المقالات

06 يونيو 2019

لماذا صعد السيد المسيح؟

قد يتساءل البعض، لماذا صعد السيد المسيح إلى السماء بعد أربعين يومًا من قيامته من الأموات؟ ولماذا لم يبقَ في وسط تلاميذه على الأرض يشجعهم ويقويهم ويرشدهم ويقودهم إلى حين نهاية العالم؟ ونود أن نلخص بعض الأسباب كما يلي: أولًا: لأن السيد المسيح قد جاء من السماء، كان ينبغي أن يصعد إلى السماء بمعنى أن الصعود هو إثبات على ألوهية السيد المسيح وولادته من الآب قبل كل الدهور بحسب ألوهيته، وأنه هو نفسه الله الكلمة الذي صار جسدًا في ملء الزمان من أجل خلاصنا. وهو نفسه قد قال: "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو16: 28) لهذا قال المزمور "صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق" (مز46: 5). أي أن الله الكلمة هو الذي صعد إلى أعلى السماوات جسديًا وقال عنه يوحنا المعمدان: "الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" (يو3: 31). وقال السيد المسيح عن نفسه لليهود: "أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم" (يو8: 23). ثانيًا: أراد السيد المسيح أن يرُدْ إلى الإنسان كرامته بعد طرده من الفردوس حينما أخطأ الإنسان الأول. لقد طُرِد الإنسان الأول من الفردوس حينما خالف الوصية الإلهية، وجاء السيد المسيح -باعتباره آدم الثاني أو آدم الجديد- وقدّم طاعة كاملة لله الآب. وبهذا استحقت البشرية أن تسترد كرامتها المفقودة في شخص الرب المتجسد يسوع المسيح باعتباره رأس الكنيسة. لهذا قال معلمنا بولس الرسول عن الرب "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح" (أف2: 6) لقد رفع الله الآب رأسنا حينما استقبل رئيس خلاصنا بكل الفرح في الأمجاد السمائية. ثالثًا: صار السيد المسيح باكورة الداخلين إلى الأمجاد السمائية، كما كان باكورة للراقدين بقيامته المجيدة من الأموات لقد صار السيد المسيح بجسده الخاص باكورة ومتقدمًا في كل شيء بالنسبة للكنيسة التي هي جسده الاعتباري صار سابقًا لنا في قيامته التي لا يقوى عليها الموت وعربونًا للحياة الأبدية التالية. ولهذا صار أيضًا سابقًا لنا في صعوده إلى أعلى السماوات وفي دخوله إلى الأقداس التي نصبها الرب لا إنسان "دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوَجَد فداءً أبديًا" (عب9: 12) لهذا قال لتلاميذه: "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو14: 2، 3). رابعًا: أراد السيد المسيح أن يؤكد فكرة الملكوت السمائي. أي أن الحياة الأبدية بعد القيامة هي في السماء وليست على الأرض. ولكي نُدرك أن "ليس لنا هنا مدينة باقية، لكننا نطلب العتيدة" (عب13: 14) أراد أن يجعلنا نشتاق إلى السماء.. إلى حياة الوجود مع الآب السماوي وأن نشعر بغربتنا هنا على الأرض، متذكرين قوله المبارك: "حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا" (مت 6: 21) إن محبتنا للمسيح واشتياقنا إليه تجتذبنا باستمرار نحوه حيثما هو موجود. لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله" (كو3: 1). خامسًا: كان في صعود السيد المسيح إلى السماء جسديًا إثبات أن التقدمة التي قدّمها على الصليب نيابة عن البشرية قد قُبلت أمام الآب السماوي أي أن الصعيدة التي قُدمت على الصليب كان ينبغي أن تصعد إلى الآب، ليكون ذلك علامة منظورة على قبول الآب وسروره بها ما أمجد هذا اللقاء بين الابن الوحيد الغالب المنتصر في جسم بشريته والآب السماوي الذي أعلن مرارًا وتكرارًا سروره. بل هو موضوع سروره من قبل إنشاء العالم وإلى دهر الدهور بلا أي انقطاع. سادسًا: أراد السيد المسيح أن يوجّه تلاميذه إلى أحضان الآب السماوي. أي إلى إيجاد علاقة حب ودالة وصلاة بينهم وبين الآب كانت كل طلبات التلاميذ منحصرة في السيد المسيح أثناء وجوده وسطهم. وأراد بصعوده إلى السماء أن يجعلهم يطلبون من الآب مباشرة باسم المسيح لهذا قال لهم: "إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي؛ اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا" (يو16: 24). "في ذلك اليوم تطلبون باسمي ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني، وآمنتم أني من عند الله خرجت" (يو16: 26، 27) كان السيد المسيح يريد أن يربط التلاميذ بعلاقة حب مع أبيه السمائي. لهذا قال للآب "أنا مجدتُك على الأرض.. أنا أظهرتُ اسمك للناس.. وعرفتُهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو17: 4، 6، 26). سابعًا: أراد السيد المسيح أن يربط تلاميذه بعلاقة وثيقة مع الروح القدس ليتذوّقوا محبته ومواهبه وينقادوا به "لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (رو8: 14)أعطاهم السيد المسيح وعدًا بأن يرسل لهم الروح القدس الذي هو روح الحق الذي من عند الآب ينبثق،وقال لهم: "أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد" (يو14: 16)وحدثهم حديثًا طويلًا عن الروح القدس وقال: إنه "يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم.. ويخبركم بأمور آتية" (انظر يو14: 26، يو16: 13). وقال: "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أع 1: 8) وقال لهم: "متى جاء المعزى.. روح الحق.. فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم معي من الابتداء" (يو15: 26، 27). ووعدهم بأن ينطق الروح القدس على أفواههم: "لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم" (مت10: 20)، "أعطيكم فمًا وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها" (لو21: 15) بل قال السيد المسيح لهم: "خير لكم أن أنطلق (أي أصعد) لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7) كان من الضروري أن يصعد السيد المسيح ويمارس خدمته الشفاعية الكفارية كرئيس كهنة في المقادس السمائية لكي يشفع كل حين فينا أمام الآب ولكي يرسل الآب موعد روحه القدوس الذي يعمل في الكنيسة بالأسرار الإلهية لننال الخلاص والمغفرة "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا" (يو14: 2) بعد أن أعطى السيد المسيح جسده ودمه الأقدسين للتلاميذ في العشاء الرباني، بدأ يكلمهم عن انطلاقه إلى الآب وعن إرسال الروح القدس. كل تلك الأحاديث كانت في ليلة آلامه وصلبه، ليفهم التلاميذ طبيعة إرساليته من الآب، وعلاقة ذلك بالروح القدس في الكنيسة. فقال لهم: "وأما الآن فأنا ماضٍ إلى الذي أرسلني" (يو16: 5). وقال أيضًا: "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضى إلى الآب" (يو14: 28) وقال: "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا" (يو14: 2). وأيضًا قال "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم، وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو16: 28) وحينما حزن التلاميذ بسبب انطلاق السيد المسيح من هذا العالم، ابتدأ يعلن لهم: "أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7). إن إرسالية الابن الوحيد وظهوره في الجسد، ليست عزلًا للكنيسة عن الآب السماوي، بل مصالحة لها معه وانطلاق السيد المسيح إلى الآب يؤكد هذه الحقيقة، كما أن إرسال الروح القدس "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26)، هو تأكيد لنفس هذه الحقيقة الخالدة فالخلاص بصفة عامة هو عمل الثالوث القدوس، وليس عمل الابن فقط.الابن هو الذي قدَّم نفسه على الصليب فداءً عن العالم والآب هو الذي "بذل ابنه الوحيد الجنس، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة" (يو3: 16) والروح القدس هو الذي يلدنا في المعمودية، التي فيها نُدفَنْ مع المسيح ونقوم معه، وننال الطبيعة الجديدة، والتبني ومغفرة الخطايا الجِدية والفعلية.. وهو العامل في جميع الأسرار، وهو الذي يقود الكنيسة ويمنحها قوة الكرازة والشهادة للمسيح.. أي أن الروح القدس هو الذي يوصّل إلينا كل استحقاقات الفداء الذي صنعه السيد المسيح لأجلنا الآب هو الذي أرسل الابن فاديًا ومخلصًا. ولهذا يقول الكتاب: "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح.. أي إن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه" (2كو5:18، 19) وهو أيضًا الذي أرسل الروح القدس ليوصل إلينا كل بركات الفداء ونعمة العهد الجديد كل عمل قام به الابن، لم يكن بمعزل عن الآب السماوي. ولهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي، لكن الآب الحال فيَّ هو يعمل الأعمال. صدقوني أني في الآب والآب في. وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها" (يو14: 10، 11) في اتضاع عجيب قال السيد المسيح لتلاميذه: "خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7) الأقانيم الثلاث يعملون معًا.. ولهذا فالروح القدس هو الذي سيوصل إلينا بركات الفداء الذي صنعه الابن على الصليب الآب والروح القدس أَرسلا الابن "والآن السيد الرب أرسلني وروحُهُ" (إش48: 16) والآب والابن أرسلا الروح القدس. "وأما المعزى الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26). "ومتى جاء المعزىالذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26) وبالرغم من أن السيد المسيح قد قال باتضاع:"خير لكم أن.. يأتيكم المعزى" (يو16: 7). إلا أن هذا لا يعني إطلاقًا عدم المساواة بين الابن والروح القدس.. أو أن الروح القدس أعظم من الابن. الدليل على ذلك قول السيد المسيح عن الروح القدس: "الذي سأرسله أنا إليكم" (يو15: 26) وقوله: "إن ذهبت أرسله إليكم" (يو16: 7) وقوله عن عمل الروح القدس: "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 14) و"يشهد لي" (يو15: 26) إن شهادة الثالوث هي واحدة. والحق المُعلَنْ من الثالوث، هو حق واحد. لهذا قال السيد المسيح: "متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 13-15) إن كل شهادة وكل نعمة فوقانية، هي صادرة من الآب، وهي باستحقاقات الابن، وهي تُمنح بالروح القدس. هي نعمة ثالوثية واحدة يتمايز فيها دور كل أقنوم. ولكن في مجملها هي عطية الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس لهذا يقول معلمنا يعقوب الرسول: "كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران. شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (يع1: 17، 18). كان السيد المسيح في إرساليته على الأرض يعمل دائمًا لإتمام مقاصد الآب السماوي، التي بعينها هي مقاصد الثالوث القدوس أي الأقانيم الإلهية معًا لهذا قال للآب في صلاته قبل الصليب: "أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يو17: 4)ولهذا أيضًا قال لتلاميذه: "خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" (يو16: 7). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
28 يونيو 2019

متابعة السيد المسيح الخدمة

قام السيد المسيح بمتابعته للخدمة بعد صعوده إلى السماء وإرسال الروح القدس ليعتني بالكنيسة ويقودها ويرشدها ويذكّرها بكل ما قاله للتلاميذ، وليمنحها بركات الفداء الذي صنعه السيد المسيح لأجلها. فبالرغم من الدور الواضح الفعال للروح القدس في حياة الكنيسة حسب وعد السيد المسيح للتلاميذ: "أنا أطلب من الآب فيعطيكممعزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد" (يو14: 16)، إلا أنه هو نفسه أيضًا قد وعدهم قائلًا:"ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت28: 20). ومعنى ذلك أنه بلاهوته الحاضر في كل مكان وزمان لا يتخلى عن الكنيسة، بالرغم من صعوده جسديًا إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب. هذا إلى جوار أنه يكون حاضرًا بجسده ودمه على المذبح في سر الافخارستيا ليمنح المؤمنين حياة وثباتًا فيه بالتناول من أسراره الإلهية ولكن إلى جوار هذا كله، وإلى جوار قيامه بدور الشفيع أمام الآب من أجل غفران خطايانا وذلك باستحقاقات دمه المسفوك لأجلنا، كقول معلمنا يوحنا الرسول: "إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا" (1يو2: 1، 2) إلا أن السيد المسيح أيضًا كان يتابع الخدمة من السماءلأن الآب والابن والروح القدس يعملون معًا بالرغم من تمايز دور كل أقنوم من الأقانيم الثلاثة. وقد سبق أن قال السيد المسيحأثناء خدمته على الأرض: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو5: 17). ظهور السيد المسيح لاستفانوس في بداية العصر الرسولي بعدما ارتفع السيد المسيح إلى السماء وبعد حلول الروح القدس على تلاميذه في يوم الخمسين صار اسطفانوس رئيسًا للشمامسة وكان يحاور اليهود حول شخص يسوع الناصري مبرهنًا أنه هو المسيح. وإذ أعطاه الرب حكمة لم يقدر اليهود أن يقاوموها، فكّروا في التخلّص منه وقاموا بمحاكمته، وألقى هو خطابًا جامعًا في جلسة المحاكمة موبخًا رؤساء اليهود على قساوة قلوبهم؛ وكان وجهه يضئ كوجه ملاك.. وتألّق اسطفانوس جدًا ممتلئًا من الروح القدس وهو يشهد للسيد المسيح فقال: "ها أنا أنظر السماوات مفتوحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع7: 56) وهنا تألّقت حقيقة هامة، وهي أن السيد المسيح بالرغم من صعوده إلى السماء جسديًا إلا أن صلته بالكنيسة لم تنقطع.. بل باعتباره هو رأس الكنيسة فإنه يلهم الأعضاء ويقودهم ويؤازرهم في وقت الشدة كان اسطفانوس يضع قدميه على أول درجات سلم الاستشهاد وظهر له السيد المسيح في مجده السمائي مشجعًا إياه على الاستمرار مانحًا قوة الشهادة الكاملة فوق تأثير الزمان والمكان، ليكون القديس استفانوس غير عابئ بسخط اليهود واندفاعهم نحوه ليجروه نحو ساحة الاستشهاد راجمين إياه بحجارة الغضب المستطير،أما هو فظل منبهرًا بالمشهد السمائي منشغلًا بالأمجاد الروحية.. فصلى بصراخ عظيم من أجل راجميه "يا رب لا تُقِم لهم هذه الخطية" (أع7: 60) أي طلب من الرب ألا تكون خطية رجمهم إياه عائقًا في سبيل خلاصهم إن آمنوا بالمسيحوقبل ذلك عندما قاربت روحه على مفارقة الجسد تحت وطأة الرجم الشديد بالحجارة ازداد إحساسه بقربه منالسيد المسيح وازداد تألقه الروحي فكان ينادى قائلًا: "أيها الرب يسوع اقبل روحي" (أع 7: 59) لقد قدّم نفسه ذبيحة حب وذبيحة إيمان وأخيرًا انطلق ليكون في عشرة دائمة مع المسيح لأن ذلك أفضل جدًا. ظهور السيد المسيح لبولس الرسول كان شاول الطرسوسي هو من أبرز المشتركين في رجم اسطفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء حيث كان يحرس ثياب الراجمين "وكان شاول راضيًا بقتله" (أع 8: 1). فقد كان يهوديًا متعصبًا يتصرف بجهل ويضطهد المؤمنين بالمسيح بعنف شديد ولكن الرب رأى فيه غيرة دينية من الممكن أن تفيد الكنيسة لو عرف صاحبها طريق الحق.. وإذ رأى فيه استعدادًا لذلك ظهر له في الطريق إلى دمشق بمجد عظيم في السماء وقال له عبارته المشهورة: "شاول شاول لماذا تضطهدنى.. صعب عليك أن ترفس مناخس" (أع9: 4، 5). يبدو أن الروح القدس كان قد بدأ يوبخه على قسوته في معاملة المؤمنين بالمسيح خاصة ما حدث مع اسطفانوس الذي صلى من أجله في أشد ساعات المحنة والعذاب وقال شاول متسائلًا: "من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده. صعب عليك أن ترفس مناخس. فقال وهو مرتعد ومتحير: يا رب، ماذا تريد أن أفعل" (أع9: 5، 6) لقد تحوّل شاول الطرسوسي مضطهد الكنيسة إلى إنسان يؤمن بالمسيح وينتظر الخلاص والاستنارة بالمعمودية. وصار فيما بعد هو بولس الرسول الكارز العظيم بالمسيحية. ظهور السيد المسيح لحنانيا ظهر السيد المسيح لأسقف دمشق في رؤيا وقال له: "يا حنانيا. فقال هأنذا يا رب، فقال له الرب قم واذهب إلى الزقاق الذي يُقال له المستقيم، واطلب في بيت يهوذا رجلًا طرسوسيًا اسمه شاول. لأنه هوذا يصلى، وقد رأى في رؤيا رجلًا اسمه حنانيا داخلًا وواضعًا يده عليه لكي يبصر. فأجاب حنانيا: يا رب، قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل، كم من الشرور فعل بقديسيك في أورشليم وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة أن يوثق جميع الذين يدعون باسمك. فقال له الرب اذهب لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل. لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي" (أع9: 10-16) وبالفعل مضى حنانيا وقام بعماد شاول الطرسوسى وشفيت عيناه وامتلأ من الروح القدس "وكان شاول مع التلاميذ الذين في دمشق أيامًا" (أع9: 19) لقد كان للسيد المسيح دور مباشر في حياة القديس بولس الرسول.. فبالرغم من وجود الاثني عشر رسولًا، إلا أن السيد المسيح بعد صعوده إلى السماء قد اختار بولس ودعاه وأعده للخدمة وأرسله، وظهر له أكثر من مرة، وقام بتوجيه خدمته، بل وسلّمه أشياء تخص صميم عمله الكهنوتي في الكنيسة. وبهذا أضاف الرب إلى الكنيسة قوة هائلة في الخدمة. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
05 يوليو 2019

المسيح في رؤيا يوحنا اللاهوتي

إلى جوار ما عمله الروح القدس للتلاميذ بعد يوم الخمسين فإن السيد المسيح قد شارك في إعلان أمورًا لرسله القديسين، منها ما أعلنه ليوحنا في سفر الرؤيا أو ما أراه إياه فقد كتب يوحنا الرسول إنجيلًا بوحي من الروح القدس أفاض فيه في شرح حقائق الإيمان بالثالوث القدوس. فهو الذي أوضح أن يسوع المسيح هو نفسه الله الكلمة الذي تجسد من أجل خلاصنا وأنه هو وحيد الجنس (monogenh,j مونوجينيس) المولود من الآب والكائن في حضن الآب أي أنه هو ابن الله الوحيد الذي يحمل نفس طبيعة الآب وجوهره. كما أوضح القديس يوحنا أقنومية الروح القدس (معزيًا آخر) وأنه من عند الآب ينبثق، وأنه يسمع ويتكلم ويشهد ويأخذ ويخبر ويعلم ويرشد وجاء إنجيل يوحنا في نهاية القرن الأول المسيحي ليؤكّد كل الإيمان الرسولي الذي تم تسليمه مرة للقديسين وليسجّل حقائق هذا الإيمان وليرد على الهرطقات التي بدأت تظهر في فجر المسيحية. وكان إنجيل يوحنا هو آخر ما تم كتابته من الأناجيل إلى جوار ذلك كتب القديس يوحنا الرسول ثلاث رسائل حسبت ضمن الرسائل الجامعة تحوى تعاليمًا كثيرة هامة في حياة الكنيسة وفي تفسير وتأكيد تعاليم السيد المسيح خاصة وصية المحبة التي أوصى بها تلاميذه. وكتب يوحنا في رسائله يقول أن "الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله، والله فيه" (1يو4: 16) ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل أراد الرب أن يستخدم تلميذه الحبيب يوحنا في إعلان أمور تخص الآخرة والحياة الأبدية ومستقبل الكنيسة ونهاية العالم بصورة نبوية رؤيوية تحوى كثيرًا من الرموز والأختام والأسرار وتدعو إلى التأمل العميق، كما تكشف أبعاد لاهوتية في منتهي القوة تسند الكنيسة في صراعها ضد الهرطقات وفي مواجهة الأيام الأخيرة الجميل في هذا الأمر أن سفر الرؤيا (أبو غالمسيس) تبدأ أحداثه بظهور السيد المسيح في مجده السمائي ليوحناليعلن له كثيرًا من الأمور التي لم يكن من الممكن أن يذكرها لتلاميذه أثناء خدمته على الأرض بل قال لهم: "إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن" (يو16: 12) يقول يوحنا في رؤياه: "كنت في الروح في يوم الرب، وسمعت ورائي صوتًا عظيمًا كصوت بوق قائلًا: أنا هو الألف والياء الأول والآخر. والذي تراه، اكتب في كتاب وأرسل إلى السبع الكنائس التي في أسيا.. فالتفتُّ لأنظر الصوت الذي تكلّم معي. ولما التفتُّ رأيت سبع مناير من ذهب، وفي وسط السبع المناير شبه ابن إنسان، متسربلًا بثوب إلى الرجلين، ومتمنطقًا عند ثدييه بمنطقة من ذهب. وأما رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج، وعيناه كلهيب نار. ورجلاه شبه النحاس النقي، كأنهما محميتان في أتون وصوته كصوت مياه كثيرة. ومعه في يده اليمنى سبعة كواكب، وسيف ماضٍ ذو حدين يخرج من فمه، ووجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها" (رؤ1: 10-16) الذي ظهر ليوحنا في رؤياه هو السيد المسيح بدليل قوله له: "لا تخف. أنا هو الأول والآخر، والحي وكنت ميتًا، وها أنا حي إلى أبد الآبدين" (رؤ1: 17، 18) وأوصاه السيد قائلًا: "اكتب ما رأيت، وما هو كائن، وما هو عتيد أن يكون بعد هذا" (رؤ1: 19) وبعد أن أوصاه أن يكتب رسالة حددها له إلى كل أسقف من أساقفة الكنائس السبعة ممتلئة من التعاليم الهامة والنافعة والتحذيرية، يقول القديس يوحنا: "بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء، والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلًا: اصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا. وللوقت صرت في الروح، وإذا عرش موضوع في السماء، وعلى العرش جالس" (رؤ4: 1، 2) لقد اخترق يوحنا بالرؤيا حاجز الزمن بروح النبوة ليرى أمورًا مستقبلية أما الله فهو كائن في كل زمان بما في ذلك المستقبل لأن الله فوق الزمن لذلك قال ليوحنا "اصعد إلى هنا فأريكما لابد أن يصير بعد هذا"إن اللسان ينعقد أمام هذه الإعلانات الإلهية المملوءة سرًا ويقف الإنسان مبهورًا أمام روعة العمل الإلهي،وها هو السيد المسيح من السماء العليا يواصل عنايته بكنيسته المحبوبة يخاطبها ويرسل إليها الرسائل ويعلن لها أسرار الأبدية ويعمل فيها بروحه القدوس بكل قوة. حقًا ما أعجب اسمك يا رب، وعظيمة هي أعمالك يا ملك القديسين! نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
24 أغسطس 2019

المجيء الثاني من منظور روحي

القيامة حقيقة حتمية هناك أمور يجب على كل مؤمن أن يعرفها، وهي أسرار معلنة للمؤمنين لكي يتعزّوا بها. فأولًا لابد أن نعرف أن القيامة حقيقة حتمية "إن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم" (1كو15: 13، 14). فلابد أن يقام الأموات عديمي فساد، وأن يلبس هذا الجسد الفاسد عدم فساد، وهذا المائت عدم موت فإنه لا يمكن أن يدخل هذا الجسد الذي يمرض ويتحلل ويتعفن إلى ملكوت السماوات. إذ لابد أن تتغير طبيعته أولًا. وقوة هذا التغير تكمن في تناول جسد الرب ودمه. وقد قال السيد المسيح في ذلك: "من يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير لأن جسدي مأكل حق ودمى مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو6: 54-56). وكذلك نقول في القداس الإلهي: (يعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه) ففي القيامة يلبس الفاسد عدم فساد. ونحن عندما نموت يتم فينا حكم الموت، ولكن لابد أن تتم فينا طبيعة القيامة التي وهبها الرب لنا بخلاصه وفدائه العظيم. المسيح لن يأتي ليملك على الأرض في مجيئه الثاني يقول معلمنا بولس الرسول: "لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير" (1كو15: 51). ففي مجيء السيد المسيح الثاني يقوم الأموات من القبور أولًا. ثم يتغير الأحياء، وبعد ذلك يختطف الجميع لملاقاة الرب في الهواء. هناك بعض الأشخاص يعتقدون أن السيد المسيح في مجيئه الثاني سوف يأتي أولًا على الأرض ويملك ألف سنة. فهؤلاء الأشخاص يحبون الأرض ولا يريدون أن يتركوها، وذلك لأن الأرض مازالت مرتبطة بمشاعرهم، وذلك بالرغم من ادعائهم الإيمان بالسيد المسيح. أما شهادة الكتاب المقدس فهي: "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1تس4: 16، 17). فالسيد المسيح في مجيئه الثاني لن يأتي ليملك على الأرض. بل سوف يختطفنا جميعًا لملاقاته في الهواء. والأموات في المسيح سيقومون أولًا، لأنهم أكملوا جهادهم قبلنا. ولأنهم سبقونا في حياة الروح والجهاد، ووصلوا قبلنا إلى فردوس النعيم. ولئلا يخاف الناس من الموت ويطلبوا أن يظلوا أحياء لكي يتغيروا وهم أحياء، فقد رسم الرب أن يقام الأموات أولًا عديمي فساد ثم يتغير الأحياء بعد ذلك. لكي يتشوق الإنسان أن ينطلق من هذا العالم، ويقول مع معلمنا بولس الرسول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (فى1: 23). ما هي الصورة التي يقُام بها الأموات؟ هناك من يسأل ما هي الصورة التي يُقام بها الأموات؟ لأن الميت عندما يوضع في التراب ويتحلل ويصبح ترابًا وسمادًا، وتُزرع زروع وتتغذى على السماد، ويطلع زرع، ويُؤكل ويذهب في المصارف والترع، وعظامه تتحلل وينتهي، ولا يبقى له أثر. فهل من الممكن أن تتم إقامة هذا التراب بعد آلاف السنين، وبعد هذا التوزيع!! وقد رد معلمنا بولس الرسول على هذه المشكلة وقال: "لكن يقول قائل كيف يقام الأموات وبأي جسم يأتون؟ يا غبي الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت" (1كو15: 35، 36). فعندما تتم زراعة شجرة، لا تُزرع الشجرة كاملة. ولكن تُزرع بذرة صغيرة، وهذه البذرة الصغيرة تحمل طبيعة الشجرة الكبيرة. هذه البذرة الصغيرة تصير شجرة، ويخرج منها أيضًا ثمر يحمل بذورًا مثل البذور التي تمت زراعتها أولًا.. فإن كانت هذه الشجرة شجرة تفاح مثلًا، فإن البذور تكون بذور تفاح أيضًا. لأن بها نفس صفات الشجرة الأصلية. فإن كنا نستطيع أن نزرع بذرة صغيرة، لكي تخرج لنا شجرة كبيرة بقدرة الله، فمن الممكن أيضًا بقدرة الله أن أي رماد أو بقايا صغيرة من أثر هذا الجسم ينتج عنه الجسم الأصلي كله. وبصورة مشابهة لما يحدث عند زرع بذور النبات في الأرض. فإن "الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت" (1كو15: 36). فتوضع البذرة في الأرض وتشرب الماء ثم ينفجر غلافها الخارجي وتفقد خصائصها كبذرة، ثم تُخرج جذرًا ثم ساقًا إلى أعلى. والبذرة نفسها تتضاءل حتى تذبل وتنتهي، ولا يبقى غير الساق والجذر، وتبدأ تخرج شجرة جديدة، فالبذرة نفسها تكون قد اندثرت وتحولت إلى شيء آخر. قال السيد المسيح: "الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير" (يو12: 24). وكذلك يقول معلمنا بولس الرسول: "والذي تزرعه لست تزرع الجسم الذي سوف يصير بل حبة مجردة ربما من حنطة أو أحد البواقي" (1كو15: 37). الحنطة هي البذرة، وأحد البواقي هي أنواع من الشجر التي يؤخذ منها جزء من الفرع ويزرع في الأرض ليخرج شجرة أخرى. "ولكن الله يعطيها جسمًا كما أراد.. هكذا أيضًا قيامة الأموات. يُزرع في فساد ويُقام في عدم فساد. يُزرع في هوان ويُقام في مجد. يُزرع في ضعف ويُقام في قوة. يُزرع جسمًا حيوانيًا ويُقام جسمًا روحانيًا.. هكذا مكتوب أيضًا. صار آدم الإنسان الأول نفسًا حية وآدم الأخير روحًا محييًا" (1كو15: 38-45). القديسون لا يهتمون بأجسادهم بعد الموت كان القديسون لا يهتمون بأجسادهم بعد الموت، وذلك لعلمهم أن الله قادر أن يقيمهم ويحيى من يشاء. فالقديس الأنبا أرسانيوس عندما جاء وقت نياحته قال لتلاميذه ألا يكفّنوا جسده أو يدفنوه وإنما يربطوه في حبل ويجرّوه ويتركوه طعامًا للوحوش على الجبل. وذلك لكي يوضِّح لهم مدى اهتمامه بالروح وليس بالجسد. كما أنه يؤمن أن الجسد الذي يموت في هوان سوف يقام في مجد كقول الكتاب. لماذا نكرّم أجساد القديسين؟ نحن نكرِّم أجساد القديسين لأن طبيعة القيامة تكمن فيهم. ولأنهم سوف يقومون في اليوم الأخير كقديسين في المسيح يسوع. فالبذرة تحمل طبيعة الشجرة، كما أن بقايا الجسد المائت تحمل قوة القيامة. وتوجد فيها طبيعة القداسة، ويكمن فيها نور السيد المسيح. فمع أنه جسم مات، لكنه مازال يحمل نفس الطبيعة والخصائص التي بها سوف يؤهل للقيامة بصورة جديدة ممجدة. لذلك نحن نكرِّم أجساد القديسين، ونحتفل بها، وندهنها بالأطياب. الجسد ليس هدفًا يسعى القديسون لإرضائه كان القديسون يضبطون أجسادهم، ولا يقيمون لرغبات الجسد المنحرفة أو الزائدة أي اعتبار. فقد كانوا لا ينظرون للجسد على أنه هدف يسعون لإرضائه أو إراحته أو إسعاده السعادة الوقتية الزائلة، إنما كان فرحهم وسعادتهم الحقيقية في أفراح الروح.. وفي تقديس الحياة للرب فقد كانوا يشكرون الله على عطاياه التي بها يقيتون أجسادهم. وكانوا يشكرون الله أيضًا على الهواء الذي يتنفسونه، والماء الذي يشربونه، وكذلك الأكل الذي يأكلونه. ويقول معلمنا بولس الرسول: "الذي يأكل فللرب يأكل لأنه يشكر الله. والذي لا يأكل فللرب لا يأكل ويشكر الله.. لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن" (رو14: 6-8) فمن الممكن أن يقوت الإنسان جسده ويربيه. ولكن القديسين كانوا لا يسعون لإرضاء الجسد، بقدر ما كانوا يسعون لرفعة الروح، وسعادتها التي تدوم على الدوام وإلى الأبد. سوف يتغير الأحياء في طرفة عين في اليوم الأخير سوف يتغير الأحياء في لحظة، وفي طرفة عين. ويتحول جسد الموت والفساد والآلام إلى جسد القيامة. مثل جسد السيد المسيح القائم من الأموات، جسد غير قابل للآلام والفساد. جسد يتفق مع طبيعة الروح، جسد روحاني "كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضًا. وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو15: 48، 49). فالترابي هو آدم الأول، والسماوي هو آدم الأخير الذي هو الرب يسوع المسيح الذي نزل من السماء متجسدًا في أحشاء البتول مريم، وظهر في ملء الزمان لكي يهب الخلاص والحياة للعالم. ثم صعد إلى السماء بجسد القيامة في حالة ممجدة. جسد القديسين قريب من جسد القيامة الممجد في الجسد الروحاني، تغلب طبيعة الروح على طبيعة الجسد. فهو جسد لا تسيطر عليه غرائز شريرة، ولا شهوات رديئة. وكل ما يُسعد الروح يكون سبب سعادة وفرح له. فالقديسون في حياتهم يقتربون بأجسادهم من طبيعة جسد القيامة. فهم يظلون يتدرجون مع أنفسهم بقوة الروح القدس الساكن فيهم حتى تصبح أجسادهم أجسادًا روحانية قريبة من أجساد القيامة التي تقوم في اليوم الأخير.فمن أين أخذوا هذه الطبيعة التي هي طبيعة قريبة من طبيعة الروح؟ إنهم قد بدأوا يميتون أعمال الجسد بالروح ثم بدأت طبيعة الروح تسرى في أجسادهم فبدأت أجسادهم تكتسب طبيعة روحانية كعربون لجسد القيامة الكامل الممجد. خرافي تسمع صوتي أعطى السيد المسيح إنذارًا بقوله: "الحق الحق أقول لكم إنه تأتى ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون" (يو5: 25). فالذين يسمعون صوت ابن الله هم الذين سمعوا صوته هنا على الأرض. "خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني" (يو10: 27) فالإنسان الذي اعتاد على سماع كلام الله وإطاعة وصاياه، عندما يسمع صوت السيد المسيح في اليوم الأخير، سوف يقوم وينجذب نحوه. أما الإنسان الذي يكسر كلام الله، ويخالف وصاياه، ويعطيه القفا لا الوجه (انظر (أر 2: 27))، فإنه عندما يسمع صوت السيد المسيح في اليوم الأخير، سوف يخاف ويرتعب من مقابلة الله. وذلك لأنه كسر وصاياه، وعاش في الفساد بعيدًا عن الرب يقول معلمنا بولس الرسول: "فلا ننم إذًا كالباقين، بل لنسهر ونصحُ" (1تس5: 6). وكذلك يقول: "لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء. لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون. وأما أنتم أيها الأخوة فلستم في ظلمة حتى يدرككم ذلك اليوم كلص" (1تس5: 2-4). وهذا هو الفرق بين أولاد الله وأولاد العالم بالنسبة لمجيء السيد المسيح. يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء "قال لهم يسوع: النور معكم زمانًا قليلًا بعد. فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام" (يو12: 35). يعيش أولاد الله في النور، حياتهم واضحة ومقدسة أمام الله. فعند مجيء السيد المسيح الثاني لن تكون مفاجأة بالنسبة لهم، لأنهم سوف يكونون في حالة استعداد ويقظة روحية. أما أولاد العالم وأولاد إبليس فسوف يجدهم الله غارقين في خطاياهم. لأنهم يقولون في أنفسهم لن يأتي المسيح أو لن تنتهي حياتنا فجأة، نعيش في خطايانا الآن ثم نتوب بعد ذلك. نتمتع الآن بالعالم بعيدًا عن الرب ثم نرجع بعد ذلك. وفي وسط هذه الظلمة وهذا الضياع يباغتهم فجأة ذلك اليوم (أي يوم الوفاة أو اليوم الأخير) كالمخاض للحبلى قال السيد المسيح: "كما كان في أيام نوح كذلك يكون أيضًا في أيام ابن الإنسان. كانوا يأكلون ويشربون ويزوّجون ويتزوّجون إلى اليوم الذي فيه دخل نوح الفلك وجاء الطوفان وأهلك الجميع.. هكذا يكون في اليوم الذي فيه يظهرابن الإنسان" (لو17: 26-30) يعيش الناس الآن بعيدين عن الله ويقولون ليس لدينا وقت لله: لدينا أشغالنا وأموالنا، وانشغالات عالمية كثيرة. فهؤلاء الأشخاص يتجاهلون وجود الله، ويهينونه في كل مناسبة صغيرة كانت أم كبيرة. وهناك أناس يجدّفون على الله ويتحدّونه، وآخرون ينكرون وجوده. وأناس آخرون غارقون في شرورهم وخطاياهم.. فكل هذه العينات من الناس يأتيها ذلك اليوم فجأة كالمخاض للحبلى فلا ينجون. ما هو رجاء من يعيش بعيدًا عن الله؟ ما هو رجاء الإنسان الذي يعيش بعيدًا عن الله في هذه الحياة؟ إن كل إنسان يعلم أن هناك يومًا سوف ينتقل فيه من هذه الحياة ويوضع في القبر "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك3: 19). فماذا بعد الموت وبعد القبر؟ وماذا يكون حال الإنسان حين لا ينفع الندم ولا ينفع البكاء؟الإنسان في هذه الحالة سيطلب يومًا واحدًا يرجع فيه إلى الله ليتوب، فيُقال له قد أُعطيت الفرصة تلو الأخرى، لقد أُعطيت فرصًا كثيرة ولكن حتى لو أُعطيت فرصة جديدة فستضيعها أيضًا.. وذلك لأنك مغلوب من طبيعتك الفاسدة المحزنة. فكم من مرات يعاهد فيها الإنسان الله أن يرجع إليه ثم يعود إلى الخطية مرة أخرى. كما يقول الكتابعن الإنسان الخاطئ الذي لا يتوب توبة حقيقية "كلب قد عاد إلى قيئه وخنزيرة مغتسلة إلى مراغة الحمأة" (2بط2: 22) لهذا ينبغي أن نتذكر قول الرسول: "جميعكم أبناء نور. وأبناء نهار. لسنا من ليل ولا ظلمة. فلا ننم إذًا كالباقين بل لنسهر ونصحُ. لأن الذين ينامون فبالليل ينامون والذين يسكرون فبالليل يسكرون وأما نحن الذين من نهار فلنصحُ لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص. لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح. الذي مات لأجلنا حتى إذا سهرنا أو نمنا نحيا جميعًا معه" (1تس5: 5-10). الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص لماذا تقول أنا مرفوض من الله ولم تعد هناك أية فائدة مني. يقول معلمنا بولس الرسول: "لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح" فالله يقول لك أنا أعدَّك لكي تعيش معي. يعطيك الله إمكانية حياة القداسة، والإمكانية الكاملة أن ترضيه في حياتك. فلماذا لا تستفيد من هذه الإمكانيات المعطاة لك وتيأس وتستسلم لليأس؟! فإن كان هناك من له إمكانيات الحرب، ومعه صواريخ ومدافع، وله جميع الإمكانيات التي يمكنه أن ينتصر بواسطتها، ومع ذلك يستسلم للعدو بكل سهولة. ويستسلم في خنوع وهو غير مصدِّق أن الأسلحة التي معه هي قادرة أن تعطيه النصرة، والغلبة في القتال. فإن هذا الإنسان يحتاج أن يصدِّق مواعيد الله، ويؤمن بعمله.. فهذا هو الإيمان الذي يستطيع أن ينقل الجبال؛ أي يستطيع أن ينقل جبال الخطية الجاثمة على قلوبنا وصدورنا كقول الرب "الحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك" (مت17: 20). هذا هو الإنسان المسيحي الذي يستطيع أن ينقل جبل الخطية، ويقول له انطرح في بحر هذا العالم المتلاطم فينطرح ويصير هو حرًا من الشر والخطية. سؤال: ما هو الاختطاف؟ وهل هو المجيء الثاني أو مجيء قبل الدينونة؟ الاختطاف Rapture سوف يحدث في المجيء الثاني للسيد المسيح، والذين سوف يختطفون لملاقاة الرب في الهواء (انظر 1تس4: 17) هم أولاد الله القديسون، والذين أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة. وأما الأشرار فيقال عنهم: "هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الأرض" (رؤ1: 7). "وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف" (رؤ6: 16). فهؤلاء الأشخاص سوف يكونون خجلين، ويفرُّون من وجه السيد المسيح لأنه عندما يأتي سوف يدين كل واحد بحسب أعماله سوف تُقام محكمة إلهية.. ومجرد منظر الرب الإلهي سوف يشيع الخوف في نفوس الأشرار، ويشيع فرحًا في نفوس الأبرار. وذلك مثل ما يحدث بالضبط عندما يصل مفتش أو مدير أو أي شخص له سلطة في مكان. فالذي عمل عملًا صالحًا سوف يكون فَرِحًا لأن المفتش سوف يعرف كيف تعب وكيف أنتج ويكافئه. وأما الذي عمل عملًا سيئًا فسوف يكون في هم وخوف.. وفي لحظة مجيء هذا المفتش من الممكن ألا يحتمل الوجود في مكان عمله ويحاول أن يهرب.الإنسان بمجرد أن ينظر إلى الرب القدوس: إن كان قد عاش نظير القدوس الذي دعاه فسيشتاق إليه ويجرى نحوه ويتعلق بأثره في حب واشتياق. وأما إن كان قد كسر وصاياه، ولم يرضهِ فسوف يهرب عريانًا ويخزى. فمجيء السيد المسيح الثاني سيختطف فيه الأموات عديمو الفساد، والأحياء المتغيرون أيضًا عديمو الفساد، لملاقاة الرب في الهواء وأما الأشرار فلن يستطيعوا أن يلتقوا بالرب القدوس. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
09 يوليو 2019

إرسالية السيد المسيح

قال الرب لنيقوديموس: "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلُص به العالم، الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (يو3: 17، 18) وقال يوحنا المعمدان في حديثه عن السيد المسيح: "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو3: 36). رفع الغضب نفس المعنى تكرر في كلام السيد المسيح وفي حديث يوحنا المعمدان أن غضب الله قد حل على البشرية بسبب سقوط آدم وحواء وبالتالي نسلهما عبر الأجيال إلى أن جاء النسل الموعود به للخلاص كما قال الله للحية بعد سقوط آدم وحواء: "وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنتِ تسحقين عقبه" (تك3: 15). أي أن: نسل المرأة يسحق رأس الحية وقد شرح القديس بولس الرسول هذه الحقيقة في رسالته إلى أهل رومية فقال: "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع" (رو5: 12)إذن لقد حل غضب الله على جميع البشر وصار الجميع تحت حكم الموت والهلاك الأبدي. وجاء السيد المسيح لكي يرفع هذا الغضب، ويصالح الإنسان مع الله، وينقذ الذين يؤمنون به من الهلاك الأبدي ويمنحهم قيامة الحياة الأبدية في ملكوت الله لهذا لا يستطيع اليهود مثلًا أن يقولوا أن مجيء المسيح الأول إلى العالم قد سبب لهم الهلاك لأنهم لم يؤمنوا به. بل إن الهلاك كان قائمًا وحتميًا ومحكوم به عليهم بالفعل، لولا أن أتى المسيح له المجد ليرفع هذا الهلاك ويدفع ثمن خلاص البشرية ويمنح الحياة والنجاة لمن يقبل العطية الإلهية في المسيح، ويؤمن بأن الآب قد أرسله لخلاص العالم فمعنى قول السيد المسيح: "لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلُص بهالعالم" (يو3: 17) هو أن إرساله إلى العالم في المجيء الأول لم يكن الهدف منه إدانة العالم، بل لخلاص العالم، وأن الدينونة والهلاك الأبدي لن يكون نتيجة لمجيئه، بل كان سيحدث بالفعل للجميع لو لم يأتِ. وحينما أتى صار الخلاص لمن آمنوا به وبهذا يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه ولا يوجد ذلك الإنسان الذي لم يحمل حكم الهلاك الأبدي سوى السيد المسيح الذي كان وحده بلا خطية، وقادرًا أن يوفى الدين الذي علينا لأنه هو هو نفسه ابن الإنسان وابن الله الوحيد القادر على كل شيء. لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم قد يتساءل البعض ويقولون: كيف يقول السيد المسيح أن الله لم يرسل ابنه إلى العالم ليدين العالم، ثم يعود يقول إن الذي لا يؤمن به قد دين؟ وأيضًا يقول إن الآب قد أعطى كل الدينونة للابن مع أنه قال إنه لم يرسله ليدين العالم كما ذكرنا وللإجابة على ذلك نقول: أولًا: إن السيد المسيح كان يتكلم عن مجيئه الأول وليس عن مجيئه الثاني حينما قال: "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم" (يو3: 17) فالمجيء الأول كان لخلاص العالم وليس لدينونة العالم، لذلك أكمل بقوله: "بل ليخلُص به العالم" (يو3: 17). أما المجيء الثاني فهو للدينونة. في مجيء السيد المسيح الأول جاء ليبذل نفسه فدية عن كثيرين.. جاء ليطلب ويخلّص ما قد هلك.. جاء ليحمل خطايا كثيرين ويشفع في المذنبين إذن في مجيئه الأول كان هو الشفيع، وكان الآب هو الديان.. بمعنى أن الابن على الصليب قد أوفى العدل الإلهي حقه. واشتم الآب رائحة الرضى والسرور في طاعة، وفي ذبيحة الابن الوحيد بعد الصعود أرسل الآب الروح القدس الذي "يبكّت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" (يو16: 8)، وأخذ الروح القدس دور الديان. أما في المجيء الثاني للابن المتجسد فسوف يأخذ هو دور الديان ليدين المسكونة بالعدل ويجازى كل واحد كما يكون عمله. والثالوث القدوس هو الديان، ودينونة واحدة للأقانيم الثلاثة بالرغم من تمايز دور كل أقنوم منهم في هذه الدينونة. فالعدل الإلهي عدل واحد، والرحمة الإلهية رحمة واحدة، والعطية الإلهية عطية واحدة من الآب بالابن في الروح القدس لقد أخذ القاضي مكان المتهم في مجيئه الأول ليرفع عنه الدينونة. ولكنه سوف يأخذ مكانه كقاضي لكي يفهم الجميع أنه هو الديان حتى وإن كان قد قبل المذلة والامتهان حبًا لنا وسعيًا لأجل خلاصنا. لهذا قال السيد المسيح: "الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب. من لا يكرم الابن لا يكرِم الآب الذي أرسله" (يو5: 22، 23). ثانيًا: إن الغضب الإلهي والهلاك الأبدي كان موجودًا بالفعل ومحكومًا به على البشر لأنهم أخطأوا في كسرهم للوصايا الإلهية لذلك فإن عدم الإيمان بالمسيح، ليس هو الذي يجلب الغضب الإلهي على الإنسان، بل إن "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو 3: 23) وصار الغضب كائنًا بالفعل. وقد جاء السيد المسيح ليرفع هذا الغضب بتقديم نفسه ذبيحة وكفارة عن خطايا البشرية. إنه أراد أن يخلّص ما قد هلك بالفعل، لا أن يجلب الغضب على من لم يؤمن به. لذلك قال "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلُص به العالم" (يو3: 17) وفي قول القديس يوحنا المعمدان: "الآب يحب الابن، وقد دفع كل شيء في يده. الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله" (يو3: 35، 36).. يتضح أن الإيمان بالابن يرفع الغضب الإلهي، وعدم الإيمان به يترك الغضب ماكثًا على الإنسان أي أن عدم الإيمان بالمسيح ليس هو الذي يجلب غضب الله، بل أن الإيمان بالمسيح يرفع الغضب الموجود أصلًا ولكن ينبغي أيضًا أن نفهم أن الذين يسيئون التصرف إزاء دم السيد المسيح الذي سفك من أجلهم، سوف يُجلب لهم دينونة مضاعفة. لهذا فبالنسبة للمؤمنين كان خير لهم لو لم يؤمنوا من أن يسيئوا إلى دم المسيح الذي غسلهم من خطاياهم السالفة لهذا قال معلمنا بطرس الرسول: "لهذا عينه وأنتم باذلون كل اجتهاد؛ قدموا في إيمانكم فضيلة، وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففًا، وفي التعفف صبرًا، وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودة أخوية، وفي المودة الأخوية محبة.. لأن الذي ليس عنده هذه هو أعمى قصير البصر قد نسى تطهير خطاياه السالفة،لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الإخوة أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين لأنكم إذا فعلتم ذلك لن تزلوا أبدًا. لأنه هكذا يقدم لكم بسعة دخول إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدي" (2بط1: 5-7، 9-11) وقال القديس بولس الرسول: "فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين. من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقابًا أشر تظنون أنه يُحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدّس به دنسًا وازدرى بروح النعمة" (عب10: 26-29). المجيء الثاني في مجيء السيد المسيح الثاني لا ينطبق عليه قول السيد المسيح: "لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلُص به العالم" (يو3: 17)، بل ينطبق عليه قوله: "لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أيضًا أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا، لأنه ابن الإنسان. لا تتعجبوا من هذا، فإنه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيآت إلى قيامة الدينونة" (يو5: 26-29). وقال: "الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن" (يو5: 22) وأيضًا قال عن يوم الدينونة في مجيئه الثاني: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميّز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبًا فآويتموني. عريانًا فكسوتموني. مريضًا فزرتموني. محبوسًا فأتيتم إليَّ.. ثم يقول أيضًاللذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدّة لإبليس وملائكته.. فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت25: 31-36، 41، 46) فمن الواضح أن السيد المسيح هو الذي سيدين العالم كله في اليوم الأخير. وقد أعطاه الآب هذا الدور في الدينونة لأنه هو الذي بذل حياته من أجل خلاص البشرية، وأوفى الدين كاملًا للآب السماوي. وقد أشار السيد المسيح إلى ذلك بقوله "وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا لأنه ابن الإنسان" (يو5: 27). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
01 سبتمبر 2019

ما بين المجيء الأول والمجئ الثاني للسيد المسيح

نأتى الآن إلى تساؤل لماذا يختلف المجيء الأول للسيد المسيح عن مجيئه الثاني؟! جاء السيد المسيح في ظهوره الأول ليخلص العالم باعتباره هو الله الظاهر في الجسد. ولكن كان ينبغي أن يخفى مجده المنظور لكي يكون من الممكن إتمام الفداء لو ظهر السيد المسيح في ملء مجده لما احتمل البشر النظر إليه. فلا تلاميذه كان من الممكن أن يقتربوا منه ويتتلمذوا على يديه، ولا الأشرار من اليهود أو من الرومان كان من الممكن أن تمتد أيديهم إليه ليسمّروه على الصليب لقد أخلى الله الكلمة ذاته "آخذًا صورة عبد.. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موتالصليب" (في 2: 7، 8). هزم السيد المسيح كبرياء الشيطان بتواضعه وطاعته للآب السماوي كذلك حرر البشر من خطية الكبرياء، وعلّم تلاميذه: "تعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت11: 29) لقد أظهر لنا السيد المسيح أن في الكبرياء ضعف، وفي التواضع قوة. لهذا تتغنى الكنيسة في لحن أومونوجينيس "O Monogenhc" الذي يقال في الجمعة العظيمة، وفي تقديس الميرون، وفي سيامة الأب البطريرك وتقول (قدوس الله الذي أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة). ظهوره الثاني المخوف المملوء مجدًا أما المجيء الثاني فهو للدينونة في نهاية العالم. لذلك فسوف يأتي السيد المسيح في مجد أبيه مع ملائكته القديسين ويدين الجميع ويحاسب الأشرار على شرورهم لقد أعطاهم الفرصة للخلاص وانتهي زمان التوبة. وكما دفع ثمن الخطية على الصليب فسوف يأتي ليطالب بثمن الدم الذي سفكه حبًا في خلاصنا قال معلمنا بولس الرسول: "من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقابًا أشر تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدّس به دنسًا وازدرى بروح النعمة" (عب10: 28، 29) في المجيء الأول احتمل العار لأجلنا، وفي مجيئه الثاني سوف يطالبنا بثمرة محبته وإلا فسنحمل نحن عار أنفسنا لذلك قيل في مجيئه الثاني المخوف المملوء مجدًا إن الأشرار سوف "يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش" (رؤ6: 16) وقيل في نبوة زكريا النبي "فينظرون إليَّ الذي طعنوه" (زك12: 10).بمعنى أنهم سيتعجبون من مجده العظيم بالرغم من أنه هو نفسه الذي طعنوه في جنبه بالحربة ليتأكدوا من موته. وقيل أيضًا في مجيئه الثاني "تنوح جميع قبائل الأرض" (مت24: 30). بمعنى أن مجده المرهوب سوف يجعلهم يبكون على موقفهم قبالته، ينوحون لأنهم يرتعبون من مصيرهم بعد الشرور التي ارتكبوها. وليس معنى هذا النوح أنهم شعروا بمشاعر التوبة الحقيقية عند مجيء الرب لأن الكتاب يقول: "ثم سكب الملاك الرابع جامه على الشمس، فأعطيت أن تحرق الناس بنار. فاحترق الناس احتراقًا عظيمًا، وجدّفوا على اسم الله الذي له سلطان على هذه الضربات، ولم يتوبوا ليعطوه مجدًا. ثم سكب الملاك الخامس جامه على عرش الوحش، فصارت مملكته مظلمة. وكانوا يعضون على ألسنتهم من الوجع. وجدّفوا على إله السماء من أوجاعهم ومن قروحهم، ولم يتوبوا عن أعمالهم" (رؤ16: 8-11). بمعنى أن الضربات التأديبية من الله على الأشرار لم تقتادهم إلى التوبة بل على العكس ازدادوا زيغانًا بالرغم من الآلام التي وقعت عليهم. لذلك فإن دينونتهم الأبدية هي نتيجة لعدم توبتهم لا بواسطة الحب والرفق من قبل الله ولا بواسطة التأديبات إذ قد استمروا في عنادهم وعدم توبتهم مثل الشيطان لذلك يقول القديس يوحنا في رؤياه: "وسمعت ملاك المياه يقول: عادل أنت أيها الكائن والذي كان والذي يكون، لأنك حكمت هكذا. لأنهم سفكوا دم قديسين وأنبياء، فأعطيتهم دمًا ليشربوا، لأنهم مستحقون. وسمعت آخر من المذبح قائلًا: نعم أيها الرب الإله القادر على كل شيء حق وعادلة هي أحكامك" (رؤ16: 5-7) وقال أيضًا: "وبعد هذا سمعت صوتًا عظيمًا من جمع كثير في السماء قائلًا: هللويا الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا. لأن أحكامه حق وعادلة، إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدتالأرض بزناها، وانتقم لدم عبيده من يدها. وقالوا ثانية: هللويا ودخانها يصعد إلى أبد الآبدين" (رؤ19: 1-3). يدين المسكونة بالعدل من الواضح أن يوم الدينونة هو يوم لاستعلان دينونة الله العادلة. بعد أن أطال أناته كثيرًا على الخطاة لعله يقتادهم إلى التوبة فمن الواجب أن نحترس من قساوة القلب التي تمنع التوبة. فالكتاب يحذر الإنسان غير التائب قائلًا: "من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" (رو2: 5) ينبغى أن نتذكّر باستمرار أن لطف الله إنما يقتادنا إلى التوبة وأن نكون دائمًا ساهرين على حياتنا الروحية مستعدين لاستقبال العريس كما أوصانا هو بنفسه. النبوة التي وردت في سفر ملاخي سفر ملاخي وهو آخر أسفار العهد القديم. يتكلم في آخر آيات منه عن مجيء الرب فيقول: "هأنذا أرسل إليكم إيلياالنبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن" (ملا4: 5-6) وفي بداية الأصحاح الرابع والأخير يقول: "فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور وكل المستكبرين وكل فاعلى الشر يكونون قشًا ويحرقهم اليوم الآتي قال رب الجنود: فلا يبقى لهم أصلًا ولا فرعًا. ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها.. اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام" (ملا4: 1، 2، 4)إنها كلمات رائعة لأنه يتكلم عن المجيء الأول وعن المجيء الثاني في نفس الوقت. فحينما يقول: "يوم الرب اليوم العظيم والمخوف" هذا يشير إلى المجيء الثاني بالأكثر لكن هذا لا يمنع أنه في المجيء الأول أيضًا كان هناك يوم صلب السيد المسيح يومًا عظيمًا ومخوفًا قال بطرس الرسول في عظة يوم الخمسين: "هذا ما قيل بيوئيل النبي يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أنيأسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلامًا. وعلى عبيدي أيضًا وإمائي أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون. وأعطى عجائب في السماء من فوق وآيات على الأرضمن أسفل دمًا ونارًا وبخار دخان، تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهير، ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص" (أع2: 16-21).من الواضح هنا أنه يتكلم عن يوم الصليب لأنه يقول "تتحول الشمس إلى ظلمة" وهذا حدث بالفعل في يوم الصلب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وحينما يقول: "دمًا ونارًا وبخار دخان" فالدم كان هو دم السيد المسيح، والنار لأن السيد المسيح قدّم نفسه صعيدة ومحرقة على الصليب فتنسم رائحة ذبيحته أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة، فالدم والنار وبخار الدخان تشير إلى الصعيدة التي أُصعدت واشتمها الآب رائحة رضا وسرور.ويقول معلمنا بولس الرسول في (عب9: 14) عن السيد المسيح: "الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب". الروح الأزلي هو الروح القدس. وحينما أصعد السيد المسيح نفسه على الصليب بالروح القدس كان هذا هو معنى النار التي أصعدت الذبيحة. لكن كما أن هذه الآيات تشير إلى المجيء الأول فإنها تشير إلى المجيء الثاني أيضًا. لأنه يقول عن المجيء الثاني:"منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب" (2بط3: 12). وأيضًا "سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزولالسماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط3: 10) فالمجيء الثاني سوف يكون مهوبًا ومرهوبًا ومخوفًا أكثر من الزلزلة التي حدثت في وقت الصلب. إن ما حدث في يوم الصلب كان مقدمة وإنذارًا لما سوف يحدث في المجيء الثاني حينما رأى التلاميذ إيليا وموسى على جبل التجلي سألوا السيد المسيح "فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولًا" (مت17: 10) رد السيد المسيح: "إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا" (مت17: 12) "حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان" (مت17: 13) وفي البشارة بميلاد يوحنا المعمدان قال الملاك إنه "يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو1: 17). وما قاله الملاك عن يوحنا المعمدان هو ما ورد في نبوة ملاخي "فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن" (ملا4: 6) وعلى الرغم من أنه في هذه الآية يؤكد على المجيء الثاني لكنها تشير رمزيًا إلى المجيء الأول، لأن يوحنا المعمدان كان يرمز إلى إيليا، وكانت له شخصية وأسلوب إيليا، أو المواهب التي يمنحها الروح القدس للأنبياء إن إيليا النبي الذي صعد حيًا إلى السماء سوف يأتي قبل مجيء الرب المخوف والمرهوب في مجيئه الثاني. هو صعد حيًا إلى ما قبل أزمنة رد كل شيء لأنه في قصد الله أن يكون لإيليا وأخنوخ رسالة معينة في مسلسل العمل الإلهي بواسطة قديسيه إن هذا التداخل -إذا صح هذا التعبير- بين العهد القديم والعهد الجديد هو أمر رائع. فقد نقل الله اثنين من أنبياء العهد القديم المميزين وحفظهم عنده في السماء أحياءً ليدخلهم في نسيج العمل الروحي والتدبير الخاص بمقاصد الله في حياة الكنيسة في العهد الجديد. وسوف تتضح الصورة في النهاية حينما تكتمل الأحداث الله يأخذ من أنبياء العهد القديم للعمل في العهد الجديد، لأنه هو إله العهدين، ولأنه يريد أن يعرفنا أن شهادة يسوع هي روح النبوة، كما قال بطرس الرسول: "الخلاص الذي فتّش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم، باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها، الذين أعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أخبرتم بها أنتم الآن بواسطة الذين بشروكم في الروح القدس المرسل من السماء، التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها" (1بط1: 10-12) أتى يوحنا المعمدان كشاهد على مسح السيد المسيح وعمّده في نهر الأردن. كان هذا كاهنًا من نسل هارون، لكنه كان شاهدًا لاستعلان المسيا في يوم الظهور الإلهي. وقال: "الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلًا ومستقرًا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (يو1: 33-34). موسى وإيليا على جبل التجلي هذا عن يوحنا المعمدان لكنه شيء جميل أن نرى موسى وإيليا هما أيضًا على جبل التجلي، واحد أتى بالروح والآخر روحًا وجسدًا لأنه لازال حيًا إلى الآن. جاءا ليتكلما مع السيد المسيح أمام ثلاثة من الآباء الرسل عن صلبه وتدبير الفداء والخلاص. كانت زيارة من جوف التاريخ لمعايشة الحدث في روعته في حالة من التجلي مع صوت الآب والسحابة النيرة. قيامة أجساد الراقدين ودخولهم أورشليم هذه الزيارات من العهد القديم هي شيء في منتهي الروعة. ويصل الموقف إلى ذروة الروعة حينما "قام كثير من أجساد القديسين الراقدين" (مت 27: 52) في يوم قيامة السيد المسيح من الأموات بعد أن تمم الفداء "ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين" (مت27: 53) لكي يعلنوا إنهم نقلوا من الجحيم إلى الفردوس وإنهم يأتون الآن بالجسد والروح لكي يشهدوا للمخلص المسيح إنه رب القيامة ورب الحياة، قيامتهم المؤقتة جاءت كعربون ومقدمة للقيامة العامة في اليوم الأخير، لكي نعرف أن الراقدين بيسوع سيحضرهم أيضًا معه، كشهادة حية ملموسة لقيامة الأبرار، لئلا يظن أحد أن المسيح فقط هو الذي قام. جاء هؤلاء ليشهدوا "بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا" (1يو1: 2). وكأن الزمن قد اجتمع في نقطة واحدة. هذا نوع آخر من الاختراق من العهد القديم في العهد الجديد. إن هذا التلاشي للفوارق الزمنية يعطينا فكرة عن خروجنا خارج دائرة الزمن حينما يأتي المسيح في مجيئه الثانيويأخذنا لنحيا معه في الأبدية. الزيتونتان والمنارتان تكلّمنا عن يوحنا المعمدان كحلقة اتصال بين العهدين وعن التجلي وعن قيامة القديسين الذين شهدوا بالقيامة. والآن نتأمل في الإصحاح الحادي عشر من سفر الرؤيا: "وسأعطى لشاهديَّ فيتنبآن ألفًا ومئتين وستين يومًا لابسين مسوحًا. هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض. وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما، تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما، وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما، فهكذا لابد أنه يقتل. هذان لهما السلطان أن يغلقا السماء حتى لا تمطر مطرًا في أيام نبوتهما ولهما سلطان على المياه أن يحوّلاها إلى دم وأن يضربا الأرض بكل ضربة كلما أرادا. ومتى تمما شهادتهما فالوحش الصاعد منالهاوية سيصنع معهما حربًا ويغلبهما ويقتلهما" (رؤ11: 3-7) هناك إشارات تدل على أن أحد المذكورين في هذا الأصحاح هو إيليا النبي، لأن إيليا كان له سلطان أن يجعلالسماء لا تمطر مطرًا في أيام نبوته، ونزلت نار من السماء وأكلت أفواج الجنود الذين أرسلهم الملك إليه في كبرياء. والدليل على أنهما إيليا وأخنوخ أنه قيل "هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض". فإيلياوأخنوخ هما الأحياء والقائمين أمام رب الأرض. وأيضًا ذكر أنهما لابسين مسوحًا وهذا ما نعرفه عن إيليا النبي. أما أخنوخ فلا نعرف عنه الكثير، فقد ذكر عنه الكتاب "وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" (تك5: 24). لكن ذكر في رسالة يهوذا أن له نبوة تدل على قوته فقيل "وتنبأ عن هؤلاء أيضًا أخنوخ السابع من آدم قائلًا: هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار" (يه14، 15). وهو هنا يتكلم عن المجيء الثاني والنبوة أيضًا تشير إلى المجيء الأول لأن المجيء الأول فيه أيضًا ملامح للدينونة مع أنه مجيء للخلاص. فقد قيل عن الروح القدس إنه "يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" (يو16: 8) إن دخول أخنوخ وإيليا إلى صراع الكنيسة ضد الوحش قرب نهاية الأيام هو تدبير إلهي عجيب يتواصل فيه العهد القديم مع العهد الجديد لأن الرب نفسه هو إله العهدين ولابد أن من بقى حيًا من العهد القديم أن ينال بركات العهد الجديد. ويحيا بمقتضى شريعة الكمال ويجاهد مع الكنيسة المفتداة بدم الحمل. هل يتباطأ الرب عن موعد مجيئه؟ عالج القديس بطرس الرسول مشكلة الذين يعتبرون أن الرب قد تباطأ عن موعد مجيئه فقال إنه "سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات أنفسهم، وقائلين: أين هو موعد مجيئه لأنه من حين رقد الآباء كل شيء باقٍ هكذا من بدء الخليقة.. ولكن لا يخفَ عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء: أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماواتبضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط 3: 3، 4، 8-10). الله فوق الزمن بالطبع لا أحد يعرف متى سيحدث المجيء الثاني حتى بطرس الرسول نفسه الذي أوحى إليه الروح القدس بكتابة هذه التعاليم، من الواضح أنه يتكلم عن مبادئ وليس عن أوقات. بدليل قوله كما أوردنا: "أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد" وهذا شيء طبيعي لأن الله فوق الزمن أي غير زمني وحاضر في كل زمان كما أنه حاضر في كل مكان. وقد كتب الشاعر الفرنسي دي لامارتين عبارة جميلة قال فيها: [إن كينونة يهوه لا تقاس بالشهور والأيام، فيومه يوم أزلي وهو الكائن على الدوام]. ويقول القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات في قداسه المشهور مخاطبًا ابن الله الوحيد: (أنت الكائن في كل زمان أتيت إلينا على الأرض أتيت إلى بطن العذراء). وكتب القديس يوحنا الإنجيلي في رؤياه عن الله الكلمة: "أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء" (رؤ 1: 8). بمعنى أن الرب كائن في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل الذي يأتي. لأن الرب لا يعبر زمنًا بل نحن الذين نذهب إليه عبر الزمان لنجده في انتظارنا في الأبدية. أما عن مجيئه الثاني فيقول: "وها أنا آتي سريعًا وأجرتي معي لأجازى كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر" (رؤ22: 12،13). فإن مجيئه بالجسد الممجد الذي صنع به الخلاص لأجلنا هو للدينونة في اليوم الأخير، ولكي يأخذ قديسيه ويدخل بهم إلى المجد. وقد لخّص الله الكلمة مفهوم كينونته الدائمة غير المحدودة بزمان عند ظهوره لموسى في صورة نار مشتعلة في عليقة، والعليقة لا تحترق، إذ قال لموسى حينما سأله عن اسمه "أهيه الذي أهيه" (خر3: 14) أي "أكون الذي أكون" بمعنى الكائن على الدوام أو الكائن الذي هو كائن أي الكائن الضروري فوق حدود الزمان والمكان.. طالبين سرعة مجيء يوم الرب بالرغم من أن القديس بطرس الرسول قد أوضح -كما أوردنا- أن الرب في مجيئه الثاني لا يشاء أن يهلك إنسان، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. بمعنى أنه يطيل أناته على العالم بصورة تؤكد عدم تسرعه في إهلاك الناس الذين يتجاهلون الدينونة العتيدة أن تأتى على العالم. كما أنه يعطى فرصة للمجاهدين ليكملوا جهادهم ولأصحاب الرسالة الروحية أن يكملوا رسالتهم.. إلا أن القديس بطرس من جانب آخر يحث المؤمنين أن ينتظروا وأن يطلبوا سرعة مجيء يوم الرب كعلامة لاشتياقهم للقاء العريس وتقديرهم لروعة الملكوت المعد للقديسين. إن من يسلك في حياة التوبة وفي حياة القداسة لابد أن تتطلع روحه باشتياق لمجيء السيد المسيح. كذلك فإن انتظار مجيء الرب هو من علامات حياة الاستعداد المؤكدة. لهذا قال بطرس الرسول بعدما تكلم عن زوال السماوات واحتراق الأرض والمصنوعات التي فيها "فبما أن هذه كلها تنحل، أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى؟ منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب، الذي به تنحل السماوات ملتهبة، والعناصر محترقة تذوب" (2بط3: 11،12). نبوة بالروح القدس لم يكن ممكنًا في العصر الذي كتب فيه القديس بطرس رسالته الثانية أن يوجد من يفهم معنى الانفجار النووي وتحطيم الذرة. ولكن القديس بطرس أورد أقوالًا لا يمكن تفسيرها عمليًا إلا في ضوء المكتشفات العلمية الحديثة في عالم العناصر والذرات المكونة لها. قال بطرس الرسول: "ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط3: 10). وقال أيضًا: "تنحل السماوات ملتهبة، والعناصر محترقة تذوب". إن انحلال العناصر واحتراقها بضجيج هو أمر غير ممكن إلا عن طريق انشطار نواة الذرة للعنصر وهو الأمر الذي لا يتحقق إلاّ في التفجيرات والتفاعلات النووية وهو ما لم يكن ممكنًا في عصر بطرس الرسول. كذلك فإن احتراق العناصر لم يكن أمرًا ممكنًا في عصر القديس بطرس الرسول. كيف يحترق الحديد أو ينحل؟ كيف يحترق الذهب أو ينحل؟ كيف يحترق الكالسيوم أو ينحل؟ وكيف تحترق الأحجار والصخور وكيف تنحل؟.. كل ذلك من الممكن أن يحدث بواسطة التفجيرات النووية التي تنحل بواسطتها العناصر محترقة وينتج عن ذلك ضجيج هائل مدوي وطاقة حرارية وإشعاعات مروعة حينما قال القديس بطرس عن الأجرام السماوية إنها سوف تنحل بضجيج ملتهبة فإن الروح القدس هو الذي أوحى إليه بهذه الكلمات التي لا تناسب على الإطلاق عصره البسيط. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
08 يوليو 2019

لأني منه وهو أرسلني

تكلّم السيد المسيح في حوار مع اليهود وأورد ذلك القديس يوحنا الإنجيلي كما يلي: "نادى يسوع وهو يعلّم في الهيكل قائلًا: تعرفونني وتعرفون من أين أنا، ومن نفسي لم آت، بل الذي أرسلني هو حق، الذي أنتم لستم تعرفونه. أنا أعرفه لأني منه وهو أرسلني" (يو7: 28، 29) قال السيد المسيح ذلك ردًا على كلام اليهود عنه: "هذا نعلم من أين هو، وأما المسيح فمتى جاء لا يعرف أحد من أين هو" (يو7: 27). لم يفهموا أن السيد المسيح قد جاء منالسماء وتجسد من السيدة العذراء بدون زرع بشر، بل اعتقدوا أنه كان ابنًا طبيعيًا للقديس يوسف وللعذراء مريم. وبذلك اعتبروا أنهم يعرفون من أين هو. وكانت معرفتهم غير سليمة. لأن سر التجسد الإلهي كان مخفيًا عن عقول الأشرار لكن السيد المسيح بالرغم من أنه لم يتكلم وقتها صراحةً عن الميلاد العذراوي، إلا أنه أشار إلى ولادته من الآب قبل كل الدهور وإلى إرسال الآب له إلى العالم أي تجسده في ملء الزمان وقد لخص السيد المسيح الحقائق المختصة بميلاده حسب لاهوته من الآب قبل كل الدهور، وولادته من العذراء مريم بحسب ناسوته في ملء الزمان بقوله عن علاقته بالآب السماوي "لأني منه، وهو أرسلني" (يو7: 29) إنها عبارة قصيرة مكونة من شطرين أقصر منها. ولكنها تحمل حقائق عقائدية في منتهي القوة والأهمية. الشطر الأول من العبارة "لأني منه"تشير إلى ولادة الابن الوحيد من الآب بنفس جوهر الآب. وهذا هو الميلاد الأول للابن الكلمة. والشطر الثاني من العبارة "وهو أرسلني"تشير إلى إرساله من قِبَل الآب إلى العالم ليتجسد من العذراء مريم.وهذا هو الميلاد الثاني للابن الكلمة. لأني منه جميل جدًا أن يقول الابن عن نفسه أنه من الآب. أي أن له نفس طبيعة الآب وجوهره وكما شرح مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث كمثال فإن العقل الذكي يلد فكرًا ذكيًا، والعقل القوى يلد فكرًا قويًا، والعقل الحكيم يلد فكرًا حكيمًا، والعقل المقدس يلد فكرًا مقدسًا. أي أن العقل يلد فكرًا له نفس جوهر العقل، أي أن جوهرهما واحد. والعقل يلد الفكر في داخله دون أن ينفصل منه، وإن خرج الفكر منطوقًا به ككلمة فإنه أيضًا لا ينفصل من العقل بل هو كائن فيه على الدوام وفي حوار السيد المسيح مع اليهود الذين قالوا إنهم يعرفون من أين هو، استنكر هو ذلك لأن مصدره هو الآب، ولم يكن اليهود يفهمون ذلك. ورد السيد المسيح على كلامهم بقوله إنهم لا يعرفون الآب، أما هو فيعرفه بالتأكيد لأنه منه "ولستم تعرفونه. وأما أنا فأعرفه" (يو8: 55)ونفس الشيء قاله معلمنا بولس الرسول عن الروح القدس: "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (1كو2: 10)فالابن لأنه من الآب بالولادة، فهو يعرف الآب معرفة كاملة مطلقة غير محدودة. وكذلك الروح القدس لأنه من الآب بالانبثاق، فهو يعرف الآب معرفة كاملة مطلقة غير محدودة واقتران كلام السيد المسيح عن معرفته للآب مع قوله عن ولادته من الآب "لأني منه"، يؤكد أنه كان يتحدث في هذا الشطر من العبارة عن العلاقة الفائقة التي تربط الابن بالآب في الجوهر الإلهي الواحد، أي عن أن الابن مولود من الآب بنفس جوهره وطبيعته. وهو أرسلني يقول معلمنا بولس الرسول: "لما جاء ملء الزمان؛ أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتدى الذين تحت الناموس" (غلا4: 4، 5) فعبارة السيد المسيح "وهو أرسلني"تشير إلى إرسال الابن الوحيد إلى العالم مولودًا من امرأة، ليفتدى العالم من لعنة الخطية وقد كرر السيد المسيح كثيرًا في الأناجيل، وبخاصة ما سجله القديس يوحنا في إنجيله، أن الآب قد أرسله إلى العالم. وتكرر ذكر هذه الحقيقة عشرات المرات وكمثال لذلك نرى السيد المسيح يذكر إرسال الآب له عدة مرات في الأصحاح الثامن من إنجيل معلمنا يوحنا كما يلي: "أنا والآب الذي أرسلني" (يو8: 16)، "ويشهد لي الآبالذي أرسلني" (يو8: 18)، "لكن الذي أرسلني هو حق" (يو8: 26)، "والذي أرسلني هو معي" (يو8: 29)، "لأني لم آتِ من نفسي، بل ذاك أرسلني" (يو8: 42) إن تأكيد السيد المسيح على إرسال الآب له يحمل من جانب: تمجيدًا للآب السماوي، بمعنى أن كل ما يفعله الابن من أجل خلاص العالم هو بتدبير من الآب والابن والروح القدس، مثلًا نقول في التسبحة (لأنه بإرادته ومسرة أبيه والروح القدس أتى وخلصنا) (ثيئوطوكية يوم الثلاثاءqeotokia). لذلك كان السيد المسيح دائمًا يؤكد أنه لا يعمل وحده بل يعمل هو والآب الذي أرسله. فعمل الثالوث هو واحد بالرغم من تمايز دور كل أقنوم في العمل الواحد ويحمل من الجانب الآخر: إبرازًا لحقيقة صدق إرساليته وارتباطها بالآب السماوي وذلك بشهادة الآب له وحينما تكلّم السيد المسيح مع نيقوديموس عن صلبه من أجل خلاص العالم قال له: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد الجنس لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16) إن الصليب ليس فقط تعبيرًا عن محبة المسيح لنا باعتباره ابن الله الوحيد، بل هو أيضًا تأكيدًا على محبة الآب لنا إن المحبة الصادرة من الثالوث هي محبة واحدة، وكما وصفها الآباء القديسون هي [من الآب بالابن في الروح القدس]. فالأقانيم الثلاثة يحبوننا بنفس المقدار وبنفس القوة وقد ذكر القديس إشعياء النبي اشتراك الروح القدس في إرسالية الابن الوحيد إذ سجل ذلك على لسان السيد المسيح "منذ وجوده أنا هناك والآن السيد الرب أرسلني وروحُه(بضم الحاء)" (إش48: 16). فالروح القدس ورد في هذا النص في صيغة الفاعل وليس المفعول به، أي هو والآب قد أرسلا الابن إلى العالم ما أعظم هذه الإرسالية التي جعلتنا نتمتع بظهور الله الكلمة في الجسد. وما أروع هذا التدبير الإلهي الذي جعلنا ننعم بحضور الله معنا تحقيقًا لنبوة إشعياء النبي "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (مت1: 23)، (انظر إش7: 14)لم تعد عبارة "الله معنا" هي على سبيل التمني أو الإحساس فقط بمعونة الله، ولكنها تحولت إلى حقيقة تلامست معها البشرية فأمسكت بالحياة الأبدية. وهذا ما عبّر عنه القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى "الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة فإن الحياة أُظهرت، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا" (1يو1: 1، 2). أنا قد أتيت باسم أبي قال السيد المسيح لليهود: "مجدًا من الناس لست أقبل ولكنى قد عرفتكم أن ليست لكم محبة الله في أنفسكم. أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني. إن أتى آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه. كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدًا بعضكم من بعض. والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه" (يو5: 41-44). وقد ربط السيد المسيح بين مجيئه باسم أبيه وبين رفضه لمجد العالم الزائل فما معنى قوله: "أنا أتيت باسم أبي؟ ومن هو الآخر الذي سيأتي باسم نفسه؟! إنسان الخطية ابن الهلاك تحدثت الكتب المقدسة عن إنسان سوف يأتي مدعيًا أنه هو المسيح، وبسببه سوف يحدث الارتداد العام قبل نهاية العالم مباشرة. ولقّبه سفر الرؤيا باسم "الوحش" وأن عدد اسمه هو 666 وهو مجموع حروف اسمه باللغة العبرية حسب الحساب الأبجدي كتب بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكي الذين تصوّروا أن المجيء الثاني للرب يسوع المسيح قد حل موعده فقال: "لا يخدعنكم أحد على طريقة ما. لأنه لا يأتي إن لم يأت الارتداد أولًا، ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك. المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنه إله.. الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويُبطله بظهور مجيئه. الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2تس2: 3، 4، 8-10)ونلاحظ أن "المسيح الكاذب" أو "ضد المسيح" الذي تكلّم عنه بولس الرسول سوف يدّعى الألوهة فوق كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا. فهو لن ينكر فقط أن يسوع هو المسيح، وأن يسوع هو إله حقيقي، بل سوف يتجاهل ألوهية الآب السماوي والروح القدس. أي لن يعترف بالثالوث القدوس الإله الواحد الحقيقي، مظهرًا نفسه أنه إله فوق كل ما يدعى إلهًا أو معبودًا (انظر 2تس2: 4)هذا المسيح الكاذب سوف يأتي طبعًا باسم نفسه وليس باسم الآب، وسوف يُمجِّد نفسه ولا يمجد الآب. وسوف يأتي محاطًا بكل مظاهر العظمة والسلطان البشرى والمجد العالمي الزائل الذي أراده اليهود للسيد المسيح ولم يجدوه فيه لأنه جاء رافضًا له مرددًا مقولته المشهورة "مملكتي ليست من هذا العالم" (يو18: 36) المسيح الكاذب فسوف يقود العالم إلى الارتداد وإلى عبادة الأصنام. لأن الشيطان سوف يجعل تمثال الوحش يتكلم ويبهر الناس. وسوف يجعل الناس يسجدون لهذا التمثال، وسوف يضعون سمة الوحش على جباههم أو أيديهم. وقد وردت كل هذه الأشياء في سفر الرؤيا إذ كتب يوحنا الرسول يقول:"ويصنع آيات عظيمة.. وأُعطى أن يُعطى روحًا لصورة الوحش حتى تتكلم صورة الوحش. ويجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش يقتلون. ويجعل الجميع.. تُصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم. وأن لا يقدر أحد أن يشترى أو يبيع إلا من له السمة أو اسم الوحش أو عدد اسمه. هنا الحكمة. من له فهم فليحسب عدد الوحش فإنه عدد إنسان. وعدده ستمئة وستة وستون" (رؤ13: 13، 15-18) إذن فسوف يبهر الوحش الناس بالمعجزات والآيات الكاذبة كقول معلمنا بولس الرسول عنه "الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2تس2: 9، 10). وللأسف فسوف ينخدع الكثير جدًا من الناس بهذه الأمور ويسجدون للمسيح الكاذب ولتمثاله (صورته) ويمجدونه كإله دون أن يمجدوا الآب السماوي لذلك قال السيد المسيح لليهود الذين رفضوا الإيمان به: "أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني. إن أتى آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه" (يو5: 43). بمعنى أن اليهود وباقي البشر الذين سوف يقبلون المسيح الكاذب قبل نهاية العالم، لهم نفس النوعية مثل اليهود الذين رفضوا قبول السيد المسيح وقيل عنهم: "إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله" (يو1: 11). منهج السيد المسيح حينما أخلى السيد المسيح نفسه من مجد الألوهة المنظور آخذًا صورة عبد، وضع منهجًا مغايرًا تمامًا لمنهج الوحش الذي مجيئه بعمل الشيطان، والذي يضع تمجيد ذاته فوق كل اعتباركان منهج السيد المسيح هو تمجيد الآب السماوي بصورة مستمرة مثلما قال للآب "أنا مجدّتك على الأرض" (يو17: 4). لذلك قال لليهود: "إن كنت أمجد نفسي فليس مجدي شيئًا. أبي هو الذي يمجّدني الذي تقولون أنتم إنه إلهكم ولستم تعرفونه. وأما أنا فأعرفه. وإن قلت إني لست أعرفه أكون مثلكم كاذبًا" (يو8: 54، 55). إذن فالسيد المسيح قد مجّد الآب ولم يمجّد نفسه، بل ترك ذلك للآب. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
18 أبريل 2020

الأختام والتوثيق على القبر

إن محاولة اليهود مقاومة تحقيق قول السيد المسيح عن قيامته في اليوم الثالث قد أدت إلى توثيق القيامة بأختام الدولة الرومانية لأن الوالي بيلاطس قال لليهود عندكم أختام وحراس فافعلوا ما تريدون فذهبوا وختموا القبر بالأختام الخاصة بالدولة، ووضعوا الحراس وبهذا تم عمل محضر بالأختام وبوضع الحراس وتم توثيق القيامة لأن القبر الفارغ في بداية اليوم الثالث كان برهانًا قويًا على قيامة الرب بالرغم من الحجر والأختام والحراس لقد ختم اليهود على جسد الرب في يوم السبت، وتصوّروا بذلك أنهم قد تخلّصوا منه معطين إياه راحة إجبارية (على النظام اليهودي)..!!ولكن الرب قد ختم على كنيسته في يوم أحد العنصرة (في يوم الخمسين) بختم الروح القدس. مثلما قام في أحد السبوت أي في يوم الأحد معلنًا أن الحياة الجديدة والراحة الحقيقية هي في أول الأسبوع الجديد أي في يوم الأحد إن أول الأسبوع الجديد هو اليوم الثامن الذي يقع خارج الأسبوع القديم وهو إشارة إلى الحياة الجديدة وإلى الحياة الأبدية التي تقع خارج هذا الزمان الحاضرلقد تم توثيق ميلاد السيد المسيح في بيت لحم بالاكتتاب الأول الذي صدر به أمر من أوغسطس قيصر وجرى إذ كان كيرينيوس والي سوريا (انظر لو2: 2) وتم توثيق موت السيد المسيح بحكم الإعدام صلبًا الذي أصدره الوالي الروماني بيلاطس ممثل قيصر روما في أورشليم في ذلك الحين،ولابد أن توثق أحكام الإعدام عند الوالي وتم توثيق قيامة السيد المسيح بمحضر ختم القبر الذي طلبه اليهود وأصدر الوالي الروماني أمرًا بتنفيذه وبوضع الحراس إلى اليوم الثالث وذلك بعد أن تأكد من جنوده عن موت السيد المسيح بعد أن طعنه جندي بالحربة حقًا لقد ولد السيد المسيح وصلب ومات وقبر وقام من الأموات في اليوم الثالث. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
02 يونيو 2019

من الظلمة إلى النور

في أحداث الصلب كانت الظلمة التي على كل الأرض وقت صلب السيد المسيح من الساعة السادسة (الثانية عشر ظهرًا) إلى الساعة التاسعة (الثالثة بعد الظهر) وقد أراد الله أن يبرز حقيقة الظلمة الروحية التي سيطرت على العالم، ولهذا فقد سمح بأن تظلم الأرض بهذه الصورة العجيبة في اليوم السابق لليلة الرابع عشر من شهر نيسان حينما يكون القمر بدرًا أي تكون الشمس والقمر متعامدين بالنسبة للأرض ويستحيل أن يحدث خسوف طبيعي للشمس من هذه الظلمة نقلنا السيد المسيح إلى النور مثلما قال لبولس الرسول عند دعوته ليكرز بالإنجيل لشعوب الأرض: "لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله" (أع26: 18). أنوار القيامة عند صلب السيد المسيح في يوم الجمعة كانت ظلمة على كل الأرض. وفي فجر الأحد أشرقت أنوار القيامة لتعلن فجر نهار جديد أشرق على البشريةعن قيامة السيد المسيح كتب معلمنا متى البشير في إنجيله: "وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه. وكان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات" (مت28: 1-4)وكتب القديس مرقس الإنجيل: "وبعد ما مضى السبت، اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهنه. وباكرًا جدًا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس وكن يقلن فيما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟.. وبعد ما قام باكرًا في أول الأسبوع ظهر أولًا لمريم المجدلية" (مر16: 1-3، 9) لقد قام السيد المسيح مع خيوط الضوء الأولى باكرًا في فجر الأحد وكان ملاك القيامة في منظره كالبرقولباسه أبيض كالثلج. ومعروف أن البرق هو ضوء شديد اللمعان وكان ضوء الملاك أقوى من نورالشمس التي كان نورها قد بدأ في البزوغ ولم يكن قرصها قد خرج من المشرق بعد. لهذا ارتعد الحراس من منظر ملاك القيامة الله هو نور وساكن في النور وملائكة نورانيون تخدمه. وقيل عن السيد المسيح "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم.. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه" (يو1: 9، 4، 5)إن أنوار القيامة تشير إلى أنوار الحياة الأبدية حيث شركة ميراث القديسين كقول معلمنا بولس الرسول:"شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته" (كو1: 12، 13). إن النور هو في ملكوت الله، والظلمة هي في شركة المصير مع إبليس ويوضح القديس بولس الرسول أيضًا أن الحياة المسيحية الفاضلة هي حياة منيرة بالقيامة من الأموات وبالسلوك في النور فقال: "مختبرين ما هو مرضىٌّ عند الرب. ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبّخوها. لأن الأمور الحادثة منهم سرًا ذكرها أيضًا قبيح. ولكن الكل إذا توبّخ يظهر بالنور. لأن كل ما أُظهر فهو نورٌ. لذلك يقول: استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح" (أف5: 10-14)وقد شرح القديس يوحنا الرسول كيف ينير مجد الله مدينته المقدسة النازلة من السماء فقال: "أراني المدينة العظيمة أورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله، لها مجد الله، ولمعانها شبه أكرم حجركحجر يشب بلُّورى.. والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والخروف سراجها،وتمشى شعوب المخلّصين بنورها، وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها، وأبوابها لن تُغلق نهارًا، لأن ليلًا لا يكون هناك" (رؤ21: 10، 11، 23-25)إن الحياة مع الله هي حياة في النور. وهذا النور يبدأ من هنا على الأرض ويستمر ويتألّق جدًا فيالأبدية وكما خلق الله النور في بداية الخليقة حينما "كانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه وقال الله ليكن نور، فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارًا، والظلمة دعاها ليلًا. وكان مساء وكان صباح يومًا واحدًا" (تك1: 2-5)هكذا أيضًا كانت ظلمة على كل الأرض وقت صلب السيد المسيح، ثم جاءت أنوار الخلاص وأعقبتها أنوار القيامة والبشارة بالإنجيل كقول معلمنا بولس الرسول:"لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" (2كو4: 6). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل