المقالات
23 ديسمبر 2025
سفن صغيرة..
حينما كان الرب يسوع يجول بين المدن والقرى يصنع الخير ويعظ ويكرز بالملكوت، جموع كثيرة كانت تلتف من حوله وتتبعه. البعض كان يندهش من عجائب الآيات، والبعض كان يتلذذ بعمق الكلام حين كان الرب يفتح فاه ويعلمهم، ثم يعودون إلى بيوتهم، منهم من ينسى وينشغل بالحياة والواقع، ومنهم من يزول عنه تأثير الاندهاش بالمعجزة..ولكن.. جموع قليلة، لم تشبع بعد من الرب يسوع، لم تكتفِ بمعجزة وعظة، بل أينما يمضي يتبعونه، في الشوارع وعلى الجبل وفي البيوت والهيكل وفي كل مكان.. بعدما يبدو أن اليوم قد انتهى، لا يتعجلون العودة من خلفه.بل على البَرّ هم معه، وفي البحيرة يعبرون معه!منذ الصباح هم حوله، وعندما يحل المساء.. هم معه!ليس له أين يسند رأسه.. وليس لهم مثله!وحينما يدخل سفينة ويسند رأسه.. يحيطون - في "سفن صغيرة" - به!تلك السفن الصغيرة التي اختارت أن تتبع سفينة الرب يسوع في ليلة هادئة، لا يعلمون لِما سيعبر ولا ماذا سيفعل هناك، ولكنهم عبروا من حوله..وتخبرنا الآيات أن البحر فجأة هاج، والموج غطى السفينة. تماماً كما تثور أحداث الحياة وينقلب الواقع من حولنا، ويتزعزع السلام..كانت السفن الصغيرة وسط البحيرة الهائجة والرياح المخيفة، هم أيضًا امتلأوا بالمياه، وبالتأكيد ارتعبوا من الغرق!ولكنهم أيضًا سمعوه ينتهر ويبكم الرياح، ويخرس موج البحر!فقط من في السفن أبصروا كيف أن الطبيعة تطيعه!فقط من تبعوه في المساء!فقط من مشوا معه ميلًا آخر!فقط من عبر البحيرة!فقط من صرخ وسط الأمواج!فقط، من لا يشبع من يسوع!فمن أنت...؟هل اكتفيت بمعجزة وعظة واستمرت حياتك على البَرّ واطمأن قلبك بالشاطئ؟أم سفينة صغيرة أنت.. إلى جوار سفينة يسوع؟!
ماريان إدوارد
المزيد
16 ديسمبر 2025
ترنيمة المصاعد / حجارة حية
هوت رأس المطرقة النحاسية على كتلة الجبل الحجري مرارًا لتقطتع منه أحجارًا كبيرة، تفصلها بعد ذلك بأسافين نحاسية طويلة إلى قطع أصغر. وبينما اعتدّت القطع الحجرية الكبيرة بنفسها وقوتها، تناثرت الصغيرة يائسة لا تدري أيّ مصير ينتظرها!مضت أسابيع عانت فيها الحجارة من ضجيج أصوات الآلات، وآلام المطرقة الحادة فوق رؤوسها، تعرّضت كل واحدة منها لعمليات تقويم واستعدال لتكون في أفضل صورة تصلح للبناء.. وبدا أن الأتعاب في طريقها إلى الإنتهاء الآن، فما ان انتهى العمل في الأحجار، حتى امتدت الأيادي تجمعها كلها في صفوف متراصة لتنقلها إلى حيث تُبنى المدينة، وسورها الحصين.أصغت الحجارة بلهفة إلى حديث الرجال عن تلك المدينة الجديدة التي سيُنقَلون إليها، مدينة السلام، أورشليم.. لكم كان الاسم مُحبَّبًا، وقعه أراح أتعابهم وآلامهم طوال الأشهر السابقة. أيّة سعادة ملأتهم حينما عرفت الأحجار أنها لن تشترك في بناء المدينة المقدسة، بل بيت الرب نفسه! في أجسامها ستتردد صلوات وتسابيح إلى مدى الأيام، لطالما وقفت هناك شامخة!في الطريق الصاعد إلى أورشليم، كانت الحجارة تترنم معًا نشيدها، "ترنيمة المصاعد"، رددها من بعدهم كل الصاعدون الجبل للصلاة في المدينة المقدسة..«فَرِحْتُ بِٱلْقَائِلِينَ لِي: "إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ نَذْهَبُتَقِفُ أَرْجُلُنَا فِي أَبْوَابِكِ يَا أُورُشَلِيمُ...أُورُشَلِيمُ ٱلْمَبْنِيَّةُ كَمَدِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ كُلِّهَاحَيْثُ صَعِدَتِ ٱلْأَسْبَاطُ - أَسْبَاطُ ٱلرَّبِّ – لِيَحْمَدُوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ...لِيَسْتَرِحْ مُحِبُّوكِ. لِيَكُنْ سَلَامٌ فِي أَبْرَاجِكِ، رَاحَةٌ فِي قُصُورِكِمِنْ أَجْلِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا أَلْتَمِسُ لَكِ خَيْرًا".»في خلال شهور قليلة كان للمدينة الحصينة سور متماسك لا تنفصم رُبُطه.. اتخذ كل حجر منها موضعه، من صغيرهم إلى كبيرهم.وتلاشت مخاوف الحجارة باختلافها، اذ لم يوجد حجر وحده.. لم يوجد مرذول ولا مُهمَّش ولا من لا قيمة له؛ بل من كان يبدو ضعيفًا بالأمس، أصبح سندًا يسد ثغرة لكي لا تنفذ منها الثعالب الصغيرة.. ومن كان قويًا كبرج عظيم ثم سقط وترضّض، وجد حجارة تسنده وتحميه متى أعاده البناءون إلى موضعه برفق.استراحت الأحجار بعد حين مطمئنة، متماسكة، لا تتزعزع بعد.. وإن استمرت في تسابيحها السرية، تجاوب بها تسابيح البشر المتردّدة في جوانبها:"مباركة هي أورشليم التي تقبل إليها وفيها الجميع..مباركة هي أورشليم، حيث يحيا الساكنون مطمئنون، متفقون بمحبة حقيقية إنجيلية، يسبحون الله معًا مثل قيثارة تنشر نغماتها حبًا وسلًاما على الأرض كلها..مباركة هي أورشليم، مسكن الله مع الناس، على الأرض وفي السماء.."
ماجي حسني
المزيد
25 نوفمبر 2025
ابتسامة الروح
عندما تستسلم الأذن ويذعن العقل ويُقْبِل القلب بكل الحب لصلوات القداس، تهدأ النفس، وتسمع الروح روحًا تخاطبها فتتجمّع الدموع وكثيرًا ما يبكي الناس في القداسات تتناغم الألحان فتلمس المشاعر، ويتناسق المنطق فيشبع العقل، وتبدأ رحلة الصلح التي تنتهي بالمصالحة والنعمة، فتجد أرواحنا راحتها في الروح القدس.مع كل قداس نسمع انتصارًا فهذا هو اليوم الذي صنعه الرب فنفرح ويهتف القلب مجدًا ومع كل مرة يقرّ بأن واحد هو الله القدوس نُوحَّد وينشر سلامًا للجميع فيمتلأ الجو سلامًا أليست مجمرةُ ذهبٍ في يديه تلك التي حملت جمر نار وأصعدت رائحة زكية! ما أجمل المجمرة الذهبية! نسجد لاسم الله فتسجد القلوب قدوس الله قدوس القوي قدوس الحي الذي لا يموت نقر إيماننا منذ آدم إلى آخر الدهور في كل ساعة ومع كل صلاة وتجد من يرفع الأيدي عاليًا مع كل مرة يسمع "دبّر حياتنا كما يليق بارك إكليل السنة بصلاحك من أجل الأرملة من أجل اليتيم من أجل الغريب ومن أجل الضيف" وتجد من يدقّ صدره مع كل مزمور توبة، ومع كل ترنيمة "ارحمنا يا الله يا ضابط الكل" مَنْ لم يبكِ مع هذا اللحن يومًا؟! من لم يتب فيه ويندم؟! أيها الرب إلٰه القوات ارجع واطلع وانظر من السماء وتعهّد هذه الكرمة التي غرستها يمينك من لم يترجّ مع المرنم أن يرجع الله؟ ومن لم ينظر بعين الإيمان رأفته مطّلعًا متعهدًا شعبه وكرمته غرس يمينه!شوق يشبع بنوال النعمة، بالالتصاق والثبات في السيد المسيح ومع تكرار القداسات نحفظها، ولكننا في الحقيقة لا نحفظ القداس ولكننا نحفظ الكتاب المقدس مُرنَّمًا ولا ننسى إيماننا بل نُقِّره ونهتفه مع كل صلاة ونغادر هذا الاحتفال الأعظم على الإطلاق ونحن نحمل "الله" في قلوبنا الضعيفة ودمائنا الواهنة نثبت فيه، نحيا به! العيب ليس في قداس أو صلاة العيب في أذن لا تسمع وعين لا تبصر العيب في الوقوف والقلوب مبتعدة بعيدًا!أشكرك يا مرقس الرسول الأمين يا من أضاء بلادنا بالإيمان!
ماريان إدوارد كنيسة السيدة العذراء أمستردام
المزيد
18 نوفمبر 2025
حياتنا في المسيح
الحياة المسيحية ليست مجرد الاعتقاد بمجموعة من المبادئ والتديُّن بها أو اعتناق بعض الأفكار والسير خلفها أو تبنّي لأيدلوجيات والدفاع عنها هي ليست مجرد معتقدات أو مبادئ إصلاحية أو أفكار مذهبية وإنما الحياة المسيحية في جوهرها وبساطتها هي حياة الشركة مع الله الآب في الابن بالروح القدس فالحياة المسيحية هي الحياة مع الله من خلال عمله المستمر فينا ولذلك تبدأ حياتنا بايماننا بشخص الابن الكلمة ما قدمه لنا من خلاص وفداء ومعرفة وحياة وتستمر بقيادة الروح القدس والخضوع له والسير معه من خلال حياة شاهدة وعاملة وفاعلة ومقدسة وتنتهي بشركة مع الله الآب حيث نحيا ونتمتع بأبوة الله ونُؤهَّل لشركة ميراثه الأبدي الذي هو ميراث الأبناء والأحباء من أجل هذا قيل عن "نعمة الحياة في المسيح " وهي التي بدأت بنعمة الخلق واستمرت بعمل الفداء وتأخذ قوتها من سكنى الروح القدس وفعله وستكتمل بالحياة الأبدية معه إنها حياة النعمة والحق (يو1: 17) هي "النعمة" إذ وهُبت لنا مجانًا لإنها عظيمة وثمينة وغالية جدًا فهى ليست نتيجة مجهود إنساني أو عمل طبيعي ولم ننلها عن استحقاق أو جدارة أو كنتيجة أو مكأفاة "فنعمة الحياة في المسيح" وُهِبت لنا وانسكبت فينا من أجل عظم محبته الجزيلة وغنى رحمته العظيمة وهي "الحق" فالنعمة تقودنا إلى الحقيقة وهي بالضرورة تجعلنا نحيا بالحق ونسلك دائمًا فيه ونشهد عنه وقد نموت من أجله فالذي قبل النعمة ككنز سماوي وكنصيب صالح إنما في الحقيقة اختار أن يسلك في دروب الصليب ويحمله لذلك يتضمن الإيمان المسيحي فعلين أساسين الفعل الأول فعل الإماتة والثاني فعل الإقامة فعل الإماتة نناله من خلال باب الأسرار ومدخلها (سر المعمودية) حيث نموت مع المسيح نجوز شركة حقيقية معه من خلال نزولنا الى جرن المعمودية ثلاث مرات على مثال موته وقيامته نموت عن خطايانا عن ذواتنا يموت إنساننا العتيق نترك حياتنا القديمة والفعل الثاني هو فعل الإقامة والشهادة فنحن نموت لكي نحيا نُقطَع لكي نُغرَس في شجرة الحياة نخرج من حياة عتيقة وندخل إلى حياة جديدة شاهدة نترك حياة الجسد ونسلك بالروح (رو6: 4-6) وهذا ينمو فينا ويزدهر ويثمر بالحياة الدائمة والمستمرة في المسيح ومن خلال القراءات والصلوات والعبادات والأسرار الكنسية وفي القلب يأتي سر الأسرار وختم النعمة "سر الإفخارستيا" كينبوع لقيامتنا الدائمة وقوة لحياتنا الجديدة ودواء لضعفاتنا ومصدر لقوتنا وسر غلبتنا فالحياة المسيحية هي اختبار لفعل الموت مع المسيح وقوة القيامة مع الناهض من بين الأموات "يا مسيح الله الذي بموتك قتلتَ الموت الذي قتل الجميع بقوتك أقم ميتوتة نفوسنا" (صلاة قسمة للابن يا حمل الله) وبناء على هذا فعلى قدر شدة الموت تكون قوة الحياة وعلى قدر أمانة التخلّي يكون فعل التجلّي فينا فمن يموت بالحقيقية (الذات والأهواء والرغبات) ويتخلى عن مشيئته وإرادته الخاصة وراحته على قدر ما تسرى فيه النعمة وتعمل فتُغيّر وتقدّس وتجدّد وتتجلّى فيه حياة المسيح وتشرق فتفوح منه رائحة المسيح الزكية وتنتشر فالموت يسبق القيامة والصليب طريق المجد والكسر سر البركة والطاعة هي ينبوع حياة وهذا ما عبّر عنه معلمنا بولس قائلًا «لأَعْرِفَهُ وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ» (في3: 10) فالمسيحي الحقيقي هو من يستطيع أن يردّد مع معلمنا بولس «فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غل2: 20).
القس إبراهيم القمص عازر
المزيد
06 نوفمبر 2025
نساء فى سفر التكوين حواء
حواء
السيدة ذات الشرف المميز
المرجع الكتابي :
( تك ۲ ، ۳ : ۲ کو ۱۱ : ۱۱۳ تی ۱۳:۲ ) .
معنى الاسم :
سميت حواء إمرأة لأنها من إمرء أخذت ( تك ٢ : ۲۳ ) .
ليس لفظ إمرأة إسماً عاماً يُطلق على الجنس الحريمي ولكنه أطلق على حواء لأنها مرتبطة دائماً بعلاقة الزواج بآدم منذ خلقتها . لقد خلقت لتكون واحدة معه ، معينة له، سميت سيدة وتعنى في أدب الله زوجة رجل. كما أطلق الله على آدم وحواء إسم آدم إذ يقول الكتاب المقدس : ذكراً وأنثى خلقه وباركه ودعا اسمه آدم يوم خلق » ( تك ٢:٥). يفهم من هذا الاسم الشامل أن القصد الإلهى من الزواج ليس هو المصادقة بين الرجل والمرأة فقط بل تكوين وحدة لا تنفك بينهما . خلقهما الله جسداً واحداً وأعطاهما اسماً واحداً آدم أطلق عليها اسم حواء بعدما سقطا في الخطية ( ودعا آدم اسم إمرأته حواء لأنها أم كل حي » (تك ٣: ١٦ ، (۲۰) هذا الاسم يعنى أنها هي الأولى . حواء معناه حياة، أو معطى الحياة، أو أم كل حي، وحياتها فينا جميعاً .
لماذا غير آدم اسم زوجته إلى حواء فقد كان اسمها هو اسمه آدم ؟!
لقد أطلقه آدم بروح النبوة حتى لا ينظر إليها أنها هي التي جذبت آدم والجنس البشرى الخطية المخالفة، بل من نسلها سيأتي مخلص البشرية وفاديها ليهب البشرية الحياة والخلود الدائم لقد تميزت حواء على بقية نساء العالم بأنها البادئة بأمور كثيرة :
الإمتياز الأول :
حواء السيدة الأولى التي عاشت على الأرض .
كانت حواء ثمرة خلقة الله للإنسان لقد خلقها سيدة كاملة ومثالية فلم تكن أبداً طفلة أو إبنة أو بكرة بل أول سيدة وجدت في العالم. أول أنثى في العالم كانت ابنة حواء الأولى وكانت أيام آدم بعدما ولد شيئا ثماني مئة سنة وولد بنين وبنات » (تك ٤:٥) لقد ولد آدم وحواء الكثير من البنين والبنات ولا نعرف عنهم شيئاً . أما حواء فلم يلدها أحد بل كونت بطريق إلهى مقدس من واحد من أضلاع آدم، كونها الله وجبلها على الأرض خلق آدم من تراب الأرض ، أما حواء فقد كونها الله من ضلع آدم كان آدم تراباً منقى، أما حواء فكانت تراباً منقى مرتين لقد خلق الله حواء من ضلع آدم الذي تحت ذراعه ، يستخدم الذراع في حماية الجسد من الضربات لذلك فعمل الزوج هو صد الضربات عن زوجته وحمايتها والعناية بها إن التطبيق الروحي لخلقة حواء من جنب آدم هو سر عروس الحمل التي نالت حياتها من الجنب المجروح لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحرية وللوقت خرج دم وماء ليتم الكتاب » (يو ۱۹ : ٣٥، ٣٦) ولها مكانة أفضل من حواء فهي أقرب إلى قلبه فقال إرميا تراءى لى الرب من بعيد ومحبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة » (إر ۳۱ :۳) وغاية الحمل أن يرافق العروس في فردوس القداسة من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله » (رؤ ۲ : ۷). هلم فأريك العروس إمرأة الخروف » ( رؤ٩:٢١ )إن زواج الحمل للعروس أى كنيسة المسيح المفدية بدمه سيكون في السماء مثلما تم لحواء.
الأمتياز الثاني :
حواء السيدة الأولى التي أطلق عليها اسم زوجة .
حواء تكونت من آدم لذلك صارت شريكة له . لقد رأى الله آدم في كمال الطهارة، ولكن ليس جيداً أن يكون وحده، ومن الأفضل له روحياً ونفسياً واجتماعياً أن يكون له زوجة. إنه محتاج لأحد يحبه ويلد له أولاداً ليتمم غرض الله من خلقه العالم ( وقال الرب الإله ليس جيداً أن يكون آدم وحده فأصنع له معيناً نظيره » وكلمة نظيره تعين عمل المرأة من جهة الرجل، إنها نظيرة فليست عبدة للرجل كما يعاملها كثير من الشعوب في العالم. إنما هي نظيرة للرجل، وبعد زواجهما يكونان جسداً واحداً وقلباً واحداً بالحب والعطف والرعاية والفكر المتبادل .
حواء كونها الله وكان آدم نائماً ولم يشعر آدم بأي ألم عندما أجرى الله هذه العملية في جنبه وكم يعمل الله من أجل أحبائه وهم نائمون !! يرنم داود النبي بذلك ويقول : « إن لم يبن الرب البيت فباطلاً يتعب البناؤون، إن لم يحفظ الرب المدينة قباطلاً سهر الحراس ..... لكنه يعطى حبيبه نوماً » (مز : ۱ ۱۳۷ ) .
الإمتياز الثالث :
كانت حواء أجمل سيدة عرفها العالم .
جيل بعد جيل تفنن الإنسان في تجميل الجسد والخلفة ، أما حواء فضاقت الكل في الجمال، إنها خلقت بواسطة الله الكامل، وعكست حواء بجمالها الكمال الإلهى. لم يكن جمالها جمالاً مفتعلاً، فالوجه والتقاطيع والكسم كانت أكمل ما يحدث لسيدة لأنها عمل إلهى، عندما رآها آدم تعجب بها وأنشد أول أنشودة حب في العالم السيدة وقال : ( هذه الآن عظم من عظمى ولحم من لحمى. هذه تدعى
إمرأة لأنها من أمره أخذت » ( تك ٢٣:٣ ) .
إنها كانت أجمل سيدة في العالم لأن الله الكامل كونها ..
الإمتياز الرابع :
أنها السيدة الأولى والوحيدة التي ولدت بدون إتم .
حواء المرأة الأولى التي ولدت بدون خطية فقد كونتها يد القدير. كانت لها ميزات حسنة لم تنلها أية سيدة أخرى كانت نقية وطاهرة، ولها الرؤيا الإلهية. كانت تتكلم هي وآدم مع الله وجها لوجه . ومع أنها خلقت بدون خطية إلا أنها كانت الخاطئة الأولى في العالم، وأورثت الخطية الذريتها، حينئذ صار الكل مولودين بالخطية، وأصبحت الخطية لها فاعلية في النفس البشرية فيقول بولس الرسول : حينما أريد أن أفعل الحسنى (أحد) أن الشر حاضر عندى » ( رو ۲۱:۷) (أرى ناموساً آخر من أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي ويحى أنا الإنسان الشقى » (رو٧ : ٢٣، ٢٤) .
لقد خلق الله حواء طاهرة نقية عفيفة غنية في العطايا الروحية والمادية ومع ذلك إنحدرت للخطية وأعطت زوجها فأكل وأخطأ. إنها خليفة الله التي لا تبارى في الجمال، وكمال الجسد والعقل، ولكن الخطية هدمتها وطردتها من الفردوس إلى عالم الأشواك والآلام والدموع .
الإمتياز الخامس :
حواء كانت الأولى التي هاجمها الشيطان .
قبل خلقة حواء خلق الله الملائكة ، أرواحاً خادمة مرسلة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: (١٤) ولكن إبليس وجنوده عصوا الله فسقطوا من رتبهم السمائية .. وجه إبليس حروبه ضد خليفة الله التي على صورته ومثاله حسداً منه
للجبلة البشرية. إقترب من حواء متفاهما وأفتتنت حواء بكلامه ومنطقه ولم يكن لها دراية سابقة بحيله ولا بالخطية. إن الخطية لم تكن معروفة لآدم وحواء عندما خلقهما الله بالبر والقداسة، فأغوت حواء بكلام الشيطان، ولم تدرك السم من وراء اقتراح الشيطان المهذب . لم يقل الشيطان الموجود في الحية الحواء أن تخطىء، بل أدخل في ذهنها بطريقة مغرية مبطنة بمكره أنه ليس هناك خطأ من أكلها من الشجرة المنهى عنها من الله . لم تكن الغواية في حد ذاتها رغبة في فعل الخطية بل رغبة في التملك تكونان كالله عارفين الخير والشر» (تك ٥:٣) لو قال الحواء أسرقا أو خالفا الله لرفضت كلامه بل قال لها انظرى الشجرة فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل. إن الخطية من عهد آدم وحواء تكسى نفسها بثوب ملائم يتجاوب مع نفسية المجرب .
لقد نجح الشيطان في إظهار الطريق المنحدر كأنه طريق يوصل للأفضل بأن يكونا كالله عارفين الخير والشر. حواء استسلمت لحيلة الشيطان، والطريق المؤدى الهلاكها وسقوطها أصبح وشيكاً فرأت واشتهت وأكلت .
إن الشجرة جيدة للأكل ... أغوى الشيطان الميل الجسدي .
والشحرة شهية للنظر .... أغوى الشيطان حواسها .
والشجرة تهب وعياً ومركزاً وشرفاً ... أغوى الشيطان ذاتها وشخصيتها .
فالشجرة تعطيها معرفة الخير والشر كالله .
حارب الشيطان حواء بإثارة شهوة الجسد ، وشهوة العين ، والتعظم على الله فتصير مثله عارفة الخير والشر.
أما آدم فلم يمنع زوجته من أكل ثمرة شجرة معرفة الخير والشر بالرغم من صدور الأمر الإلهى له ولحواء قائلاً : ( وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة لا تأكلا منه ولا تمساه لثلا تموتا » ( تك ٤:٣ ) .
إن لم يكن آدم هو الأول الذي قطف الثمرة من الشجرة، فإنه كان واقفاً تحتها عندما رأى زوجته تقطف منها، وكان موافقاً على ذلك، واشترك
معها في الأكل من الثمرة المنهى عنها .
لما واجه الله آدم بخطيئة العصيان والمخالفة دفع آدم بأنه غير مسئول عن الخطأ بل حواء كما أوقع إتهاماً على الله نفسه قائلاً : المرأة التي جعلتها معى هي أعطتني من الشجرة فأكلت » ( تك ۳ : ۱۲) كأنه يقول الله لو كنت تعلم أن حواء سوف تغويني لماذا خلقتها لي !
إن رد آدم على الله كان رداً ضعيفاً كما يرد تلميذ على مدرسه وهو مخطىء فينسب الذنب على طالب آخر.
آدم هو رأس البشرية وينسب له الكتاب المقدس خطايا البشر فيقول بولسن الرسول : « من أجل ذلك كإنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا إجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع» (روه:١٢). لقد أخطأ آدم وأخفى إثمه في حضنه، لذلك عاقبه الله بألم الولادة، والشقاء في العالم، ولعنة الأرض، والطرد من الفردوس، وإصابة الإنسان بالأمراض والموت .
الإمتياز السادس :
حواء أول خياطة في العالم :
كان آدم أول فلاح في الأرض وكانت حواء أول خياطة تفصل الكساء من ورق الشجر «فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر» (تك ٧:٣).
الملابس تذكرنا بالخطيئة : لما كان أبوانا الأولين في حالة طهر ونقاوة لم يشعرا بالخجل لأنهما لم يكن لديهما شركة مع الخطية « وكانا كلاهما عريانين آدم وإمرأته وهما لا يخجلان ( تك ٢٥:٢). في حالة البر لم يكونا محتاجين إلى خجل الوجه أما بعد الخطية فصارت عيونهما مفتوحة فعرفا أنهما عريانان . الخجل والخطية صنوانان متلازمان فالخجل تعبير عن الأسف لفعل الخطية أو إحتجاج نفسى ضد الخطية. لقد خجلت نفس عزرا الخطيئة شعبه ولإرتباطهم بشعوب الأرض فقال للرب : « إنى أخجل وأخرى من أن أرفع يا إلهي وجهى
نحوك لأن ذنوبنا قد كثرت فوق رؤوسنا وآثامنا تعاظمت إلى السماء» (عزرا
عند شعورهما بالعرى لماذا بحث آدم وحواء عن كساء ؟ ليس السبب فقط لأنهما عرفا أنهما عريانان ولكنهما تعرضا لنظرة من الله الذي أخطاءا ضده. إن ورق التين الذي صنعاء لكسوتهما لم يكن كافياً ليخبئهما من نظرة الله الفاحصة ، لذلك إختبأ آدم وإمرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة (تك ٨:٣) ومع ذلك شعرا أنهما عريانان وأرادا أن يغطيا نفسيهما بأعذار واهية لذلك قال سليمان في الأمثال : « من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم» (أم .(۱۳:۲۸
طرح الله الأغطية التي صنعاها أولاً لنفسيهما وصنع الرب الإله لآدم وإمرأته أقمصة من جلد وألبسهما ( تك (۳ : ۲۱) وأسس الله بذلك طقساً جديداً فالجلد يشير إلى الذبيحة الدموية المذكورة في العهد القديم وبالذبيحة يكتسى الإنسان بنعمة غفران الخطية بدون سفك دم لا تحصل مغفرة » وهذه ترمز إلى ذبيحة المسيح التي ستقدم في ملء الزمان على الصليب فوق الجلجثة وبواسطة هذه الذبيحة المقدسة الإلهية سيلبس المسيح كل المؤمنين به السائرين في طرقه ثوب البر والقداسة .
الامتياز السابع :
حواء السيدة الأولى التي أنجبت إبناً سفاكاً للدماء .
ما هي الآلام المرة التي تعاقبت على آدم وحواء بعد السقوط ؟ أنجبت حواء إبنها البكر وسمته قايين وقالت إقتنيت رجلاً من عند الرب ثم عادت فولدت أخاه هابيل ومعناه نسمة أو بخار، وكان راعياً للغنم بينما كان أخوه مزارعاً للأرض . كان هابيل تقياً حتى أن المسيح لقبه بالصديق ( مت ۲۳ : ٣٥). وحدث أن قدم هابيل باكورة أغنامه وسمانها قرباناً للرب أما قايين فقدم قربانه من ثمار الأرض.
فقبل الرب قربان هابيل ولم ينظر إلى قربان أخيه الأكبر لأن تقدمة هابيل تحوى معنى الذبيحة أراد الله بذلك أن يعلم البشرية القانون الإلهي أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة . غضب قايين وقتل أخاه هابيل وأصبح هابيل أو شهيد في الأرض وقايين أول محرم وسفاح. كان الشيطان وراء خطية قتل قايين لأخيه : فكم أثار شهوة أمه وأكلت من الشجرة كذلك أثار كرامة قايين فقام وقتل أخاه هابيل أنكر قايين الجريمة لما سأله الرب عن أخيه فلعنه الرب وطرده من سكنه وأقام في أرض نود شرقي عدن (تك ٤ : ١-١٦ ) .
لقد شهد يوحنا في رسالته الأولى بأن أعمال هابيل بارة وندد بأعمال أخيه الشريرة ( ١ يو ١٢:٣) وقال بولس الرسول أنه قدم ذبيحة الله أفضل من قايين إذ شهد الله لقرابينه و به وإن مات يتكلم بعد (عب ٤:١١).
بعد حادث قتل هابيل وهب الله لحواء إبناً ثالثاً سمته شيئاً قائلة لأن الله قد وضع لى نسلاً آخر عوضاً عن هابيل لأن قايين كان قد قتله. بتسمية الابن الثالث شيئاً أعلنت حواء إيمانها بمحبة الله ورحمته وعنايته .
ومن نسل شيث أتى إبن المرأة الذي يسحق رأس الحية وأسس النسل المقدس كنيسة المسيح . لقد إختفى اسم حواء من الكتاب المقدس ولم يذكر بعد ذلك سوى مرتين في العهد الجديد .
لقد شاركت حواء الحياة مع آدم ٩٣٠ سنة وأنجبت عدداً لا يحصى من البنين والبنات ولا نعرف عنهم شيئاً سوى الثلاثة الأبناء «قايين وهابيل وشيث » .
الإمتياز الثامن :
حواء هي الأولى التي تسلمت النبوة الإلهية عن الصليب .
حواء الخاطئة الأولى رأت ثمر إثمها عندما وقفت أمام أول قبر على الأرض و دفنت جسد ابنها هابيل بعدما اعترفت بأنها أكلت من الشجرة المنهى عنها
سمعت الله يكلم الحية القديمة قائلاً : « وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه » ( تك ١٥:٣). بهذا الوعد الإلهي عن الفادي إبتدأ الطريق القرمزي الذي ينتهى عند الصليب. لقد ولد المسيح من إمرأة إنتصرت إنتصاراً كاملاً على الخطية والشيطان، ونذرت البتولية الكاملة ، وعاشت في الحكمة الإلهية فقالت للملاك : كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف رجلاً » بحواء الأولى دخلت الخطية والموت للعالم ، وبحواء الثانية نال العالم الخلاص وأشرق عهد البر والقداسة على البشرية عندما صلب المسيح على الصليب، وسحق رأس الشيطان، وفتح الفردوس لآدم وبنيه وقال قد أكمل.
ماذا نتعلم من سيرة حواء :
نتعلم من حواء الطرق والحيل الشيطانية لإيقاع الإنسان في الخطية . إنه
يلبس الخطية ثوباً زاهياً براقاً ليجذب الأنظار إليها. إنه يغرى الإنسان بنفس الطريقة التي أغرى بها حواء ليجعل من الخطية لؤلؤة يشبع بها الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة، لكن بالمسيح يسوع يعظم إنتصارنا، لأنه كما جرب يستطيع أن يعين المجربين. لقد وعد بالانتصار لكل الملتجئين إليه .
ونتعلم تأثير المرأة على الرجل إذا سقطت يسقط الرجل معها وإذا عاشت في القداسة تقدس قلب رجلها، وإمتلأ بهجة وسروراً روحياً ونتعلم أننا لا نخطىء عندما نجرب ، ولكننا نخطىء عندما تنحنى أمام التجربة ونطاوع الخطية، أما إذا رفضناها سيستمر فردوس حياتنا مفتوحاً، ورؤيتنا للرب فيه واضحة، وملائكة الله حارسة لنا في كل تجاربنا .
المتنيح القس يوحنا حنين كاهن كنيسة مارمينا فلمنج
عن كتاب الشخصيات النسائية فى الكتاب المقدس
المزيد
28 أكتوبر 2025
في المسيح
لقد كانت مشيئة الله الآب ومسرته التي قصدها منذ البدء، وحققها الابن الكلمة بتجسده، وتمّمها الروح القدس في الكنيسة. هي أن يجمع كل شيء ممّا في السموات وما على الأرض "في المسيح" «إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ... لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ» (أف1: 9، 10). في المسيح، هو التعبير الذي صبغ الكنيسة منذ انطلاقها يوم الخمسين، لتعلن أن المسيح هو أساس وجودها، وسر حياتها، وينبوع بركاتها، وجوهر كرازتها. فصار عنوانًا ولقبًا يُعرف به أتباعه وتلاميذه "مسيحيون". في المسيح، هو ذلك التعبير الذي حفظ للمسيحية جوهرها وفرادتها وتميّزها في وجه "الابيونية" (اليهود)، "الغنوسية" (الأمم). الابيونية التي أرادت الارتداد لليهودية ولكن في ثياب مسيحية، إذ رفضت التخلي عن ناموس موسي، وحاولت أن تصبغ المسيحية بالعوائد والعادات اليهودية، لتجعل منها إحدى أشكال أو طرق الديانة اليهودية، دون أن تنكر تاريخية مسيحها. فجاء تعبير في المسيح، ليعلن أنه لا ناموس يصلُح، ولا عوائد تُفيد، ولا حتى وصايا تُغني. في المسيح وحده نفهم الناموس كمؤدِّب يقودنا اليه، ونُدرك الذبائح كرموز تشير إلى صليبه، ونعي مغزى الأعياد كظلال تجد معناها في أحداث حياته، والنبوات كإشارات وعلامات ترشدنا إلى عمله. في المسيح وحده يحقّق الناموس هدفه، وتأخذ الوصية قوتها، والطقوس فعلها وتأثيرها. بينما الغنوسية، أرادت الارتداد للفلسفة وخاصة الأفلاطونية، التي ترى أن العقل قبل الإيمان، والمعرفة أهم من الإعلان، والخلاص في أن تعرف لا أن تؤمن. فأرادت أن تجنح بالمسيحية عن عريسها، سر إيمانها، ينبوع خلاصها. المسيح المُذخَر فيه جميع كنوز الحكمة والمعرفة. أأقنوم الحكمة، جوهر كتابات الفلاسفة، وغايه رسالتهم. أقنوم الإعلان، الذي ألهم الفلاسفه، وحرّك أقلامهم، ليكتبوا عن ذلك المبدأ الأول، الكائن المُطلَق، واللا نهائي. وإن كانوا قد عجزوا عن إدراكه. فجاء المسيح متجسدًا «والكلمة صار جسدًا»، كاشفا عن أزليته وأبديته ووحدانيته مع الله الآب، فهو الألف والياء، البداية والنهاية. هو الذي كان من البدء والدائم الى الأبد. هو اللوغوس الحقيقي، عقل الله الناطق، أو نُطق الله العاقل. في المسيح، نعرف الله، إذ أن المسيح هو كمال الإعلانات وهدفها. فالله كلّمنا بأنواع وطرق متعدّده وكثيره (الطبيعة، الضمير، الناموس)، ولكن جميعها لم تكن كافيه. فأراد الله أخيرًا أن يكشف عن نفسه، فجاء الابن الوحيد، الذي يعرف الآب معرفة حقيقية، إذ له نفس الجوهر الذي لله الآب. فكل من رآه فقد رأى الآب، إذ هو والآب واحد. لذلك هو وحده الطريق والحق، الوسيلة والغاية. في المسيح نجد هويتنا الحقيقية، كأبناء وأحباء وليس عبيدًا أو أجراء، بل وبالأحرى شركاء للميراث الأبدي. إذ فيه تصير لنا الدالة والامتياز أن نخاطب الله وندعوه "أبانا.."، وبالتالي يحق لنا الميراث السماوي، كنعمة وعطية مجانية، يمنحها لنا الآب السماوي، لإنه إن كنا أبناء فنحن ورثة، وراثون مع المسيح. في المسيح تجد الكنيسة صخرتها القوية التي بُنيت عليها، ومنه تستمد قوتها ونصرتها. وتُبنى جذورها الثابتة التي تستند إليها، ومنه ترتوي وتفرح وتنمو. وتتحقق رسالتها، إذ المسيح رأسها الذي يهب حياته مسكوبة ومبذولة بالروح القدس العامل فيها. لنكون في المسيح، يجب أن نعرفه على المستوى الفكري (من يقول الناس إني أنا؟)، ثم نحبه على المستوى القلبي (العبادة والتسبيح والصلوات)، ثم نتحد به على المستوى السرائري في الكنيسة (الأسرار الكنسية)، ثم على المستوى الحياتي، نصير بالحقيقة مسيحيين شاهدين لنعمته وحياته فينا.
القس إبراهيم القمص عازر
المزيد
21 أكتوبر 2025
الرجل ذو اليد اليابسة
كان اليوم سبت والسيد المسيح قد دخل مجمع اليهود، والرجل يجلس في أحد الأركان، لم تلحظه سوى العيون المتربصة، عيون الفريسيين المترقبة، ينتظرون غلطة يعرفون أنها قادمة.. فيد الرجل اليمنى يابسة بلا حياة، والمعروف من خبرتهم في خلال ما يقرب من السنة أن السيد المسيح "يتحنن" على هؤلاء المرضى المُهملين، فبالتأكيد لن يعتبر للسبت، ولن يهتم بكسر هذه الوصية العظيمة من أجل هذا الرجل. لذا كانت عيونهم تتربص.. يتململون متعجلين فرصتهم في الايقاع به.الرجل.. لم يكن يرى فيهم سوى جماعتين مختلفتين: الفريسيون والكتبة، معروفون، خليط من الجدية والقسوة والغلاظة، أسرى الفروض والأحكام الدينية، أسرى الحروف والحدود! والجماعة الأخرى.. السيد المسيح وتلاميذه، فقراء بسطاء ولكنهم مازالوا يحملون قلوبًا إنسانية لحمية.وعندما طلب الرب يسوع من الرجل ذو اليد اليابسة أن يقف في الوسط (مرقس 3:3)، قام بهدوء ووقف، وهو يعلم أنه في مركز اختبار من نوع ما، مسابقة أو تحدٍ بين المجموعتين!وكسر الرب حالة الصمت بسؤال: «هَلْ يَحِلُّ فِي ٱلسَّبْتِ فِعْلُ ٱلْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ ٱلشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟» (مرقس٣: ٤)... ساد صمت!وكان هذا الصمت كالسكين الحاد يمزق كرامة الرجل ونفسيته، كان يتوقع أن يسارع أحدهم فيجيب: بالطبع يحل.. وهل يُجرَّم أحد إن تسبّب في شفاء وإنقاذ انسان؟... ولكن أحدًا لم يجب، بل صمتوا!وتغضّن وجهه من الحسرة، إذ لم يكن أحد من الفريسين أو الكتبة يعاني أيّة إعاقة أو عجز.. جميعهم أصحاء، فكيف سيشعرون بألمه أو يفهموا أمله الشديد منذ ناداه الرب يسوع! ولكن حتى ولو لم يختبروا العجز.. أما أمكنهم الشفقة؟!هل يحل فعل الشر في السبت إذًا؟ربما لهذا صمتوا، لأن جميعهم يفعلون الشر في السبت وغيره! فلا يوجد من لم يفعل الشر وإن كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض.. فهل يحلّلون الشر ويهلكون النفس لأنها طبيعة البشر، ويُحَرِّمون الخير وخلاص النفس لأنه كسر للوصية!وأكمل الرب يسوع بسؤال، ربما يستطاع أن يحرك تلك المياه الراكدة والعقول المتحجرة، منطقًا أو مشاعر. سألهم: «أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ خَرُوفٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ سَقَطَ هَذَا فِي ٱلسَّبْتِ فِي حُفْرَةٍ، أَفَمَا يُمْسِكُهُ وَيُقِيمُهُ؟» (متى11: 12). وتعاظم الألم في قلب الرجل حينما ظل الصمت باقيًا، هل يرونه أقل من خروف؟ هل يستحق الحيوان الرأفة أكثر منه؟ أم أن للخروف ثمنًا بينما هو.. لا ثمن له!ونظر الرب حوله، ربما يجد أحدًا قد تحرك قلبه، أو تفاعل عقله مع المنطق الواضح.. لا حياة لعقول تقودها الحروف القاتلة! لا روح يحيي قلوبًا متحجرة قاسية! فنظر الرب يسوع إليهم بغضب حزينًا على غلاظة قلوبهم! وقال للرجل «مد يدك». فمدها وعادت صحيحة! (مرقس٣: ٥). لم يصدق الرجل أن الحياة تدب في اليد العاجزة، ونظر من حوله مذهولًا متوقعًا نظرات حمد أو فرحة أو.. ولم يجد سوى أنهم امتلأوا حمقًا وغيظًا.. لم يرَ أحدهم اليد تتحرك، ولكنهم رأوا فرصة النوال من الرب يسوع تتسرب من أيديهم!والسيد المسيح، وهو ابن الإنسان ورب السبت، يقول لنا كما لأولئك إن السبت قد وُضِع لأجل الإنسان، فلا يصح أن ينعكس الوضع وتصبح الوصية فرصة للدوس على رقاب المحتاجين والمتألمين.
ماريان إدوارد
المزيد
27 سبتمبر 2025
إنجيل قداس عيد الصليب (يو ۱۰ : ۲۲ - ۳۸ )
عظة عيد التجديد
عيد التجديد : جاء في بعض كتب التفسير الكنسية المخطوطة أن سبب قراءة فصول إنجيل القداس المذكور فى يوم ۱۷ توت هو « أن مدينة القدس بعد صعود ربنا بنحو ثلاثين سنة كانت قد أخربت أخربها الرب على يد الروم نقمة منه لليهود صالبيه كما تقدم وأعلمهم بذلك قبل صلبه ولم تزل خرابا حتى ظهرت خشبة الصليب على يد قسطنطين ملك الروم لأنه صار ملكا مسيحيا ، وحينئذ بني المدينة من جديد لهذا يقرأ في هذا اليوم هذا الفصل الذي فيه ذكر تجديدها
تمهید :
بعد أن أعاد المخلص البصر للرجل المولود أعمى ، وبعد خطابه الشهير عن الراعى الصالح ، حضر عيد التجديد بأورشليم حيث قامت المناقشة بينه وبين اليهود كما وردت بفصل الأنجيل ، وفيها أثبت أنه المسيح ، وأنه واهب الحياة ، وأن معجزاته خير دليل على ألوهيته :
ييوع هو المسيح :
وكان عيد التجديد فى أورشليم وكان شتاء وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سلمان فاحتاط به اليهود وقالوا له إلى متى تعلق أنفسنا إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرا أجابهم يسوع إنى قلت لكم ولستم تؤمنون . الأعمال التي أعملها بأسم أبي هي تشهد لي ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافى كما قلت لكم .
كان الملك أنطيوخوس الرابع الملقب أبيفانوس الذي حكم الشام من ١٧٤ - ١٦٤ ق.م قد استولى على مدينة بيت المقدس وخربها وقتل أربعين ألفا من يهودها ، وباع منهم مثل هذا العدد ، وذبح خنزيرة على باب الهيكل لينجسه ولكن زعيم المعارضين له وهو يهوذا المكاني قام بتعيين ( عيد التجديد ) تذكارا لتطهير الهيكل من النجاسة التي أصابته على يد أنطيوخوس الطاغية وهذا العيد هو الذي سماه يوسيفوس المؤرخ "عيد الأنوار " لكثرة المصابيح التي كانت توقد فيه ، وكانت مدته ثمانية أيام تبدأ في ١٥ كانون الأول الذي يوافق شهر كيهك تقريبا ، وكان يقضيها اليهود في فرح شامل وبسبب برد الشتاء في ذلك العيد كان السيد يتمشى في رواق سليمان لأنه كان مسقوفا فحدث أن أحاط به اليهود ، وقيل الكتبة والفريسيون ، وسألوه إن كان حقا هو المسيح المنتظر حتى يزول ارتيابهم وتنقضى حيرتهم والواقع أنهم كانوا غير مخلصين في طلبهم إذ كانوا يقصدون أن يعترف بأنه المسيح لكي يشتكوا عليه بدعوى التجديف وقد أوضح السيد في إجابته أنه أعلن لهم غير مرة أنه المسيح المنتظر وذلك حين قال « أنا نور العالم » ، و« أنا الراعي الصالح ، و أنا ابن الله ) ، ولكنهم كانوا يتعامون عن ذلك ولا يصدقونه ، ثم أشار إلى معجزاته التي يصنعها بسلطان أبيه وأنها كانت كافية لحملهم على تصديقه ،ومع ذلك أصروا على عدم التصديق حسدا وكبرياء ، لأنهم ليسوا من خرافه التي تسمع صوته وتطيعه .
وهو واهب الحياة :
خرافي تسمع صوتى وأنا أعرفها وتتبعنى وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدى أبى الذى أعطاني إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبى أنا والآب واحد .
ثم استطرد المخلص يبين لهم ما يناله المؤمنون به من نعم فقال إن خرافه تطيعه وتحبه وتقبل تعاليمه ، وهو بدوره يحبها ويسد احتياجاتها ويعزيها في أحزانها وينقذها من تجاربها وهى تسير فى خطواته وتتكل عليه فيمنحها حياة دائمة ، فتنعم برضا الله في هذا العالم ،وبالأمجاد السماوية في العالم الآخر ،وهي لن تهلك بعذاب النار كالأشرار ،ولن يجتذبها أحد إلى الخطية فتبعد عنه ،ولا تقوى على خدعها حيل الأبالسة ،وفصاحة المضلين ،وسطوة المضطهدين وظلمهم كل ذلك لأن الآب هو الذي أعطاه إياها وبما أنه لا قدرة لأحد على انتزاعها من يد الآب كذلك لا يستطيع انتزاعها من يد الابن ، لأن الآب والابن واحد في الجوهر والمجد والقوة وسائر الكمالات الألهية.
اتهام بالتجديف :
فتناول اليهود أيضا حجارة ليرجموه أجابهم يسوع أعمالا كثيرة حسنة أريتكم عند أبى . بسبب أي عمل منها ترجموني أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف فأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها .
لم يقتنع اليهود عند سماع ذلك بأنه المسيح ، وتناولوا حجارة ليرجموه ، مما دل على أنهم كانوا غير مخلصين في السؤال الذي وجهوه إليه ولكنه غل أيديهم بقدرته فلم يتمكنوا من تنفيذ قصدهم ثم شرع يتساءل عن سبب محاولتهم رجمه وقد أتى بينهم أعمالا حسنة كثيرة ، كشفاء المرضى وتطهير البرص وفتح أعين العميان وإقامة المقعدين والموتى ، وما إلى ذلك من عجائب عملها بسلطان أبيه ، وبرهن بها على وحدته معه ، وليس فيها شر يستوجب الرجم فراحوا يبررون محاولتهم الشريرة بقولهم أنه جعل نفسه إلها ، وهذا في نظرهم يعد تجديفا .
معجزاته دليل ألوهية :
أجابهم يسوع أليس مكتوبا في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله . ولا يمكن أن ينقض المكتوب فالذى قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له أنك تجدف لأني قلت إنى ابن الله إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي ولكن إن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه .
بادر السيد بدحض تهمة التجديف التي وجهت إليه فبين في دليله الأول أنه جاء في المزمور قول الله عن القضاة عقب موت يشوع بن نون تطرق الوهن إلى نفوس بني إسرائيل واختلت أمورهم وغرقوا فى شرورهم وأعرضوا عن إلههم فسمح الله لأعدائهم بأذلالهم ولكن رحمته الواسعة كانت تمتد إليهم كلما دعوه لدفع مكروه حل بهم فكان يقيم لهم قوادا ينقذونهم من أعدائهم المحيطين بهم ،وهؤلاء القواد هم القضاة وكانت سلطتهم في الغالب تنتهي بانتهاء الأزمة التي دعت إلى قيامهم وبلغ عددهم خمسة عشر قاضيا وأشهرهم باراق وجدعون ويفتاح وشمشون وعالى وصموئيل النبي « أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلى كلكم » ( مز ٦:٨٢ ) ، وذلك لسموهم في المنزلة عن غيرهم ، ولأن كلمة الله "صارت اليهم " أى أوحى الله بكلامه إليهم ،وأعطاهم سلطانا أن يقضوا باسمه ، وهذا الذي كتب لا يمكن إبطال حرف منه بل يجب قبوله باحترام وبما أنه جاز تسمية هؤلاء آلهة وهم بشر ، دون أن يعد ذلك تجديفا فمن باب أولى لا يكون السيد مجدفا إن سمى نفسه ابن الله ، وهو حقيقة ابنه الأزلي الذي أرسله لخلاص العالم وأما الدليل الثاني فاستمده المخلص من عجائبه فأوضح أن اليهود لا يطالبون بالإيمان به إن لم يكن قد صنع عجائب لا يستطيع أن يعملها إلا الله أما وقد صنعها فلا مندوحة لهم عن الإيمان بها ما داموا بتعنتهم وكبريائهم لا يؤمنون به وهذه المعجزات لا تترك مجالا للشك في أنه والآب واحد ، وأن الاتحاد بينهما تام والمساواة كاملة.
المتنيح الارشيذياكون بانوب عبده
عن كتاب كنوز النعمة الجزء الاول
المزيد
27 مايو 2025
كيف نعيش روحانية عيد الصعود؟
من أبعاد عيد الصعود تنبع روحانية الصعود متكاملة، مؤسسة على الرجاء، لأنها تجعل المسيحي يحيا منذ الآن في حقيقة العالم الجديد الذي يملك المسيح فيه. إن على المسيحيين وهم في انتظار تلك الساعة، أن يظلوا متَّحدين بفضل الإيمان وأسرار الكنيسة، بسيدهم الممجّد. فعليهم أن يسعوا " إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله"، لأن "حَياتُهم مُحتَجِبةٌ معَ المسيحِ " (قولسي 3: 1-3)، ومدينتهم كائنة في السماوات (فيلبي 3: 20). والبيت السماوي ينتظرهم (2 قورنتس 5: 31) هو المسيح المُمجّد نفسه (فيلبي 3: 21)، "الإنسان السماوي" (1 قورنتس 15: 45-49) على أن المسيحي ليس لذلك فقط أن يكون منسلخاً عن العالم، بل له رسالة على أن يحيا فيه بطريقة جديدة، وهي تحرك العالم نحو المجد الذي يدعوه الله إليه. في هذا العصر تزايد اضطهاد المسيحيين أكثر من أي عصر مضى. لكن العداء والخطيئة والخوف والرعب والمعاناة على الأرض ليس لها الكلمة الأخيرة. سيعود يسوع بالمجد والبهاء ويُضفي سيطرة على ممالك هذا العالم الصعود عيد يسوع نعترف به مسيحاً، نعترف به ربّاً ارتفع ليجتذب الجميع ويصل كلمته إلى العالم كله. ومن هنا علينا أن نتابع كرازة الإنجيل كما أوصانا الرب "إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض، فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 18-20) التلاميذ لم يعيشوا كل الأيام في حين الكنيسة تدوم إلى الأبد (أعمال 1: 4-9). وعلينا أن نعلن انتظارنا لمجيئه الثاني. إنه سيأتي كما صعد، لذلك انتظار مجيء المسيح عقيدة موجودة في قانون الإيمان "ننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين" ومع الليتورجيا السريانيّة نردد "يوم ولادته، فرحت مريم؛ يوم مماته، تزلزلت الأرض. يوم قيامته، تزعزعت ظلمات الجحيم؛ يوم صعوده، اغتبطت السماوات. فليتبارك صعوده!". والقديس ابيفانوس يقول: أن هذا اليوم هو مجد بقية الأعياد وشرفها لأنه يتضح أن الرب أكمل في هذا العيد عمل الراعي العظيم (لوقا 15/ 4-7). فالكنيسة تدعونا لتحمل مسؤولية الشهادة لرسالة الإنجيل التي تركه لنا السيد المسيح وإعلانها بعون الروح القدس وإرشاداته. فليؤيدنا الرب للقيام بمسؤوليتنا، وشهادتنا كلٌ في موقعه وحسب طاقاته كي نواصل الرسالة التي بدأها يسوع فنصير ليسوا شهود عياّن كالجماعة المسيحية الأولى بل شهود عنه بالإيمان.
في أي مزار يُحيي المؤمنون ذكرى صعود الرب؟
بُني مزار على قمة جبل الزيتون في القدس كي يُحيي صعود الرب يسوع إلى السماء. إذ يروي لوقا الإنجيلي أن السيد المسيح – بعد أربعين يوماً من قيامته “خَرَجَ بِهم إِلى القُرْبِ مِن بَيتَ عَنْيا، ورَفَعَ يَدَيهِ فبارَكَهم. وبَينَما هو يُبارِكُهم اِنفَصَلَ عَنهم ورُفِعَ إِلى السَّماءِ "(لوقا 24/ 50 -52 أعمال الرسل 1/ 1-12) وفي عام 378 شيّدت بومينا إمراء تقية من عائلة الإمبراطور كنيسة بيزنطية عرفت باسم “امبومن” أي “على المرتفع”. وهي عبارة عن بناء مستدير الشكل بلا سقف ليدل الجميع على طريق السماء تتوسطه الصخرة المباركة حيث ارتفع المخلص تاركاً أثر قديمة الطاهرتين. وأرضيتها مرصوفة بالفسيفساء في عام 614 دمّر كسرى ملك الفرس مزار الصعود. وبعد سنتين قام البطريرك مودستس بترميم الكنيسة. وإبان الفتح العربي عام 638 حافظ المسلمون على الكنيسة. ولكن السلطان الفاطمي الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز أمر بهدم الكنيسة عام 1009 وفي القرن الثاني عشر بنى الصليبيون كنيسة مثمنة الشكل فوق أنقاض الكنيسة المهدمة ويتوسطها بناء مستدير يحوي مذبحاً تحته صخرة تشير إلى موقع صعود الرب وفي عام 1187 هدم صلاح الدين الأيوبي الكنيسة ولم يبق سوى المزار الصغير المثمن الشكل في وسط الساحة. وتحوّلت ممتلكات الكنيسة إلى وقف إسلامي عام 1198. ويعلو المزار قبة أقامها المسلمون عام 1200 ولم يُنصب على القبة صليب أو هلال بل عمود رخامي ليشير أن المزار هو مكان صلاة لجميع المؤمنين. اذ يؤيد القرآن الكريم رواية الصعود بقوله “إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ (سورة آل عمران 55) يذهب الآباء الفرنسيسكان والطوائف الأخرى: الروم الأرثوذكس والأرمن والأقباط والسريان كل سنة في عشية عيد الصعود إلى هذا المقام الشريف فيقضون الليل هناك تحت الخيام، ثم يجتمع الشعب في صباح العيد لحضور المراسيم الدينية وتلاوة التسابيح وصلاة المزامير. ويجدر بنا أن نورد ما تأمله يوما القديس أوغسطينوس “هنا عاش المسيح. هنا أثر قدميه الطاهرتين فلنؤدي له الإكرام حيث أراد أن يقف في المكان الأخير. ومنه صعد إلى السماء وأرسل تلاميذه إلى العالم”. ولنتذكر ما وعدنا به الرب: “وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم” (متى 28/ 20).
الأب لويس حزبون - فلسطين
المزيد