المقالات

11 أبريل 2023

ثلاثاء البصخة

أحداث هذا اليوم كثيرة منها: أولا: جفاف شجرة التين:- عند عودة السيد المسيح صباحا إلى أورشليم من بيت عنيا، دهش التلاميذ حينما رأوا أن شجرة التين قد يبست من أصولها، وهنا شرح لهم السيد المسيح فاعلية الصلاة وقوتها، التى يمكن أن تنقل الجبال. (متى 21: 20 – 22)، مر 11: 20 – 26). ثانيا: السنهدريم يسأل السيد المسيح عن مصدر سلطانه:- سأله رؤساء الكهنة عن مصدر سلطانه: يدخل أورشليم كملك، ويطرد الباعة من الهيكل،إن قال لهم أن سلطانه إلهى طلبوا منه معجزة، فإن فعل نسبوها إلى الشيطان، وإن رفض نسبوا إليه العجز وشككوا الناس فى قوته رد عليهم بسؤال آخرسألهم عن معمودية يوحنا المعمدان هل هى من الله أم من الناس؟.. فلم يستطيعوا الأجابة بالرفض لخوفهم من الناس، أو بالموافقة لأن يوحنا شهد للسيد المسيح، فلماذا لم يؤمنوا به؟!! (متى 21: 23 – 27)، (مر 11: 27 – 33)، (لو 20: 1 – 8). ثالثا: أمثال ضربها السيد المسيح:- (أ) مثل الأبنين:- أعطاهم مثل الأبنين اللذين طلب منهما أباهما العمل فى كرمه، فرفض الأول أولا ولكنه أطاع فيما بعد.. أما الثانى فقد تظاهر بالطاعة ولكنه لم يعمل يشير الأول إلى الأمم التى كانت قبلا معاندة.. ولكنها قبلت الإيمان أخيرا، ويشير الأبن الثانى إلى الأمة اليهودية التى تظاهرت بطاعتها لله ولكن بدون أثمار.. ويشير أيضا إلى رؤساء الكهنة الذين يحبون حياة ظاهرها الطاعة لله.. خلاف جوهرها المغاير لذلك سألهم السيد المسيح أيهما عمل إرادة الآب؟ قالوا الأول وبذلك حكموا على أنفسهم.. (متى 21: 28 – 32). (ب) مثل الكرامين الأردياء:- وهم الذين أوكلهم سيدهم على كرمه، وفى ميعاد الإثمار أرسل السيد رسله يطلب الثمر،.. أما الكرامون الأشرار فإنهم لم يقدموا الثمر المطلوب، بل جلدوا بعض رسله، وقتلوا بعضا ورجموا بعضا، ثم أرسل أبنه الوحيد، والوارث.. لعلهم يهابونه، ولكنهم أخرجوه خارج الكرم وقتلوه لقد أشار السيد المسيح إلى الأمة اليهودية التى أعطاها الله كل ما تحتاجه من وسائط وشملها برعايته: " كرمة من مصر نقلت. طردت أمما وغرستها. هيأت قدامها فأصلت أصولها فملأت الأرض " (مز 80: 8، 9) – أعطاهم (الذبيحة والشريعة)، لم يبقى شىء لم يصنعه للأمة اليهودية، ثم أرسل عبيده أنبياء العهد القديم، ولكن اليهود ضربوا بعضا منهم، وقتلوا بعضا آخر، ورجموا آخرين: رجموا أرميا.. نشروا أشعياء.. رجموا زكريا بن يهوياداع فى الهيكل.. أرسل نبيا وراء نبى، كان آخرهم يوحنا المعمدان – ثم أخيرا أرسل ابنه الوحيد الذى سلطانه أعظم من سائر الأنبياء.. ولكن اليهود أمسكوه وأخرجوه خارج أورشليم وقتلوه خارج الباب على الصليب.. فماذا يفعل بهم السيد حين يأتى؟ وحكم رؤساء الكهنة على أنفسهم قائلين: " إنه سيهلك أولئك الأشرار شر هلاك، ثم يؤجر الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الثمار فى وقتها ". وقد سبق الوحى الإلهى فأعطى حكمه: " فالآن اعرفكم ماذا أصنع بكرمى. أنزع سياجه فيصير للرعى. أهدم جدرانه فيصير للدوس. وأجعله خرابا لا يقصب ولا ينقب فيطلع شوك وحسك وأوصى الغيم أن لا يمطر عليه مطرا ". (اشعياء 5: 5، 6) ثم ذكر السيد المسيح النبوءة " أما قرأتم قط فى الكتب أن الحجر الذى رفضه البناؤون هو الذى أصبح رأس الزاوية، من عند الرب كان هذا وهو عجيب فى أعيننا " (مزمور 118: 22 – 23). أما اليهود فعندما شعروا بإنطباق المثل عليهم حنقوا عليه وكانوا يطلبون أن يمسكوه ولكنهم خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبى (مت 21: 33- 46)، (مر 12: 1 – 12)،(لو 20: 9 – 19). (ج) مثل عرس أبن الملك:- ثم أعطاهم مثل الملك الذى صنع عرسا لأبنه وأرسل يدعو المدعوين فلم يستجيبوا لنداءاته المتكررة رغم إعداده للوليمة وتهيئتها بل أهانوا رسله وقتلوهم.. فأرسل الملك وأهلك المدعوين وأحرق مدينتهم، (هنا نجد أن السيد المسيح يدعوها مدينتهم بعد أن كانت مدينته، مدينة الله، مدينة الملك العظيم)، ثم أرسل إلى مفارق الطرق ودعا الجميع وأمتلأ العرس، ولكن أحد الحاضرين لم يكن لابسا لباس العرس اللائقة (كان من عادة الملوك أن يهبوا كل مدعو حلة تليق بحضوره حفل الملك)، وفى هذا استهانة بعطية الملك وعدم اهتمام بإعداد نفسه لحضور حفل الملك وعرس ابنه. إن لباس العرس هو المعمودية التى تغسل عنا الخطية الاصلية، خطية أبونا آدم.. وكذلك وسائط النعمة كالصلاة والصوم والتناول والأعمال الصالحة لقد عاقب الله اليهود.. وأتت جيوش روما ودمرت أورشليم.. ثم أرسل الله رسله إلى كل الأمم، إلى العالم أجمع يدعوهم إلى عرس ابنه.. إلى ملكوت السموات.. واستجاب الكثير للدعوة، ولكن يلزم أن يكون الأنسان مكسوا بثوب النعمة، نال المعمودية التى هى اللباس الأبيض – لباس العرس – ومزينا بالأعمال الصالحة، وإن ارتكب الأنسان أى أخطاء فهناك التوبة والأعتراف وجسد السيد المسيح ودمه يعيدا للثوب الأبيض لمعانه: " تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج..". رابعا: الجزية:- الفريسيون والكتبة أرادوا أن يجربوا السيد المسيح، ليوقعوا به فى خطأ ضد النظام السياسى القائم، فسألوه أيجوز أن تعطى الجزية لقيصر أم لا؟ فإن وافق على دفع الجزية اتهموه أنه موالى لقيصر وخائن لوطنه.. وإن اعترض على دفعها أشتكوه للوالى..!! فسألهم السيد المسيح عن الصورة والكتابة التى على العملة؟ قالوا لقيصر.. قال لهم " أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فلما سمعوا دهشوا وتركوه وأنصرفوا "هنا أرسى السيد المسيح مبدأ كنسيا هاما، وهو عدم تدخل الكنيسة (كمؤسسة روحية) فى الأمور السياسية، وإن كان من حق المؤمنين (كأفراد) ممارسة حقوقهم السياسية بالطرق المشروعة كمواطنين صالحين فى الدولة والسيد المسيح أراد أن يقول لليهود طالما قد قبلتم حكم قيصر ينبغى عليكم طاعته فى الأمور المدنية.. أما فى الأمور الروحية والدينية فلا طاعة إلا لله وحده. خامسا: آخر تعاليم السيد المسيح العلنية:- أوضح السيد المسيح للصدوقيين طبيعة الحياة بعد القيامة: وأننا سنكون كالملائكة، وأن الله إله أحياء وليس إله أموات.. كما قدم السيد المسيح للناموسيين مفهوم الوصية بمنظار مسيحى، ذلك أن الوصايا وحدة واحدة لا تتجزأ..، نلاحظ أن السيد المسيح كان يقدم إجابات وافية وعميقة لكل من يسأله من الشعب ورجال الدين اليهود، وفى المقابل سألهم السيد المسيح سؤالا لاهوتيا: " ماذا تظنون فى المسيح؟ ابن من هو؟ فقالوا له: " ابن داود " قال لهم: " فكيف إذن يدعوه داود بالروح ربى قائلا: قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك تحت قدميك؟ فإن كان داود إذن يدعوه ربه فكيف يكون ابنه "؟ فلم يجيبوه رؤساء الكهنة علموا الشعب أن السيد المسيح سيأتى بصفته ابن داود ليعيد مجد مملكة داود ولم يعلموهم أنه سيأتى بصفته أبن الله ليؤسس مملكة الله ومع الأسف فهذا الأعتقاد مازال باقيا عند اليهود إلى هذا اليوم!! بل أن بعض الطوائف المسيحية، (وطوائف أخرى غير مسيحية أمثال شهود يهوه) يؤمنون أن السيد المسيح سيأتى ليحكم حكما أرضيا مدة ألف عام على الأرض أنصرف رؤساء الكهنة عن السيد المسيح، وحينئذ خاطب الجموع وتلاميذه، وصار يكلمهم عن الكتبة والفريسيين وأوصى الناس بطاعتهم كمفسرين للشريعة ولكن ليحذروا من ريائهم.. فهم يهتمون بالمظهر لا بالجوهر مدح السيد المسيح الأرملة التى القت فلسين فى الخزانة، لأنها أعطت من أعوازها وليس من الفائض لديها، وأعطت بمحبة، وليست حبا فى مديح الناس (مر 12: 41، 44)، (لو 21: 1 – 4) طلب بعض اليونانيين أن يروا السيد المسيح، وكانوا قد جاءوا إلى أورشليم ليحتفلوا بالعيد، ولم يكن لهم حق الدخول إلى الهيكل، كانوا فى الدار الخارجية (دار الأمم)،.. كان ذلك بداية لمجد يسوع حين يموت ويدفن ويقوم، حينئذ يفتح باب الخلاص لا لليهود فقط وإنما لغيرهم من الأمم حين يقبلون الأيمان اضطربت نفس السيد المسيح من الفرحة لقرب تمجده الذى سيكون مصاحبا لآلامه على الصليب، صلى أن ينجيه الآب من هذه الساعة، ولكنه جاء إلى العالم وتأنس من أجلها، فيكون طلبه إذن هو أن يجوز هذه الآلام بسلام، وسيتمجد الله فى عمل الفداء حيث يتجلى عدله ورحمته، وعندما يقول " يا أبتاه مجد ابنك "، فليس المقصود أن يزداد مجدا، فهو ممجد دائما فى ذاته ومجده كامل على الدوام وبلا حدود، وإنما المقصود هنا أن يتجلى مجده.. فجاء صوت من السماء" قد مجدت وسأظل أمجد " ولم يميز الجميع هذا الصوت، وقال بعضهم أنه قد حدث رعد.. وآخرون قالوا قد كلمه ملاك، وأوضح لهم السيد المسيح أنه ليس من أجله صار هذا الصوت، فهو واحد مع الآب ولكن من أجل الموجودين، ثم قال لهم إن رئيس هذا العالم قد جاءت دينونتهم التى وعد بها آدم وانتظرها الأبرار والملائكة، وكان يخشى منها الشيطان ورغم وفرة المعجزات التى عملها السيد المسيح وتنوعها، لم يقبله اليهود، لأن استسلامهم لشهوات قلوبهم أعمى عيونهم الروحية، ولأن الله يسحب نعمته من المصرين على معاندته ومقاومته.. لهذا يتركهم لغلاظة قلوبهم.. ولكن من يرجع إلى الله يشفيه من جراحات الخطيئة، وللأسف نرى أن كثيرين من الرؤساء وهم كبار الشعب آمنوا بالسيد المسيح سرا ولكنهم خشوا من إظهار إيمانهم لئلا يخرجوا خارج المجمع، ولأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله، وفى نفس الموضع الذى يذكر فيه القديس يوحنا الأنجيلى هذا، نجده يذكر مجد الله الذى رآه أشعياء النبى يملأ الهيكل وبينسبه للسيد المسيح نادى السيد المسيح بأن من يؤمن به يؤمن بالله فهو الطريق: " أنا هو الطريق والحق والحياة، لا يأتى أحد إلى الآب إلا بى " (يوحنا 14: 6) وهو صورة الله غير المنظور " وهو بهاء مجده ورسم جوهره " (العبرانيين 1: 3) وهو النور الحقيقى: " أنا هو نور العالم، من يتبعنى لا يسير فى الظلام، وإنما يكون له نور الحياة " (يو 8: 12). سادسا: التنبؤ بخراب أورشليم:- انبهر التلاميذ لفخامة الهيكل فخر الأمة اليهودية فلفتوا نظر السيد المسيح إليها، ولكنه صدمهم بنبوءاته عن خراب الهيكل وأورشليم، وعندما سألوه عن موعد حدوث هذا لم يفصح عن الموعد ولكن أعطاهم علامات هذا الموعد.. وربط بين هذه العلامات وعلامات إنتهاء العالم وقيام الدينونة الأخيرة.. أنبأهم عن ظهور مسحاء وأنبياء كذبة، وحدوث حروب وشائعات عن حروب، كما أنبأ عن حدوث زلازل ومجاعات وأوبئة، كما أنبأ تلاميذه بما سيلاقونه هم وسائر أتباعه من الآم ومتاعب ولكن من يصمد للنهاية يخلص، وأوضح لهم أنه سيبشر بالأنجيل فى كل العالم، وأن الأنجيل سينتشر فى العالم إنتشارا سريعا وبعدما يتم هذا تأتى النهاية، وسيكون من علاماتها أيضا انحلال علامات الطبيعة: " تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التى فيها " (2 – بطرس 3: 10) ربما يتسائل البعض أن السموات (سماء الطيور)، (وسماء الكواكب والنجوم)، من الأعمال التى خلقها الله فى بدء الخليقة كما وردت فى سفر التكوين.. ورأى الله أن كل شىء مما خلقه فهو حسن، فلماذا يعود الله لأبادة هذه المخلوقات؟! نعم إن كل ما عمله الله كان حسنا، وعمل لخدمة الأنسان الذى خلقه، لم يدعه محتاجا شيئا، ولكن الأنسان ضل الطريق، وبدلا من عبادة الله الخالق، وتمجيده على أعماله العظيمة، نجده يستبدل عبادة الخالق بعبادة المخلوقات، فعبد الشمس والقمر والنجوم، وعبد العجل والبقرة والطيور،.. فأساء الأنسان إلى الله، وحل غضب الله على هذه المخلوقات أيضا، ألم يلعن الله الأرض بسبب الأنسان؟ لعنها عندما خالف آدم وصية الله وأكل من الشجرة، ولعن الله الأرض عندما قتل قايين أخيه هابيل كذلك تحدث السيد المسيح مع تلاميذه عن خراب أورشليم.. ولن ينقضى هذا الجيل حتى يكون الكل.. أما ساعة الدينونة فلا يعلم بها أحد إلا الله وحده، ولكن على الأنسان أن يكون مستعدا على الدوام لأن ساعة انتقال الأنسان من هذا العالم لا يعلمها أحد. سابعا: خيانة يهوذا:- قيافا رئيس الكهنة كان صدوقيا لا يؤمن بالقيامة من الموت، لذا كانت إقامة السيد المسيح للعازر من الموت ضربة موجهة إليه وإلى عقيدته، وكذلك رأى فى طرد السيد المسيح للباعة والصيارفة من أروقة الهيكل حربا موجهة ضده وضد مصالحه المادية هو ورؤساء الكهنة لأنهم كانوا يؤجرون أروقة الهيكل للباعة والصيارفة كم كانت فرحة قيافا حين أتاه يهوذا الأسخريوطى وهو واحد من تلاميذ السيد المسيح الأثنى عشر معلنا أنه مستعد لتسليم السيد المسيح إليهم مقابل أجرة، فاتفقوا معه أن يعطوه ثلاثين من الفضة: " فوزنوا أجرتى ثلاثين من الفضة " (زكريا 11: 12) ويوضح القديس لوقا الأنجيلى لنا أن يهوذا الأسخريوطى فعل هذا لأن الشيطان دخل فيه، أى أنه هو نفسه بإرادته الحرة سمح للشيطان أن يدخل فيه(مت 26: 1 – 5، 14 – 16)، (مر 14: 1، 2، 10، 11)، (لو 22: 1 – 6). القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج عن كتاب أحداث الأسبوع الأخير
المزيد
10 أبريل 2023

اثنين البصخة

يذكر لنا الكتاب المقدس أنه حدث فى هذا اليوم أمران لعن شجرة التين، وتطهير الهيكل. لعن شجرة التين: (متى 21: 18 – 19)، (مرقس 11: 12 – 14).خرج السيد المسيح من بيت عنيا قاصدا أورشليم وفى الطريق جاع إذ لم يكن قد تناول طعاما حين غادر بيت عنيا، وبالقرب من أورشليم رأى عن بعد شجرة تين مورقة،.. وظهور الأوراق المبكر للشجرة يعنى أن يكون مصحوبا بظهور الأثمار، ولكن لما تقدم السيد المسيح منها طالبا أن يأخذ منها ثمرا لم يجد، فغضب عليها ولعنها.. والتينة هنا رمز للأمة اليهودية التى لها صورة التقوى ولكن بدون ثمارها، فحقت عليها اللعنة.. وهى أيضا مثال المرائى الذى يظهر على غير حقيقته، وبمجرد أن لعنها السيد المسيح بدأت أوراقها فى الذبول حالا. تطهير الهيكل: (متى 21: 12 – 17)، (مر 11: 15 – 19)، (لو 19: 45 –48)دخل يسوع الهيكل حيث طهره من الباعة، وقد كان قيافا وحموه حنانيا بمساعدة رؤساء الكهنة يؤجرون أروقة الهيكل للباعة وللصيارفة، الذين كانوا يقومون بتغيير العملات المختلفة إلى العملة المقدسة التى تستعمل فى الهيكل وهى الشاقل (وهى خالية من أى صور شخصية).. نرى السيد المسيح الذى لا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته، نراه هنا يثور ويطرد الباعة وقلب موائد الصيارفة صائحا فيهم: " مكتوب أن بيتى بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه وكر لصوص ". وهى آية وردت فى أشعياء 56: 7: " لأن بيتى بيت الصلاة يدعى لكل الشعوب " – وكذلك فى (أرميا 7: 11): " هل صار هذا البيت الذى دعى بأسمى عليه مغارة لصوص فى أعينكم ". ولعل الضرر المادى الذى لحق بقيافا وحنانيا والكهنة من تصرف السيد المسيح مع الباعة على هذا النحو، كان من بين الأسباب التى دعت هؤلاء القوم إلى محاولة التخلص من السيد المسيح، وتلفيق التهم الدينية له لمحاكمته.والجدير بالذكر أن هذا التطهير للهيكل هو غير التطهير الذى قام به رب المجد فى أول خدمته والمذكور فى انجيل القديس يوحنا (يوحنا 2: 13 – 17). " وكان فصح اليهود قد اقترب، فصعد يسوع إلى أورشليم، ووجد فى الهيكل باعة البقر والغنم والحمام، والصيارفة جالسين إلى مناضدهم. فصنع سوطا من الحبال، وطردهم من الهيكل مع البقر والغنم، وكب نقود الصيارفة وقلب مناضدهم. وقال لباعة الحمام: " ارفعوا هذه من هنا ولا تجعلوا بيت أبى تجارة " فتذكر تلاميذه أنه مكتوب: " إن الغيرة على بيتك أكلتنى ".كذلك أجرى السيد المسيح بعض المعجزات فى الهيكل، والتف حوله الأطفال وهتفوا له مما أثار حنق وغيرة رؤساء الكهنة.. ودعتهم للهجوم عليه، فرد عليهم: " أفما قرأتم قط أن من أفواه الأطفال والرضع اعددت لك تسبيحا " مشيرا إلى ما جاء فى المزمور " من أفواه الأطفال والرضع أسست حمدا بسبب أضدادك لتسكيت عدو ومنتقم " (مزمور 8: 2).وظل فى الهيكل طوال اليوم يعمل ويعلم، ولم يستطع الكهنة الأمساك به لإلتفاف الشعب حوله.ثم خرج السيد المسيح وقضى ليلته فى بيت عنيا. القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج عن كتاب أحداث الأسبوع الأخير
المزيد
09 أبريل 2023

أحد الشعانين

غادر السيد المسيح بيت عنيا صباحا مع تلاميذه، وعندما وصل إلى بيت فاجى وهى قرية قريبة من أورشليم بالقرب من جبل الزيتون، أرسل أثنين من تلاميذه ليحضروا له أتانا وجحشا.. ركب السيد المسيح الأتان فى الجزء الأول من الطريق ثم أكمل الطريق راكبا الجحش، وفى هذا دلالة رمزية إلى ترك الله للأمة اليهودية التى ترمز إليها الأتان، وإلى قبول الله للأمم الوثنية ويرمز إليهم بالجحش، وكما أن خروف الفصح يجب أن يؤخذ ويفرز فى اليوم العاشر من الشهر قبل ذبحه بأربعة أيام فى اليوم الرابع عشر من الشهر (خروج 12: 3 – 6). هكذا السيد المسيح فصحنا الحقيقى دخل أورشليم فى اليوم العاشر من الشهر.هكذا بقى حمل الله الذى يرفع خطيئة العالم بين جدران أورشليم مترددا بين الهيكل وبيت عنيا.ولما أقترب السيد المسيح من أورشليم وظهرت أمام عينيه مبانى الهيكل المغشاة بالذهب.. وأشعة الشمس تنعكس عليها معطية إياها منظرا أخاذا، بكى عليها.. بكى عليها فى يوم مجده.. مشفقا عليها من نتيجة رفضها له، وما سيحيق بها حين يحل بها غضبه الإلهى.. ويتركها لتدمرها جحافل الجيوش الرومانية سنة 70 م.وحين بدت أورشليم أمام أعين التلاميذ ثارت فيهم عواطفهم الدينية فهتفوا للرب ولم يجدوا إلا ثيابهم ليفرشوها على الطريق.. وآخرون قطعوا أغصانا من الشجر.. ولما: " سمع الجمع العظيم الذى جاء للعيد أن يسوع قادم إلى أورشليم، فأخذوا سعف النخل، وخرجوا لأستقباله، وهم يهتفون قائلين: هوشعنا. تبارك الآتى بأسم الرب ملك إسرائيل.. أوصنا لأبن داود، أوصنا فى الأعالى.." معترفين أنه المسيح الآتى من نسل داود وأنه آت بأسم الرب.والعجيب أن يذكر كل من انجيل القديس متى وانجيل القديس مرقس أن الجماعة التى خرجت لأستقباله قسمت نفسها إلى خورس يمشى أمام السيد المسيح وخورس يمشى ورائه.ومن العجيب أن يفسر المدراش (كتاب لتفاسير ودراسة المزامير وبقية الأسفار عند اليهود) الآية: " هذا هو اليوم الذى صنعه الرب.. نبتهج ونفرح فيه " (المزمور 118: 24).. بأن ذلك يعنى يوم الفداء الذى سينهى كل العبودية إلى الأبد.. والشارح يصور خورسا من المسبحين من رجال أورشليم يتجاوبون مع رجال يهوذا.. والمسيا المنتظر يقترب من أورشليم.. مرددين كلمات المزمور 118.. ثم بعد ذلك تتحد جماعة أورشليم مع جماعة يهوذا فى تسبيح واحد..والعجيب أن يذكر الكتاب المقدس: " ولم يفهم تلاميذه ذلك فى مبدأ الأمر، ولكنهم لما تمجد يسوع تذكروا أن ذلك مكتوب عنه، وأنهم فعلوا له هذا ".إن مسيحنا ملك متواضع، مملكته ليست من هذا العالم – إن مسيحنا ملك ولكنه غريب عن العالم ليس له أين يسند رأسه، فالويل للكنيسة التى تؤمن فى امكانياتها المادية فى هذا العالم ولا تحيا حياة الغربة.. سيتلقفها العالم وتخرج من ملكية الملك الغريب.هذا الملك المتواضع الغريب رفضه اليهود، لأنه لم يأت كما أرادوه، إننا يا إخوتى لا بد أن نقبل المسيح كملك لا كما نريد نحن بل كما يريد هو، نقبله ملكا غريبا، ومرفوضا من العالم، فالمسيح ملك للمتواضعين، إذا لننسحق الآن فى الكنيسة ونتضع لكى يملك الرب علينا " ليأت ملكوتك ".أحداث الأسبوع الأخير تسير بسرعة وأنجيل باكر أحد الشعانين يقول: " يا زكا أسرع وانزل "معنى ذلك أن أحداث الخلاص تسير بسرعة مهولة، ومن يتأخر ولا يسرع تفوته.الأحداث من أحد الشعانين إلى الصليب (ساعة الصفر) مركزة بصورة رهيبة لا تستطيع كتب العالم أن تستوعبها..ووراء المسيح يسير الأطفال هاتفين وفرحين.. ورؤساء اليهود يأكلهم الغيظ، ربنا تهلل بالروح وقال أحمدك أيها الآب السماوى لأنك أعلنت هذه للأطفال وأخفيتها عن الحكماء دخل السيد المسيح أورشليم باحتفال عظيم، كما تنبأ عنه زكريا قائلا: " إبتهجى جدا يا إبنة صهيون، إهتفى يا بنت أورشليم، هوذا ملكك يأتى إليك هو عادل ومنصور وراكب على حمار وعلى جحش إبن أتان ". (زك 9: 9). القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج عن كتاب أحداث الأسبوع الأخير
المزيد
08 أبريل 2023

سبت لعازر

قضى يسوع هذا اليوم فى بيت عنيا، وهى بلدة صغيرة قريبة من أورشليم فى بيت مريم ومرثا وأخيهما لعازر الذى سبق أن أقامه يسوع من الموت. وكانت مرثا تخدم وكان لعازر من بين الجالسين إلى المائدة.وأخذت مريم منا، من طيب ناردين غالى الثمن، وسكبته على رأس يسوع وعلى قدميه، ومسحت قدميه بشعرها.أثار يهوذا الأسخريوطى تذمرا، إذ تظاهر بتعاطفه مع الفقراء، ويوضح لنا القديس يوحنا الأنجيلى أنه " قال هذا لا لأنه كان يهتم بالفقراء، وإنما لأنه كان سارقا، وقد كان كيس النقود معه، فكان يستولى على ما فيه " · طلب السيد المسيح من الحاضرين عدم ازعاج المرأة، وأنبأ أنه لن يكون هناك وقت لتطييب جسده أثناء تكفينه قبل دفنه: " وهى إذ سكبت هذا الطيب على جسدى إنما فعلت ذلك لتكفينى " – وكذلك أنبأ عن انتشار الأنجيل: " الحق أقول لكم إنه حيثما يبشر بهذا الأنجيل فى العالم كله سيذكر أيضا ما فعلته هذه المرأة تذكارا لها ".وقد أخذت الكنيسة المقدسة بهذا التوجيه فنجد فى القداس الإلهى فى صلاة مجمع القديسين: " لأن هذا يارب هو أمر ابنك الوحيد أن نشترك فى تذكار قديسيك.. " مشيرة فى ذلك إلى القول السابق للسيد المسيح.القديسان متى ومرقس اقتصرا على أن ذلك حدث فى بيت عنيا، ولكن القديس يوحنا صرح أنه كان ذلك قبل الفصح بستة أيام أى ليلة الأحد بعد نهاية السبت (يو 12: 2).وهناك رأى بأن حادثة سكب الطيب قد تكررت مرة أخرى ليلة الأربعاء كما ورد فى انجيل القديس متى وانجيل القديس مرقس.ولعل تكرار استعمال الطيب هذا الأسبوع كان إشارة لتكفين وتطييب جسد ربنا يسوع الذى أوشك على الموت موت الصليب بعد أيام قليلة.أما الحادثة التى ذكرها القديس لوقا فقد حدثت من قبل هذا بثلاث سنوات فى مدينة نايين بالجليل، فى بيت سمعان الفريسى، وقد قامت بسكب الطيب أمرأة خاطئة، فكانت مشاعرها مشاعر توبة وندم.. انظر (متى 26: 6 – 13)، (مرقس 14: 3 – 9)، (يوحنا 12: 2 – 11).يقول المتنيح القمص بيشوى كامل إن أحداث الأسبوع الأخير مشحونة بمشاعر حب الله لنا إلى المنتهى،.. بدأ الوحى الإلهى بإبدال لغة الكلام بلغة الطيب:الطيب يفوح وينتشر بسرعة ويحمل معه نشوة رقيقة،.. لقد سكب الرب ذاته.. وكسر جسده وأعطاه لتلاميذه..سكب ذاته.. فوضع نفسه عند أرجل تلاميذه ليغسلها!!! وسكب حبه.. حتى مع الخائن أعطاه اللقمة!!! وعلى الصليب سكب ذاته من أجل الذين عروه، وطعنوه، وبصقوا فى وجهه، وجلدوه.. من أجلهم مات ومن أجلهم طلب الغفران.خدمة الطيب خدمة حب: فلنحب يا أخوتى الله من كل القلب..ولنحب إخوتنا فى البشر من قلب طاهر بشدة، ونعمل كل أعمالنا بمحبة للمسيح.خدمة الطيب خدمة صلاة هادئة: انها خدمة مشاعر وليست خدمة كلام، إنها خدمة صامتة، إنها صلاة مخدع هادئة بعيدة عن ضوضاء أورشليم، إنها خدمة فقير، أو كأس ماء بارد.خدمة الطيب خدمة انسحاق واحساس بالدين: المرأة الخاطئة التى سكبت الطيب عند قدمى يسوع، خدمة انسانة مديونة للمسيح بخلاصها.. ان خدمة الطيب تكشف لنا أن التوبة تتم عند أقدام المسيح، بروح الأنسحاق والأحساس بالدين وبدموع غزيرة.خدمة الطيب تكشف عن قيمة الرب فى حياتنا: إن قيمة السيد المسيح عند يهوذا وصلت إلى 30 من الفضة!! أما عند المرأة فكانت تساوى كل ما عندها.. حتى ال 300 دينار، والعجيب أن الحادثتين تمتا فى نفس اللحظة. إن حبنا ليسوع يتضح فى مقدار تضحيتنا – وفى مقدار ما نبذل أو نخسر من أجل يسوع ووصيته..خدمة الطيب خدمة تكفين للرب: ستبقى هذه الرائحة عالقة بجسد الرب، كخدمة نيقوديموس ويوسف الرامى.. خدمة النفوس التى أحبت أن تشارك الرب فى الآمه عوضا عن التلاميذ الذين ناموا..أو هربوا.. أو أنكروا.. لذلك ياأخوتى بقدر ما يكثر الشر من حولنا – حتى فى وسط أولاد الله – بقدر ما يجب أن نكثر من سكب الطيب.خدمة الطيب خدمة باقية تتحدى الموت: التلاميذ هربوا عند الصليب، ويوحنا أكمل عند الجلجثة، أما المرأة التى سكبت الطيب فلازمت الرب عند الصليب وذهبت معه إلى القبر، وفى فجر الأحد والظلام باق أخذت طيبها ومشاعرها لتضعه على القبر – وكلها رجاء فى الذى يدحرج لها الحجر. الذين خدموا خدمة العبادة والحب والأنسحاق وصل رجاءهم إلى ما بعد الموت.. إلى الحياة الأخرى خدمة الطيب ليست اتلافا: ليست الصلاة أقل من بناء المؤسسات العظيمة، وليست خدمة الفقراء أقل من بناء الكاتدرائيات..إن خدمة انطونيوس وبولا ومقاريوس أبقى للكنيسة من كاتدرائيات الأباطرة العظماء، ليست الرهبنة اتلافا، وليست خدمة الصلاة فى مدارس الأحد أقل من خدمة الوعظ بل أهم.خدمة الصلاة ليست اتلافا.. كثرة القداسات ليست اتلافا، الخدمة الأجتماعية اليوم تغزو الكنيسة بدعوى أن كثرة الصلاة اتلاف، ونحن فى حاجة للعمل، والحقيقة أن العمل الخالى من الصلاة يكون مشحونا بالأنانية والذاتية ويصبح ليس اتلافا بل وبالا على الكنيسة. القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج عن كتاب أحداث الأسبوع الأخير
المزيد
16 يناير 2023

عماد السيد المسيح ووليمة العرس الأبدي

منذ سقوط آدم وحواء في العصيان يسيطر على الإنسان الشعور بأن الله ساكن في سماواته وسط عظمته وجبروته وأمجاده يترقب أخطاء البشر ليعاقبهم ، فهو القدوس الذي لا يطيق ضعف البشر سكان الأرض الذين يعجزون عن التخلص من شهوات الجسد وفساد العواطف وانحلال الحواس ! لذلك كان كل ما يشغل البشر أن يلطفوا من الغضب الإلهي ، حتى لا ينتقم منهم . وقد جاءت إعلانات الله ونواميسه تؤكد شوق الله إليهم ، ورغبته في الالتصاق بهم وشركتهم معه . فهو لا يعتزل عنهم في سماواته ، بل ينزل إليهم ويبحث عنهم ليضمهم إليه . يرى القديس مار يعقوب السروجي في ميمره " في حلول الرب على جبل سيناء والرمز إلى الكنيسة " أن الرب دعا موسى النبي ليعلن له أنه يريد أن يخطب الشعب لنفسه ، فتكون له العروس المقدسة . قدم لها الوصايا العشر كجواهر تتزين بها العروس . لكنها للأسف فضلت عنه العجل الذهبي عريسا لها . فقد قال عنهم : زاغوا سريعا عن الطريق الذي أوصيتهم به ، صنعوا لهم عجلاً مسبوكا وسجدوا له وذبحوا له ، وقالوا : هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر ( خر ۳۲ : ۸ ) . الآن قد جاء كلمة الله متجسدا ، نزل إلى الأرض كمن جاء إلى بيت الخطيبة ، يطلب يدها بنفسه ويقدسها ويجملها ، ليحملها إلى سماواته أي حجاله ، تشاركه أمجاده . في ميامره على عماد السيد المسيح والمعمودية المقدسة أبرز القديس مار يعقوب السروجي الآتي :- ۱- نزل الرب نور العالم إلى أرضنا لكي ينير الخلائق ( البشر ) ويجددها . وقد مر في مراحل العمر البشري مثل كل إنسان : تمت المرحلة الأولى في أحشاء مریم البتول بالولادة ، والمرحلة الثانية تمت حين عمده يوحنا في نهر الأردن . ٢- لم ير يوحنا المعمدان الابن إلى أن عمده ، حتى لا يقال إنه صديقه . وقد شهد بأنه حمل الله الحامل خطايا العالم . ٣- عمده يوحنا في صمت لئلا يعرفه الشيطان . لكن الآب تكلم ، قائلاً : هذا هو ابني حبيبي ، لتتعرف العروس على حقيقة عريسها ، مؤكذا لها لاهوت السيد المسيح . تكلم الآب شخصيا ، ولم يستعر صوت الملائكة أو الأصوات الطبيعية الأخرى ، كما في بقية ظهورات الرب . ٤- قدس المسيح المياه ، ولم تقدسه المعمودية مثل البشر . لم ينزل الروح القدس ليقدس الماء ، إنما نزل بعد أن اعتمد يسوع لنتمتع بظهور الثالوث القدوس وحبه العجيب للبشرية وخطته لنا على المستوى الأبدي . ه . يتكلم القديس مار يعقوب السروجي عن المعموديات في الناموس التي لم تكن تعطي الروح ليحل ويسكن فينا . ٦. يقارن القديس مار يعقوب السروجي بين معموديات الناموس ومعمودية يوحنا ومعمودية المسيح التي هي المعمودية الحقيقية ، وقد جاءت المعموديات التي قبلها ترمز لها . ٧- كانت العروس تنتظر المسيح وتعرفت عليه بعد اعتماده ، وحالاً بدأ المسيح يحارب رئيس الهواء في القفر لحساب عروسه . 8- يقدم لنا القديس مار يعقوب السروجي حوارا جادا مع ابنة العبرانيين التي ستأخذ محلها الكنيسة بنت الشعوب . ٩- خطب المسيح الكنيسة ، وغسلها بالماء من درن عبادة الأصنام وألبسها حلة المجد في حضن المعمودية . ١٠- ظنت الكنيسة أن يوحنا المعمدان هو العريس ، فأوضح لها يوحنا بأنه مجرد الصوت الصارخ أمام العريس القادم الذي كان قبله ، ولا يستحق أن يحل سيور حذائه . وقد تعجب يوحنا ، لأنه وضع يده على اللهيب ولم يشتعل . ١١- علم السيد المسيح يوحنا أن يعمده في صمت . لم يدر باسم من يعمده ، هل باسم الآب ؟ فإنه معه ، أم باسم الروح القدس فهو يشهد له ؟ ۱۲- تطالب الكنيسة داود وزكريا أن يفسرا لها نبوتيهما عن الابن الذي أشرق اسمه فارتج الأردن أمامه . ۱۳- انتهى كهنوت لاوي بيوحنا المعمدان ، وبدأ كهنوت العهد الجديد بعماد السيد المسيح . لم يضف الكهنوت اللاوي شيئا إلى طبيعة السيد المسيح . ١٤- طلبت الكنيسة من القديس مار يعقوب السروجي أن يؤلف ميمرا ، لذا لم يقدر أن يصمت ، لكنه يدعو إلى وليمة العروس ، ويستفسر قائلا : ما المعمودية وهو يعدد صفاتها مستنداً إلى العهدين القديم والجديد . ١٥- تجعلنا المعمودية أبناء الله الساكن في موضع لا يدنو منه الملائكة ولا البشر . صارت المعمودية أما هي لنا بدل حواء . ويدعو المعتمد الله أبا له وقد صار أخا للسيد المسيح . ١٦- يحسب القديس مار يعقوب السروجي أن ميمره عن المعمودية لحنا ينشده لانتصار الكنيسة . ١٧- يقدم لنا القديس في قصيدته " على عماد مخلصنا في نهر الأردن " اشتراك الكل في وليمة العرس العجيبة :- أ- شق صوت الآب السماء وشهد له . ب- تحرك الروح القدس بكونه إصبع الآب واستقر عليه حتى لا يظن أحد أن صوت الآب يخص آخر غير يسوع المسيح . ج - قدمت الطبيعة غير العاقلة له تسبحة بلغتها . فالسحب تجمعت لتكون خدرًا للعريس ، والضباب تجمع ليصير كستائر لقصره الملكي عند صعوده من النهر . وأضاءت البروق على الأرض ، لأن شمس البر نزل إلى مياه الأردن ليقدسها . د- التهبت المياه كما بنار الروح القدس لتعلن تقديس المعمودية عبر الأجيال القادمة . ه- تناغمت دهشة الكنيسة مع دهشة السمائيين ، إذ طلب السيد من خادمه أن يضع يده على رأسه . و - في صمت مع حيرة مد المعمدان يده وهو يراقب الطقس السماوي الفريد لعماد السيد المسيح . ز - استدعت الكنيسة بعض أنبياء العهد القديم ليشرحوا لها ما سبق أن تنبأوا به عن هذا الحدث . ۱۸- بنزول السيد المسيح إلى الأردن ليعتمد أنهى سلطان الكهنوت اللاوي الذي سلمه لموسى على جبل سيناء ، وقدم الكهنوت الجديد لتلاميذه ورسله . القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مار جرجس بسبورتنج عن كتاب من ميامر على عيد الغطاس المجيد ( الإبيفانيا أو الظهور الإلهي ) عيد الإبيفانيا عيد عماد السيد المسيح عند القديس مار يعقوب السروجي
المزيد
02 يناير 2023

أترى ماذا يكون هذا الصبي ( لو 1 : ٥٧-٨٠ )

في الثلاثة آحاد السابقة سمعنا عن صمت القديسة مريم وعن حوارها وعملها الكرازي ، أما وقد اقترب عيد ميلاد السيد المسيح ، فتقدم لنا الكنيسة ميلاد يوحنا المعمدان ، وقد سبق لنا الحديث عن عيد استشهاده في ميلاده يروي لنا القديس لوقا البشير أربعة أمور تمس علاقتنا بميلاد السيد المسيح ونمونا الروحي : 1- تسمية يوحنا [ 59-63 ] . 2- التساؤل : ماذا يكون هذا الصبي ؟ [ 66 ] . 3- تنبؤ زكريا عن الخلاص في بيت داود [ 67-79 ] . 4- كان الصبي ينمو ويتقوى بالروح [ ۸۰ ] . 1- تسمية يوحنا [ 59-63 ] . في يوم ختانه رفضت اليصابات تسميته " زكريا " باسم أبيه ، وقالت : " لا بل يسمى يوحنا " [ 60 ] . لم تذكر اليصابات أنها اتفقت مع رجلها على تسمية الابن ، لذلك تعجب الحاضرون عندما كتب على لوح أن اسمه يوحنا .فماذا وراء هذا الاسم الذي لم يتسم به أحد من عشيرتهما . إذ جاء هذا الطفل ليكون الصوت الصارخ في البرية ليعد الطريق للرب ، أراد الوالدين دون اتفاق سابق ألا يكون منتسبا للعشيرة ، بل ينتسب للرب الذي يعلن حنانه كحمل يحمل خطية العالم . هكذا يليق بإنسان الله ألا ينشغل بالزمنيات ، بل يضع نصب عينيه أن يتمم الرسالة التي وضعها الله له لبنيان ملكوته . في لقاء مع شيخ وزوجته ، سألتهما : ما هي رسالتكما ؟ في دهشة قال لي الشيخ : لم يرد هذا السؤال على ذهني مطلقا ، ولست أعرف ما هي رسالتي . طلبت منه أن يسأل الله في كل صلواته عن رسالته التي وضعها الله في خطته . 2- ماذا يكون هذا الصبي ؟ [ 66 ] . شعر جميع الجيران بأن يد الرب معه [ 66 ] ، وأن له رسالة فائقة لا يعرفها أحد . مسكين الإنسان الذي يكون كسمكة ميتة ليس لها طريق تسلكه ، بل تحركها أمواج البحر في اتجاهات متباينة . مع شعور المؤمن بضعفه يثق في عمل الله به وفيه ، فيقول مع الرسول : " أستطيع كل شيء في المسيح يسوع الذي يقويني " ( في 4 : 13 ) . إنسان الله يضع أمام عينيه مركزه الجديد كابن الله يعتز بأبوة الله السماوي ، ويثق في تدبير الرب لكل حياته . 3- تنبؤ زكريا الكاهن عن الخلاص في بيت داود [ 67-79 ] . ما شغل قلب زكريا ليس أن الله نزع العار عن الأسرة ، إذ صار لها ابن يستلم منه الكهنوت ، ولا ماذا يقول الناس عنه ، إنما تذكر قول الملاك له : " ويكون لك فرح وابتهاج ، وكثيرون سيفرحون بولادته ، لأنه يكون عظيمًا أمام الرب ، ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس ، ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم " ( لو 1 : ١٤-١٦ ) . تهلل الجنين يوحنا في بطن أمه ، وسكب فرحا وبهجة على أسرته ، وامتد الفرح إلى جيرانهم ، وسر به السمائيون إذ رأوه أنه عظيم في عيني الرب ، ويرد كثيرين إلى الرب إلههم ، ويتمتعون بمحبة الله وخلاصة ! 4- و كان الصبي ينمو ويتقوى بالروح [ ۸۰ ] . النمو المستمر علامة الحياة ، فإن كان قد امتلأ من الروح القدس وهو بعد في بطن أمه كقول الملاك ( لو 1 : 15 ) ، فهذا الملء يتجدد باستمرار خلال نموه ، فيزداد قوة بالروح ، هذا ما كان يسعى إليه الرسول بولس لعله يبلغ قامة ملء المسيح ( أف ٤ : ١٣ ) . القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
المزيد
23 ديسمبر 2022

الكرازة بالفرح في الرب

لم يختر السيد المسيح القديسة مريم من بين الاثني عشر تلميذا ولا من بين السبعين رسولاً ، غير أنها كانت نموذجا رائعا وفعالاً في ممارستها الكرازة العملية . 1- بصمتها لم تخبر خطيبها القديس يوسف عن بشارة الملاك جبرائيل ، ولا أعلنت له عن تجسد الكلمة في أحشائها ؛ غير أنها بصمتها المقدس ، ظهر ليوسف ملاك في حلم قائلاً : " يا یوسف بن داود ، لا تخف أن تأخذ امرأتك ، مریم لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس ، فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع ، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم " ( مت ۱ : ۲۰-۲۱ ) . ما قدم ليوسف في حياته أفضل من الحوارات البشرية . 2- بحوارها المقدس مع الملاك جبرائيل أيضا كرزت ، فقدمت للبشرية عبر الأجيال فهما لسر التجسد ، ودور الثالوث القدوس فيه ( لو 1 : ٣٤ ) . 3- كما كرزت بالصمت المقدس والحوار المقدس ، كرزت أيضا بعمل المحبة الباذلة المقدس ، إذ قيل : " فقامت مريم في تلك الأيام ، وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ... فلما سمعت اليصابات سلام مریم ارتكض الجنين في بطنها ، وامتلأت اليصابات من الروح القدس " ( لو 1 : 39-41 ) . بعمل المحبة تحول بيت زكريا الكاهن إلى شبه سماء متهللة ؛ الجنين ارتكض مبتهجا ، واليصابات امتلأت من الروح القدس ، وصار البيت كله مسبحا الله بفرح وتهليل . يا لعظم كرازة مريم ، التي لم تخبرهم شيئا ، إنما جاءت حاملة السيد المسيح جنينا في أحشائها ! لا يحتاج العالم إلى عظات وكتب بقدر ما هو متعطش إلى دخول السيد المسيح إلى القلوب وفي البيوت ، وأينما وجد الإنسان ! الحياة المتهللة المقدسة والكرازة صالح أن تهتم الكنيسة بالكرازة والتبشير ، فتعد مناهج للتبشير يتعلمها المؤمن بروح الإيمان والثقة في عمل روح الله القدوس فيه وفي المخدومين . وصالح أن يخدم المؤمن غير المؤمنين في كل جوانب الحياة ، فيشعر بالمحبة العملية الصادرة عن الكارز بالله محب البشرية . إنما كل هذا يفسده التعصب الأعمى أو الحرفية القاتلة أو التشامخ والكبرياء ، فإن نعمة الله القدوس تعمل فيمن يحيا مقدسا بروح التواضع والحب ! لم يذكر الكتاب المقدس أن القديسة مريم أخذت معها هدايا للجنين ووالديه ، ولا فكرت كيف تخدم نسيبتها الحبلى وهي بلا خبرة في مثل هذه الحالة ، وربما لم يكن لديها إمكانيات مادية تقدمها لهم . لقد شعرت بالغنى الحقيقي ، إذ تحمل في أحشائها مخلص العالم ، واهب الفرح السماوي والتهليل القلبي . قدمت القديسة مريم للكاهن وزوجته وجنينها رب المجد نفسه الساكن فيها ، .فصار البيت أشبه بسماء لا يعوزها شيء . هب لي يا ربّ روح الكرازة الصادقة انطلق مع القديسة مريم حاملاً إياك في قلبي هب لي الصمت المقدس ، فتتكلم أنت في وبي هب لي يا رب الحوار المقدس معك فأطلب لأجل خلاص البشرية هب لي القلب المتسع بالحب ، والعقل المملوء حكمة هب لي أن أثبت فيك ، وتثبت في فأصير بك مصدرا للفرح لكل من ألتقي به القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
المزيد
16 ديسمبر 2022

الحوار المقدس وطفل المذود

في الأحد الأول من شهر كيهك تمتعت القديسة مريم منذ طفولتها بالصمت المقدس ، وسمح الرب بصمت الكاهن زكريا للتفرغ في دراسة الكتاب المقدس والنبوات عن المسيا المخلص ، كما سبح الجنين يوحنا في بطن اليصابات بابتهاج ولم ؛ يسمع أحد تسبحته سوى الرب نفسه . هذا الصمت المقدس لا يتعارض مع الحوار المقدس ، بل يقدس أعماق النفس والعواطف واللسان ، فيتأهل المؤمن للحوار المقدس المتناغم مع المقدس . هذا ما نراه في شخصية القديسة مريم والدة المسيا الكلمة . الصمت بين حوار حواء الأولى وحوار حواء الجديدة 1- احتفالنا بعيد ميلاد السيد المسيح بكونه كلمة الله المتجسد ، يقوم على تمتعنا العملي بقول الرسول : " كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه " ( عب : ٢ ) . نزل إلينا وحل بيننا ، لنسمع صوته في قلوبنا ، ونتلامس مع خلاصه بالصليب ، وندخل معه في شركة سرية مقدسة لا تنقطع . تتقدس أعماقنا ، ويقام ملكوته فينا ( لو ۱۷ : ۲۱ ) ، فيصير صمتنا كما حوارنا مقدسين بالرب القدوس . 2- يتصور القديس مار يعقوب السروجي في القديسة مريم أنها مع صمتها ، إذ كانت تفكر في كل أحداث السيد المسيح منذ البشارة بالحبل به إلى يوم رحيلها إلى الفردوس ، أنها قامت بحوارات وأحاديث مع كثيرين : مع الرعاة والمجوس والسمائيين القادمين للبشارة والسمائيين الذين لم يتحركوا عند محاكماته وعذاباته وصلبه . وفي هذا كله لم تحل صمتها المقدس . نذكر في إيجاز بعضا من حواراتها . 3- يرى القديس إيرينيؤس ( القرن الثاني ) أن حواء بحوارها مع الحية ربطت عقدة ، قامت حواء الثانية بحلها بحوارها مع الملاك جبرائيل . 4- يرى القديس مار يعقوب السروجي أن حواء الأولى بدأت بحوار فاسد وأعقبته بصمت فاسد ، بينما بدأت حواء الجديدة بحوار مقدس وبناء وأعقبته بصمت مقدس وبناء لحياتها وحياة أبنائها المؤمنين عبر الأجيال . 5- تسللت الحية إلى حواء ، وفتحت معها الحوار دون أن تنطق بتحية أو سلام ، لأن الحوار مع الشيطان أو الخطية لا يهب سلاما . وكما يقول إشعياء النبي : " لا سلام للأشرار قال إلهي " ( إش ٥٧ : ٢١ ) . أما الملاك فافتتح الحوار بقوله : " سلام لك أيتها المملوءة نعمة ؛ الرب معك " ( لو ١: ۲۸ ) . وكأن الحوار تحقق بالنعمة الإلهية ، وفي الحضور الإلهي . من يمارس الصمت المقدس الذي به يتذوق عذوبة الحضرة الإلهية أينما وجد ، يصير حديثه مملحا بملح الروح القدس ، وفيه عذوبة ولطفا . فلا نعجب من تركيز يشوع بن سيراخ على اللسان كأداة لنمو الحكيم ومجده ، وتحطيم الجاهل وهلاكه . في الكلام المجد والهوان ، وسقوط الإنسان سببه لسانه ( سي ٥ : ٢٣ ) . الحديث العذب يكثر أصدقاؤه ، واللسان اللطيف يكثر الوقورين تحيات عديدة متباينة ( سي ٦: ٥) . الزلة على الرصيف أفضل من الزلة من اللسان ، هكذا يكون سقوط الشرير سريعا ( سي ٢٠ : ۱۸ ) . من الذي يقيم حارسًا لفمي ، وخاتم التعقل على شفتي ، فلا أسقط بسببهما ، ولا يهلكني لساني ( سي ٢٢ : ٢٧ ) . ضربة السوط تسبب جرحا ، وضربة اللسان تكسر العظام ( سي ٢٨ : ۱٧ ) . 6- مالت حواء بأذنيها لتسمع من الحية الكلام الكاذب والتشكيك في الإيمان : " أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة ؟ " وانتهى الحوار بالصمت أمام تكذيب العدو لوعد الله : " لن تموتا ... وتكونان كالله عارفين الخير والشر " ( تك ٣ : ٤-٥ ) صدقت الكذب وصمتت ، فجاء صمتها الفاسد يتبع حوارها الفاسد . أما حواء الجديدة فدخلت في حوار بناء غايته ليس حب الاستطلاع ، بل التمتع بالنمو في المعرفة لأسرار الله ومعاملاته . بدون هذا الحوار من كان يتمتع بمعرفة دور الثالوث القدوس في التجسد الإلهي : " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك ، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله " ( لو١ : ٣٥) . هذا الحوار انطلق بها إلى الصمت المقدس بروح الإيمان : " هوذا أنا أمة الرب ، ليكن لي كقولك " ( لو ١ : ٣٨ ) . ربما يتساءل أحد : بماذا نبدأ ، بالصمت المقدس أم بالحوار المقدس ؟ جاءت الإجابة العملية في حياة حواء الجديدة ، وهي من يلتصق بالرب يتمتع بالصمت المقدس كما بالحوار المقدس . ومن يعتزل الله لينفرد مع عدو الخير كحواء الأولى ، كلامه فاسد ومفسد ، وصمته أيضا فاسد ومهلك . القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
المزيد
09 ديسمبر 2022

الصمت المقدس والحديث السري مع الرب

إذ يبدأ شهر كيهك ، ما يشغل المؤمنين هو السهر في تسابيح " سبعة وأربعة " ؛ حيث يشتم الكل روائح اللقاء مع مخلص البشرية خلال تسبيح القلب والفكر . يتسم هذا الشهر بالسهر في الأديرة كما في كثير من الكنائس ، خاصة عشية السبت واستمرار التسبيح حتى قداس الأحد . تحسب قراءات الآحاد في هذا الشهر رحلة المؤمن في صحبة أناس الله نحو اللقاء مع طفل المزود . صمت طفلة الهيكل خلال الأسبوع الأول من شهر كيهك تحتفل الكنيسة بتذكار تقديم القديسة العذراء مريم إلى الهيكل بأورشليم وهي ابنة ثلاث سنوات ، لأنها كانت نذيرة الرب . وذلك أنه لما كانت أمها حنة عاقرا كانت حزينة جدا هي وزوجها القديس يواقيم ، فنذرت ، وقالت : " یا إلهي إذا أعطيتني ثمرة ، فإني أقدمها نذرا لهيكلك المقدس " . فاستجاب الرب ورزقها هذه القديسة ، فأسمتها مريم . وبعد أن ربتها ثلاث سنوات مضت بها إلى هيكل الرب وقدمتها لتقيم مع العذاري ، وهي تنمو في الفضيلة والنسك والعبادة . فأقامت نحو عشرة سنوات حتى جاء ملء الزمان الذي فيه يأتي الرب إلى العالم متجسدا من هذه العذراء الطاهرة التي اختارها لعل من أهم الفضائل التي اقتنتها منذ طفولتها الصمت المقدس ، حيث كانت تصمت بلسانها عن أحاديث العالم وما يجري فيه ، لينشغل قلبها بمعاملات الله معها . هذه الفضيلة التي لازمتها حتى يوم رحيلها من هذا العالم . إذ يكرر الإنجيلي قوله عنها : " كانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها " ( لو ۲ : ١٩ ، ٥١ ) . ما كان يمكن للقديسة مريم أن تحتمل ما نالته من نعم إلهية فائقة حتى بالنسبة للسمائيين لو لم تهبها نعمة الله أن تتأمل في أعماقها أسرار الله وعطاياه لها ولكل البشرية . تبقى هذه القديسة الفريدة قائدة لموكب الصامتين في الرب منذ طفولتها ، حيث لا تقدر مباهج الحياة الزمنية ولا تجاربها أن تسحب فكر المؤمن عن التصاقه بالرب وتمجيده على تدبيره العجيب لأجل تمتعنا بشركة أمجاده . بالصمت المقدس تهيأت البتول أن تصير والدة الإله ، وبالصمت المقدس يتهيأ المؤمن ليكون هيكل الله وروح الله يسكن فيه ( ١كو ٣: ١٦) . إن كان العالم يستقبل عيد ميلاد السيد المسيح ( الكريسماس ) بالزينات والأنوار والهدايا المتبادلة والحفلات . فما قدمته القديسة مريم بصمتها المقدس منذ طفولتها يفوق كل زينة وكل هدية وكل احتفال . يليق بنا في هذا الشهر المبارك أن نقيم حياتنا : هل نستقبل مخلص العالم في قلوبنا خلال الحديث السري الصريح معه ، دون أن يعوقه أو تقاطعه الأحاديث الباطلة ، لم تتوقف القديسة منذ طفولتها عن الجدية في إتمام رسالتها ، وقد تجلى ذلك بوضوح عندما سمعت عن اليصابات نسيبتها أنها حبلى بابن في شيخوختها . " فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ، ودخلت بيت زكريا وسلمت على اليصابات " ( لو ١ : ٣٩ ) . بصمتها المقدس ارتكض الجنين بابتهاج في بطن أمه ( لو 1 : ٤١-٤٤ ) ، وتحول بيت الكاهن كما إلى بيت تسبيح يشترك فيه حتى الجنين ! لنصمت مع القديسة مريم ، ونحمل مسيحنا في قلوبنا ، فيعمل روح الرب بنا ، حيث تصير لنا الأرض سماء متهللة . هذه هي هدية الكريسماس التي يسر بها طفل المزود العجيب ! صمت الكاهن الشيخ في الأحد الأول من شهر كيهك يلتهب قلبنا شوقا لممارسة ما تمتعت به نذيرة الرب القديسة مريم منذ طفولتها ، كما نتمتع بالصمت الذي اختبره الكاهن الشيخ زكريا وهو يتقبل البشارة بالحبل بيوحنا السابق ، الذي يعد الطريق للرب . حقا كان صمت زكريا بسبب عدم تصديقه للبشارة التي قدمها له الرب خلال جبرائيل الواقف قدام الله ( لو ١ : ٢٠ ) . غير أن الله الصانع الخيرات حول هذا التأديب لبنيان زكريا الكاهن ولنشر خبر هذه العطية التي وهبت له .... حتى كل من سمع عن ميلاد يوحنا تساءل : " أترى ماذا يكون هذا الصبي ؟! " ( لو ١ : ٦٦ ) ، وشعروا أن يد الرب كانت معه ! كان زكريا الكاهن في حاجة إلى هذا الصمت ، فلم يجد فرصة للحديث حتى مع زوجته اليصابات ومع أقربائه . ترى كيف قضى زكريا هذه الشهور التسع ؟! لم يكن أمامه سوى التسبيح الصامت ، وقراءة الأسفار المقدسة والطلب الدائم كي ينير الرب فكره ، ويكشف له خطته وأسراره ونبواته مع ممارسة مطانياته وعبادته الظاهرة والخفية ! هكذا يليق بنا مع بداية شهر كيهك أن نطلب بلغة القلب قبل اللسان قائلين : " بنورك يا رب نعاين النور " ( مز ٣٦ : ٩ ) . نمارس أصوامنا ومطانياتنا وصلواتنا وتسابيحنا كي يشرق علينا طفل المزود ، شمس البر ، فندرك كلمات النبي : " ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر ، والشفاء في أجنحتها " ( ملا ٤ : ٢ ) . موكب الصامتين تجسد كلمة الله والحبل به وميلاده في مزود ليس في بيت أحد الكهنة أو القيادات الكنسية أو الزمنية ، يدفعنا للانضمام إلى موكب الصامتين العجيب لم يحتفل الهيكل بميلاده ، ولم يذهب الكهنة والقيادات الكنسية ليسجدوا له ويسبحوه ، وساد السكون العالم . حتما وقفت الطغمات السماوية التي تعجز عن أن تتفرس في لاهوته وأمجاده في صمت لاستقبال المخلص ترى من هم أعضاء موكب الصامتين ؟ لقد ظهر ملاك الرب ووقف بالرعاة البسطاء ومجد الرب أضاء حولهم ، وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله ، وقائلين : " المجد الله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة " ( لو ۲ : ٩، ١٣-١٤ ) .لم يظهروا لجمهور الكهنة أو الشعب ، إنما للبسطاء الساهرين في عملهم بأمانة ، وغالبا ما كانوا مشتاقين للقاء مع المسيا المخلص . لذا ما أن رأوا وسمعوا السمائيين حتى انطلقوا إلى بيت لحم وهم يقولون : " لنذهب الآن ... وننظر الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب " ( لو ٢ : ١٥ ) ، وجاءوا مسرورين . وكأن هؤلاء الرعاة قد انضموا إلى موكب الملائكة في هدوء دون دعاية ! وانضم أيضا إلى الموكب جماعة من المجوس يقودهم كوكب عظيم ، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم ، إنه ملاك جاء على شكل كوكب ، فتحدث مع المجوس بلغتهم ، لغة الفلك والكواكب ! لم يذكر لنا الإنجيليون شيئا عن أحاديثهم في الطريق سواء مع بعضهم البعض أو مع الشعوب التي خرجت تنظرهم في دهشة ؟! وكأن الإنجيليين يدعوننا للانضمام إلى هذا الموكب الصامت . لسنا نتحدث بألسنتنا بل بقلوبنا وأفكارنا وعواطفنا المقدسة وسلوكنا من جهة الملك مخلص العالم ! إذ بلغوا أورشليم لم يرافقهم أحد من القصر الملكي ولا من رجال الهيكل ، إنما ما كان يشغل هيرودس هو قتله ، وما يشغل قيادات الهيكل هو ارتباكهم خوفا على فقدانهم سلطانهم وإيراداتهم ! هلم تنضم إلى موكب الصامتين ! هب لي يا رب أن أنضم بنعمتك إلى موكب الصامتين ، لأنضم إلى نذيرتك القديسة مریم الطفلة فأجد راحتي في هيكل قدسك مع العذارى ! لأسلك ببساطة الطفولة ، فلا تشغلني ملذات العالم ، ولا تقلقني تجاربه ! إذ أصمت في هيكلك ، يتكلم قلبي معك ، وتتكلم أنت أيها القدوس مع ضعفي . لأحفظ . مع أمك كل الأمور متفكرا بها في قلبي . بالصمت أنشغل بالثبوت فيك . أراك ساكنا في عميقا أعمق من عمقي ، وعاليا في داخلي أعلى من علوي ! لأنضم إلى زكريا الكاهن الصامت . فما يشغلني هو كلمتك وإعلاناتك الإلهية . لن تأسرني الحرفية القاتلة ، بل أجد في كتابك فردوس الحرية ، أقطف منه ثمر روحك القدوس : الحب والسلام والوداعة والعفة أرتوي من ينابيع حبك الدائمة الفيض ! لأرافق الرعاة البسطاء الساهرين بأمانة . فأرى السماء ليست ببعيدة - عني وأسمع الطغمات السماوية تتهلل لخلاصي . أنضم إلى خورس الملائكة وأتمتع بالترنيمة الجديدة . اسمح لي أن أرافق المجوس الأمميين ، التهبت قلوبهم شوقا إليك ، وساروا في الطريق يشهدون لك وقدموا لك ما لم يقدمه الكهنة واللاويون . تقودني نعمتك فلا أتعثر من مقاومة الشرير حتى إن كان ملكا . ولا أنتقد أحدا حتى إن كان كاهنًا غير مبال بخلاصك ! ليصمت لساني ، فيتكلم قلبي ، وليصمت قلبي ، فتتكلم يا أيها القدوس في ! القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل