المقالات

04 مارس 2024

ذبيحة الصوم

ما هو تعريف الصوم؟ الصوم هو انقطاع عن الطعام لفترة من الزمن، وبعد ذلك نأكل أكلاً بسيطًا خاليًا من الدسم الحيواني من هذا التعريف البسيط يتّضح لنا أنّ الصوم ليس مجرد تغيير بعض الأطعمة الحيوانيّة بأخرى نباتيّة، ولكنّه أولاً انقطاع عن الأكل، وإمساك البطن جيّدًا، وضبط شهوة الطعام فينا. لماذا نُسمِّي الصوم ذبيحة؟! لأنّنا كما أنّنا نقدِّم في عبادتنا لله ذبائح روحيّة مثل الصلاة والتسبيح والعطاء وطاعة الوصيّة، فإنّ الصوم أيضًا هو ذبيحة حُبّ روحية، فيها تضحية عظيمة المقداربمعنى أنّه: 1- في الصوم يذبح الإنسان إرادته الشهوانية ناحية بعض الأطعمة المُحبّبة اللذيذة، التي تجعله أحيانًا يغرق في الجسديات. 2- في الصوم يقدّم الإنسان جزءًا من لحمه ذبيحة للمسيح، فمثلاً: قد يبدأ الصيام بوزن معيّن لجسده، وينتهي من الصيام بوزن أقلّ! فكأنّه من أجل محبته للمسيح يكون قد قدّم له بعضًا من لحمه كذبيحةٍ له! 3- الصوم يساعد على ضبط الجسد؛ فتستطيع الروح أن تنطلق، وتنتعش، وتنمو. ما هي فوائد الصوم في حياتي؟! 1- يدرّبني على ضبط النفس، وهي صفة هامة ومفيدة، إذ تحميني من كثير من الأخطاء والأخطار، وتجعلني محبوبًا، قويًّا، متعفِّفًا، وناجحًا في أعمالي. 2- يعلمني الصبر وهي صفة أساسية ولازمة للخلاص، فالذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص (مت13:24)، والذين يصمدون في الإيمان، ومحبة المسيح إلى النهاية هم الذين سينالون الفرح، والمجد الأبدي. 3- يحفظني من الشَرَه، والنَهَم، وهي عادات مُضِرَّة، ومكروهة. 4- هو شركة آلام مع المسيح.. فألم الجوع والحرمان هما تَقدِمَة ومشاركة حُبّ بسيطة مع الربّ يسوع في آلام صليبه وإن كنا نتألم معه فبالتأكيد سوف نتمجّد معه (رو17:8). 5- يعطيني الفرصة أن أنطلق بروحي مع ضبط جسدي بالصوم وعندما تنطلق الروح بالصلاة والقراءة والتأمُّل تتمتع بالمسيح أكثر فيمتلئ قلبي بالسعادة إذ تتحقق فيّ كلمات الإنجيل؛ أنّ "اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام" (رو6:8). 6- يمنحنّي قوّةً وانتصارًا على عدو الخير فالصوم مع الصلاة قوّة ضاربة ضدّ الشيطان وحروبه كما علّمنا ربّنا يسوع المسيح أنّ جنس الشياطين لا يتمّ التغلُّب عليه إلاّ بالصوم والصلاة (مت17: 21). كيف أقدم ذبيحة الصوم؟ 1- المحبة هي الأساس أضع محبّة المسيح أمام عينيّ، وأحتمل من أجله الجوع، والعطش، وأقدّمهما ذبيحةً له. 2- فترة الانقطاع هي عنصر رئيسي في الصوم أحتاج أن أتفق عليها مع أب اعترافي، وألتزم بها. 3- من المهم الانتباه لصوم الفم واللسان والفكر والحواس عن الخطيّة وليس فقط صوم البطن. 4- الأصوام الكنسية بركة كبيرة لا ينبغي أن أهملها أبدًا بأيّ حُجّة تافهة. 5- من الضروري أن يكون الصوم مصحوبًا أيضًا بالصلاة، والتغذية الروحيّة بوجه عام، من قراءة وقُدّاسات وتسابيح.. الصوم والصحّة الجسديّة: مؤكَّدٌ إنجيليًا وعِلميًا أن الصوم ليس عملاً من أجل الصِّحّة الجسدية! فداود النبي يقول"ركبتاي ارتعشتا من الصوم، ولحمي هُزِلَ عن سِمَنٍ" (مز24:109) "أَذللتُ بالصوم نفسي" (مز13:35) "أبكيتُ بصوم نفسي، فصار ذلك عارًا عليَّ" (مز10:69). ومعروفٌ عِلميًا أن الطعام الصيامي يفتقر إلى بعض الأحماض الأمينية الأساسية Essential Amino Acids التي لا توجد إلاّ في البروتين الحيواني.وعلى هذا فالصوم حقيقةً يُضعِف الصحّة بمقدارٍ ما، ويجب أن نكون على وعيٍ بهذا ولكن، هذا الأمر يكون مُزعِجًا فقط للجسدانيين، الذين ينظرون للصوم كعمل جسدي فقط، وليس عملاً روحيًا وذبيحة حُبّ نقدّمها للمسيح الصوم هو عمل محبّة من الدرجة الأولى، وجانب لذيذ من تذوُّق الصليب في حياتنا فنحن نصوم ونقدِّم أجسادنا كذبيحة طاهرة، لكي نُحسَب أهلاً أن نَحمِل في جسدنا إماتة الربّ يسوع، وبالتالي تظهر حياة يسوع مُشرقةً في جسدنا المائت (2كو4: 10-11) لذلك ما أجمل أن ينتهي الصوم بالتناول من الأسرار المقدّسة، فبالشّركة في الجسد والدم الطاهرين تَكمُل ذبيحتنا ويُتوَّج بذلنا، بهذه الشركة المجيدة مع المسيح المذبوح لأجلنا، الذي ذُبِحَ واشترانا لله أبيه (رؤ5: 9) ما أروع أن يكون الحُبّ متبادَلاً بهذه الصورة! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
23 يناير 2024

بمناسبة عيد عُرس قانا الجليل

مقتطفات من تعليقات بديعة للقديس كيرلّس الكبير على معجزة: تحويل الماء إلى خمر في عُرس قانا الجليل + يأتي الربّ في وقت مناسب جدًّا ليبدأ المعجزات، رغم أنّ الذين دعوه لم يكُن لديهم هذا الهدف..! + عندما دُعِيَ هو، جاء مع تلاميذه، لكي يصنع المعجزة، لا لكي يتمتّع بالاحتفال معهم، ولكن بشكل خاصّ جاء لكي يقدّس بداية ميلاد الإنسان، وأنا أعني ميلاده حسب الجسد. لقد كان يليق بمن جاء لكي يجدّد طبيعة الإنسان، وأن يعيدها إلى ما هو أفضل، ليس فقط أن يبارك الذين كانوا موجودين قبلاً (الحاضرين)، وإنّما أيضًا أن يهيِّئ نعمةً مُقدَّمًا للذين سوف يولَدون (كثمرة لذلك الزواج)، ويجعل مجيئهم إلى العالم مقدّسًا. + المخلّص هو محبّ البشر.. هو فرح وسعادة الكلّ.. أَكرَمَ الزواج بحضوره، لكي يزيل اللعنة القديمة الخاصّة بإنجاب الأولاد. + جاء مع تلاميذه إلى العُرس. لقد كان ضروريًّا حضور مُحبِّي المعجزات مع صانع المعجزات، لكي يسجّلوا معجزاته، فتصبح كطعام يغذّي إيمانهم. + لم تأتِ ساعتي بعد.. هو لا يريد أن يتسرّع في القيام بشيء، لأنّه لا يريد أن يَظهر كصانع المعجزات من تلقاء ذاته، بل ينتظر حتّى يدعوه المحتاجون، وليس الفضوليّون. فهو يعطي النعمة لمن يحتاج، وليس لمَن يريد أن يتمتّع فقط بالمشاهدة..! + يريد المسيح أن يؤكِّد على الإكرام العميق للوالدين، فقد قبل طلب أمّه إكرامًا لها، رغم أنّه لم يكُن يريد القيام بالمعجزة في تلك الساعة. + كان لأمّه تأثير عظيم في القيام بهذه المعجزة، وقد تمّت إرادتها، لأنّها طلبت من الرب ما يليق بها كأمّه وهو كابنها. وبدأت تعمل بأن هيّات الخدَم لكي يجتمعوا، لإطاعة ما سيأمُر به. + لقد نزل كلمة الله من السماء، لكي يصير عريسًا للطبيعة الإنسانيّة، فأخذها وجعلها خاصّة به، لكي يجعلها تلد ثمار الحكمة الروحيّة. ولذلك دُعِيَت الطبيعة الإنسانيّة العروس، والمُخَلِّص دُعِيَ العريس.. + لم يأتِ المُخلِّص إلى العُرس من تلقاء نفسه، بل بدعوة، وإلحاح أصوات القدّيسين. ولكنّ الخمر فرغَت، ولم يعُد لدى المحتفلين منها أيّ شيء، لأنّ الناموس لم يكمّل شيئًا، إذ أنّ الوصايا الناموسيّة لم تهب الفرح، ولم يستطِع الناموس الطبيعي المغروس فينا أن يخلِّصنا. ولذلك من الصواب أنْ نقول أنّ عبارة "ليس عندهم خمر" قد قيلَت عنّا نحن أيضًا. ولكن صلاح الله وغِناه لا ينضُب، ولا يمكن أن يعجز أمام احتياجاتنا.. + لقد أعطانا "خمرًا" أفضل من الخمر الأوّل "لأنّ الحرف يقتل ولكنّ الروح يُحيي" (2كو3: 6). فالناموس لم يكمّل شيئًا، ولم يُعطِ الخيرات، ولكنّ التعليم الإلهي للإنجيل يُعطي البركة الكاملة. [عن تفسير إنجيل يوحنا للقدّيس كيرلّس السكندري - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد وآخرون] القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
16 يناير 2024

تأملات ومعاني في عيد الختان

تحتفل الكنيسة كل عام بعيد ختان ربنا يسوع المسيح، في اليوم الثامن لميلاده (6 طوبة).. وقد قبل السيِّد المسيح الختانَ في جسده، لكي يتمِّم الناموس عن الإنسان الذي عجز عن تنفيذ أغلبيّة وصايا الناموس.. وهكذا خاض المسيح بنجاح كلّ خطوات المسيرة التي كان على الإنسان أن يجتاز فيها، لكي يبارك هذه المسيرة للإنسان، ويعاونه على اجتيازها بنجاح.. + إذا عُدنا بالتاريخ إلى الوراء، نجد أنّ بداية الختان كانت مع أبينا إبراهيم.. إذ أمرَه الربّ أن يُختَتَن وهو في التاسعة والتسعين من عمره (قبل ميلاد إسحق بسنة).. ليكون هذا العمل عهدًا بالدم في لحمه ولحم نسله من الذكور.. فختَنَ إبراهيم نفسه، وختَن إسماعيل، وختن كلّ عبيده.. ثم ختن إسحق بعد مولده.. تنفيذًا لقول الرب: "هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم، وبين نسلك من بعدك، يُختَن منكم كل ذَكَر، فتُختَنون في لحم غرلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم.. ابن ثمانية أيام يُختَتَن منكم كل ذكَر في أجيالكم.." (تك17).. وهنا يظهر أيضًا بوضوح أنّ عمليّة الختان كانت تخصّ الذكور فقط، ولا توجَد أدنى إشارة لما سُمِّيَ فيما بعد بختان الإناث. + نعود لشريعة الختان.. ونلاحظ أن عمليّة الختان هي عهد (وقد تكرّرَت كلمة "عهد" في ذلك الأصحاح 10 مرّات).. فالله دائمًا يريد أن يدخل معنا في عهد.. عهد محبّة وعهد حياة. ولأنّ الدمّ يشير إلى الحياة، فكانت عهود الله مع الإنسان دائمًا بالدم.. كما أن الختان يتمّ بقطع غُلفة لحميّة من على عضو التناسل، الذي ينقل الحياة من جيل إلى جيل.. فمن اختيار الله لهذه العملية لتكون هي علامة العهد، نتأكَّد أن الله يريد يكون العهد بيننا وبينه هو عهد حياة، يهبها لنا، لنتمتّع بها معه.. + ونلاحظ أيضًا أن الختان كان يتمّ في اليوم الثامن لمولد الصبي، كما أنّه في هذا اليوم يأخذ الطفل اسمه الجديد.. واليوم الثامن يشير إلى الحياة الجديدة، فبعد اكتمال أيام الأسبوع السبعة يأتي الأسبوع الجديد في اليوم الثامن.. وفي اليوم الثامن أيضًا قام المسيح من الأموات، ليهبنا حياة أبديّة فيه.. وهنا إشارة واضحة أنّه بالختان يبدأ الإنسان حياة جديدة وعهدًا جديدًا، باسم جديد وعلاقة جديدة مع الله. + مبكِّرًا جدًّا في العهد القديم، لفت الله نظر شعبه إلى المعنى الروحي العميق للختان، وهو إزالة الخطيّة التي تفصلنا عن الله.. فالخطيّة هي الغرلة أو الغُلفة التي تحجز الإنسان عن التواصُل مع الله والانسجام معه.. ولذلك فإنّ إزالة هذه الغُلفة أمر واجب وأساسي، لاستعادة الشركة مع الله..! قد تكون الغُلفة على العين فلا ترى الله ولا الأمور الروحيّة، وقد تكون على الأُذُن فلا تسمع صوت الله، وقد تكون الغُلفة على القلب فلا يحسّ بالله ولا يتلامس مع محبّته.. وهناك نصوص كثيرة جميلة في العهد القديم تؤكِّد هذا المعنى، منها: * "اختنوا غرلة قلوبكم، ولا تُصَلِّبوا رقابكم بعد" (تث10: 16). * "..ويختن الرب إلهك قلبك وقلب نسلك، لكي تحبّ الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك لتحيا" (تث30: 6). * "أذنهم غلفاء فلا يقدرون أن يصغوا..." (إر6: 10). * "كل بيت إسرائيل غُلف القلوب" (إر9: 26). لذلك يؤكِّد معلّمنا بولس الرسول بالروح القدس أنّ "ختان القلب بالروح.. هو الختان" (رو2: 29). + على المستوى المسيحي في العهد الجديد، نجد أنّ الختان الجسدي لم يعُد له أيّة قيمة دينيّة.. لأنّه كان رمزًا للعهد الذي تحقّق كاملاً بدم المسيح على الصليب.. ومن هنا فقد بطلت كلّ الرموز القديمة باستعلان الحقيقة في المسيح.. ولكن بقِيَ المعنى الروحي للختان. وتؤكِّد هذا المعنى نصوص عديدة في الإنجيل، منها: * "ليس الختان شيئًا، وليست الغرلة شيئًا، بل حِفظ وصايا الله" (1كو7: 19) * "في المسيح يسوع، لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبّة" (غل5: 6). * "في المسيح يسوع، لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة، بل الخليقة الجديدة" (غل6: 15). + من المهم أن نعرف أيضًا أنّ الختان في العهد القديم كان رمزًا للمعموديّة في العهد الجديد، وهذا ما شرحه بوضوح القديس بولس الرسول بالروح القدس في رسالته إلى أهل كولوسي: "وبه (بالمسيح) أيضًا خُتِنتم ختانًا غير مصنوع بيد، بخلع جسم خطايا البشريّة بختان المسيح. مدفونين معه في المعموديّة، التي فيها أُقِمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات. وإذ كنتم أمواتًا في الخطايا، وغَلَفِ جسدكم، أحياكم معه مُسامحًا لكم بجميع الخطايا" (كو2: 11-13).. فبالمعموديّة قد خلعنا عنّا غُلفة الخطايا ولبسنا برّ المسيح..! + إن كان الختان في العهد القديم هو دخول في عهد وشركة مع الله، وبدون الختان لا يمكن التمتّع بمزايا هذه الشركة.. هكذا في العهد الجديد بدون المعموديّة لا يمكن الدخول لبقيّة الأسرار، والتمتُّع بشركة الروح القدس.. فنرى مثلاً أنّه في أحداث خروف الفصح كانت وصيّة الله: "كل عبد رجل مبتاع بفضّة تختنه ثم يأكل منه... أمّا كلّ أغلف فلا يأكل منه" (خر12: 44، 48).. هكذا لا يمكن لمَن لم يدخل في عهدٍ مع الله بالمعموديّة أن يتقدّم للتناول من الأسرار المقدّسة، التي هي خروف الفِصح الحقيقي المذبوح لأجل خلاص العالم (1كو5: 7). + على المستوى الروحي الشخصي.. ختان القلب بالروح (رو2: 29) هو جرح القلب بمحبّة المسيح، عن طريق الروح القدس، فتصير النفس مجروحة بالحُبّ الإلهي.. إذ أنّ الختان يتمّ عن طريق جرح يُعمَل في الجسد..! + عندما ناول السيّد المسيح الكأس، قال لهم: هذا هو العهد الجديد بدمي، أو هذا هو دمي الذي للعهد الجديد.. وهذا يعني أنّ تناولنا من الدم الإلهي كفيل بأن يجرح قلبنا بمحبّة المسيح الذي سفك دمه من أجلنا، حتّى أنّ القديس بولس الرسول يقول أنّ محبّة المسيح قد أنسكبت (سُفِكَت) في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا (رو5). + إذا كان الختان في العهد القديم بجرح صغير في الجسد، لخلع غُلفة صغيرة، من أجل الارتباط بالله.. فإنّ ختان المسيح في العهد الجديد بالمعموديّة يتمّ فيه خلع جسم الخطيّة بالكامل عن طريق الموت مع المسيح، أو الشركة في موت المسيح، فنقوم معه في خليقة جديدة، ونحيا للبِرّ (رو6).. ولذلك في احتفالنا بعيد الختان، يلزمنا أن نجدِّد عهد المعموديّة بالتوبة.. فنقطع من حياتنا كل خطيّة تفصلنا عن الله، أو تحجز النعمة عن التدفُّق لحياتنا.. ونصلِّي من الأعماق أن يستخدم الله سِكِّين كلمته ليختن قلوبنا وحواسّنا، فتعود لها براءتها ونقاوتها الأولى، وتصير مؤهَّلة للتمتُّع بالشركة مع الله. + أخيرًا.. جاء في نبوءة إرميا (ص31)، التي استشهد بها ق. بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين: "هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، حِينَ أُكَمِّلُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. لا كَالْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ لأخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَهْدِي، وَأَنَا أَهْمَلْتُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا" (عب8: 8-11). وهنا تأتي كلمة "أكتبها" حرفيًّا "أحفرها".. فهذا هو مضمون العهد الجديد، أن تكون الشريعة محفورة في قلوبنا، وهذا يتمّ بدم المسيح الذي للعهد الجديد.. فدم المسيح هو الذي يحفر الشريعة الجديدة داخل قلوبنا.. وما هي الشريعة الجديدة سوى وصيّة المحبّة التي أعطاها لنا المسيح، أن نحبّ بعضنا بعضًا كما أحبّنا هو، وبذل نفسه لأجلنا..! + من أجل هذا يقول ق. بولس الرسول: "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا. وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لا لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ" (2كو5: 14-15). فمحبّة المسيح قد جَرحت قلوبنا، فلا نستطيع بعد الآن أن نعيش لأنفسنا، بل لمن أحبّنا وحاصرنا بحبّه.. لذلك في عيد الختان، نذكُر حُبّ المسيح الذي جرح قلوبنا، فتعلّقنا به، وأحببناه، ونجري وراءه مسبّحين إيّاه إلى الأبد..! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
09 يناير 2024

ترتيب أحداث الميلاد

حفلت الفترة الأولى لحياة السيّد المسيح على الأرض، بداية من ميلاده في بيت لحم حتّى سُكناه في الناصرة، بمجموعة متتالية من الأحداث.. أحاول في هذا المقال ترتيبها بحسب توقيت حدوثها ومكانها في عشرِ محطّات، بحسب نصوص الإنجيل (لوقا2، ومتّى2)، وهي أهمّ مرجع لنا، وبالاستعانة أيضًا ببعض الأحداث المُثبَتَة في التاريخ: 1- ميلاد السيّد المسيح ليلاً في المذود في قرية بيت لحم. 2- زيارة الرعاة للرب يسوع ليلاً في المذود، بُناءً على ظهور الملائكة لهم في نفس ليلة الميلاد. 3- ختان السيّد المسيح بعد ثمانية أيّام من ميلاده، وهذا حدث غالبًا في أحد البيوت التي انتقلوا إليها بقرية بيت لحم. فبعد أن سمع الناس كلام الرعاة العجيب عن المولود المسيح المُخلّص وظهور الملائكة، قامت إحدى الأُسَر في بيت لحم باستضافة العائلة المقدّسة.. حيث أنّ المذود أيضًا لم يكُن مكانًا مهيّأً بالمرّة لإقامة أي أسرة أكثر من يومٍ أو اثنين..! 4- دخول السيّد المسيح الهيكل بأورشليم بعد أربعين يومًا من ميلاده. ونلاحظ هنا أنّ العائلة المقدّسة لم تعُد سريعًا إلى الناصرة حيث مكان إقامة وعمل القديس يوسف النجّار لأنّ المسافة كبيرة بينها وبين بيت لحم (حوالي120 ميل - 192 كم)، فبدلاً من الذهاب للناصِرة ثمّ العودة في وقت قصير مرّة ثانية للهيكل بأورشليم، فَضَّلوا الانتظار في ضيافة الأُسرة المباركة التي كانوا يقيمون لديها في بيت لحم حتّى يتمّ طَقس التطهير في أورشليم القريبة من بيت لحم (حوالي 6 أميال - 9 كم) وبعد ذلك يعودون نهائيًّا للناصرة. 5- حضور المجوس لزيارة الرب يسوع والسجود له في بيت لحم، بعد أن أرشدهم النجم إلى مكان البيت الذي كان الطفل يسوع يقيم فيه. ويبدو أنّ العائلة المقدّسة بعد انتهائها من إتمام طقوس التطهير في الهيكل بأورشليم، عادت لتجمع متعلّقاتها التي تركتها في بيت لحم، وتنتظر مرور يوم السبت، ثمّ تسافر إلى الناصرة.. وهنا كانت زيارة المجوس لهم في هذا التوقيت، أي مباشرةً بعد أربعين يومًا من ميلاد السيّد المسيح. 6- الذهاب إلى أرض مصر في نفس ليلة زيارة المجوس، بحسب أمر الملاك للقدّيس يوسف. 7- قتل أطفال بيت لحم الذكور من ابن سنتين فما دون بواسطة هيرودس الملك. وعددهم كان أقلّ من مائة طفل، إذ أنّ عدد سكّان قرية بيت لحم في ذلك الزمان لم يكُن يتجاوز عشرة آلاف نسمة على أقصى تقدير. 8- موت هيرودس الملك في فصل الربيع بعد أسابيع قليلة من قتله للأطفال.. وهذا معروف ومُسجَّل في كُتُب التاريخ. 9- العودة من أرض مصر بحسب أمر الملاك للقديس يوسف بعد موت هيرودس. وبهذا تكون العائلة المقدّسة قد قَضَتْ في مصر أيّامًا ليست بالكثيرة، ولكنّها كانت كافية لمباركة ربوع أرض مصر الطيّبة، وتهيئتها لتسكُن فيها خميرة الإيمان والقداسة والبركة للعالم كلّه. 10- الذهاب إلى الناصرة، بحسب أمر الملاك أيضًا للقديس يوسف النجّار، حيث عاد القديس يوسف إلى بيته وعمله هناك. * تعليقات وتوضيحات: جاءني مجموعة استفسارات حول الموضوع يسعدني أن أجيب عليها.. * حول النقطة الأولى: + البعض يتساءل لماذا نفترض أنّ ميلاد المسيح كان ليلاً.. والإجابة أنّنا نفهم هذا من إنجيل معلّمنا لوقا الأصحاح الثاني، عندما جاء الملاك للرعاة وهم يحرسون حراسات الليل (لو2) فليس من المنطقي أن يولَد المسيح بالنهار، ثم ينتظر الملاك عِدّة ساعات ليأتي ويبشِّر الرعاة في منتصف الليل!! + هناك من يتساءل من أين عرفنا أنّ ميلاد السيّد المسيح كان في فصل الشتاء.. والحقيقة أنّ هذا تقليد مُسلّم منذ بدء المسيحيّة وموجود في جميع الكنائس التقليديّة. + تقول بعض الآراء أنّ رعي الأغنام يتمّ في الصيف وليس في الشتاء.. ولكن الحقيقة أنّ رعي الأغنام هو عمل منتشر جدًا في أرض إسرائيل، ولا يتوقّف طول العام صيفًا أو شتاءً، والأغنام التي تتربّى في الشتاء هي التي يتمّ تجهيزها لموسم الفصح الذي يأتي في فصل الربيع. * حول النقطة الرابعة: + يتساءل البعض، لماذا وَضعتُ في ترتيب الأحداث زيارة المجوس للطفل يسوع المولود بعد ذهاب العائلة المقدّسة للهيكل؟ وليس قبل ذلك؟ والإجابة أنّه في نفس يوم زيارتهم للطفل يسوع مساءً، جاء الملاك ليوسف في حلم وأمره بالذهاب لمصر، فقام في نفس الليلة وسافر لمصر.. فإذا كانت زيارة المجوس قبل ذهاب العائلة المقدّسة للهيكل فمتى سيذهبون للهيكل؟! + نلاحظ هنا نقطة هامّة؛ أنّ العائلة المقدّسة لا تستطيع المكوث في بيت لحم لفترة طويلة، إذ ليس لهم فيها بيت خاص بهم، أو عمل يمكن أن يكون موردًا للرزق.. فبيت يوسف وعمله في الناصرة، وهم ضيوف في بيت لحم.. بالتالي لم يكُن من المناسب أن يمكثوا في بيت لحم مُدّة أكثر من الأربعين يومًا سوى أيّام قليلة.. بل الطبيعي أن يغادروا إلى الناصرة في أسرع وقت بعد تقديم المسيح للهيكل وتتميم شريعة التطهير.. ولا يوجَد أي سبب منطقي للمكوث في بيت لحم لمدّة أكثر من ذلك. + هذا يقودنا بسرعة إلى التفكير في أنّ زيارة المجوس، التي تمّت في بيت لحم، لابد أن تكون في خلال هذه المدّة، وليس بعد سنة أو سنتين. + يستشهد البعض بكلمة "الصبيّ"، التي ذُكِرت عن الطفل يسوع عندما زاره المجوس، ويقولون أنّ هذا يوحي بأنّه لم يكُن طفلاً رضيعًا.. وأن زيارة المجوس قد حدثت بعد أكثر من سنة من ميلاد السيّد المسيح.. ولكن الحقيقة أنّ كلمة "الصبي" هي كلمة تصف أي طفل مولود ذَكَر، وقد قيلت عن الرب يسوع عند ختانه بعد ثمانية أيّام (لو2: 21)، وعندما دخل الهيكل بعد أربعين يومًا (لو2: 27)، وقيلت نفس الكلمة عن يوحنا المعمدان في اليوم الثامن لميلاده (لو1: 59، 66، 76).. + مغادرة العائلة المقدّسة لبيت لحم كانت باتجاه أرض مصر، ثمّ عادوا من مصر إلى الجليل، بدون المرور على منطقة اليهوديّة (مت2: 22)، بل عَبر طريق شاطئ البحر المتوسّط. وهناك مغارة على جبل الكرمل بالقرب من حيفا عل البحر المتوسِّط، مكثت فيها العائلة المقدسة بعض الوقت، بحسب التقليد المحلّي للمنطقة، قبل اتجاههم لمدينة الناصرة. * حول النقطة الخامسة: + هذه من أكثر النقاط المثيرة للتساؤلات بسبب معلومات غير دقيقة أو خاطئة كثيرة تمّ تلقينها لأجيال متتابعة، دون قصد، بخصوص زمان حضور المجوس ومكان لقائهم بالمسيح. + نحن في البداية أمام عِدّة حقائق إنجيليّة: المجوس حضروا لبيت لحم وليس الناصرة (مت2: 4-12) - المجوس وجدوا المسيح في بيتٍ وليس في مذودٍ (مت2: 11) - زيارة المجوس جاءت بعد إتمام طقوس التطهير في الهيكل (لو2: 22-38) - أنّ العودة للجليل إلى مدينتهم الناصرة جاءت بعد أن تمّموا كلّ الطقوس (لو2: 39).. ونلاحظ هنا أنّ القديس لوقا لم يذكر حادثة قتل أطفال بيت لحم ولا الهروب لأرض مصر، وقد يعني هذا أنّ المدّة التي مكثتها العائلة المقدّسة في أرض مصر لم تكُن مدّة طويلة، فأغفلها وهو يسرد الأحداث. مع الوضع في الاعتبار أنّ المرجَّح أنّه استقى معلوماته بالتفصيل من السيّدة العذراء شخصيًّا.. + نحن أيضًا أمام حقائق تاريخيّة: أنّ هيرودس الكبير مات في ربيع سنة 4 قبل الميلاد، وهذا ما جاء في كلّ المراجع التاريخيّة، ومرفق رابط لأحدها (https://en.wikipedia.org/wiki/Herod_the_Great) - أنّ السيّد المسيح وُلِدَ في أواخر عام 5 أو أوائل عام 4 قبل الميلاد، وهذا ما جاء في معظم المراجع وأبحاث العلماء والدارسين، ومرفق رابط لأحدها (https://bible.org/article/birth-jesus-christ) وأيضًا (https://st-takla.org/.../01.../050-When-Was-Jesus-Born.html). + الأرجح بعد فهم الحقائق السابقة أنّ زيارة المجوس هي كانت بعد ٤٠ إلى 45 يوما من الميلاد، في أحد المنازل ببيت لحم. + بخصوص موعِد ميلاد السيّد المسيح وحياته.. فقد تمّ تحديد ذلك تبعًا لتاريخ الدولة الرومانية، التى كانت تسيطر على الأمة اليهودية فى ذلك الوقت، ومنها حدّد المسيحيون تاريخهم ابتداءً بمولد السيد المسيح.. وكان التقويم الرومانى يبدأ بتاريخ تأسيس مدينة روما بعد انتهاء الاضطهاد الروماني حاول المسيحيون أن يجعلوا بداية عدّ السنين من سنة ميلاد المسيح، ونجحت دعوة الراهب الروماني «ديونيسيوس اكسيجوس» إلى ذلك، وهو راهب من أوربا الشرقيّة عاش في روما بدأ العمل بالتقويم الميلادي منذ عام ٥٣٢ «رومانية»، واعتَبر ديونيسيوس أنّ المسيح وُلِدَ في عام 753 لتأسيس روما.. ولكنّه للأسف أخطأ في أربع سنوات.. وللاستدلال على صِحّة التاريخ، نذكُر أنّه حسب إنجيل القديس لوقا فإنّ السيد المسيح بدأ خدمته الجهارية التبشيرية في السنة الخامسة عشرة من حكم «طيباريوس قيصر» الذى حكم الدولة الرومانية سنة ٧٦٥ رومانية ، حيث كان عمر السيّد ثلاثين سنة وقتئذ، فيكون ميلاده سنة ٧٥٠ رومانية أي ٤ ق. م. وبعض المؤرّخين القدامى أيضًا يؤكدون أنّ ميلاد السيد المسيح كان قبل مقتل الإمبراطور الرومانى "يوليوس قيصر" باثنتين وأربعين سنة، وهو الحدَث الذي وقع في عام ٧٩٢ رومانية، فيكون ميلاد الرب يسوع أواخر عام 749 رومانيّة، أو أوائل سنة ٧٥٠ رومانية، أي أربع سنوات قبل التاريخ الذي وضعه ديونيسيوس. * حول النقطة السابعة: + السؤال المتكرّر أنّه إذا كان المجوس قد أتوا بعد ميلاد المسيح بأقلّ من شهرين، فلماذا يقتل هيرودس الأطفال الذكور حتّى سِنّ عامين؟ والإجابة في تقديري وفي تقدير الكثير من الباحثين أنّه فعل هذا من فرط انزعاجه عندما سمع من المجوس أخبار ميلاد ملك اليهود الجديد، فحاول أن يتأكّد تماما أنّه قضى على الطفل الرضيع، فأمر بقتل جميع الأطفال الذكور حتى سِنّ سنتين ليضمن بكلّ تأكيد أنّه قتل المسيح وسطهم، مع أنّ المسيح وقتها لم يَكُن قد أكمل شهرين.. كما لا ننسى أنّه كان شخصيّة شرسة وعنيفة، وقتل ثلاثة من أبنائه الأربعة قبل موته. (راجع الرابط في النقطة السابقة). + بخصوص عدد الأطفال، فيرجِّح جميع الدارسين أنّهم كانوا بين عشرين وستّين طفلاً، ولم تُذكَر حادثة قتلهم في أيّ مرجع سوى الإنجيل. * حول النقطة التاسعة: + هذه أيضًا نقطة مثيرة للتساؤلات، بسبب تداول بعض المعلومات غير الموثّقة حول المدّة التي مكثتها العائلة المقدّسة في مصر.. + هناك حقيقة تاريخيّة، وهي موت هيرودس في بداية ربيع عام 4 قبل الميلاد (مارس/إبريل). + السفر من بيت لحم إلى مصر يستغرق حوالي سبعة إلى عشرة أيّام. + التحرك داخل مصر غالبًا ما يكون عن طريق نهر النيل وفروعة التي كانت كثيرة في ذلك الوقت.. ففروع النهر كانت حتّى القرن التاسع عشر هي بمثابة الطرق في أرض مصر، وينتقل عن طريقها الناس والبضائع وكلّ شيء. مع ملاحظة أنّ المناطق المأهولة بالسكان في مصر ليست في مساحات شاسعة، بل فقط حول نهر النيل وفروعه. + بخصوص المخطوطة أو البرديّة المُكتَشَفة حديثًا والتي تذكر أنّ العائلة المقدّسة مكثت في مصر نحو ثلاث سنوات ونصف، فالحقيقة أنّها هي المخطوطة الوحيدة التي تقول هذا، ولكننا لا نعرف كاتبها أو مدى صحّة ما تقوله.. والواقع أنّ ما تذكره البردية من الصعب تصديقه لأنه يصطدم بحقائق تاريخية وإنجيلية أخرى كثيرة.. وتعليقي عليها هو: ١- معلومة الثلاث سنوات ونصف بدأ ترديدها منذ حوالي خمسٍ وعشرين عاما، وقبلها كنا نسمع أنّ العائلة المقدّسة مكثت عِدّة شهور.. وكلّها معلومات غير مؤكّدة. ٢- بحسب المنطق لا داعي للوجود في مصر بعد موت هيرودس، الذي حدث في ربيع عام 4 قبل الميلاد. ٣- القديس لوقا في إنجيله أغفل الذهاب لمصر، وقال أنّهم عادوا لمدينتهم الناصرة بعد أن تمّموا كلّ شيء، وهذا معناه أن الذهاب لمصر كان رحلة سريعة انتهت بموت هيرودس، فلم تأخذ وقتًا كثيرا. وكما ذكرتُ من قبل أنّ القديس لوقا عرف من السيدة العذراء الكثير من التفاصيل الدقيقة ودوّنها، ولكنّه لم يذكر شيئًا عن رحلة مصر. ٤- من الناحية العِلميّة، لا نستطيع أن نعتمد على مخطوطة هنا أو هناك، لأنّ كاتبيها لم يكونوا شهود عيان.. وأحيانا نجد في المخطوطات غرائب ليس لها أيّ أساس من الصحّة. ٥- من الطبيعي أن يوجد في المصريين مَن يحاول تطويل المدّة ليفتخر بهذا كمصري.. ولكنّ أولاد الله يهمهم بالأكثر توضيح الحقيقة، وليس الافتخار من هذا النوع.. فافتخارنا الأعظم هو أنّنا أولاد الله الآب وأعضاء في جسد المسيح وهيكل للروح القدس. ٦- ترديد الكلام بدون فحص هو ثقافة تحتاج إلى تغيير.. فليس من المفيد أبدًا ترديد أيّ شيء نسمعه بدون تدقيق في صحّته. 7- الأماكن التي عبرت عليها العائلة المقدّسة هي أماكن مباركة بحسب تقليدنا القبطي المحلّي.. ولكنها لا تحتاج لسنوات للمكوث فيها أو العبور عليها، بل فقط لأيّام أو أسابيع..! 8- أنا لا أتعرّض في حديثي عن خَطّ سير الرحلة، فهذا موضوع آخَر، بل أقول أنّ مدة الإقامة بمصر لم تكن طويلة، لأن هيرودس مات في أبريل في حين أن الهروب لمصر يُرجّح أنّه حدث في أوائل فبرايركلّ عام والجميع بخير وفرح وسلام،، القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
09 أغسطس 2023

السيدة العذراء الصامتة المتألمة

لقد إحتملت السيدة العذراء وقاست الكثير من الأحزان والالآم ما لم يلقاه أي كائن آخر في هذه الحياة ولكنها تحملت بروح الرجاء والإيمان.وقد بدأت الآلام في حياة السيدة العذراء مبكراً جداً وهي لا زالت طفلة في عمر الثلاثة سنوات عندما تركتها أمها فى هذا السن المبكر والذى لا يعى فيه الطفل سوى انه يريد أن تكون والدته بجواره طوال الوقت، وقدمتها إلي الهيكل “نذيرة” تعيش بمفردها، ولكن كان هناك بداخلها محبة إلهية عجيبة وقوية لأنها مختارة منذ أن كانت فى بطن أمها وهي بنت الصلاة، وكانت من بيت مملوء بالتقوي ومحبة الله.وفى سن الثانية عشر من عمرها وهي صبية كان عليها أن تخرج من الهيكل فكانت تنظر مجموعة من الشيوخ يقرروا أن أحدهم يأخذها ليعتنى بها…أين ابوها أين امها ؟ .لا يوجد أحد وهى فى سن حرج تحتاج فيه إلي إرشاد الأم والأب، ولكنها فى إحتمال تخضع لتدبير الله وفي بيت يوسف النجار إذ الملاك يبشرها بميلاد عجيب وهى عذراء ” ها أنت تحبلين وتلدين أبناُ ” وبذلك فهذه العذراء الطاهرة التى لم تعرف رجل ستكون حبلى بإبن .ماذا يقول عنها الناس؟وكان أول من شك فيها هو خطيبها “يوسف النجار” وأراد أن يخليها سراً وعندما جاء موعد ولادة إبنها الطفل يسوع لم تجد لها مكاناً كريماً؛ فوضعته فى مزود البقر في حظيرة البهائم حيث الروائح الكريهة.وإذ ولدت إبنها البكر كان يطارد من ملوك الأرض مما أضطر يوسف خطيب مريم وحامي سر الخلاص أن يصطحب العائلة المقدسة ويهرب بها إلي مصر ويتحمل في ذلك عناء السفر المضنىي من بيت لحم إلى مصر . وكان يلاحقهم جنود هيرودس وذلك حسب قول الملاك له «قم وخذ الصبي وأمه وأهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك. لأن هيرودس مُزمع أن يطلب الصبي ليهلكه» كيف هو حال الأم الحنونة في تلك الليلة الباردة أن تأخذ أبنها الرضيع وتهرب بــه وهي لاتدري ماذا سيلاقيها من المخاطر والصعاب؛ في أي مـكــــان سينامون وكم من الخوف والرعب عانوا في تلك الليلة وكم من المتاعب واجهت العائلة المقدسة فى أرض مصر بسبب معاملة بعض الأهالى القاسية لهم .وذلك بسبب إنه كلما مر رب المجد ببلده كانت تسقط كل الأصنام التي فيها؛ فكانوا يطلبون أن يقتلوه وفى صباه تركها يسوع معذبة هي ويوسف فى الهيكل وهو يجلس مع الكهنة ليحاورهم ويسألهم فى الثلاثين من عمره ترك البيت ليقضى أربعين يوماً فى البرية، وقضى أكثر من ثلاثة سنوات فى الخدمة نهاراً والصلاة على جبل الزيتون ليلاً، وكانت تسمع بأذنيها رفض وإستهزاء الحاقدين ومكيدة الكهنة وكم كانت مرارة عظيمة علي نفسها وهى تري إبنها الوحيد وهو يُعذب ويُضرب ويُلطم أمامها وهى لا تستطيع أن تنقذه وفى عطشه تراه يشرب خلا بل ويرفضه، ثم ترى إبنها وقد علق على خشبة الصليب خشبة الذل والعار وهى لا تعرف ماذا تفعل لتخفف عنه .وليس ذلك فقط بل وأن خشبة الصليب عار لأهل المصلوب بمعنى أنها ستعانى عار صلب ابنها ثم تعاين موت أبنها على الصليب وهو فى قمة الألم وهى تعلم تماماً أنه لم يفعل ما يستحق عليه الموت، ولما أنزلوا جسد يسوع من الصليب وهو قد أسلم الروح وحضنته . وبدأ الشعب وجميع النساء اللواتي كن يبكين يسوع يتوجهون إلى مريم ليرفعوا يسوع من حضنها وهي تبكي بغير انقطاع وكم تحملت مع التلاميذ والمسيحيين الأوائل من المعاملة السيئة من اليهود وكم من الألم تعرضت له.طوباك يا أم الرحمة والخلاص تشفعى عن ضعفنا. نيافة الحبر الجليل الأنبا أرساني أسقف هولندا
المزيد
08 أغسطس 2023

السلام للإناء المستور

نقول في التمجيد الجميل للسيّدة العذراء:"السلام للإناء المستور، قبل كَوْنِ العالمين، المحتوي نور من نور، في حضن الآب كلّ حين."كلمة مستور تعني مُخفَى أو غير معروف، وقد تعني أيضًا أنّه مَحفوظ ومُصَان..أمّا كلمة "إناء"، فهي في المفهوم الإنجيلي تعني هيكل الجسد، فقد جاء في حديث القدّيس بولس عن القداسة "هَذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللهِ: قَدَاسَتُكُمْ. أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ ٱلزِّنَا، أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَنْ يَقْتَنِيَ إِنَاءَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ" (1تسا4: 3-4).مِن هنا نفهم أنّ المعنى المقصود في المديحة بالإناء المستور، أنّه جسد السيّدة العذراء، الذي أخذ الله منه طبيعته البشريّة، وسكن فيه تسعة أشهر.. فهذا الجسد أو الإناء الإنساني، هو مستور في ذهن الله قبل كون العالمين، وفي ملء الزمان جاء هذا الجسد للوجود. وبعد أن حلّ عليها الروح القدس أخذ منها الابن (الكائن في حضن الآب كلّ حين) عجينة البشريّة، واتّحد بها لكي يشفيها ويرتقي بها. ولكن ما معنى أنّ هذا الإناء كان مستورًا قبل كون العالمين؟ هل كانت القدّيسة مريم موجودة قبل كون العالم؟! بالطبع لا، فهي إنسانة مخلوقة في الزمن.. ولكن يعلّمنا آباء الكنيسة أنّ كلّ الخليقة هي موجودة ومرسومة في ذهن الله منذ الأزل، ثمّ ظهرَتْ كمخلوقات في الوقت المناسب.. إذ أنّ الله يحوي في داخله كلّ شيء، ولا يتغيّر، ولا يستجدّ فيه شيء.. فالكلّ مرسوم في حكمته الأزليّة..والحقيقة التي ينبغي أن نفهمها جيِّدًا أنّ السيّدة العذراء مريم ليست هي وحدها التي كانت إناءً مستورًا قبل كون العالمين، بل كلّ واحد فينا أيضًا، بحسب ما كشف لنا الروح القدس على فم القديس بولس الرسول؛ أنّ الله "ٱخْتَارَنَا فِيهِ (في المسيح) قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلَا لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي ٱلْمَحَبَّةِ، إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ" (أف1: 4-5).هذا يعني أنّنا مختارون في المسيح قبل تأسيس العالم، لكي نكون قدّيسين.. وقد عيّننا الله للتبنّي، أي نكون أبناء بالتبنّي للآب عندما نتّحد بالمسيح الابن الوحيد، ونُغرَس في جسده بالمعموديّة.. فهذا هو قصد الله من خلقتنا، بحسب تعليم القدّيس أثناسيوس الرسولي (296-373م) في كتاباته ضدّ الأريوسيّين (2: 75-76): إنّ هذه هي النعمة التي أُعِدَت لنا من قبل أن نوجَد، بل ومن قبل تأسيس العالم، والتي تحدّث عنها الرسول بولس أيضًا قائلاً: "بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطِيَت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزليّة" (2تي1: 9). نحن مختارون من قَبلِ أن نَخرُج إلى الوجود، لأنّنا كُنّا مرسومين سابقًا في المسيح (الذي هو حكمة الله) من قَبْلِ أن نوجَد.. والنعمة التي أُظهِرَت لنا، كانت مذّخَرة لنا في المسيح منذ الأزل..! لذلك كشف لنا الربّ يسوع نفسه أنّه سيقول في يوم الدينونة: "تعالوا إليّ يا مباركي أبي، رثوا الملك المُعَدّ لكم منذ تأسيس العالم" (مت25: 34). فكيف إذن أُعِدّ لنا الملكوت من قبل أن نوجَد؟ إلاّ في الربّ الذي جُعِل قبل الدهور أساسًا لنا، حتّى نصير مبنيّين عليه كحجارة متناسقة، فننال منه الحياة والنعمة التي فيه.. وهذا لم يكُن في إمكاننا أصلاً، حيث أنّنا بشر من تراب، لو لم يكُن رجاء الحياة والخلاص قد أُعِدَّ في المسيح من قبل الدهور.من هنا نعرف أنّه كمّا أَعَدّ الله أمّنا العذراء، من قبل كون العالم، لتكون الإناء المختار الذي سيأخذ منه طبيعته الإنسانيّة، ويسكن فيه.. وقد كانت أمينة جِدًّا في المهمّة التي كُلِّفَتْ بها.. هكذا اختارنا نحن أيضًا لأعمال صالحة سبق فأعدّها لنا كي نسلك فيها (أف2: 10)، كلّ واحد بحسب موهبته..! فكم ينبغي أن نفرح بأنّنا آنية مختارة (أع9: 15)، قد نلنا نعمة التبنّي في المسيح يسوع، وصِرنا مسكنًا للروح القدس، فنتمّم مشيئة الله بكامل إرادتنا.. لكي نصير آنية مقدّسة للكرامة والمجد (2تي2: 21)، مِثل أمّنا العذراء..! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو
المزيد
05 أغسطس 2023

إشباع الخمسة آلآف

يتحدث المقطع الإنجيلي اليوم عن معجزة إشباع الخمسة آلآف، القراءة الإنجيلية من متى( 14: 14- 22). إن رقم خمسة في الكتاب المقدّس هو عدد رمزي، الرقم 5 يرمز إلى نعمة الله، إلى الخير والبركة تُجاه البشر إن كتب موسى في العهد القديم كانت خمسة أيضاً بسبب أهمية هذه المعجزة فهي مذكورة في الأناجيل الأربعة عند مرقس (6: 30- 44) و لوقا ( 9: 10- 17) والإنجيلي يوحنا (6: 1- 14) من بعد استشهاد القديس يوحنا المعمدان أُخبر يسوع بذلك فانصرف بالسفينة إلى موضع خلاء منفرداً على شاطىء بحيرة طبرية من الجهة الشمالية. لقد اعتاد الربّ يسوع الذهاب إلى موضع خلاء ” للصلاة “. يظهر في إنجيل متّى أن يسوع انفرد ليُصلِّي قبل وبعد معجزة إشباع الخمسة آلآف (متىّ 14: 13 و 14: 23). لقد أعطى الربّ درساً لتلاميذه في أهمية الصلاة قبل وبعد إتمام أي عمل وعندما علمت الجموع بذلك ” تبعوه مشاة من المدن “لقد أحبّت الجموع تعاليم يسوع فقصدته عندما علمت بمكانه. لقد اجتمعوا حوله كما يجتمع القطيع حول ” الراعي الصالح ” ليقودهم في أرض خصبة لقد قضى الشعب معظم يومه يستمع لكلام يسوع وتعاليمه الخلاصية مضى النهار ” وكان المساء “ لم يشعر الشعب والتلاميذ بمرور الوقت بسبب عذوبة كلام الربّ وحلاوة حضوره والمكوث بجانبه، ” وكان الجميع يتعجبّون من كلمات النعمة الخارجة من فمه “(لوقا 4: 22) يبدأ المقطع الإنجيلي حينما يسوع : ” أبصر جمعاً كثيراً فتحنّن عليهم وأبرأ مرضاهم”. هو الآب الرحوم الشفوق ” أبو الرأفة وإله كل تعزية “(2كو 1: 3) إن هذه الصورة هي صورة مسيانية للربّ يسوع إذ أنه حسب أشعيا فإن المسيّا المُنتظر هو الذي يشفي ويُعزّي شعب الله ” أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها ” ( أشعيا 53: 4) لقد طلب التلاميذ من الربّ يسوع قائلين:”المكان قفر والساعة قد فاتت فاصرف الجموع ليذهبوا إلى القرى ويبتاعوا طعاماً” ربما لم يخطر على بالهم أن الربّ يسوع سوف يهتم بحاجاتهم الجسدية كما أنه تحنّن عليهم وأبرأ مرضاهم ها هو يُظهر حنانه مًجدّداً ويهتم بحاجاتهم الجسدية ليُشبع جوعهم فيقول للتلاميذ: ” أعطوهم أنتم ليأكلوا”. فكان جواب التلاميذ: ” ما عندنا ههنا إلا خمسة أرغفة وسمكتان”. لقد أراد الربّ بهذا الطلب أن يسترعي انتباه تلاميذه إلى أن الطعام المتوافر لا يكفي لهذا العدد الكبير فهو كان يُحضّرهم للمعجزة التي كان مُزمِعاً أن يُحققها. لقد تحنّن أولاً على الجمع وأبرأ مرضاهم ثم أشبعهم من الطعام، هو المُهتم بالخليقة وبحاجات الإنسان الروحية والمادية لقد أراد بهذا الطلب أن يُريهم صعوبة تحقيق هذا الأمر بالطريقة البشرية وليُريهم أنه هو ابن الله. لقد أراد الربّ يسوع أن يُظهر لتلاميذه أمران: أولاً، أهمية المُشاركة ومُساعدة من هم في عَوَز وحاجة والتي هي ههنا في هذه الحالة إطعام الجموع. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: ” في هذه المعجزة يسوع كان يعلمهم التواضع، القناعة والإحسان وأن يُفكروا ببعضهم البعض وأن يتشاركوا كل شيء فيما بينهم”. ثانياً، أراد أن يُريهم أن سبب تحقيق هذه المعجزة هو الحاجة والضرورة وليس المجد الباطل عندما أدرك التلاميذ صعوبة واستحالة إشباع هذه الجموع من الخمسة أرغفة والسمكتان تدخَّل يسوع قالاً لهم :” هلم بها إليَّ إلى هنا”. ثم ” أخذ الخمسة الأرغفة والسمكتين ونظر الى السماء، وبارك وكسر وأعطى الأرغفة لتلاميذه والتلاميذ للجموع”. لقد رأت الكنيسة المقدسة في هذه الأفعال التي صنعها الربّ يسوع: “أخذ، نظر، بارك وكسر وأعطى” صورة مُسبقة لسرّ الشكر الإلهي أو “الأفخارستيا” لقد نظر يسوع إلى السماء كما يقول الذهبي الفم ” لكي يُظهر لنا أنه مُرسَل من الله الآب وأنه أيضاً مساوٍ له “. لقد كان هذا الفعل من أجل تعليمنا أن لا نتناول الطعام حتى نعطي الشكر لله الذي أعطانا هذا الطعام”. أما القديس كيرلس الأسكندري فيقول: “حتى يُعرَف السيّد بأنه هو الله بالطبيعة، هو كثَّر ما كان قليلاً، لقد نظر نحو السماء كما لو كان يطلب البركة من العلو. لقد صنع هذا بفعل التدبير الإلهي. من أجلنا لأنه هو نفسه الذي يملء كل الأشياء ويُباركها هو البركة الحقيقية النازلة من فوق من عند الآب. ولكنه فعل هذا حتى نتعلم منه عندما نُحظّر مائدة الطعام ونُحضّر الخبزات ونستعد لكسر الخبز أن نُحضرها نحو الله بأيدي مرفوعة وننظر إلى السماء مستحضرين عليها البركة التي هي من فوق. لقد كان الربّ يسوع البداية، النموذج والطريق” لقد كان واضحاً أن الجموع قد رأت في هذه المعجزة صورة مسيانية للمسيح، إذ قالوا في إنجيل يوحنا ” هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم ” (يوحنا 6: 14). لقد تذكر الشعب العبراني آباؤهم الذين أكلوا المنّ في البرية (خروج 16: 4- 16) ورأوا في المسيح صورة المسيّا الذي يُطعم شعبه. هذه الحركات الأفخارستية “أخذ – بارك – كسر وأعطى ” كررّها الربّ يسوع ذاتها في العشاء الأخير قبل صلبه وآلآمه. يقول الإنجيلي متّى: “وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي، وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم ” ( متى 26: 26) لقد أعطى الربّ يسوع “الأرغفة لتلاميذه والتلاميذ للجموع”. لقد أعطى الأرغفة لتلاميذه علّهم يتذكرون دائماً هذه المعجزة وتبقى في ذاكرتهم ولا تتلاشى من أذهانهم رغم أنهم قد نسوها حالاً. يرى الآباء القديسون في هذا الفعل منح النعمة والسلطة للتلاميذ لخدمة شعب الله. ” أن يصيروا خدّام المسيح ووكلاء أسرار الله”.( 1 كورنثوس 4: 1). الرسل القديسون هم الأساقفة الأوائل وقد منحهم الربّ يسوع هذا السلطان الذي انتقل منهم إلى تلاميذهم من بعدهم من خلال الشرطونية و” التسلسل الرسولي”. “Apostolic Succession” لقد أمر الربّ يسوع تلاميذه أن يجمعوا ما فَضِل من الكِسَر ” اثنتي عشرة قفة مملؤة ” و يضيف الإنجيلي يوحنا “لكي لا يضيع شيء “(يوحنا 6: 12). بحسب القديس يوحنا الذهبي الفم لقد أراد الربّ يسوع من تلاميذه ضبط النفس والقناعة وأن يكونوا وكلاء صالحين ( (Good Stewards وأمينين على الخيرات التي منحنا إياها الرب نحن نعيش في مجتمع الإستهلاك حيث هناك تبذير كبير للموارد والخيرات البشرية. لقد أقامنا الله أُمناء على الخليقة (لوقا 12: 41- 48) لنصونها ونُحسِن إدارتها. هذا ما أراد الربّ تعليمه لتلاميذه ولنا. نحن مسؤولون أمام الله عن هذه الخيرات وعن توزيعها العادل بين البشر، الهدر وإضاعة الخيرات هوخطيئة أما القناعة والتدبير الحسن وشكر الله على خيراته ونعمه هو فضيلة مسيحية لقد وضعت الكنيسة المقدسة صلوات تبريك الطعام وصلاة شكر بعد الأكل لتعليمنا أهمية شكر الله على نِعَمه وبركاته كما نصلي صلاة الشكر بعد تناول القرابين المقدسة. كما تُقيم الكنيسة الأرثوذكسية خدمة ” تبريك الخمس خبزات ” في صلاة غروب الأعياد السيدية وأعياد القديسين والتي هي تذكار لمعجزة “الخمسة الأرغفة والسمكتان”. ونرتل في نهاية الصلاة : ” الأغنياء افتقروا وجاعوا، أما الذين يبتغون الرب فلا يعوزهم أي خير” آميــــــن المتروبوليت باسيليوس
المزيد
01 يونيو 2023

بمناسبة عيد دخول المسيح أرض مصر

تعليقات للقدّيس كيرلّس الكبير على الأصحاح 19 من سفر إشعياء يسعدني في هذا المقال تقديم مقتطفات من شرح القديس كيرلّس الإسكندري عمود الدين للأصحاح التاسع عشر من سفر إشعياء النبي. وقد اخترت فقط بعضًا من شرحه للآية رقم 1، والآية رقم 19. ثم رأيتُ تقديم بعض الملاحظات السريعة على التفسير في نهاية المقال. إش19: 1: "هوذا الربّ يجلس على غيمة خفيفة، وسيأتي إلى مصر، فتتزلزل أوثان مصر من وجهه، ويصغر قلبهم فيهم". يريد النبيّ أن يُعلِّم بأيّ طريقة خلُصَتْ مصر، وأُمسِكَت بشَبَكة التقوى بإيمانها بالمسيح، بالرغم من معاناتها من الأخطاء الإجراميّة لتعدُّد الآلهة. فقد كانت في ظلامٍ شديد.. قد وضعوا في معابدهم أوثانًا كثيرة، متعدّدة الأشكال، حتّى أنّهم أبدعوا أشكالاً للحيوانات غير العاقلة، وأقاموا المذابح حتّى يقدّموا الذبائح عليها. إذن فقد كان يجب أن تزداد النعمة جدًّا لأنّ خطيّتهم قد كثرت جدًّا (رو5: 22)، وأنْ يَظهر الطبيب لِمَن أُصيبوا بالمرض الشديد، وأن يلمع النور الإلهي السماوي، لمن اظلمّت قلوبهم. ماذا يريد أن يبيِّن بقوله إنّه يرى الربّ يجلس على غيمة خفيفة؟ هيّا بنا نفحص الأمر على قدر استطاعتنا. بعض المفسِّرين قالوا بالتأكيد أنّ "الغيمة (السحابة) الخفيفة" هي جسد الربّ المقدّس، بمعنى الهيكل الذي اتّخذه من العذراء القدّيسة، والذي شبّهوه بالغيمة، لأنّه كان خاليًا من الشهوات والأهواء الأرضيّة، وارتفع عنها عاليًا. لأنّ الجسد المقدّس لمخلّصنا المسيح هو بالحقيقة كليّ القداسة، وخالٍ من كلّ دنسٍ أرضيّ. والبعض قالوا أنّ الغيمة الخفيفة هي العذراء القدّيسة.غير أنّي أعتقد أنّه بقوله "جالسًا على غيمة خفيفة" يريد أن يُعَبِّر عن معانٍ أخرى كثيرة.السحابة تمثِّل لنا نوعًا من البرودة، أو المطر الروحي، أو المعموديّة المخلِّصة. وبالفِعل يقول الطوباوي بولس أنّ "آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة... وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر" (1كو10: 1-2). وعندما كانوا يَعبرون الصحراء الشاسعة، كانت السحابة تظلّلهم في النهار، وفي المساء كان يتقدّمهم عمود نار. ولقد وُصِفَ المسيح بهذين الأمرين (النار والسحابة)، أي بالسرّ الخاصّ به. أي أنّنا سنحصل على البرّ والقداسة بالإيمان وبالمعموديّة المقدّسة.وهكذا يليق بالربّ، وهو ذاهبٌ بهدف تنقية وإصلاح المصريّين، بطريقة روحيّة تليق بألوهيّته، أن يَظهَر وهو جالس على غيمة خفيفة، لأنّه لم يكُن هناك طريق آخر لزوال قذارة النفس التي خُدِعَت إلاّ عن طريق المعموديّة المقدّسة، والتي نقول أنّ الغيمة الخفيفة هي رمزٌ لها.هي خفيفة لأنّنا نعتمد كي نخلع عنّا الخطيّة، مُلقين من فوقنا عدم التقوى، وكأنّها حِمل ثقيل الحَمْل، فنصير مرفوعين كما لو أنّ لنا أجنحة، نتعلّم كيف نتأمّل في السماويّات، متّجهين بقلوبنا نحو العُلا. أعتقد أنّ جلوس الربّ على السحابة.. يُلَمِّح إلى الراحة أو السُّلطة (المُلك)، وهكذا فإنّ المسيح يستريح ليس حسب عبادات الناموس قديمًا، لكن بالحريّ مِمّا يأتي لنا عن طريق المعموديّة المقدّسة، (أمّا السُلطة) فبطريقة مُلكِهِ على مَن هُم على الأرض.يقول النبيّ أنّ عند ظهوره "سترتجف أوثان مصر، كما من زلزال". فطالما ظهرت المعموديّة المقدّسة، وأضاء المسيح على الأرض، كان من الضروري أن يختفي دَجَل الضلالات القديمة، وتظهر أنّ فخاخ الشيطان قد تحطّمَت، لأنّه كان قد أوقع في شباكه للهلاك والضياع كلّ أمّةٍ.. وبالأكثر من الجميع، أوقع المصريّين؛ لأنّ هؤلاء كانوا يؤمنون بالخُرافات أكثر من غيرهم.النبيّ يقول أنّ قلوب المصريّين ستُهزَم وستُفسِح الطريق.. وستخضَع أمام تعاليم الإنجيل.. ولن تكون فيما بعد قلوبًا جامدة أو قاسية أو غير قابلة للنُّصح، بل ستَقبل رسالة الخلاص. إش19:19: "في ذلك اليوم، يكون مذبح للربّ في كورة المصريّين، وعمودٌ للربّ عند تُخمها. فيكون علامةً للربّ إلى الأبد في كورة مصر".لقد كانت أرض مصر مليئة كلّها بالمعابد ومكتظّة بالمذابح.. انتبِه إذن، من أين إلى أين تغيَّرَت أحوال المصريّين؟ فهؤلاء الذين كانوا متمسّكين بالخرافات أكثر من أي شعوبٍ أخرى، بل وكانوا أسرى بالتمام للضلالات، يقول (النبيّ) أنّه "في ذلك اليوم"، أي في ذلك الزمان الذي فيه ستضيء فيهم بشارة الخلاص، سيقبلون عبادة مَن هو بطبيعته الله الحقيقي. لأنّه سيُقام مذبح للربّ في أرض مصر. والكلام هنا واضح جدًّا.يقصد بكلمة "عمود"، على ما أعتقد، إمّا هيكلاً مقدّسًا للربّ، أي كنيسة، وقد بُنِيَت على حدود مصر، قبل كنائس أخرى. أو أنّها (كلمة عمود) تُعني علامة الصليب المقدّس، الذي اعتاد المؤمنون أن يحموا أنفسهم به كدرع. لأنّنا نستخدم دائمًا علامة الصليب كي نتجنّب كلّ هجوم الشياطين، ونصدّ كلّ اعتداءاتهم. لأنّ الصليب هو في الواقع سورنا الحصين، وهناك أسباب لنفخر بخلاصنا عن طريقه، لأنّه مكتوبٌ: "وأمّا من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربّنا يسوع المسيح" (غل6: 14). إذن عجيبٌ هو ما قد سبق فأنبأت به النبوّات حينذاك، وقد تحقّق الآن. [المرجع: تفسير سفر إشعياء للقدّيس كيرلّس السكندري (الجزء الثالث - الأصحاحات: من 19 إلى 30) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة بالقاهرة - ترجمة عن اليونانيّة مع مقدّمة وتعليقات للدكتور جوزيف موريس فلتس - الطبعة الأولى 2021م] بعض الملاحظات السريعة: 1- القديس كيرلّس يستخدم في تفسيره النصّ السبعيني اليوناني، وهو النصّ المعتمد في الكنيسة منذ القديم، وليس النصّ العِبري. 2- لايَذكُر ق. كيرلّس أيّ شيء نهائيًّا عن خط سير العائلة المقدّسة في زيارتها لمصر، مِثلَهُ مثل كلّ آباء الكنيسة. فلم يكن الآباء ينشغلون بهذا، بل بالأمور الخلاصيّة والمعاني الروحيّة فقط.. والجدير بالذِّكر أنّ الحلم المنسوب للبابا ثيؤفيلس (خال القديس كيرلّس بالجسد، والبابا السابق له)، عن خطّ سير العائلة المقدّسة في مصر، ليس له وجود في سيرة حياة البابا ثيؤفيلوس، بل هو منسوب له في كتاب تمّ تأليفه في القرن الثامن..! 3- لا يُفسِّر ق. كيرلّس سقوط أوثان مصر بشكل حرفي، مثلما يَذكر الفولكلور الشعبي الذي ظهر وانتشر في العصور الوسطى، وامتدّت آثاره حتّى الآن.. بل يتحدّث عن انهيار مملكة الشيطان والعبادات الوثنيّة في مصر، أمام نور الإيمان بالمسيح الذي أشرق فيها. 4- أيضًا لا يتحدّث ق. كيرلّس عن مذبح مُعيّن للربّ في أرض مصر، كما يَشيع الآن، أنّ المقصود به مكانًا محدّدًا في أحد أديرة الصعيد، حسب بعض التقاليد المحلّيّة.. بل يؤكِّد أنّ المذبح يشير إلى العبادة المسيحيّة في مصر بوجه عام. 5- يشرح أيضًا ق. كيرلّس أنّ العمود، ليس هو شخصًا بعينه، بل هو الصليب العالي الذي هو محلّ افتخارنا بعد قراءتي لهذا الشرح العميق الذي كتبه ق. كيرلّس الكبير في القرن الخامس، أدركت كم نحن الآن في احتياجٍ شديد لمراجعة ما نردّده ونُعَلِّم به، في ضوء كتابات الآباء، لكي يكون متوافِقًا مع الفكر الآبائي الروحي الأصيل.كلّ عام وكنيستنا متمتّعة بنور المسيح، وأفراح حضوره في وسطها،، القمص يوحنا نصيف القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
30 مايو 2023

بمناسبة عيد حلول الروح القدس

مجاري الأنهار تُفرِّح مدينة الله نرتّل هذه الآية كلّ يوم ضمن مزامير الساعة الثالثة.. وهي تشير بوضوح لعمل الروح القدس الذي يجري في الكنيسة مدينة الله كما تفيض الأنهار في قوّة وسلاسة، فتروي وتُغني وتُحيي الأرض.. فمن خلال الأسرار المقدّسة والصلاة والتسابيح والكلمة الإلهيّة يعمل الروح ويُغني أولاد الله، ويقدِّسهم أيضًا.. هذا هو الروح الذي أودعه السيّد المسيح في الكنيسة، تحقيقًا لوعده: "لا أترككم يتامي" (يو14: 18).. "مَن آمن بي.. تجري من بطنه أنهار ماء حيّ" (يو7: 38).. "إن عطش أحد فليُقبِل إليّ ويشرب" (يو7: 37).. "مَن يعطش فليأتِ، ومَن يُرِد فليأخُذ ماء حياة مجّانًا" (رؤ22: 17).. هذه هي مجاري الأنهار التي تفرّح الكنيسة مدينة الله وتقدّسها وتُغنيها..! مدينة الله أيضًا هي النفس البشريّة التي قيل عنها: "أعمال مجيدة قيلت عنكِ يا مدينة الله" (مز86: 3 الأجبية)، وعن سُكنى الروح القدس فيها قال السيّد المسيح: "ها ملكوت الله داخلكم" (لو17: 21).يصِف القدّيس مكاريوس الكبير في عظته الأولى النفس البشريّة بأنّها مثل المركبة الشاروبيميّة الحاملة للعرش الإلهي (حز1)، وحيثما يقودها الروح تسير (حز1: 20) فيقول "النفس التي حُسِبَت أهلاً لشركة روح نور الربّ واستُنيرَت ببهاء مجده غير الموصوف، والتي أعدّها هو لتصير له عرشًا ومنزلاً، تلك النفس تُصبِح كلّها نورًا... يقودها ويجلس عليها البهاء الفائق الوصف الذي لمجد نور المسيح."ويقول أيضًا في عظته الثانية والأربعين "النفوس التي قد ازدانت بالمعرفة والفهم والذِّهن الشديد الحِدَّة هي أشبه بمُدُن عظيمة، إنّما يلزم أن تحترس لكي تكون مُحصّنة بقوّة الروح القدس، لئلاّ يتسلّل إليها الأعداء ويخرّبوها."هكذا نفهم أنّ سرّ غنّى النفس وقوّتها هو سكنى الروح القدس فيها بالنعمة وتغذيته لها، كيف يحدث هذا؟! يجيبنا القديس مكاريوس الكبير في عظته التاسعة عشرة قائلاً "الذي يريد أن يأتي إلى الربّ ويؤهَّل للحياة الأبديّة ويصير مسكِنًا للمسيح ويمتلئ من الروح القدس، حتّى يمكنه أن يصنع ثمر الروح ووصايا المسيح بنقاوة وبلا لوم، يلزمه أن يبدأ هكذا: أوّلاً يؤمن بالرب بثبات، ويكرِّس نفسه بالتمام لكلمات وصاياه.. وينبغي له أن يواظب على الصلاة كلّ حين، منتظرًا الرب في إيمان، ومتوقِّعًا على الدوام افتقاده ومعونته، وموجِّهًا نظرَ ذهنِه أبدًا صوبَ هذا الغرض. ثمّ يتوجَّب عليه.. أن يغصِب نفسه إلى كلّ صلاح وإلى كلّ وصايا الرب: فمثلاً ليغصِب نفسه إلى التواضع أمام كلّ إنسان، وليحسب نفسه أدنى وأشرّ الكلّ، غيرَ طالبٍ من أحد كرامةً أو مديحًا أو مجدَ الناس كما هو مكتوبٌ في الإنجيل، بل جاعلاً الرب وحدَه ووصاياه أمام ناظرَيه على الدوام، مُبتغيًا إرضاءه هو فقط في وداعة قلب.. بالمِثل فليُعَوِّد نفسه بكلّ قوّته أن يكون رحيمًا، لطيفًا، شفوقًا، صالحًا.. وفوق الكلّ فليتذكّر بلا نسيان تواضع الرب وسيرته ودِعتَه.. وليواظب على الصلوات، متوسِّلاً على الدوام بإيمان، لكي يأتي الرب ويسكن فيه ويكمّله ويمَكِّنه مِن جميع وصاياه، ولكي يصير الرب ذاته مَسكِنًا للنفس."هكذا يرسم لنا القديس مكاريوس الطريق للامتلاء من روح الله؛ بالمواظبة على الصلاة، والتغصُّب في تنفيذ وصايا الإنجيل مع الاتضاع.. وبهذا تجري فينا أنهار المياه الحيّة وتفرِّح قلوبنا على الدوام..! القمص يوحنا نصيف القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل