المقالات

01 يونيو 2023

بمناسبة عيد دخول المسيح أرض مصر

تعليقات للقدّيس كيرلّس الكبير على الأصحاح 19 من سفر إشعياء يسعدني في هذا المقال تقديم مقتطفات من شرح القديس كيرلّس الإسكندري عمود الدين للأصحاح التاسع عشر من سفر إشعياء النبي. وقد اخترت فقط بعضًا من شرحه للآية رقم 1، والآية رقم 19. ثم رأيتُ تقديم بعض الملاحظات السريعة على التفسير في نهاية المقال. إش19: 1: "هوذا الربّ يجلس على غيمة خفيفة، وسيأتي إلى مصر، فتتزلزل أوثان مصر من وجهه، ويصغر قلبهم فيهم". يريد النبيّ أن يُعلِّم بأيّ طريقة خلُصَتْ مصر، وأُمسِكَت بشَبَكة التقوى بإيمانها بالمسيح، بالرغم من معاناتها من الأخطاء الإجراميّة لتعدُّد الآلهة. فقد كانت في ظلامٍ شديد.. قد وضعوا في معابدهم أوثانًا كثيرة، متعدّدة الأشكال، حتّى أنّهم أبدعوا أشكالاً للحيوانات غير العاقلة، وأقاموا المذابح حتّى يقدّموا الذبائح عليها. إذن فقد كان يجب أن تزداد النعمة جدًّا لأنّ خطيّتهم قد كثرت جدًّا (رو5: 22)، وأنْ يَظهر الطبيب لِمَن أُصيبوا بالمرض الشديد، وأن يلمع النور الإلهي السماوي، لمن اظلمّت قلوبهم. ماذا يريد أن يبيِّن بقوله إنّه يرى الربّ يجلس على غيمة خفيفة؟ هيّا بنا نفحص الأمر على قدر استطاعتنا. بعض المفسِّرين قالوا بالتأكيد أنّ "الغيمة (السحابة) الخفيفة" هي جسد الربّ المقدّس، بمعنى الهيكل الذي اتّخذه من العذراء القدّيسة، والذي شبّهوه بالغيمة، لأنّه كان خاليًا من الشهوات والأهواء الأرضيّة، وارتفع عنها عاليًا. لأنّ الجسد المقدّس لمخلّصنا المسيح هو بالحقيقة كليّ القداسة، وخالٍ من كلّ دنسٍ أرضيّ. والبعض قالوا أنّ الغيمة الخفيفة هي العذراء القدّيسة.غير أنّي أعتقد أنّه بقوله "جالسًا على غيمة خفيفة" يريد أن يُعَبِّر عن معانٍ أخرى كثيرة.السحابة تمثِّل لنا نوعًا من البرودة، أو المطر الروحي، أو المعموديّة المخلِّصة. وبالفِعل يقول الطوباوي بولس أنّ "آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة... وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر" (1كو10: 1-2). وعندما كانوا يَعبرون الصحراء الشاسعة، كانت السحابة تظلّلهم في النهار، وفي المساء كان يتقدّمهم عمود نار. ولقد وُصِفَ المسيح بهذين الأمرين (النار والسحابة)، أي بالسرّ الخاصّ به. أي أنّنا سنحصل على البرّ والقداسة بالإيمان وبالمعموديّة المقدّسة.وهكذا يليق بالربّ، وهو ذاهبٌ بهدف تنقية وإصلاح المصريّين، بطريقة روحيّة تليق بألوهيّته، أن يَظهَر وهو جالس على غيمة خفيفة، لأنّه لم يكُن هناك طريق آخر لزوال قذارة النفس التي خُدِعَت إلاّ عن طريق المعموديّة المقدّسة، والتي نقول أنّ الغيمة الخفيفة هي رمزٌ لها.هي خفيفة لأنّنا نعتمد كي نخلع عنّا الخطيّة، مُلقين من فوقنا عدم التقوى، وكأنّها حِمل ثقيل الحَمْل، فنصير مرفوعين كما لو أنّ لنا أجنحة، نتعلّم كيف نتأمّل في السماويّات، متّجهين بقلوبنا نحو العُلا. أعتقد أنّ جلوس الربّ على السحابة.. يُلَمِّح إلى الراحة أو السُّلطة (المُلك)، وهكذا فإنّ المسيح يستريح ليس حسب عبادات الناموس قديمًا، لكن بالحريّ مِمّا يأتي لنا عن طريق المعموديّة المقدّسة، (أمّا السُلطة) فبطريقة مُلكِهِ على مَن هُم على الأرض.يقول النبيّ أنّ عند ظهوره "سترتجف أوثان مصر، كما من زلزال". فطالما ظهرت المعموديّة المقدّسة، وأضاء المسيح على الأرض، كان من الضروري أن يختفي دَجَل الضلالات القديمة، وتظهر أنّ فخاخ الشيطان قد تحطّمَت، لأنّه كان قد أوقع في شباكه للهلاك والضياع كلّ أمّةٍ.. وبالأكثر من الجميع، أوقع المصريّين؛ لأنّ هؤلاء كانوا يؤمنون بالخُرافات أكثر من غيرهم.النبيّ يقول أنّ قلوب المصريّين ستُهزَم وستُفسِح الطريق.. وستخضَع أمام تعاليم الإنجيل.. ولن تكون فيما بعد قلوبًا جامدة أو قاسية أو غير قابلة للنُّصح، بل ستَقبل رسالة الخلاص. إش19:19: "في ذلك اليوم، يكون مذبح للربّ في كورة المصريّين، وعمودٌ للربّ عند تُخمها. فيكون علامةً للربّ إلى الأبد في كورة مصر".لقد كانت أرض مصر مليئة كلّها بالمعابد ومكتظّة بالمذابح.. انتبِه إذن، من أين إلى أين تغيَّرَت أحوال المصريّين؟ فهؤلاء الذين كانوا متمسّكين بالخرافات أكثر من أي شعوبٍ أخرى، بل وكانوا أسرى بالتمام للضلالات، يقول (النبيّ) أنّه "في ذلك اليوم"، أي في ذلك الزمان الذي فيه ستضيء فيهم بشارة الخلاص، سيقبلون عبادة مَن هو بطبيعته الله الحقيقي. لأنّه سيُقام مذبح للربّ في أرض مصر. والكلام هنا واضح جدًّا.يقصد بكلمة "عمود"، على ما أعتقد، إمّا هيكلاً مقدّسًا للربّ، أي كنيسة، وقد بُنِيَت على حدود مصر، قبل كنائس أخرى. أو أنّها (كلمة عمود) تُعني علامة الصليب المقدّس، الذي اعتاد المؤمنون أن يحموا أنفسهم به كدرع. لأنّنا نستخدم دائمًا علامة الصليب كي نتجنّب كلّ هجوم الشياطين، ونصدّ كلّ اعتداءاتهم. لأنّ الصليب هو في الواقع سورنا الحصين، وهناك أسباب لنفخر بخلاصنا عن طريقه، لأنّه مكتوبٌ: "وأمّا من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربّنا يسوع المسيح" (غل6: 14). إذن عجيبٌ هو ما قد سبق فأنبأت به النبوّات حينذاك، وقد تحقّق الآن. [المرجع: تفسير سفر إشعياء للقدّيس كيرلّس السكندري (الجزء الثالث - الأصحاحات: من 19 إلى 30) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة بالقاهرة - ترجمة عن اليونانيّة مع مقدّمة وتعليقات للدكتور جوزيف موريس فلتس - الطبعة الأولى 2021م] بعض الملاحظات السريعة: 1- القديس كيرلّس يستخدم في تفسيره النصّ السبعيني اليوناني، وهو النصّ المعتمد في الكنيسة منذ القديم، وليس النصّ العِبري. 2- لايَذكُر ق. كيرلّس أيّ شيء نهائيًّا عن خط سير العائلة المقدّسة في زيارتها لمصر، مِثلَهُ مثل كلّ آباء الكنيسة. فلم يكن الآباء ينشغلون بهذا، بل بالأمور الخلاصيّة والمعاني الروحيّة فقط.. والجدير بالذِّكر أنّ الحلم المنسوب للبابا ثيؤفيلس (خال القديس كيرلّس بالجسد، والبابا السابق له)، عن خطّ سير العائلة المقدّسة في مصر، ليس له وجود في سيرة حياة البابا ثيؤفيلوس، بل هو منسوب له في كتاب تمّ تأليفه في القرن الثامن..! 3- لا يُفسِّر ق. كيرلّس سقوط أوثان مصر بشكل حرفي، مثلما يَذكر الفولكلور الشعبي الذي ظهر وانتشر في العصور الوسطى، وامتدّت آثاره حتّى الآن.. بل يتحدّث عن انهيار مملكة الشيطان والعبادات الوثنيّة في مصر، أمام نور الإيمان بالمسيح الذي أشرق فيها. 4- أيضًا لا يتحدّث ق. كيرلّس عن مذبح مُعيّن للربّ في أرض مصر، كما يَشيع الآن، أنّ المقصود به مكانًا محدّدًا في أحد أديرة الصعيد، حسب بعض التقاليد المحلّيّة.. بل يؤكِّد أنّ المذبح يشير إلى العبادة المسيحيّة في مصر بوجه عام. 5- يشرح أيضًا ق. كيرلّس أنّ العمود، ليس هو شخصًا بعينه، بل هو الصليب العالي الذي هو محلّ افتخارنا بعد قراءتي لهذا الشرح العميق الذي كتبه ق. كيرلّس الكبير في القرن الخامس، أدركت كم نحن الآن في احتياجٍ شديد لمراجعة ما نردّده ونُعَلِّم به، في ضوء كتابات الآباء، لكي يكون متوافِقًا مع الفكر الآبائي الروحي الأصيل.كلّ عام وكنيستنا متمتّعة بنور المسيح، وأفراح حضوره في وسطها،، القمص يوحنا نصيف القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
30 مايو 2023

بمناسبة عيد حلول الروح القدس

مجاري الأنهار تُفرِّح مدينة الله نرتّل هذه الآية كلّ يوم ضمن مزامير الساعة الثالثة.. وهي تشير بوضوح لعمل الروح القدس الذي يجري في الكنيسة مدينة الله كما تفيض الأنهار في قوّة وسلاسة، فتروي وتُغني وتُحيي الأرض.. فمن خلال الأسرار المقدّسة والصلاة والتسابيح والكلمة الإلهيّة يعمل الروح ويُغني أولاد الله، ويقدِّسهم أيضًا.. هذا هو الروح الذي أودعه السيّد المسيح في الكنيسة، تحقيقًا لوعده: "لا أترككم يتامي" (يو14: 18).. "مَن آمن بي.. تجري من بطنه أنهار ماء حيّ" (يو7: 38).. "إن عطش أحد فليُقبِل إليّ ويشرب" (يو7: 37).. "مَن يعطش فليأتِ، ومَن يُرِد فليأخُذ ماء حياة مجّانًا" (رؤ22: 17).. هذه هي مجاري الأنهار التي تفرّح الكنيسة مدينة الله وتقدّسها وتُغنيها..! مدينة الله أيضًا هي النفس البشريّة التي قيل عنها: "أعمال مجيدة قيلت عنكِ يا مدينة الله" (مز86: 3 الأجبية)، وعن سُكنى الروح القدس فيها قال السيّد المسيح: "ها ملكوت الله داخلكم" (لو17: 21).يصِف القدّيس مكاريوس الكبير في عظته الأولى النفس البشريّة بأنّها مثل المركبة الشاروبيميّة الحاملة للعرش الإلهي (حز1)، وحيثما يقودها الروح تسير (حز1: 20) فيقول "النفس التي حُسِبَت أهلاً لشركة روح نور الربّ واستُنيرَت ببهاء مجده غير الموصوف، والتي أعدّها هو لتصير له عرشًا ومنزلاً، تلك النفس تُصبِح كلّها نورًا... يقودها ويجلس عليها البهاء الفائق الوصف الذي لمجد نور المسيح."ويقول أيضًا في عظته الثانية والأربعين "النفوس التي قد ازدانت بالمعرفة والفهم والذِّهن الشديد الحِدَّة هي أشبه بمُدُن عظيمة، إنّما يلزم أن تحترس لكي تكون مُحصّنة بقوّة الروح القدس، لئلاّ يتسلّل إليها الأعداء ويخرّبوها."هكذا نفهم أنّ سرّ غنّى النفس وقوّتها هو سكنى الروح القدس فيها بالنعمة وتغذيته لها، كيف يحدث هذا؟! يجيبنا القديس مكاريوس الكبير في عظته التاسعة عشرة قائلاً "الذي يريد أن يأتي إلى الربّ ويؤهَّل للحياة الأبديّة ويصير مسكِنًا للمسيح ويمتلئ من الروح القدس، حتّى يمكنه أن يصنع ثمر الروح ووصايا المسيح بنقاوة وبلا لوم، يلزمه أن يبدأ هكذا: أوّلاً يؤمن بالرب بثبات، ويكرِّس نفسه بالتمام لكلمات وصاياه.. وينبغي له أن يواظب على الصلاة كلّ حين، منتظرًا الرب في إيمان، ومتوقِّعًا على الدوام افتقاده ومعونته، وموجِّهًا نظرَ ذهنِه أبدًا صوبَ هذا الغرض. ثمّ يتوجَّب عليه.. أن يغصِب نفسه إلى كلّ صلاح وإلى كلّ وصايا الرب: فمثلاً ليغصِب نفسه إلى التواضع أمام كلّ إنسان، وليحسب نفسه أدنى وأشرّ الكلّ، غيرَ طالبٍ من أحد كرامةً أو مديحًا أو مجدَ الناس كما هو مكتوبٌ في الإنجيل، بل جاعلاً الرب وحدَه ووصاياه أمام ناظرَيه على الدوام، مُبتغيًا إرضاءه هو فقط في وداعة قلب.. بالمِثل فليُعَوِّد نفسه بكلّ قوّته أن يكون رحيمًا، لطيفًا، شفوقًا، صالحًا.. وفوق الكلّ فليتذكّر بلا نسيان تواضع الرب وسيرته ودِعتَه.. وليواظب على الصلوات، متوسِّلاً على الدوام بإيمان، لكي يأتي الرب ويسكن فيه ويكمّله ويمَكِّنه مِن جميع وصاياه، ولكي يصير الرب ذاته مَسكِنًا للنفس."هكذا يرسم لنا القديس مكاريوس الطريق للامتلاء من روح الله؛ بالمواظبة على الصلاة، والتغصُّب في تنفيذ وصايا الإنجيل مع الاتضاع.. وبهذا تجري فينا أنهار المياه الحيّة وتفرِّح قلوبنا على الدوام..! القمص يوحنا نصيف القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
22 يناير 2023

عرس قانا الجليل

تحتفل الكنيسة في ثالث أيّام عيد الغطاس بعيد تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل، وهو من الأعياد السيِّدية الصُّغرى، إذ أنّه أول معجزة صنعها الرب يسوع وبدأ بها خدمته العلنيّة.. ولنأخُذ في هذا المقال بعض التأمُّلات في هذه المعجزة العجيبة. كما بدأ الله قصّته مع الإنسان بعُرس مُفرِح في الفردوس، بعد أن أعدّ له كلّ شيء.. هكذا بدأ ربنا يسوع خدمته بحضور عُرس في مدينة قانا شمال الناصرة بالجليل، وهو بهذا يلفت النظر إلى طبيعة ملكوته السماوي ورسالته المُفرِحة، التي يودّ فيها أن يدخل مع الإنسان في شركة حياة زيجيّة سعيدة إلى الأبد. بعد أن سقط الإنسان، وفقد الشّركة مع الله، وامتلأت حياته بالتعاسة.. جاء السيِّد محب البشر مُتجسِّدًا وحاملاً معه مفاتيح السّعادة للإنسان البائس.. جاء ليُنقِذ الإنسان من مأزق الفقر والعجز والعار، وهو ما عبّرَت عنه حادثة عُرس قانا الجليل بشكل رمزي بديع. في بداية العُرس كانت الأمور تسير على ما يُرام. ولكن فجأة فرغ الخمر، وهو مشروب الضيافة في تِلك المناسبات.. وهذا بدأ المأزَق الصعب، فافتقار العُرس إلى الخمر والعجز عن تقديم الضيافة وهو عار كبير على أهل العُرس أمام كل الناس.. هكذا الإنسان عندما سقط وانفصل عن الله افتقر إلى الفرح وعجز عن الحُب ولوّثته الخطيّة فصار في عارٍ عظيم. ولكن بحضور الرب يسوع في العُرس، أي بتجسُّده في وسطنا، أعاد إصلاح ما قد فسد وقلَب الموازين لصالحنا مرّة أخرى.. فإذا كان عن طريق السيِّدة العذراء قد تَدَخّل وخلق لهم خمرًا جديدةً، فإنّه أيضًا على المستوى الروحي اتحد بطبيعتنا التي أخذها من العذراء أم النور لنصير فيه خليقة جديدة «إنْ كانَ أحَدٌ في المَسيحِ فهو خَليقَةٌ جديدَةٌ: الأشياءُ العتيقَةُ قد مَضَتْ، هوذا الكُلُّ قد صارَ جديدًا» (كورنثوس الثانية 5: 17).. كما لا ننسى أنّ خَلْق الخمر الجديدة يحتاج لقدرات لا تتوفّر إلاّ في الله الخالق.. فهو الذي خلق الإنسان في البداية على صورته، ثمّ أتى في ملء الزمان ليعيد تصليح صورة الإنسان التي تشوَّهَت، بخِلقةٍ جديدةٍ فيه مرّة أخرى. السيّد المسيح بتجسُّده وفدائه عالج فقرنا ووهبنا الغِنى بنعمته «فإنَّكُمْ تعرِفونَ نِعمَةَ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ، أنَّهُ مِنْ أجلِكُمُ افتقَرَ وهو غَنيٌّ، لكَيْ تستَغنوا أنتُمْ بفَقرِهِ» (كورنثوس الثانية 8: 9).. كما شفى عجزنا فوهبنا من قدرته وسلطانه، ووضع إمكانياته الهائلة بين يدينا «الّذي لَمْ يُشفِقْ علَى ابنِهِ، بل بَذَلهُ لأجلِنا أجمَعينَ، كيفَ لا يَهَبُنا أيضًا معهُ كُلَّ شَيءٍ؟» (رومية 8: 32).. وأيضًا أزال عارنا فهو بالصليب أخذ عارنا ليهبنا مجده وبرّه «الّذي لَمْ يَعرِفْ خَطيَّةً، (جُعِلَ) خَطيَّةً لأجلِنا، لنَصيرَ نَحنُ برَّ اللهِ فيهِ» (كورنثوس الثانية 5: 21). وكما أنّ الله أظهر لاهوته قديمًا عندما حوّل الماء إلى دم في أرض مصر. هو الآن يُظهِر سلطانه على المادّة، ليؤكِّد أنه هو نفسه إله العهد القديم الظاهر في الجسد.. «هذِهِ بدايَةُ الآياتِ فعَلها يَسوعُ في قانا الجليلِ، وأظهَرَ مَجدَهُ، فآمَنَ بهِ تلاميذُهُ» (يوحنا 2: 11). لقد كانت الخمر الجديدة لها مذاق مختلف تمامًا.. فهي أكثر حلاوةً وأفضلُ جودةً.. هكذا مستوى تذوُّق الإنسان لله في العهد الجديد، بعمل الروح القدس خلال الكنيسة داخل النفس، أسمى بكثير من المستوى الروحي البدائي للإنسان في العهد القديم القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
03 يونيو 2022

ننظر إلى قيامة المسيح

تسبحة القيامة "تين ناف" هي من أجمل التسابيح التي تُنشِد بها كنيستنا القبطيّة في عيد القيامة، وطوال فترة الخمسين المقدّسة، وكلّ الآحاد التالية حتّى نهاية شهر هاتور.سأعرض في هذا المقال بنعمة المسيح بعض مقتطفات من هذه التسبحة الجميلة، مع إبراز بعض معاني هامّة فيها: ننظر إلى قيامة المسيح، ونسجد للقدّوس يسوع المسيح ربّنا، الذي بلا خطيّة وحده. نسجد لصليبك أيّها المسيح. نسبِّح ونمجِّد قيامتك. لأنّك أنت هو إلهنا، ولا نعرف أحدًا سواك، وباسمِكَ دُعينا. تعالوا يا جميع المؤمنين لنسجد لقيامة المسيح، لأنّه من قِبَل صليبه دخل الفرح إلى العالم كلّه. فلنبارك الربّ كلّ حين ونمجِّد قيامته، لأنّه صَبَرَ وسَحَقَ الموتَ بموته. الجنود الملائكيّة بُهِتوا عندما رأوك حُسِبتَ مع الأموات. وحطّمتَ قوّة الموت أيّها المخَلِّص. وأقمتَ آدمَ معك، وأعتقته من الجحيم. نسجد للآب والابن والروح القدس في وحدانيّة الجوهر. ونصرخ مع الشاروبيم، قائلين: قدّوس قدّوس قدّوس أنت يارب. * معاني روحيّة: 1- القيامة هي مركز حياتنا الذي نتطلّع إليه بكلّ تركيز. فقد صار المسيح المصلوب القائم هو مركز حياتنا الجديد الذي غُرِسنا فيه بالمعموديّة، ونلنا فيه التبنّي لله ونعمة الحياة الأبديّة، وباسمه دُعِينا وصِرنا خاصّته، فلا نعرف إلهًا سواه. 2- الصليب لا يزال في المشهد، وسيظلّ إلى الأبد.. فالمسيح قائم في السماء كحَمَل به آثار الذّبح (رؤ5: 6-13)، وهو في نفس الوقت مُمَجَّد إلى أبد الآبدين. 3- فرحة ومجد القيامة نَبَتَا من مرارة الصليب، إذ صبر الربّ على الآلام حتّى اقتحم الموت وسحقه سحقًا وكسر شوكته.. وهكذا نحن إذ نحمل الصليب معه، ونصبر على مرارته، نتجلّي معه في المجد.. كما يعلّمنا القديس بولس الرسول: «إنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ» (2تي2: 11-12). 4- الملائكة كانوا يتابعون مشهد موت المسيح باندهاش، وفرحوا بانتصاره على الموت لصالحنا، كما هي عادتهم (لو15: 10)، وبخروج آدم من الجحيم على يديّ يسوع المخلّص الجبّار.. وهذا من واقع اهتمامهم بنا، كأسرة واحدة متحابّة..! * في هذه التسبحة أيضًا فقرات رائعة تختصّ بالسيّدة العذراء.. وهي كما يلي: كلّ الأفراح تليق بك يا والدة الإله، لأنّه من قِبَلك أُرجِعَ آدم إلى الفردوس، ونالت الزينة حوّاء عِوَض حزنها، وأخذَتْ الحرّيّةَ دُفعة أخرى من أجلك، والخلاصَ الدهري. نحن أيضًا فلنمجِّدك ككنز للقيامة. السلام للكنز المختوم الذي امتلأنا بالحياة من قِبَلِهِ. السلام للتي وَلَدت لنا المسيح إلهنا، وأعطانا الحياة من قِبَل قيامته. وَلدْتِ أيّتها العذراء مُعطي الحياة. وخلّصتِ آدمَ من الخطيّة. ومَنحتِ حوّاء الفرح عِوَضَ حُزنِها. وأنعمتِ لنا بالحياة والخلاص من الفساد والتَغيير. صِرتِ لنا شفيعة أمام الله مخلّصنا الذي تجسّد منكِ. * معاني روحيّة: 1- نحن لا ننسى دور العذراء مريم في أفراحنا بقيامة مخلّصنا، إذ هي التي قدّمت له عجينة البشريّة، ليتّحد بها، ويشفيها من أمراضها، ويحييها من موتها. 2- كما أنّه قد دخل السقوط والحُزن والعبوديّة إلى البشريّة عن طريق حوّاء، فعن طريق والدة الإله تزيّنت البشريّة بالخلاص والفرح والحرّيّة، مُجَدَّدًا. 3- العذراء هي الكنز المملوء بالحياة، وقد اغتنينا به.. فصارت لنا نموذجًا، لكي نصير نحن أيضًا مملوئين بنعمة المسيح الغنيّة، ونهبها للآخرين..! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل