المقالات
18 يناير 2021
ميمر عيد الغطاس المجيد للأنبا بولس البوشي أسقف مصر في القرن الثالث عشر الميلادي،
يفتتح القديس بولس البوشي، أسقف القاهرة في القرن الثالث عشر، ميمر عيد الغطاس المجيد قائلاً:[المجد لقدوس القديسين الذي قدَّسنا بالميلاد الثاني وحلول الروح القدس، عندما حل في نهر الأردن بالعماد. المجد للذي لم يزل (الأزلي الدائم)، الذي وُلد جسدانياً ليلدنا روحانياً بالمعمودية المقدسة عندما تعمَّد من عبده يوحنا، وصار لنا طريقاً للبر والإرشاد (القيادة في الطريق). المجد للذي تواضع وأتى إلى نهر الأردن ليكمل كلَّ البرِّ، الذي ببرِّه تبررَّنا من الأشجاب (الاتهامات). المجد للذي أظهر لنا سرَّ الثالوث على نهر الأردن بإعلان].
يرى الأنبا بولس البوشي أن ما تمَّمه الرب يسوع على نهر الأردن كان لحسابنا نحن، لأنه لم يكن محتاجًا لأيٍّ منها، وهكذا أخذنا نحن عربون القداسة والولادة الروحانية والتبرير، عندما اعتمد الرب في نهر الأردن.[المجد للذي طهَّر المياه بحلوله فيها، وقدَّس العناصر وكل الأرض بمشيه عليها… اليوم رضَّ الربُّ رأس التنين على المياه، كنبوة داود (مز 74: 13)].كانت المياهُ في البدء عُنصرَ خلقٍ، حسب قول الكتاب: «فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ… وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ» (تك 1: 1-2). لكن بعد سقوط الإنسان، صارت المياه عنصر موتٍ، كما حدث في الطوفان. ولكن بمعمودية الرب في نهر الأردن طهَّر المياه، إذ أباد الموت الذي صار فيها: اليوم رضَّ الربُّ رأس التنين، كناية عن الشيطان الذي كان له سلطان الموت، ومن ثم أصبحت المياهُ عنصر خلق من جديد، وصار لها القوة أن تلد الإنسان جديدًا في المعمودية المقدسة.ثم يعطي بولس البوشي المجد للرب يسوع، مبيِّنًا عظمة تدبيره على نهر الأردن:[المجد لك أيها المسيح الرب، الذي تواضع من أجل محبته للبشر، وجدَّد الخليقة بمولدٍ ثانٍ، لا يبلى، من فوق من عند أبي الأنوار. لك أبارك وأقدِّس يا من نزع عنا العار وجعلنا بني نور ونهار. لك أعظِّم وأرفع يا من هو فوق كل رئاسة وقوة وسلطان، شاء أن يتواضع ويعتمد من عبده يوحنا، وعلَّمنا سيرة الاتضاع الذي نخلص به من مكيدة الشيطان. أعطني معرفة يا من بغيره لا أقدر على شيء، لأتكلم من أجل أعمالك التي تفوق كل حسن وبهاء، هَب لي فهماً يا معطياً كلَّ فضل لأنطق على تدبير أعمالك التي أعلنتها. امنحني موهبةً يا مَن مِن امتلائه تفيض كلُّ النعم الروحانية، لأخبر بتواضعك أيها القدوس علانية].بعد ذلك يبين سبب تسمية هذا العيد باسم: عيد الظهور الإلهي:[عظيمةٌ هي كرامة هذا العيد المجيد اليوم، أيها الإخوة الأحباء. وهو يسمَّى عيد الظهور، لأن فيه ظهر سرُّ الثالوث القدوس. الذي كان رمزاً في كتب الأنبياء، ظهر لنا اليوم علانية باستعلان لأجل أن الابن متجسدٌ وأعلن كلَّ ما كان مستتراً. والمثال صار حقاً وكمالاً، والأشياء التي كانت مخفية عن الحكماء والفهماء ظهرت الآن للأطفال. أول ذلك عظمة القدوس الواحد في اللاهوت، مبتدأ الأشياء ورأسها وكمالها، استُعلن لنا اليوم. الابن في الأردن اعتمد، والآب في السماء يشهدُ له قائلاً: «أنت ابني الحبيب الذي بك سررت»، والروح القدس نازل شبه حمامة ليدل أن الروح كاملٌ بأقنوم].هذا (هو) الثالوث القدوس الذي به آمنَّا، وباسمه اعتمدنا على المثال الذي كان في الأردن، كما أمر الربُّ رسلَه الأطهار قائلاً: «امضوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس» (مت 28: 19)، «فمن آمن واعتمد خَلَصَ، ومن لم يؤمن يُدَن» (مر 16: 16). وقال أيضاً: «الحق الحق أقول لكم: إن من لم يولد من الماء والروح لا يعاين ملكوت الله» (يو 3: 5). ثم عرَّفنا أنه غير هذا الميلاد الجسداني، فقال: «لأن المولود من الجسد فهو جسد، والمولود من الروح روح هو» (يو 3: 6).ولأجل شرف هذه الولادة المقدسة، يوحنا الإنجيلي يعلِّمنا قائلاً: «الذين آمنوا به أعطاهم سلطاناً أن يصيروا بني الله، وليس هم من دم ولا من هوى لحم ولا من مشيئة رجل، بل وُلدوا من الله» (يو 1: 12-13). هذا الذي به بحق نرث ملكوت الله، لأن لحماً ودماً لا يرثها، كما قال الرسول (1كو 15: 50)، بل الذين ولدوا بالروح. ولذلك لمَّا أراد الرب أن يستعلن للشعب بعد كمال ثلاثين سنة لمولده بالجسد، ابتدأ أولاً باستعلان الثالوث الواحد في اللاهوت. ثم أرانا الطريق الكاملة فوق كل كمال، وهو كيفية الميلاد الثاني مبتدأ الإيمان وعربون إرث البنوة التي بها صار العتق والحرية… يقول الكتاب: «حينئذ جاء الربُّ يسوع من الجليل إلى الأردن ليعتمد من يوحنا» (مت 3: 13). يا لهذا الاتضاع الذي لا يُقاس ولا يستطيع لسانٌ بشري ترجمته. كيف (أنّ) الرب الذي يأتي إليه كلُّ البشر، كما هو مكتوب (مز 65: 2)، جاء إلى الأردن ولم يأنف من ذلك، وقدوس القديسين جاء ليعتمد من الذي قدسه هو، باركه واصطفاه وأعطاه موهبة روح قدسه، وأرسله بشيراً أمامه. وليس أنه كان محتاجاً إلى ذلك، بل من أجلنا نحن المحتاجين، ولا لأجل قبول الروح القدس أيضاً، لأنه لم يزل معه أزلياً في الجوهر الواحد اللاهوتي، بل لكي يعطينا نحن موهبة الروح القدس بالمعمودية على الإيمان باسمه المقدس. هذا الذي طهر المياه بحلوله فيها وقدسها، وطهرنا نحن أيضاً بهبوط روح القدس نازلاً عليها (يقول الكتاب: اسمح الآن لأنه ينبغي أن نكمل كل بر). فأما يوحنا حيث لم يقدر على الاستعفاء، ولا وجد له مفراً، ولم يقدر (أن) يعاند أمر سيده، حينئذ تركه. وأن الربَّ لما اعتمد «صعد للوقت من الماء»، لكي ما يرينا سرعة اهتمامه بنا، «فانفتحت له السموات»، لأنه ملك كل شيء، «وظهر روح الله نازلاً شبه حمامة آتياً إليه»، لنعلم أن الروح كاملٌ ذو أقنوم، وأنه استُعلن لأجل استعلان الابن، ليكون فاعلاً في كل التقديسات. وحيث هو غير متجسد، تمثّل شبه حمامة دون غيرها من الطير لأجل دعتها.«وإذا صوت من السماء قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت». وبهذا سُمي هذا العيد عيد الظهور كما تقدم القول، لأنه فيه ظهر سرُّ الثالوث القدوس، الابن في الأردن، والآب يشهد له، وروح القدس نازلاً عليه.ولماذا لم يحلّ على الرب وهو في نهرالأردن؟ وذلك لئلا يُظنَّ أنه حل على يوحنا المعمداني، لأن اسمه كان ذائعاً. ولهذا لما صعد الربُّ من الماء واعتزل من يوحنا، حلَّ عليه خاصة، وإن كان الروح معه لم يزل في وحدانية اللاهوت جوهراً واحداً. بل صنع هذا لكيما كل من اعتمد بهذا المثال على اسم الثالوث القدوس الواحد في اللاهوت يقبل موهبة الروح القدس، لأن الربَّ صار لنا مثالاً في كل شيء.
فأما يوحنا الإنجيلي فإنه جعل فاتحة إنجيله في المولد الأزلي الذي ليس له ابتداء قائلاً: «في البدء كان الكلمة، ولم يزل الكلمة عند الله، وإله هو الكلمة»، وما يتلو ذلك. فلما تقدم لم يترك تدبير التجسد والمعمودية المقدسة لأجل فضلها، بل أكد ذلك جيداً بحلول الروح على الأردن وقول المعداني: «إني عاينتُ وشهدتُ أن هذا هو ابن الله» (يو 1: 34).ولم يقتصر بهذا (القول)، بل زاد ذلك ظهوراً وتأكيداً بأن الربَّ إنما صنع ذلك لأجلنا خاصة. يقول الربُّ لنيقوديموس: «إنه ينبغي لكم أن تولدوا من ذي قبل، لأن المولود من الجسد هو جسد، والمولود من الروح فهو روح» (يو 3: 3، 6). وقال: «من لم يولد من الماء والروح فلا يعاين ملكوت الله» (يو 3: 5). هذا الذي به جدَّدنا وجعلنا بنين للآب في الحياة المؤبدة. كما يقول الرسول: «إنه أحيانا بغُسل λουτρόν الميلاد الثاني وبتجديد موهبة روح القدس» (تي 3: 5)، أعني عن الروح الذي نزعه من آدم عند المخالفة، جدَّده فينا بالمعمودية مجاناً بنعمته. قال: «الذي أفاضه علينا من غناه وفضله بتأييد يسوع المسيح محيينا، لنتبرر بنعمته ونكون وارثين لرجاء الحياة الدائمة (تي 3: 6-7).فلذلك يا أحبائي، كرامة هذا العيد جليلة جداً، ويجب علينا أن نوقرها لأن فيها استعلن لنا سرُّ الثالوث.اليوم أعطانا الابنُ سلطاناً أن نولد من ذي قبل، ونصير بنين لله الآب بالروح. والروح يشهد لأرواحنا إننا بنون لله (رو 8: 16).اليوم رض الربُّ رأس التنين على المياه، كنبوة داود (مز 74: 13).اليوم عَتَقَنَا الابنُ من العبودية المرة، وصيرنا أحراراً عندما جعل فينا موهبة روح قدسه، ذاك الذي نزعه من أبينا آدم عند أكله من عود المعصية.اليوم كمل المكتوب في يوئيل النبي: «إني أفيض روحي على كل جسد، يقول الرب» (يؤ 2: 28).فلنصنعه الآن عيداً نقياً طاهراً كما يليق به، لأن فيه طهرنا الربُّ بحلول روح قدسه، وولدنا ميلاداً جديداً، وليس من زرع يبلى كما كان أولاً، بل مما لا يبلى لإرث ملكوت أبدية لا زوال لها (1بط 1: 23). إذ الصوت الصارخ نسمعه اليوم قائلاً: «أعدوا طريقَ الربِّ واصنعوا سبله مستقيمةً». وإن كان هذا قد صار إلى يوحنا وصرخ به في المسامع جسدانياً، فقد أكمل آباؤنا الرسل الأطهار كنائسياً في إنذار البشرى وبنيان الكنيسة، كما تقدم القول. فإنه يأتي إلى اليوم قائماً ثابتاً صائراً إلينا روحانياً، يصرخ في مسامع نفوسنا، التي صارت كمثل برية خالية من عمل البر، لترك الاهتمام بها، فأمرنا أن نسهل طريق الرب ليحل فينا بالروح عندما نحفظ وصاياه، كما قال: «إن الذي يحفظ وصيتي أنا والآب نأتي ونتخذه مسكناً» (يو 14: 23).فما الذي يكون أشرف من هذا أن الإنسان الحقير الترابي يصير مسكناً للرب الإله العظيم السمائي بعمل وصيته. وحينئذ تمتلئ الأودية التي في تلك النفس، وهي ضعف القلب، وقلة الأمانة (الإيمان)، وعدم الرجاء؛ تمتلئ إيماناً وقوة ورجاءً صالحاً في الله. ثم الآكام التي فيها تتضع، أعني الكبرياء والافتخار والعصيان لناموس الله، وتصير متضعةً من أجل الرب الذي اتضع من أجلنا، خاضعةً لناموسه بمحبة واجتهاد، حافظةً وصاياه بشهوة، حتى إن النفس التي كانت وعرة في مسلكها تصير سهلةً في انقيادها، وكانت أولاً وحشية (أي برية) خشنة في طباعها، تصير لينة سهلة في تصرفها، قد رُسم فيها وطُبع ناموس الروح، ليس في ألواح حجرية، بل في قلوب لينة لحمية، كما يقول الرسول (2كو 3: 3). وهكذا يعاين كل ذي جسد (أن) هذا فعله خلاص الله (لو 3: 6).ويجب علينا أن نذكر العهد الذي عاهدنا به الربَّ وقت المعمودية كالأوامر الرسولية، بأن نجحد الشيطان وكل أعماله، ونتبع ناموس الرب وكل أفعاله. وإن كنا قد زللنا وعملنا بالضد من ذلك، فنتجدد بنار التوبة التي من تلقاء الروح، وننهض من السقطة ونرجع عن توعر الهلاك، إذ الرب يدعونا على فم إشعياء النبي قائلاً: «ارجعوا إليَّ فأرجع إليكم يقول الرب، ولو كانت خطاياكم قد صارت كالدم، جعلتُها كالثلج، ولو كانت كصبغ القرمز، رددتُها كالصوف الأبيض النقي» (إش 1: 18). فإن تهاونا في ذلك، يكمل علينا قول الرسول: «أن ليس عهد ولا وفاء لهم». اللفظة قيلت للمؤمنين خاصة، فقال: «أولئك الذين يعرفون حكم الله أنه مستوجب الموت على الذين يعملون هذه القبائح، وهم لا يقتصرون على العمل بها فقط، بل ويلتمسون مشاركة من يعملها أيضاً» (رو 1: 31-32).
فالآن نرجع للربِّ بتوبة نقية لكي نَطْهُر من هذه القبائح، ونغتسل من وسخ دنسها، لأن الربَّ يعلِّمنا على فم إشعياء النبي قائلا: «اغتسلوا وتطهروا وانزعوا الشَّرَّ والخبثَ من قلوبكم أمام عيني، يقول الربُّ» (إش 1: 16). ثم إن النبي يثلبُ قوماً يدومون على خطاياهم وجهلهم قائلاً: «الويل للذين يسكرون من باكر، ويدومون على سكرهم إلى حين المساء» (إش 5: 11)، أعني الذين يتهاونون بنفوسهم في دنس الآثام من صباهم إلى كمال حياتهم، فيدركهم المساءُ الذي هو الموت، الذي لم يبقَ فيه عمل، ولا يُقبل فيه توبة.فلنسعَ الآن في عمل البر حسب قوتنا، مادام لنا زمان ومهلة، قبل أن تدركنا الوفاة، لكي نجد منه معونة ونظفر عنده برحمته، والرب يحفظنا أجمعين من مكائد العدو ومناصبه (أي معاداته)، ويؤهلنا لسماع ذلك الصوت الفرح القائل: «تعالوا إليَّ يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم» (مت 25: 34). بشفاعة سيدتنا البتول مرتمريم والدة الخلاص، وشفاعة القديس البار مار يوحنا المعمداني، وشفاعات آبائنا الرسل والشهداء والقديسين آمين.
المزيد
15 يناير 2021
في الظهور الإلهي
في الظهور الإلهي
بقي عيد الميلاد مقترناً بعيد الظهور الإلهي، في الكنيسة الأولى، حتّى القرن الرابع. وبعد أن صارت المسيحيّة ديانة رسميّة، في الإمبراطوريّة الرومانيّة، ومن ثمّ ديانة الدولة، جعلت الكنيسة لميلاد الربّ بالجسد عيداً خاصّاً، وفصلته عن عيد الظهور الإلهي، وحدّدته في يوم عيد الشمس، الذي كان عيداً وثنياً شعبياً، ترافقه احتفالات لا تليق بالمسيحيّين. عمّدت الكنيسة العيد الوثني، ونقلت مركزه، من الشمس المنظورة، إلى المسيح “شمس العدل”، كما تسمّيه ترتيلة عيد الميلاد. في الكنائس الشرقية يتركّز الاهتمام، لاهوتيّاً، على عيد الظهور الإلهي، أكثر منه على الميلاد. وأهميّة عيد الظهور اللاهوتيّة تجعله في المرتبة الثالثة، بعد الفصح والعنصرة.يُدعى عيد الظهور الإلهي، شعبيّاً، بعيد الغطاس. وفعل “غطّس” موازٍ، في المعنى، لفعل “عمّد”، في اللغة اليونانيّة. من هنا، يكون معنى لفظة “المعموديّة” الحرفي، في اللغة اليونانيّة، “تغطيس”. ولذلك اعتاد شعبنا على اعتبار هذا العيد، عيداً لكلّ من كان اسمه “غطّاس”. وجرى التقليد، في البلدان الأرثوذكسيّة، أن يخرج الكاهن مع الشعب المؤمن، بعد القدّاس الإلهي، صبيحة العيد، إلى بحيرة، أو شاطىء البحر، أو نهر، حيث يلقي صليباً معدنيّاً؛ فيتسابق الشباب في الغطس، من أجل العثور عليه، وإعادته إلى الكاهن. هذه العادة ما تزال حيّة حتّى اليوم.غير أنّ الاسم الرسمي هو الظهور الإلهي، لأنّ أقانيم الثالوث القدّوس انكشفت للبشر، بوضوح، للمرّة الأولى، في أثناء معموديّة المسيح. فسُمع صوت الآب، قائلاً: “هذا هو ابني الحبيب، الذي به سُررت”، والابن كان حاضراً يعتمد، والروح القدس ظهر على شكل حمامة، نزلت عليه. توضح ترتيلة العيد المعروفة “باعتمادك يا رب…” هذا الأمر بجلاء. أمّا ترتيلة التهيئة للعيد، فتتكلّم عن ظهور المسيح وسببه، فتقول: “المسيح ظهر مُريداً أن يجدّد الخليقة كلّها”.كذلك، دُعي، في التقليد اليوناني القديم، بعيد “الأنوار”، لأنّ المعموديّة، بحسب الإيمان المسيحي، استنارة بنور الله. يسمّي تقليدنا الليتورجي الذين يتهيؤون لاقتبال المعموديّة ب “المستعدين للاستنارة”. ونصلي من أجل أن “ينيرهم الربّ بنور المعرفة وحُسن العبادة”. وقد جمع قنداق العيد الاسمين معاً: “اليوم ظهرتَ للمسكونة يا ربّ، ونوركَ قد ارتسم علينا”.هيّأ القدّيس يوحنّا المعمدان الطريق للمعموديّة المسيحيّة. وكانت دعوته إلى التوبة هكذا: “هيّئوا طريق الربّ، اجعلوا سُبُلَه قويمةً”(مر1/3). لقد كانت معموديّته إعلاناً للتوبة، ودعوةً لترك حياة الخطيئة، بينما المعموديّة المسيحيّة هي لغفران الخطايا، واكتساب نعمة البنوّة الإلهيّة. أمّا السيّد فقد قبل، وهو البريء من الخطيئة، إتمام معموديّة يوحنّا اتضاعاً، “لكي يتمّم كلّ برّ”(مت3/15)، ويقدّم نفسه نموذجاً، للذين أتى من أجل خلاصهم.يقول إنجيل متّى أنّ “السماء انشقّت” للحال بعد معموديّة يسوع. إنّها المرّة الأولى، التي يرد فيها هذا التعبير. فقد أُغلقت السماء في وجه الإنسان، بعد سقوط آدم وحواء منه، وها هي تنفتح، ثانية، بمجيء المسيح، الذي سيعيد للإنسان المجد الإلهي، الذي خسره، عندما رفض العيش في كنف الله ورعايته. كذلك، عند انشقاق السماء، سُمع صوت الآب، ونزل الروح القدس. يُظهر الله سرّه الثالوثي للبشر بوضوح. لأنّه، منذ تلك اللحظة، لم يعد يكتفي بدعوتهم إلى معرفته، وإنّما سيمنحهم، بالمسيح، الخلاص المنشود، ويفتح الطريق لهم ثانية. ما عادت السماء بعيدة؛ صار الله بيننا.هذا العيد مناسبة لكي يسائل المؤمن نفسه، حول تفعيل نعمة المعموديّة، على مستواه الشخصي. فيوم معموديّتنا هو يوم ميلادنا الحقيقي، كوننا اكتسبنا فيه البنوّة لله، ولبسنا المسيح، كما تقول الترتيلة الشهيرة: “أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم”. فبعد المعموديّة، يصير المعتمد شبيهاً بالمسيح؛ وعليه تالياً أن يحفظ هذه النعمة، ويحافظ عليه، لا بل أن ينمّيها وينمو فيها، حتّى يصل إلى قامة ملء المسيح.يقول القدّيس غريغوريوس بالاماس: “كما أنّ الطفل يأخذ من والديه إمكانيّة أن يصير رجلاً، ويرث الأملاك الوالديّة، عند بلوغه السن المناسب، لكنّه يخسرها إذا مات في أثناء ذلك، فإنّ المسيحي يحصل، بالمعموديّة، على القدرة لكي يصير ابناً لله، ووارثاً للخيرات الأبديّة، إن لم يمت في أثناء حياته الموت العقلي، الذي هو الخطيئة”. الخطيئة تجعلنا نخسر النِعَم التي حصلنا عليها بالمعموديّة. هذا التعليم مدعاة للتأمّل بعظمة سرّ المعموديّة، وأهميته للمسيحيّين. يدعونا هذا العيد، إلى مراجعة أنفسنا ومسلكنا، بخصوص أمرين:-
الأوّل هو المحافظة على نِعَم المعموديّة، وتنميتها فينا، لئلا نخسرها. إنّه مناسبة للعودة إلى معنى المعموديّة، وشحذ الهمّة، لحفظها فينا، وعيشها بملئها.
أمّا الثاني، فهو تقويم ممارستنا لإتمام سرّ المعموديّة. وأوّل هذا التقويم الكفّ عن اختيار العرّاب أو العرّابة، بسبب صلة القرابة، أو الصداقة، أو الرغبة في “تبييض الوجه”. يجب أن نختار الشخص التقي المؤمن، الذي سيأخذ مسؤوليّته هذه على محمل الجد، ويكون أباً روحيّاً (أو أمّاً روحيّة) حقّاً. تقويم إتمام السرّ، يعني إخراجه من الفولكلور السائد في طريقة تعاطينا معه، واعتباره عملاً في غاية الجديّة والأهميّة. فنتهيء له بالصلاة والصوم، ونتمّمه بروح التقوى والتخشّع، ولا نعتبره مناسبة اجتماعيّة، ولا نؤخره لأسباب اجتماعيّة أو شخصيّة. إنّه حدث ولا أهمّ، يأخذ فيه ابننا أو ابنتنا أهمّ ما يمكن للإنسان الحصول عليه، ألا وهو نعمة أن يلبس المسيح ويصير ابناً أو ابنة لله.
تبقى قضية مباركة بيوتنا وتكريسها لله، بعد قداس العيد. إنّها تقليد شريف أصيل عند المسيحيّين. فالماء المقدّس سبيلٌ لاستجلاب البركة الإلهيّة للبيت، ولا يجب أن نخسرها. يتعرّض هذا التقليد الأصيل، اليوم، لعوائق كثيرة، خاصّة في المدن، بسبب توسّعها، وظروف المعيشة فيها، وعمل الزوجين. ممّا يحتّم على المؤمنين والكهنة معاً، السعي الجدّي لإيجاد الطريقة الفضلى، التي تؤمّن تحقيقه. كأن يبادر المؤمنون إلى الاتصال بالكاهن، من أجل تحديد الوقت المناسب لكليهما، لإتمام تبريك البيت، وأن يحثّ الكاهن المؤمنين، على إتمام هذا الأمر، بملاحقتهم والتواصل الدؤوب معهم.لا نجعلنّ هذه الأعياد تمرّ دون الاستفادة منها روحيّاً. إنّها لأجلنا وُضعت.
المطران سابا (إسبر)
المزيد
14 يناير 2021
عيد ختان المسيح
في اليوم الثامن بعد ميلاده، خُتِن المسيح بحسب ناموس العهد القديم اليهودي. فلأنّه وُلِد وعاش في بيئة معيّنة، قد حفظ كل قوانينها وعاداتها. ومع ذلك يجب تفسير ختانه ضمن لاهوت إفراغ الذات (Kenosis) الذي ارتضى به لخلاص الجنس البشري.بما أنّ الآباء قرّروا التعييد لميلاد المسيح في الخامس والعشرين من كانون الأوّل، فطبيعي أن يُعيَّد للختان، الذي تمّ بعد ثمانية أيام، في الأوّل من كانون الثاني، أي بعد ثمانية أيام من الميلاد. لهذا تظهِر طروبارية هذا اليوم أهمية الختان اللاهوتية: “… إنّك وأنتَ إله بحسب الجوهر قد اتّخَذتَ صورةً بشرية بغير استحالة، وإذا أتممتَ الشريعة تقبّلت باختيارك ختانة جسدية…” فكما أنّه بسبب محبته وتحننه قبل أن يلّف بأقمطة، كذلك قبل المسيح الختان بالجسد. تنظر الكنيسة إلى تذكار هذا التنازل العظيم وإفراغ الذات من قِبَل المسيح كعيد كبير من أعياد السيّد.الختان هو قطع جزء “من طرف العضو الذكري”. هذا يجري لكلّ مولود صبي بحسب وصية الله المُعطاة لإبراهيم في البداية. يرد النص التالي في العهد القديم: “وهذا هوَ عهدي الذي تحفظونَه بَيني وبَينكُم وبَينَ نسلِكَ مِنْ بَعدِكَ: أنْ يُختَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم. فتَختِنونَ الغُلْفةَ مِنْ أبدانِكُم، ويكونُ ذلِكَ علامةَ عَهدٍ بَيني وبَينَكُم. كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم اَبنُ ثمانيةِ أيّامِ تَختِنونَه مدَى أجيالِكُم، ومِنهُمُ المَولودونَ في بُيوتِكُم أوِ المُقتَنونَ بِمالٍ وهُم غُرَباءُ عَنْ نسلِكُم” (تكوين 10:17-12). الوصية نفسها تكرّرت لموسى: “وفي اليومِ الثَّامنِ يُختَنُ المولودُ” (تثنية 3:12). وفي محادثته مع اليهود، ذكّرهم المسيح بأنّ الختان أُعطي بموسى لكنّه كان موجوداً من قبله: “أمَركُم موسى بالخِتانِ، وما كانَ الخِتانُ مِنْ موسى بل مِنَ الآباءِ، فأخَذتُم تَختُنونَ الإنسانَ يومَ السَّبتِ” (يوحنا 22:7).لقد ارتبط الختان بالصلاح والتقوى وإطاعة الناموس، وهو يُشير إلى الإسرائيلي الطاهر، بينما أُشير إلى الإنسان غير الطاهر غير التقي بأنّه غير مختتن. إذاً الخِتان وعدمه هما مفهومان وممارستان متناقضتان، تشير الأولى إلى اليهود والثانية إلى الأمم الوثنيين.إن طقس الختان كان جرحاً مؤلِماً وخاصةً بالطريقة التي كان يجري فيها في تلك الأيام. الوسائل المُستَعمَلة كانت سكيناً وموسى وحجراً حادّاً. استعمال سيفورة لحجر حاد لختان ابنها كما يرد في خروج (25:4) “فأخذَت صَفُّورَةُ اَمرأتُه صَوَّانَةً فختَنَتِ اَبنَها ومسَّت بِها رِجلَي موسى وقالت: «أنتَ الآنَ عريسُ دَمِ لي»” هي حادثة مميزة. معروف أيضاً أنّ يشوع “فصنَعَ يَشوعُ سكاكينَ مِنْ صَوَّانٍ وختَنَ بَني إِسرائيلَ عِندَ جبعَةَ هاعَرلوتَ” (يشوع 3:5).إنّه لجلي بأنّ الختان كان عملاً مؤلِماً يسبب النزف. وإذا فكّرنا بأنه كان يُجرى لمولود جديد يمكننا أن نفهم ألَمَه وأيضاً ألَم أهله الذين أتمّوا الختان ورأوا تمزيق طفلهم.في أي حال، لقد كان للختان محتوى لاهوتي عميق ومعنى جوهري ولم يكن يتمّ لمجرّد التطهير. وبهذا المعنى هو يختلف عن الختان عند الشعوب الأخرى كالمصريين والمسلمين وغيرهم. بعضهم، كالمسلمين، أخذ الختان من العهد القديم وناموس موسى ولكن أعطي له محتوى آخر. يقول القديس أبيفانيوس القبرصي أن الشعوب الأخرى عرفت الختان، كالوثنيين وكهنة المصريين والعرب والإسماعيليين والسامريين واليهود والحميريين، لكنّ أغلبهم لم يختتنوا لناموس الله بل لعادات “غير عاقلة”.كلمة الله لإبراهيم التي بها تأسّس الختان أيضاً تُظهِر السبب الأساسي. قال الله: “وهذا هوَ عهدي الذي تحفظونَه بَيني وبَينكُم وبَينَ نسلِكَ مِنْ بَعدِكَ: أنْ يُختَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم” (تكوين 11:17). بكلمات أخرى، إنّه اتفاق بين الله وشعبه الخاص، إنه عهد. هذا الاتفاق يجب أن يُثَبَّت بالدم. نحن نرى هذا أيضاً في العهد الجديد حيث يُثبَّت اتفاق الله مع البشر بدم المسيح.الختان كان علامة للتعرّف على أنّ حامله ينتمي إلى شعب الله. بحسب المفسّرين، الختان بحدّ ذاته لم يكن عهداً بل علامة على العهد والاتّفاق. هذه الممارسة خدمت أيضاً لتذكِّر الإسرائيليين بأنّ عليهم أن يثابروا في تقوى أسلافهم فلا يأتوا إلى احتكاك غزلي مع الوثنيين والشعوب الأخرى. بهذه الطريقة تلافوا الزيجات المشتركة وبالطبع تلافوا نتائجها أي التغرّب عن الإيمان المعلَن. يخبرنا القديس أبيفانيوس أنّ الختان اشتغل كَخَتْم على أجسادهم، مذكِّراً لهم وضابطاً إياهم ليبقوا “على إيمان آبائهم”. إذاً الإسرائيليون بعد ختانهم عليهم أن يبقوا في أمّتهم وعلى الإيمان بالإله الحقيقي. إلى هذا، الختان كان إشارة مبكرة إلى المعمودية التي سوف تُمنَح في الوقت المناسب من خلال تجسّد ابن الله وكلمته، إذ في الحقيقة المعمودية هي ختان القلب كما سوف نرى لاحقاً.المسيح أيضاً حفظ هذه الممارسة المؤلِمة، مباشرةً بعد ميلاده. يتطرّق الإنجيل بحسب لوقا إلى طقس الختان بكلمات قليلة فيقول: “وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيُخْتَنَ الطِّفْلُ، سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا كَانَ قَدْ سُمِّيَ بِلِسَانِ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ يُحْبَلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ” (لوقا 21:2). من هذا التقديم الضئيل لطقس الختان في حياة المسيح، نرى أنّه مرتبط بشدة بإعطاء الإسم، لأن آنذاك أُعطي له اسم يسوع الذي تفسيره المخلّص. ما يقوله القديس ثيوفيلكتوس مميَّز، بأن هذا الجزء الذي قُطِع بختان المسيح، حفظه هو سالماً واتّخذه مجدداً من بعد قيامته. إلى هذا، ما جرى للمسيح يظهِر أيضاً الطريقة التي بها سوف يتمّ في أجسادنا. إنّ تعليم آباء الكنيسة هو بأنّ أعضاء الجسم البشري التي تأذّت بطرق مختلفة سوف يعيد الله ربطها بالجسم وتغيير شكلها حتّى يدخل الإنسان ملكوتَ الله كاملاً مركباً من النفس والجسد. على الأكيد، في هذه الحالة سوف يكون الجسد روحياً لا لحمياً كما هو اليوم.إن طقس الختان الذي جرى في اليوم الثامن مرتبط أيضاً بإعطاء الاسم، وقد ضُمَّ إليه في الفترة المسيحية احتفال “ختم الولد متّخذاً اسماً في اليوم الثامن من بعد ميلاده”. إنّ محور الاحتفال هو صلاة رائعة يقرؤها الكاهن على الولد عند أبواب الكنيسة. القابلة أو أحد الأقارب، وليس الأم التي سوف تأتي إلى الكنيسة في اليوم الأربعين، يحمل الولد ويُقدَّمه.في أي حال، أنّ المسيح، بعد أن صار إنساناً، اختبر ألماً عظيماً خلال طقس الختان، هو حقيقة تُظهِر الاعتبار المفرِط الذي يكنّه الله للجنس البشري.بعد أن رأينا المعنى اللاهوتي الذي اشترعه الله للختان في العهد القديم، وأن المسيح أيضاً خُتِن
علينا أن نشير إلى أسباب ختانة المسيح.
بالدرجة الأولى، بإتمامه الختان أظهر المسيح أنّه هو بنفسه كان معطي الناموس في العهد القديم، وبالتالي ينبغي احترامه. لم يأتِ المسيح ليبطِل الناموس بل ليحفظه وبالواقع ليرفعه. هذا يعني، المسيح رفع الناموس من دون أن ينتهكه. بهذه الطريقة أظهر أنّه علينا نحن أيضاً أن نحفظ ناموس الله الذي يهدف إلى الخلاص. إذاً، الختان كما أكّدنا، يظهر أيضاً محتوى إفراغ الذات. على الأكيد، يكمن إفراغ الذات، عند ابن الله وكلمته، في التجسّد، أي في حقيقة أنّ الإله غير المخلوق اتّخذ طبيعة بشرية مخلوقة. لكنّ هذا الإفراغ وهذا التنازل الهائل يظهران أيضاً في الختان لأنّه قبِل هذه التجربة الصعبة بأكملها.علاوة على ذلك، قبِل المسيح الختان لكي يظهِر أنّه اتّخذ طبيعة بشرية حقيقية. هذا مهمّ جداً، إذ في كنيسة القرون الأولى ظهرت هرطقة الدوسيتيين التي قالت بأنّ المسيح لم يتّخّذ الطبيعة البشرية الحقيقية وجسداً بشرياً حقيقياً، بل أنّ جسده كان جسداً ظاهرياً خيالياً. هذا قاد إلى الاستنتاج بأنّ المسيح لم يُصلَب على الصليب إذ لم يكن له جسم حقيقي. لكنّ هذه النظرة لا تخلّص الإنسان. كيف يخلُص الإنسان إن لم يتّخذ الربّ الطبيعة البشرية؟ لهذا، كما يقول القديس أبيفانيوس، المسيح خُتِن لكي يظهر أنّه “بالحقيقة اتّخذ جسداً”. هذا القول مرتبط أيضاً بحقيقة أن ختان المسيح اثبت أن الجسد الذي اتّخذه لم يشترك في نفس جوهر الألوهة. في المسيح اتّحد غير المخلوق بالمخلوق. الجسد، بما أنّه تألّه بألوهة الكلمة، صار إلهاً على نحو متطابق، لكنّه ليس من جوهر الله. هذا يعني أنّ المسيح هو أيضاً مصدر نعمة الله غير المخلوقة، لكنّه ليس من نفس جوهر الألوهة. خُتِن المسيح ليعلّم الناس أنّ الختان، الذي أعطاه هو لليهود، خدم البشرية وهيأ الأرضيّة التي هيّأها لحضوره. لم يكن الطقس عقيماً. بالختان بقي اليهود مخلصين لناموس الله وانتظروا المسيح.
وأخيراً، لم يظهر فقط أن الختان كان يهيء الجنس البشري لحضور المسيح، بل ايضاً هو مثال، تصوير مسبُق للختان الذي لم تقم به أيادٍ بشرية، أي المعمودية المقدّسة. بحسب القديس يوحنا الدمشقي، الختان كان صورة للمعمودية. وتماماً كما أن الختان يقطع من الجسد جزء لا نفع فيه، كذلك في المعمودية المقدسة نحن نعزل الخطيئة التي ليست حالة طبيعية بل براز. عندما نتحدّث عن الخطيئة التي نعزلها، نحن نعني الشهوة، وبالطبع ليس الشهوة النافعة الضرورية بل الرغبة التي لا نفع فيها واللذة. المعمودية هي ختان لا يتمّ بالأيدي البشرية، ولا هو يعزل المرء من أمّته، بل هو يفصل بين المؤمن وغير المؤمن الذي يعيش في الأمّة نفسها.
بعد العنصرة، انشغلت الكنيسة كثيراً بسؤال ما إذا كان ينبغي ختان المهتدين إلى الإيمان المسيحي. أرضية هذا السؤال كانت أنه ينبغي بالوثنيين الآتين إلى الإيمان المسيحي أن يحفظوا ناموس العهد القديم بما فيه الختان، بما أنّ العهد القديم سبق الجديد. للتعامل مع هذا الموضوع، انعقد المجمع المسكوني الأول المسمّى الرسولي، وقرّر في هذا الأمر كما هو مدوّن في الإصحاح الخامس عشر من أعمال الرسل. نشأت المشكلة عندما كان المسيحيون اليهود “يُعَلِّمونَ الإخوةَ، فيَقولونَ: «لا خَلاصَ لكُم إلاَّ إذا اَختَتَنتُم على شريعةِ موسى” (أعمال 1:15). بالواقع، لقد كان هناك نزاع والكثير من المناقشات، كما يرد، وبعض الذين أتوا من طائفة الفريسيين أصرّوا على أن يختتن المهتدون ويحفظوا ناموس موسى (أعمال 5:15).
تكلّم في المجمع الرسولي كلٌ من الرسل بطرس وبرنابا وبولس ويعقوب أخو الرب. قرار المجمع كان بأن الذين يأتون إلى الإيمان المسيحي من الأمم يجب ألاّ يختتنوا، بل عليهم أن يحفظوا أنفسهم أنقياء، ممسكين عن تقدمات الأوثان والدم والمخنوق والفجور الجنسي. يقول القرار الذي نُقل لاحقاً برسالة إلى المسيحيين: “فالرُّوحُ القُدُسُ ونَحنُ رأينا أنْ لا نُحَمِّلَكُم مِنَ الأثقالِ إلاَّ ما لا بدَ مِنهُ، وهوَ 29أنْ تَمتَنِعوا عَنْ ذَبائِحِ الأصنامِ، وعَنِ الدَّمِ والحيوانِ المخنوقِ والزِّنى. فإذا صُنتُم أنفُسَكُم مِنها، فحَسَنًا تَفعَلونَ. والله مَعكُم” (أعمال 28:15-29).حجّة هذا القرار كانت أنّه لا غنى عن الختان كونه صورة ومثال للمعمودية المقدّسة ومهيِئ للشعب لحضور المسيح. شروط ناموس العهد القديم التي كانت مرتبطة بالجهاد من أجل طهارة الجسد والنفس من الخطيئة، وخاصةً عندما كان الأمر يتعلّق بحرية الإنسان الشخصية، يجب الحفاظ عليها. أمّا الختان الذي لا علاقة له بالامتناع عن الخطيئة وطهارة النفس، يمكن الإعفاء منه لأنّه استُبدِل كلياً وأُكمِل وتُمِّم بسرّ المعمودية.تولّى الرسول بولس إظهار قرار مجمع الرسل ولاهوته للأمم، في تعليم من ضمن هذا الإطار. علينا أن ننظر إلى بعض النقاط في هذا التعليم حول هذا الموضوع.في مجابهة وضع المسيحيين اليهود الذين طالبوا المسيحيين من الأمم بأن يختتنوا، قال أنّهم يقومون بذلك لكي يمدحهم اليهود الآخرون فلا يُضطَهَدوا من أجل صليب المسيح، أي من أجل إيمانهم بالمسيح المصلوب والقائم من الموت (غلاطية 12:6-13). في أي حال، يوضح الرسول أنّه يفتخر بصليب المسيح الذي به وُجِدَت خليقة جديدة. “فلا الخِتانُ ولا عدَمُهُ يَنفَعُ الإنسانَ، بَلِ الذي يَنفَعُهُ أنْ يكونَ خَليقَةً جَديدَةً” (غلاطية 15:6).إلى جانب هذا، الختان لا قيمة له بحد ذاته، إلاّ إذا ارتبط بالإيمان وحفظ وصايا الله. بقدرة مذهلة على التفسير يشدد الرسول بولس على أنّ هذا الختان عديم النفع لأيٍ كان ما لم يتمّم الناموس. بطريقة مماثلة، الشخص غير المختتن إذا حفظ متطلبات الناموس سوف يُنظَر إليه وكأنه قد اختتن (روما 25:2-26). يشير الرسول أيضاً على الذين يأتون من الختان لكنّهم موسومون بأهواء كثيرة فيقول بشكل مميز “فهُناكَ كثيرٌ مِنَ المُتَمَرِّدينَ الذينَ يَخدَعونَ الناسَ بِالكلامِ الباطِلِ، وخُصوصًا بَينَ الذينَ هُم مِنَ الختان” (تيطس 10:1). فالرسول على عكس الذين يتفاخرون بختانهم يتفاخر بصليب المسيح، وبالحقيقة بعلامات المسيح التي يحملها في جسده: “لأنِّي أحمِلُ في جَسَدي سِماتِ يَسوعَ” (غلاطية 17:6).إن الإصحاح الثاني من غلاطية هو أحد المقاطع الأساسية التي فيها تُحلّل الحقيقة اللاهوتية لنعمة الله بالارتباط بأعمال الناموس، وللختان فيها موقع غالب. سوف نقوم بتحليل أوسع لكي نرى فكر الرسول بولس في موضوع الختان.يقدّم الرسول بولس تحليلاً لاهوتياً للموضوع في إشارته إلى حادثة مع الرسول بطرس الذي أُسيء فهمه لأنّه حاول أن يتصرّف بلباقة ولا يصدم لا المختتنين ولا المهتدين. يقول أولاً أن الله عمل فيه ليحمل البشارة إلى الأمم، والإله نفسه عمل في الرسول بطرس ليحمل البشارة إلى المختتنين. فهو يكتب: “بَل رأَوا أنَّ الله عَهِدَ إليَ في تَبشيرِ غَيرِ اليَهودِ كما عَهِدَ إلى بُطرُسَ في تَبشيرِ اليَهودِ، لأنَّ الذي جعَلَ بُطرُسَ رَسولاً لِليَهودِ، جعَلَني أنا رَسولاً لِغَيرِ اليَهودِ” (غلاطية 7:2-8) وهو يستنتج بعد عرض الحادثة بينه هو والرسول بطرس في أنطاكية: “نَحنُ يَهودٌ بالوِلادَةِ لا مِنَ الأُمَمِ الخاطِئينَ كما يُقالُ لهُم. ولكنَّنا نَعرِفُ أنَّ الله لا يُبرِّرُ الإنسانَ لأنَّهُ يَعمَلُ بأحكامِ الشَّريعَةِ، بَل لأنَّهُ يُؤمِنُ بيَسوعَ المَسيحِ. ولذلِكَ آمَنا بِالمَسيحِ يَسوعَ ليُبرِّرَنا الإيمانُ بِالمَسيحِ، لا العَمَلُ بأحكامِ الشَّريعَةِ. فالإنسانُ لا يتَبَرَّرُ لِعمَلِهِ بأحكامِ الشَّريعَةِ.” (غلاطية 15:2-16)الناموس وأعمال الناموس لا يساهمون في تبرير الإنسان. التبرير في مجمَل فكر الرسول بولس وحياة الكنيسة مرتبط بتجدد الإنسان، استنارة النوس، والتألّه. وهكذا، ليست القضية قضية تبرير بشري عاطفي، بل قضية تألّه. بهذا المعنى يستعمل الرسول عبارة “التبرير” ويظهر معناها مما يتابعه “معَ المَسيحِ صُلِبتُ، فما أنا أحيا بَعدُ، بَل المَسيحُ يَحيا فـيَّ.” (غلاطية 20:2).الناموس وأعمال الناموس، كالختان مثلاً، لا يؤلّهون الإنسان كون التألّه يحصل فقط بالمسيح. إن خلاص الإنسان وتألّهه يتمّان عِبر تجسّد المسيح. إلى هذا، كل الشريعة وأعمال الناموس في العهد القديم أُعطيَت بعد سقوط الإنسان، ليتهيأ البشر لتجسّد كلمة الله. لهذا، الناموس هو إرادة الله اللاحقة وليس الأولى. لا يتمّ التألّه خلال الحفظ الخارجي بناموس الله، بل من خلال الشركة مع شخص، هو شخص المسيح الإله الإنسان. لو كان بإمكان الناموس أن يخلّص لما كان هناك حاجة للتجسّد.نحن نقول هذه الأمور لا لكي نضع الناموس جانباً، ونحن لسنا ضد الناموس، لكن ينبغي التشديد على أنّ الناموس وأعماله، كالختان مثلاً، هيأوا الشعب لتجسّد المسيح، وشكّلوا طبّاً لقلب الإنسان طهّره من أهوائه. إذاً، الناموس يعمل بطريقة مُطَهِّرة. في أي حال، مَن بلغ الاستنارة والتمجيد يحتاج أن يكون عنده إيمان بيسوع المسيح أي شركة مع المسيح الإله الإنسان. بناءً عليه يسأل الرسول بولس: ” هَلْ نِلتُم رُوحَ الله لأنَّكُم تَعْمَلونَ بأحكامِ الشَّريعَةِ، أمْ لأَنَّكُم تُؤمنونَ بالبِشارَةِ؟” (غلاطية 3:2).النقطة إذاً هي أن أعمال الناموس لا تخلِّص ولا تؤلّه لكنّها تهيؤ الإنسان لتقبّل إيمان يسوع المسيح أي أنّه يتّحد مع المسيح ويتقبّله كهدية. وهكذا كلّ مَن تطهّر وحصل على المسيح، كلّ مَن، بنعمة الروح القدس، صار عضواً في جسد المسيح لا حاجة له بالختان. إلى جانب هذا، حصل المسيحيون على الختان غير المصنوع بيد. “وفي المَسيحِ كانَ خِتانُكُم خِتانًا، لا بالأيدي، بَل بِنَزعِ جِسمِ الخَطايا البَشَرِيِّ، وهذا هوَ خِتانُ المَسيحِ. فأنتُم عِندَما تَعَمَّدتُم في المَسيحِ دُفِنتُم معَهُ وقُمتُم معَهُ أيضًا، لأنَّكم آمَنتُم بِقُدرَةِ الله الذي أقامَهُ مِنْ بَينِ الأمواتِ.” وفي مكان آخر يتحدّث الرسول عن ” وإنَّما اليَهوديُّ هوَ اليَهوديُّ في الباطِنِ، والخِتانُ هوَ خِتانُ القَلبِ بالرُّوحِ لا بِحُروفِ الشريعةِ. هذا هوَ الإنسانُ الذي يَنالُ المَديحَ مِنَ الله لا مِنَ البشَرِ” (روما 29:2).يقدّم الآباء القديسون حقائق لاهوتية رائعة في تفسيرهم المقاطع الكتابية حول الختان الروحي الحقيقي، الذي هو المعمودية المسيحية.يعلّم القديس أبيفانيوس أن ختان الجسد حضّر الإنسان وخدمه إلى حين المعمودية، التي هي الختان الأعظم، لأنّ من خلالها نحن نتحرّر من الخطايا ونُختَم باسم الله. الختم مع اسم الله هما معرفة أننا ننتمي للمسيح. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أنه إذا كان ختان الجسد فصل اليهود عن الأمم هذا بالأغلب الوضع مع المعمودية المقدسة، لأنّ من خلالها يتميّز المؤمنون عن غيرهم. هنا يظهر أن المدعوين معمّدين هم كلّ الذين اعتمدوا وكل الذين أعادوا إضرام نعمة المعمودية.بحسب تعليم القديس كيرللس الإسكندري، ختان العهد القديم لم يبطِل الموت الذي أبطله ختان العهد الجديد. بالواقع، الشخص الذي يدخل الكنيسة بالمعمودية يصبح عضواً في جسد المسيح القائم. بهذا يبطل الموت الروحي وتتأمّن قيامة الأموات، لأنّ الموت الجسدي يبقى بعد المعمودية بقصد قطع الخطيئة.يعلّم القديس يوحنا الدمشقي أن الاختتان هو التخلّي عن اللذة الجسدية وكل الشهوات غير الضرورية العقيمة. هنا نرى أن المعمودية مرتبطة بالحياة النسكية التي بها يتحرّر الإنسان من سلطة الأهواء. ليست القضية قضية قصاص أو انتقاص للجسد، بل قضية تقليل وتحويل لشهوات النفس.في تعليم القديس مكسيموس المعترِف نرى أن الختان هو اسمٌ لقطع العلاقة الانفعالية بين النفس والجسد. فهما بينهما علاقة ووحدة. والمسألة ليست مسألة هذه الوحدة بل مسألة العلاقة الانفعالية التي تتمّ عِبر الأهواء.إن أقوال الآباء تظهِر أن ختان العهد القديم داخلي وروحي، إنّه شركة الإنسان مع الله وجهاد للحفاظ على هذه الشركة. في العهد القديم أعطى الله ناموسه لكي يهيء الشعب لتقبّل المسيح. يقول يوحنا الإنجيلي في مطلع إنجيله “لأنَّ الله بِموسى أعطانا الشريعةَ، وأمَّا بِـيَسوعَ المسيحِ فوَهَبَنا النِّعمَةَ والحقَّ” (17:1). إن الكلمة غير المتجسّد هو الذي أعطى الناموس لموسى لكي يشفي الشعب المتهيء لتقبّل الحق والنعمة اللذين أتيا إلى العالم بتجسّد كلمة الله المسيح. الناموس الموسوي، كما الختان، كان فيهما نعمة لكنها كانت قوة الله المطهِّرة ونعمته، لكنها ليست القوة المنيرة المؤلِّهة.نحن نكتسب ولادة روحية وبنوة حقيقية بالمسيح. يركّز يوحنا الإنجيلي: ” أمَّا الذينَ قَبِلوهُ، المُؤمِنونَ باَسمِهِ، فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أبناءَ الله. وهم الذين ولدوا لا من دم ولا مِنْ رَغبَةِ جسَدٍ ولا مِنْ رَغبَةِ رَجُلٍ، بل مِنَ الله.” (12:1-13).بالختان يصير البشر إسرئيليين، أي شعب الله المختار. بالمعمودية وحياة العائلة بالمسيح يصبح البشر أبناء الله، يبلغون البنوّة بالنعمة ويغلبون الموت.وهكذا، إن ختان المسيح يوحي إلينا بختان القلب. بالحياة الأسرارية والنسكية نصبح اعضاء جسد المسيح ويصبح تنازل المسيح مرتقانا.
الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس
تعريب الأب أنطوان ملكي
المزيد
11 يناير 2021
قتل أطفال بيت لحم - ماريعقوب السروجي
لما بدأ هيرودس باهلاك اطفال البلد اخذ يقتلهم من عمر سنتين وما دون، صنع الجبان حربا جديدة وصار سخرية لانه دعا الى المعركة بني سنة ليقتلهم،سحبت قرعة الصبيان في ارض اليهودية، وكانوا يقتلون بدل الملك الآتي الى العالم،لما قتلوا صاروا شهودا جددا للابن، وبآلامهم مهدوا درب قتل الابن،صرخت الامهات لانهن رأين فضاعة موت اولادهن المقتولين بامر الملك الغاشم،ولولت الجفنات على عناقيدها الباكرة لان الخنزير دخل وعصرها وهي على اغصانها،راحيل بكت على بنيها لانهم غير موجودين، وفي الايحاءات انصت ارميا وسمع صوتها، كان النبي قد سمع صوت بكاء عظيم في الرامة: راحيل تبكي ولا تريد ان تتعزى،
ترك هيرودس جميع الملوك الموجودين في المنطقة وشن حربا ليتقاتل مع الاطفال وقف امامه صبيان صهيون ليمنعوه، واستل سيفه على الجميلين وذبحهم،الاثيم اباد فوج الملك ولم يؤذه شخصيا، لقد طعن جيشه لينجو هو من السكين،اصطف الاطفال وقاتلوا هيرودس وغلبوه لانهم لم يستسلموا لقائد الجيش،اصطف ومات جميعهم في المعركة، ولم يكشفوا عن موضع الملك لئلا يلحق به ضرر،يا هيرودس بماذا اذنب اطفال الشعب ضدك، معركتك هي جريمة لانك تحارب مع الاطفال،؟تفتخر بالانتصار على رضع الحليب، وجيشك انكسر في الحرب لان الملك لم يمت، انتصر الاطفال وغلبوك لتصير سخرية، لان قائد الجيش لم يقطعه السكين،مات الشباب ولم يمت الختن لان وقته لم يحن، طعن المتكئون وصاحب العرس لم يهن،ذهب الختن ليدعو مصر لتأتي عنده، وتسلط السيف على جميع شبابه قبل عودته، جاء ليصنع عرس الدم في ارض اليهودية، فدعي اطفال البلد الى الذبح،الانقياء قتلوا لاجل النقي دون ان يذنبوا ليمهدوا الدرب للدم الطاهر الذي سيسكب،كان الملك قد امر ان يخرج السيف ويقتل ابناء سنة وسنتين الموجودين في تخومه،استل السيف لقتل الاطفال، وكانوا يقتلون بدون اذْن حيثما وجدوا،يوجد من قطع رأسه وهو نائم في كنف امه، ومن النوم انتقل الى الموت بصمت عظيم،
يوجد من اخذوه من ركبتي امه التي كانت تحمله، وسكبوا دمه وزالت انغامه الحبيبة،خرج الاطفال الاحباء ليمهدوها بعذاباتهم الى ان ياتي ملك الآلام ليمشي عليها،صار صبيان البلد رهائن مقتولين لاجل الابن، وارسلهم ليهيئوا مكان الصلب.
[المسيح يكلم الأطفال:]
لما قتلوا ارسلهم الى موضع الموت، ليسمعوه بان الملك سياتي عند الموتى،
قيلت مثل هذه الامور من قبل المخلص للصبيان الذين بدأوا المسيرة في درب الصلب قبله:
اذهبوا وقولوا للملك الغاشم، هانذا آت، تكفى دعوتك السريعة لي الى موضع رئاستك،
سآتي في طريق الآلام الذي صممُته، وساحّلك من سلطة رئاستك،
لي وقت قصير للعمل من بعد ارسالي، وبعدئذ سآتي بجبروت عندك،اذهبوا ايها الاولاد وامكثوا هناك في موضع الشيول، الى ان آتي وسافرغها من الموتى،بعد قليل سادرككم في الظلمة، وساشرق عليكم نورا عظيما لتفرحوا به،اذهبوا وامكثوا في المحصنة المليئة بالموتى، فلن اتاخر وساقلعها لئلا تقوم بعد،ناموا عن العالم، واستريحوا من سرير كل الاجيال، ولما انقضها ساوقظكم مع الكثيرين، اسبقوني قليلا في سبيل الآلام الى ان آتي، وساختمها بالصلب حتى ابعثكم،ادخلوا وانتظروني في الهوة العظمى مدينة الطغمات، ولما اتالم اصرخ فيها وستسقط كلها،اذهبوا الى السبي مع الكثيرين الذين قادهم الموت، وهانذا آت لاحطم قوسه واعيدكم.
[قوة الأطفال:]
سخر الاطفال من السيف لما ُقتلوا، لان طريق الملك كان يمهد بآلامهم،ضحكوا على الموت لانهم لم يعرفوا ما هو طعمه، ولم يحزنوا لما جذبوا نحو السكين،قام الاولاد ولعبوا بالافعى، والصبيان (لعبوا) بالموت ولم يشعروا بانه مر، من صبيان بيت لحم ظفر السيف اكليلا للملك المسجود له الذي اتى ليموت ويبعث الكل،اخذوا دمهم كباكورة، وادخلوه قدامه، ليكرم الدم الزكيء بالدم الطاهر.
(ميمر "على الكوكب الذي ظهر للمجوس وعلى قتل الاطفال" لماريقعوب السروجي: بهنام سوني. ترجمة من السريانية إلى العربية ودراسة على ميامر الملفان مار يعقوب السروجي. الجزء الأول. بغداد، 200).
المزيد
06 يناير 2021
عظة على عيد الميلاد للأنبا بولس البوشي أسقف مصر في القرن الثالث عشر الميلادي، نقلاً عن المخطوطة م 18
بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد
المجدُ لك أيها المولود من الآب قبل كل الدهور، الذي وُلد اليوم جسدانياً من البتول للخلاص.
المجدُ لك يا شمسَ البرِّ، الذي أشرق علينا اليوم بشعاع لاهوته، وأضاء المسكونة.
المجدُ لك أيها المسيح الملك، مالك السموات والأرض، الذي أخذ صورة العبد، لكي يُعطي عبيده الحرية التي تليق به.المجدُ لك أيها الخالق السماوي الذي افتقد خليقته الترابيين، وتعاهدهم بالصلاح، لكي يصيروا واحداً مع السمائيين.المجد للذي أضاء شعاعُ لاهوته بالمولد البتولي في أقاصي الأرض، حتى أتوْا إليه المجوس ساجدين.المجد للذي فحصوا لأجل مولده في الناموس والأنبياء، وأقرُّوا له عابدين.المجد للذي سبَّح لمولده السمائيون، وسجد له الأرضيون.أنا أسأل صلاحك، يا مَن رفع عنا العار والخزي بمولده من البتول.أطلب إلى محبتك، يا مَن تواضع وصار معنا على الأرض وهو في السماء لم يَزَل.أصرخ إليك، يا من صار إنساناً، لم يترك عنه شرف لاهوته الكائن له قبل الدهور.أشرِقْ شعاع لاهوتك في مخادع نفسي، يا شمس البر، لأتكلَّم بمولدك العجيب.أرشدني يا نور الحق الذي أرشد المجوس لمعرفته، لأُخبر بتواضعك وإتيانك إلينا.هب لي فصاحة القول، يا مَن وَهَبَ الخلاص للعالم مجاناً، وبتواضعه صار معهم على الأرض كالإنسان، وهو بلاهوته حالٌّ في كل مكان، لكي ما أفتح فمي وأنذر بمجيئك الذي صار بكل العلانية.لك المجد أيها المسيح الذي وُلد اليوم من البتول بالجسد. أسبِّح لك مع الملائكة، وإليك أُسرع مع الرعاة، ولك أسجد مع المجوس، ومن أجلك أفحص (الكتب) مع كتبة الناموس، ولإتيانك الكريم أترنَّم مع الأنبياء، وأُحضِر شواهدهم (من النبوَّات)، وأُبشِّر بك مع الإنجيليين، وأُقدِّم في الوسط مقالاتهم، وباسمك القدوس أفتح فمي، وبذكرك المجيد تتهلل شفتاي، وأصرخ بصوت أفضل من (صوت) القرن، وأفرح وأسرُّ في هذا العيد المجيد اليوم، وأذكر ما نطق به النبيُّون، وكرز به المُرسَلون.هَلُمَّ في وسطنا اليوم يا يعقوب إسرائيل، أبو الأسباط ورأس القبائل، وأخبرنا بمجيء سيدنا المسيح الحق إلينا. قال: «لا يزال رئيسٌ في يهوذا، وأقدام بني البشر، حتى يأتي الذي له المُلك وعليه تتوكَّل الشعوب، وإيَّاه ترجو الأمم» (تك 49: 10).بحقٍّ، إن هذه النبوَّة واضحةٌ جداً لا يحتاج معها إلى نبوَّة أخرى، وذلك أن المُلك قد كان في بني إسرائيل من قبيلة يهوذا، إلى سبي بابل، وأيضاً أقاموا عليهم رؤساء من قبيلة يهوذا أيضاً إلى مجيء المسيح. فلما كان مولد المسيح الرب، ملكت عليهم الأممُ وكتبوا أسماءهم في الجزية. كما شهد بذلك الإنجيلي المغبوط لوقا قائلاً: «وفي تلك الأيام»، أعني مولد الرب بالجسد، قال: «خرج أمرٌ من أوغسطس قيصر بأن يُكتتب جميع المسكونة». وبيَّن لنا أن في الزمان الذي قد مضى لم يكن كذلك، فقال: «وهذا الاكتتاب الأول في ولاية قيريانوس على الشام» (لو 2: 1-2)، أعني أن هذا أول اكتتاب كان على اليهود ليؤخذ منهم الجزية، فكان الأمر من قيصر ملك الروم برومية، ليُعلمنا أن الروم قد ملكوا عليهم، والمتولِّي من قِِبله قيريانوس منتدبٌ على الشام لكتابة الأسماء وأخذ الجزية.لأن هيرودس الكبير أبا أرشلاوس، قد كان في ذلك الزمان (متولِّياً) على الخِراج (الجزية). فقد صحَّ أن عند مولد المسيح نُزع منهم المُلك والرئاسة معاً، وأقاموا (في عهد) ذمَّة تحت يد ملوك الأمم. لأن الله عَلِمَ بغلظ قلوبهم، وكذلك أبطل مجيء الأنبياء أيضاً، «لأن الناموس والأنبياء إلى يوحنا»، كما قال الرب، «ومنه يُبشَّر بملكوت الله» (لو 16: 16)، الذي هو مجيء الرب الكريم إلينا. حتى أن اليهود إلى اليوم لا يقدرون (أن) يزيدوا على هؤلاء الأنبياء المعروفين، الذين كانوا قبل تجسُّد المسيح، وهم أربعة وعشرون نبيّاً. فقد صح بهذه العلامة أن المسيح قد جاء لأنه نزع منهم المُلك والرئاسة، وأبطل مجيء الأنبياء، ونزع من أيديهم البيت المقدس أيضاً، الذي كانوا يخدمون فيه بالسُّنة (أي الناموس) العتيقة، وهي ضحايا الحيوان ودم الجداء، وتطهير الزوفا، وأكمل ذلك بجسده ودمه وتطهير المعمودية. فمَن أطاع منهم الإيمان، قَبِلَه؛ والذين لم يطيعوا، بدَّدهم في آفاق الأرض تحت يد ملوك الأمم يسودونهم بغير تعاهُد.اليوم، يا أحبائي، كَمُلت نبوَّات الأنبياء في مولد الرب من البتول مرتمريم. إشعياء (النبي) يُعلن ذلك قائلا: «هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويُدعى اسمه: عمانوئيل» (إش 7: 14)، «الذي تفسيره: الله معنا» (مت 1: 23).حزقيال النبي يُعلِّمنا بسرٍّ عجيب قائلاً: «إني رأيتُ في المشارق باباً مُغلقاً مختوماً بخاتم عجيب، لم يدخله أحدٌ غير رب القوات، فإنه دخل وخرج ولم يُفتح الباب ولا تغير الخاتم» (حز 44: 1-2). وهذا سرُّ نبوَّةٍ على الميلاد البتولي من الطاهرة مريم من غير زرع بشر. يُخبرنا بأن المولود منها هو ربُّ القوات، ولهذا حفظ بتوليتها في تجسُّده، وفي ولادته منها، وبعد ولادته أيضاً، لأن له الاستطاعة في كل شيء.إشعياء (النبي) يقول: «وُلد لنا ابنٌ، وأُعطِيَ لنا غلامٌ، الذي سلطانه على منكبيه، وهو الإله القوي السلطان، ملاك المشورة العُظمى يُدعى» (إش 9: 6). حقَّق لنا النبي ميلاده بالجسد، ثم بيَّن لنا أنه الإله القوي السلطان في القِدَم والأزلية.إرميا (النبي) يُخبرنا بأن الإله سوف يكون مع الناس على الأرض بالتجسُّد العجيب، قائلاً: «إن الله سوف ينزل على الأرض، ويمشي بين الناس» (إر 14: 8؛ 23: 5).حزقيال (النبي) يُعلِّمنا بمِثل ذلك قائلاً: «سيعلمون أني أنا الرب إلههم، إذا ظهرتُ بين الناس، وكلَّمتُهم بإعلان» (34: 23-30).وعلى مثل هذا أيضاً تنبَّأ داود قائلاً: «إله الآلهة يظهر في صهيون» (مز 50: 1-3)، أعني أن أولئك إنما سُمُّوا (أُطلق عليهم) آلهة، لأن كلمة الله صارت إليهم، فأما هذا الذي يظهر بصهيون فهو إلهُ الآلهة بحقٍّ، وربُّ الأرباب وكل الكافة، بشرف اللاهوت وليس بالاسم المستعار.ومثل هذا قال إشعياء النبي: «تظهر كلمة الله في أورشليم، ومن صهيون تخرج السُّنة (الشريعة)» (إش 2: 3). وداود يُعلِّمنا أن المولود من الآب قبل كل الدهور هو المولود من البتول بالجسد، قائلاً: «الرب قال لي أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك» (مز 2: 7)، أعني الميلاد بالجسد. وقال: «من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك» (مز 110: 3 سبعينية). وقال: «يأتي الله جهراً وإلهنا لا يصمت» (مز 50: 3). وقال: «الرب أرسل لك عكَّاز قوة من صهيون، وتملك في وسط أعدائك» (مز 110: 2). وقال: «صهيون الأُم تقول: إنسانٌ حلَّ فيها، وهو العليُّ الذي أسَّسها» (مز 87: 5).وقال عوزيا (هوشع Wch) النبي: «يأتي الربُّ حقاً، ويظهر على الأرض» (هو 6: 3). وقال ناحوم النبي: «هوذا آتي وأسكن فيكِ، قال الرب الضابط الكل». وقال صفونيا النبي: «تعزِّي يا صهيون ولا تسترخي يداك، فإن الرب إلهنا قوي، يأتي ويحلُّ فيكِ ويُنجِّيكِ» (صف 3: 16). قال زكريا: «يا ابنة صهيون، هوذا أنا أجيء وأسكن فيكِ، قال الرب» (زك 2: 10). قال ملاخيا النبي: «هوذا الرب يأتي ويُشرق لأتقيائه، وشمس البر اسمه» (ملا 4: 2).بحقٍّ، يا أحبائي، إن شمس البر قد أشرق لنا اليوم بالميلاد من البتول. المولود من الآب قبل كل الدهور، ميلاداً أزلياً بلا ابتداء لا يُدرَك ولا يحدُّ له زمان، وُلد اليوم للخلاص. الذي لا يُحوَى ولا تُدركه العقول، استُعلِن اليوم متجسِّداً. المرهوب من القوات العقلية، ويعلو كل رئاسة وسلطان، ويفوق شرفُ لاهوته كلَّ البرايا، شاء أن يتنازل ويُخالط طبيعتنا المسكينة. الذي هو جالسٌ على كرسي مجده فوق أعلى السموات، ظهر بين البشر ولم يترك عنه علو شرفه، بل هو يملأ الكل ببساطة (جوهر) لاهوته غير المُحتوى عليه.عظيمةٌ هي جداً كرامة هذا العيد المجيد اليوم، أيها الأحباء، ويجب علينا كلنا إكرامه وتشريفه، و(أن) نبتهجَ فيه ونُسرَّ؛ لأنه إن كان (يوم) مولد رؤساء هذا العالم وملوك الأرض (الذين) يموتون وتزول رئاستهم، تجدهم يكرمونه ويذكرونه بينهم مع خواصهم في كل عام - كما كُتب أنْ وافى مولد لهيرودس الملك، فصنع وليمةً لعظمائه ومقدِّمي الجليل ورؤساء مُلكه (مر 6: 21) - فكم أحرى يحقُّ علينا من الفرح والمسرة، أن نُعيِّد بكل اهتمام حسن، في يوم تذكار مولد ملك الملوك ورب الأرباب وسيد السادات، الذي يسود بجبروته كل البرية، ولا سيما أن تجسُّده ومولده لم يكن من أجله، بل من أجلنا نحن، ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسَّد من مريم العذراء، ووُلد جسدانياً، لكي يولدنا نحن روحانيين. تواضع لكي يرفعنا. اتحد بطبيعتنا الحقيرة لكي يُعطينا نحن موهبة الروح القدس. سمَّى ذاته ابن البشر، لكي يُسمِّينا نحن بنين لله الآب.وليس هذا المجلس الجليل اليوم خُلواً من خواصه ورؤساء مملكته الأبدية، بل هم حاضرون معنا متكلِّمون، وبيننا ناطقون، لكي يفرحوا بأقوالهم التي من تلقاء الروح. ومَن هم أولئك؟ هم أنبياؤه الأطهار، ورسله الأفاضل، خواصه الأبرار المطَّلعون على سرِّه (مز 25: 14)، الذين منحهم موهبة روح قدسه.أما الأنبياء فقد تقدمتْ دعوتُهم، أولئك الذين أنبأوا بالروح على مجيئه الكريم (أع 3: 22-24). وهوذا بنداء، بدعوة الرسل المَوَالي السادات رؤساء أئمة كل المسكونة، أنهار ماء الحياة، كما تنبأ حزقيال النبي قائلاً: «الجميلون في إنذارهم»، كما تنبأ ناحوم النبي قائلاً: «ما أجمل أقدام المبشِّرين بالخيرات» (نا 1: 15)، «الذين خرجت أصواتهم في كل الأرض، وبلغ كلامهم أقطار المسكونة» (مز 19: 4؛ رو 10: 18).هلمُّوا الآن أيها الإنجيليون المبشِّرون بالحياة، لكي ما نأخذ منكم سياقة (مضمون) القول، لأنكم مُعاينون الإله الكلمة وخَدَمه وخواصه، وبكم نزيِّن القول. متى الرسول الإنجيلي يشرح لنا قائلاً: «لما وُلد يسوع في بيت لحم يهوذا» (مت 2: 1)، أراد بذكره بيت لحم ليُبيِّن أن كُتب الأنبياء ذكرت أنه (في) بيت لحم يولد. لأنه خاصة دون الإنجيليين كتب إنجيله عبرانياً. وكذلك ذكر النسبة (سلسلة الأنساب) وبدأ بها من إبراهيم، لأن إليه خاصة تنتهي النسبة في تناسل العبرانيين لا غير.فأما لوقا، لمَّا كتب إنجيله يونانياً، لم يَرَ أن يُحزن الأمم الذين آمنوا بالمسيح، بأن المسيح ليس منهم تجسَّد، ولذلك أخذ (في ذِكْر الأنساب) من أسفل (أي ابتداءً من اسم يسوع) وهو طالع. فلما بلغ إلى إبراهيم، لم يقتصر على ذلك، بل أوصل النسبة إلى نوح، لأنه صار أباً لكل القبائل والألسن. ثم زاد ذلك فلسفة بتأييد الروح، فانتهى إلى آدم، لكي يشرح لهم نسبة التوراة بتلخيص، ويُفرِّحنا نحن كافة المؤمنين بأن المسيح تجسَّد من نسل آدم أبينا كلنا، ودعا (يسوع المسيح) آدمَ ثانياً ليكون أباً ورئيساً لكل الأحياء، كما يُلائم لاهوته، والمُقدِّم كل الخيرات، والسابق في البعث من بين الأموات.ومتَّى لما كتب إنجيله عبرانياً ببيت المقدس (أي بأورشليم)، شرح الأمور لليهود الذين آمنوا على ما في الناموس. ثم ذكر في النسبة (أي في سلسلة الأنساب) امرأتين من الأمم، وهما ثامار وراحاب، ليُبيِّن لهم أنهم اشتركوا مع الأمم في التناسل، وأن جنسهم منهم، فلا يأنفوا أن يشاركوهم في الإيمان ويُخالطوهم، ولا سيما أن المعمودية قد طهَّرت الجميع.ثم بدأ يتكلَّم على شيء بشيء، ويأخذ عليه الشهادة من الأنبياء، فقال: «لما وُلد يسوع المسيح في بيت لحم يهوذا، في أيام هيرودس الملك»، أراد بذكر هيرودس لِمَا جرى له مع المجوس، وبحثه عن المولود، وقتله الأطفال. قال: «إذا مجوسٌ وافوا من المشرق إلى أورشليم، قائلين: أين هو المولود ملك اليهود؟ لأننا رأينا نجمه في المشرق، ووافينا لنسجد له».يا لهذا السر العجيب والسياسة الإلهية، وكيف دبَّر الله الأشياء بلطف، واجتذب إليه هؤلاء المجوس من الجانب الذي هم متمسكين به، فلهذا اجتذب إليه هؤلاء المجوس من صنعتهم التي فيها تربوا وهم بها مغتبطون. وذلك أنهم كانوا من بلاد فارس من جنس بلعام العرَّاف (عد 22: 5)، وكان عندهم كُتب تعليم منه، وكانوا يرون مع هذا علم تسيير الكواكب. إلا أنهم قرأوا وفهموا لأجل المسيح الملك الحقيقي. ولم تكن قلوبهم مائلة لغواية عبادة الأوثان. ولما علم الله صحة يقينهم، وأنهم يُذعنون للحق إذا ظهر لهم، أظهر لهم قوةً سمائية شبه نجم. ولم يكن يتقدَّم مثله شيء في كافة الكواكب، يدلُّ (على) أن الذي يُولد في ذلك الحين يسود كل الممالك جميعاً والرئاسات، ولا يكون لمُلْكه انقضاء.والدليل أن (النجم كان) قوةً من الله، ولم يكن من هؤلاء الكواكب الظاهرة، أن أفعاله مختلفة عن سائر النجوم. أول ذلك أنه كان يظهر لهم نهاراً ويختفي ليلاً، يدلُّ (على) أن المولود هو نهارٌ وشمس البر. ثم كان يسير من الشمال إلى اليمين منحرفاً قليلاً إلى الغرب، وهو من أرض فارس إلى بيت المقدس، يدلُّ (على) أن كماله يكون بأورشليم (لو 13: 32). وكان يسير بسيرهم ويقف لوقوفهم، يدلُّ على أن الربَّ يُلاطف البشرية ويُكمل الأشياء الجسدية. وكان سيره عجيباً أسفل بالقرب منهم، يدل على اتضاع الرب المولود بالجسد، وكونه قد صار معنا على الأرض وهو يعلو الكل بلاهوته. وكان قُرْبه منهم لكي يتقدَّمهم، كمثل مرشد لهم، إلى الموضع الذي يريدون نحوه مستقيمين بلا اعوجاج، ليدل أن المولود هو الذي يتقدَّم لنا في كل الخيرات، ومرشد لنا إلى أورشليم العليا، ملكوت السموات، كما قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة» (يو 14: 6). ومع هذا بأسره لم يقدر ضوء الشمس أن يخفيه، ليدل (على) أن المولود يعلو ويفوق كل بهاء وحُسْن، ويفضُل على كل اسم مما يُرَى ومما لا يُرَى. وكما تنبأ عنه داود قائلاً: أنه «بهي في الحُسْن أكثر من بني البشر» (مز 45: 2). أعني وإن كان ظهر بالجسد ووُجد بالشكل كالإنسان، فهو يفوق الكل ببهاء لاهوته.لما أوصل النجم المجوس إلى أورشليم، اختفى عنهم بالتدبير، لكي يُبشِّروا بميلاد المسيح الرب لأولئك الذين كانوا منتظريه، أعني بني إسرائيل الجسداني، ليدل (على) أن الشعوب تفوقهم في الإيمان وتَفْضُلُ عليهم، وأن المجوس (كانوا أكثر استحقاقاً) لكثرة اجتهادهم ومحبتهم لنظر المسيح المولود. فلما اختفى عنهم النجم، لم يصبروا، بل أذاعوا ذلك كمثل رسل مُبشِّرين قائلين: «أين هو المولود ملك اليهود»، وذلك لأنهم حقَّقوا أمره جيداً. وبهذا سعوا (احتملوا) هذا البعد والعناء الكبير. ولِِمَ ذلك؟ قالوا: «لأننا رأينا نجمه في المشرق». ولم يقولوا أتينا لننظره، بل قالوا: «أتينا لنسجد له». أعني أن النجم ظهر لهم أولاً من مشرق السماء، وأقبل نحوهم، لأنهم كانوا بأرض فارس، كما تقدَّم القول، ناحية الشمال مُنحرفاً إلى ناحية المشرق، يدل أن المولود من السماء أشرق علينا، وردَّنا من الشمال إلى اليمين. ثم أقرُّوا أنهم أقبلوا إليه ساجدين، ليدل على معرفتهم به باليقين.قال الكتاب المقدس: «فلما سمع هيرودس اضطرب»، وذلك لقلة فهمه، ظنَّ أنه ملك أرضي ينزع منه المُلك ويبيده هو وجنسه بأسره. ولم يفهموا أنه الملك الأبدي الرب من السماء القائل: «لم آتِ لأهلك نفوس الناس بل أحييهم» (لو 9: 56)، وقال أيضاً: «نفسي أُعطي دون خرافي» (يو 10: 15). وكذلك أورشليم اضطربت بأسرها، لما سمعوا أن المسيح المنتظر قد وُلد، وأن الفُرس أقبلوا إليه ساجدين. ثم إن هيرودس جمع رؤساء الكهنة وكتبة الناموس، الذين درسوا الكتب جيداً، ثم استخبر منهم «أين يولد المسيح؟». يا لهذا التدبير الإلهي، كما جذب إليه المجوس من الأشياء التي بيدهم، كذلك أراد أن يجتذب بني إسرائيل أيضاً من الذي بيدهم، وهو كُتب الناموس والأنبياء، الذين هم بها مؤمنون، كما قال لهم الرب: «فتِّشوا الكتب التي تظنون أن لكم بها حياة الأبد، فهي تشهد من أجلي» (يو 5: 39). وبهذا أخفى النجم عن المجوس حتى يذيعوا ذلك.فلما فحص رؤساء الكهنة جيداً، أقروا بالحق، ليكون ذلك شهادة عليهم، قائلين: «في بيت لحم يهوذا يولد المسيح». كما هو مكتوب في ميخا النبي: «وأنتِ يا بيت لحم أرض يهوذا، ألستِ بصغيرة في ملوك يهوذا، منكِ يخرج المدبِّر الذي يرعى شعبي إسرائيل» (مي 5: 2). انظروا إلى إيضاح هذه النبوَّة، وكيف عظَّم بيت لحم مع صغرها. ولِمَ ذلك؟ قال: «لأن منها يخرج المدبِّر راعي إسرائيل». هذا الذي صرخ إليه داود النبي قائلاً: «يا راعي إسرائيل الذي هدى يوسف كالخروف انظر، الجالس على الكاروبيم استعلن، قدَّام أفرايم وبنيامين ومنسَّى، أظهِر قوتك وتعالَ لخلاصنا» (مز 80: 1-2). وهذا الفحص قد كان عند اليهود متواصلاً بمثابرة، كما شهد بذلك يوحنا الإنجيلي قائلاً: «إن قوماً منهم قالوا هذا هو المسيح، وآخرين قالوا لعل المسيح من الجليل يأتي، أليس قد قال الكتاب إن من نسل داود، من بيت لحم خاصة قرية داود، يأتي المسيح» (يو 7: 41-42).حينئذ هيرودس لأجل خبثه، دعا المجوس سراً وتحقق منهم الزمان الذي ظهر لهم فيه النجم، وذلك مكر منه. ثم أرسلهم إلى بيت لحم، كما شهد بذلك كتبة الناموس وأحبار الشعب، وقال لهم: «امضوا وافحصوا عن الصبي باجتهاد، فإذا وجدتموه فأخبروني لآتي أنا وأسجد له». أراهم في الظاهر كأنه موافق لهم، وساواهم في كل شيء، أما ما كان في الباطن فكان شراً منه وخبثاً فهو يروم قتله. كما ظن أن ذلك يَكْمُل له، جهلاً منه.فأما المجوس لما سمعوا أن كُتب الأنبياء شهدت بأن المسيح يولد ببيت لحم، صدَّقوا ذلك بعِظَم إيمان، ومضوا قاصدين الموضع. وأن الله أراد أن يثبت لهم ذلك يقيناً بالعيان، ليعظم إيمانهم، فأظهر لهم النجم على هيئته الأولى. كما شهد الكتاب المقدس قائلاً: «ولما ذهبوا، وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدَّمهم، حتى جاء ووقف حيث كان الصبي». أَنظرتَ الآن أنه قوة من الله أظهرها لهم، وكيف هو يسير أمامهم قريباً منهم، مرشداً لهم، حتى جاء ووقف فوق البيت الذي كان المولود نازلاً فيه!«ولما رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جداً»، لثبات يقينهم وزوال التوهُّم منهم. فلم يحيدوا يمنة ولا يسرة، بل دخلوا البيت الذي كان الصبي فيه، ولا تقصَّوْا من أحد. «فلما رأوه مع مريم أُمه، خرُّوا له ساجدين»، من غير شك فيه، من حيث (إنهم) لم يَرَوْا حوله حشوداً ولا جيوشاً، لذلك الملك العظيم الذي تعبوا من أجله وقطعوا هذه المسافة البعيدة. (ولم) يشاهدوا زخارف كما قد يوجد عند رؤساء العالم؛ بل خرُّوا له ساجدين لما قد ثبت عندهم بصحة اليقين أنه المسيح بالحقيقة مخلِّص العالم بعدة دلائل. أحدها: بما عندهم من النجوم؛ والثانية: بالكوكب الذي كان يسير أمامهم، ووقوفه على المكان الذي هو فيه؛ والثالثة: بشهادة الأنبياء، كما أخبروهم كتبة الناموس.«ثم قدَّموا إليه الهدايا: ذهباً ولبانا ومرّاً»، لأنهم اختصروا على هذه الثلاثة أصناف بإشارة لأجله. لأنه لم يَقُل الكتاب المقدس إنهم قدَّموا له ثياباً فاخرة، ولا شيئاً من كل ما يُهدَى إلى الملوك. وإن كانوا قادرين على ذلك، بل أضمروا قائلين: إن قَبِلَ الذهب فهو ملك، وإن قَبِلَ اللبان فهو إله، وإن قَبِلَ المُر فهو علامة أنه قابل الموت من حيث لا يقهره الموت. لأنهم رأوا أن مُلكه لا ينقضي، كما قالوا اليهود للرب: «إنَّا سمعنا في الناموس أن المسيح يدوم إلى الأبد» (يو 12: 34)، فقَبِلَ منهم الرب الثلاثة أصناف جميعاً. فآمنوا أنه المسيح الملك، وآمنوا أنه الإله مخلِّص العالم، وآمنوا أنه يقبل الموت، من حيث لا يقهره ولا تقوى عليه شوكة الموت، بل هو غالب لم يَزَل.«وإن ملاك الرب ظهر للمجوس ليلاً، وأوصاهم أن لا يرجعوا إلى هيرودس، وأشار إليهم بالذهاب في طريقٍ أخرى إلى كورتهم». لأن الرب إنما أرشدهم إلى أورشليم ليكونوا مُبشِّرين بمولده الكريم. فلما أكملوا ذلك، أمرهم أن يذهبوا بسلامة في سكون، ويكونوا له أيضاً مُبشِّرين في أرضهم.أما لوقا الإنجيلي فإنه ذكر يوم مولد الرب نفسه، وكيف وُلد في مغارة، ووُضع في مذود البهائم، ليردَّ عقلنا البهيمي إلى معرفة لاهوته الأزلي. ثم ذكر كيف ظهر ملاك الرب للرعاة ليلاً وبشَّرهم قائلاً: «هوذا أنا مُبشِّركم بفرح عظيم يكون لكم ولكل الشعوب، لأنه قد وُلد لكم اليوم مخلِّص الذي هو المسيح الرب في مدينة داود» (لو 2: 10-11). فشهد أن هذا الفرح عام لكل الشعوب. ولِمَ ذلك؟ لأن المخلِّص صار اليوم مع البشر على الأرض، لكي ينقل رتبتهم إلى ملكوت السموات.«وللوقت بغتة تراءى مع الملاك أجنادٌ كثيرة سماويون، يُمجِّدون الله ويقولون: «المجد لله في العُلا، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة» (لو 2: 13-14). فمجَّدوا مَلكهم السماوي، لأنه حيث يكون، فهناك يكون خدَّامه العلويون. وأوضحوا بهذا التقديس تمجيداً واحداً مساوياً للثالوث القدوس الواحد في اللاهوت، إذ أوصلوا المجد للآب الكائن في العلاء، والابن ملك السلام الذي صار على الأرض بالمولد من البتول، وهو في السماء بلاهوته لم يَزَل، ومسرَّة موهبة روح القدس الذي هو مزمع أن يحلَّ على المؤمنين بالمولد الثاني. فأسرعوا الرعاة وشاهدوا راعي الرعاة الأعظم لرعيته، كما قيل لهم. كما قد أسرعوا الملوك أيضاً وسجدوا للملك السمائي الأبدي.أما يوحنا الإنجيلي فإنه أخبر بالأنواع (أي نوع هذا) الاتحاد العجيب قائلاً: «والكلمة صار جسداً وحلَّ فينا» (يو 1: 14)، أعني أنه لم يَصِر جسداً من حيث الاستحالة (أي لم يتحوَّل إلى جسد)، بل من حيث الاتحاد، بقوله: «وحلَّ فينا»، ثبَّت بهذا تجسُّده أنه مِنَّا تجسَّد. ثم قال: «ورأينا مجده مجداً مثل الابن الوحيد الذي من الآب، الممتلئ نعمةً وحقاً» (يو 1: 14)، أعني وإن كان وُلد بالجسد وحلَّ في بشرنا (أي جسدنا)، فلم يترك عنه مجد لاهوته، بل قد عاينَّا مجده المملوء من نعمة لاهوته وحق ربوبيته، كما قد عاينَّاه متجسِّداً أيضاً، هذا الذي سُرَّ أن يُستعلَن ويُكلِّمنا شفاهاً.أما بولس الرسول فإنه أوضح المعنى قائلاً: «بأشباه كثيرة وأنواع شتَّى كلَّم الله آباءنا على ألسن أنبيائه في قديم الدهر، ولما كان في هذه الأيام الأخيرة كلَّمنا بابنه» (عب 1: 1-2)، أعني أن أولئك كلَّمهم بمثال شِبه ما هو مزمع أن يكون، وها هنا الحق نفسه استُعلِن. وإذا سمعتَ «الأيام الأخيرة» لا تظن فروغ العالم وكمال الأزمان، بل إنما عَنِيَ آخر أيام العتيقة (أي العهد القديم، الناموس)، لأن غايتها المسيح وهو كمالها. ثم بدأ بناموس جديد لا يكون له انقضاء كما يُلائم واضعه والقيِّم به.ثم إن الرسول بيَّن أنه ابنٌ خاص مولود من الآب، أزلي لا يُحَدُّ له ابتداء، مساوي الآب في الجوهر. فقال: «الذي جعله وارثاً لكل شيء، وبه خلق العالمين، وهو ضياء مجده، وصورة الأزلية، ومُمسك الكل بقوة كلمته» (عب 1: 2-3).انظروا إلى قوة فهم الرسول المتكلِّم بالحق بالروح، كيف لم يُبقِ شيئاً يليق باللاهوتية إلا وقد أوجبه للكلمة المتجسِّد: من الخلقة، وضياء مجد اللاهوت غير المُدرَك، وصورة الأزلية، وضبط الأشياء والاحتواء عليها. هذا الذي من أجلنا خاصة تجسَّد وُولد من البتول. فليخزوا الآن الذين يُنكرون لاهوت المسيح، وليخزوا أيضاً الذين يُنكرون تجسُّده، أعني ”ماني“ و”مرقيان“؛ إذ الرسول يُعلن تجسُّده قائلاً: «إنه لم يأخذ من الملائكة ما أخذ (أي الجسد)، بل من زرع إبراهيم» (عب 2: 16). وقال أيضاً: «إنه صار شبيهاً بنا في كل شيء خلا الخطية» (عب 2: 17).طوباكِ أيتها الطاهرة البتول مرتمريم، كمثل صوت نبوَّتك القائلة: «إنه من الآن يعطونني الطوبى جميع الأجيال» (لو 1: 48). وبحقٍّ استحقيت كل الطوبى والإكرام لأنك تُسمِّين أُم الذي هو كائن قبل الدهور، المولود أزلياً من الآب، بلا ابتداء، وُلد منك بالجسد للخلاص. يا خادمة الرب ومعايِنتُه ووالدته، أنتِ أرفع من السمائيين وأجلّ من الكاروبيم، وأفضل من السارافيم، وأعظم من طغمات الملائكة الروحانيين، وممجَّدة أكثر من رؤساء الآباء والنبيين، وزائدة في الكرامة على التلاميذ الأفاضل المُرسلين. أنتِ فخر جنسنا، بك تفتخر البتولية، وبك تُكرَّم الطهارة والعفة. أنت تابوت العهد الذي فيه العشر كلمات، المُصفَّح بذهب إبريز نقي، التي هي كرامة اللاهوت الحال عليك. أنت الإناء الذهب المملوء من المنِّ المُخفَى النازل من السماء. أنت هي عصاة هارون التي أورقت من غير غرس ولا سقي ولا حرث، الذي هو تجسُّد الكلمة منك من غير زرع بشر. أنت هي القضيب الذي نبت من أصل يسَّى، وأنبع الزهر الذي تفوق (رائحته) كل عطر وطِيب. أنت هي صهيون الأُم التي حلَّ فيها الإنسان بالجسد، وهو العلي الذي أسَّسها، كما شهد داود (مز 87: 5). أنت هي السحابة الخفيفة التي هبط عليها الرب إلى مصر، كما تنبَّأ إشعياء (إش 19: 1). أنت هي الباب المغلق بخاتم البتولية، الذي منها وُلد رب المجد، وحفظ بتوليتها دائماً، كما عاين حزقيال النبي (حز 44: 2). أنت هي صهيون التي حلَّ فيها الرب الإله القوي، كما أوحي إلى صُفونيا (صف 3: 16). أنت هي السماء الجديدة التي منها أشرق شمس البر لأتقيائه، كما أعلن ذلك ملاخيا (ملا 4: 2).وقد يقصر بي الزمان أن أتكلَّم بكرامتك التي تفوق كل كرامة. أنت تفضَّلت على كل الخلائق التي تُرى والتي لا تُرى، لأجل عظمة كرامة الرب الإله المسجود له، الذي اصطفاك ووُلد منك. لأن الذي تتعبد له كل البرايا، سُرَّ أن تُدعى له أُماً، من أجل هذا كرامتك جليلة جداً. وشفاعتك زائدة في القوة والإجابة كثيراً. إلا أنني لعِظَم فضل كرامتك، وحيث لم أقدر (أن) أبلغ في مدحك إلى الغاية، أرغب إلى الاختصار.عظيمة هي، يا أحبائي، كرامة هذا العيد الشريف اليوم، حتى أن تذكاره في كل عام يُفرِّح القلب ويُسرُّ المؤمنين بإتيانه، لأن فيه اسُتعلِن لنا شمسُ البر، وأشرق علينا من البتول بالمولد الجسداني. فيجب علينا أن نعيِّده بكل نقاء، لنُشارك المولد البتولي المقدَّس، ونعلم فضل الطهارة وكرامتها عند الله. لأن من طهارة البتول مرتمريم سُرَّ الآب أن يتجسَّد (الابن) منها، ولم يأنف أن تُدعى له والدة. فلهذا يجب علينا أن نتحفظ حسب قوتنا لأنه قدوسٌ ومحبٌّ للأطهار. لأنه مكتوب: «كونوا أطهاراً (قديسين) فإني طاهر (قدوس)، يقول الرب» (لا 11: 44). وفي القديسين يحلُّ، كالمكتوب أيضاً (حكمة 7: 27). ولحافظي وصاياه يتخذهم مسكناً، كما شهد بذلك (يو 14: 23)، وعلى المتضع الخائف منه ينظر بعين التحنُّن، كما تكلَّم على فم النبي قائلاً: «على مَن أنظر، يقول الرب، إلا على المتضع الخائف من كلامي» (إش 66: 2). والطالبون إليه بأمانة يسمع بإجابة، كما شهد بذلك قائلاً: «سَلُوا (اسألوا) تُعطَوْا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم» (مت 7: 7).فلنحفظ أجسادنا طاهرةً من أجل الرب الذي وُلد من البتول القديسة. نحفظ نفوسنا عفيفةً من الفكر الرديء، من أجل وقار الذي اتحد بجسدنا، لكي يُقرِّبنا إلى مجد لاهوته الأزلي غير المدرك. نحفظ حواسنا سالمةً من المعايب، التي هي النظر والسمع والنطق والشم واللمس، لأجل كرامة الذي طهَّر البشرية جسداً ونفساً وعقلاً، باتحاده بها. ولأجل كثرة تواضعه الذي لا يُحدُّ، لم يأنف أن يُسمِّينا إخوته كما هو مكتوب: «إني أُبشِّر باسمك إخوتي» (مز 22: 22؛ عب 2: 12).فلهذا يجب علينا أن نعرف الكرامة التي صارت إلينا، ولا نتهاون بهـا، ليكـون لنا أفضل مـن ذلك بأضعاف شتَّى. لأن مَن له يُعطَى ويزداد. فلا يكون الآن عيدنا باللهو والبذخ العالمي، بل الأشياء التي تليق بالأطهار، ولا سيما إنَّا قد حفظنا نسك الصوم الذي مضى قبل هذا العيد الشريف، فنكمل ذلك بورع وخوف الرب، بمد أيدينا لمواساة الضعفاء حسب ما يمكننا، نتعاهد الذين في السجون، نسد فاقة المُقلِّين، نصنع صُلحاً وسلامة مع إخوتنا، من أجل الرب الذي أتى وصنع صُلحاً بين السمائيين والأرضيين، لكي الذي وُلد بالجسد يُقرِّبنا إليه، ويجعلنا بني الآب السمائي بالروح.ونحن نسأل الرب يسوع المسيح، بشفاعة السيدة الطاهرة مرتمريم، الذي وُلد منها بالجسد لأجل خلاصنا، أن ينظر إلينا بعين الرحمة، ويغفر خطايانا، ويسامحنا بهفواتنا، ويحرس ما بَقِيَ من حياتنا، وأن يحفظ جماعتكم ويرزقكم أعمالاً مرضية وأكاليل مضيئة، ويجعل لنا أجمعين حظاً ونصيباً مع كافة قديسيه في الملكوت الأبدية والحياة الدهرية، ويُنيِّح نفوس كافة بني المعمودية. بصلوات الرسل الأطهار، وكافة الشهداء والقديسين الأبرار، والسواح المجاهدين، وكل من أرضى الرب بأعمالهم الصالحة، من الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين وإلى أبد الآبدين آمين. ?
(تم وكمل ميمر الميلاد المجيد الذي لربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح بسلام من الرب. آمين
الأب المكرم القس بولس البوشي
المزيد
04 يناير 2021
لأنه جاء الميعاد
" أنت تقوم وترحم صهيون، لأنه وقت الرأفه، لأنه جاء الميعاد" (مز 102: 13).ظل زكريا الكاهن صامتًا أكثر من تسعة أشهر، ولكن تحنن وترأف الرب عليه، ومكث في بيته ثلاثة أشهر لكي يَملَئه من روحه مع إمرأته وابنه.جاء ميعاد لزكريا لكي يمكث الرب وأمه وسط هذه الأسره، يقودهم ويمتعهم بروحه خلال:
+ الفكر الواحد:
قادهم الواحد برفع عيونهم وقلوبهم لرب السماء، والإتفاق علي اسم المولود يوحنا بدون إتفاق سابق..
+ فتح فمهم بالتسبيح:
لقد صدر من هذا البيت ثلاثة تسبيحات عميقه. تسبحة إليصابات والعذراء، ثم زكريا، وتسبحة رابعه صامتة من الجنين عبر عنها بالفرح.
+ متعهم بالفرح والسلام:
لقد ملأ الأسره التقيه وكثيرين وكل منتظري الفداء بالفرح والسلام بميلاد (حنان الله أو يهوه حنان) أي يوحنا، وحينئذ جاء لزكريا ميعاده الذي فتح فيه فمه ممتلئًا بالروح بعين مفتوحه وعقل راجح وقلب مستنير يتكلم عن:
المواعيد المنتظره: التي اشتاق إليها كل أباء العهد القديم كأنها تحققت لأنه جاء الميعاد:
+ ميعاد الإفتقاد: " لقد أفتقد وصنع فداءً لشعبه" (لو1: 68)، وكأن الفداء تم بحلول الله وسط شعبه.
+ أقام لنا قرن خلاص (لو1: 69) أي سلطان للغلبه ومملكه نحيا فيها ونحتمي بها.
+ ميعاد تحقيق النَّبوات: " كما تكلم بفم أنبيائه" (لو1: 70) للخلاص والنجاه من الأعداء خلال الإنتصار علي أعداءنا ومبغضينا (لو1: 71) الذين هم الشيطان والجسد والعالم بمجئ الطريق والحق والحياه. وهذه هي نعمة العهد الجديد.
+ ميعاد الرحمه: "مع أبائنا في بيت داود فتاه " = القطيع الصغير (لو1: 69) ليتمم القسم الذي أنتظره كثيرًا أبونا إبراهيم ونسله،لقد استنتج من حنان الله تحننه ورأفته ورحمته علي كل الآباء الذين ماتوا علي رجاء متي يأتي. فتكلم زكريا كأن الله نزل إلي الجحيم وسبي سبيًا، وهذا بقدوم الرب إلينا.
+ ميعاد نعبد الرب الذي جاء كراعي يرعي شعبه: " لنعبده بلا خوف بقداسه وبر قدامه".
(لو1: 75) بقداسه: بالقداسات التي للقديسين، أي جسده ودمه وببر: مبررين بدمه من خطايانا أي بالتوبه والأعتراف بخوف، أي بمخافه وإحترام لوجود الرب الذي صار أمامنا.
+ ميعاد يفهم فيه الأطفال بدون تعليم: فوجه زكريا رساله لإبنه الطفل قائلًا: " أنت نبي العلي، تتقدم أمامه لتعد طريقه، وتعطي شعبه معرفه الخلاص" (لو1: 77) وكانت هي رساله المعمدان: الإعتراف والعماد والتلمذه علي المسيح حمل الله، الذي يحمل خطية العالم.
+ لكل منا ميعاد " يفتقدنا بأحشاء رحمته" (لو1: 78)، أي بعمق محبته وتحننه مُشرقًا من العلاء ليهدي أقدامنا في طريق السلام. فانتظر ميعادك ليأتي ويتحنن عليك بنعمته و...
سؤال لأبونا زكريا
كيف يا أبي عرفت كل هذا؟ ومتي فهمت كل هذه النبوات؟ ومن أين جاءتك المعرفه؟
فيجيب بالمزمور الذي يستخدم في الإحتفال بالفصح وهو (مزمور 111).
تأتي المعرفة من خلال:
(1) العباده الجماعيه (2) التأمل في أعمال الله
(3) الغوص في كلمته (4) بالمخافه تأخذ فطنه جيده
لكل مشتاق: أعمل مقارنة بين هذه النقاط التي في المزمور وحياة زكريا الكاهن..
الراهب القمص إبراهيم الأنبا بولا
المزيد
25 ديسمبر 2020
زيارة واحد هادفة
زياره رعويه:
هي أول عمل للمسيح بعد بشارة العذراء. " قامت بسرعه إلي الجبال إلي مدينه يهوذا، ودخلت بيت زكريا وسلمت علي إليصابات" (لو1: 40) (هدف الزياره) ودار الحوار الجميل.
+ زياره المسيح ليوحنا: زياره الجسد للجسد، ولكنها تلاقي الأرواح لبعضها!!
+ زياره فريده أشبعت يوحنا في البطن!
+ زياره عمل وإمتلاء! زياره وجد فيها المسيح مكان لراحته داخل عائله تقيه!
+ مع أنهم أقرباء: " هوذا أليصابات نسيبتك" (لو 1: 36) وحسب السنكسار بنات خالات، ولكن الموضوع هو أسمي بكثير... زياره عمل إلهي صرف... بدليل:
+ المسيح المُحب للوحده والإنفراد في الصحراء لم يزور يوحنا الذي عاش في الصحراء 30 سنة.
+ لقد زار الأنبا أنطونيوس الأنبا بولا وتحدثا عن عظائم الله، وأشبعا بعضهما البعض. لماذا لم يلتقي المسيح بيوحنا قبل الخدمه وذهب إليه في الصحراء ليقدم له دروس خاصه للخدام؟
+ هو قال: كنت مسجونًا فزرتموني (مت 25: 36). ولكنه لم يزور يوحنا في السجن، وعندما أرسل يوحنا تلاميذه إلي المسيح ليسألوه: " هل أنت المسيا؟ قال لهم:
" أنظروا وأسمعوا وقولوا له" (لو7: 22) مع أنه خطط لزياره أرض مصر، ولقاء السامريه، وتأخر لزياره حبيبه لعازر حتي مات.
أثبت يوحنا نفسه: حينما قال " إني لم أعرفه. ولكن الذي أرسلني قال لي: حينما تري السماء مفتوحه والروح مستقر عليه فهذا هو" (لو3:21، 22) فهل قال له وهو في البطن؟ أم روح الله أعطاه المعرفه؟ أم كان له أحاديث في الصلاه مع الله؟
هدف الزياره:
زياره العظيم. لأعظم مواليد النساء (لو7: 28).
زياره روحيه من العهد الجديد ليلقي أخر شعاع للعهد القديم (تسليم وتسلم) ممثله في أليصابات المتقدمه في الأيام مع الصبيه التي سيشرق منها شمس البر علي كل المسكونة.
زياره هدفها:
إتمام نبوه: عند رجوع تابوت العهد كان داود النبي كل سته خطوات يقدم ذبيحه راقصًا أمام الله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى... فجاء المسيح إلي يوحنا في الشهر السادس ليعلن يوحنا أمامه راقصًا فرحة البشريه لقدوم الذبيحه الحقيقية. هدفها الخدمه: دفن الذات... لقد مكثت مريم عند أليصابات (ثلاثه أشهر = ثلاثه أيام) ثم رجعت إلي يوسف ليشك فيها، فحملت الصليب مبكرًا إلي أن قام المسيح، أي حملته علي يديها وسط تهليل وفرح السمائيين مع الأرضيين!
زياره إمتلاء: فكما نقول في المديح: مد السيد القدير يده. وضعها علي يوحنا داخل الجوف كأنه عمده بالروح، وباركه لكي يقدر يوحنا أن يعمد ويضع يده علي التائبين ويعطيهم المغفره.
مثال راهب أسقف يقدر أن يرهبن، وحامل إسكيم رهبنه له حق أن يعطي لأخرين.
إمتلأت أليصابات بسلام مريم فصرخت أول صرخه بالروح القدس تعلن أن هذا هو المسيح = أخر صرخه للمسيح علي الصليب ليعلن قد أُكْمِل.
وصلت أليصابات للقمه.امتلأت بالروح فأفاضت تسبحه جميله، وحركت مشاعر العذراء الممتلئه نعمه لتفيض تسبحه أجمل وأعمق.
من أهداف الزياره:
أخذت أمنا العذراء حريه للإنطلاق بالروح، ونطقت بتسبحه كشفت فيها إتضاعها وإبتهاج روحها ورحمه الرب لكل الأجيال، وأعلنت المجئ المُشبع لكل الجياع وسند الرب للفتيان (اسرائيل الجديد). لأنها لم تقدر أن تعلن هذا أمام الملاك، وتستحي أن تقول هذا أمام يوسف النجار أو عامه الشعب وكأن الرب هيأ لها فرصه وحيده...
سؤال لأمنا أليصابات:
+ هل امتلأت بالروح مرهً واحدهً في هذه الزياره؟ أم كانت هناك زيارات بالروح ونموًا للإمتلاء؟
فتقول لنا: تعالوا نقرأ ما كتبه ابني بولس الرسول لروميه (4: 17): " أننا أبناء لأبونا إبراهيم ونسلك في خطوات إيمانه، الذي هو أب لجميعنا، كما هو مكتوب إني قد جعلتك أبًا لأمم كثيرة (تك 17: 5، 6).
+ لم يضعف في الإيمان: (رو 4: 19) بل كان الرب أمامه، وكأنه قبل داود النبي الذي وجد نعمه أمام الله، وألتمس أن يصنع مسكنًا لإله يعقوب، ولكن سليمان بني له بيتًا، مع أن العلي يريد أن يجد له مكان في قلوبنا (أع 7: 46 - 48) فتعلمت من أبونا أن أكون قريبه من الرب بالإيمان وأستريح به وهو فيَّ.
+ لم يشك في وعد الله: (رو4: 20) فلم أشك في كلام أنبيائه. ويقول (1 يو 2: 13) " كتبت إليكم أيها الأباء لأنكم قد عرفتم الذي من البدء ".
+ " تيقن وتقوي بالإيمان معطيًا مجدًا لله" (رو 4: 20) فعند مثول العذراء أمامي، وثقت وأخذت قوه وأعطيت مجدًا لله، فأمتلأت من روحه، وقلت لها: " من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ؟ طوبي لمن أمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب." (لو 1: 43 – 45) من أين لي أن يأتي ربي إليَّ، بل يسكن عندي ثلاثه أشهر بل يملأ إبني بروحه وزوجي بنعمته.
الراهب القمص إبراهيم الأنبا بولا
المزيد
21 ديسمبر 2020
لا تخافي يا مريم
خافت العذراء مريم من تحيه الملاك " وفكرت ما عسي أن تكون" (لو1:29).
1 – فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم (لو1: 30).
" الروح القدس يحل عليك" (لو 1: 35) ويهيئك لعمل الآب وتحملي سر فائق وحب عجيب ويقدس روحك وجسدك ونفسك.
لا تخافي كلمه فيها حب وتشجيع وإطمئنان من ملاك بإبتسامه مفرحه جاء برساله مفرحه فأحنت رأسها وأطاعت وقالت " إنها أمة الرب " " أمنت وصدقت وقالت " ليكن لي كقولك" (لو 1: 38).
لا تخافي يا بتول. فالبتول يحل فيك وتكوني رمزًا للكنيسه البتول عروس المسيح (راجع) الـ144 ألف البتوليين (رؤ 7: 4) رمزًا لشعب المسيح الذين يسعوا وراء الطاهر ليكونوا أطهار.
لا تخافي لن يشك أحد في طهارتك ولكنهم سيشكوَّن فيَّ أنا ويقولون: " ألسنا نحن عارفين أبيه وأمه" (يو 6: 42).
لا تخافي ستنعمي بزيجه خاصه مع الله وتتسلمي عريسك داخل أحشائك.
لا تخافي الذي ترقبته الأجيال السابقه يسكن فيك وتكوني أمًا للخالق تحملي ناره الألهيه ولا تحترقي بل تتنقي أكثر فأكثر (راجع عليقه موسي).
لا تخافي ستلتحفي بالنعمه كثوب ونفسك تمتلئ بالحكمه الألهية.
لا تخافي سيقترب الله للإنسان (بك) ويمشي معه علي الأرض. والجسد (الذي منكِ) يتحد بالله وتكوني هيكلًا للواحد من الثالوث (ثيؤطوكيه الأربعاء).
لا تخافي وتستحي من الكلام معي أنا لست رجلًا بل ملاكًا وها أنا أشرح لك من هو إبنك (راجع).
(لو1: 32، 33) من تخافه الملائكة تحملينه في بطنك (ثيؤطوكية الأربعاء).
2 – التحيه التي خافت منها العذراء مريم: -
" السلام لك أيتها الممتلئه نعمه الرب معك مباركه أنت في النساء" (لو 1: 28).
السلام لك أيتها الممتلئه نعمه: لك فرح وتهليل يا ممتلئه نعمه، ففي الحال نظرت للأرض، كيف هذا وأنا يتيمه وفقيره وساكنه في قريه ليس لها قيمه؟
أنا طول حياتي فرحانه بالرب الذي يملأ قلبي بسلامه العجيب وحبه الفريد، وكون أن السماء تعلن لي هذا!! أنا خائفه لئلا أدخل في تجارب أكثر أو ضيق أشد! لماذا هذه التحيه؟
الرب معك: فكرت وقالت فعلًا الرب معي ولكني لم أنظره أشعر به ولكني لم أراه. أفكر دائمًا فيه ولكني أريد أن أتمتع بوجوده،فقال لها الملاك الرب معك ستلدي عمانوئيل الله معنا ليس معك فقط بل معنا ستنظري وتلمسي وتسمعي ونحن معك أفرحي يا ممتلئه نعمه.
مباركه أنت في النساء: كيف هذا؟ فخافت لأنها كانت تتوقع أن تسمع مباركه أنت بين العذارى أو بين البتوليين أو بين المكرسين أو بين المتوحدين أو سكان الجبال فقال لها " الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعي ابن الله" (لو 1: 35) " فتكوني مباركه في النساء ومبارك هو ثمرة بطنك" (التسبحه).
" من أسرار العذراء "
كيف يا أمي إمتلأتِ نعمه؟
تعال يا ابني نقرأ في سفر أرميا النبي.. لقد أرسل الرب لأرميا أن يذهب ويقول للأنبياء الكذبه:
" من وقف في مجلس الرب ورأي وسمع كلمته؟" (أر 23: 18).
" لو وقفوا في مجلسي لأخبروا شعبي بكلامي!!" (أر 23: 22).
فقلت لأرميا: يا أبي، لو جلست أنا هل ممكن أري و أسمع؟ فقال لي (أر 29: 13، 14).
" تطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلوبكم فأوجد لكم ". فغرت غيره مقدسه، وطلبت كثيرًا حتي نظر وقال لي الرب: " من تطلبين؟ " فقلت: " يا معلم أين تمكث؟ "(يو 1: 38) ففتح لي.
" لأنه من هو الذي يجرؤ بقلبه ليدنوا إليَّ من ذاته" (أر 30: 21).
فجلست في حضرته نهارًا وليلًا: ووقفت في مجلس الرب أشرب من نبعه وكنت أتحرك به ووضعته أمامي في كل حين.وكما أوصاني " أحب الرب إلهك من كل قلبك وقدرتك وفكرك" (لو 10: 27) فأحببته.فقربني منه وملأني بنعمته.
لا تنسي يا ابني:
1 - قول الرب لموسي النبي (عدد 16: 4) " يعلن الرب من هو له ومن المقدس حتي يقربه إليه فالذي يختاره يقربه إليه".
2 – نعمه الوقوف أمام الله وفرحه الجلوس في حضرته وقوة المثول أمامه.
3 – إذا تكلمت عن الله تكلم من الله. ضع أمامك " كما من الله نتكلم أمام الله في المسيح "(2كو2:17).
الراهب القمص إبراهيم الأنبا بولا
المزيد
14 ديسمبر 2020
لا تخف يا زكريا
" فقال له الملاك لا تخف يا زكريا. طلبتك سمعت. إمرأتك تلد. ويكون لك فرح وإبتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته" (لو 1: 13).
1 - " لا تخف أيها القطيع الصغير" (لو 12: 32).
أنت من الشموع القليله المُضيئه التي تتعرف علي كلمه الله العزيزه في جيل سادته الرذيله.
لا تخف لقد أشتاق الله أن يبدأ طريق الملكوت وإبنك هو الذي ينادي به وهو الذي أراد أن يمتعك بالأحضان الأبويه ويعطيك سؤل قلبك وإشتياقك.
" لا تخف. لأنه ليس بلحم ودم الأعلان" (أف 6: 12) بل بواسطة ملاك مفرح القلوب لأنه يكون لك فرح وإبتهاج. وأنك ستحمل سر فرح وإبتهاج لكثيرين.
" لا تخف أنا عارف بإنك ستمكث في الهيكل إلي " إنتهاء مده خدمتك" (لو1: 23) لهذا جئت بأمر " أنت تكون صامتًا" (لو 1: 20) لكي تهدأ وتفكر جيدًا في هذا الفرح وسيرقص قلبك وينبض إبتهاج وعندما تفتح شفتيك ستعلن نبؤه وإعلان وتسبيح فيجب أن تصمت الأن..
" لا تخف لقد أمر الرب أن تنفتح عينيك علي من حولك أي لم تنظر أن ملائكة يخدمونك ويصعدون صلواتك وأنَّات قلبك. أراد أن يعلن برك ويعمل بك ولن يندم".
لا تخف يا زكريا: أنا عارف إسمك وأنك ستضطرب مني بسبب عطايا الله الفائقه المفاجئه لك ولكن هذه البشاره تبث فيك سلام وفرح.
2 - فلا تخف يا زكريا أنت الأن رمزًا: بما أنك قدمت المحرقه علي المذبح ثم دخلت لتقدم بخورًا رمزًا للصلاه والشفاعه وهذا ما فعله المسيح بعد أن قدم ذاته محرقه علي الصليب.
" دخل بدم نفسه مره واحده إلي الأقداس" (كشفيع عن البشر) " فوجد فداءً أبديًا" (عب 9: 12) لكل من يفعل مثله.فيجب علينا أن: نقدم ذاتنا وعباداتنا كذبيحه محرقه ثم نتقدم للكنيسه ونرفع بخور عشيه وباكر ونشفع عن إخواتنا ونطلب السلام لهم ثم نتقدم إلي الجسد والدم ونأخذ فداءً لنفوسنا وخلاصًا لأرواحنا إلي أن يكمل هذا في السماء.
فلا تخف يا زكريا: طول ما أنت واقف علي المذبح ستنال الفرح.
ستفرح الملائكة: عندما يتوب كثيرون علي يد النبي يوحنا المنادي بالتوبه والمغفرة.
سيفرح كثيرون: لأنهم ذاقوا فرحه التوبه والخلاص وبشاره الملكوت.
سيفرح الرب: لأنه أكمل وعده وفرح أبنائه ويكمل فرحه (يو 15: 11) بنا في السماء.نال زكريا الكاهن هذا الفرح بالصوم والصلاه والوقوف أمام المذبح وعينه مرفوعه نحو إله أبائه.
3 - في هذا المكان: قبل ميلاد المسيح بـ800 سنه ق. م وقف يهوشافاط ملك يهوذا خائفًا ورفع عينيه وطلب الرب هو وشعبه كله مع النساء والأطفال بالصوم والصلاه لأن أعداد مضاعفه قرروا الهجوم عليهم راجع (2 أخ 20).شكر الملك الرب: علي عمله مع أبائه وفكر الرب بوعده أن كل إنسان يطلب طلب من هذا المكان يكون له وقال: " ليس فينا قوه.. ونحن لا نعلم ماذا نفعل ولكن نحوك أعيننا" (2أخ 20: 12).وإذا بواحد وسطهم عليه روح الرب فقال للشعب وللملك: "الحرب هي للرب.. قفوا وأثبتوا وأنظروا خلاص الرب معكم" (2 أخ 20: 17) غدًا أخرجوا للقائهم في الطريق (الفلاني) فسجد الملك والشعب للرب وقاموا باكرًا وقال الملك: "أمنوا بالرب إلهكم فتأمنوا أمنوا بأنبيائه فتفلحوا" (2أخ 20: 20) وأتفق الملك مع الشعب وأقاموا مسبحين من سبط لاوي، وخرجوا أمام الجنود قائلين: " أحمدوا الرب لأن إلي الأبد رحمته" (مز135) الهوس الثاني وعندما تقدموا أقام الرب هرج وسط الأعداء وقاتلوا بعض أمَّا هم فظلوا ثلاثه أيام يجمعوا الغنائم من الأعداء.. وكانت هيبه الله (جلاله، فرحته، إبتهاجه) علي كل الأرض. هذه هي قوه أولاد الله والوقوف أمامه خاصة أمام مذبحه!! فكم وكم أمام الذبيحه؟!
رساله لكل منَّا
لا تخف يا (... أكتب إسمك...).
بصلاتك وأمانتك وخدمتك البسيطه أمام المذبح أنت شمعه مضيئه في وسط عائلتك أو جيلك.
" سيعطيك الرب سؤل قلبك "(مز 37: 4) ورغبتك وإشتياقاتك عليك فقط سلم وإنسي.
" أفرح بالرب كل حين" (في 4: 4) أنت فرحه وسيكون لك فرح وإبتهاج.
الراهب القمص إبراهيم الأنبا بولا
المزيد