المقالات
06 يونيو 2019
لماذا صعد السيد المسيح؟
قد يتساءل البعض، لماذا صعد السيد المسيح إلى السماء بعد أربعين يومًا من قيامته من الأموات؟ ولماذا لم يبقَ في وسط تلاميذه على الأرض يشجعهم ويقويهم ويرشدهم ويقودهم إلى حين نهاية العالم؟
ونود أن نلخص بعض الأسباب كما يلي:
أولًا: لأن السيد المسيح قد جاء من السماء، كان ينبغي أن يصعد إلى السماء بمعنى أن الصعود هو إثبات على ألوهية السيد المسيح وولادته من الآب قبل كل الدهور بحسب ألوهيته، وأنه هو نفسه الله الكلمة الذي صار جسدًا في ملء الزمان من أجل خلاصنا. وهو نفسه قد قال: "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو16: 28) لهذا قال المزمور "صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق" (مز46: 5). أي أن الله الكلمة هو الذي صعد إلى أعلى السماوات جسديًا وقال عنه يوحنا المعمدان: "الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" (يو3: 31). وقال السيد المسيح عن نفسه لليهود: "أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم" (يو8: 23).
ثانيًا: أراد السيد المسيح أن يرُدْ إلى الإنسان كرامته بعد طرده من الفردوس حينما أخطأ الإنسان الأول.
لقد طُرِد الإنسان الأول من الفردوس حينما خالف الوصية الإلهية، وجاء السيد المسيح -باعتباره آدم الثاني أو آدم الجديد- وقدّم طاعة كاملة لله الآب. وبهذا استحقت البشرية أن تسترد كرامتها المفقودة في شخص الرب المتجسد يسوع المسيح باعتباره رأس الكنيسة. لهذا قال معلمنا بولس الرسول عن الرب "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح" (أف2: 6) لقد رفع الله الآب رأسنا حينما استقبل رئيس خلاصنا بكل الفرح في الأمجاد السمائية.
ثالثًا: صار السيد المسيح باكورة الداخلين إلى الأمجاد السمائية، كما كان باكورة للراقدين بقيامته المجيدة من الأموات لقد صار السيد المسيح بجسده الخاص باكورة ومتقدمًا في كل شيء بالنسبة للكنيسة التي هي جسده الاعتباري صار سابقًا لنا في قيامته التي لا يقوى عليها الموت وعربونًا للحياة الأبدية التالية.
ولهذا صار أيضًا سابقًا لنا في صعوده إلى أعلى السماوات وفي دخوله إلى الأقداس التي نصبها الرب لا إنسان "دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوَجَد فداءً أبديًا" (عب9: 12) لهذا قال لتلاميذه: "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو14: 2، 3).
رابعًا: أراد السيد المسيح أن يؤكد فكرة الملكوت السمائي.
أي أن الحياة الأبدية بعد القيامة هي في السماء وليست على الأرض. ولكي نُدرك أن "ليس لنا هنا مدينة باقية، لكننا نطلب العتيدة" (عب13: 14) أراد أن يجعلنا نشتاق إلى السماء.. إلى حياة الوجود مع الآب السماوي وأن نشعر بغربتنا هنا على الأرض، متذكرين قوله المبارك: "حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا" (مت 6: 21) إن محبتنا للمسيح واشتياقنا إليه تجتذبنا باستمرار نحوه حيثما هو موجود. لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله" (كو3: 1).
خامسًا: كان في صعود السيد المسيح إلى السماء جسديًا إثبات أن التقدمة التي قدّمها على الصليب نيابة عن البشرية قد قُبلت أمام الآب السماوي أي أن الصعيدة التي قُدمت على الصليب كان ينبغي أن تصعد إلى الآب، ليكون ذلك علامة منظورة على قبول الآب وسروره بها ما أمجد هذا اللقاء بين الابن الوحيد الغالب المنتصر في جسم بشريته والآب السماوي الذي أعلن مرارًا وتكرارًا سروره. بل هو موضوع سروره من قبل إنشاء العالم وإلى دهر الدهور بلا أي انقطاع.
سادسًا: أراد السيد المسيح أن يوجّه تلاميذه إلى أحضان الآب السماوي. أي إلى إيجاد علاقة حب ودالة وصلاة بينهم وبين الآب كانت كل طلبات التلاميذ منحصرة في السيد المسيح أثناء وجوده وسطهم. وأراد بصعوده إلى السماء أن يجعلهم يطلبون من الآب مباشرة باسم المسيح لهذا قال لهم: "إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي؛ اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا" (يو16: 24). "في ذلك اليوم تطلبون باسمي ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني، وآمنتم أني من عند الله خرجت" (يو16: 26، 27) كان السيد المسيح يريد أن يربط التلاميذ بعلاقة حب مع أبيه السمائي. لهذا قال للآب "أنا مجدتُك على الأرض.. أنا أظهرتُ اسمك للناس.. وعرفتُهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو17: 4، 6، 26).
سابعًا: أراد السيد المسيح أن يربط تلاميذه بعلاقة وثيقة مع الروح القدس ليتذوّقوا محبته ومواهبه وينقادوا به "لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (رو8: 14)أعطاهم السيد المسيح وعدًا بأن يرسل لهم الروح القدس الذي هو روح الحق الذي من عند الآب ينبثق،وقال لهم: "أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد" (يو14: 16)وحدثهم حديثًا طويلًا عن الروح القدس وقال: إنه "يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم.. ويخبركم بأمور آتية" (انظر يو14: 26، يو16: 13). وقال: "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أع 1: 8) وقال لهم: "متى جاء المعزى.. روح الحق.. فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم معي من الابتداء" (يو15: 26، 27).
ووعدهم بأن ينطق الروح القدس على أفواههم: "لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم" (مت10: 20)، "أعطيكم فمًا وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها" (لو21: 15) بل قال السيد المسيح لهم: "خير لكم أن أنطلق (أي أصعد) لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7) كان من الضروري أن يصعد السيد المسيح ويمارس خدمته الشفاعية الكفارية كرئيس كهنة في المقادس السمائية لكي يشفع كل حين فينا أمام الآب ولكي يرسل الآب موعد روحه القدوس الذي يعمل في الكنيسة بالأسرار الإلهية لننال الخلاص والمغفرة "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا" (يو14: 2) بعد أن أعطى السيد المسيح جسده ودمه الأقدسين للتلاميذ في العشاء الرباني، بدأ يكلمهم عن انطلاقه إلى الآب وعن إرسال الروح القدس.
كل تلك الأحاديث كانت في ليلة آلامه وصلبه، ليفهم التلاميذ طبيعة إرساليته من الآب، وعلاقة ذلك بالروح القدس في الكنيسة. فقال لهم: "وأما الآن فأنا ماضٍ إلى الذي أرسلني" (يو16: 5). وقال أيضًا: "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضى إلى الآب" (يو14: 28) وقال: "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا" (يو14: 2). وأيضًا قال "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم، وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو16: 28) وحينما حزن التلاميذ بسبب انطلاق السيد المسيح من هذا العالم، ابتدأ يعلن لهم: "أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7).
إن إرسالية الابن الوحيد وظهوره في الجسد، ليست عزلًا للكنيسة عن الآب السماوي، بل مصالحة لها معه وانطلاق السيد المسيح إلى الآب يؤكد هذه الحقيقة، كما أن إرسال الروح القدس "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26)، هو تأكيد لنفس هذه الحقيقة الخالدة فالخلاص بصفة عامة هو عمل الثالوث القدوس، وليس عمل الابن فقط.الابن هو الذي قدَّم نفسه على الصليب فداءً عن العالم والآب هو الذي "بذل ابنه الوحيد الجنس، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة" (يو3: 16) والروح القدس هو الذي يلدنا في المعمودية، التي فيها نُدفَنْ مع المسيح ونقوم معه، وننال الطبيعة الجديدة، والتبني ومغفرة الخطايا الجِدية والفعلية.. وهو العامل في جميع الأسرار، وهو الذي يقود الكنيسة ويمنحها قوة الكرازة والشهادة للمسيح.. أي أن الروح القدس هو الذي يوصّل إلينا كل استحقاقات الفداء الذي صنعه السيد المسيح لأجلنا الآب هو الذي أرسل الابن فاديًا ومخلصًا. ولهذا يقول الكتاب: "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح.. أي إن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه" (2كو5:18، 19) وهو أيضًا الذي أرسل الروح القدس ليوصل إلينا كل بركات الفداء ونعمة العهد الجديد كل عمل قام به الابن، لم يكن بمعزل عن الآب السماوي. ولهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي، لكن الآب الحال فيَّ هو يعمل الأعمال. صدقوني أني في الآب والآب في. وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها" (يو14: 10، 11) في اتضاع عجيب قال السيد المسيح لتلاميذه: "خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7) الأقانيم الثلاث يعملون معًا.. ولهذا فالروح القدس هو الذي سيوصل إلينا بركات الفداء الذي صنعه الابن على الصليب الآب والروح القدس أَرسلا الابن "والآن السيد الرب أرسلني وروحُهُ" (إش48: 16) والآب والابن أرسلا الروح القدس. "وأما المعزى الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26). "ومتى جاء المعزىالذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26) وبالرغم من أن السيد المسيح قد قال باتضاع:"خير لكم أن.. يأتيكم المعزى" (يو16: 7). إلا أن هذا لا يعني إطلاقًا عدم المساواة بين الابن والروح القدس.. أو أن الروح القدس أعظم من الابن. الدليل على ذلك قول السيد المسيح عن الروح القدس: "الذي سأرسله أنا إليكم" (يو15: 26) وقوله: "إن ذهبت أرسله إليكم" (يو16: 7) وقوله عن عمل الروح القدس: "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 14) و"يشهد لي" (يو15: 26) إن شهادة الثالوث هي واحدة. والحق المُعلَنْ من الثالوث، هو حق واحد. لهذا قال السيد المسيح: "متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 13-15) إن كل شهادة وكل نعمة فوقانية، هي صادرة من الآب، وهي باستحقاقات الابن، وهي تُمنح بالروح القدس. هي نعمة ثالوثية واحدة يتمايز فيها دور كل أقنوم. ولكن في مجملها هي عطية الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس لهذا يقول معلمنا يعقوب الرسول: "كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران. شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (يع1: 17، 18).
كان السيد المسيح في إرساليته على الأرض يعمل دائمًا لإتمام مقاصد الآب السماوي، التي بعينها هي مقاصد الثالوث القدوس أي الأقانيم الإلهية معًا لهذا قال للآب في صلاته قبل الصليب: "أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يو17: 4)ولهذا أيضًا قال لتلاميذه: "خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" (يو16: 7).
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
05 يونيو 2019
لي الحياة هي المسيح
إننا نستمد الحياة من المسيح الذي أعطانا جسده ودمه لنحيا بهما وقال: "من يأكلني فهو يحيا بي" (يو6: 57) المسيح هو (شجرة الحياة التي لا يموت آكلوها)، وحينما يقول: "أنا هو.. الحياة" (يو11: 25) فذلك لأننا نحيا به، كما قال معلمنا بولس الرسول: "لي الحياة هي المسيح" (فى1: 21). وقال أيضًا: "متى أُظهِر المسيح حياتُنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضًا معه في المجد" (كو3: 4)وكما قال السيد المسيح: "أنا هو.. الحياة" قال أيضًا: "أنا هو القيامة" لأننا نجدد قوة الاتحاد بالمسيح في موته وقيامته التي نلناها في المعمودية، وذلك كلما تناولنا من جسده المحيى المصلوب الحي القائم من الأموات القيامة بمعنى حياة النصرة على الخطية والنصرة على الموت الروحي تتحقق بالتوبة والاعتراف والتناول من جسد الرب ودمه فحينما نتناول من جسد السيد المسيح فإننا نتمتع بالقيامة ونحيا القيامة ونعترف بها بصورة عملية (بموتك يا رب نبشر، وبقيامتك المقدسة.. نعترف) (القداس الإلهي) إن السيد المسيح القائم من الأموات يكون حاضرًا في سر التناول المقدس ويمنحنا أن نحيا القيامة ونعايشها، لأن سر القربان هو امتداد لذبيحة الصليب أي لجسد الرب المصلوب المقام من الأموات البعض يشتاق أن يعيش أحداث القيامة مع مريم المجدلية وبطرس ويوحنا الرسولين وتلميذيّ عمواس وسائر الرسل والتلاميذ. ونحن نعيشها بالفعل في القداس الإلهي، بل ونتناول هذه القيامة لأن الرب قال عن نفسه: "أنا هو القيامة" لهذا يصرخ الأب الكاهن عند نهاية القداس في الاعتراف الأخير وهو يحمل الصينية وفيها الجسد المقدس: (يعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه) إننا نتناول القيامة ونتناول الحياة لأننا نتناول المسيح، لهذا ينبغي علينا أن نستعدبالتوبة الحقيقية لأن القدسات تُمنَح للقديسين المستعدين لدخول ملكوت السماوات أليس التناول من جسد الرب هو عربون الأبدية.. وهو وسيلة للتمرن على الدخول إلىالحياة الأبدية وملكوت السماوات؟ فكم مرة يدعونا الرب لنختبر قوة قيامته في حياتنا؟إن الاشتراك مع الله في الحياة الأبدية هو العطية الثمينة والعظمى التي طلب السيد المسيح من أجلها قبل صلبه حينما خاطب الله الآب قائلًا بشأن تلاميذه: "أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتنيلأنك أحببتني قبل إنشاء العالم" (يو17: 24) إن اشتراكنا مع الله في الخلود وفي الحياة الأبدية هو العطية التي ننالها في المسيح وبالمسيح، بقوة دم صليبه المحيى الذي نقلنا من الموت إلى الحياة "لأنه هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد الجنس لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون لهالحياة الأبدية" (يو3: 16) وقد شرح معلمنا بطرس الرسول إن اشتراكنا في الحياة الأبدية يستلزم أن نهرب من الفساد الذي في العالم بالشهوة مقدرين قيمة الخلاص الثمين، ومتمسكين بالمواعيد الإلهية فقال: "سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله، إلى الذين نالوا معنا إيمانًا ثمينًا مساويًا لنا، ببر إلهنا والمخلّص يسوع المسيح؛ لتكثر لكم النعمة والسلام بمعرفة الله ويسوع ربنا، كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العُظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة" (2بط1: 1-4)إن معلمنا بطرس الرسول يقصد أن حياة القداسة ضرورية لننال الوعد بميراث ملكوت الله. وهذا يقتضى الهروب من الفساد الذي في العالم بالشهوة، والسلوك في حياة المجد والفضائل الروحية وقد أكّد الرسول بطرس نفسه هذا المعنى في رسالته الأولى بقوله: "فألقوا رجاءكم بالتمام على النعمة التي يؤتى بها إليكم عند استعلان يسوع المسيح. كأولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم، بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة، لأنه مكتوب: كونوا قديسين لأني أنا قدوس" (1بط1: 13-16).
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
04 يونيو 2019
الأسبوع الجديد
الأسبوع الجديد مرتبط بالخليقة الجديدة وبالسماء الجديدة والأرض الجديدة في الأسبوع الأول خلق الله العالم في ستة أيام واستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل خالقًا.
وجاء السيد المسيح في امتداد اليوم السابع وقال: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 5: 17)وقال معلمنا بولس الرسول: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو 5: 17).
إذن عاد الله يخلق من جديد في اليوم السابع وشفى المفلوج عند بركة بيت حسدا في يوم السبت، وكذلك خلق عينين للمولود أعمى في يوم السبت أي في اليوم السابع وعندما قام السيد المسيح قام "باكرًا جدًا في أول الأسبوع" (مر16: 2). أي في اليوم الأول من الأسبوع الجديد. أي أنه أعلن الحياة الجديدة وصار باكورة الراقدين في أول الأسبوع الجديد. وصار يوم الأحد هو يوم الرب الذي استراح فيه من عمل الخلاص فيوم الأحد في الوقت الحاضر هو باكورة الحياة الجديدة. ولكن الأسبوع الجديد بمعناه الشامل سوف يبدأ في القيامة العامة في مجيء المسيح الثاني لذلك نقرأ في سفر الرؤيا: "وقال الجالس على العرش ها أنا أصنع كل شيء جديدًا" (رؤ21: 5). ووصف القديس يوحنا الرسول ما رآه: "رأيت سماء جديدة وأرضًا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا" (رؤ21: 1) نحن في يوم الأحد نعيش عربون الأبدية في يوم الرب حيث يقام الاحتفال الرئيسي بالإفخارستيا في أهم أيام الأسبوع. ويهتف الشعب للسيد المسيح (بموتك يا رب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السماوات نعترف). إننا نصنع التذكار [الأنامنسيس] حسب أمر الرب "اصنعوا هذا لذكرى" (لو 22: 19) فالكنيسة في يوم الأحد وبالتحديد في سر الافخارستيا؛ تحتفل بذكرى قيامة الرب وأيضًا بذكرى مجيئه الثاني حيث إن السر يأخذنا فوق الزمن لنحتفل بذكرى ما حدث في الماضي، وما سوف يحدث في المستقبل. ويصلى الكاهن في القداس الإلهي: (فيما نحن أيضًا نصنع ذكرى آلامه المقدسة، وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماوات.. وظهوره الثاني الآتي من السماوات المخوف المملوء مجدًا). ولا عجب في ذلك فإن عربون الأبدية في سر القربان المقدس يرفعنا فوق الزمان لنعايش صلب السيد المسيحوقيامته المجيدة وصعوده ومجيئه الثاني عند استعلان ملكوت السماوات والعرس الأبدي إن سر الافخارستيا هو عشاء العريس قُدِّم للعروس. وهو العهد الجديد الذي يعلن أن الرباط الزيجي بين المسيح وعروسه الكنيسة هو عهد خلاص بالدم المسفوك علىالصليب "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمى" (لو22: 20، 1كو 11: 25).
ما بين أرض الموعد والأبدية
السبت في اللغة العبرية "سابات" معناه "راحة". وقد أوضح معلمنا بولس الرسول أن السبت بمعناه الحقيقي لن يتحقق في اليوم السابع. وبدأ بولس الرسول يربط بين اليوم والراحة بقوله في رسالته إلى العبرانيين: "يعيّن أيضًا يومًا قائلًا في داود: "اليوم" بعد زمان هذا مقداره، كما قيل اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم. لأنه لو كان يشوعقد أراحهم، لما تكلم بعد ذلك عن يوم آخر. إذًا بقيت راحة لشعب الله،لأن الذي دخل راحته استراح هو أيضًا من أعماله؛ كما الله من أعماله. فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة"
(عب4: 7-11)وقوله:"لوكان يشوع قد أراحهم"مقصود به أن أرض الموعد ليست هي أرض الميراث الأبدي. كما أنه بقوله: "يوم آخر" يقصد أن هناك يومًا آخر غير السابع وهو اليومالأول من الأسبوع الجديد أو اليوم الثامن إذا أضفنا اليوم الأول إلى أيام الأسبوع القديم وقد أشار القديس بطرس الرسول إلى الحياة الجديدة وارتباطها برقم ثمانية في مسألة تجديد الحياة على الأرض بواسطة نوح الذي أنقذه الله من الطوفان، إذ كتب يقول إن الله "لم يشفق على العالم القديم، بل إنما حفظ نوحًا ثامنًا كارزًا للبر، إذ جلب طوفانًا على عالم الفجار" (2بط2: 5). وبالرغم من أن ترتيب نوح بين الآباء الأول ليس هو الثامن منآدم، ولكن الكتاب أشار إلى ارتباط نوح الذي به تم تجديد الحياة على الأرض مرة أخرى برقم الثامن (أي الثامن من آنوش) فقال عنه: "ثامنًا كارزًا" كما أنه أكّد ارتباط الرقم "ثمانية" بتجديد الحياة مرة أخرى بقوله: "حين كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح إذ كان الفلك يُبنى، الذي فيه خَلَصَ قليلون، أي ثماني أنفس بالماء" (1بط3: 20). فهو لم يكتفِ بأن يقول إن الذين خلصوا من الطوفان هم عدد قليل، بل حدد العدد برقم "ثمانية". فالارتباط بين الحياة الجديدة ورقم "ثمانية" يؤكّد أن اليوم "الثامن"هو يوم الحياة الجديدة في المسيح الذي هو نوح الحقيقي. وقد وُلدت الكنيسة في حياتها الجديدة في بداية الأسبوع الثامن بعد القيامة.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
03 يونيو 2019
القيامة والخليقة الجديدة
إن الرب يسوع المسيح بخلاصه العجيب قد أعاد خلق الإنسان من جديد. لذلك قال معلمنا بولس الرسول: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17) هذه الخليقة الجديدة تتم في المعمودية، في الاتحاد مع المسيح بشبه موته وقيامته، حيث يصلب الإنسان العتيق، ويقوم الإنسان الجديد حسب صورة خالقه وشرح القديس بولس في رسالته إلى أهل رومية هذه الحقيقة فقال: "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة. لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته، عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليبطل جسد الخطية" (رو6: 3-6)وقال أيضًا: "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تى3: 4-6) فتكلّم في المعمودية عن "جدة الحياة"وعن "الميلاد الثاني"وعن "تجديد الروح القدس"وعن الاتحاد بالمسيح "بشبه.. قيامته" لقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله ولكن لما سقط الإنسان في الخطية قد فقد هذه الصورة الرائعة واحتاج إلى أن يعيد الرب خلقته من جديد على هذه الصورة الإلهية في ذلك قال القديس أثناسيوس الرسولي: [لقد جاء كلمة الله في شخصه الخاص، لأنه هو وحده صورة الآب، الذي يقدر أن يعيد خلقة الإنسان المخلوق على الصورة] (كتاب تجسد الكلمة - الفصل الثالث - فقرة 13)إن السيد المسيح الذي هو "صورة الله غير المنظور" (كو1: 15) هو وحده القادر أن يعيد خلقة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله.
إبطال الموت
إن السيد المسيح بقيامته المجيدة من الأموات قد أعلن "الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا" (1يو1: 2)لذلك قال معلمنا بولس الرسول: "بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود" (2تى1: 9، 10). لقد أبطلالسيد المسيح الموت بقيامته من الأموات باعتباره هو "باكورة الراقدين" (1كو15: 20) وقد أنار السيد المسيح الحياة والخلود بنور قيامته "قام باكرًا في أول الأسبوع" (مر16: 9). وبقيامته في باكر يوم الأحد أشرق فجر جديد على حياة البشرية لهذا ارتبطت القيامة بالحياة الجديدة في أول الأسبوع الجديد "وقال الجالس على العرش ها أنا أصنع كل شيء جديدًا" (رؤ21: 5)ويشير معلمنا بولس الرسول إلى ارتباط عهد الختان بالمعمودية، وارتباط المعمودية بعمل الله في قيامة السيد المسيح من الأموات فقال: "وبه أيضًا ختنتم ختانًا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات" (كو2: 11، 12) لقد أعاد الله تجديد الحياة على الأرض بواسطة الطوفان وفلك نوح،وذلك حينما محا الشر الظاهر الموجود في العالم وخلّص نوحًا وبنيه بواسطة الفلك الذي بناه نوح بالإيمان لخلاص بيته "الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية. لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح" (1بط3: 21) وبعد الطوفان عادت الحمامة إلى الفلك حاملة ورق الزيتون في منقارها لكي تعلن لنوح أن المياه قد انحسرت عنالأرض وعادت مقومات الحياة مرة أخرى. وكانت الحمامة وورق الزيتون رمزًا لعمل الروح القدس في المعمودية؛ وفي سر الميرون المقدس يُدْهَن زيت الزيتون الطيب المخلوط بأطياب دفن السيد المسيح التي وجدها الآباء الرسل بعد قيامته من الأموات إن المعمودية هي بلا شك وسيلة الخليقة الجديدة التي بها نؤهّل لميراث الحياة الأبدية ولهذا قال السيد المسيح: "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو3: 5) وفي المعمودية نلبس المسيح كقول معلمنا بولس الرسول: "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل3: 27). أي أننا قد لبسنا بر المسيح ولبسنا الصورة الإلهية لنعود كمخلوقين على صورة الله ومثاله.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
02 يونيو 2019
من الظلمة إلى النور
في أحداث الصلب كانت الظلمة التي على كل الأرض وقت صلب السيد المسيح من الساعة السادسة (الثانية عشر ظهرًا) إلى الساعة التاسعة (الثالثة بعد الظهر) وقد أراد الله أن يبرز حقيقة الظلمة الروحية التي سيطرت على العالم، ولهذا فقد سمح بأن تظلم الأرض بهذه الصورة العجيبة في اليوم السابق لليلة الرابع عشر من شهر نيسان حينما يكون القمر بدرًا أي تكون الشمس والقمر متعامدين بالنسبة للأرض ويستحيل أن يحدث خسوف طبيعي للشمس من هذه الظلمة نقلنا السيد المسيح إلى النور مثلما قال لبولس الرسول عند دعوته ليكرز بالإنجيل لشعوب الأرض: "لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله" (أع26: 18).
أنوار القيامة
عند صلب السيد المسيح في يوم الجمعة كانت ظلمة على كل الأرض. وفي فجر الأحد أشرقت أنوار القيامة لتعلن فجر نهار جديد أشرق على البشريةعن قيامة السيد المسيح كتب معلمنا متى البشير في إنجيله: "وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه. وكان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات" (مت28: 1-4)وكتب القديس مرقس الإنجيل: "وبعد ما مضى السبت، اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهنه. وباكرًا جدًا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس وكن يقلن فيما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟.. وبعد ما قام باكرًا في أول الأسبوع ظهر أولًا لمريم المجدلية" (مر16: 1-3، 9) لقد قام السيد المسيح مع خيوط الضوء الأولى باكرًا في فجر الأحد وكان ملاك القيامة في منظره كالبرقولباسه أبيض كالثلج. ومعروف أن البرق هو ضوء شديد اللمعان وكان ضوء الملاك أقوى من نورالشمس التي كان نورها قد بدأ في البزوغ ولم يكن قرصها قد خرج من المشرق بعد. لهذا ارتعد الحراس من منظر ملاك القيامة الله هو نور وساكن في النور وملائكة نورانيون تخدمه. وقيل عن السيد المسيح "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم.. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه" (يو1: 9، 4، 5)إن أنوار القيامة تشير إلى أنوار الحياة الأبدية حيث شركة ميراث القديسين كقول معلمنا بولس الرسول:"شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته" (كو1: 12، 13). إن النور هو في ملكوت الله، والظلمة هي في شركة المصير مع إبليس ويوضح القديس بولس الرسول أيضًا أن الحياة المسيحية الفاضلة هي حياة منيرة بالقيامة من الأموات وبالسلوك في النور فقال: "مختبرين ما هو مرضىٌّ عند الرب. ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبّخوها. لأن الأمور الحادثة منهم سرًا ذكرها أيضًا قبيح. ولكن الكل إذا توبّخ يظهر بالنور. لأن كل ما أُظهر فهو نورٌ. لذلك يقول: استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح" (أف5: 10-14)وقد شرح القديس يوحنا الرسول كيف ينير مجد الله مدينته المقدسة النازلة من السماء فقال: "أراني المدينة العظيمة أورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله، لها مجد الله، ولمعانها شبه أكرم حجركحجر يشب بلُّورى.. والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والخروف سراجها،وتمشى شعوب المخلّصين بنورها، وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها، وأبوابها لن تُغلق نهارًا، لأن ليلًا لا يكون هناك" (رؤ21: 10، 11، 23-25)إن الحياة مع الله هي حياة في النور. وهذا النور يبدأ من هنا على الأرض ويستمر ويتألّق جدًا فيالأبدية وكما خلق الله النور في بداية الخليقة حينما "كانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه وقال الله ليكن نور، فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارًا، والظلمة دعاها ليلًا. وكان مساء وكان صباح يومًا واحدًا" (تك1: 2-5)هكذا أيضًا كانت ظلمة على كل الأرض وقت صلب السيد المسيح، ثم جاءت أنوار الخلاص وأعقبتها أنوار القيامة والبشارة بالإنجيل كقول معلمنا بولس الرسول:"لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" (2كو4: 6).
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
31 مايو 2019
لماذا أربعين يومًا في الظهورات
كتب معلمنا لوقا الإنجيلي في سفر أعمال الرسل عن ظهورات السيد المسيح لتلاميذه بعد القيامة: "الذين أراهم أيضًا نفسه حيًا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع1: 3) لم يصعد السيد المسيح بعد قيامته مباشرة إلى السماء، بل مكث على الأرض أربعين يومًا وهو يظهر لتلاميذه، لكي تفرح الكنيسة بعريسها السماوي في قيامته المجيدة وتصبح القيامة يقينًا حقيقيًا في ضمير الكنيسة وذاكرتهالأن القيامة هي مصدر القوة والرجاء وموضوع الشهادة في حياة الكنيسة، إلى أن يأتي الرب في مجيئه الثاني للدينونة واستعلان ملكوت الله عاشت الكنيسة أحلى أيامها والعريس الممجد بالقيامة معها، يفرحها ويعزّيها ويمسح أحزانها يقويها ويشجعها يعلمها ويشوقها لأمجاد السماءويتكلم معها عن الأمور المختصة بملكوت الله ملكوت الله الذي يبدأ في قلب الإنسان بقبول سكنى الروح القدس فيه وينتهي بدخول الإنسان إلى الملكوت السماوي ليبتهج مع المسيح في مجده أي في شركة ميراث القديسين في النور في فرح لا ينطق به ومجيد في نهاية الأربعين يومًا أبصرت الكنيسة عريسها منطلقًا نحو السماء، ليدخل إلى المجد كرئيس كهنة أعظم، شفيعًا في المقادس السمائية مع الوعد بإرسال الروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير وهذا ما حدث في اليوم الخمسين هذا العدد الأربعين له دلالة عميقة، إلى جوار لزوم بقاء المسيح القائم أيامًا عديدة ليبرهن على قيامته للتلاميذ لقد صام السيد المسيح أربعين يوما، كما صام موسى النبي أربعين يومًا، وكما صام إيليا النبي أربعين يومًا. ولقد مكث الشعب الإسرائيلي أربعين سنة في برية سيناء، منذ خروجهم من أرض مصر إلى أن دخلوا أرض كنعان "وكان الزمان الذي ملك فيه داود على إسرائيل أربعين سنة. في حبرون ملك سبع سنين، وفيأورشليم ملك ثلاثًا وثلاثين سنة" (1مل2: 11)وكان عمر موسى أربعين سنة حين هرب إلى البرية (انظر أع7: 23)، ومكث فيها أربعين سنةيرعى الغنم (انظر أع7: 30)، ثم دعاه الرب وصار قائدًا ونبيًا لشعب إسرائيل أربعين سنة ثالثة فكانت كل أيام حياته مائة وعشرين سنة (انظر تث34: 7)وفي مناداة يونان على مدينة نينوى للتوبة قال لهم منذرًا: "بعد أربعين يومًا تنقلب نينوى" (يون3: 4). وكان يونان رمزًا للسيد المسيح في مناداته للعالم بالإيمان والتوبة وقبول خلاص الله بالفداءوفي أيام نوح جلب الرب طوفانًا على الأرض لسبب كثرة شرور الناس ومعاصيهم، وجدد الحياة علىالأرض مرة أخرى بواسطة نوح وبنيه "وكان المطر على الأرض أربعين يومًا وأربعين ليلة" (تك7: 12)، "وكان الطوفان أربعين يومًا على الأرض وتكاثرت المياه ورفعت الفلك. فارتفع عنالأرض" (تك7: 17)هكذا غمرت أمجاد القيامة الأرض أربعين يومًا حتى ارتفع الفلك الحقيقي-جسد ربنا يسوع المسيح- الذي به صار خلاص العالم كله وتجديد الحياة على الأرض مرة أخرى إن رقم أربعين من الناحية العددية هو رقم عشرة مكررًا أربع مرات أو هو رقم أربعة مكررًا عشر مرات أي مضروبًا في عشرة فرقم أربعة يشير إلى أربعة اتجاهات الأرض: المشارق والمغارب.. الشمال والجنوب. ويشير إلى صليب ربنا يسوع المسيح المكون من أربعة أذرع (#)،ويشير إلى عرش الله حيث الأربعة أحياء غير المتجسدين، والذين لهم صورة الإنسان (إشارة إلى التجسد الإلهي)، وصورة العجل أو الثور (إشارة إلى الذبيحة الخلاصية)، وصورة الأسد (إشارة إلى القيامة)، وصورة النسر (إشارة إلى الصعود).
وكذلك يشير إلى الأناجيل (أي البشائر الأربعة التي دبر الرب كتابتها من أجل الكرازة بالإنجيل في كل أرجاء المسكونة. وإذا عدنا إلى عرش الله والأربعة الأحياء غير المتجسدين: فالذي له وجه إنسان يشير إلى إنجيل متى والذي له وجه العجل يشير إلى إنجيل لوقا والذي له وجه الأسد يشير إلى إنجيل مرقس والذي له وجه النسر يشير إلى إنجيل يوحنا ورقم عشرة يشير إلى الكمال العددي. ومن مضاعفات رقم عشرة تتكون جميع الأعداد الكبيرة كالمائة والألف والعشرة آلاف والمائة ألف والمليون وهكذا فرقم أربعين يشير إلى عمل المسيح من أجل الكثيرين في أرجاء المسكونة كلها من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب وفي صومه الأربعيني صام من أجل المسكونة كلها وعلى الصليب سُمّر الكاهن والذبيح من أجل حياة العالم كله وفي بقائه أربعين يومًا على الأرض بعد القيامة بقى من أجل المسكونة كلها وكل ما عمله السيد المسيح بتجسده وموته الكفاري وقيامته وصعوده، فهو من أجل حياة العالم وخلاص العالم كله ليس لليهود فقط بل للأمم أيضًا.. لكل من يقبل محبته ويؤمن به ويطيع وصاياه وتكون له الحياة الأبدية.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
30 مايو 2019
أقامنا معه
لقد قام السيد المسيح من الأموات قيامة لا يعقبها موت. أما نحن فنموت بالجسد ونرقد إلى مجيء الرب، وحينئذ نقوم بأجسادنا نفسها، ولكن في وضع مختلف، حيث يخرج الأبرار إلى قيامة الحياة الأبدية، والأشرار إلى قيامة الدينونة إذًا فعبارة معلمنا بولس الرسول: "أقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات في المسيح" (أف 2: 6) لا تؤخذ بصورة حرفية كما لو كانت شيئًا قد حدث وانتهي حاليًا، كما قالقداسة البابا شنوده الثالث نيح الله نفسه لأن الأبرار سوف يقومون في اليوم الأخير، أما السيد المسيح فمكتوب عنه أنه "باكورة الراقدين" (1كو 15: 20) "والباكورة" لا تعني إطلاقًا "الكل". فلو كان الكل قد قام بالفعل وانتهي الأمر، فكيف يعتبر السيد المسيح باكورة الراقدين؟!إن عبارة "أقامنا معه" ينبغي أن تُفهم بطريقة روحية كما يلي:
أولًا: إنها وعد بالقيامة لكل من يؤمن ويثبت في المسيح فيغلب "هذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئًا بل أقيمه في اليوم الأخير" (يو6: 39). و"من يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو6: 54).
ثانيًا: إننا في المعمودية قد صرنا متحدين مع الرب بشبه موته وبشبه قيامته (انظر رومية 6): فنحن في المعمودية ننال قوة الموت مع المسيح وقوة القيامة معه "مدفونين معه في المعمودية، التي فيها أقمتم أيضًا معه" (كو2: 12) فالقيامة المقصودة هنا هي قيامة الحياة في البر والنصرة على الخطية. كما قال معلمنا بولس الرسول عن الله: "يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين، ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2كو 2: 14). وهذه هي القيامة الأولى أما القيامة الثانية فهي قيامة الراقدين في المسيح في اليوم الأخير "حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون" (يو5: 25).
ثالثًا: لا ينبغي الخلط بين القيامة الأولى والقيامة الثانية، كما لا ينبغي الخلط أيضًا بين الموت الأول والموت الثاني الذي تكلم عنه سفر الرؤيا والمقصود به الهلاك الأبدي،لذلك فمن يحيا في القداسة "فلا يؤذيه الموت الثاني" (رؤ 2: 11).
رابعًا: نفس الأمر ينطبق على الصعود: فإن عبارة "أجلسنا معه في السماويات في المسيح" (أف2: 6) لا تعني أننا صعدنا إلى السماء، بل كما يقول القداس الغريغوري(أصعدت باكورتي إلى السماء أظهرت لي إعلان مجيئك، هذا الذي تأتى فيه لتدين الأحياء والأموات وتعطى كل واحد كأعماله).
المسألة كلها ينبغي أن تفهم بطريقة روحية ولا داعي للمزايدة لأن القديس بولس الرسوليقول: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس" (كو3: 1) أي أن الإنسان الذي يتمتع ببركات القيامة يشتاق إلى الأمور السمائية.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
29 مايو 2019
باكورة الراقدين
ربط القديس بولس الرسول قيامة السيد المسيح بقيامة الأموات ربطًا حتميًا حتى إنه قد قال: "إن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام" (1كو15: 13) إن السيد المسيح قد ذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد، وهكذا أيضًا قام لأجل كل واحد بموته أوفى الدين الذي علينا، وفي قيامته وهبنا نعمة القيامة والحياة الجديدة الأبدية في موته عن الخطايا حل مشكلة الخطية، وفي قيامته حل مشكلة الموت وقد قصد القديس بولس الرسول أنه: ما فائدة قيامة السيد المسيح، إن لم تكن هناك قيامة للأموات..؟
إن الإيمان بقيامة السيد المسيح، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإيمان بقيامة الأموات واعتبر القديس بولس أن الإيمان بالقيامة هو عماد الكرازة الرسولية، ولهذا قال: "إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم. ونوجد نحن أيضًا شهود زور لله،لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه إن كان الموتى لا يقومون. لأنه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام. وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم. إذًا الذين رقدوا في المسيح أيضًا هلكوا. إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس. ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين" (1كو15: 14-20)إن قيامة السيد المسيح هي برهان أنه هو هو نفسه ابن الله الأزلي المولود من الآب قبل كل الدهور، الذي انتصر على الموت بقيامته. وبرهان أن ذبيحة الصليب قد أوفت كل ديون الخطية، لأنها ذبيحة الابن الوحيد القادرة أن تغفر خطايا العالم كله. هي ذبيحة غير محدودة في قيمتها لأنها ذبيحة الله الظاهر في الجسد. ودمه الذي سفك هو دم إلهي؛ متحد باللاهوت، قادر أن يغسل ويطهّر الخطايا لهذا قال القديس بولس: "إن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم". فلا غفران للخطايا، إلا بذبيحة الابن الوحيد، هي الذبيحة الحقيقية القادرة أن تخلَّص جميع البشر وفي تعبيره عن الإيمان بالحياة الأبدية الموهوبة لنا من الله في المسيح أكّد القديس بولس أن الإيمان بالمسيح -بما يقترن به من تضحيات في هذه الحياة الحاضرة- يصير شقاءً لا مبرر له بدون القيامة وميراث الحياة الأبدية فالقيامة هي التي أثبتت أن الروح الإنسانية تبقى بعد موت الإنسان بالجسد، وتعود الروح لتتحد بجسدها الخاص عند قيامة هذا الجسد. إذ أن الروح هي التي تحيى هذا الجسد.. ولكي يحيا، يلزمه أن تعود الروح إليه مرة أخرى الإيمان بالقيامة يعني الإيمان بالحياة الآخرة، والإيمان بالفردوس كموضع انتظار لأرواح القديسين الذين رقدوا وقد وعد السيد المسيح اللص اليمين على الصليب قائلًا: "الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي فيالفردوس" (لو23: 43) وقال معلمنا بولس الرسول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (فى1: 23). وقال: "لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح" (فى1: 21).
ولهذا ففي استنكاره لعدم الإيمان بالقيامة، وبالحياة الآخرة سواء في الفردوس حاليًا، أو في الملكوت بعد مجيء السيد المسيح الثاني، قال القديس بولس الرسول كلماته التي أوردناها سابقًا: "إن لم يكن المسيح قد قام.. إذًا الذين رقدوا في المسيح أيضًا هلكوا" (1كو15: 17، 18) أي أن الإيمان بالقيامة معناه الإيمان باستمرار بقاء الإنسان بنفس شخصه، بالرغم من رقاد الجسد المؤقت.. لأن روحه باقية، وسوف تنضم إلى جسدها المقام من الأموات عند مجيء المسيح وفي هذه الملحمة الرائعة: جاءت قيامة السيد المسيح كإعلان مبكر عن الحياة الأبدية،وهذا هو معنى قول القديس بولس الرسول: "الآن قد قام المسيح من الأموات، وصار باكورة الراقدين" (1كو15: 20).
في المسيح سيُحيا الجميع
أكّد القديس بولس الرسول على إنسانية السيد المسيح، لأن ذبيحة الابن الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، هي ذبيحة إنسانية -فداءً عن الجنس البشرى- قدّمها الابن الوحيد بتجسده الإلهي وصيرورته ابنًا للإنسان؛ بإنسانية كاملة متحدة باللاهوت اتحادًا تامًا منذ اللحظة الأولى للتجسد لذلك قال القديس بولس: "فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضًا قيامة الأموات. لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيُحيا الجميع" (1كو15: 21، 22) كما عصى آدم الله حتى الموت، هكذا أطاع السيد المسيح -من جهة إنسانيته- الله حتى الموت. كما هو مكتوب عنه "إذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت،موت الصليب" (فى2: 8) هذا الإنسان: يسوع المسيح.. لم يكن شخصًا آخر غير ابن الله الوحيد بل هو هو نفسه، بنفس شخصه قد صار إنسانًا دون أن يفقد ألوهيته. ولهذا نادى القديس بولس قائلًا: "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8). فهو الرب الأزلي وهو المخلّص الذي تجسد وصلب وقام من الأموات ليقيمنا أيضًا معه.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
28 مايو 2019
بداءة أم رأس أو رئيس أو أصل
كلمة "بداءة" وكلمة "رأس" هي كلمة واحدة في اللغة اليونانية "avrch`" (أرشى).
فحينما يقول الكتاب "رأس الحكمة مخافة الرب" (مز111: 10، انظر أم1: 7). فإنها من الممكن أيضًا أن تُترجم "بداية الحكمة مخافة الله" فالرأس دائمًا هو المتقدم. ونفس الكلمة تستخدم في عبارة رئيس كهنة " avrch` i`ereu,j أرشى إريفس" فالآية التي يستخدمها أصحاب بدعة شهود يهوه للتشكيك في ألوهية السيد المسيح والواردة في الأصحاح الثالث من سفر الرؤيا والتي تقول:"هذا يقوله الأمين الشاهد الأمين الصادق. بداءة خليقة الله" (رؤ3: 14).. لا تعني أكثر من أن السيد المسيح هو "رئيس خليقة الله" أو "أصل خليقة الله" Origin، بمعنى أنه هو الخالق وسبب وجود الخليقة وبمنتهي البساطة يقول الكتاب "متى أَدْخَلَ البكر إلى العالم، يقول: ولتسجد له كل ملائكة الله" (عب1: 6). وهذا يعني أنه هو البكر من حيث إنسانيته والمسجود له أيضًا من جميع الملائكة لسبب ألوهيته فالسيد المسيح بتجسده صار هو البكر، في تجديد حياة البشر، في إرضاء قلب الآب السماوي، في قيامته من الأموات.. صار هو البكر في كل شيء كما هو مكتوب "هو البداءة، بكر من الأموات. لكي يكون هو متقدمًا في كل شيء" (كو1: 18) وهو في دخوله إلى العالم بالتجسد صائرًا في شبه الناس لم يفقد ألوهيته وأزليته.. لهذا يقول: "ولتسجد له كلملائكة الله" (عب1: 6). ولكن لا أحد ينكر أنه قد صار "بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8: 29) إليه أشار الآب في المزمور بقوله: "هو يدعوني أبي أنت.. أنا أيضًا أجعله بكرًا أعلى من ملوك الأرض" (مز89: 26، 27) وقد ورد في طقس تكريس المذبح العبارة التالية التي يصليها الأب الأسقف: "أيها البكر من الآب غير المرئي بلاهوته قبل كل الدهور، والبكر من القديسة العذراء في آخر الزمان بغير زواج، والبكر في القيامة من الأموات، حتى خلّص بيعته وأقامنا معه.."وهذا يدلنا على أن لقب "البكر"يخص كلمة الله في ميلاده الأزلي بحسب لاهوته من الآب؛ فهو الابن البكر والوحيد للآب،وفي ميلاده الزمني بحسب ناسوته من العذراء؛ هو الابن البكر والوحيد للعذراء. لهذا قال الكتاب "متى أدْخل البكر إلى العالم، يقول ولتسجد له كل ملائكة الله" (عب1: 6). هو بكر قبل دخوله إلى العالم، ثم دخل إلى العالم وظل بكرًا في كل شيء في تجسّده.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد