القمص يوحنا نصيف شرقاوى مشرقى

Large image

ولد ناصر نصيف شرقاوى مشرقى فى ١٩ ديسمبر ١٩٦٢ ونال سرّ المعموديّة بكنيسة مارمرقس برشيد في أوائل عام ١٩٦٣ م.
ورُسِم شمّاسًا بدرجة قارئ (أناغنوستيس)، في كنيسة مارجرجس بشبين الكوم، يوم الأحد ٢١ فبراير ١٩٧١م، بيد نيافة الأنبا ديوسقوروس أسقف المنوفيّة في ذلك الوقتوخدم كشمّاس في كنيسة العذراء بالمحموديّة، وكنيسة الأنبا تكلا بالإبراهيميّة بالإسكندريّة، ثمّ في كنيسة مارجرجس باسبورتنج ابتداءً من عام 1978 م وبدأ يخدم في مدارس الأحد من عام 1977 م.، وصار مسؤولاً عن خدمة الشبّان في كنيسة مارجرجس سبورتنج منذ أوائل عام 1991 م. وأشرف على إصدار مجلّة "صوت الراعي" في الفترة من يناير 1985 م. حتّى نوفمبر 1996 م وحصل على بكالوريوس الطبّ والجراحة من جامعة الإسكندريّة، دُفعة نوفمبر 1986 م وخدم كضابط احتياط بالقوات المسلّحة (دفعة 83 ضبّاط احتياط)، في الفترة من يوليو 1988 حتّى نهاية ديسمبر 1990 م ورُسِم في درجة مساعد شمّاس (إيبيدياكون)، باسم "أثناسيوس"، في عيد نياحة القدّيس أثناسيوس الرسولي 15 مايو 1992م، بيد نيافة الأنبا بنيامين أسقف المنوفيّة، والنائب البابوي بالإسكندريّة في ذلك الوقت واستقال من عمله كنائب في قسم التخدير بمستشفى كرموز للتأمين الصحّي بالإسكندريّة، في أوائل عام 1991 م.، وتفرّغ لخدمة الشباب بكنيسة سبورتنج تحت قيادة أب اعترافه القمّص تادرس يعقوب ملطي. واستمرّ في خدمته كشمّاس مكرّس حتى سيامته كاهنًا وفى١٥ نوفمبر ١٩٩٦ م. باسم القس يوحنا نصيف كاهن على الكنيسة المرقسية بالإسكندريّة جاءت سيامته الكهنوتيّة بناءً على طلب من قداسة البابا شنوده الثالث ١١٧ اتّفاق مع أب اعترافه القمّص تادرس يعقوب هو مؤلف وله بعض الكتب والمقالات المنشورة، كما أنه له صوت مميز في الترانيم والألحان له بعض المقالات في مجلة الكرازة، وكذلك في جريدة "المجتمع الكنيسة" الإعلانية الأسبوعية التي تصدرها المرقسية بالإسكندرية وغيرهما انتقل بعدها للخدمة في كنيسة العذراء بشكياغو، أمريكا ثم تم انتخابه في أبريل عام ٢٠٠٧م. كعضو ثمّ سكرتير لمجلس كهنة الإسكندريّة، وعلى إثر ذلك تمّ ترقيته لدرجة القمّصيّة مع باقي أعضاء مجلس الكهنة. واستمرّ يخدم كسكرتير للمجلس حتّى سفره في نهاية أكتوبر ٢٠٠٩ م. للخدمة بكنيسة السيّدة العذراء بشيكاجو، بولاية إلينوي بالولايات المتّحدة الأمريكيّة. وفى ٦ مايو ٢٠٠٧م. وتمت الترقية بيد قداسة البابا شنوده الثالث 117

المقالات (14)

26 نوفمبر 2024

الكاهن

الكاهن له ثلاث وظائف رئيسيّة.. أولاً: الشفاعة، ثانيًا: الأبوّة والرعاية، ثالثًا: التعليم. وفي هذه المهام الثلاث يمثّل الكاهنُ الكنيسةَ، ويتمّم دورها في العالم.. فالكنيسة أولاً هي الوسيطة والشفيعة بين الله والبشر، تنقل إليهم نعمته وبركات خلاصه، وترفع إلى السماء صلوات الناس واحتياجاتهم.. وثانيًا في الكنيسة نلمس أمومة فيّاضة بالحُب ورعاية ساهرة، ونتمتّع فيها بأحضان الآب المفتوحة.. وأخيرًا الكنيسة هي مصدر التعليم النقي المُشبِع للنفس بإرشاد الروح القدس.. 1- الكاهن شفيع: في العهد الجديد يُسمّى الكاهن "إبريسفيتيروس" وهي تعني "شفيع" من كلمة "إبريسفيّا" التي تعني شفاعة. فالكاهن شفيع في شعبه وفي كلّ العالم شفيع يقف أمام الله لكي يقدّم تضرّعات الناس، ويطلب من أجل انسكاب نعمة الله وغفرانه ومواهبه عليهم هو شفيع مرتبط بالمذبح، يستمدّ منه قوّته وسلامه، ويتغذّى منه ويغذِّي أولاده وظيفة الكاهن الأولى هي الصلاة كما قال صموئيل النبي الكاهن في إحدى المرّات: "حاشا لي أن أخطئ إلى الرب، فأكفّ عن الصلاة من أجلكم" (1صم12: 23) وعن طريق الصلاة يمتلئ الكاهن بالقوّة، ويتجدّد سلامه الداخلي، ويعطيه الله حكمة ومعونة فيصير بركة لكثيرين كما شفع موسى في شعبه مرّاتٍ عديدة، هكذا تكون مسرّة الكاهن أن يقف بين الله والناس في القدّاس الإلهي، باسطًا يديه، رافعًا توبة شعبه إلى السماء، متشفّعًا بحرارة من أجل غفران الخطايا، وانسكاب النعمة الإلهيّة على كلّ إنسان كقول القديس بولس الرسول: "إِنْ كُنْتُ أَنْسَكِبُ أَيْضًا عَلَى ذَبِيحَةِ إِيمَانِكُمْ وَخِدْمَتِهِ، أُسَرُّ وَأَفْرَحُ مَعَكُمْ أَجْمَعِينَ" (في2: 17) صلاة الكاهن هي أهم عنصر في خدمته، كما كان معلّمنا بولس الرسول يفعل دائمًا: "لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ، لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ" (كو1: 9-10)، "نَشْكُرُ اللهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا" (1تس1: 2) وعن طريق الصلاة ينسكب على قلب الكاهن روح الأبوّة، ويمتلئ حكمةً في الرعاية، وتنفتح عيناه على أسرار الكلمة الإلهيّة، فتجري كلمة الله بفيض على فمه. 2- الكاهن أب وراعي: هو أب يلد نفوسًا للمسيح، ويرعاها بإخلاص وحبّ وعمليّة ولادة النفوس للمسيح ليست سهلّةً، بل هي تُشبه مخاض الحُبلى وهي تلد وهذا ما عبّر عنه معلّمنا بولس الرسول عندما كان يخاطب أهل غلاطية: "يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ" (غل4: 19) فالكاهن عليه أن يبذل جهدًا هائلاً بالصلاة والحُب والتعليم، حتّى تظهر صورة المسيح في الذين يخدمهم أمّا شكل الرعاية المطلوبة منه، فهي تتلخّص في ما قاله الله في سِفر حزقيال: "أَسْأَلُ عَنْ غَنَمِي وَأَفْتَقِدُهَا أُخَلِّصُهَا مِنْ جَمِيعِ الأَمَاكِنِ الَّتِي تَشَتَّتَتْ إِلَيْهَا أَرْعَاهَا فِي مَرْعًى جَيِّدٍ وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْلٍ" (حز34). 3- الكاهن معلِّم: "شَفَتَيِ الْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ الشَّرِيعَةَ، لأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ" (ملا2: 7) هذا هو فكر الله من ناحية الكاهن لذلك عليه أن يفهم الإنجيل، ويعيش الإنجيل، ويُعَلّم الإنجيل الكاهن ليس فقط هو خادم الأسرار، بل هو أيضًا معلّم الإنجيل يُخرِج من كنوزه جُدُدًا وعتقاء، ويحاول باستمرار أن يوصِّل رسالة الخلاص بطريقة مناسبة لكلّ إنسان، لكي يخلّص على حالٍ قومًا (1كو9: 22) الكاهن هو وكيل الله الذي يجتهد أن يتمّم قول السيّد المسيح عن الوكيل الأمين الحكيم (لو12: 42-44) الذي يقيمه السيّد على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه، طوبي لذلك الوكيل الذي إذا جاء سيّده يجده يفعل هكذا، فسوف يكافئه بأن يُقيمه على جميع أمواله ما أجمل العبارة التي قالها أحد الآباء:"أنهار المياه الحيّة تنحدر من أحضان الثالوث القدوس لكي تروي العالم عبر الكاهن". القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
16 نوفمبر 2024

بمناسبة عيد الشهيد العظيم مارجرجس

مَن هو البَطَل في المسيحيّة؟ في نظَر أهل العالم، البطل هو الفارس الذي يركب على حصان، أو هو صاحب العضلات المفتولة، أو هو الشخص المشهور صاحب الإنجازات العظيمة، أو هو القائد صاحب السلطان والصوت العالي، أو هو مُحَطِّم الأرقام القياسيّة أمّا في المسيحيّة فالبطل هو القدّيس، وهو الإنسان المُحِبّ، وهو الشاهد بكلمة الحقّ. أوّلاً البطَل هو القدّيس:- القداسة مصدرها هو عمل الروح القدُس فينا فهي تأتي من عمق شركتنا مع الله القداسة تجعل الإنسان قويًّا متماسِكًا بعكس النجاسات والعبوديّة للشهوات، التي تجعل النفس مُمَزّقة من الداخل ومهزومة القدّيس هو إنسان يعيش الإنجيل وقد غلب الخطية، وكرّس حياته بصدق لله هو يسلُك بطهارة وتعفُّف، ويتوب كلّ يوم ويضع وصيّة المسيح أمام عينيه باستمرار لو لم يكُن مارجرجس قدّيسًا، ما كان ليحتمل كلّ تلك العذابات ولا كان يصمد أمام إغراء الفتاة التي جاءت لكي تصنع معه الشرّ؛ فرفضُهُ للخطيّة من داخل قلبه جعلَهُ في لحظة دخولها يعطيها ظهره، ويَقِف مُصلِيًا بقوّة لساعاتٍ طويلة، حتّى ذابت الفتاة من الحضور الإلهي، وقادها روح الله للتوبة، فأتت تحت قدميّ مارجرجس لتكون تلميذة للمسيح، وأسيرة لمحبّته، بعد أن تابت وتحرّرت من رباطات الخطيّة وفي اليوم التالي، قدّمَت حياتها للاستشهاد، كذبيحة حُبّ للذي أحبّها واشتراها بدمه! هكذا كان البطل مارجرجس يَقتنِص النفوس للمسيح بحياته المقدّسة. ثانيًاالبطل هو الإنسان المُحِبّ:- المحبّة هي الطاقة الإلهيّة التي تملأ قلوب أولاد الله، فيخدمون ويسامحون ويبذلون إلى مستويات بطوليّة، إذ أنّهم يرتوون من محبّة الله بلا حدود "نحن نحبّه لأنّه هو أحبّنا أوّلاً" (1يو4: 19)، و"محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا" (رو5:5) البطل الحقيقي هو الذي أدرك محبّة المسيح له، وكيف أنّه أخلى ذاته وتجسّم بلحمنا، لكي يُحيينا ويهبنا نِعمة التَبَنّي، فنصير وارثين لملكوته (رو8، غل4) وقد شرّفنا بعضويّة جسده (1كو12)، وجعلنا أهل بيته (أف2) عندما يُشبِع الحُبّ الإلهي القلب، يستطيع أن يترُك أباطيل العالم بسهولة، ويُضحّي بكلّ شيء في سبيل الملكوت البَطَل هو الذي يقبل احتمال الآلام لأجل خاطر محبّة المسيح مُدرِكًا أنّنا إذا قبلنا أن نتألّم معه ومن أجله، فبالتأكيد سوف نتمجّد معه (رو8) إذ أنّ خفّة ضيقتنا الوقتيّة تُنشئ لنا ثُقلَ مجدٍ أبديًّا (2كو4)لقد أدرك الشهداء أنّ الألم هِبة ونعمة (في1) يمكن أن نَدخُل بها لشركة آلام المسيح، ونُعَبِّر باحتمالنا للآلام وبتسامُحنا وبخدمتنا للآخَرين عن حبّنا له هكذا كان الشهداء أبطالاً في التسامُح والغُفران للذين كانوا يُهينونهم بقسوة، ويعذّبونهم بأشدّ أنواع التعذيب مثلما خرج التلاميذ فرحين بعد جلدهم بالسياط، إذ حُسِبوا مستأهَلين أن يُهانوا من أجل اسم يسوع (أع5: 41) لكي نكون أبطالاً حقيقيّين، نحتاج أن ننمو في محبّة المسيح كلّ يوم والحُبّ ينمو بالتواصُل معه، وبالذات في صلاة المزامير، وبسماع صوته الحلو عندما نتغذّي بكلام الإنجيل، وبالتسبيح، وبالتناول من جسده ودمه المبذولَين حُبًّا فينا! ثالثًاالبطل هو الشاهد بكلمة الحقّ:- الواقع أنّ الشهادة للحقّ لا يستطيعها إلاّ الأحرار، الذين حرّرهم المسيح من رباطات الخطيّة، فيشهدون لإيمانهم بكلّ قوّة فالمحبّة للحقّ تُحَرّر من الخوف والقلق والمجاملات الكاذبة الشهداء كانوا أبطالاً في الشهادة للحقّ، ولم يَقبَلوا النجاة من أجل الثبات في الحقّ ولكي ينالوا قيامة أفضل (عب11: 35) فاعترفوا بإيمانهم رغم كلّ الظروف المُعاكِسة هناك مصطلَح إنجيلي جميل عن الشهادة للحقّ، هو عبارة "الاعتراف الحسَن" (1تي6: 12-13) وتَستخدِمه الكنيسة أيضًا في صلواتها ففي طقس المعموديّة مثلاً؛ نحن نجحد الشيطان ونعترِف "الاعتراف الحسَن"، أي نُقِرّ بإيماننا قَبل الدخول لجُرن المعموديّة كما اعترف الربّ يسوع أمام بيلاطس بهذا "الاعتراف الحسن"، مُعلِنًا له أنّ مملكته ليست من هذا العالم، وأنّ بيلاطُس ليس له سُلطان إن لم يكُن قد أُعطِيَ من فوق (يو18: 33-37، يو19: 8-11)، فهذه هي الشّهادة للحق؛ أنّ مملكتنا ليست من هذا العالم، وأنّ الله إلهنا هو ضابط الكلّ وصاحب السلطان. أخيرًا الشهادة للحقّ ليس معناها التطاوُل على الناس، ولا تُعنِي التجريح أو التشهير أو التحريض أو الإدانة فالذين يفعلون هكذا بداعي حماية الإيمان أو الغيرة على الكنيسة أو تحت أيّ سِتار، هم يَسعون إلى اكتساب بطولات مزيّفة، محاولين اجتذاب أتباعٍ لهم، غير مُشفِقين على الرعيّة(أع20: 29-30) أمّا الإنجيل فيعلّمنا أن نقول كلمة الحقّ في وداعة ومحبّة حقيقيّة speaking the truth in love (أف4: 15) البطل الحقيقي هو الذي يقول كلمة الحقّ مُعتَرِفًا بإيمانه مهما كان الثّمَن، أمّا الجُبَناء وغير المؤمنين فليس لهم نصيب في الحياة الأبديّة (رؤ21: 8)،وسينكرهم المسيح أمام أبيه السماوي وملائكته القدّيسين (مت10: 33). ربّي يسوع: "لا تنزع من فمي قول الحقّ، لأنّي توكّلتُ على أحكامك" (مز119: 43 - القطعة السادسة من صلاة نصف الليل بالأجبية). القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
12 نوفمبر 2024

نبت حالاً..!

في مَثَل الزارع، وأثناء حديث السيّد المسيح عن سقوط البذار على الأرض المُحجِرة، نلاحظ في هذا النوع من الأراضي أنّه يكون سريع التفاعُل مع البذرة، كما يقول السيِّد المسيح في المثل أنّه نبت حالاً، ولكن بعد فترة قصيرة عندما أشرقَت الشمس جفّ واحترق..! لماذا نبت بسرعة؟ في الحقيقة أنّ هذه ليست علامة صِحِّيَّة بل علامة مَرَضِيَّة.. كيف؟ لنشرح هذا ببساطة: 1- البذرة الصغيرة يكون مُختَزَنًا بها طاقة قليلة.. وعندما تُزرَع البذرة وتبدأ في الإنبات، تنمو الجذور أوّلاً إلى أسفل، ويَستخدِم الجذر الطاقة البسيطة المُختَزَنة في البذرة لكي ينمو بها إلى أسفل؛ حيث يبدأ في امتصاص الطاقة من التُربة العميقة الرطِبة ويقوم بتغذية النبات بها، فيبدأ النبات في تكوين الساق والصعود به إلى أعلى.. معنى هذا أنّ الطاقة المُختزَنة في البذرة بالكاد تكفي لتكوين الجذر، ثمّ بعد ذلك يكون الجذر هو وسيلة إمداد النبات بالطاقة من أجل حياته ونموِّه..! 2- إذا كانت الأرض مُحجِرة أو صخريّة، فسيكون الطريق مسدودًا أمام الجذور، وبالتالي فالطاقة المُختَزَنة في البذرة ستذهب لتكوين الساق بسرعة، ليصبح لدينا حالاً نباتًا جميلاً بدون جِذر، أي بدون مصدر لإمداده بالطاقة.. وهنا الخطورة لأنّه سيجفّ بسرعة ويموت لانقطاع طاقة الحياة عنه..! 3- لذلك فإنّ الإنبات السريع ليس علامة نشاط أو حيويّة، بل هو حالة مَرَضيَّة تكشف عن أن الجذور ضامرة وطريقها مسدود.. فاتّجه النبات إلى أعلى وظهر على وجه الأرض بشكل جميل، حتّى استهلك كلّ الطاقة التي كانت مُختَزَنة في البذرة.. ثمّ جفّ ومات..!! 4- هكذا يكون هذا النوع من الناس الذين تسكن الصخورُ قلوبَهم عندما يسمعون الكلمة يقبلونها حالاً بفرح.. مثل إنسان ينفعل بعظة سمعها أو بمقالٍ قَرَأَهُ، ولكن الطاقة التي أخذها من الكلمة التي سمعها أو قرأها، لم يستثمرها في صناعة جذر عميق لحياته، من خلال إعادة الاهتمام بالمخدع في جلسة هادئة لمحاسبة النفس، واكتشاف الصخور والأحجار التي في القلب، وصلوات صادقة بتوبة وانسحاق، ثُمّ لقاء مع أب الاعتراف.. بل يتّجه بالطاقة الروحيّة التي أخذها للخارج؛ في كلام مع الناس أو نشاط اجتماعي أو خدمة تحت الأضواء.. ويستمرّ في هذا قليلاً حتّى تنفذ الطاقة التي كان قد أخذها، وبعدها، ولأتْفَه مشكلة أو ضيقة ينتكس ويرتدّ ويذبل مرّة أخرى..! لذلك في هذا النوع من الأرض بالذّات تظهر أهميّة تقوية الجذور والحياة الداخليّة، إن كُنّا نريد نموًّا روحيًّا حقيقيًّا ومُفرِحًا في حياتنا..! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
05 نوفمبر 2024

العِلم.. هل يجلب الغَمّ؟!

يتساءل البعض عن معنى الآية الموجودة في سِفر الجامعة، التي تقول: "لأن في كثرة الحِكمة كثرة الغمّ، والذي يزيد علمًا يزيد حُزنًا" (جا1: 18) فهل الحِكمة والعِلم يُزيدان الإنسان غَمًّا وحُزنًا؟ أَمْ ما هو المقصود بهذه الآية؟!! في الحقيقة إنّ سِفر الجامعة يُقدِّم صورة واقعيّة للبشرية البائسة التي انفصلت عن الله بالخطيَّة، ففقد كلُّ شيء معناه وصار باطلاً ففي البداية كان كلّ شيء حسنًا جدًّا، بحسب شهادة الله نفسه (تك1)،ولكن بعد أن سقطت الخليقة في قبضة الشيطان الذي أفسد كلّ شيءٍ،وصار يتلذَّذ بمعاناة الإنسان، ويتفنّن في ابتكار أمور الشرّ التي تجعله يتألّم باستمرار، صار العالم الجميل الذي خلقه الله مشوّهًا بالكثير من الصراعات والكوارث والأحداث المُفجِعة وأخذ الموت يبتلع الجميع في جوفه الواحد تلو الآخر ولهذا كان مجيء السيّد المسيح بالتجسُّد والفداء بداية جديدة للبشريّة، فأنار الحياة والخلود مرّة أخرى،وأعاد لكلّ شيء معناه الأصيل المُفرِح فصار هو رأس الخليقة الجديدة التي دخلَتْ بالمعموديّة في عضوية جسده وملكوته المَجيد ما يقوله سليمان الحكيم في سِفر الجامعة، هو لسان حال البشريّة بعد السقوط وقبل مجيء المخلِّص..! الحكمة هنا في هذه الآية المقصود بها الحكمة الأرضيّة،والمعرفة الأرضيّة المُنفصلة عن شركة الله،وهي التي وصفها الإنجيل بـأنّها "ليست هذه الحكمة نازلة مِن فوق بل هي أرضيّة نفسانيَّة شيطانيَّة" (يع3: 15) فهذه الحكمة تولِّد غمًّا وحزنًا إذ أنّ فيها "غيرة وتحزُّب وتشويش" (يع3: 16) وهذا ما نراه باستمرار عندما نتعرّف من وسائل الإعلام على أخبار ومشاكل وصراعات العالم، وكيف يدبِّر الناس شرورًا لبعضهم، وكيف يستعملون الحيلة والدهاء والعنف فهذه الأمور تزيدنا غَمًّا وحُزنًا أمّا الأخبار السارّة فهي في انفتاح قلوبنا على محبّة المسيح الصادقة والتلذُّذ بها، والتمتُّع برعايته، والتأمُّل في كلماته الحيّة العِلم في هذه الآية ليس هو معرفة الله ومعرفة الخير والخِبرات الروحيّة، بل هو خبرات الشرّ والمعلومات التي تُعكِّر سلام النفس وتشوِّش الفكر وتُحزِن القلب والعجيب أنّ بعض الناس يسعون نحو المزيد من هذه المعرفة الضارّة، فيقضون ساعات طويلة لمتابعة أحداث العُنف والكراهية والدمار، أو يسألون بشغف عن أخبار وأمور شخصيّة لا تخصّهم، أو يحاولون معرفة أسرار وتفاصيل لا تفيدهم بل تُحزِنهم، وأحيانًا تُعثرهم وتؤذي علاقتهم بالله ونقاوة قلوبهم وتفكيرهم وقد يندمون أنّهم عرفوا مثل هذه المعلومات، ويتمنّون أن يعودوا إلى بساطتهم ونقاوتهم الأولى، ولكن بعد فوات الأوان..! يقول القديس مار إسحق السرياني أنّ "محبّة العِلم غير المُمَلَّحة بحُبّ يسوع وفِعل الروح القدس، هي غريبة عن العالم الجديد، وهي ليست لها القُدرة على قطع الآلام (إزالة الخطيّة) من النفس" لذلك هي تضرّ الإنسان وتُتعِبُه ولا تكون سببَ فرحٍ له بل تنحرف به بعيدًا عن الحياة الحقيقية ولعلّ هذا ما يوضّحه القديس بولس الرسول عندما قال: "العِلم يَنفُخ ولكنّ المحبّة تبني" (1كو8: 1)،بمعنى أنّ معرفة الأمور الأرضيّة قد تتّجه لتغذية الذات، فينتفخ الإنسان ويتكبّر،وبالتالي يتعطّل عمل الروح القدس فيه أمّا المحبّة فهي التي تبني حياة المؤمنين في الكنيسة من أجل هذا لنسعى بكلّ قلوبنا في طلب المحبّة وممارستها، أفضل من جَمع المعلومات والأخبار التي قد تُحزِن قلوبنا وتعكِّر صَفو شركتنا مع الله. القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
24 سبتمبر 2024

بيننا مُصالِح

هناك آية شهيرة قالها أيّوب عن الله، أثناء ضيقته وحيرته من التجربة العنيفة التي أصابته وهي تَصلُح أن تُقال بِلِسان البشريّة كلّها: "لأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَانًا مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ، فَنَأْتِي جَمِيعًا إِلَى الْمُحَاكَمَةِ لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا" (أي9: 32-33). فقد كان أيّوب يحاول أن يتواصَل مع الله، ليفهم ماذا يَحدُث؟ ولماذا توالَت المصائب عليه؟ ولكنّه لا يستطيع الوصول إلى الله، إذ ليس هو إنسانًا مثله، وبالتالي لا يوجَد مُصالِح يستطيع أن يوفِّق بينه وبين الله..! لقد كان هذا هو وضع البشريّة بعد السقوط، عندما فقدت شركتها مع الله ولكنّ كان تدبير الله أن يتجسّد الابن الوحيد الكلمة، لكي يكون هو المُصالِح الذي يَضَع يدَه على كِلَينا، أي الله والبشريّة، فهو ابن الله وابن الإنسان في نفس الوقت، مساوٍ لله بلاهوته ومساوٍ للإنسان بناسوته، في شخصه الواحد الفريد وبالتالي فقد كان هو المُصالِح المثالي الذي يستطيع أن يضع يده على كلينا، ويصالحنا معًا فنستعيد نحن البشر الشركة مع الله ونحيا إلى الأبد في أحضانه..! من أجل هذا، فالآن "بيننا مُصالِح"..! القدّيس بولس الرسول يشرح كيف أنّ الخطيّة صنعت حاجزًا من العداوة مع الله،والمسيح بتجسّده وفدائه هَدَمَ هذا الحاجز فيقول: "الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ. لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ (اليهود والأمم) وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ، أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ. لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُومًا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ. فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ" (أف٢: ١٣-١٩) لعلّنا نلاحظ أنّ الله هو دائمًا صاحب مبادرة التصالح، إذ أنّ الإنسانَ عاجزٌ.. ولكن يبقى دور الإنسان أن يتجاوب بفرح مع نداء التوبة الذي يقدّمه له الله، بل ويصير حاملاً لنفس رسالة الله له بالمصالحة، وتوصيلها للعالم كلّه لكي يتصالح الناس مع الله مثله وهذا يوضّحة القدّيس بولس الرسول بشكل جميل ومُركَّز، عندما يقول:"اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ" (٢كو٥: ١٩-٢٠) ماذا نحتاج لكي نتصالح مع الله؟ نحتاج لثلاثة أمور على الأقلّ: أوّلاً: نفهم إيماننا الثمين: أنّ الله هو أبونا وأنّه بذل ابنه الوحيد من أجلنا،وأنّه أعطانا روحه ليسكن فينا،وأنّ محبّته لنا لا تتغيّر أبدًا، ولا تنقص بسبب سوء أفعالنا نؤمن أنّنا في المسيح قد صِرنا أبناء الله بالتبنّي، وأعضاء أهل بيته، ولسنا بعد غرباء عنه فالعودة للمصالحة مع الله، والارتماء في حضنه، هو الوضع الطبيعي لكلّ الأبناء. ثانيًا: نواجه أنفسنا بصدق.. كما يقول مار إسحق السرياني: "اصطلح مع نفسك تصطلح معك السماء والأرض" لحظات صدق مع النفس، هي كفيلة بوضع الإنسان في مواجهة حقيقيّة مع الله، واكتشاف حُبّه الهائل لنا مع إدراك مدى الانحدار والمهانة التي أصابتنا نتيجة البُعد عن الله فنعود إليه بسرعة، قارعين باب تعطّفه، وملتمسين مراحمه، مِثل الابن الضال والعشّار، فيأخذنا في أحضانه ويغمرنا بحبّه وقبلاته وتبريره وسلامه فنفرح معًا..! الصلاة هي باب التوبة فهي ارتماء في حضن الله و"الذي يظنّ أنّ له بابًا آخَر للتوبة غير الصلاة، فهو مخدوع من الشياطين" كما يقول مار إسحق أيضًا لذلك فالمواظبة على الصلاة بكلّ القلب، تجعل توبتنا حيّة باستمرار، فنحيا في سلام مع الله. ثالثًا: نتّخذ خطوات عمليّة للتوبة: الخطيّة تُشكِّل حاجزًا بيننا وبين الله، لذلك لا مَفَرّ من التخلُّص منها بالتوبة، لكي تتمّ المصالحة، واستعادة الشركة معه وذلك يتمّ باتّخاذ خطوات داخل أنفسنا وخارجها أيضًا الخطوات الداخليّة: تَشمَل محاسبة النفس والندم على الخطيّة، ثمّ التصميم على تغيير الوضع وعدم العودة مرّة أخرى إلى ما قد تركناه، مع ثقة في حبّ الله وقوّة الغفران التي في دمه، أي قوّة الحياة الجديدة الغالبة للموت التي في دمه الثمين. الخطوات الخارجيّة: تشمل الاعتراف أمام الشخص الذي أخطأت في حقّه، مع الاعتذار، ومحاولة إصلاح الخطأ بقدر المستطاع. ثُمّ الاعتراف أمام الله والأب الكاهن لنوال التحليل والإرشاد الروحي. نقطة أخيرة:يلزمنا أنّ ننتبه إلى أنّ "الذّات" هي أكبر عائق للمصالحة مع الله ومع النفس ومع الآخَرين.. فهي عدو مُزعِج يَرفُض الاعتراف بالخطأ، ويتهرّب من الاعتذار، ولا يقبَل الخضوع للتأديب.. لذلك فالتواضع وإنكار الذّات هما أساسيّان لإتمام أيّة مصالحة حقيقيّة مع الله أو مع الآخَرين..! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو
المزيد
27 مايو 2024

القيامة الأولى

"مبارك ومقدّس كل مَن له نصيب في القيامة الأولى، هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنةً لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة" (رؤ20: 6) جاءت هذه الآية في سِفر الرؤيا، لتكشف حالة ومصير الذين لهم نصيب في القيامة الأولى فما هي القيامة الأولى؟ وما هو الموت الثاني؟ وما هو أصلاً الموت الأول؟! وهل هناك قيامة ثانية؟!! أحاول في هذا المقال تقديم إجابات مبسّطة ووافية لكلّ هذه الأسئلة: القيامة الأولى (رؤ20: 4-5) هي القيامة مع المسيح من موت الخطيّة، وهو ما بدأ بقيامة المسيح من الأموات، ويتحقَّق للمؤمنين في المعموديّة "مدفونين معه في المعموديّة، التي فيها أُقِمتُم أيضًا معه، بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات" (كو2: 12) "قد مُتُّم مع المسيح" (كو2: 20) "قد قُمتُم مع المسيح" (كو3: 1) "كل مَن اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدُفِنَّا معه بالمعموديّة للموت، حتّى كما أُقيمَ المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جِدّة الحياة لأنه إن كُنّا قد صِرنا متّحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته فإن كُنّا قد مُتنا مع المسيح نؤمِن أنّنا سنحيا أيضًا معه" (رو6: 3-8)وهذه القيامة يلزمنا أن نعرف أنّها ليست حدَثًا محدودًا تمّ في الماضي أثناء معموديّتنا، ولكنها حدَث مُمتَدّ نعيشه كل يوم بمعنى أنّنا أخذنا في المعموديّة قوّة موت عن الخطيّة، وقوّة قيامة وحياة جديدة، لنعيش بهذه القوّة في حياتنا كل يوم وكل ساعة ولهذا يُكمِل معلِّمنا بولس الرسول حديثه بالروح القدس قائلاً "احسِبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطيّة، لكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا لا تُمَلِّكَن الخطيّة (مرّة أخرى) في جسدكم المائت (الذي مات في المعموديّة) لكي تطيعوها في شهواته ولا تُقَدِّموا أعضاءكم آلات إثم للخطيّة بل قدِّموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات، وأعضاءكم آلات برّ لله" (رو6: 12-13) والقيامة الأولى تشمل أيضًا ما يحدث بعد المعموديّة، عندما نُرشَم بمسحة الروح القدس (سِرّ الميرون)، فنصير كهنة لله، أي ممسوحين ومكرّسين لله، وكل حياتنا تكون ملكًا له فيصبح كل واحد فينا "مسيح الرب" وهذا هو "الكهنوت العام" الذي يشترك فيه جميع المسيحيين من رجال ونساء وأطفال وشيوخ أنّنا جميعًا بالميرون نكون كهنة الله (رؤ20: 6) وهذا بالطّبع غير "الكهنوت الخاصّ" الذي هو "سرّ الكهنوت" والذي يتمّ بوضع اليد [(أع8: 14-21)، (أع13: 3)، (1تي4: 14)، (1تي5: 22)، (2تي1: 6)] ونفخة الروح القدس (يو20: 20) فيصير الشخص وكيل سرائر الله (1كو4: 1) أمّا عن الألف سنة فهي تشير إلى الحياة السماويّة الممتدّة مع المسيح فرقم 1000 يشير دائمًا للحياة السماويّة الأبديّة التي لا تنتهي مع الله ولا ننسى أنّ الإنجيل يُخبِرنا أنّ "يومًا واحِدًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيومٍ واحِد" (2بط3: 8). فمُلك الألف سنة يُشير إلى ملكوت دائم مع المسيح يوم واحِد لا ينتهي هو يوم الأبديّة! بهذا نكون قد فهمنا معنى القيامة الأولى والموت الثاني هو الهلاك الأبدي، والعذاب في بحيرة النار المُعَدَّة لإبليس وملائكته، كما هو واضح في [(مت25: 41)، (رؤ20: 14)]. أمّا الموت الأول فهو مفهوم ضِمنًا في شرح معنى القيامة الأولى فلا تأتي القيامة الأولى مع المسيح إلاّ بعد الموت الأول الذي يتمّ في المعموديّة، ويمتدّ في حياتنا كل يوم، بأن نموت عن الخطيّة وعن الشرّ الذي في العالم وهو ما وضَّحَهُ أيضًا معلِّمنا بولس الرسول بالروح القدس حينما قال "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع، لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا" (2كو4: 10) وهذا الموت الأوّل هو أساسيّ للقيامة الأولى، وبدونه لا يكون لنا نصيب فيها! وأخيرًا ما هي القيامة الثانية؟! يُحَدِّثنا السيد المسيح عنها في أكثر من موضِع، فيقول مثلاً "تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصّالحات إلى قيامة الحياة، والذين صنعوا السّيِّآت إلى قيامة الدينونة" (يو5: 28-29) بمعنى أنّ القيامة الثانية تحدُث في يوم الدينونة عند مجيء المسيح الثاني، وتكون بالنسبة للأبرار حياةً أبديّة في ميراث الفرح والمجد والنور، أمَّا بالنسبة للأشرار فتكون هلاكًا أبديًّا أو ما يُسَمَّى بالموت الثاني خُلاصَة الكلام، أنّنا كمسيحيين نعيش الآن القيامة الأولى ليس فقط في فترة الخمسين المقدَّسة، بل كل يوم من أيام حياتنا بعد المعموديّة نموت عن محبَّة العالم، مُتَحَرِّرين من رباطاته الرديئة ونحيا بقوّة قيامة المسيح فينا، ثابتين في وصاياه، شاهدين لمحبّته، مُثمرين لمجد اسمه هذه هي القيامة الأولى "مبارك ومقدّس كل مَن له نصيب في القيامة الأولى، هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنةً لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة" (رؤ20: 6). القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل