المقالات

02 ديسمبر 2022

أخبريني يا أمي لماذا قلت : منذ الآن جميع الأجيال تطوبني " ؟

في دهشة أمام كلماتك يا أمي : " لأنه نظر إلى اتضاع أمته ، فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني " ( لو ١: ٤٨) . تدور في ذهني بعض الأسئلة ، منها : " ما ارتباط " تواضعك كأمة الرب بتطويب جميع الأجيال لك ؟ تجيب أم النور قائلة : كشفت لي بشارة رئيس الملائكة جبرائيل كيف صرت معملاً للثالوث القدوس ، إذ قال لي : " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك ، فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله " ( لو ١: ٣٥) . فأردت تأكيد أنني إذ أصير أما للقدوس ابن الله ، فليعلم الكل أنني أمة الرب المنسحقة هذا العمل العجيب الذي يتحقق في بطني سيجعل المؤمنين في كل العالم يطوبونني ، لأنه لم يحدث هذا منذ خلقة آدم ولن يتكرر إلى يوم مجيء الرب الأخير . أمام محبة الله الفائقة . إنها نعمة الله التي جعلتني أما للرب المتجسد في . فإن كان كلمة الله " أخلى نفسه أخذا صورة عبد ، صائرا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب " ( في ٢ : ٧-٨ ) . كما قال : " تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب " ( مت ۱۱ : ۲۹ ) ، فيليق بي وأنا أمة الرب المتواضع ، أن أدرك ما أتمتع به من تطويب عبر الأجيال ، إنه عطية من الرب ، وألا يفارق عيني أنني أمة الرب . أقول هذا وأنا في كمال الثقة أن الذي حبلت به وهو القدوس المولود مني يهبني روح التواضع حتى وإن كرمتني كل الطغمات السمائية وجميع الأنبياء والقديسين . إني إذ حملت مخلص العالم ، أصلي من أعماق نفسي أن يتمتع كل إنسان في العالم بالخلاص ، وبصلواتي هذه يزداد انسحاق نفسي كأمة الرب المتواضع . إنه لن يسمح لي أنا أمه أن أسقط في فكر الكبرياء بغواية عدو الخير ، إذ اقتنيت أيقونة ابني المتواضع . لماذا تدعوك الكنيسة بألقاب كثيرة في ثيؤطوكية الأحد ؟ يتساءل الفتى جورج : لماذا يا أمي تربط الكنيسة بين ألقابك وبين المؤمنين منذ آدم وحواء حتى نهاية كل العصور ، في ثيؤطوكية الأحد ، تارة تذكر أسماء المؤمنين مثل حواء وإبراهيم وأيوب والأنبياء ، وتارة أخرى تذكر الشعب ككل مثل بني إسرائيل ، وتارة ثالثة تعمم كل البشرية كقولها عنك " فرح الأجيال " ؟ أجابت أم النور : لا يقصد في هذه الثيؤطوكية شخصي المجرد ، وإنما تهتم الكنيسة أن تبرز إني والدة كلمة الله المتجسد مخلص العالم . ومن جانب آخر إن كنت قد صرت مطوبة بسبب تجسد كلمة الله في ، فإن المؤمنين من جانبهم أيضا يجب أن يدركوا أنهم مطوبون وهذا يبهج السمائيين ، إذ يدرك المؤمنون أنهم هيكل الرب وروح الله ساكن فيهم ( رو ۸ : ۹ ) ، ويقدس الرب قلوبهم وأفكارهم وعواطفهم وأيضا أجسادهم . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت فرح الملائكة ؟ أجابت أم النور : لكي تدركوا ما تمتعتم به خلال تجسد ابن الله في ، ولكي يقدم نفسه ذبيحة عن العالم ، فإنه لا يسبب فرحا للبشرية وحدهم بل ولجميع الطغمات السماوية التي تعلن حبها للمؤمنين ، كما يعلن الرب نفسه حبه لهم . بهذا أكون فرح الملائكة ، أظهر الحب والوحدة بين البشر والسمائيين . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت تهليل حواء ؟ أجابت أم النور : بلا شك أدركت حواء الأولى ما حل على نسل آدم وحواء من مرارة الموت بسبب إنصاتها لخدعة الشيطان ، وما سببته لرجلها آدم الذي شاركها العصيان للوصية الإلهية . والآن استخدمني الرب لأصلح الموقف لأنه عوض العصيان للرب ، قلت لرئيس الملائكة جبرائيل الذي بشرني بالتجسد : " هوذا أنا أمة الرب ، ليكن لي كقولك " ( لو ١: ٣٨) . مضى من عندي الملاك ليقدم ذبيحة الطاعة التي قدمتها للرب . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت فرح هابيل ؟ أجابت أم النور : هابيل ابن حواء وآدم ، إذ قتله قايين أخوه بسبب الحسد الذي سيطر على قلبه من أخيه ، صرخ دم هابيل إلى الله من الأرض ( تك ٤ : ١٠) ،الآن وقد تجسد الكلمة وتم الخلاص على الصليب ، تحول صوت دم هابيل الصارخ من الأرض إلى تسبحة في الفردوس كلها فرح وتهليل وحب حتى لأخيه الذي قتله . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت خلاص نوح ؟ أجابت أم النور : كان نوح محتاجا إلى فلك ضخم بني خلال سنوات كثيرة ليخلص هو وزوجته وأولاده وزوجاتهم من الطوفان ، أما وقد تم الحبل بالمخلص في بطني ، فقد صرت فلكا فريدا يقودني المخلص بنفسه لا لينقذ ثمانية أفراد من الطوفان بل ينقذ كل المؤمنين عبر الأجيال من نيران جهنم ويدخل بهم إلى الفردوس السماوي . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت نعمة إبراهيم ؟ أجابت أم النور : كان اليهود يتطلعون إلى أبيهم إبراهيم بكونه نعمة لهم من الله ، خلاله صاروا شعب الله ، أما أنا ابنته المملوءة نعمة من الله ، فقد صرت لشعب الله الذين من كل الأمم والشعوب ، الكنيسة العروس الملكة التي تجلس عن يمين ملك الملوك أبديا . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت خلاص إسحق ؟ أجابت أم النور : حتما كان إسحق بن يعقوب متعجبا هو وأبوه إبراهيم في الهاوية كيف كان الاثنان في سلام عجيب حين أمسك إبراهيم بالسكين ليقدم ابنه ذبيحة الله ، وهو الابن الوحيد والمطيع . لكن إذ انطلقت نفس السيد المسيح بموته على الصليب لكي تعلن الخلاص الإلهي لكل المؤمنين ، أدرك إسحق وإبراهيم أن ذبح إسحق كان رمزا لذبيحة المسيح الفريدة . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت كرازة موسى ؟ أجابت أم النور : دعيت بهذا اللقب ، لأن الشعب اليهودي مع مقاومتهم لموسى النبي ( حتى أرادوا أن يقتلوه في البرية هو وأخاه هرون الكاهن ) ، أدركوا العجائب التي صنعها الرب معهم على يديه مثل عبورهم البحر الأحمر ، وتحويل مياه مارة المرة إلى مياه عذبة ، وبضرب الصخرة تفجر ينبوع ماء يرويهم في الطريق ، ونزول المن من السماء طعاما جاهزا كل يوم ما عدا يوم السبت الخ . لقد طلب الرب من رئيس الملائكة ميخائيل أن يدفنه في مكان خفي حتى لا يعبده الشعب . مع هذا كله لم يدركوا أسرار خدمة موسى ، أما وقد تجسد كلمة الله في أحشائي فقد أدركنا هذه الأسرار : فالعليقة التي رآها موسى ملتهبة بالنار ولم تحترق ( خر ۲ : ۳ ) تشير إلي وقد تجسد ابن الله في أحشائي ، ولم تحرقني نار اللاهوت . وخيمة الاجتماع التي صنعت في أيامه كانت رمزا لي الساكن في المسيح . والناموس الذي استلمه موسى كان قائدا للمسيح ، كقول الرسول بولس : " لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن " ( رو ٤ : ١٠) . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت ثبات أيوب ؟ أجابت أم النور : يعتبر أيوب النموذج الرائع لاحتمال التجارب التي حلت به من الشيطان المقاوم له ، واتهامات الأصدقاء له ، وحث زوجته له أن يجدف على الله ويموت ... أما أنا فقد تمتعت بالبشارة من الله خلال رئيس الملائكة جبرائيل ، ووقفت متأملة فيما يفعله ابن الله المتجسد ، وإذا بي أجد قيادات اليهود من رؤساء كهنة وكهنة ولاويين وفريسيين وصدوقيين يقاومون ابن الله المتجسد ويحكمون عليه بالصلب ، كما اتهموني ظلما في طهارتي . فثبات أيوب كان رمزا لثباتي ، خاصة وأن أيوب في عتابه الله أظهر نوعا من الضعف ! يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت كرامة صموئيل ؟ أجابت أم النور : لقد أحزن شاول الملك قلب صموئيل النبي في مواقف كثيرة ، لكن الله كرمه بمسح داود ملكا ( ١صم ١٦ : ١٢-١٣ ) . وتمتع صموئيل بكرامة أعظم حين رآني أنا ابنة داود المحبوب لديه جدا قد صرت والدة الإله التي يعتز بها السمائيون . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت ابنة الملك داود ؟ أجابت أم النور : سبق أن قدم الله لداود أبي وعدا أن كرسيه يبقى إلى الأبد ( ١أي ١٧ ) . لذلك قال داود في صلاته : " والآن قد ارتضيت بأن تبارك بيت عبدك ليكون إلى الأبد أمامك " ( ١أي ١٧: ٢٧ ) . كيف تم هذا الوعد ؟ بتجسد ملك الملوك في ، الذي يقيم ملكوته في قلوب المؤمنين ، ويعدهم للميراث الأبدي . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت صديقة سليمان ؟ أجابت أم النور : إذ نجح سليمان في إقامة صداقة مع الملوك المحيطين به ، كانت هذه الصداقة رمزا لصداقتي مع كل المؤمنين الذين يجلسون كملوك في ملك الملوك . لهذا قيل في سفر الرؤيا : " وجعلنا ملوكا وكهنة الله أبيه " السماء ( رؤ ١ : ٦) . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت خلاص إشعياء ؟ أجابت أم النور : تحققت نبوات إشعياء عن الخلاص خلالي إذ قال عني : ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل " ( إش 7 : ١٤ ) . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت شفاء ارميا ؟ أجابت أم النور : كان قلب ارميا منكسرا بسبب ما حل بالشعب والقادة من فساد ، حتى دعي بالنبي الباكي . وإذ مسح ابني المخلص دموعه ، وتحقق قوله في المراثي : " نصيبي هو الرب قالت نفسي ، من أجل ذلك أدعوه " ( مرا ٣ : ٢٤ ) . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت علم حزقيال ؟ أجابت أم النور : وردت نبوات كثيرة في سفر حزقيال وهو في السبي عن الرجوع من السبي ( حز ٣٣-٣٩) ، وعن إصلاح الهيكل وأورشليم ( حز ٤٠-٤٨) . تمت هذه النبوات الواردة في السفر ، كما تحققت بأكثر قوة بتجسد الكلمة في أحشائي أنا العذراء حيث أعد الرب الهيكل السماوي الجديد والأرض الجديدة . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت قوة إيليا ؟ أجابت أم النور : مع ما اتسم به إيليا من قوة غير أن الملك أخاب والملكة إيزابيل حطما نفسه إلى حين ، أما تجسد كلمة الله ففتح باب الرجاء على مستوى أبدي . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت فرح الأجيال ؟ أجابت أم النور : بميلاد السيد المسيح مني صرت أما لكل المؤمنين من كل الشعوب وعبر كل الأجيال ودعيت فرح الأجيال . القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
المزيد
03 مايو 2022

الرسالة الفصحية السابعة

لنحمل سمات المصلوب! كتب بولس الطوباوي إلى أهل كورنثوس أنه یحمل في جسده على الدوام إماتة یسوع ٢كو ١٠:٤ ، لیس كمن یحمل هذا الفخر وحده بل ویلزمهم هم، كما نحن أیضًا أن نحمل هذا.لیتنا یا أخوتي نقتفي آثاره! ولیكن هذا هو فخرنا الدائم فوق كل شيء في كل وقت.هذا یصیر فینا خاصة في أیام العید إذ نذكر موت مخلصنا، لأن من یصیر مشابهًا له في موته، یصیر أیضًا مجاهدًا في الأعمال الفاضلة، ممیتًا أعضاءه التي على الأرض مز ٢٢:٢٤، صالبًا الجسد مع الأهواء والشهوات كو ٥:٣ ، ویحیا في الروح سالكًا حسب الروح غلا ٢٤:٥ -25 مثل هذا الإنسان یكون دائم التفكیر في اله فلا ینسى الله قط، ولا یفعل أعمال الموت.والآن، فإنه لكي نحمل في جسدنا إماتة یسوع، أضاف الرسول للحال موضحًا لنا الطریق الذي نتبعه قائلاً "فإذ لنا روح الإیمان عینه حسب المكتوب آمنت لذلك تكلمت. نحن أیضًا نؤمن ولذلك نتكلم أیضًا"٢كو ١٣:٤. وقد أردف أیضًا متحدثًا عن النعمة التي تنبع عن المعرفة قائلاً "عالمین أن الذي أقام الرب یسوع سیقیمنا نحن أیضًا یسوع ویحضرنا معكم"١كو ١٤:٤ بالإیمان والمعرفة نحیا بالروح عندما احتضن القدیسون مثل هذه الحیاة الحقیقیة بواسطة الإیمان والمعرفة" ینالون بلا شك الفرح السماوي. ذلك الفرح الذي لا یهتم به الأشرار إذ هم محرومون من التطویب النابع عنه… لأنهم لا یرون جلال الرب أش ١٠:٢٦ فإنهم وإن كانوا یسمعون الإعلان العام "استیقظ أیها النائم وقم من الأموات" أف ١٤:٥ ، ویقومون ویأتون إلى السماء قارعین الباب قائلین "افتح لنا" مت ١١:٢٥، إلا أن الرب سینتهرهم كمن لا یعرفهم… قائلاً لهم "لا أعرفكم"،ویصرخ الروح ضدهم "الأشرار یرجعون إلى الهاویة كل الأمم الناسین الله". هل یعید الشریر؟ أننا نقول بأن الأشرار أموات، لكن لا في حیاة تعبدیة ضد الخطیة، ولا هم مثل القدیسین یحملون الموت في أجسادهم، إنما یدفنون النفس في الخطایا والجهالات فتقترب النفس من الموت. وإذ یشبعونها بالملذات الممیتة، تكون نفوسهم أشبه بنسور صغیرة تحوم فوق جثث الموتى. وقد أعلنت الشریعة عن هذا إذ تأمر في صورة رمزیة بعدم أكل النسور وجمیع الطیور التي تأكل الجیف (لا ١٣:١١).هؤلاء یقتلون النفس بالشهوات، ولا یقولون سوى "لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت" (إش ١٣:٢٢).وقد وصف النبي الثمرة التي یجتنیها أمثال هؤلاء الذین ینغمسون في الملذات، فقال "فأعلن في أذني رب الجنود لا یغفرن لكم هذا الإثم حتى تموتوا" (إش ١٤:٢٢). إذ یحسبون آلهتهم بطونهم، وعندما یموتون یتعذبون ، نعم، حتى عندما یعیشون، فإنهم یكونون في عار لأنهم افتخروا بمثل هذا الموت.ویحمل بولس أیضًا شهادة عن هذه النتیجة فیقول "الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة والله سیبید هذا وتلك" ( ١ كو ١٣:٦).وتعلن الكلمة الإلهیة عن هؤلاء بأن موت الأشرار شر ومبغضو الصدیق یخطئون (مز ٢١:٣٤ )، لأن الأشرار یرثون ناراً مرة وظلامًا مهلكًا. كیف یعبد الأبرار؟ أما القدیسون والذین یمارسون الفضیلة ممارسة حقیقیة، فقد أماتوا أعضاءهم التي على الأرض، الزنا والنجاسة والهوى والشهوة الردیئة (كو ٥:٣ ). فیتحقق فیهم، بسبب هذه النقاوة وعدم الدنس، وعد مخلصنا "طوبى للأنقیاء القلب لأنهم یعاینون الله" (مت ٨:٥). هؤلاء صاروا أمواتًا للعالم، وازدروا بمقتنیاته مقتنین موتًا مشرفًا، إذ هو "عزیز في عیني الرب موت أتقیائه" مز ١٥:١١٦هؤلاء أیضًا قادرون على الاقتداء بالرسول القائل "مع المسیح صلبت فأحیا لا أنا بل المسیح یحیا في" غلا ٢٠:٢ هذه هي الحیاة الحقیقیة التي یحیا الإنسان في المسیح، فأنه وإن كان میتًا عن العالم إلا أنه كما لو كان قاطنًا في السماء، منشغلاً في الأمور العلویة، كمن هو هائم في حب تلك السكنى السماویة، قائلاً إننا وإن كنا نسلك في الأرض "فأن سیرتنا نحن هي في السموات" في ٢:٣ الذین یحبون هكذا مشتركین في فضیلة كهذه، هم وحدهم القادرون على تمجید الله… وهذا هو ما یعنیه العید. فالعید لا یعني التمتع بأكل اللحوم والملابس الفاخرة، ولا هو أیام للترف، إنما تكمن بهجته في معرفة الله وتقدیم الشكر والحمد له. هذا الشكر وهذا الحمد، یقدمه القدیسون وحدهم الذین یعیشون في المسیح، إذ مكتوب "لیس الأموات یسبحون الرب ولا من ینحدر إلى أرض السكوت. أما نحن فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر" مز ١٧:١١٥،١٨ هكذا كان الأمر مع حزقیا الذي خلص من الموت فسبح الله قائلاً "لأن الهاویة لا تحمدك. الموت لا یسبحك….الحي هو یحمدك كما أنا الیوم" أش ١٨:٣٨،١٩ فتسبیح الله وتمجیده هو من اختصاص الذین یحبون في المسیح وحدهم، هؤلاء یصعدون إلى العید، لأن الفصح لیس للأمم ولا للذین هم یهود بحسب الجسد بل للذین یعرفون الحق، وذلك كقول ذاك الذي أرسل للإعلان عن مثل هذا العید "لأن فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا". لذلك وإن كان الأشرار یقحمون أنفسهم لكي یحفظوا العید، بینما عملنا في العید وهو تمجید الله، لهذا فأنهم كأشرار یقتحمون متطفلین في دخولهم كنیسة القدیسین. هؤلاء یوبخهم الله معاتبًا كل واحد منهم "مالك تتحدث بفرائضي" مز ١٦:٥٠والروح القدس یوبخهم قائلاً بأنه لیس للتسبیح مكانًا في فم الخاطئ ابن سیراخ ٩:١٥ ، ولا للخطیة وجود في مذبح الله،لأن فم الخاطئ یتكلم في الأمور الجامحة، كقول المثل "فم الأشرار ینبع شروراً" أم ٢٨:١٥ كیف یمكننا أن نسبح الله بفم دنس، إذ لا یمكن أن یتفق النقیضان معًا؟! "لأنه أي خلطة للبر والإثم. وأیة شركة للنور مع الظلمة"٢كو ١٤:٦. هذا ما یعلنه بولس خادم الإنجیل.لهذا لا یمكن للخطاة والغرباء عن الكنیسة الجامعة أي الهراطقة والمنشقین المستبعدین عن أن یمجدوا الله مع القدیسین، أن یستمروا في حفظ العید كما ینبغي. أما البار، فإنه وإن كان یظهر میتًا عن العالم، لكنه یتجاسر فیقول "أنا لا أموت بل أحیا وأحدث بأعمالك العجیبة" راجع مز ١٧:١١٨. فإنه حتى الله لا یخجل من أن یدعى لهم إلهًا، هؤلاء الذین بحق یمیتون أعضاءهم التي على الأرض كو ٥:٣ ، ویحیون في المسیح الذي هو إله أحیاء لا إله أموات. هذا الذي بكلمته ینعش كل البشر، ویعطیهم طعامًا یحیا به القدیسون، كما أعلن الرب قائلاً "أنا هو خبز الحیاة" یو ٤٨:٦ ولما كان الیهود عدیمي الإدراك ولم تكن حواسهم مدربة على الفضیلة، لهذا لم یفهموا أقواله عن "الخبز" فتذمروا ضده لأنه قال عن نفسه أنه الخبز الحي الذي نزل من السماء ویهب حیاة للبشر یو ٥١:٦ بین الخبز الحي وخبز الخطیة الخطیة لها خبزها الخاص بها، الذي یدعو المحبین لملذاتها لیموتوا بموتها، وتدعو ناقصي الفهم قائلة "المیاه المسروقة حلوة وخبز الخفیة لذیذ" أم ١٧:٩. لأنه حتى من یلمس هذا الخبز لا یعرف أن ما هو مولود من الأرض یبید معها. فعندما یفكر الخاطئ في أن یجد لذة، فإنه في نهایة هذا العام لا یجد فیه بهجة، كما تقول حكمة الله أن خبز الخداع مسر للرجل، لكن فمه بعد ذلك یمتلئ حصاة. وأن العسل یسقط من شفتي المرأة الزانیة التي تكون إلى حین حلوة، ولكن النهایة تجدها أكثر مرارة من المر ذاته، وأكثر حدة من السیف ذي الحدین.هكذا إذ یأكل الخاطئ ویفرح إلى حین، فأنه عندما ترحل نفسه (من هذا العالم) سوف تستخف بهذا الطعام! فالغبي لا یدرك أن من یبتعد عن الله یهلك. مع أنه یوجد صوت نبوي یقول رادعًا "والآن مالك وطریق مصر(تشیر إلى العبادة الوثنیة بما فیها من ملذات وشهوات) لشرب میاه شیمور؟! ومالك طریق أشور لشرب میاه النهر؟! أر ١٨:٢وحكمة الله التي تبني البشریة تمنعهم من هذه الأشیاء (خبز الخطیة)، صارخة أن ینفصلوا عنها ولا یتأخروا في المكان ولا یتطلعوا إلیها، لأنها میاه غریبة سوف تعبر وترحل سریعًا…كذلك تدعونا الحكمة إلى نفسها قائلة "الحكمة بنت بیتها نحتت أعمدتها السبعة. ذبحت ذبحها مزجت خمرها.أیضًا رتبت مائدتها. أرسلت جواریها تنادي على ظهور أعالي المدینة. من هو جاهل فلیمل إلى هنا. والناقص الفهم قالت له: هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها" أم ١:٩-5 وبأي رجاء یأكل خبز الحكمة؟ "اتركوا الجاهلات فتحیوا وسیروا في طریق الفهم" أم ٦:٩ لأن خبز الحكمة محي، إذ یقول الرب "أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن كل أحد من هذا الخبز یحیا إلى الأبد" یو ٥١:٦ ویلمنا الرب قائلاً "أنا هو خبز الحیاة. آباؤكم أكلوا المن في البریة وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي یأكل منه الإنسان ولا یموت" یو ٤٨:٦-51 الأبرار یشبعون والخطاة یفتقرون أن ألأشرار یفتقرون إلى خبز كهذا… أما الأبرار فهم وحدهم الذین تهیأوا لكي یشبعوا، قائلاً كل واحد منهم أما أنا فالبر أنظر وجهك. أشبع إذا استیقظت بشهبك" مز ١٥:١٧ لأن من یشترك في الخبز الإلهي دائمًا یجوع مشتاقًا، وإذ هو جائع لا یحرم من أن یعطي له كما وعد "الحكمة" ذاته قائلاً "الرب لا یجمع نفس الصدیق" أم ٣:١٠. وكما وعد أیضًا في المزامیر "بطعامها أبارك بركة مساكینها أشبع خبزاً" مز ١٥:١٣٢إننا نسمع مخلصنا یقول "طوبى للجیاع والعطاش إلى البر لأنهم یشبعون" مت ٦:٥ حسنًا إذن ما یفعله القدیسون، إذ یحیون في المسیح، ویبثون في أنفسهم شوقًا نحو هذا الطعام.وقد تفجر شوق أحدهم إذ یقول "كما یشتاق الإیل إلى جداول المیاه هكذا تشتاق نفسي إلیك یا الله" مز ١:٤٢"نفسي عطشت إلى الله الحي متى أجيء وأعاین وجه الله؟!"."یا الله إلهي أنت إلیك أبكر. عطشت إلیك نفسي. یشتاق إلیك جسدي في أرض ناشفة ویابسة لكي أبصر قوتك ومجدك كلما أ ریتك في قدسك" مز ١:٦٣،٢ الإیمان والخبز الحي؟ ما دام الأمر هكذا یا أخوتي، فلیتنا نمیت أعضاءنا التي على الأرض كو ٥:٣ ، ونتقوت بالخبز الحي الإیمان بالله وحب الله، عالمین أنه بدون إیمان لا یمكن أن تكون لنا شركة في خبز كهذا. لأنه عندما دعي ربنا الكل إلیه قال "إن عطش أحد فلیقبل إلي ویشرب" یو ٣٧:٧ وللحال تحدث عن الإیمان الذي بدونه لا یقدر إنسان أن یأخذ من مثل هذا الطعام "ومن آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي" یو ٣٨:٧بهذا الهدف كان ینعش تلامیذه المؤمنین بكلماته ویعطیهم الحیاة باقترابهم من لاهوته. أما المرأة الكنعانیة فإذ لم تكن بعد مؤمنة لم یتكرم علیها حتى بمجرد الإجابة علیها رغم احتیاجها الشدید إلى طعام منه.وهو لم یصنع هذا احتقاراً بها. حاشا له، لأنه محب لكل البشر… ولهذا نجده یذهب إلى سواحل صور وصیدا(أي یذهب عند غیر المؤمنین)، ولكن صنع هذا معها لأنها لم تكن آمنت بعد ولا أخذت حكمة. وبحق صنع هذا یا أخوتي، ما كان لها أن تنتفع شیئًا لو استجاب لطلبتها قبل أن تعلن إیمانها، ولكن بإیمانها یمكنها أن تنال طلبتها إذ یجب أن الذي یأتي إلى الله یؤمن بأنه موجود وأنه یجازي الذین یطلبونه" وأنه "بدون إیمان لا یمكن إرضاؤه" عب ٦:١١ هذا ما یعلم به بولس.فهي إذ كانت إلى تلك اللحظة غیر مؤمنة، الأمر الذي یجعلها دنسة، وهذا یظهر من قوله "لیس حسنًا أن یؤخذ خبز البنین ویطرح للكلاب" مت ٢٦:١٥وعندما وثقت في قوة "الكلمة" وغیرت من طریقها اقتنت أیضًا الإیمان، وبالتالي لم یعد بعد یحدثها كأنها "كلب" إنما غیر طریقة حدیثه عنها على أنها مخلوق بشري قائلاً "یا امرأة عظیم إیمانك" مت ٢٨:١٥ وإذ آمنت وهبها ثمرة إیمانها قائلاً لها "لیكن لك كما تریدین. فشفیت ابنتها من تلك الساعة". لا تدس دم ابن الله من یؤهل للدعوة السماویة، بهذه الدعوة یتقدس، لكنه إن سلك في هذه الدعوة بإهمال، فإنه وإن كان قد تنقى لكن(بإهماله هذا) یصیر دنسًا. یقول الرسول "(فكم عقابًا أشر تظنون) أنه یحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا وازدرى بروح النعمة" عب ٢٩:١٠أنه سیسمع تلك الكلمات "یا صاحب كیف دخلت إلى هنا ولي علیك لباس العرس؟! مت ١٢:٢٢ لأن ولیمة القدیسین طاهرة بلا دنس "لأن كثیرین یدعون وقلیلین ینتخبون" مت ١٤:٢٢ویشهد بهذا یهوذا، الذي وإن جاء إلى العشاء، لكنه احتقر الولیمة وخرج من حضرة الرب وفقد حیاته خانقًا نفسه. وأما التلامیذ الذین استمروا مع المخلص، فقد صارت لهم سعادة الولیمة.وذاك الشاب الذي ذهب إلى كورة بعیدة وبدد أمواله في عیش مسرف، متى عاد مشتاقًا إلى الولیمة السمائیة ورجع إلى نفسه قائلاً "كم من أجیر لأبي یفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا؟!" لو ١٧:١٥. وللحال قام وذهب إلى أبیه واعترف قائلاً له "أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنا بل اجعلني كأحد أجراك"، فأنه بعدما اعترف هكذا صار مستحقًا لأكثر مما طلب. لأن الآب لم یقبله كعبد أجیر ولا تطلع إلیه كانسان غریب، بل قبله كابن، ورده من الموت إلى الحیاة، واعتبره مستحقًا للولیمة الإلهیة، وأعطاه ثوبه الأول الثمین، حتى أنه بسبب هذا صار غناء وفرح في بیت الأبوة. الله ینتظرك! هذا هو عمل الحب الأبوي المترفق وصلاحه، أنه لیس فقط یقیم الإنسان من الأموات بل ویعید إلیه نعمته العظیمة خلال الروح. وبدل الفساد یلبسه ثوبًا غیر فاسد، وبدل الجوع یذبح العجل المثمن، وعوض المسافة الطویلة التي قطعها في رحلته فأن الآب المنتظر رجوعه یقدم حذاء لقدمیه. وما هو أعجب من هذا یعطیه خاتم الخطبة الإلهي في إصبعه، وفي هذا كله یجعله في صورة مجد المسیح….. هذه هي العطایا المجانیة التي یقدمها الآب، والتي بها یكرم الرب الساكنین معه والراجعین إلیه تائبین، ومنعشًا .( إیاهم. فأنه یعدنا (یسوع) قائلاً "أنا خبز الحیاة من یقبل إلي لا یجوع. ومن یؤمن بي فلا یعطش أبدًا" یو ٣٥:٦ ونحن أیضًا فسنحسب مستحقین لهذه الأمور، إن كنا في هذا الزمان نلتصق بمخلصنا، وكنا أطهاراً لا في أیام الفصح والسنة (أسبوع البصخة) وحدها، بل ونأخذ في اعتبارنا كل زمان حیاتنا كما لو أنها كانت عیدًا. فنستمرقریبین منه غیر مبتعدین عنه "إذ نقول له "إلى من نذهب وكلام الحیاة الأبدیة عندك؟!" یو ٦٨:٦ لیت الذین هم منا وقد ابتعدوا عنا یرجعون مرة أخرى، معترفین بخطایاهم، ولا یكون في قلبهم شيء ضد أحد، بل بالروح یمیتون أعمال الجسد رو ١٣:٨. لأنه هكذا إذ ینعشون النفس هنا، یشتركون مع الملائكة في المائدة السمائیة الروحیة، ولا یكونوا كالعذارى الخمس الجاهلات مت ١:٢٥-12 اللواتي كن یقرعن ولكنهن رفضن، بل یدخلون مع الرب مثل العذارى الحكیمات المحبات للعریس. وإذ یظهرون إماتة یسوع في أجسادهم٢كو ١٠:٤ فأنهم یقبلون منه الحیاة والملكوت… القديس البابا أثناسيوس الرسولى
المزيد
28 أغسطس 2021

القديسة مريم والكنيسة

جاء في ثيؤتوكية الخميس: "كل عجينه البشرية أعطتها بالكمال لله الخالق وكلمة الآب، هذا الذي تجسد منها بغير تغيير، ولدته كإنسان ودعي أسمه عمانوئيل". ثيؤتوكية الخميس في لحظات البشارة أظهرت القديسة مريم خضوعها بكامل حريتها، وبذلك حقق الله تدبيره الإلهي للاتحاد بنا. صارت أحشاء القديسة مريم حجال لزيجة الكلمة مع الجسد المجيد. في الأحشاء وحد الكنيسة أي جسده مع ذاته، بهذا تحقق وجود الكنيسة السري بكماله. الآن نستطيع أن نتفهم كلمات القديس مار أفرام السرياني: "كانت مريم بمثابة الأرض الأم التي أنجبت الكنيسة". علاوة على هذا كثمرة الاتحاد الأقنومي بين لاهوت الكلمة وناسوته تقبلت مريم نوع أخر من الوحدة الروحية بين الله وبينها، اتحاد الشخص المتمتع بالخلاص مع المخلص نفسه، الوحدة التي دعيت الكنيسة كلها للتمتع بها. تقبلت القديسة نعمة الاتحاد مع الله هذه كممثلة بطريق ما للكنيسة الجامعة، كعضو أول فيها، العضو الأمثل السامي، لهذا قبلت النعمة في أعلى صورها. القديسة مريم كنموذج للكنيسة: التسبحة الرئيسية التي ترنم يوميا في الشهر المريمي شهر كهيك قبل عيد الميلاد تتكون من مختارات من سفر المزامير تمدح الكنيسة كمسكن للإله المتجسد. لم يكن هذا بغير معنى أن تمدح الكنيسة كل الشهر المريمي، لأن ما فبلته القديسة مريم كان لحساب الكنيسة كلها. فالقديس مار أفرام السرياني ينسب للكنيسة ما هو خاص بالقديسة إذ يقول: "مباركة أنت أيتها الكنيسة، تحدث أشعياء عنك في تسبحته النبوية المفرحة، قائلا: هوذا العذراء تحبل وتلد أبنا. يا لسر الكنيسة المخفي" ويربط القديس كيرلس بابا الإسكندرية بين القديسة مريم والكنيسة قائلا: "لنمجد مريم دائمة البتولية بتسابيح الفرح، التي هي نفسها الكنيسة المقدسة. لنسبحها مع الابن العريس كلي الطهارة. المجد لله إلى الأبد". يؤكد القديس أمبروسيوس أن القديسة مريم هي" نموذج الكنيسة"، كما يقرر القديس أوغسطينوس أن "مريم هي جزء من الكنيسة، عضو مقدس، عضو ممتاز، العضو الاسمي، لكنها تبقى عضوا في الجسد الكلي (أى غير منفصلة عن بقية الأعضاء). في الحقيقة يمكننا أن نرى كل مراحل حياة القديسة مريم كأيقونة جميلة للكنيسة، فعلى سبيل المثال نذكر: 1- يرى القديس ايريناؤس أن فرح مريم وتسبحتها أثناء البشارة، كانا عملين نبويين صنعا بواسطة القديسة مريم باسم الكنيسة. ويقدم القديس يعقوب السروجي (446م) ذات الفكرة إذ يقول في كلمات متغايرة إذ يقول: "كانت العذراء الحكيمة فيما للكنيسة، سمعت تفسير (التجسد الإلهي) من أجل خلقة العالم كله". 2- زيارة القديسة لنسيبتها اليصابات تحمل رمزا لإرساليات الكنيسة في العالم كله، لأن الكنيسة مثل القديسة مريم هي ابنة صهيون، عذراء فقيرة، أمة الرب، ممتلئة نعمة، تحمل كلمة الله روحيا، يلزمها أن تلتهب بالرغبة في الالتقاء بقريبتها_ أي الالتقاء بالجنس البشري، لتعلن لهم خلاص الله. "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام... القائل لصهيون قد ملك إلهك" يشير القديس أمبروسيوس إلى هذه الرسالة الإرسالية قائلا عن القديسة مريم أنها ترنمت التسبحة الخاصة ب"تعظم نفس الرب..." وهي مسرعة عبر تلال يهوذا كرمز الكنيسة المسرعة على تلال القرون. 3- عند الصليب يكمل تمثيل القديسة مريم للكنيسة، كقول القديس أمبروسيوس: "ستكون ابنا للرعد أن كنت ابنا للكنيسة (مريم). ليقل لك السيد المسيح أيضا من على خشبة الصليب: هوذا أمك ويقول للكنيسة هوذا ابنك. عندئذ تبدأ أن تكون ابنا للكنيسة إذ ترى السيد المسيح منتصرا على الصليب". التشابه بين القديسة مريم والكنيسة: 1- القديسة مريم الكنيسة كلاهما أم وعذراء في نفس الوقت. كل منهما قد حملت بالروح القدس بغير زرع بشر، معطية ميلادا للابن الذي بلا عيب. فالقديسة مريم هي ام الكلمة الإلهي ولدته حسب الجسد، والكنيسة أم أعضائه ولدتهم بالمعمودية ليشاركوا السيد المسيح حياته. في هذا يقول القديس أغسطينوس: "كما ولدت مريم ذاك الذي هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة. لأن الكنيسة هي أيضا أم وعذراء، أم في أحشاء حبنا، وعذراء في أيمانها غير المنثلم. هي أم لأمم كثيرة الذين يمثلون جسدا واحدا، وذلك على مثال العذراء مريم أم الكثيرين وفي نفس الوقت هي أم للواحد". القديسة مريم عذراء حسب الجسد والروح، أما الكنيسة فيمكن دعوتها عذراء إذ لا تنحرف قط عن الإيمان بل تبقى أمينة على تعاليم السيد المسيح إلى النهاية. تحمل الكنيسة ذات لقب القديسة مريم، أي "حواء الجديدة". فإن القديسة مريم قد ولدت" الابن المتجسد" واهب الحياة للمؤمنين، أما الكنيسة فهي أم المؤمنين الذين يتقبلون الحياة خلال اتحادهم بالرأس، الإله المتجسد. تشابه الكنيسة القديسة بكونها "أمة الرب". فهي كأمة الرب المتضعة ترفض كل المجهودات البشرية الذاتية، وتصير علامة لنعمة الله، الذي يطلبنا في أتضاع طبيعتنا ليقودنا إلى مجد ملكوته!. دعي كل من القديسة مريم والكنيسة" بالمقدسة أو القديسة". يفسر القديس هيبوليتس التطويب الذي ذكره موسى "مباركة من الرب أرضه، تبقى له وتتبارك بندى السماء" (تث 33: 13) كنبوة عن قداسة مريم، الأرض المباركة إذ تقبلت كلمة الله النازل كندى السماء. يعود فيقرر أنها نبوة تشير إلى قداسة الكنيسة، قائلا: "يمكن أن تقال عن الكنيسة، إذ تباركت بالرب، كأرض مباركة، كفردوس البركة. أما الندى فهو الرب المخلص نفسه". شفاعة القديسة هي نموذج لعمل الكنيسة، حيث يلتزم أعضاؤها المجاهدون والمنتصرون الإقتداء بالقديسة مريم، مصلين بغير انقطاع من أجل تجديد العالم كله في المسيح يسوع. القمص تادرس يعقوب ملطى عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
21 أغسطس 2021

القديسة مريم مثال العذارى

يمثل آباء الإسكندرية اتجاهين مريميين: اتجاه لاهوتي وآخر نسكي. ففي كل فترة يهدأ فيها الاضطهاد يلعب الجانب النسكي دورا مرموقا في حياة المصريين، فيفضل الرجال الحياة في الصحراء بينما تكن الفتيات في بيوت خاصة بالمدن. وكان من الطبيعي أن تقدم القديسة مريم لهؤلاء الفتيات كمثال عظيم يقتدين به. وكانت العذارى يصورن إياها كعذراء العذارى ومثالا لهن. وفي القرن الثاني نجد العلامة أوريجين يقول "يبدو أنه من غير اللائق أن نحسب إنسانا آخر غير العذراء كبكر للبتولية المسيحية". وفي خطاب البابا الكسندروس بابا الإسكندرية الذي أورده القديس أثانسيوس يخاطب العذارى قائلا: "سلوك مريم كمثال هو نموذج للحياة اللائقة بالمساء (أي البتولية) وصورة لها"وفي خطاب وجهه القديس أثانسيوس للعذارى، لا يزال محفوظا بالقبطية يتحدث عن القديسة مريم كنموذج العذارى، مقدما وصفا لحياتها لا كما أظهرها الكتاب المقدس بل أقرب إلى مثال لحياة العذراء، إذ يقول"كانت مريم عذراء نقية تحمل تفكيرا منسجما لقد أحبت الأعمال الصالحة لم تكن تريد أن يراها الرجال، بل سألت الله أن يخبرها كانت تلازم بيتها على الدوام، تعيش حياة العزلة مقتدية بالنحلة وزعت على الفقراء بسخاء كل ما تبقى لها من عمل يديها كانت تصلي لله في وحدة لامرين: لكي لا يوجد فكر رديء له أصلا في قلبها، ولكي لا يكون قلبها متجاسرا أو قاسيا حديثها هادئ وصوتها خافت تشتاق أن تتقدم من يوم إلى يوم، وهكذا كان يحدث إذ تستيقظ كل صباح تسعي أن تقدم عملا جديدا عما سبق لم تكن تخاف الموت بالحري كانت تتنهد حزينة كل يوم أنها لم تعبر بعد ألى مواضع السماء" والقديس أمبروسيوس إذ أشار إلى رسالة القديس أثناسيوس للعذارى قدم صورة جميلة للعذراء مريم كمثال للعذارى، في كتابة "de virginibus" فمدح فيها أتضاعها وصمتها واعتدالها في الكلام، خلوتها، غيرتها العذراوية لحفظ سمعتها، وداعتها، مثابرتها في قراءة الكتاب المقدس، احترامها للآخرين، عملها، وبصورة أخص إيمانها ووعها لقد ختم مقاله قائلا: "هوذا أمام أعينكم صورة لحياة مريم البتولية التي تضئ ببهاء العفة وشكل الفضيلة كما من مرآه"ويروي القديس غريغوريوس النزينزي في مقال ألقاه عام 379م بالقسطنطينية كيف أن القديسة الشهيدة والعذراء يوستينة إذ واجهت الموت مع الساحر كبريانوس الذي أعتنق المسيحية على يديها التجأت إلى السيد المسيح عريسها كحامي بتوليتها وتوسلت إلى القديسة مريم "كعذراء في خطر" تتطلع إلى شفيعة العذارى. القمص تادرس يعقوب ملطى عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
14 أغسطس 2021

شفيعتنا

مفهوم الشفاعة: في كنيستنا الأرثوذكسية لا يمكن أن نقبل وسيطا بين الله والناس غير يسوع المسيح، الذي وحده رئيس الكهنة بالسماويات وذبيحة الفداء إذ بدمه ننال المصالحة وغفران الخطايا، وليس أحد آخر تحت السماء غير أسم "يسوع المسيح" به يمكن أن نخلص (أع 4: 12). تسائل البعض: إن كان هذا هو فكر الكنيسة فكيف نجد في طقوسها المؤمنين يسألون شفاعة العذراء ويطلبون صلوات القديسين؟ هل يوجد نص إنجيلي يتفق مع شفاعة القديسين؟ نجيب قائلين أن الإنجيل في روحه ونصوصه غايته الدخول بالإنسان إلى "الحياة الإلهية" أي حياة الحب الإلهي، حيث يتخلى الإنسان عن ذاتيته لكي يقدم بالروح القدس حياته كلها مبذولة من أجل خلاص اخوته. بمعنى آخر، الحياة الإنجيلية هي حياة وساطة، حيث يشتهي الإنسان أن يعمل ويصلي لكي يرى الكل في أحضان الله ممجدين.هذه هي الشفاعة!! كلما اقتربت النفس إلى الله في اتحاد أعمق مع يسوع المسيح التصقت بالحب نحو الآخرين، تصلي عنهم وتطلب خلاصهم؟ هذا ما عناه القديس مقاريوس الكبير حين قال أنه لا خلاص للإنسان خارج اخوته فعلينا جميعا، كل منا يصلي عن الآخر. الأباء وهم ينصحون أولادهم يستجدون خلاصهم مصلين من أجلهم. وكما قال القديس بولس مرة أننا مساعدو الله، كل منا وسيط بطريقة ما شفيع من أجل النعمة للآخرين إن عدنا لربنا يسوع المسيح نفسه نراه يكرم شفاعة الناس وتوسلاتهم عن الآخرين، فيشفي المفلوج من أجل إيمان حامليه (متى9: 2)، ويبرئ غلام قائد المئة من أجل طلبات القائد، وينقذ ابنة الكنعانية من الأرواح الشريرة من أجل صرخات أمها... أن الرب الذي يحبنا بلا مقابل يود أن يرانا على مثاله نحب الآخرين ونطلب عنهم أكثر مما لأنفسنا.هذا من جانب أما الجانب الآخر الملازم للأول فهو أن الحب الإنجيلي حب عملي يحمل اتضاعا صادقا، فنشعر أننا لسنا أهلا للصلاة عن أخواتنا بل بالحري نطلب نحن صلواتهم عنا. فالقديس بولس وهو يعلم أنه مدعو من الله نفسه لخدمة الكلمة برؤى وإعلانات يطلب صلوات شعبه لكي يعطيه الرب كلمة عند افتتاح فمه... فهل كان الرسول بلا دالة عند الله ليعطيه كلمة الكرازة؟! إنما يطلب ذلك بروح إنجيلي، روح شركة الحب والأتضاع! مرة أخرى نتسائل: إن كانت الوساطة البشرية في مجمع القديسين قائمة فعلا حتى على الأرض خلال نعمة ربنا يسوع المسيح، كم بالأكثر هؤلاء الذين دخلوا الفردوس لا يكفوا بالحب عن الصلاة من أجل أخوتهم؟! إن كانوا وهم على الأرض في ثقل الجسد يطلبون عن الآخرين كم بالأكثر حين يلتصقون بالحب ذاته تزداد صلواتهم عمقا وقوة، سائلين الله من أجل خلاص العالم! باختصار، الشفاعة في مفهومنا الأرثوذكسي لا تحمل أى عبادة للقديسين بل بالحري تؤكد عمل الله الخلاصي في كنيسته وفاعليته في حياة كل عضو، إنها كشف عن وحدة الكنيسة كأعضاء جسد واحد يتألم العضو لآلآم الآخرين ويفرح ويسر بمجد أخيه. سر شفاعتها:- أن كان حديثنا السابق عن الشفاعة بوجه عام ماذا بالأكثر تكون قوة صلاة والدة الإله من أجل أولادها وأخوتها... طالبة خلاص الجميع. لقد رأينا العذراء مريم وقد نالت الأمومة لابن الله المتجسد منها، فصارت أما لكل جسده الذي هو الكنيسة... هذه الأمومة ليست لقبا فخريا بل مسئولية عمل دائم. هذا ما أكده الروح القدس كما تنبأ سمعان الشيخ قائلا: "وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف" لو2: 35. أمومة العذراء مريم التي قامت أولا على أساس نعمة الله المجانية التي اختارها من بين البشر والتي تأكدت بإيمانها في كلمة الله ووعوده، وثبتتها باتضاعها وحفظها للوصية الإلهية... جعل منها عضوا يفوق كل عضو في جسد المسيح، يشعر باحتياجات الأعضاء الأخرى ويتجاوب معها، طالبا خلاص الكل! حدود شفاعتها:- في قصة عرس قانا الجليل نستطيع أن نتفهم حدود شفاعة الأم العذراء مريم، فقد تقدمت من نفسها تسأل ابنها: "ليس لهم خمر". لم يجهل ربنا أن الخمر قد فرغ ولا تنقصه معرفته إلى من يذكره باحتياجات أولاده، ولا إلى من يحثه على الاهتمام بهم... لكن ربنا يسوع المملوء حبا يسر أن يجد في أمه وكل اخوته مشاعر الحب.لقد توسلت إليه مرة واحدة، أما هو فأجاب "مالي ولك امرأة لم تأت ساعتي بعد" يو2: 4،وهو لم يصدها إنما أراد أن يكشف لنا شفاعتها أولا: كشف ثقة أمه فيه، فإنها لم تلح في الطلبة، ولا انتظر منه أنه يجيبها بشيء، بل بكل ثقة وتأكيد قالت للمحتاجين "مهما قال لكم فافعلوه"، وكأنها قد تأكدت أنه يعمل عملا لأولاده الذين تطلب عنهم! ثانيا: بحديثها مع الخدام المحتاجين كشفت لنا عن مفهوم الشفاعة من جانبنا، ليست عبادة لها، إنما إعلان عن قدرتها على توجيه قلبنا بطريقة سرية تنفيذ وصية ابنها بكل دقة، إذ قالت "مهما قال لكم فافعلوه".إذا لنطلب صلواتها عنا وشفاعتها عنا حتى نقدر على تنفيذ وصايا ابنها. هكذا خلال أمومتها للرب نخلص بنعمة دم ابنها. القمص تادرس يعقوب ملطى عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
07 أغسطس 2021

القديسة مريم والخطايا الفعلية

اعتقد بعض الآباء مثل ايريناؤس وأوريجينوس ويوحنا الذهبي الفم أن القديسة مريم لم تعش بغير خطايا فعلية، لكن آرائهم لا تمثل التقليد المريمي المتسع في الكنيسة الأولى. تعتقد الكنيسة في قداسة مريم الفريدة في نوعها التي تفوق الخليقة السماوية، حتى الشاروبيم والسيرافيم. لقد أمضت حياتها في قداسه كتابوت العهد الحقيقي المصنوع من خشبٍ لا يسوس، مغطى بالذهب من الداخل والخارج. فيما يلي بعض مقتطفات لكتابات بعض الآباء في هذا الشأن: إكراما للرب لا أقبل سؤالاً واحدًا يمس موضوع الخطية بخصوص القديسة مريم العذراء القديس أغسطينوس كيف أقدر بالألوان العادية أن أرسم صورة هذه العجيبة الجميلة مكرمة جدا وممجدة هي صورة جمالهاعاشت حكيمة ومملوءة حبا لله لم تتدنس قط بشهوات رديئة، بل صارت في استقامة منذ طفولتها في الطريق الحق بغير خطأ أو تعثر!القديس يعقوب السروجي جاء كلمة الآب من حضن الآب،وفي حضن آخر لبس جسدًا،جاء من حضن إلى حضن امتلأ الحضنان النقيان به مبارك هو هذا الذي يسكن فينا! القديس أفرام السرياني القديسة مريم والخطايا الأصلية إذ تعمقت جذور محبة الكنيسة الأرثوذكسية للقديسة مريم تتطلع إليها بكونها أكثر قداسة من كل الخليقة السماوية لكنها في نفس الوقت هي عضو طبيعي في الجنس البشري. فنحن لا نعزلها عن البشرية، مدعين أنها ولدت بغير الخطية الجدية، كما لو كانت ليست من زرع بشري.هذه هي الحقيقة التي أعلنتها الثيؤتوكية التالية " يا لغنى الله وحكمته،الرحم الذي تحت الحكم أنجب أولادا بغير ألم المخاض،صارت ينبوع الخلود،أنت عمانوئيل بغير زرع بشر،ليحطم فساد طبيعتنا" هكذا تضع الكنيسة حدا فاصلا بين حياة القديسة قبل لحظة التجسد (كابنة آدم الوارثة للحكم)، وبعدها (تقدست بالكمال للتجسد الإلهي)، ففي ثيؤتوكية أخرى نقول"الروح القدس ملآك تمامًا،ملأ كل جزء في جسدك ونفسك،يا مريم والدة الإله!" أعلنت القديسة مريم بنفسها فرحتها بالله مخلصها، إذ كانت هي أيضا محتاجة للخلاص. في هذا يقول القديس أمبروسيوس"إذ أراد الرب أن يخلص العالم بدأ عمله بمريم، حتى أنه خلال الخلاص الذي أعد للجميع، تكون هي الأولى تنعم بثمرة الخلاص المقدم بواسطة الابن[1]". ويقول القديس أغسطينوس"من آدم خرجت مريم، التي ماتت بسبب الخطيئة آدم مات بسبب الخطيئة أما جسد الرب النابع عن مريم فمات ليحطم الخطيئة[2]". أخيرا فإن هذا المفهوم الأرثوذكسي حفظ كنيستنا بعيدا عن كل مبالغة أو خلط بين ما يخص السيد المسيح وأمه. فإننا لا نجد لاهوتي أرثوذكسي يدعو القديسة مريم "شريكة في الخلاص coredemptrix كما لا نقدم لها بعبادة بل تكريمًا ومديحًا بمعنى آخر في الكنيسة الأرثوذكسية يوجد حد فاصل بين المسيح والقديسة مريم أمه، فلا ينسب لها ما يخص السيد المسيح. القمص تادرس يعقوب ملطى عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
05 يونيو 2021

الرسالة السادسة عید القیامة

مفهوم العید أحبائي... لقد جاء بنا الله مرة أخرى إلى موسم العید، وخلال محبته المترفقة جمعنا معًا للتعیید. لأن الله الذي أخرج إسرائیل( ١) من مصر لا يزال حتى الآن یدعونا إلى العید، قائلاً على لسان موسى: احفظ شهر الثمارالجدیدة "واعمل فصحًا للرب إلهك" (تث ١٠:١٦ )، وعلى لسان النبي "عیدي یا یهوذا أعیادك أوفي نذورك"(نا ١٥:١).فإن كان الله نفسه یحب العید ویدعونا إلیه، فلیس محقًا یا إخوتي أن نؤجله أو نستهین به، إنما یلزمنا أن نأتي إلیه بغیرة وسرورٍ ، حتى إذ نبدأ هنا بالفرح تشتاق نفوسنا إلى العید السماوي.إن عیدنا هنا بنشاط، فإننا بلا شك نتقبل الفرح الكامل الذي في السماء، وكما یقول الرب: "شهوة اشتهیت أن، آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى یكمل في ملكوت الله (لو ١٥:٢٢-16).فنحن نأكل منه الآن أن كان یفهمنا سبب العید وبمعرفتنا للمخلص، نسلك حسب نعمته كقول بولس "إذًا لنعید لیس بخمیرة عتیقة، ولا بخمیرة الشر والخبث، بل بفطیر الإخلاص والحق ( ١كو ٧:٥ ). لأنه في هذه الأیام مات الرب، كي لا نعود نشتاق إلى أعمال الموت! لقد بذل حیاته، حتى نحفظ حیاتنا من شباك الشیطان! فمن لا یستعد هكذا، یفسد الأیام ولا یكون قد حفظ العید، بل یكون إنسانًا جاحدًا یلوم النعمة… ولا یتضرع إلى الرب الذي خلصه في مثل هذه الأیام.لیسمع مثل هذا الذي یتوهم أنه قد حفظ العید، الصوت الرسولي یوبخه قائلاً "أتحفظون أیامًا وشهوراً وأوقاتًا وسنین. أخاف علیكم أن أكون قد تعبت فیكم عبثًا" الله یرفض أعیاد الیهود الأشرار فالعید لیس من أجل الأیام بل من أجل الرب. فنحن نعید له لأنه تألم من أجلنا، إذ "فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا" وقد علم موسى الیهود ألا یكون العید لأجل الأیام بل من أجل الرب قائلاً "هو فصح الرب". لكن إذ فكر الیه ود أن یحفظوا العید بطل فصحهم بسبب اضطهادهم للرب، ولم یعد فصحهم بعد منسوبًا للرب، إنما صار منسوبًاإلیهم، لأنهم قد أنكروا یا أخوتي رب الفصح.لأجل هذا حول الرب وجهه عن تعالیمهم قائلاً "رؤوس شهوركم وأعیادكم بغضتها نفسي" اشكروا المخلص ومجدوه لهذا من یحفظ الفصح على منوالهم یوبخه الرب، وذلك كما فعل مع أولئك البرص الذین طهرهم. فقد أحب ذاك الذي قدم له الشكر، وغضب من الآخرین ناكري المعروف، لأنهم لم یعرفوا المخلص، بل انشغلوا بتطهرهم من البرص أكثر من ذاك الذي طهرهم.لكن "واحد منهم لما رأى أنه شفي رجع یمجد الله بصوت عظیم. وخر على وجهه عند رجلیه شاكراً له. وكان سامریًا. فأجاب یسوع وقال ألیس العشرة قد طهروا. فأین التسعة. ألم یوجد من یرجع لیعطي مجدًا لله غیر هذا الغریب الجنس؟! لذلك وهبه شیئًا أعظم مما نال الآخرون، فأنه إذ تطهر من برصه سمع الرب یقول له "قم وامض إیمانك خلصك"فمن یقدم الشكر والتمجید له مشاعر رقیقة، لهذا فأنه یبارك "معینه" (الرب) من أجل ما وهبه من بركات.ویلفت الرسول أنظار كل البشر إلى هذا الأمر قائلاً "مجدوا لله في أجسادكم ویأمر النبي قائلاً: أعط مجدًا لله. بالصلیب تمجد ابن الله وبالرغم من تلك الشهادة التي حملها رئیس الكهنة ضد مخلصنا، واحتقار الیهود له، وإدانة بیلاطس له في تلك الأیام لكن صوت الآب الذي جاءه كان مجیدًا وعظیمًا جدًا إذ یقول "مجدت وسأمجد أیضًا"لأن تلك الآلام التي احتملها لأجلنا قد عبرت، لكن ما یخصه كمخلص یبقى إلى الأبد.لننتفع بالذبیحة لكي لا ندان وإذ نحن نذكر هذه الأیام، لیتنا لا ننشغل باللحوم بل بتمجید الله.لیتنا نكون كأغبیاء من أجل ذاك الذي مات من أجلنا. وذلك كقول الرسول "لأننا إن صرنا مختلین فلله أو كناعاقلین فلكم… إذ نحن نحسب هذا أنه إن كان واحد قد مات لأجل الجمیع فالجمیع إذا ماتوا. وهو مات لأجل الجمیع كي یعیش الأحیاء فیما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام"یلزمنا ألا نعیش بعد لأنفسنا بل نعیش كعبید للرب.ولیس باطلاً تقبل النعمة، لأن الوقت مقبول ویوم الخلاص قد تبلج بموت مخلصنا. فمن أجلنا نزل الكلمة، وإذ هو خالد، حمل جسدًا الموت، وذلك من أجل خلاصنا لقد ذبح ربنا حتى یبطل الموت بدمه! وفي موضع معین، وبخ الرب بحق أولئك الذین اشتركوا في سفك دمه بغیر سبب دون أن یستنیروا "بالكلمة"…قائلاً (على فم النبي) "ما الفائدة من دمي إذا نزلت (الحفرة)؟!". هذا لا یعني أن نزول الرب إلى الجحیم كان بلا نفع، إذ انتفع منه العالم كله. لكن تعني أنه بعد ما تحمل الرب هذا كله، لا زال بعض الأشرار یرفضون الانتفاع من نزوله إلى الجحیم فیخسرون (ویدانون).فهو ینظر إلى خلاصنا كاستنارة وربح عظیم، ویتطلع بالعكس إلى هلاكنا كخسارة.لنتاجر في الوزنات، ولا نسكن كالیهود الأشراركذلك في الإنجیل، مدح الرب أولئك الذین ضاعفوا الوزنات، سواء ذلك الذي صارت وزناته عشرة عوض الخمسة أو أربع وزنات عوض الوزنتین… إذ ربحوا وجاءوا بالحساب حسنًا.أما ذاك الذي ألقى بالوزنة كأنها لیست بذي قیمة، فقال "أیها العبد الشریر!… كان ینبغي أن تضع فضتي عند الصیارفة فعند مجیئي كنت آخذ الذي لي مع ربا. فخذوا منه الوزنة أعطوا للذي له العشر وزنات. لأن كل من له یعطى فیزداد ومن لیس له فالذي عنده یؤخذ منه. والعبد البطال اطرحوه إلى الظلمة الخارجیة هناك یكون البكاء وصریر الأسنان" لأنها هذه لیست إرادته أن تصیر النعمة التي یهبنا إیاها غیر نافعة، بل یطلب منا أن نتحمل آلامًا لكي نأتي بالثمار التي هي له، كقول الطوباوي بولس "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، وإذ له هذا الشرح الصحیح للموقف أنه لا یملك شیئًا من عندیاته، بل كل ما لدى الإنسان هو عطیة من قبل الله، لهذا كان بولس یعلم بمبدأ صحیح، مشابه للسابق، بقوله "أعطوا الجمیع حقوقهم". وفي هذا كان بولس یشبه أولئك الذین أرسلهم رب البیت لیأتوا بثمار كرمه، معلمًا البشر جمیعهم أن یردوا ما نالوه.أما إسرائیل فقد أحتقر (المرسلین) ولم یرد أن یرد (حق الله)، إذ كانت إرادتهم شریرة، بل وأكثر من هذا قتلواالمرسلین، ولم یخجلوا حتى من رب الكرم بل قتلوه هو أیضًا. حقًا عندما جاء ولم یجد فیهم ثماراً لعنهم في شجرة التین قائلاً "لا یكن منك ثمر بعد إلى الأبد" فیبست ولم تعد مثمرة حتى تعجب التلامیذ من ذلك. تحقق النبوات عن خراب إسرائیل عندئذ تحقق ما نطق به الأنبیاء "وأبید منهم صوت الطرب وصوت الفرح، صوت العریس وصوت العروس،صوت الأرحیة ونور السراج وتصیر كل هذه الأرض خرابًا"، إذ بطل عنهم كل خدمة الناموس، وهكذا سیبقون إلى الأبد بغیر عید. وهم لا یحفظون بعد الفصح، لأنهم كیف یستطیعون أن یحفظوه؟! إنه لم یعد لهم بعد موطن إنما قد صاروا مشتتین في كل مكان إنهم (لا) یأكلون الفطیر… حیث أنهم عاجزون عن تقدیم ذبیحة الخروف، إذ أمروا أن یصنعوا هذا عندما یأكلون الفطیر.أنهم یعصون الناموس في كل شيء، وبحسب أحكام الله یحفظون أیامًا للحزن لا للسعادة.هكذا أیضًا یكون حال الهراطقة الأشرار وأصحاب الإنشقاقات الأغبیاء، أحدهما یذبح الرب والآخر یمزق ثوبه.هؤلاء أیضًا محرومون من العید، لأنهم یعیشون بغیر تقوى ولا معرفة، ویتنافسون بنفس التصرف الذي حدث في أمر بارباس اللص حیث فضله الیهود عن المخلص، لهذا لعنهم الرب في شجرة التین.غیر أنه في محبته المترفقة ترك جذر (الشجرة) ولم یهلكه إذ لم یلعنه، إنما قال بأنه لا یجني منها أحد ثمرة قط. وبصنعه هذا أبطل الظل… وترك الجذر لكي نتطعم نحن فیه (أما هم ففي عصیانهم یبسوا). "وهم إن لم یثبتوا في عدم الإیمان (أن صاروا مسیحیین ورفضوا تشامخهم وخضعوا للرب) سیطعمون. لأن الله قادر أن یطعمهم أیضًا"إن كان الله قد لعنهم من أجل إهمالهم… فقد نزع عنهم الحمل الحقیقي. لنفرح بالعید أما بالنسبة لنا، فقد جاءنا العید. لقد جاء الیوم المقدس الذي یلزمنا فیه أن نبوق داعین إلى العید. ونفصل أنفسنا للرب بالشكر، ناظرین إلى أن هذا العید هو عیدنا نحن. لأننا قد صار علینا أن نقدسه، لا لأنفسنا بل للرب، وأن نفرح فیه لا في أنفسنا بل في الرب، الذي حمل أحزاننا قائلاً "نفسي حزینة جدًا حتى الموت" فالوثنیین وكل الغرباء عن الإیمان یحفظون الأعیاد لإرادتهم الذاتیة، هؤلاء لیس لهم سلام إذ یرتكبون الشر في حق الله.أما القدیسون فإذ یعیشون للرب یحفظون العید، فیقول كل منهم "مبتهجًا بخلاصك"، "أما نفسي فتفرح بالرب" فالوصیة عامة بأن یفرح الأبرار بالرب، حتى إذ یجتمعون معًا یترنمون بذلك المزمور الخاص بالعید وهو عام للجمیع، قائلین "هلم نرنم للرب"ولیس لأنفسنا. بین ذبح اسحق وذبح المسیح هكذا فرح إبراهیم إذ رأى یوم الرب، لا یوم نفسه. تطلع إلى قدام فرأى یوم الرب ففرح وعندما جرب، قدم بالإیمان اسحق جاعلاً من ابنه الوحید الذي نال فیه المواعید ذبیحة. ولما منع من ذبحه تطلع فرأى المسیا في "الخروف"الذي ذبح لله عوضًا عن ابنه.لقد جرب الأب في ابنه، ولم یكن الذبح أمر بغیر معنى، إنما كان فیه إشارة إلى الرب كما في إشعیاء إذ یقول"كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازیها فلم یفتح فاه"، إنما قد حمل خطایا العالم.على هذا الأساس منع إبراهیم من أن یمد یده على الصبي، حتى لا یستغلها الیهود كفرصة لیزدروا بالصوت النبوي الذي ینطق بخصوص مخلصنا ناسبین إیاه إلى ذبح اسحق، حاسبین أن كل هذا یشیر إلى ابن إبراهیم. ذبیحة اسحق مجرد رمز لم تكن الذبیحة (من أجل اسحق)، بل من أجل الذي قدم الذبیحة، إذ بهذا قد جرب. لقد قبل الله إرادة مقدم الذبیجة، لكنه منع تقدیم الذبیحة. لأن موت اسحق لا یؤدي إلى تحریر العالم، إنما موت مخلصنا وحده الذي بجراحاته شفینا. فقد أقام الساقطین، وشفى المرض، وأشبع الجیاع، وسد أعواز المحتاجین، وما هو أعجب أنه أقامنا نحن الأموات، مبطلاً الموت، محظراً إیانا من الحزن والتنهد إلى الراحة والسعادة كالتي لهذا العید، إلى الفرح الذي هو في السموات. ولسنا نحن وحدنا الذین نتأثر بهذا، بل والسماء أیضًا تفرح معنا مع كل كنیسة الأبكار المكتوبة في السموات الكل یفرح معًا كما یعلن النبي قائلاً "ترنمي أیتها السموات لأن الرب قد فعل رحمة.. اهتفي یا أسافل الأرض.أشیدي أیتها الجبال ترنمًا، الوعر وكل شجرة فیه لأن الرب قد فدى یعقوب…"ومرة أخرى یقول "ترنمي أیتها السموات وابتهجي أیتها الأرض. لنشید الجبال بالترنم لأن الرب قد عزى شعبه وعلى یائسیه یترحم" فرح في السماء وعلى الأرض إذًا الخلیقة كلها تحفظ عیدًا یا أخوتي، وكل نسمة تسبح الرب كقول المرتل، وذلك بسبب هلاك الأعداء (الشیاطین) وخلاصنا.بالحق أن كان في توبة الخاطئ یكون فرح في السماء، فكیف لا یكون فرح بسبب إبطال الخطیة وٕ اقامةالأموات؟! آه. یا له من عید وفرح في السماء!! حقًا. كیف تفرح كل الطغمات السمائیة وتبتهج، إذ یفرحوا ویسهروا في اجتماعاتنا ویأتون إلینا فیكونون معنا دائمًا، خاصة في أیام عید القیامة؟! أنهم یتطلعون إلى الخطاة وهم یتوبون.وإلى الذین یحولون وجوههم (عن الخطیة) ویتغیرون، وإلى الذین كانوا غرقى في الشهوات والترف والآن هم منسحقون بالأصوام والعفة.وأخیراً یتطلعون إلى العدو (الشیطان) وهو مطروح ضعیفًا بلا حیاة، مربوط الأیدي والأقدام، فنسخر منه قائلین:"أین شوكتك یا موت. أین غلبتك یا هاویة" ( ١ كو ٥٥:١٥).فلنترنم الآن للرب بأغنیة النصرة. من هم الذین یعبدون؟ من هو هذا الذي إذ یأتي مشتاقًا إلى عید سماوي ویوم ملائكي، یقول مثل النبي "فآتي إلى مذبح الله، إلى الله،بهجة فرحي، وأحمدك بالعود یا الله إلهي" والقدیسون یشجعوننا أیضًا للسلوك بهذا المسلك قائلین "هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بیت إله یعقوب" لكن هذا العید لیس لأجل الدنسین، ولا یصعد إلیه الأشرار، بل الصالحین والمجاهدین والذین یسلكون بنفس الهدف الذي هو للقدیسین، لأنه "من یصعد إلى جبل الرب ومن یقوم في موضع قدسه؟! الطاهر الیدین والنقي القلب الذي یحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذبًا". لأنه كما یكمل المزمور قائلاً "یحمل بركة من عند الرب (وبراً من إله خلاصه)".هذا واضح أنه یشیر إلى ما یهبه الرب للذین عن یمینه قائلاً "تعال وإلى یا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسیس العالم"أما الإنسان المخادع، وغیر نقي القلب، والذي لیس فیه شیئًا طاهراً… فهذا بالتأكید غریب عن القدیسین ویحسب غیر مستحقًا لیأكل الفصح، لأن "كل ابن غریب لا یأكل منه"لهذا عندما ظن یهوذا أنه قد حفظ الفصح، بینما كان قد دبر خداعًا ضد المخلص، أصبح غریبًا عن المدینة التي هي من فوق وبعیدًا عن الصحبة الرسولیة، لأن الشریعة أمرت أن یؤكل الفصح بحرص لائق، أما هو بینما كان یأكل نفبه الشیطان ودخل إلى نفسه. كیف نعبد؟ لیتنا لا نعید العید بطریقة أرضیة، بل كمن یحفظ عیدًا في السماء مع الملائكة! لنمجد الله بحیاة العفة والبر والفضائل الأخرى! لتفرح لا في أنفسنا بل في الرب، فنكون مع القدیسین! لنسهر مع داود الذي قام سبع مرات، وفي نصف اللیل كان یقدم الشكر من أجل أحكام الله العادلة! لنبكر كقول المرتل "یا رب بالغداة تسمع صوتي، بالغداة أقف أمامك وتراني"! لنصم مثل دانیال! لنصلي بلا انقطاع كأمر بولس. فكلنا یعرف موعد الصلاة خاصة المتزوجین زواجًا مكرمًا! فإذ نحمل شهادة بهذه الأمور، حافظین العید بهذه الكیفیة نستطیع أن ندخل إلى فرح المسیح في ملكوت السموات.وكما أن إسرائیل (في القدیم) عندما صعد إلى أورشلیم تنقى في البریة، متدربًا على نسیان العادات (الوثنیة) المصریة، هكذا فأن الكلمة وضع لنا هذا الصوم المقدس الذي للأربعین یومًا، فنتنقى ونتحرر من الدنس، حتى عندما نرحل من هنا یمكننا بكوننا قد حرصنا على الصوم (هكذا) أن نصعد إلى جمال الرب العالي، ونتعشى منه، ونكون شركاء في الفرح السماوي.فأنه لا یمكنك أن تصعد إلى أورشلیم وتأكل الفصح دون أن تحفظ صوم الأربعین. الرسائل الفصحیة للقدیس أثناسیوس الكبیر ترجمة وإعداد القمص تادرس یعقوب ملطي
المزيد
29 مايو 2021

الرسالة الخامسة عید القیامة في ٢٠ برمودة ٤٩ ش 15أبریل ٣٣٣ م

لتستنیر أذهانكم بنور الرب أخوتي…. إننا ننتقل هكذا من أعیاد إلى أعیاد، ونسیر من صلوات إلى صلوات، ونتقدم من أصوام إلى أصوام، ونربط أیامًا مقدسة بأیام مقدسة.لقد جاء مرة أخرى الوقت الذي یجلبنا إلى بدایة جدیدة، تعلن عن الفصح المبارك الذي فیه قدم الرب ذبیحة.إننا نأكله بكونه طعام الحیاة، ونتعطش إلیه مبتهجة نفوسنا به كل الأزمان، كأنه یفیض بدمه الثمین. إننا نشتاق إلیه على الدوام شوقًا عظیمًا، وقد نطق مخلصنا بهذه الكلمات في حنو محبته موجهًا حدیثه إلى العطشى، إذ یرید أن یروي كل عطشان إلیه، قائلاً "إن عطش أحد فلیأت إلي لیشرب" ولا یقف الأمر عند هذا الحد إذا جاءه أحد یروي عطشه فحسب، بل عندما یطلب إنسان یعطیه المخلص بفیض زائد مجانًا. لأن نعمة الولیمة لا یحدها زمن معین ولا ینقص عظمة بهائها، بل هي دائمًا قریبة تضيء أذهان المشتاقین إلیها برغبة صادقة. لأن في هذه الولیمة فضیلة دائمة یتمتع بها ذوي العقول المستنیرة المتأملین في الكتاب المقدس نهاراً ولیلاً، وذلك مثل الرجل الذي وهب نعمة كما جاء في المزامیر "طوبى للرجل الذي لم یسلك في مشورة المنافقین وفي طریق الخطاة لم یقف وفي مجلس المستهزئین لم یجلس. لكن في ناموس الرب یلهج نهاراً ولیلاً"( ٢) لأن مثل هذا لا تضيء له الشمس أو القمر أو مجموعة الكواكب الأخرى، بل یتلألأ ببهاء الله الذي هو فوق الكل. بركات العید أعزائي… إن الرب هو الذي سبق فأعد لنا أولا هذا العید، وهو الذي یتعطف بنا ویتحنن علینا بأن نعید به عامًا بعد عام فقد أرسل ابنه للصلیب من أجلنا، ووهبنا بهذا السبب العید المقدس الذي یحمل في طیاته كل عام شهادة بذلك، إذ یتم العید كل عام في نفس الوقت (بنفس المناسبة). وهذا أیضًا ینقلنا من الصلیب الذي قدم للعالم إلى ذاك الذي هو موضوع أمامنا، إذ منه ینشئ لنا الله فرحًا بالخلاص المجید، ویحضرنا إلى نفس الاجتماع، ویوحدنا في كل مكان بالروح،راسمًا لنا صلوات عامة،ونعمة عامة تحل علینا من العید.فإن هذا هو عجب محبته المترفقة، أنه یجمع في نفس المكان من هم على بعد، ویقرب أولئك الذین هم بعیدین بالجسد لیكونوا بروح واحد. لنذكر بركات الله لنا لهذا ألا نعرف یا أحبائي النعمة التي تنبع من قدوم العید!؟ أما نرد شیئًا لذاك الذي هو محسن علینا؟! حقًا إنه یستحیل أن نرد لله حسناته علینا، لكنه أمر شریر أن نأخذ الهبات ولا نعرفها.والطبیعة نفسها تشهد بعجزنا، لكن إرادتنا توبخ جحودنا. لهذا فأن بولس الطوباوي عندما كان یتعجب من عظم بركات الله قال "من هو كفء لهذه الأمور" لأنه قد تحرر العالم بدم المخلص، وبالموت داس الموت، ممهدًا طریق الأمجاد السماویة بغیر عقبات أو حواجز لهؤلاء الذین ینمون.لهذا عندما أدرك أحد القدیسین النعمة مع عجزه عن أن یرد لله مقابلها قال "ماذا أرد للرب من أجل كثرة حسناته لي"لأنه عوض الموت تقبل حیاة، وبدل العبودیة نال حریة وبدل القبر وهب له ملكوت السموات.لأنه منذ وقت قدیم "تسلط الموت من آدم إلى موسى"، أما الآن فأن الصوت الإلهي قال "الیوم تكون معي في الفردوس". وإذ یشعر الإنسان القدیس بهذه النعمة یقول "لولا أن الرب كان معي، لهلكت نفسي في الهاویة"علاوة على هذا، یشعر الإنسان بعجزه عن أن یرد للرب عن إحساناته، لكنه یعرف عطایا الله كاتبًا في النهایة "كأس الخلاص أتناول وباسم الرب أدعو… عزیز في عیني الرب موت أتقیائه" أما عن الكأس، فقد قال الرب "أتستطیعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا؟!". ولما قبل التلمیذان هذا، قال لهما "أما كأسي فتشربانها… وأما الجلوس عن یمیني وعن یساري فلیس لي أن أعطیه إلا للذین أعد لهم من أبي"لهذا یلزمنا أیها الأحباء أن تكون لنا حساسیة من جهة العطیة، حتى وإن وجدنا عاجزین عن رد إحسانات الرب،إنما یلزمنا أن ننتهز الفرصة. فأن كنا بالطبیعة عاجزین عن أن نرد "للكلمة" أمور تلیق به، عن تلك البركات التي أغدق بها علینا فلنشكره إذ نحن محفوظون في التقوى. وكیف یمكننا أن نربط بالتقوى إلا بتعرفنا على الله الذي من أجل حبه للبشر قدم كل هذه البركات؟! (فأننا بهذا نحفظ الشریعة في طاعة لها، سالكین في الوصایا، لأنه بكوننا غیر جاحدین بل شاكرین إیاه لا نكون مخالفین للناموس ولا مرتكبین لأمور مكروهة، لأنه الله یحب الشاكرین).وأیضًا عندما نقدم أنفسنا للرب مثل القدیسین، عندما نصف أنفسنا بأننا لا نحیا لنفوسنا بل للرب الذي مات من أجلنا، كما فعل بولس الطوباوي عندما قال "مع المسیح صلبت فأحیا لا أنا بل المسیح یحیا في" لنقدم له من الذي له فینا والآن أیها الأخوة تكمن حیاتنا حقیقة في نبذنا الأمور الجسدیة وتمسكنا بثبات في الأمور الخاصة بمخلصنا وحدها. فالموسم الحالي لا یتطلب منا مثل هذا الكلام فحسب بل والإقتداء بأعمال القدیسین.لنقتد بهم، ذلك إن عرفنا ذاك الذي مات (عنا) فلا نعود بعد نحیا لأنفسنا بل للمسیح الساكن فینا.وإذ نرد إلى ربنا قدر طاقتنا، إنما نرد إلیه لا من عندیاتنا بل بتلك الأشیاء التي أخذناها منه، التي هي نعمته،فهو یسألنا عطایاه التي وهبنا إیاها. وقد حمل شهادة بذلك بقوله أن الذي تعطوني إیاه إنما هو عطایاي. لأن ما تعطوني كأنه منكم إنما قد نلتموه مني إذ هو عطیة من قبل الله. لنقدم لله كل فضیلة وقداسة صحیحة هي فیه، ولنحفظ العید الذي له في تقوى بهذه الأمور التي قدسها لأجلنا.لنعمل في الأعیاد المقدسة…. مستخدمین نفس الوسائل التي تقودنا إلى طریق نحو الله.ولكن لیتنا لا نكون مثل الوثنیین أو الیهود الجهلاء أو الهراطقة أو المنشقین…فالوثنیین یظنون أن العید یظهر بكثرة الأكل.والیهود إذ یعیشون في الحرف والظلال یحسبون هكذا.والمنشقون یعیدون في أماكن متفرقة بتصورات باطلة.أما نحن یا إخوتي، فلنسمو على الوثنیین حافظین العید بإخلاص روحي وطهارة جسدیة. ولنسمو على الیهود فلا نعید خلال حرف وظلال، بل بكوننا قد تلألأنا مستنیرین بنور الحق، ناظرین إلى شمس البر (مل ٢:٤ ). ولنسموعلى المنشقین فلا نمزق ثوب المسیح بل لنأكل في بیت واحد هو الكنیسة الجامعة فصح الرب الذي بحسب وصایاه المقدسة یقودنا إلى الفضیلة موصیًا بنقاوة هذا العید. لأن الفصح حقًا خالٍ من الشر، للتدرب على الفضیلة والانتقال من الموت إلى الحیاة.هذا ما یعلم به الرمز الذي جاء في العهد القدیم. لأنهم تعبوا كثیراً للعبور من مصر إلى أورشلیم، أما الآن فنحن نخرج من الموت إلى الحیاة.هم عبروا من فرعون إلى موسى، أما نحن فإننا نقوم من الشیطان لنكون مع المخلص.وكما أنه في مثل ذلك الوقت یحملون شهادة سنویة عن رمز الخلاص هكذا فأننا نحن نصنع ذكر خلاصنا.نحن نصوم متأملین في الموت، لكي نكون قادرین على الحیاة.ونحن نسهر لیس كحزانى، بل منتظرین الرب، متى جاء من العرس حتى نعیش مع بعضنا البعض في نصرة،مسرعین في إعلان النصرة على الموت. كیف نعید؟ لیتنا یا أحبائي، نحكم أنفسنا –كما تتطلب الكلمة- في كل الأوقات ونحكم أنفسنا حكمًا تامًا، وهكذا نعیش دون أن ننسى قط أعمال الله العظیمة، ولا ننفصل قط عن ممارسة الفضیلة!وكما ینذرنا الصوت الرسولي قائلاً "أذكر یسوع المسیح المقام من الأموات"، دون أن یشار إلى زمن محدود بل أن یكون ذلك في فكرنا في كل الأوقات.ولكن لأجل كسل الكثیرین نحن نؤجل من یوم إلى یوم، فلنبدأ إذًا من هذه الأیام! لقد سمح بوقت التذكر (بقیامة المسیح) لأجل هذا الهدف حتى یظهر للقدیسین جزاء دعوتهم، وینذر المهملین موبخًا إیاهم. لهذا فإنه لیتنا في كل الأیام الباقیة نكون محفوظین في سلوك صالح، ویكون عملنا التوبة عن كل ما نهمل فیه، لأنه لا یوجد إنسان قط معصوم من الخطأ، ولو كانت حیاته یومًا واحدًا على الأرض، كما یشهد بذلك أیوب الرجل البار. وإذ نمتد إلى ما هو قدام لیتنا نصلي ألا نتناول الفصح بغیر استحقاق حتى لا نكون في خطر.لأن الذین یحفظون العید في نقاوة یكون الفصح طعامهم السماوي، أما الذین ینتهكون العید بالدنس والاستهتار،فأنه بالنسبة لهم یكون موبخًا وخطیراً. فأنه مكتوب بأن من یأكله أو یشربه بدون استحقاق یكون مجرمًا في جسد (موت) الرب لذلك لیتنا لا نقف عند مجرد تنفیذ الطقوس الخاصة بالعید، بل نستعد للاقتراب للحمل الإلهي ونلمس الطعام السماوي.لننقي أیدینا ونطهر الجسد.لنحفظ فكرنا كله من الدنس، فلا نسلم أنفسنا للكبریاء والشهوات، بل ننشغل دومًا بربنا وبالتعالیم الإلهیة، حتى نكون بالكلیة طاهرین نستطیع أن نكون شركاء مع الكلمة الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
22 مايو 2021

الرسالة الرابعة عید القیامة في ٧ برمودة ٤٨ 2 أبریل ٣٣٢ م.

أرسلت هذه الرسالة من البلاط الإمبراطوري بواسطة أحد الجنود أرسل إلیكم یا أحبائي رسالتي متأخراً ولیس كما اعتدت؛ واثقًا أنكم ستسامحونني على تأخیري وذلك لطول رحلتي وبسبب مرضي. فقد أعاقاني هذان السببان عن الإرسال، هذا مع حدوث عواصف شدیدة على غیر العادة فأرجأت الكتابة إلیكم.وبالرغم من طول مدة السفر مع مرضي الشدید، لكنني لا أنسى أن أقدم لكم تعالیم العید، إذ من واجبي أن أخبركم عن العید.ومع أن هذه الرسالة قد جاءت متأخرة عما اعتدت علیه، لكنني أظن أنه لا زال الوقت مناسبًا، خاصة وأن أعداءنا قد صاروا في عار، ووبختهم الكنیسة لأنهم اضطهدونا بلا سبب فلنرنم الآن بترنیمة العید ناطقین بتسبحة النصرة ضد فرعون قائلین "أرنم للرب فأنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر" انتعشوا بالغذاء الروحي یوم العید حسنًا یا أحبائي أن نخرج من عید إلى عید، فأن احتفالات العید والأسهار المقدسة التي ترتفع في عقولنا، تدعونا إلى حفظ السهر على التأمل في الأمور الصالحة. لیتنا لا نترك هذه الأیام تمر علینا مثل تلك التي حزنا فیها، إنما إذ نتمتع بالغذاء الروحي تخمد شهواتنا الجسدیة.بهذه الوسیلة نقدر أن نغلب أعداءنا الشیاطین والشهوات كما صنعت یهودیت المباركة، إذ تدربت أولاً على الأصوام والصلوات، وبهذا غلبت الأعداء وقتلت ألیفاناذ.وعندما كان الخراب سیحیق بكل جنس استیر… لم تفسد ثورة الطاغیة إلا بالصوم والصلاة إلى الله،وهكذا حولت هلاك شعبها إلى حفظهم في سلام وإذ كانت الأیام التي فیها یقتل العدو أو تباد مؤامراته، تعتبر بالنسبة لهم أعیادًا… لذلك أمر موسى المبارك أن یعید بعید الفصح العظیم، لأن فرعون قد قتل والشعب خلص وتحرر من العبودیة… الیوم قد قتل الشیطان عدونا والآن یا أحبائي.. قد ذبح الشیطان، ذلك الطاغیة الذي هو ضد العالم كله، فنحن لا نقترب من عید زمني بل عید دائم سمائي. معلنین إیاه لا خلال ظلال (وحرف) بل في الحق لأن أولئك بعد ما شبعوا من جسدالخروف الأبكم تمموا العید، وإذ مسحوا قوائم بیوتهم بالدم نجوا من المهلك. أما الآن فإذ نأكل "كلمة" الآب وتمسح قلوبنا بدم العهد الجدید نعرف النعمة التي یهبنا إیاها المخلص الذي قال "ها أنا أعطیكم سلطانًا لتدوسوا الحیات والعقارب وكل قوة العدو" (لو ١٩:١٠ ) لأنه لا یعود یملك الموت، بل تتسلط الحیاة عوض الموت، إذ یقول الرب "أنا هو الحیاة" (یو ٦:١٤ )، حتى أن كل شيء امتلأ بالفرح والسعادة، كما هو مكتوب "الرب قد ملك، فلتفرح الأرض". ، لأنه عندما ملك الموت "على أنهار بابل جلسنا فبكینا" (راجع مز ١:٩٧, ١:١٣٧ ) ونحنا، لأننا قد شعرنا بمرارة الأسر. وأما الآن إذ بطل الموت وانهدمت مملكة الشیطان، لذلك امتلأ كل شيء بالفرح والسعادة.ولم یعد الله معروفًا في الیهودیة وحدها بل في كل الأرض "في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقصى المسكونة كلماتهم" (مز ١:٧٦ , ٤:١٩) الأمور الباقیة واضحة یا أحبائي. أنه یلزمنا أن نقترب إلى عید كهذا لا بثوب مدنس، بل أن تلتحف نفوسنا بأثواب طاهرة.یلزمنا أن نلبس ربنا یسوع حتى نستطیع أن نعید العید معه.والآن نحن نلبسه عندما نحب الفضیلة ونبغض الشر؛ عندما ندرب أنفسنا على العفة ونمیت شهواتنا،عندما نحب البر الآثم، عندما نكرم القناعة، ویكون لنا عقلاً راسخًا، عندما لا ننسى الفقیر بل نفتح أبوابنا لجمیع البشر، عندما نعین الضعفاء وننبذ الكبریاء. بین الفصح الحقیقي والفصح الرمزي لقد كان هذا لإسرائیل القدیم في رموز، محاربین لأجل النصرة، معیدین في ظلال وحرف.أما نحن أیها الأحباء فقد تحقق لنا ما كان ظلالاً، وتم ما كان حرفًا، لذلك یلزمنا ألا ننظر إلى العید كرمز، ولا نذهب إلى أورشلیم التي هي هنا أسفل (في الأرض) لكي نقدس خروف الفصح… لئلا عندما یعبر الوقت(الموسم) ینظر إلینا أننا نصنع أمراً غیر مناسب. ولكن بحسب أمر الرسل یلزمنا أن نتعدى حدود الحرف، ونترنم بأغنیة التسبیح.فبإدراكنا هذا، مجتمعین مع بعضنا البعض بالحق (المسیح) یقتربون إلینا ویقولون لمخلصنا "أین ترید أن نعد لك لتأكل الفصح؟!" فإنه لا تعود هذه الأمور تصنع في أورشلیم التي هي أسفل ولا هناك فقط بالعید بل أینما یرید الله. إنه یرید الآن أن یكون العید في كل مكان حتى أنه "في كل مكان یقرب لاسمي (لأسمه)" (مل ١١:١) فمع أنه في التاریخ لم یكن یحفظ الفصح إلا في أورشلیم لكن لما جاء ملء الزمان وعبرت الظلال وانتشرت الكرازة بالإنجیل في كل مكان، ونشر التلامیذ الأعیاد في كل الأماكن كأنهم یسألون المخلص "أین ترید أن نعده؟!" والمخلص أیضًا إذ حول الحرف إلى روح، وعدنا أنهم لا یعودون یأكلون جسد الخروف، بل یأكلون جسده هو قائلاً: خذوا كلوا واشربوا هذا هو جسدي ودمي (راجع مت ٢٦:٢٦-28) فإذ ننتعش بهذه الأمور، فأننا بالحق یا أحبائي نحفظ عید الفصح الحقیقي. الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل