القمص يوحنا نصيف شرقاوى مشرقى

Large image

ولد ناصر نصيف شرقاوى مشرقى فى ١٩ ديسمبر ١٩٦٢ ونال سرّ المعموديّة بكنيسة مارمرقس برشيد في أوائل عام ١٩٦٣ م.
ورُسِم شمّاسًا بدرجة قارئ (أناغنوستيس)، في كنيسة مارجرجس بشبين الكوم، يوم الأحد ٢١ فبراير ١٩٧١م، بيد نيافة الأنبا ديوسقوروس أسقف المنوفيّة في ذلك الوقتوخدم كشمّاس في كنيسة العذراء بالمحموديّة، وكنيسة الأنبا تكلا بالإبراهيميّة بالإسكندريّة، ثمّ في كنيسة مارجرجس باسبورتنج ابتداءً من عام 1978 م وبدأ يخدم في مدارس الأحد من عام 1977 م.، وصار مسؤولاً عن خدمة الشبّان في كنيسة مارجرجس سبورتنج منذ أوائل عام 1991 م. وأشرف على إصدار مجلّة "صوت الراعي" في الفترة من يناير 1985 م. حتّى نوفمبر 1996 م وحصل على بكالوريوس الطبّ والجراحة من جامعة الإسكندريّة، دُفعة نوفمبر 1986 م وخدم كضابط احتياط بالقوات المسلّحة (دفعة 83 ضبّاط احتياط)، في الفترة من يوليو 1988 حتّى نهاية ديسمبر 1990 م ورُسِم في درجة مساعد شمّاس (إيبيدياكون)، باسم "أثناسيوس"، في عيد نياحة القدّيس أثناسيوس الرسولي 15 مايو 1992م، بيد نيافة الأنبا بنيامين أسقف المنوفيّة، والنائب البابوي بالإسكندريّة في ذلك الوقت واستقال من عمله كنائب في قسم التخدير بمستشفى كرموز للتأمين الصحّي بالإسكندريّة، في أوائل عام 1991 م.، وتفرّغ لخدمة الشباب بكنيسة سبورتنج تحت قيادة أب اعترافه القمّص تادرس يعقوب ملطي. واستمرّ في خدمته كشمّاس مكرّس حتى سيامته كاهنًا وفى١٥ نوفمبر ١٩٩٦ م. باسم القس يوحنا نصيف كاهن على الكنيسة المرقسية بالإسكندريّة جاءت سيامته الكهنوتيّة بناءً على طلب من قداسة البابا شنوده الثالث ١١٧ اتّفاق مع أب اعترافه القمّص تادرس يعقوب هو مؤلف وله بعض الكتب والمقالات المنشورة، كما أنه له صوت مميز في الترانيم والألحان له بعض المقالات في مجلة الكرازة، وكذلك في جريدة "المجتمع الكنيسة" الإعلانية الأسبوعية التي تصدرها المرقسية بالإسكندرية وغيرهما انتقل بعدها للخدمة في كنيسة العذراء بشكياغو، أمريكا ثم تم انتخابه في أبريل عام ٢٠٠٧م. كعضو ثمّ سكرتير لمجلس كهنة الإسكندريّة، وعلى إثر ذلك تمّ ترقيته لدرجة القمّصيّة مع باقي أعضاء مجلس الكهنة. واستمرّ يخدم كسكرتير للمجلس حتّى سفره في نهاية أكتوبر ٢٠٠٩ م. للخدمة بكنيسة السيّدة العذراء بشيكاجو، بولاية إلينوي بالولايات المتّحدة الأمريكيّة. وفى ٦ مايو ٢٠٠٧م. وتمت الترقية بيد قداسة البابا شنوده الثالث 117

المقالات (23)

07 أكتوبر 2025

المرأة الخاطئة في بيت الفرّيسي

حادثة لقاء المرأة الخاطئة بالسيّد المسيح فى بيت الفرّيسي (لو7)، هي حادثة فريدة مملوءة بالأسرار إذا أردنا أن نقترب منها لكي نفهمها، فسيلفت نظرنا بعض المُفردات التي جاءت في حديث السيّد المسيح، إذ أنّ المرأة لم تتكلّم قطّ، لقد عبّرت فقط بدموعها وقُبلاتها وطِيبِها..! جاء في حديث الربّ يسوع بعض المفردات الهامّة، مثل: الدَّيْن - الحُبّ - الإيمان - الغفران - الخلاص - السلام وكلّ كلمة تحتاج إلى الوقوف عندها كثيرًا والتأمُّل في معناها..! تبدو المرأة وقد جاءت للسيّد المسيح كمريضٍ، متألِّم، مُعَذَّب، مأسور بمرض لعين، يطلب الشفاء والراحة والحرّيّة والسلام.. فالخطيّة بالفِعل مرض خطير جدًّا يستعبِد الإنسان ويحطِّمه من الداخل والخارج، ويدمّر مشاعره وإرادته بالتدريج حتّى ينهار بناؤه تمامًا لقد أدركت هذه المرأة أنّها في وضع لابد من تغييره، ولذلك تمسّكت بقدميّ السيّد ولسان حالها يصرخ مع يعقوب أبّ الآباء: "لا أُطلِقك إن لم تباركني" (تك32: 26). يبدو لي أنّ توبة هذه المرأة قد بدأت في وقت سابق وظهرَت بقوّة في هذا الموقِف وهذا يتوافق مع كلام السيّد المسيح عن الدَّيْن فقد تمتّعت هذه المرأة بحُبّ واهتمام الربّ بها وتحريرها من عبوديتها للخطيّة، وعندما كَسَرَ سلطان الشيطان عنها، أُسِرَتْ بحبّه وجاءت مُعترفةً بفضله لقد دفع المسيح ديونها، أو بالأحرى سامحها بما كانت مديونة به، فصارت مديونة لحبِّه فتملّك حُبّه على كيانها، وبدأت دموعها تفيض بغزارة عند رجليْهِ اللتيْن حرّرتاها من العبوديّة، وانطلق فمُها لا يكُفّ عن تقبيل قدميه لقد كانت هذه هي لغة الشكر والتمجيد التي استخدمتها للتعبير عن مشاعرها المغلوبة من محبّته. كان شعورها بالدَّين الكبير الذي وفّاه المسيح عنها دافِعًا لها لكي تأتي بإيمان، وتطلب الغفران والمراحم بدموع غزيرة وقبلات لا تتوقّف، لتحنِّن قلب المُدَايِن، فنالت بالفِعل الغفران والخلاص والسلام وهذه هي التوبة بوجه عام؛ مكانها عند أقدّام المسيح، أسلوبها الخشوع والدموع والقبلات، وثمرتها الغفران والسلام والفرح. الناموس لا يعرف غفران الخطايا، ولكن كنيسة العهد الجديد تعرف وهذا ما تقدِّمه لنا الكنيسة في كلّ صلاة ليتورجيّة نحضرها بتوبة وخشوع، إذ تصلِّي لنا التحليل في نهاية كلّ صلاة من أجل غفران خطايانا وتطهير حياتنا وملئها بالبركة الإلهيّة. تَمَيّز سلوك هذه المرأة في تلك الحادثة بتواضُع عجيب، بدونه لم تكُن تقدر أن تفعل ما فعلته، فالتواضع صديق التوبة وسندها، بعكس الكبرياء الذي يعطّل دائمًا التوبة ويقف أمامها كحجر عثرة أيضًا نلاحظ أنّ المرأة كانت في حالة تركيز شديد على شخص المسيح العريس الحبيب، والطبيب الوحيد القادر على شفاء جراحاتها، فلا أعتقد أنّها رفعت نظرها إطلاقًا لترى شخصيّات المدعوّين المتّكئين في البيت وأخيرًا فهي قامت بتقديم أغلى ما لديها من دموع ثمينة وقُبلات حارّة وطِيب غالي الثمن، وحتّى شَعْرها الذي كان تاج جمالها صارت تمسح به قدميّ يسوع..! التلامس مع قدمي المسيح في التوبة المُنسحقة يجعل قلوبنا تتلامس مع حُبّه فنحن نحبّه لأنّه هو أحبّنا أوّلاً (1يو4: 19) ولذلك في توبتنا نصلّي كلّ ليلة كما علّمتنا الكنيسة في صلاة نصف الليل: أعطِني يارب ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيتَ منذ القديم للمرأة الخاطئة واجعلني مُستحقًّا أن أبِلّ قدميك اللتين أعتقتاني من طريق الضلالة، وأقدّم لكَ طيبًا فائقًا، وأقتني لي عُمرًا نقيًّا بالتوبة. القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو
المزيد
28 أبريل 2025

بعد الصليب والقيامة:

المسيح مركز الحياة الجديد كلّنا نعرف أنّ أبانا آدم كان هو رأس الجنس البشري، والمركز الذي تَفَرّع منه كلّ البشر، حتّى أنّنا نُدعى "بني آدمين" وعندما فسد هذا المركز بالخطيّة، ودبّ فيه الموت، وسرى الفساد والموت منه إلى نسلِهِ، انحدرت البشريّة إلى أسوأ درجات الشرّ، ووقَعَت تحت اللعنة، وفقدت تواصُلها مع الله الذي هو ينبوع الحياة! وظلّ هذا هو الوضع البائس للإنسان، حتّى تجسَّدَ المسيح. فباتّحاده بطبيعتنا البشريّة، دخل إلى عالمنا، واجتاز كلّ تحدّيات مراحل الحياة مثلنا؛ من طفولة وشباب ورجولة، ليبارك هذه المراحل لقد دخل بِنا إلى معاركنا لكي ينتصر لحسابنا، وينقل لنا في جسده هذا الانتصار لقد أتى المسيح ليصير رأسًا لخليقة بشريّة جديدة فهو آدم الثاني عِوَض آدم الأول، ذاك الذي صار بالخطيّة مستَودعًا للموت فأراد الله أن يُنشئ بالمسيح مركزًا جديدًا يكون مُستودَعًا للحياة، كلّ مَن يتّجه إليه،ويُغرَس في جسده بالمعموديّة، ويتغذّى باستمرار عن طريق التناول من جسده ودمه، يدخل إلى دائرة الحياة مرّة أخرى..! قبل أحداث الصليب، أشار الربّ يسوع إلى أنّه باستعلان محبّته الفائقة، عن طريق بذل نفسه على عود الصليب، سيصير مركزًا جاذِبًا جديدًا للبشر فهو قال "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع" (يو12: 32) لقد صار ربنا يسوع الفادي مركزًا للحياة مقابِل الموت السائد في العالم، ومركزًا للبركة مقابل اللعنة السائدة في الأرض فكلّ مَن ينتمي إليه، ويتّحِد به، يستردّ الحياة ويتمتّع بالبركة..! وبعد أن داس الموت بالموت، وقام منتصرًا، فهو يدعو كلّ إنسانٍ في العالم أن يترك المركز القديم، ويأتي إلى المركز الجديد بمعنى أن يتجاوز الانتماء للمركز القديم (آدم الأول) الذي دَبّ فيه الموت، ويُقبِل إلى المركز الجديد (آدم الثاني) الذي هو ينبوع الحياة الأبديّة يرتقي فوق الجذر الذي فسد، ويُطَعَّم في الجذر الحيّ الجديد، ويصير غُصنًا ناميًا مُثمِرًا في الكرمة الحقيقيّة كما يوَضِّح لنا القدّيس بولس الرسول أنّه "إنْ كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا" (2كو5: 17) فإذا كان المسيح قد أصبح مركزًا لحياتنا الجديدة التي لا يغلبها الموت، ويًقدِّم لنا جسده الحيّ لنتثبّت فيه كأعضاء من لحمه ومن عظامه (أف5: 30)، ويهبنا أن نتناوله طعامًا مُحيِيًا، نأكله فنحيا به (يو6: 57) فنحن بالتالي ملتزِمون أن نكون سفَراءه في هذا العالم؛ نعيش له ولتمجيد اسمه، كما قال القدّيس بولس "هُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ" (2كو5: 15) ومن هنا، فإنّ علينا تقديم المحبّة للجميع، إذ أنّ محبّتنا هي امتداد لمحبّته للعالم، ورسالتنا هي امتداد لرسالته الخلاصيّة فندعو الكلّ للتصالُح مع الله،والتمتُّع بخلاصه، كما فعل هو أيضًا، بحسب الشرح الجميل الذي يُقَدِّمه لنا الرسول الإلهي بولس "اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ" (2كو5: 19-20). حياتنا الجديدة، مركزها شخص المسيح، وقوّتها حُبّ المسيح، وضامنها دم المسيح، وهدفها مجد المسيح. القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
18 فبراير 2025

اذكروا المقيّدين

«اذكروا المقيّدين كأنّكم مُقَيَّدون معهم، والمُذَلّين كأنّكم أنتم أيضًا في الجسد» (عب13: 3) وَرَدَت هذه الآية الجميلة ضمن الوصايا الختاميّة في رسالة القديس بولس الرسول إلى العبرانيين وهي في مجملها وصايا تحثّ على التمسُّك بالمحبّة العمليّة فلماذا يطلب مِنّا الرسول أن نذكر المقيّدين بمثل هذه المشاعر الأخويّة الحارّة..؟! 1- الحقيقة أنّ المحبّة الأخويّة تبدأ بالإحساس بالآخَر الإحساس بمشاعره وظروفه واحتياجاته، إذ أنّنا أعضاء في جسد واحد، وأعضاء بعضنا لبعض (1كو12) فالمحبّة تربطنا ببعض، مثل الأعصاب التي تربط كلّ أعضاء الجسد ببعضها وتوصِّل الإحساس بينها فإذا غابت المحبّة سيفقد الإنسان الإحساس بالآخَر، وبالتالي ستفقد الممارسات الروحيّة معناها، بل وتكون غير مقبولة أمام الله وينطبق علينا قول الكتاب: «أنّ لك اسمًا أنّك حيّ، وأنت ميّت» (رؤ3: 1). 2- التلامس مع المتألّمين هو تلامس مع المسيح شخصيًّا تلامس مع أعضائه المجروحة، كما حدث مع توما فاشتعل قلبه وأضاء بنور الإيمان وصرخ: «ربّي وإلهي» (يو20: 28) وهذا التلامس مع المقيّدين قد يكون في زيارة لمسجون أو افتقاد لمريض في مستشفى، أو اهتمام بأحد كِبار السنّ مِمّن أقعدتهم الشيخوخة والأمراض مع تقديم مساهمة في احتياجات كلّ هؤلاء 3- المقيّدون ليسوا هم فقط المحبوسين والمربوطين بأمراض جسديّة صعبة، ولكنّهم أيضًا المقيّدون بالخطيّة بعادات رديئة بمحبّة ضارّة بعلاقات شرّيرة هؤلاء يحتاجون أن نذكرهم في صلاتنا، ونهتمّ بخلاص نفوسهم قدر طاقتنا، ونقدِّم لهم شخص المسيح الذي يحرِّر من كلّ قيد نقدّم لهم الحُبّ والإرشاد وكلام الإنجيل المُحيي، بروح الاتضاع والحكمة. 4- كما علّمنا السيّد المسيح، وأعطانا نفسه مثالاً، هكذا ينبغي أن نسلك فكما تألّم لأجلنا وحمل أوجاعنا، هكذا نحن يلزمنا أن نذكر المقيّدين والمُذلِّين، متذكّرين الآية الجميلة التي جاءت في رسالة غلاطية: «احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا تمِّموا ناموس المسيح» (غل6: 2) فكما حمل المسيح أثقالنا، هكذا نحن ملتزمون بهذا المنهج، أن نحمل أثقال الآخرين متمثّلين بإلهنا ومخلّصنا. 5- عندما نذكر المقيّدين والمُذَلِّين، فنحن نخرج خارج ذواتنا، ونكسر طوق أنانيّتنا، فتتّسع دوائرنا وننفتح على الآخرين وهذا يساعد على نموّنا النفسي ويُثري شخصيّتنا وهو ما أوصانا به الإنجيل أيضًا: «لا تنظروا كلّ واحد إلى ما هو لنفسه، بل كلّ واحد إلى ما هو لآخرين أيضًا» (في2: 4). 6- يلزمنا أن نضع في حساباتنا دائمًا أنّ الجسد ضعيف ما أسهل أن يَمرَض أو يتألّم أو يُجرَح أو يُكسَر لذلك إذا كُنّا بصحّة جيِّدة ولا نعاني من أمراض أو قيود صحّيّة، فهذه مرحلة لن تدوم ومادام الله قد أعطانا الآن نعمة الصحّة والقوّة، فلنترفّق بالمقيّدين والمُذَلِّين، ونمدّ لهم يد المساعدة، ونحاول أن نرفع معهم بعض أثقالهم. 7- لا يظُنّ أحدٌ أنّ التلامس مع المقيّدين والمُذلِّين يولِّد غمًّا في القلب، بل العكس هو الصحيح، فإن العطاء في هذا الاتجاه بمحبّة يولِّد في القلب فرحًا وسعادةً حقيقيّة كما قال السيّد المسيح «السعادة في العطاء أكثر من الأخذ» (أع20: 35) لأنّ العطاء يحرِّك الروح القدس داخلنا، فعندما يفرح الروح بنا، فإنّه بدَورِهِ يملأ قلوبنا بالفرح والبهجة..! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
04 فبراير 2025

تكوين قانون الإيمان

الكنيسة جسد المسيح هي كائن حيّ وُلِدَ يوم الخمسين، وينمو بعمل الروح القدس يومًا فيومًا فالسيّد المسيح لم يترك لنا كتابًا أو نصوصًا معيّنه لنحفظها، ولا سلّم للرسل قانونَ إيمانٍ مُحدَّدًا، بل فقط سلّمهم مبادئ المحبّة والقداسة والعدالة، ودعاهم للثبات فيه لكي يمتلئوا من روحه القدّوس وبتفاعُلهم مع الروح القدس تنمو الكنيسة!أودّ أن أتحدّث في هذا المقال باختصار عن جانب واحد فقط يظهر فيه عمل الروح القدس بالتفاعُل مع آباء الكنيسة، من أجل بلورة قانون الإيمان، الذي يؤمن به الآن كلّ المسيحيّين في العالم في بداية الكنيسة كانت تُستَعمَل صِيَغ إيمانيّة بسيطة يُقرّ بها الشخص جَهرًا أمام بعض الشهود قبل المعموديّة، وهذا ما أشار إليه القديس بولس الرسول في حديثه مع القدّيس تيموثاوس عندما قال له «أَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا، وَاعْتَرَفْتَ الاعْتِرَافَ الْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ» (1تي6: 12) وهو هنا يُذكّره بإقرار الإيمان الذي جاهر به قبل معموديّته، وكان ذلك يُسمّى "الاعتراف الحسن"، وهو إقرار مختصر بالإيمان بالمسيح ابن الله وعمله الخلاصي ومجيئه الثاني للدينونة وكانت كلّ كنيسة في العالم تضع هذا الإيمان البسيط في صياغة مناسبة لها بإرشاد الروح القدس، فكانت هناك صِيَغ متعدّدة في كلمات قليلة، وتحمل نفس المعانى تقريبًا وظلّ الوضع هكذا حوالي ثلاثمائة سنة..بعد ظهور هرطقة آريوس في أوائل القرن الرابع، ظهرت الحاجة لوضع قانون إيمان موحَّد أكثر تفصيلاً تلتزم به كلّ كنائس العالم وقد تمّ هذا في المجمعَيْن المسكونيّيْن في نيقية عام 325م والقسطنطينيّة عام 381م، فقانون الإيمان الحالي هو نِتَاج هذين المجمعين، لذلّك سُمِّيَ "قانون الإيمان النِيقَوِي القُسطنطيني".ما أودّ التركيز عليه أنّ هذا القانون أخذ وقتًا في بلورته بهذا الشكل وهذا يؤكِّد لنا أنّ الكنيسة كائن حيّ ينمو بقيادة الآباء المستنيرين بالروح القدس، فلا مكان للجمود والتحجُّر فيها أبدًا الذي لا يعرفه الكثيرون أنّ صيغة قانون الإيمان في مجمع نيقية كانت مختصرة جدًّا، والآباء المائة والخمسون في مجمع القسطنطينيّة أضافوا لها الكثير من العبارات التوضيحيّة بين السطور مع الجزء الختامي بكامله بمعنى أنّ نص قانون الإيمان كما نعرفه اليوم استغرق سنوات طويلة وجهدًا فكريًّا كبيرًا من مئات من الآباء الأساقفة بإرشاد الروح القدس لكي يَظهر في شكله الحالي ولأنّنا كلّنا نحفظ قانون الإيمان، فسوف تكتشفون عندما أضع أمامكم نصّ مجمع نيقية حجم الإضافات التي دخلت عليه في القسطنطينيّة ها هو النصّ النيقَوي:"نؤمن بإله واحد، آب ضابط الكلّ، خالق، كلّ ما يُرى وما لا يُرى وبربٍّ واحد يسوع المسيح ابن الله، المولود من الآب، نور من نور، إله حقّ من إله حقّ، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كلّ شيء، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل وتجسّد، وتأنّس، وتألّم وقام في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السماء، وسيأتي ليدين الأحياء والأموات، وبالروح القدس".من هنا نفهم كيف أنّ الكنيسة كائن حيّ ينمو بالروح القدس العامل في آبائها وقدّيسيها، ولم ولن يتوقّف عن العمل بعد نياحة بعض آبائها، بل هو قادر باستمرار على قيادة أعضاء جسد الكنيسة وتنمية غصونها الجديدة من أجل المزيد من النمو في المحبّة والفكر والروح والشهادة للعالم أجمع! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
23 ديسمبر 2024

من كنوز تسابيح شهر كيهك نفس مرتفعة إلى السماء

السلّم الذي رآه يعقوب هو واحد من أهمّ وأجمل الرموز الموجودة في العهد القديم عن السيّدة العذراء فقد ظهر الله ليعقوب، وهو هارب من أخيه عيسو في الطريق إلى خاله لابان، وكان المنظر سلّمًا مرتفعًا إلى السماء والملائكة يصعدون وينزلون عليه، والرب يطلّ على يعقوب من أعلى السلّم بمجدٍ عظيم، ويتحدّث معه بكلام فيه طمأنينة وسلام وبركة (تك28) يري الكثير من آباء الكنيسة أنّ السلّم هو رمز لأمّنا العذراء التي نزل عن طريقها الرب إلى عالمنا الأرضي، حاملاً لنا السلام والبركة والخلاص فهي الإنسانة التي اتّخذ منها جسدًا، وسكن في بطنها البتولي تسعة أشهر، فصار بطنها عرشًا لله المستريح في القدّيسين، وأخيرًا قدّمت لنا الله محمولاً على ذراعيها (ثيؤطوكيّة السبت – القطعة الأولى) العذراء هي السلّم الذي ربط السماء بالأرض، أو بالحرى مكّن الأرضيين من الوصول للسماء..! القطعة الثامنة من ثيؤطوكيّة السبت تتحدّث عن سلّم يعقوب، وتبدأ بلحن رائع هو لحن "أريتنثونتي" ومعناه "شُبِّهتِ بالسلّم الذي رآه يعقوب، مرتفعًا إلى السماء، والرب المخوف عليه" ثم نجد في المديح الرومي على هذه القطعة بعض العبارات البالغة العُمق والجمال منها: حَسَنًا رآكِ يعقوب أبونا، مثل سلّم ذي نفس مرتفعة إلى السماء، والرب القدوس جالس عليها، أيّتها اليمامة. لأنّه صنع أحشاكِ عرشًا، وأيضًا بطنك المختوم، جعله أوسع من السموات. السلام لكِ من قِبَلِنا، لأنّ من كنزك المختوم، وَلَدْتِ المستريح في القديسين. أقف قليلاً أمام عبارة واحدة غاية في الروعة، وهي وصف أمّنا العذراء بأنّها مثل سلّم حيّ له نفس تسمو وتحلّق وترتفع حتّى تصل إلى السماء، والرب جالس ومستريح بمجدٍ عظيم على هذه النفس فالعذراء إنسانة ارتفعت بقلبها وكلّ حواسها إلى السماء، فاستحقّت أن تكون مكانًا يستريح فيه الرب..! ارتفاع النفس بالطبع لا يعني التعالي على الآخرين، بل السمو فوق كلّ رغبات العالم والاهتمامات الأرضيّة، لكي تصلّ النفس إلى الله وتتّحد به في الحقيقة لا يمكننا أن نتّصل بالله اتصالاً حقيقيًّا بدون هذا الارتفاع، وتجاوُز هموم العالم ومشغوليّاته.. وهذا ما تُشجِّعنا عليه الكنيسة عندما تخاطبنا في كلّ قدّاس "ارفعوا قلوبكم" أي نرتفع بقلوبنا حتّى نلتقي الله، طارحين عنّا كلّ أفكار الخواطر الشريرة، ومشتركين في التسبيح مع القوّات السمائيّة من الناحيّة العمليّة، الارتفاع ليس أمرًا سهلاً، فهو ضدّ الجاذبيّة الأرضيّة ولكن الذي وقع في دائرة جاذبيّة حُبّ يسوع المصلوب يكون الارتفاع سهلاً بالنسبة له، لأنّ جاذبيّة يسوع أقوى بكثير من جاذبيّة الأمور الأرضيّة، ولذلك هو أكّد قبل الصليب وقال "وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ" (يو12: 32) وهذا يعطينا فِكرة عن كيفيّة الارتفاع فعندما ننظر للصليب ونتأمّل في الصليب ونتعلّق بالصليب، يرفعنا الصليب إلى السماء! يظنّ البعض أنّ الصليب هو حِمل ثقيل، قد يكسر الإنسان وينزل به إلى الأرض ولكن الحقيقة أنّ الصليب هو أهم وسيلة تتحرّر بها النفس من روابط الأرض وترتفع بها إلى السماء لقد رأى يعقوب السلّم وهو هارب، وفي وقت شِدّة وضيق، ولم يَرَهُ وهو متنعِّم في بيت أبيه وأيضًا أمّنا العذراء حملت الصليب في حياتها بشكرٍ وتسليم، وقبلت أن يجوز في نفسها سيف الآلام، فارتفعت نفسها إلى السماء وصارت أعلى من الشاروبيم والسيرافيم هكذا دائمًا الصليب يُعِدّ الإنسان للارتفاع إلى السماء، ومَن يتبّع المسيح حاملاً الصليب فهو في الطريق الصاعِد إلى السماء..! هناك الكثير من الأحاديث أو التصرّفات التي تنزل بنا إلى الأرض فإذا أردنا أن نكون مثل أمنا العذراء مرتفعين إلى السماء، لابد أن نتخلّى عن مثل هذه الأمور، وننشغل بما يرفعنا إلى فوق:- التأمُّل في كلام الإنجيل يرفعنا إلى فوق.. التسبيح والترنيم يرفعنا إلى فوق.. التوبة ترفعنا إلى فوق.. الاهتمام بخدمة الآخرين يرفعنا إلى فوق.. قراءة أقوال الآباء وخبراتهم ترفعنا إلى فوق.. رفع أيدينا في صلاة المخدع الهادئة يرفعنا إلى السماء.. حضور التسبحة والقدّاس يرفعنا إلى السماء.. وأخيرًا النفس المرتفعة إلى السماء هي نفس مملوءة بالسلام ينسكب عليها دائمًا السلام السمائي، فلا تُزعجها أحداث الأرض ولا اضطراباته بل هي دائمًا تستمدّ فرحها وطمأنينتها وقوّتها من وعود السماء وبركات السماء ورعاية السماء..! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
16 ديسمبر 2024

بمناسبة قدوم شهر كيهك صوفونيوس

عندما يأتي شهر كيهك كلّ عام، ونبدأ في الانشغال بتسابيحه الجميلة، يطفو على السّطح هذا السؤال: مَن هو "صوفونيوس" المذكور في بعض المدائح العربيّة التي نشدو بها في تسابيح كيهك؟ هل هو صَفَنيا النبي أم شخصٍ آخَر؟! سنحاول بنعمة المسيح في هذا المقال اكتشاف مَن هو صوفونيوس؟! في البداية مِنَ المهمّ أن نعرف أنّ المدائح العربيّة لشهر كيهك كلّها كُتِبَت حديثًا في القرن السابع عشر والثامن عشر بواسطة مجموعة من المرتّلين وبعض الآباء الكهنة وأحد البطاركة (البابا مرقس الثامن) يجيء ذِكر صوفونيوس في المدائح مصحوبًا بنبوءةٍ ملخّصها أنّ تجسُّد السيّد المسيح سيكون مثل نزول قطرات مياه من السماء على الأرض بدون وجود سحاب، إشارة إلى ولادة السيّد المسيح بدون زرع بشر.. ولنأخُذ بعض أمثلة من هذه المدائح: "صفونيوس قال قولاً موصوف، عن حَبَلِك بالملك القدوس، مثل مطر ينزل على الصوف، السلام لكِ يا أم بخريستوس" (مديح التوزيع الكيهكي للقمّص متّاؤس البهجوري). "صوفونيوس خَبّر، عن ميلاد بِخريستوس، أنّه ينزل كندى ومطر، ماريا تي بارثينوس" (مديح على ثيؤطوكيّة الإثنين للمعلّم غبريال). "صوفونيوس شرح بكلام، عن تدبير اللاهوتيّة، ينزل كالقَطْر بغير غمام، طوباكِ يا زين البشريّة" (مديح العُلَّيقة على ثيؤطوكيّة الخميس للمعلّم غبريال). فكرة نزول الندى على الأرض بدون وجود سحاب جاءت في حياة جدعون، كعلامة طلبها من الله فأعطاها له، عندما وضّع جزّة صوف في البيدر فنزل طَلٌّ على الجُزّة وحدها، بينما كان جفافٌ على الأرض كلّها.. (قضاة6: 36-40) وكان هذا إشارة أنّ الله سيأتي ويحلّ بقوّته المعجزيّة ويرافق جدعون في الحرب، ويخلِّص شعب إسرائيل على يده عندما نبحث عن هذا المعنى في سِفر صَفَنيا الذي هو أحد الأنبياء الصغار، فسوف لا نجده نهائيًّا من قريب أو بعيد.. ولكنّنا سنجد المعنى في موضع آخَر في سِفر المزامير، فقد جاء ما يلي في المزمور 72 الذي يتكلّم عن المسيح الملك الآتي لكي يخلّص البائسين ويقضي لمساكين الشعب ويسحق الظالم "ينزل مثل المطر على الجُزاز، ومِثل الغيوث الذارفة على الأرض" (مز72: 6) والعجيب أنّ هذا المزمور كتبه سليمان الحكيم، وليس داود أو أحد المرنمين الآخَرين فإذا كان معنى كلمة "الحكمة" باللغتين اليونانية والقبطيّة هو "صوفيا Sofia" فليس ببعيد أن يكون "صوفونيوس" المقصود هو "سليمان صاحب الحكمة" الذي تنبّأ عن مجيء المسيح متجسِّدًا بدون زرع بشر لكي يخلّص شعبه، وأَدْرَجَ هذا المعنى مع مجموعة أخرى من النبوءات الجميلة في مزموره البديع جدير بالذِّكر أن الكنيسة وضعت آية طويلة من هذا المزمور 72 قبل إنجيل باكر في قراءات عيد الميلاد المجيد من هنا يتّضح لنا بكلّ تأكيد أن "صوفونيوس" المذكور في مدائح شهر كيهك ليس هو صَفَنيا النبي، بل في الأغلب هو سليمان الحكيم (ذو الحكمة) وهو الذي قَصَدَتْهُ المدائح الكيهكيّة لتأكيد تحقيق نبوءته في المزمور 72 عن السيّدة العذراء التي حبلت بالسيّد المسيح المُخلِّص بدون زرع بشر، وقدّمته لنا محمولاً على ذراعيها لقد أتى السيّد المسيح إلينا متجسِّدًا كقطرات الندى، لكي يروي أرضنا القفرة بندى نعمته كلّ كيهك وحضراتكم بخير. القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل