المقالات

06 نوفمبر 2025

نساء فى سفر التكوين حواء

حواء السيدة ذات الشرف المميز المرجع الكتابي : ( تك ۲ ، ۳ : ۲ کو ۱۱ : ۱۱۳ تی ۱۳:۲ ) . معنى الاسم : سميت حواء إمرأة لأنها من إمرء أخذت ( تك ٢ : ۲۳ ) . ليس لفظ إمرأة إسماً عاماً يُطلق على الجنس الحريمي ولكنه أطلق على حواء لأنها مرتبطة دائماً بعلاقة الزواج بآدم منذ خلقتها . لقد خلقت لتكون واحدة معه ، معينة له، سميت سيدة وتعنى في أدب الله زوجة رجل. كما أطلق الله على آدم وحواء إسم آدم إذ يقول الكتاب المقدس : ذكراً وأنثى خلقه وباركه ودعا اسمه آدم يوم خلق » ( تك ٢:٥). يفهم من هذا الاسم الشامل أن القصد الإلهى من الزواج ليس هو المصادقة بين الرجل والمرأة فقط بل تكوين وحدة لا تنفك بينهما . خلقهما الله جسداً واحداً وأعطاهما اسماً واحداً آدم أطلق عليها اسم حواء بعدما سقطا في الخطية ( ودعا آدم اسم إمرأته حواء لأنها أم كل حي » (تك ٣: ١٦ ، (۲۰) هذا الاسم يعنى أنها هي الأولى . حواء معناه حياة، أو معطى الحياة، أو أم كل حي، وحياتها فينا جميعاً . لماذا غير آدم اسم زوجته إلى حواء فقد كان اسمها هو اسمه آدم ؟! لقد أطلقه آدم بروح النبوة حتى لا ينظر إليها أنها هي التي جذبت آدم والجنس البشرى الخطية المخالفة، بل من نسلها سيأتي مخلص البشرية وفاديها ليهب البشرية الحياة والخلود الدائم لقد تميزت حواء على بقية نساء العالم بأنها البادئة بأمور كثيرة : الإمتياز الأول : حواء السيدة الأولى التي عاشت على الأرض . كانت حواء ثمرة خلقة الله للإنسان لقد خلقها سيدة كاملة ومثالية فلم تكن أبداً طفلة أو إبنة أو بكرة بل أول سيدة وجدت في العالم. أول أنثى في العالم كانت ابنة حواء الأولى وكانت أيام آدم بعدما ولد شيئا ثماني مئة سنة وولد بنين وبنات » (تك ٤:٥) لقد ولد آدم وحواء الكثير من البنين والبنات ولا نعرف عنهم شيئاً . أما حواء فلم يلدها أحد بل كونت بطريق إلهى مقدس من واحد من أضلاع آدم، كونها الله وجبلها على الأرض خلق آدم من تراب الأرض ، أما حواء فقد كونها الله من ضلع آدم كان آدم تراباً منقى، أما حواء فكانت تراباً منقى مرتين لقد خلق الله حواء من ضلع آدم الذي تحت ذراعه ، يستخدم الذراع في حماية الجسد من الضربات لذلك فعمل الزوج هو صد الضربات عن زوجته وحمايتها والعناية بها إن التطبيق الروحي لخلقة حواء من جنب آدم هو سر عروس الحمل التي نالت حياتها من الجنب المجروح لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحرية وللوقت خرج دم وماء ليتم الكتاب » (يو ۱۹ : ٣٥، ٣٦) ولها مكانة أفضل من حواء فهي أقرب إلى قلبه فقال إرميا تراءى لى الرب من بعيد ومحبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة » (إر ۳۱ :۳) وغاية الحمل أن يرافق العروس في فردوس القداسة من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله » (رؤ ۲ : ۷). هلم فأريك العروس إمرأة الخروف » ( رؤ٩:٢١ )إن زواج الحمل للعروس أى كنيسة المسيح المفدية بدمه سيكون في السماء مثلما تم لحواء. الأمتياز الثاني : حواء السيدة الأولى التي أطلق عليها اسم زوجة . حواء تكونت من آدم لذلك صارت شريكة له . لقد رأى الله آدم في كمال الطهارة، ولكن ليس جيداً أن يكون وحده، ومن الأفضل له روحياً ونفسياً واجتماعياً أن يكون له زوجة. إنه محتاج لأحد يحبه ويلد له أولاداً ليتمم غرض الله من خلقه العالم ( وقال الرب الإله ليس جيداً أن يكون آدم وحده فأصنع له معيناً نظيره » وكلمة نظيره تعين عمل المرأة من جهة الرجل، إنها نظيرة فليست عبدة للرجل كما يعاملها كثير من الشعوب في العالم. إنما هي نظيرة للرجل، وبعد زواجهما يكونان جسداً واحداً وقلباً واحداً بالحب والعطف والرعاية والفكر المتبادل . حواء كونها الله وكان آدم نائماً ولم يشعر آدم بأي ألم عندما أجرى الله هذه العملية في جنبه وكم يعمل الله من أجل أحبائه وهم نائمون !! يرنم داود النبي بذلك ويقول : « إن لم يبن الرب البيت فباطلاً يتعب البناؤون، إن لم يحفظ الرب المدينة قباطلاً سهر الحراس ..... لكنه يعطى حبيبه نوماً » (مز : ۱ ۱۳۷ ) . الإمتياز الثالث : كانت حواء أجمل سيدة عرفها العالم . جيل بعد جيل تفنن الإنسان في تجميل الجسد والخلفة ، أما حواء فضاقت الكل في الجمال، إنها خلقت بواسطة الله الكامل، وعكست حواء بجمالها الكمال الإلهى. لم يكن جمالها جمالاً مفتعلاً، فالوجه والتقاطيع والكسم كانت أكمل ما يحدث لسيدة لأنها عمل إلهى، عندما رآها آدم تعجب بها وأنشد أول أنشودة حب في العالم السيدة وقال : ( هذه الآن عظم من عظمى ولحم من لحمى. هذه تدعى إمرأة لأنها من أمره أخذت » ( تك ٢٣:٣ ) . إنها كانت أجمل سيدة في العالم لأن الله الكامل كونها .. الإمتياز الرابع : أنها السيدة الأولى والوحيدة التي ولدت بدون إتم . حواء المرأة الأولى التي ولدت بدون خطية فقد كونتها يد القدير. كانت لها ميزات حسنة لم تنلها أية سيدة أخرى كانت نقية وطاهرة، ولها الرؤيا الإلهية. كانت تتكلم هي وآدم مع الله وجها لوجه . ومع أنها خلقت بدون خطية إلا أنها كانت الخاطئة الأولى في العالم، وأورثت الخطية الذريتها، حينئذ صار الكل مولودين بالخطية، وأصبحت الخطية لها فاعلية في النفس البشرية فيقول بولس الرسول : حينما أريد أن أفعل الحسنى (أحد) أن الشر حاضر عندى » ( رو ۲۱:۷) (أرى ناموساً آخر من أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي ويحى أنا الإنسان الشقى » (رو٧ : ٢٣، ٢٤) . لقد خلق الله حواء طاهرة نقية عفيفة غنية في العطايا الروحية والمادية ومع ذلك إنحدرت للخطية وأعطت زوجها فأكل وأخطأ. إنها خليفة الله التي لا تبارى في الجمال، وكمال الجسد والعقل، ولكن الخطية هدمتها وطردتها من الفردوس إلى عالم الأشواك والآلام والدموع . الإمتياز الخامس : حواء كانت الأولى التي هاجمها الشيطان . قبل خلقة حواء خلق الله الملائكة ، أرواحاً خادمة مرسلة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: (١٤) ولكن إبليس وجنوده عصوا الله فسقطوا من رتبهم السمائية .. وجه إبليس حروبه ضد خليفة الله التي على صورته ومثاله حسداً منه للجبلة البشرية. إقترب من حواء متفاهما وأفتتنت حواء بكلامه ومنطقه ولم يكن لها دراية سابقة بحيله ولا بالخطية. إن الخطية لم تكن معروفة لآدم وحواء عندما خلقهما الله بالبر والقداسة، فأغوت حواء بكلام الشيطان، ولم تدرك السم من وراء اقتراح الشيطان المهذب . لم يقل الشيطان الموجود في الحية الحواء أن تخطىء، بل أدخل في ذهنها بطريقة مغرية مبطنة بمكره أنه ليس هناك خطأ من أكلها من الشجرة المنهى عنها من الله . لم تكن الغواية في حد ذاتها رغبة في فعل الخطية بل رغبة في التملك تكونان كالله عارفين الخير والشر» (تك ٥:٣) لو قال الحواء أسرقا أو خالفا الله لرفضت كلامه بل قال لها انظرى الشجرة فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل. إن الخطية من عهد آدم وحواء تكسى نفسها بثوب ملائم يتجاوب مع نفسية المجرب . لقد نجح الشيطان في إظهار الطريق المنحدر كأنه طريق يوصل للأفضل بأن يكونا كالله عارفين الخير والشر. حواء استسلمت لحيلة الشيطان، والطريق المؤدى الهلاكها وسقوطها أصبح وشيكاً فرأت واشتهت وأكلت . إن الشجرة جيدة للأكل ... أغوى الشيطان الميل الجسدي . والشحرة شهية للنظر .... أغوى الشيطان حواسها . والشجرة تهب وعياً ومركزاً وشرفاً ... أغوى الشيطان ذاتها وشخصيتها . فالشجرة تعطيها معرفة الخير والشر كالله . حارب الشيطان حواء بإثارة شهوة الجسد ، وشهوة العين ، والتعظم على الله فتصير مثله عارفة الخير والشر. أما آدم فلم يمنع زوجته من أكل ثمرة شجرة معرفة الخير والشر بالرغم من صدور الأمر الإلهى له ولحواء قائلاً : ( وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة لا تأكلا منه ولا تمساه لثلا تموتا » ( تك ٤:٣ ) . إن لم يكن آدم هو الأول الذي قطف الثمرة من الشجرة، فإنه كان واقفاً تحتها عندما رأى زوجته تقطف منها، وكان موافقاً على ذلك، واشترك معها في الأكل من الثمرة المنهى عنها . لما واجه الله آدم بخطيئة العصيان والمخالفة دفع آدم بأنه غير مسئول عن الخطأ بل حواء كما أوقع إتهاماً على الله نفسه قائلاً : المرأة التي جعلتها معى هي أعطتني من الشجرة فأكلت » ( تك ۳ : ۱۲) كأنه يقول الله لو كنت تعلم أن حواء سوف تغويني لماذا خلقتها لي ! إن رد آدم على الله كان رداً ضعيفاً كما يرد تلميذ على مدرسه وهو مخطىء فينسب الذنب على طالب آخر. آدم هو رأس البشرية وينسب له الكتاب المقدس خطايا البشر فيقول بولسن الرسول : « من أجل ذلك كإنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا إجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع» (روه:١٢). لقد أخطأ آدم وأخفى إثمه في حضنه، لذلك عاقبه الله بألم الولادة، والشقاء في العالم، ولعنة الأرض، والطرد من الفردوس، وإصابة الإنسان بالأمراض والموت . الإمتياز السادس : حواء أول خياطة في العالم : كان آدم أول فلاح في الأرض وكانت حواء أول خياطة تفصل الكساء من ورق الشجر «فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر» (تك ٧:٣). الملابس تذكرنا بالخطيئة : لما كان أبوانا الأولين في حالة طهر ونقاوة لم يشعرا بالخجل لأنهما لم يكن لديهما شركة مع الخطية « وكانا كلاهما عريانين آدم وإمرأته وهما لا يخجلان ( تك ٢٥:٢). في حالة البر لم يكونا محتاجين إلى خجل الوجه أما بعد الخطية فصارت عيونهما مفتوحة فعرفا أنهما عريانان . الخجل والخطية صنوانان متلازمان فالخجل تعبير عن الأسف لفعل الخطية أو إحتجاج نفسى ضد الخطية. لقد خجلت نفس عزرا الخطيئة شعبه ولإرتباطهم بشعوب الأرض فقال للرب : « إنى أخجل وأخرى من أن أرفع يا إلهي وجهى نحوك لأن ذنوبنا قد كثرت فوق رؤوسنا وآثامنا تعاظمت إلى السماء» (عزرا عند شعورهما بالعرى لماذا بحث آدم وحواء عن كساء ؟ ليس السبب فقط لأنهما عرفا أنهما عريانان ولكنهما تعرضا لنظرة من الله الذي أخطاءا ضده. إن ورق التين الذي صنعاء لكسوتهما لم يكن كافياً ليخبئهما من نظرة الله الفاحصة ، لذلك إختبأ آدم وإمرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة (تك ٨:٣) ومع ذلك شعرا أنهما عريانان وأرادا أن يغطيا نفسيهما بأعذار واهية لذلك قال سليمان في الأمثال : « من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم» (أم .(۱۳:۲۸ طرح الله الأغطية التي صنعاها أولاً لنفسيهما وصنع الرب الإله لآدم وإمرأته أقمصة من جلد وألبسهما ( تك (۳ : ۲۱) وأسس الله بذلك طقساً جديداً فالجلد يشير إلى الذبيحة الدموية المذكورة في العهد القديم وبالذبيحة يكتسى الإنسان بنعمة غفران الخطية بدون سفك دم لا تحصل مغفرة » وهذه ترمز إلى ذبيحة المسيح التي ستقدم في ملء الزمان على الصليب فوق الجلجثة وبواسطة هذه الذبيحة المقدسة الإلهية سيلبس المسيح كل المؤمنين به السائرين في طرقه ثوب البر والقداسة . الامتياز السابع : حواء السيدة الأولى التي أنجبت إبناً سفاكاً للدماء . ما هي الآلام المرة التي تعاقبت على آدم وحواء بعد السقوط ؟ أنجبت حواء إبنها البكر وسمته قايين وقالت إقتنيت رجلاً من عند الرب ثم عادت فولدت أخاه هابيل ومعناه نسمة أو بخار، وكان راعياً للغنم بينما كان أخوه مزارعاً للأرض . كان هابيل تقياً حتى أن المسيح لقبه بالصديق ( مت ۲۳ : ٣٥). وحدث أن قدم هابيل باكورة أغنامه وسمانها قرباناً للرب أما قايين فقدم قربانه من ثمار الأرض. فقبل الرب قربان هابيل ولم ينظر إلى قربان أخيه الأكبر لأن تقدمة هابيل تحوى معنى الذبيحة أراد الله بذلك أن يعلم البشرية القانون الإلهي أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة . غضب قايين وقتل أخاه هابيل وأصبح هابيل أو شهيد في الأرض وقايين أول محرم وسفاح. كان الشيطان وراء خطية قتل قايين لأخيه : فكم أثار شهوة أمه وأكلت من الشجرة كذلك أثار كرامة قايين فقام وقتل أخاه هابيل أنكر قايين الجريمة لما سأله الرب عن أخيه فلعنه الرب وطرده من سكنه وأقام في أرض نود شرقي عدن (تك ٤ : ١-١٦ ) . لقد شهد يوحنا في رسالته الأولى بأن أعمال هابيل بارة وندد بأعمال أخيه الشريرة ( ١ يو ١٢:٣) وقال بولس الرسول أنه قدم ذبيحة الله أفضل من قايين إذ شهد الله لقرابينه و به وإن مات يتكلم بعد (عب ٤:١١). بعد حادث قتل هابيل وهب الله لحواء إبناً ثالثاً سمته شيئاً قائلة لأن الله قد وضع لى نسلاً آخر عوضاً عن هابيل لأن قايين كان قد قتله. بتسمية الابن الثالث شيئاً أعلنت حواء إيمانها بمحبة الله ورحمته وعنايته . ومن نسل شيث أتى إبن المرأة الذي يسحق رأس الحية وأسس النسل المقدس كنيسة المسيح . لقد إختفى اسم حواء من الكتاب المقدس ولم يذكر بعد ذلك سوى مرتين في العهد الجديد . لقد شاركت حواء الحياة مع آدم ٩٣٠ سنة وأنجبت عدداً لا يحصى من البنين والبنات ولا نعرف عنهم شيئاً سوى الثلاثة الأبناء «قايين وهابيل وشيث » . الإمتياز الثامن : حواء هي الأولى التي تسلمت النبوة الإلهية عن الصليب . حواء الخاطئة الأولى رأت ثمر إثمها عندما وقفت أمام أول قبر على الأرض و دفنت جسد ابنها هابيل بعدما اعترفت بأنها أكلت من الشجرة المنهى عنها سمعت الله يكلم الحية القديمة قائلاً : « وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه » ( تك ١٥:٣). بهذا الوعد الإلهي عن الفادي إبتدأ الطريق القرمزي الذي ينتهى عند الصليب. لقد ولد المسيح من إمرأة إنتصرت إنتصاراً كاملاً على الخطية والشيطان، ونذرت البتولية الكاملة ، وعاشت في الحكمة الإلهية فقالت للملاك : كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف رجلاً » بحواء الأولى دخلت الخطية والموت للعالم ، وبحواء الثانية نال العالم الخلاص وأشرق عهد البر والقداسة على البشرية عندما صلب المسيح على الصليب، وسحق رأس الشيطان، وفتح الفردوس لآدم وبنيه وقال قد أكمل. ماذا نتعلم من سيرة حواء : نتعلم من حواء الطرق والحيل الشيطانية لإيقاع الإنسان في الخطية . إنه يلبس الخطية ثوباً زاهياً براقاً ليجذب الأنظار إليها. إنه يغرى الإنسان بنفس الطريقة التي أغرى بها حواء ليجعل من الخطية لؤلؤة يشبع بها الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة، لكن بالمسيح يسوع يعظم إنتصارنا، لأنه كما جرب يستطيع أن يعين المجربين. لقد وعد بالانتصار لكل الملتجئين إليه . ونتعلم تأثير المرأة على الرجل إذا سقطت يسقط الرجل معها وإذا عاشت في القداسة تقدس قلب رجلها، وإمتلأ بهجة وسروراً روحياً ونتعلم أننا لا نخطىء عندما نجرب ، ولكننا نخطىء عندما تنحنى أمام التجربة ونطاوع الخطية، أما إذا رفضناها سيستمر فردوس حياتنا مفتوحاً، ورؤيتنا للرب فيه واضحة، وملائكة الله حارسة لنا في كل تجاربنا . المتنيح القس يوحنا حنين كاهن كنيسة مارمينا فلمنج عن كتاب الشخصيات النسائية فى الكتاب المقدس
المزيد
28 أكتوبر 2025

في المسيح

لقد كانت مشيئة الله الآب ومسرته التي قصدها منذ البدء، وحققها الابن الكلمة بتجسده، وتمّمها الروح القدس في الكنيسة. هي أن يجمع كل شيء ممّا في السموات وما على الأرض "في المسيح" «إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ... لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ» (أف1: 9، 10). في المسيح، هو التعبير الذي صبغ الكنيسة منذ انطلاقها يوم الخمسين، لتعلن أن المسيح هو أساس وجودها، وسر حياتها، وينبوع بركاتها، وجوهر كرازتها. فصار عنوانًا ولقبًا يُعرف به أتباعه وتلاميذه "مسيحيون". في المسيح، هو ذلك التعبير الذي حفظ للمسيحية جوهرها وفرادتها وتميّزها في وجه "الابيونية" (اليهود)، "الغنوسية" (الأمم). الابيونية التي أرادت الارتداد لليهودية ولكن في ثياب مسيحية، إذ رفضت التخلي عن ناموس موسي، وحاولت أن تصبغ المسيحية بالعوائد والعادات اليهودية، لتجعل منها إحدى أشكال أو طرق الديانة اليهودية، دون أن تنكر تاريخية مسيحها. فجاء تعبير في المسيح، ليعلن أنه لا ناموس يصلُح، ولا عوائد تُفيد، ولا حتى وصايا تُغني. في المسيح وحده نفهم الناموس كمؤدِّب يقودنا اليه، ونُدرك الذبائح كرموز تشير إلى صليبه، ونعي مغزى الأعياد كظلال تجد معناها في أحداث حياته، والنبوات كإشارات وعلامات ترشدنا إلى عمله. في المسيح وحده يحقّق الناموس هدفه، وتأخذ الوصية قوتها، والطقوس فعلها وتأثيرها. بينما الغنوسية، أرادت الارتداد للفلسفة وخاصة الأفلاطونية، التي ترى أن العقل قبل الإيمان، والمعرفة أهم من الإعلان، والخلاص في أن تعرف لا أن تؤمن. فأرادت أن تجنح بالمسيحية عن عريسها، سر إيمانها، ينبوع خلاصها. المسيح المُذخَر فيه جميع كنوز الحكمة والمعرفة. أأقنوم الحكمة، جوهر كتابات الفلاسفة، وغايه رسالتهم. أقنوم الإعلان، الذي ألهم الفلاسفه، وحرّك أقلامهم، ليكتبوا عن ذلك المبدأ الأول، الكائن المُطلَق، واللا نهائي. وإن كانوا قد عجزوا عن إدراكه. فجاء المسيح متجسدًا «والكلمة صار جسدًا»، كاشفا عن أزليته وأبديته ووحدانيته مع الله الآب، فهو الألف والياء، البداية والنهاية. هو الذي كان من البدء والدائم الى الأبد. هو اللوغوس الحقيقي، عقل الله الناطق، أو نُطق الله العاقل. في المسيح، نعرف الله، إذ أن المسيح هو كمال الإعلانات وهدفها. فالله كلّمنا بأنواع وطرق متعدّده وكثيره (الطبيعة، الضمير، الناموس)، ولكن جميعها لم تكن كافيه. فأراد الله أخيرًا أن يكشف عن نفسه، فجاء الابن الوحيد، الذي يعرف الآب معرفة حقيقية، إذ له نفس الجوهر الذي لله الآب. فكل من رآه فقد رأى الآب، إذ هو والآب واحد. لذلك هو وحده الطريق والحق، الوسيلة والغاية. في المسيح نجد هويتنا الحقيقية، كأبناء وأحباء وليس عبيدًا أو أجراء، بل وبالأحرى شركاء للميراث الأبدي. إذ فيه تصير لنا الدالة والامتياز أن نخاطب الله وندعوه "أبانا.."، وبالتالي يحق لنا الميراث السماوي، كنعمة وعطية مجانية، يمنحها لنا الآب السماوي، لإنه إن كنا أبناء فنحن ورثة، وراثون مع المسيح. في المسيح تجد الكنيسة صخرتها القوية التي بُنيت عليها، ومنه تستمد قوتها ونصرتها. وتُبنى جذورها الثابتة التي تستند إليها، ومنه ترتوي وتفرح وتنمو. وتتحقق رسالتها، إذ المسيح رأسها الذي يهب حياته مسكوبة ومبذولة بالروح القدس العامل فيها. لنكون في المسيح، يجب أن نعرفه على المستوى الفكري (من يقول الناس إني أنا؟)، ثم نحبه على المستوى القلبي (العبادة والتسبيح والصلوات)، ثم نتحد به على المستوى السرائري في الكنيسة (الأسرار الكنسية)، ثم على المستوى الحياتي، نصير بالحقيقة مسيحيين شاهدين لنعمته وحياته فينا. القس إبراهيم القمص عازر
المزيد
21 أكتوبر 2025

الرجل ذو اليد اليابسة

كان اليوم سبت والسيد المسيح قد دخل مجمع اليهود، والرجل يجلس في أحد الأركان، لم تلحظه سوى العيون المتربصة، عيون الفريسيين المترقبة، ينتظرون غلطة يعرفون أنها قادمة.. فيد الرجل اليمنى يابسة بلا حياة، والمعروف من خبرتهم في خلال ما يقرب من السنة أن السيد المسيح "يتحنن" على هؤلاء المرضى المُهملين، فبالتأكيد لن يعتبر للسبت، ولن يهتم بكسر هذه الوصية العظيمة من أجل هذا الرجل. لذا كانت عيونهم تتربص.. يتململون متعجلين فرصتهم في الايقاع به.الرجل.. لم يكن يرى فيهم سوى جماعتين مختلفتين: الفريسيون والكتبة، معروفون، خليط من الجدية والقسوة والغلاظة، أسرى الفروض والأحكام الدينية، أسرى الحروف والحدود! والجماعة الأخرى.. السيد المسيح وتلاميذه، فقراء بسطاء ولكنهم مازالوا يحملون قلوبًا إنسانية لحمية.وعندما طلب الرب يسوع من الرجل ذو اليد اليابسة أن يقف في الوسط (مرقس 3:3)، قام بهدوء ووقف، وهو يعلم أنه في مركز اختبار من نوع ما، مسابقة أو تحدٍ بين المجموعتين!وكسر الرب حالة الصمت بسؤال: «هَلْ يَحِلُّ فِي ٱلسَّبْتِ فِعْلُ ٱلْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ ٱلشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟» (مرقس٣: ٤)... ساد صمت!وكان هذا الصمت كالسكين الحاد يمزق كرامة الرجل ونفسيته، كان يتوقع أن يسارع أحدهم فيجيب: بالطبع يحل.. وهل يُجرَّم أحد إن تسبّب في شفاء وإنقاذ انسان؟... ولكن أحدًا لم يجب، بل صمتوا!وتغضّن وجهه من الحسرة، إذ لم يكن أحد من الفريسين أو الكتبة يعاني أيّة إعاقة أو عجز.. جميعهم أصحاء، فكيف سيشعرون بألمه أو يفهموا أمله الشديد منذ ناداه الرب يسوع! ولكن حتى ولو لم يختبروا العجز.. أما أمكنهم الشفقة؟!هل يحل فعل الشر في السبت إذًا؟ربما لهذا صمتوا، لأن جميعهم يفعلون الشر في السبت وغيره! فلا يوجد من لم يفعل الشر وإن كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض.. فهل يحلّلون الشر ويهلكون النفس لأنها طبيعة البشر، ويُحَرِّمون الخير وخلاص النفس لأنه كسر للوصية!وأكمل الرب يسوع بسؤال، ربما يستطاع أن يحرك تلك المياه الراكدة والعقول المتحجرة، منطقًا أو مشاعر. سألهم: «أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ خَرُوفٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ سَقَطَ هَذَا فِي ٱلسَّبْتِ فِي حُفْرَةٍ، أَفَمَا يُمْسِكُهُ وَيُقِيمُهُ؟» (متى11: 12). وتعاظم الألم في قلب الرجل حينما ظل الصمت باقيًا، هل يرونه أقل من خروف؟ هل يستحق الحيوان الرأفة أكثر منه؟ أم أن للخروف ثمنًا بينما هو.. لا ثمن له!ونظر الرب حوله، ربما يجد أحدًا قد تحرك قلبه، أو تفاعل عقله مع المنطق الواضح.. لا حياة لعقول تقودها الحروف القاتلة! لا روح يحيي قلوبًا متحجرة قاسية! فنظر الرب يسوع إليهم بغضب حزينًا على غلاظة قلوبهم! وقال للرجل «مد يدك». فمدها وعادت صحيحة! (مرقس٣: ٥). لم يصدق الرجل أن الحياة تدب في اليد العاجزة، ونظر من حوله مذهولًا متوقعًا نظرات حمد أو فرحة أو.. ولم يجد سوى أنهم امتلأوا حمقًا وغيظًا.. لم يرَ أحدهم اليد تتحرك، ولكنهم رأوا فرصة النوال من الرب يسوع تتسرب من أيديهم!والسيد المسيح، وهو ابن الإنسان ورب السبت، يقول لنا كما لأولئك إن السبت قد وُضِع لأجل الإنسان، فلا يصح أن ينعكس الوضع وتصبح الوصية فرصة للدوس على رقاب المحتاجين والمتألمين. ماريان إدوارد
المزيد
27 سبتمبر 2025

إنجيل قداس عيد الصليب (يو ۱۰ : ۲۲ - ۳۸ )

عظة عيد التجديد عيد التجديد : جاء في بعض كتب التفسير الكنسية المخطوطة أن سبب قراءة فصول إنجيل القداس المذكور فى يوم ۱۷ توت هو « أن مدينة القدس بعد صعود ربنا بنحو ثلاثين سنة كانت قد أخربت أخربها الرب على يد الروم نقمة منه لليهود صالبيه كما تقدم وأعلمهم بذلك قبل صلبه ولم تزل خرابا حتى ظهرت خشبة الصليب على يد قسطنطين ملك الروم لأنه صار ملكا مسيحيا ، وحينئذ بني المدينة من جديد لهذا يقرأ في هذا اليوم هذا الفصل الذي فيه ذكر تجديدها تمهید : بعد أن أعاد المخلص البصر للرجل المولود أعمى ، وبعد خطابه الشهير عن الراعى الصالح ، حضر عيد التجديد بأورشليم حيث قامت المناقشة بينه وبين اليهود كما وردت بفصل الأنجيل ، وفيها أثبت أنه المسيح ، وأنه واهب الحياة ، وأن معجزاته خير دليل على ألوهيته : ييوع هو المسيح : وكان عيد التجديد فى أورشليم وكان شتاء وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سلمان فاحتاط به اليهود وقالوا له إلى متى تعلق أنفسنا إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرا أجابهم يسوع إنى قلت لكم ولستم تؤمنون . الأعمال التي أعملها بأسم أبي هي تشهد لي ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافى كما قلت لكم . كان الملك أنطيوخوس الرابع الملقب أبيفانوس الذي حكم الشام من ١٧٤ - ١٦٤ ق.م قد استولى على مدينة بيت المقدس وخربها وقتل أربعين ألفا من يهودها ، وباع منهم مثل هذا العدد ، وذبح خنزيرة على باب الهيكل لينجسه ولكن زعيم المعارضين له وهو يهوذا المكاني قام بتعيين ( عيد التجديد ) تذكارا لتطهير الهيكل من النجاسة التي أصابته على يد أنطيوخوس الطاغية وهذا العيد هو الذي سماه يوسيفوس المؤرخ "عيد الأنوار " لكثرة المصابيح التي كانت توقد فيه ، وكانت مدته ثمانية أيام تبدأ في ١٥ كانون الأول الذي يوافق شهر كيهك تقريبا ، وكان يقضيها اليهود في فرح شامل وبسبب برد الشتاء في ذلك العيد كان السيد يتمشى في رواق سليمان لأنه كان مسقوفا فحدث أن أحاط به اليهود ، وقيل الكتبة والفريسيون ، وسألوه إن كان حقا هو المسيح المنتظر حتى يزول ارتيابهم وتنقضى حيرتهم والواقع أنهم كانوا غير مخلصين في طلبهم إذ كانوا يقصدون أن يعترف بأنه المسيح لكي يشتكوا عليه بدعوى التجديف وقد أوضح السيد في إجابته أنه أعلن لهم غير مرة أنه المسيح المنتظر وذلك حين قال « أنا نور العالم » ، و« أنا الراعي الصالح ، و أنا ابن الله ) ، ولكنهم كانوا يتعامون عن ذلك ولا يصدقونه ، ثم أشار إلى معجزاته التي يصنعها بسلطان أبيه وأنها كانت كافية لحملهم على تصديقه ،ومع ذلك أصروا على عدم التصديق حسدا وكبرياء ، لأنهم ليسوا من خرافه التي تسمع صوته وتطيعه . وهو واهب الحياة : خرافي تسمع صوتى وأنا أعرفها وتتبعنى وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدى أبى الذى أعطاني إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبى أنا والآب واحد . ثم استطرد المخلص يبين لهم ما يناله المؤمنون به من نعم فقال إن خرافه تطيعه وتحبه وتقبل تعاليمه ، وهو بدوره يحبها ويسد احتياجاتها ويعزيها في أحزانها وينقذها من تجاربها وهى تسير فى خطواته وتتكل عليه فيمنحها حياة دائمة ، فتنعم برضا الله في هذا العالم ،وبالأمجاد السماوية في العالم الآخر ،وهي لن تهلك بعذاب النار كالأشرار ،ولن يجتذبها أحد إلى الخطية فتبعد عنه ،ولا تقوى على خدعها حيل الأبالسة ،وفصاحة المضلين ،وسطوة المضطهدين وظلمهم كل ذلك لأن الآب هو الذي أعطاه إياها وبما أنه لا قدرة لأحد على انتزاعها من يد الآب كذلك لا يستطيع انتزاعها من يد الابن ، لأن الآب والابن واحد في الجوهر والمجد والقوة وسائر الكمالات الألهية. اتهام بالتجديف : فتناول اليهود أيضا حجارة ليرجموه أجابهم يسوع أعمالا كثيرة حسنة أريتكم عند أبى . بسبب أي عمل منها ترجموني أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف فأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها . لم يقتنع اليهود عند سماع ذلك بأنه المسيح ، وتناولوا حجارة ليرجموه ، مما دل على أنهم كانوا غير مخلصين في السؤال الذي وجهوه إليه ولكنه غل أيديهم بقدرته فلم يتمكنوا من تنفيذ قصدهم ثم شرع يتساءل عن سبب محاولتهم رجمه وقد أتى بينهم أعمالا حسنة كثيرة ، كشفاء المرضى وتطهير البرص وفتح أعين العميان وإقامة المقعدين والموتى ، وما إلى ذلك من عجائب عملها بسلطان أبيه ، وبرهن بها على وحدته معه ، وليس فيها شر يستوجب الرجم فراحوا يبررون محاولتهم الشريرة بقولهم أنه جعل نفسه إلها ، وهذا في نظرهم يعد تجديفا . معجزاته دليل ألوهية : أجابهم يسوع أليس مكتوبا في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله . ولا يمكن أن ينقض المكتوب فالذى قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له أنك تجدف لأني قلت إنى ابن الله إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي ولكن إن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه . بادر السيد بدحض تهمة التجديف التي وجهت إليه فبين في دليله الأول أنه جاء في المزمور قول الله عن القضاة عقب موت يشوع بن نون تطرق الوهن إلى نفوس بني إسرائيل واختلت أمورهم وغرقوا فى شرورهم وأعرضوا عن إلههم فسمح الله لأعدائهم بأذلالهم ولكن رحمته الواسعة كانت تمتد إليهم كلما دعوه لدفع مكروه حل بهم فكان يقيم لهم قوادا ينقذونهم من أعدائهم المحيطين بهم ،وهؤلاء القواد هم القضاة وكانت سلطتهم في الغالب تنتهي بانتهاء الأزمة التي دعت إلى قيامهم وبلغ عددهم خمسة عشر قاضيا وأشهرهم باراق وجدعون ويفتاح وشمشون وعالى وصموئيل النبي « أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلى كلكم » ( مز ٦:٨٢ ) ، وذلك لسموهم في المنزلة عن غيرهم ، ولأن كلمة الله "صارت اليهم " أى أوحى الله بكلامه إليهم ،وأعطاهم سلطانا أن يقضوا باسمه ، وهذا الذي كتب لا يمكن إبطال حرف منه بل يجب قبوله باحترام وبما أنه جاز تسمية هؤلاء آلهة وهم بشر ، دون أن يعد ذلك تجديفا فمن باب أولى لا يكون السيد مجدفا إن سمى نفسه ابن الله ، وهو حقيقة ابنه الأزلي الذي أرسله لخلاص العالم وأما الدليل الثاني فاستمده المخلص من عجائبه فأوضح أن اليهود لا يطالبون بالإيمان به إن لم يكن قد صنع عجائب لا يستطيع أن يعملها إلا الله أما وقد صنعها فلا مندوحة لهم عن الإيمان بها ما داموا بتعنتهم وكبريائهم لا يؤمنون به وهذه المعجزات لا تترك مجالا للشك في أنه والآب واحد ، وأن الاتحاد بينهما تام والمساواة كاملة. المتنيح الارشيذياكون بانوب عبده عن كتاب كنوز النعمة الجزء الاول
المزيد
27 مايو 2025

كيف نعيش روحانية عيد الصعود؟

من أبعاد عيد الصعود تنبع روحانية الصعود متكاملة، مؤسسة على الرجاء، لأنها تجعل المسيحي يحيا منذ الآن في حقيقة العالم الجديد الذي يملك المسيح فيه. إن على المسيحيين وهم في انتظار تلك الساعة، أن يظلوا متَّحدين بفضل الإيمان وأسرار الكنيسة، بسيدهم الممجّد. فعليهم أن يسعوا " إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله"، لأن "حَياتُهم مُحتَجِبةٌ معَ المسيحِ " (قولسي 3: 1-3)، ومدينتهم كائنة في السماوات (فيلبي 3: 20). والبيت السماوي ينتظرهم (2 قورنتس 5: 31) هو المسيح المُمجّد نفسه (فيلبي 3: 21)، "الإنسان السماوي" (1 قورنتس 15: 45-49) على أن المسيحي ليس لذلك فقط أن يكون منسلخاً عن العالم، بل له رسالة على أن يحيا فيه بطريقة جديدة، وهي تحرك العالم نحو المجد الذي يدعوه الله إليه. في هذا العصر تزايد اضطهاد المسيحيين أكثر من أي عصر مضى. لكن العداء والخطيئة والخوف والرعب والمعاناة على الأرض ليس لها الكلمة الأخيرة. سيعود يسوع بالمجد والبهاء ويُضفي سيطرة على ممالك هذا العالم الصعود عيد يسوع نعترف به مسيحاً، نعترف به ربّاً ارتفع ليجتذب الجميع ويصل كلمته إلى العالم كله. ومن هنا علينا أن نتابع كرازة الإنجيل كما أوصانا الرب "إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض، فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 18-20) التلاميذ لم يعيشوا كل الأيام في حين الكنيسة تدوم إلى الأبد (أعمال 1: 4-9). وعلينا أن نعلن انتظارنا لمجيئه الثاني. إنه سيأتي كما صعد، لذلك انتظار مجيء المسيح عقيدة موجودة في قانون الإيمان "ننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين" ومع الليتورجيا السريانيّة نردد "يوم ولادته، فرحت مريم؛ يوم مماته، تزلزلت الأرض. يوم قيامته، تزعزعت ظلمات الجحيم؛ يوم صعوده، اغتبطت السماوات. فليتبارك صعوده!". والقديس ابيفانوس يقول: أن هذا اليوم هو مجد بقية الأعياد وشرفها لأنه يتضح أن الرب أكمل في هذا العيد عمل الراعي العظيم (لوقا 15/ 4-7). فالكنيسة تدعونا لتحمل مسؤولية الشهادة لرسالة الإنجيل التي تركه لنا السيد المسيح وإعلانها بعون الروح القدس وإرشاداته. فليؤيدنا الرب للقيام بمسؤوليتنا، وشهادتنا كلٌ في موقعه وحسب طاقاته كي نواصل الرسالة التي بدأها يسوع فنصير ليسوا شهود عياّن كالجماعة المسيحية الأولى بل شهود عنه بالإيمان. في أي مزار يُحيي المؤمنون ذكرى صعود الرب؟ بُني مزار على قمة جبل الزيتون في القدس كي يُحيي صعود الرب يسوع إلى السماء. إذ يروي لوقا الإنجيلي أن السيد المسيح – بعد أربعين يوماً من قيامته “خَرَجَ بِهم إِلى القُرْبِ مِن بَيتَ عَنْيا، ورَفَعَ يَدَيهِ فبارَكَهم. وبَينَما هو يُبارِكُهم اِنفَصَلَ عَنهم ورُفِعَ إِلى السَّماءِ "(لوقا 24/ 50 -52 أعمال الرسل 1/ 1-12) وفي عام 378 شيّدت بومينا إمراء تقية من عائلة الإمبراطور كنيسة بيزنطية عرفت باسم “امبومن” أي “على المرتفع”. وهي عبارة عن بناء مستدير الشكل بلا سقف ليدل الجميع على طريق السماء تتوسطه الصخرة المباركة حيث ارتفع المخلص تاركاً أثر قديمة الطاهرتين. وأرضيتها مرصوفة بالفسيفساء في عام 614 دمّر كسرى ملك الفرس مزار الصعود. وبعد سنتين قام البطريرك مودستس بترميم الكنيسة. وإبان الفتح العربي عام 638 حافظ المسلمون على الكنيسة. ولكن السلطان الفاطمي الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز أمر بهدم الكنيسة عام 1009 وفي القرن الثاني عشر بنى الصليبيون كنيسة مثمنة الشكل فوق أنقاض الكنيسة المهدمة ويتوسطها بناء مستدير يحوي مذبحاً تحته صخرة تشير إلى موقع صعود الرب وفي عام 1187 هدم صلاح الدين الأيوبي الكنيسة ولم يبق سوى المزار الصغير المثمن الشكل في وسط الساحة. وتحوّلت ممتلكات الكنيسة إلى وقف إسلامي عام 1198. ويعلو المزار قبة أقامها المسلمون عام 1200 ولم يُنصب على القبة صليب أو هلال بل عمود رخامي ليشير أن المزار هو مكان صلاة لجميع المؤمنين. اذ يؤيد القرآن الكريم رواية الصعود بقوله “إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ (سورة آل عمران 55) يذهب الآباء الفرنسيسكان والطوائف الأخرى: الروم الأرثوذكس والأرمن والأقباط والسريان كل سنة في عشية عيد الصعود إلى هذا المقام الشريف فيقضون الليل هناك تحت الخيام، ثم يجتمع الشعب في صباح العيد لحضور المراسيم الدينية وتلاوة التسابيح وصلاة المزامير. ويجدر بنا أن نورد ما تأمله يوما القديس أوغسطينوس “هنا عاش المسيح. هنا أثر قدميه الطاهرتين فلنؤدي له الإكرام حيث أراد أن يقف في المكان الأخير. ومنه صعد إلى السماء وأرسل تلاميذه إلى العالم”. ولنتذكر ما وعدنا به الرب: “وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم” (متى 28/ 20). الأب لويس حزبون - فلسطين
المزيد
26 مايو 2025

ما معنى عيد الصعود وكيف نعيشه؟

في خميس الصعود نُعيّدُ صعود ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح إلى السمّاء بعد أربعين يومًا من قيامَتِه وظهوره للتّلاميذ كما جاء في تاريخ أعمال الرسل: "يسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إِلى السَّماء" (أعمال 11:1). صعود يسوع اللي السماء هو تتويج أفراح القيامة. صعد يسوع إلى السماء بعد أن أتمَّ عمل الفداء وأكمل خطة الخلاص عائدا إلى ملكوته وواعدا تلاميذه بإرسال الروح القدس (يوحنا 18: 36). ومن هنا نسأل ما هي أبعاد عيد الصعود وكيف نعيشه؟ يمكننا أن نميّز ثلاثة أبعاد للصعود على صعيد المسيح والكنيسة وصعيدنا. أولاً: الصعود على صعيد المسيح: عبارة "صعود" من العبرية יַעֲלֶה مأخوذة من سفر المزامير " مَن ذا الَّذي يَصعَدُ جَبَلَ الرَّبِّ ومَنْ ذا الَّذي يُقيمُ في مَقَرِّ قُدْسِه؟" (مزمور 24: 3). للصعود له ثلاث أبعاد وهي تمجيده وتساميه على الكون وتمهيد لعودته. 1- الصعود تمجيد المسيح السماوي: إن المسيح قبل أن يعيش على الأرض يمكن القول إنه كان لدى الله كابن، و"كلمة"، وحكمة. فصعوده إلى السماء إلى يمين الأب وإنما هو عودة إلى العالم السماوي الذي منه سبق ونزل من السماء، مسكن الألوهية (رؤيا 1: 5) رحمةً بنا ليفتقد الناس (مزمور144:5). بالصعود والنزول ارتبطت السماء بالأرض (يوحنا 1: 51). وأما جلوس يسوع عن يمين الله فيعني أنه قد أكمل عمله وأن له سلطاناً وقد توّج ملكاً. وبالتالي ما صعوده إلاَّ تعبير عن مجد المسيح السماوي (أعمال 2: 34). ومن ناحية أخرى يشير صعود المسيح إلى الدخول النهائي لناسوت يسوع إلى مقر الله السماوي من حيث سيعود، ويخفيه هذا المقر في هذا الوقت عن عيون البشر. (ت ك 665) وفي الليتورجيا السريانية نجد هذه الصلاة التي تعبّر عن تمجيد المسيح بصعود إلى السماء: “نزل ربّنا بحثًا عن آدم وبعد أن وجد مَن كان ضائعًا، حمله على كتفيه وبالمجد أدخله السماوات معه (لوقا 15: 4). أتى وأظهر لنا أنّه الله؛ ولبس جسدًا وكشف لنا أنّه إنسان. نزل إلى الجحيم وبيّن لنا أنّه مات؛ صعد وتمجّد وأظهر لنا أنّه كبير. فليتبارك مجده!". 2- الصعود دلالة على تسامي المسيح على الكون والقوات السماوية (1 قورنتس 15: 24) أنه منذ الآن يجلس على العرش في السماوات ليتقلد السيادة على الكون (أفسس 1: 20-21). ويكشف لنا إنجيل متى سلطان يسوع الذي يتمتع به في السماء وعلى الأرض (متى 28: 18)، وأكد لنا بولس الرسول هذا النصر الذي اكتسبه بالصلب (كولسي 2: 15) وبطاعته (فيلبي 2: 6-11). فالصعود ما هو إلا استمرار لقيامة المسيح واستكمال لعمليّة الفداء. ويقول القديس قبريانس: "لا من لسان بشر ولا ملائكي يستطيع أن يصف كما يجب عظيم الاحتفال والإكرام الذي صار للإله المتجسد بصعوده في هذا اليوم". 3- الصعود تمهيد لعودة المسيح في مجيئه الثاني: إن "يسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إِلى السَّماء" (أعمال 1: 11). هذه العبارة تقيم ارتباطاً عميقاً بين ارتفاع المسيح إلى السماء وبين عودته ثانية في آخر الأزمنة، عند التجديد الكلي الشامل (أعمال 3: 21) حينذاك سيأتي كما انطلق (أعمال 11:1)، نازلاً من السماء (1 تسالونيقي 4: 16) على الغمام (رؤيا 14: 14-16)، بينما يصعد مختاروه لملاقاته، هم أيضا على غمام (1 تسالونيقي 4: 17). فالتاريخ يتحرك نحو نقطة محددة هي مجيء يسوع المسيح ثانية ليدين العالم، ويملك على كل المسكونة. ومن هذا المنطلق، ينبغي علينا، أن نكون مستعدين لمجيئه المفاجئ (1 تسالونيقي 5: 2). ثانيا: الصعود على صعيد الكنيسة: الصعود على مستوى الكنيسة هو تمجيدها بحلول الروح القدس: تمجيد المسيح في صعوده كان لا بدَّ أن يسبق تمجيد الكنيسة بحلول الروح القدس. صعد يسوع إلى السماء ليرسل الروح القدس ليحلّ محلّه لدى التلاميذ كما وعد تلاميذه “الرُّوحَ القُدُسَ يَنزِلُ علَيكم فتَنَالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا في أُورَشَليمَ وكُلِّ اليهودِيَّةِ والسَّامِرَة، حتَّى أَقاصي الأَرض (أعمال 1: 8). صعد يسوع إلى السماء كي يرسل روحه ليحلّ محلّه لدى التلاميذ. وبحلول الروح يتحوَّل الرب من كائن معنا إلى كائن فينا؛ أن كائن معنا محدودة، لكن كائن فينا غير محدودة وذلك نتيجة عمل الروح القدس. وهذا مما يؤكده القديس بولس الرسول في صلاته إلى أهل أفسس: "أَن يُقيمَ المسيحُ في قُلوبِكم بالإِيمان" بفعل الروح القدس (أفسس 3: 17) ثالثا: الصعود على صعيدنا الصعود على صعيدنا له بعدان: التشفع فينا وإعداد لنا مكاناً في السماء. 1- صعود يسوع ليشفع فينا في حضرة الله (عبرانيين9: 14). تصور الرسالة إلى العبرانيين صعود المسيح في ضوء نظرتها لعالم سماوي تقوم فيه حقائق الخلاص، ونحوه تتَّجه مسيرة البشر. إن الكاهن الأعظم، لكي يجلس هناك عن يمين الله (عبرانيين 1: 3) فوق الملائكة (عبرانيين 1: 4-9) صعد أول الجميع، مجتازاً السماوات (عبرانيين 4: 14) يشفع فينا في حضرة الله (عبرانيين9/ 24) على انه الوسيط الذي يضمن لنا فيض الروح القدوس (ت ك 667). 2-الصعود لإعداد مكان لنا في السماء: يعودُ الربّ بالمجد إلى أبيه ليُعدّ لنا مكانًا (يوحنا 14: 1-3). فقد دخل يسوع أولاً تلك الحياة، ليُعدَّ لمختاريه مكاناً، ثم يأتي ويأخذهم إلى هناك ليكونوا على الدوام معه (يوحنا 14: 22). فيسوع المسيح، رأس الكنيسة، سبقنا إلى ملكوت الآب المجيد حتى نحيا نحن، أعضاء جسده، في رجاء أن نكون يوماً معه إلى الأبد (ت ك 666). ويعلق العلامة القديس أوغسطينوس " إن قلبي سيبقى مضطربا إلى إن يستريح فيك تسريح فيك يا الله". وهذا يذكِّرنا بكتاب للكاتبة الروسية التأملية زنتا مورينا بعنوان " جذورنا في السّماء". واليوم يرينا يسوع بصعوده أين هو منزلنا الذي وعدنا به " في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ " (يوحنا 14: 2). خلاصة تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود: أولا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود كي نفرح لان الذي نزل من السماء لأجل خلاصنا هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السماوات ملك على الأمم، الله جلس على كرسي مجده (مزمور 47: 8)، ولكي يملأ الكل (أفسس 4/ 9-10). وتتطلب الكنيسة من المؤمنين أن يجدِّدوا إيمانهم به كلما يتلون قانونَ الإيمانِ قائِلين: "وَصَعِدَ إلى السّماءِ، وَجَلَسَ عَن يمينِ الآب". هذا هو إيمان الرّسل، هذا هو إيمان الكنيسة الأولى. وهذا هو إيماننا. ثانيا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود كي نشكر ونمّجد الرب هو الذي أنهض طبيعتنا الساقطة وأصعدنا وأجلسنا معه في السماويات (أفسس 2: 6). كما يقول القديس أوغسطينوس: "اليوم صعد ربنا يسوع المسيح إلى السماء. ليصعد قلبنا معه. مع كونه هناك، هو معنا هنا أيضا. ونحن مع كوننا هنا، نحن معه أيضا هناك. رفع فوق السماوات، ولكنه ما زال يتألم في الأرض بكل ألم نشعر به نحن أعضاءه. لأنه رأسنا ونحن جسده" PLS 2: 494)). فعيد الصعود هو امتداد لرسالة يسوع وتعْليمِه، كما فهو راس الجسد أي الكنيسة، ونحن أعضاء هذا الجسد كما جاء في تعليم بولس الرسول " فأَنتُم جَسَدُ المَسيح وكُلُّ واحِدٍ مِنكُم عُضوٌ مِنه"(1 قورنتس 12: 27) ويضيف في موضع آخر "وإِذا عَمِلْنا لِلحَقِّ بِالمَحبَّة نَمَونا وتَقدَّمْنا في جَميعِ الوُجوه نَحوَ ذاك الَّذي هو الرَّأس، نَحوَ المسيح" (أفسس 4: 15). ثالثا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود ك كي نهيأ نفوسنا لاستقباله: أن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيعود (أعمال 1: 11) للدينونة (متى 16: 17). وتقوم الكنيسة بإطفاء الشمعة الفصحية القائمة منذ 40 يوما جانب الهيكل وتوضع جانب جرن المعمودية وتُضاء لدى الاحتفال بالعمادات. وهذه الشمعة ترمز لوجود المسيح، نور العالم. يسوع غاب عن أنظارنا، لكنه بقي حاضراً بنعمته، كما هو موجود معنا في القربان، تحت شكلي الخبز والخمر. الأب لويس حزبون - فلسطين
المزيد
19 يناير 2025

الظهور الإلهي عند ق. يوحنا ذهبي الفم

يقول القديس يوحنا ذهبي الفم إن كثيرين يحتفلون ويعرفون أسماء الأعياد، ولكنهم يجهلون الأسباب التي من أجلها صارت هذه الأعياد إن احتفال اليوم كما يقول، يسمى "أبيفانيا" أي ظهور، وهو معروف للجميع، ولكن هذه الأبيفانيا، هل هي واحدة أم أثنين. هذا ما لا يعرفونه. فبينما يحتفلون بهذا العيد كل عام، إلاّ أنهم يجهلون أمره هكذا أراد القديس يوحنا ذهبي الفم أن يوضح بعض الحقائق الغائبة عن الشعب فيما يختص بعيد الظهور الإلهي. فالأمر بحسب رؤيته لا يتعلق بظهور واحد، بل بظهورين، واحد هو الذي حدث في مثل هذا اليوم، والثاني سيحدث بطريقة مجيدة في المستقبل، في المجيء الثاني. ويستند في هذا إلى ما قاله الرسول بولس، عن كل ظهور من الاثنين. فيما يختص بالظهور الأول، يقول: " لأنه قد ظهرت نعمة الله المُخلِّصة لجميع الناس معلِّمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر" وعن الظهور الثاني في المجيء الثاني يكتب "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تي11:2ـ13) ويقول يوئيل النبي وعن هذا الظهور الثاني " تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف" (يوئيل2ـ31) ثم يتساءل ق. يوحنا ذهبي الفم لأي سبب سُمى ”أبيفانيا“؟ يقول بسبب أن المسيح صار معروفاً للجميع، عندما تعمد، لأنه حتى ذلك اليوم، لم يكن معروفاً من الكثيرين. هذا ما يتضح من قول يوحنا المعمدان " وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي. الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس" (يو1ـ33). ثم يطرح القديس يوحنا ذهبي الفم تساءل أخر، وهو لأي سبب آتى المسيح ليعتمد، وما هو نوع معموديته؟ ويجيب على ذلك بالآتي كانت توجد المعمودية اليهودية، وهذه المعمودية كانت معنية بنظافة الجسد فقط، وليس بخطايا الضمير، مثل مس عظام الأموات، تناول الأطعمة المحرمة، الاقتراب من الأموات، مثل هذا كان عليه أن يغتسل، ويبقي دنساً حتى المساء، بعد ذلك يتطهر، هكذا جاء بسفر اللاويين " من مس فراشه (الذي له السيل) يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء" (لا15ـ5). وبعد ذلك يتطهر. وقد أعدهم الله بهذه الممارسات لتلك اللحظة، لكي يكونوا أكثر استعداداً، وفي صورة أفضل لفهم الأمور الأكثر سمواً إذاً فالمعمودية اليهودية لم تكن تخلِّص من الخطايا، ولكنها فقط كانت معنية بالتطهير من النجاسة الجسدية. ثم كانت هناك معمودية يوحنا والتي هي بالتأكيد أفضل من المعمودية اليهودية، لكنها أقل من معموديتنا فهي بمعنى ما تمثل جسراً بين المعموديتين. لأن يوحنا لم يقد الشعب نحو حفظ التطهيرات الجسدية، لكنه نصحهم ووعظهم أن يبتعدوا عن هذه الأمور (الخاصة بالجسد فقط) وعن الخطية، ويعودوا إلى الفضيلة، وأن يعتمدوا، ويترجون خلاصهم بالأعمال الحسنة وليس بنظافة الجسد بالماء. فهو لم ينصح بغسل الملابس وغسل الجسد، لكي يصيروا في حالة نظيفة، بل قال: " أصنعوا ثماراً تليق بالتوبة" (مت8:3) أما من جهة أن معمودية يوحنا هي أفضل من المعمودية اليهودية، وأقل من معموديتنا نحن، فهذا راجع إلى أن معمودية يوحنا لا تمنح الروح القدس، ولا تهب غفران الخطايا، الذي يعطى بالنعمة الإلهية، لأن يوحنا كان يكرز بالتوبة فقط، ولا يملك سلطان غفران الخطايا. ومن أجل هذا قال: " أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت11:3) وهنا تحديداً يطرح سؤال آخر، حول معنى عبارة " بالروح القدس ونار"؟ في الحقيقة هذا الأمر مرتبط بحادثة حلول الروح القدس يوم الخمسين، حيث ظهرت ألسنة من نار أمام الرسل وحلّتْ على كل واحد منهم أما من جهة أن معمودية يوحنا لم تكن تملك منح الروح القدس، ولا غفران الخطايا، فهذا واضح من اللقاء الذي تم بين الرسول بولس وبعض التلاميذ، فعندما سألهم: " هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم. قالوا ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم فبماذا اعتمدتم. فقالوا بمعمودية يوحنا. فقال بولس إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة" (أع2:19ـ4) هكذا يظهر من هذا الحوار القصير، أن معمودية يوحنا، كانت للتوبة فقط، ولم تكن معمودية غفران. السؤال الآخر المطروح، لأي هدف كان يوحنا يعمد؟ كان يوحنا يعمد تمهيداً لمجيء المسيح الذي كان يعمد بالروح بحسب شهادته هو شخصيًا " الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع والذي من الأرض فهو أرضي ومن الأرض يتكلم" (يو31:3). ثم يكمل " الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو36:3) ولذلك يخبرنا سفر الأعمال، في الحوار الذي أشرنا إليه، والذي دار بين ق. بولس والتلاميذ، أن التلاميذ " لما سمعوا من بولس اعتمدوا باسم الرب يسوع ولما وضع يديه عليهم حل الروح القدس عليهم" (أع4:19ـ6). وهكذا كما هو واضح أن معمودية يوحنا كانت ناقصة، وإلاّ لما كان ق بولس قد عمّدهم ووضع عليهم يديه. د. سعيد حكيم يعقوب
المزيد
13 يناير 2025

التجسد وثماره عند القديس يوحنا ذهبي الفم

لقد حمل التجسد الإلهي للبشرية ثمارًا مفرحة وجديدة، ذلك لأنها ثمار روحية، أي ثمار يهبها الروح، وهذا هو الجديد، أن الهبات والعطايا الممنوحة للبشر، صارت لها ملامح متميزة، بسبب أن مصدرها روحي. عطية الروح القدس هذا ما يؤكده القديس يوحنا ذهبي الفم في عظة له عن الميلاد، قائلاً [ أخذ جسدي لكي أسع الكلمة في داخلي.. ومادام قد أخذ جسدي فقد أعطاني روحه، حتى تقدم لي كنز الحياة الأبدية. يأخذ جسدي لكي يقدسني. ويعطيني روحه لكي يخلصني] هنا يشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى عطية الروح، باعتبارها كنز الحياة الأبدية، ومصدر التمتع بالخلاص، كما ذكر [ يعطيني روحه لكي يخلصني]، ذلك لأن الروح هو في كل شئ يقود الإنسان نحو الكمال ولذلك فإن حضور روح الله وعمله سواء في الكتاب المقدس أو في التقليد الآبائي، قد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بعطية الحياة. هكذا كُتب في المزمور 32 " بكلمة الرب تأسست السموات وبروح فيه كل قواتها" (6:32س). ولذلك لا تستطيع أي نفس أن تتمتع بثمار الروح، إن لم تدخل في شركة هذا الروح المحيي. يقول القديس مقاريوس: [ إن النفس العريانة والمقفرة من شركة الروح، الواقعة تحت فقر الخطية المرعب، لا تستطيع ـ حتى إذا رغبت ـ أن تثمر أي ثمر من ثمار روح البر بالحق. قبل أن تدخل في شركة الروح] . ليس هذا فقط، بل إن عطية الحياة العظمى والمتمثلة في الاتحاد بشخص المسيح، تتطلب شركة الروح. الاتحاد بشخص المسيح ومن أجل هذا، فقد أكد الرسول بولس على مدى الارتباط الوثيق بين نوال "قوة الروح القدس" وبين "حلول المسيح" بالإيمان في قلوب المؤمنين للحصول على كل ملء الله؛ " بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح.. لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" (أف14:3ـ17) هذه الرؤية التي تشدد على أهمية عمل الروح القدس داخل النفس الإنسانية، لنوال الشركة الحقيقية مع الله هى رؤية مشتركة لدى الآباء ولهذا فإن الثمر الفائق الوصف الذي ناله الإنسان بالتجسد، هو شخص المسيح نفسه. هذا ما يشرحه القديس يوحنا ذهبى الفم قائلاً: [ إن الاتحاد بالمسيح هو أعظم مكافأة لأنه هو الملكوت وهو الفرح، وهو المتعة، وهو المجد والكرامة، وهو النور، وهو السعادة غير المحدودة، الذي لا يستطيع الكلام أن يُعبّر عنه، غير الموصوف، غير المدرك ] . فالمسيح له المجد كان كل شئ بالنسبة للتلاميذ، ولم يكن في حساباتهم الفوز بملكوت السموات. يقول داود النبى: " ما لى في السماء ومعك لا أريد شيئًا على الأرض ". أى أنه لا يتمنى شيئًا من الأمور السمائية، ولا من الأمور الأرضية، لا شئ يتمناه سوى الله. إذن التمتع بالحياة الأبدية، لا يكون إلاّ عن طريق الاتحاد بالابن، كما يقول الرسول يوحنا: " إن الله أعطانا حياة أبدية. وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة. ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1يو11:5). وهو ما جعل الرسول بولس يقول: " ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة بل إني أحسب كل شئ أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه" (في7:3ـ8). نوال البنوة لله (التبنى) وأيضًا فإن نوال البنوة لله، لم يكن ممكنًا أن يتم إلاّ من خلال الابن كما أشار القديس بولس: " لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" (غل26:3)، ويشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى أهمية اتحاد الإنسان بالمسيح قائلاً: [ لقد أخذ جسدًا إنسانيًا لكي يسكن فينا] . وسكنى المسيح داخل الإنسان تعنى بالضرورة القدرة على السلوك كما سلك المسيح، هذا ما يؤكده القديس يوحنا الإنجيلي قائلاً: " من قال إنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك (المسيح) هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو6:2). نتائج اجتماعية ولم يكن المسيح له المجد بالنسبة للناس نموذجًا نمطيًا، لكنه كان يمثل اتجاهًا جديدًا، يحمل رؤية جديدة للحياة، قادت إلى تغيير جذري للتقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة، ولذلك أحبه الجميع، لأنه أحب الجميع، والتف حوله كل الناس. وهذا ما دعا رؤساء الكهنة أن يقولوا " هوذا الكل قد صار وراءه". والحقيقة أن الكل قد صاروا وراءه، لأنه رفع من مكانة الفئات المتدنية في المجتمع، وألغى الفوارق الاجتماعية والعنصرية بين الناس. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن ميلاد المسيح العجيب [ ذاك الذي يفك ربط الخطية لُف في لفائف، لأن هذه هي إرادته، لأنه أراد للهوان أن يتحوّل إلى كرامة، وللعار أن يكتسي بالمجد، ولحالة الهوان أن تتحول إلى حالة الفضيلة] هذه الإرادة لتغيير حالة الإنسان من وضع الهوان والعار والمذلة إلى وضع الكرامة والمجد والفضيلة، تكشف عن المحبة غير المحدودة من قِبل الله تجاه الإنسان. فكل الفوارق الاجتماعية لم يعد لها وجود: " ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر وانثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع" (غل28:3)، أي أن الجميع صاروا واحد في المسيح، هكذا أكد القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن التناول: [ هل أنت غنى؟ حتى وإن كنت؛ فليس لك أفضلية على الفقير. هل أنت فقير؟ إنك لست أدنى من الغنى. فالفقر لن ينتقص من أفراح المائدة الروحية. لأن النعمة هى من الله وهى لا تميز بين الأشخاص. هذه هى العطايا الروحية، التى لا تقسم المجتمع بحسب المناصب، بل بحسب المستوى الروحى وبحسب استقامة أفكار كل أحد. ولهذا فإن الملك والفقير يتقدمان معًا نحو الأسرار الإلهية بنفس الثقة وبنفس الكرامة، لكى يتمتعا بالتناول منها. لأن لباس الخلاص هنا هو واحد للجميع أغنياء وفقراء، والرسول بولس يقول " لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح " (غل27:3) هذه هى ملامح الحياة الجديدة في المسيح، اختفاء كل أثر للتمييز بين البشر، الجميع في المسيح واحد، وهذا كان واضحًا منذ البداية، عندما دخل إلى المجمع ودُفع إليه سفر إشعياء النبي ليقرأ، فوجد الموضع الذي كان مكتوبًا فيه: " روح الرب علىَّ لأنه مسحني"، لماذا؟ لأبشر المساكين. لأشفي المنكسرى القلوب. لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر. لأرسل المنسحقين إلى الحرية. لأكرز بسنة الرب المقبولة.. " ثم طوى السفر وأعطاه للخادم وقال: اليوم قد تمّ هذا المكتوب في مسامعكم". أي أنه بحضور المسيح في الزمن، قد تحقق كل هذا، لقد رفع المسيح من شأن الفئات المُهمشة، والتي ليس لها أحد يذكرها. وفي حديث القديس يوحنا ذهبى الفم عن ميلاد المسيح العجيب يقول: [ إن الرجال أتوا لكى يسجدوا لذاك الذي صار إنسانًا وخلّص العبيد من الشرور التي أصابتهم. أتى الرعاة لكى يسجدوا للراعى الصالح الذي قدم حياته من أجل الخراف، أتى الكهنة لكى يسجدوا لذاك الذي أخذ شكل العبد لكى يمنح الحرية للمستعبدين ] هكذا أسس المسيح له المجد ملكوت الله في الزمن، وجعل الأرض سماء وجمع الناس مع الملائكة كما يقول القديس يوحنا ذهبى الفم في عظة له عن الصليب. د. سعيد حكيم
المزيد
09 يناير 2025

رحمة الله الظاهرة للبشر في تجسد ابن الله للقدّيس يوحنا الذهبي الفم

يقول القديس بولس الرسول: "لأنّه هو سلامنا جعل الإثنين واحداً ونقض في جسده حائط السياج الحاجز أي العداوة" (افسس2: 14) الحق! إن المتجسد من العذراء نقض حائط السياج الحاجز، وصار الاثنان واحداً. تبدّد الظلام وأشرق النور وغدا العبيد أحراراً والأعداء بنين. زالت العداوة القديمة وساد السلام المرغوب من الملائكة والصِدّيقين منذ القديم، لأن الأمر المدهش قد تمّ، وهو أنّ ابن الله صار إنساناً، فتبعته الأشياء كلّها، المخلص يضع ذاته ليرفعنا، ولد بالجسد لتولد أنت بالروح. سمح للعبد أن يكون له أباً، ليكون السيد أباً لك أيها العبد. فلنفرح ونبتهج كلنا. لأن البطريرك "إبراهيم قد ابتهج ليرى فرأى وفرح" (يوحنا8: 56) فكم بالحري نحن الذين رأينا الرب في الأقمطة! لذلك، يجب علينا أن نسَّر ونبتهج بعظمة إحسانه إنه لأمر يستحق الانذهال. لقد ساد السلام لا لمبادرتنا إلى الرب نحن الذين أخطأنا إليه وكدرناه، بل لأن الساخط علينا نفسه قد شفق علينا. "فأسألكم من قبل المسيح أن تتصالحوا مع الله" (كورنثوس الثانية 5: 20) إذ خلق العلي بنعمته وحدها الانسان وأعطاه على الأرض أجمل مكان ليعيش فيه، ووهبه وحده العقل بين المخلوقات كلها، وسمح له برؤيته تعالى، والتلذذ بالحديث معه، ووعده بالخلود، وملأه بالنعم الروحية حتى أن الإنسان الأول تنبأ؛ ولكنه بعد هذه الخيرات كلها رأى العدو أجدر بالايمان ممن وهبه جميع ما ذكر، فاحتقر وصية الخالق وفضل من كان يعمل على هلاكه بكل الوسائط. ومع ذلك فما أباد الله الارض كما تقتضي العدالة، لما أظهر الإنسان من العقوق وعدم معرفة الجميل. بل صار يُعنى به أكثر من الأول، لأن الخطر اشتد كثيراً بعد استسلام جنسنا للإثم، وتعرضه للهلاك. ولكن الآب السماوي اهتم للخاطئ وحدثه كصديق مبيناً له خطر الهلاك المحدق به، ثم أعطاه الشريعة كمساعد له، وأرسل الأنبياء لتعلمه ما يجب عليه أن يفعل. "ثم أرسل له وريثه نفسه – أي ابنه – مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلاطية4: 4و5) لذلك نرى نبي الله متعجباً من حكمة الضابط الكل وصارخاً : "هذا هو إلهنا قد تراءى على الأرض وتردد بين البشر" (باروك 3: 38) ابن حقيقي لاب أزلي لا يعبر عنه ولا يدرك، اجتاز أحشاء بتولية، وتنازل ان يُولَد من عذراء، ولم يكفّ عن العمل والشروع بالأشياء حتى جاء بنا نحن الأعداء إلى الله، وصيّرنا اصدقاء له، فكان كمن يقف بين اثنين متقابلين باسطاً ذراعيه لهما ليوحدهما معاً. هكذا فعل ابن الله موحداً الطبيعة الإلهية مع البشرية، أي خاصته مع خاصتنا. هذه وفرة نعمة الرب. إن الذي غضب يسعى للسلام قاهراً المغتصب. قد يخلع الملك تاجه أحياناً ويلبس حلة جندي بسيطة حتى لا يعرفه أحد من أعدائه. أما السيد المسيح فقد جاء لابساً حلتنا حتى يُعرف، ولا يدع العدو يفر هارباً قبل القتال، ويدعو أتباعه إلى الاضطراب، إن غاية ابن الله هي الخلاص لا الإرهاب ربما تقول: لماذا لم تكمل هذه المصالحة بواسطة أحد الأرواح غير المتجسدة أو أحد البشر، بل بواسطة كلمة الله؟ فالجوابلأنه لو حصلنا على الخلاص بواسطة أحد الصديقين لما علمنا مقدار عظم اهتمام السيد بنا، ولما أصبح موضوعاً للإعجاب مدى الأجيال. فانه ليس بالأمر المدهش الفريد لو دخل مخلوق في الاتحاد مع مخلوق آخر؛ وبالتالي، لما قدر الإنسان أن يعمل عملاً إلهياً. وسرعان ما يسقط الأرضي، كما عمل اليهود، إذ حوّلوا خلاصهم المعطى لهم بواسطة موسى إلى شرور أشدّ من التي تحمّلوها في أرض مصر، وكادوا يؤلهون موسى بعد موته. إنهم أرادوا أن ينادوا به إلهاً، وهم يعلمون أنهم معه من طبيعة واحدة. وأخيراً لو أرسل ملكاً أو بشراً لاجل إنقاذنا من السقوط لما حصلنا على الخلاص ولا قدرنا أن نقترب من الذي حصلنا عليه الآن. ولو أن قوام خلاصنا حصل من طبيعة ملائكية أو بشرية فكيف يُعطى لنا أن نجلس عن يمين الآب السماوي ونصير أعلى من الملائكة ورؤساء الملائكة، ونستحق ذلك الشرف الذي تتمنى القوات العلوية الدخول في مجده. ولو حرم الجنس البشري من هذا النصيب المغبوط ألا يظهر عدونا القديم كبرياء أعظم من الاولى ويفكر بتهييج السماء ذاتها؟ فمن أجل هذه الاسباب وغيرها أخذ ابن الله الطبيعة البشرية وكمّل خلاص الجنس البشري كله وعليه إذا تصورنا عظمة تنازل الله فلنعطِ السيد الشرف الواجب، لأننا لا نقدر أن نكافئه إلا بخلاص نفوسنا، وبالاهتمام بالقريب. وليس من عيد أفضل من اهتمام المسيحي الحقيقي بالقريب، والاجتهاد بخلاصه. لأنّ المسيح لم يرضِ ذاته بل الكثيرين. هكذا يقول رسول المسيح: "غير طالب ما يوافقني بل ما يوافق الكثيرين لكي يخلصوا " (كورنثوس الاولى 10: 33). عن كتاب منهج الواعظ لأبيفانيوس مطران عكار، 1971
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل