها وقال أنها دفعت أكثر من الأغنياء ، نسبة ما أعطت مما تملك ، وكما قال المسيح أنها أعطت كـل معيشتها وكل ما عندها ، هذا إلى جانب ما انطوت عليه نفسيتها من روح إيمانية غير عادية ومحبتها الشديدة لعمل الخير ، وللكنيسة والهيكل وحب الناس الآخرين ، الذي دفعها أن تفضلهم على نفسها ولذلك هناك خدام لا يجيدون الكلام ، وليس لديهم القدرة على أن يعلموا آخرين ، ومع ذلك يعتبرون أمام الله خداماً من أعلى طراز ، لا يتكلمون وإنما يبذلون خدمات عملية قيمتها أمام الله عظيمة جدا . نقول هذا لا تحقيراً لخدمة الكلمة أو خدمة التعليم ، إنما حتى يتواضع الذين يعتبرون أنفسهم خـداماً ولا ينتفخـوا ، ويحترمـوا الخدمات العملية الصامتة الأخرى ويشعروا أن هذه الخدمات تبنى الكنيسة . وهناك خدمات أخرى خفية غير الخدمات العملية مثل خدمة الصلاة التي يسديها إنسان إليك وأنت لا تعلم ، سواء كانوا من الذين على الأرض أو الذين انتقلوا إلى العالم الآخر ، نحن نؤمن أن للصلاة فاعلية وأن للصلاة أثر كبير في مقاومة الشر وفي هزيمة الشيطان ومساعدة الإنسان . وأيضا موجود في الكنيسة خدمة الموائد ، التي تسمى الآن الخدمة الإجتماعية ، والآباء الرسل وجدوا أن هذه الخدمة ستعطلهم عن التبشير ، فأقاموا الشمامسة ليقوموا بهذه الخدمة وهي خدمة التوزيع على الفقراء والمحتاجين ، وتوجد أيضا خدمة الملاجىء ودور الإيواء وخدمة المسنين والعجزة والمستشفيات والأرامل والأيتام وخدمة اللقطاء ، كذلك حل مشاكل الناس المادية والمعنوية والإجتماعية ، كل هذه الخدمات وغيرها الكنيسة مكلفة بالقيام بها ، هذا إلى جانب خدمة إحتياجات الكنيسة من مبانى وتأثيث وقرابين وشمع وبخور ، وأيضا من خدمات الكنيسة المدارس والتعليم ، والأقباط أول من اهتم بالتعليم في مصر ، فهم أول من بنوا المدارس في مصر . وأول من أقام مدرسة للبنات هو البابا كيرلس الرابع ، فخدمة العقل أيضا من ضمن إهتمامات الكنيسة ، وقبـل المدارس اهتمت الكنيسة بإنشاء الكتاتيب الملحقة بالكنائس ، وكان يدرس فيها المعلم أو العريف ، ويسمى الآن المرتل ، وكل هذه الأعمال لها جزاءها الذي لا يقـل عـن خدمـة الـوعظ والتعليم الديني . كـل هـذه خدمات ومنها جميعهـا تـكـون الخدمة المتكاملة ، الكنيسة فعلا أعضاء في جسد واحد ، العين لها عمل ، والأذن لها عمـل ، والظفر له .عمل ، والشعر لـه عمـل ، كل شيء في جسم الإنسان له عمل . كما قال بولس الرسول " بـل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضرورية ، وأعضاء الجسد التي نحسب أنها بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل ، والأعضاء القبيحة فينا لها جمال أفضل ... " ( ۱ کو ۲۲ : ۱۲ - ۳ ) . وجميع من يخدمون ينالوا من الله أجرأ ، جزاء كل فعل أو خدمة أدوها بنية صالحة ، من أجل الله ومن أجل الخير لأخيه الإنسان قيمة الخدمة : تختلف قيمة الخدمة من واحد إلى آخر بحسب نوع الخدمة ، وبحسب الهدف الباطني من الخدمة ، وبحسب ما تؤديه هذه الخدمة من نفع حقيقي ، لشخص أو أشخاص أو مجموعة من البشر ، لنفرض أن موظف في عمل من الأعمال ، فهو في عمله يؤدي خدمة ، لكن هذا الموظف لو أدى عمله ليس بروح الخادم المؤمن بطبيعة العمل وبقيمته ، تكون خدمته مجرد أداء واجب مفروض عليه ، فتصير خدمته خدمة سطحية شكلية ، حقا أنها تسد خانة في المجتمع الإنساني ، لكنها خالية من الجوهر ومن الحياة ، ولو امتد هذا الوضع لأصبح كل إنسان يخدم المجموع البشرى بلا روح وبلا إيمان وبلا مبدأ وبلا قيم ، ولإرتد المجتمع البشرى وسقط من أساسه تستطيع وأنت مكانك أن تؤدى خدمة ، وتبلغ رسالة صارخة عن المسيحية يتمجد فيها الله ، بدون كلام أو وعظ أو تعليم ـ ولكن برسالة صامته ، قد لا يستطيع الكاهن بزيه أن يدخل هذه الأماكن ويؤدى خدمات بها ، فالذي لا يستطيعه الكاهن تستطيعه أنت كعلماني وكمـدنی الرسالة الصامته هي الرسالة التي تتكلم عن نفسها دون ألفاظ ، تعبر عنها بالروح التي تنبعث وتنطلق منك ، كأنها نور أو كهرباء أو مغناطسية تؤثر في المحيط الذي يحيط بك ، ما أضيق نطاق خدمة الكلام ، لكن هناك أبواب أوسع من ذلك ، يستطيع الإنسان أن يعبر بها عما في قلبه ونفسه ، وينقل روح المسيح التي في داخله إلى الآخرين ، نقلا أفضل بالعلامات وبالحركات والسكنات وبالصمت وبالخدمات ، يقدم رسالة المسيح أفضل مما يقدمها بالكلمات ، صارت الكلمات ثقلاً على الأذهان ، ما أبرع بعض الناس في قدرتهم على الكلام ، حتى تحولت ديانتنا إلى لباقة في الألفاظ وإلى خطابة ، ولكـن أيـن هـو الكسب الروحي للآخرين ، إن طريق الخدمة الخاصة هو أقرب الطرق لتوصيل رسالة المسيح . إذا لم يكـن لـك موهبة الخدمة الخاصة فهناك خدمات كثيرة أخرى ، المواهب متعددة ومختلفة كما يقول الرسول بولس ، فكـل عضو في الإنسان له وظيفة لا يستغنى عنها الجسم ، مهما كنت تـرى فـيـه أنـه عضو حقير ، فظفر الإنسان له وظيفة كبيرة وقيمة لا يستغنى عنه الجسم .. تستطيع أن تكتشف موهبتك الأولية وهنا تضع نفسك في الوضع الصحيح ، وتخدم الخدمة المثمرة حسب موهبتك . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل