المقالات

15 يونيو 2019

دخول السيد المسيح إلى المقدس السماوي

كان رئيس الكهنة في العهد القديم يدخل إلى قدس الأقداس في الهيكل مرة واحدة في السنة في يوم الكفارة العظيم ليكفر عن خطايا نفسه وعن خطايا الشعب بواسطة دم الذبائح الحيوانية المناسبة.وكان الهيكل مقسمًا إلى قسمين: القسم الأول هو القدس حيث مائدة خبز الوجوه ومذبح البخور والمنارة ذات السبعة سرج. والقسم الثاني هو قدس الأقداس حيث كَروبا المجد وكرسي الرحمة أي تابوت العهد. ويفصل بين القسم الأول والقسم الثاني الحجاب. وقد شرح معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين كيف كان الهيكل الأرضي رمزًا للهيكل السماوي، وكيف دخل السيد المسيح إلى الأقداس، ومعنى دخوله هذا، وقارن بين كهنوت العهد القديم الهاروني، وكهنوت العهد الجديد على طقس ملكي صادق باعتبار أن السيد المسيح هو الكاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق حسب الإعلان الإلهي في الكتب المقدسة.قال عن خدمة السيد المسيح السمائية: "وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السماوات، خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان" (عب8: 1، 2).وقال عن تقسيم الهيكل ونظام الخدمة فيه في العهد القديم: "ثم العهد الأول كان له أيضًا فرائض خدمة والقدس العالمي. لأنه نصب المسكن الأول الذي يقال له القدس الذي كانفيه المنارة والمائدة وخبز التقدمة. ووراء الحجاب الثاني المسكن الذي يقال له قدس الأقداس، فيه مبخرة من ذهب وتابوت العهد مغشي من كل جهة بالذهب الذي فيه قسط منذهب فيه المن وعصا هرون التي أفرخت ولوحا العهد. وفوقه كروبا المجد مظللين الغطاء.. ثم إذ صارت هذه مهيأة هكذا يدخل الكهنة إلى المسكن الأول كل حين صانعين الخدمة. وأما إلى الثاني فرئيس الكهنة فقط مرة في السنة ليس بلا دم يقدّمه عن نفسه وعن جهالات الشعب" (عب9: 1-7)ونلاحظ هنا أن المسكن الثاني هو الملقب بقدس الأقداس وهو الذي يدخله رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة. وقد شرح القديس بولس الرسول المقارنة بين ما يفعله رئيس الكهنة في العهد القديم وما فعله السيد المسيح عند إتمام الفداء. دخل مرةً واحدة إلى الأقداس قال بولس الرسول عن دخول السيد المسيح إلى السماويات: "وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد، أي الذي ليس من هذه الخليقة. وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 11، 12). ويتضح هنا أن السيد المسيح في دخوله إلى السماء قد دخل إلى قدس الأقداس ليس مرة واحدة في السنة، ولكنه دخل مرة واحدةإلى الأبد، ولم يتكرر كما يدّعى أصحاب الرأي الذي نوهنا عنه سابقًا. وفي ضوء هذا النص الصريح لا يبقى مكان للجدل حول هذا الموضوع لأنه لا حاجة إلى تكرار الذبيحة كل عام كما أنه لم يدخل بدم ذبائح أخرى بل دخل بدم نفسه أي بالذبيحة الحقيقية المقبولة عند الآب السماوي.وقال عن عدم تكرار الذبيحة الخلاصية: "لا ليقدم نفسه مرارًا كثيرة كما يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس كل سنة بدم آخر. فإذ ذاك كان يجب أن يتألم مرارًا كثيرة منذ تأسيس العالم، ولكنه الآن قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه" (عب9: 25، 26).وقال عن الحجاب: "فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع طريقًا كرّسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب أي جسده. وكاهن عظيم على بيت الله" (عب10: 19-21) عندما صُلب السيد المسيح وذُبح جسده بالصليب، انشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل (انظر مت 27: 51)، وحجاب الهيكل هو الفاصل بين القدس وقدس الأقداس،ومعنى ذلك أن السيد المسيح قد فتح الطريق إلى أحضان الآب السماوي بذبيحته الخلاصية علىالصليب. وهذا ما قاله معلمنا بولس الرسول عن دخول المؤمنين إلى الأقداس بدم يسوع "طريقًا كرسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب أي جسده" (عب10: 20) فالسيد المسيح هو الطريق المؤدى إلى الحياة الأبديةكان صعود السيد المسيح إلى السماء هو تأكيد منظور لقبول ذبيحته الكفارية عند الآب السماوي. لذلك ربط القديس بولس الرسول بين ذبيحة الصليب وبين دخول السيد المسيح إلى الأقداس السماوية؛ فقال عنه: "بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبديًا". وقد أكد هذه المعاني في النصوص التالية عن السيد المسيح: "وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد له كهنوت لا يزول. فمن ثم يقدر أن يُخلّص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم. لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات" (عب 7: 24-26). "أما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السماوات. خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان" (عب 8: 1، 2). "وأما هذا فبعد ما قدّم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله" (عب 10: 12). إلى المسكن الثاني وليس الأول بهذا كله يتضح بجلاء أن السيد المسيح بعدما أكمل خدمته الخلاصية على الأرض قد صعد إلى السماوات ودخل إلى قدس الأقداس في السماء وليس إلى القدس، لأنه يقول:"دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 12). ولا مجال إطلاقًا للقول بأنه دخل إلى القدس في السماء أولًا ثم انتقل بعد ذلك إلى قدس الأقداس في موعد لاحق بعد مئات السنين ليطهّر الأقداس السماوية. وكيف يُقال ذلك بينما قال معلمنا بولس الرسول: "لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية، بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا، ولا ليقدم نفسه مرارًا كثيرة كما يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس كل سنة" (عب9: 24، 25). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
14 يونيو 2019

متى صعد السيد المسيح؟

يقول البعض إن السيد المسيح قد صعد بعد قيامته مباشرةً، أي بعد لقائه في البستان مع مريم المجدلية، وأنه عاد إلى الأرض ليظهر لتلاميذه بعد ذلك. وأنه استمر طوال الأربعين يومًا التالية للقيامة يتردد بين السماء والأرض، إلى أن صعد بصفة نهائية في اليوم الأربعين بعد قيامته، أي في خميس الصعودوهذا القول يتعارض مع تعليم الكتاب المقدس ومع تقليد الكنيسة. لأن الكنيسة تحتفل بعيد الصعود باعتبار أنالسيد المسيح قد دخل فيه إلى الموضع الذي لم يدخل إليه ذو طبيعة بشرية من قبل وقد ورد في قسمة قداس سبت البصخة المقدسة عن السيد المسيح [الذي صعد إلى السماوات وصار فوقالسماوات. ودخل داخل الحجاب موضع قدس الأقداس الموضع الذي لا يدخل إليه ذو طبيعة بشرية، وصار سابقًا لنا، صائرًا رئيس كهنة إلى الأبد على رتبة ملكي صادق] (انظر عب6: 20).وفي مزمور قداس عيد الصعود؛ تُقال العبارات الهامة التالية: "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية، فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد؟ الرب العزيز القدير، الرب القوى في الحروب. ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية، فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد؟ رب القوات هذا هو ملك المجد" (مز23: 7-10).وهذا معناه أن الأبواب الدهرية لم تُفتح إلا عند دخول السيد المسيح إلى الأقداس السماوية ليظهر أمام الآب لأجلنا باعتبار أنه هو الشفيع الذي به ننال المغفرة من قِبل الآب كقول معلمنا يوحنا الرسول: "إن أخطأ أحد فلناشفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا" (1يو2: 1، 2)، وكذلك قول معلمنا بولس الرسول: "لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية، بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا" (عب9: 24) وما معنى احتفالنا بعيد الصعود المجيد بعد أربعين يومًا من عيد القيامة إن كان السيد المسيح قد صعد مرارًا وتكرارًا طوال الأربعين يومًا..؟!! نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
13 يونيو 2019

صعود إيليا

"ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم" (أع1: 9).كان ينبغي أن يصعد السيد المسيح أمام أعين تلاميذه، ليجتذب أنظارهم نحو السماء حيث جلس هو عن يمين العظمة.صعود السيد المسيح يذكرنا بصعود إيليا النبي على مرأى من تلميذه أليشع. فقد حدث "عند إصعاد الرب إيليا في العاصفة إلى السماء، أن إيليا وأليشع ذهبا من الجلجال.. إلى بيت إيل.. إلى أريحا.. إلى الأردن.. وأخذ إيليا رداءه ولفه وضرب الماء فانفلق إلى هنا وهناك، فعبرا كلاهما في اليبس. ولما عبرا قال إيليا لأليشع: اطلب ماذا أفعل لك قبل أن أُوخذ منك. فقال أليشع ليكن نصيب اثنين من روحك علىّ. فقال صعّبت السؤال. فإن رأيتني أُوخذ منك يكون لك كذلك وإلاّ فلا يكون" (2مل2: 1-10).لقد طلب أليشع أن يكون له نصيب البكر في البركة التي ينالها من قبل الرب بواسطة سيده ومعلمه إيليا وكان نصيب البكر هو نصيب اثنين من الأبناء في توزيع الميراث.وعبارة "نصيب اثنين من روحك علىّ" تعني روح النبوة، أي مواهب الروح القدس التي نالها إيليا النبي، مثلما قيل عن يوحنا المعمدان -أعظم مواليد النساء من الأنبياء- أنه يتقدم أمام السيد المسيح "بروح إيليا وقوته" (لو1: 17).لقد طلب أليشع مواهب الروح القدس، لأنه لا يستطيع أن يمارس رسالته كنبي بدون قوة الروح القدس. وإرشاده وفعله.كان أليشع في ذلك رمزًا إلى الكنيسة التي كانت تنتظر موعد الآب، الذي أشار إليه السيد المسيح في حديثه مع تلاميذه، كما هو مدون في سفر الأعمال "وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم، بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني. لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير" (أع1: 4، 5). رداء إيليا "وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما، فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء. وكان أليشع يرى وهو يصرخ يا أبي يا أبي مركبة إسرائيلوفرسانها. ولم يره بعد. فأمسك ثيابه ومزقها قطعتين. ورفع رداء إيليا الذي سقط عنه، ورجع ووقف على شاطئ الأردن. فأخذ رداء إيليا الذي سقط عنه وضرب الماء، وقال: أين هو الرب إله إيليا، ثم ضرب الماء أيضًا، فانفلق إلى هنا وهناك فعبر أليشع. ولما رآه بنو الأنبياء الذين في أريحا قبالته، قالوا قد استقرت روح إيليا على أليشع" (2مل2: 11-15).إن رداء إيليا الذي حمله أليشع، بعد إصعاد إيليا إلى السماء، وشق به مياه الأردن، يرمز إلى بر المسيح الذي يلبسه المعمد المؤمن بالمسيح في المعمودية. كقول معلمنا بولس الرسول: "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل3: 27).والعجيب أن لهذا الرداء قصة: إذ أن إيليا النبي كان قد طرح على أليشع هذا الرداء فيأول لقاء بينهما، حينما أمره الرب أن يمسح أليشع نبيًا "امسح أليشع بن شافاط من آبل محولة نبيًا عوضًا عنك.. فذهب من هناك ووجد أليشع بن شافاط يحرث واثنا عشر فدان بقر قدامه، وهو مع الثاني عشر، فمر إيليا وطرح رداءه عليه" (1مل19: 16-19).كان طرح الرداء على أليشع هو علامة دعوة الرب له عن يد إيليا النبي، ليدخل في نصيب الرب وليتشح برداء النبوة نرى في هذه القصة أن أليشع كان "مع الثاني عشر" ولا يخفى ما في ذلك الرقم من إشارة إلى تلاميذ السيد المسيح الاثني عشر الذين دعاهم ليكونوا معه وأرسلهم لبشارة الملكوت.إن قصة إصعاد إيليا إلى السماء ومقدماتها وملابساتها وما نتج عنها، تمتلئ بالرموز الخاصة بالسيد المسيح وكنيسته المجيدة وإرسال الروح القدس إلى الكنيسة في يوم الخمسين بألسنة موزعة كأنها من نار. الأمور التي لا يتسع المجال أن نتكلم عنها بالتفصيل ولكنها جميعها تبرز روعة الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس بعهديه.بين الصعود وحلول الروح القدس قال السيد المسيح لتلاميذه: "خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق، لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7).فكان انطلاق السيد المسيح إلى السماء هو العلامة التي انتظرت على أساسها الكنيسةحلول الروح القدس في يوم الخمسين لذلك قال إيليا لأليشع "صعبت السؤال. فإن رأيتني أوخذ منك يكون لك كذلك، وإلا فلا يكون". أي أن شرط أن يستقر روح النبوة الذي لإيليا على أليشع، أن يراه وهو صاعد إلى السماء.بمعنى أن التلامس مع حقيقة الصعود هو الذي يؤهل لنيل قوة ومواهب الروح القدس.قال السيد المسيح لتلاميذه قبيل صعوده: "أقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تُلبسوا قوة من الأعالي" (لو24: 49).صعد السيد المسيح "بعد ما أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم" (أع1: 2) الذين أراهم أيضًا نفسه ببراهين كثيرة بعد قيامته من الأموات.ارتفع بصورة منظورة، جسديًا، أمام أعين تلاميذه.. تمامًا مثلما ارتفع في أعينهم ببذله نفسه عنهم على الصليب، وظهوره لهم بعد القيامة ليمسح أحزانهم، وعودته إلى الآب تاركًا الأرض بعدما رفض المُلك الأرضي عليها.كان السيد المسيح جديرًا أن يصير هو ملك ملوك الأرض، بعد انتصاره على الموت الذي لم ينتصر عليه أي إنسان مهما كانت عظمته.ولكن السيد المسيح غادر الأرض وهو في قمة انتصاره ومجده.. فيا لروعة التخلّي عن كل أمجاد العالم.! أليس هو الذي سبق فقال: "مملكتي ليست من هذا العالم" (يو18: 36)،وأيضًا سبق فقال لتلاميذه: "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم، وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو16: 28).حقًا ارتفع السيد المسيح أمام أعينهم، كما ارتفع في أعينهم وهو يغادر الأرض في بساطة شديدة دون أن يطلب مجدًا من الناس.. لأن المجد الحقيقي كان في وجوده مع الآب الذي أرسله.لقد اجتذب السيد المسيح مشاعر تلاميذه نحو السماء.. وصارت نبضات قلوبهم تعزف أجمل الألحان مع أناشيد السمائيين كما يقول المزمور "صعد الله بتهليل. والرب بصوت البوق. رتلوا لإلهنا رتلوا. رتلوا لمليكنا رتلوا. لأن الرب هو ملك الأرض كلها. رتلوا بفهم. فإن الرب ملك على جميع الأمم. الله جلس على كرسيه المقدس" (مز46: 5-8) وبهذا ملك الرب..ملك السيد المسيح على قلوب محبيه، واجتذب مشاعرهم نحو كرسيه الذي في السماوات. وهذا ما أوجزه القديس مرقس في إنجيله بقوله: "ثم إن الرب بعدما كلَّمهم ارتفع إلىالسماء وجلس عن يمين الله" (مر16: 19).لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله.." (كو3: 1).وقال أيضًا: "فإن سيرتنا نحن هي في السماوات التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح. الذي سيغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فى3:20، 21). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
12 يونيو 2019

وأخذته سحابه عن أعينهم

"وأخذته سحابه عن أعينهم" (أع1: 9)عند صعود السيد المسيح إلى السماء بعدما أوصى تلاميذه "ارتفع وهم ينظرون، وأخذته سحابة عن أعينهم" (أع1: 9) كان السيد المسيح في قمة مجده بين تلاميذه بعد القيامة.. وحينما كان يظهر لهم كانوا يفرحون بصورة غير عادية، إلى جوار الرهبة العميقة التي كانوا يشعرون بها في حضرته الإلهية حينما ظهر للتلاميذ في الأحد التالي لأحد القيامة، قال لتوما: "هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديَّ، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمنٍ بل مؤمنًا، أجاب توما وقال له: ربى وإلهي" (يو20: 27، 28)أي أن جميع التلاميذ قد اعترفوا بألوهيته، وأيقنوا ذلك.. وكانت القيامة هي الإعلان الدافع إلى ذلك، كقول معلمنا بولس الرسول: "وتعيّن ابن الله بقوة، من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات" (رو1: 4) في قمة هذا المجد الذي قال عنه السيد المسيح: "أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا، ويدخل إلى مجده" (لو24: 26)، اختار السيد المسيح أن يترك العالم، ويمضى إلى الآب حيث المجد السماوي ترك السيد المسيح تلاميذه بحسب الجسد حينما "انفرد عنهم وأُصْعِد إلى السماء" (لو24: 51)، ولكنه لم يتركهم بحسب لاهوته بحسب وعده "ها أنا معكم كل الأيام إلى إانقضاء الدهر" (مت28: 20)هكذا اتضع السيد المسيح في خدمته.. لأنه ترك العالم.. ولم يعد تلاميذه ينظرونه حسب الجسد.. وقد فعل ذلك وهو في قمة مجده على الأرض بعد القيامة، لأنه لم ينظر إلى المجد الأرضي.. بل كان المجد الحقيقي في نظره، هو أن يصنع مشيئة الآب الذي أرسله.. وأن يمضى إلى الآب ليدخل إلى الأقداس السماوية، باعتباره رئيس الكهنة الأعظم "خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان" (عب8: 2) المجد الأرضي الذي ناله السيد المسيح بعد القيامة، لم يجتذبه عن رسالته السمائية.. فغادر الأرض.. واختفى عن أعين تلاميذه. وأخذته سحابة عن أعينهم. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
11 يونيو 2019

بسيطًا في صعوده

"صعد الله بتهليل. والرب بصوت البوق" (مز46: 5) مع أن صعوده إلى السماء قد احتفلت به الملائكة أعظم احتفال.. إلا أن المظهر المنظور لصعود السيد المسيح كان بسيطًا للغاية، تمامًا مثل مظهر قيامته المجيدة بعدما ظهر لتلاميذه مرات كثيرة على مدى أربعين يومًا، "أخرجهم خارجًا إلى بيت عنيا. ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء. فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم. وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله" (لو50:24-53)لم يصعد الرب مثل إيليا النبي في العاصفة إلى السماء. ولم تظهر مركبة من نار وخيل من نار لتفصل بينه وبين تلاميذه مثلما حدث مع إيليا وتلميذه أليشع وقت صعوده إلىالسماء. ولكن الرب صعد في هدوء عجيب أمام أعين تلاميذه، بعدما أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم حتى يحل الروح القدس عليهم. "ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض. وقالا أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء. إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء. حينئذ رجعوا إلى أورشليم من الجبل الذي يدعى جبل الزيتون الذي هو بالقرب من أورشليم" (أع1: 9-12) أراد السيد المسيح أن يؤكد حقيقة صعوده إلى السماء "حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا، صائرًا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد" (عب6: 20). لهذا صعد أمام أعين تلاميذه كما سبق أن وعدهم "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وأخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو14: 2، 3) وهكذا صعد مَن قدّم نفسه صعيدة مقبولة لله الآب على الصليب.. وكان لابد للصعيدة أن تصعد، وأن يدخل رئيس الكهنة الأعظم إلى قدس الأقداس السماوي. كقول معلمنا بولس الرسول: "وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا، قد جلس في يمين عرش العظمة في السماوات، خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان" (عب 8: 1، 2) وحينما صعد السيد المسيح ليدخل إلى مجده السماوي بعد أن صنع الخلاص لأجلنا.. رافقته جماهير من الملائكة، ونادت تلك الملائكة نحو حراس الأقداس السماوية: "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية، فيدخل ملك المجد"، وحينما سأل الحراس قائلين: "من هو هذا ملك المجد؟" أجابوهم قائلين: "الرب العزيز القدير، الرب القوى في الحروب.. رب القوات، هذا هو ملك المجد" (مز23: 7-10). فالسيد المسيح كان داخلًا إلى الموضع الذي لم يدخل إليه ذو طبيعة بشرية من قبل.. في أعلى السماوات حيث عرش الله القدير.. وقد أعلنت الملائكة المصاحبة لموكب الابن الوحيد أن القادم والمحتفَل بدخوله إلى الأقداس هو ملك المجد.. الرب العزيز القدير، القاهر في الحروب.. والذي انتصر على مملكة الشيطان، وحرر البشر، وفتح الفردوس، ورد آدم وبنيه إلى هناك، بعدما أعلن محبته على الصليب في طاعة كاملة للآب السماوي ما أروع ذاك المشهد الذي لخصه معلمنا مرقس الإنجيلي بقوله: "ثم إن الرب بعدما كلمهم (أي التلاميذ) ارتفع إلى السماء، وجلس عن يمين الله" (مر16: 19) لم يشأ السيد المسيح أن يبصر التلاميذ هذه الأمجاد العجيبة والمناظر السمائية وهو يدخل إلى السماء، لأن مشهد المجد هذا سوف يبصرونه في استعلان مجد ملكوته عند مجيئه الثاني ودخولهم معه إلى الأبدية. لم يشأ أن ينشغلوا بالمناظر الفائقة للطبيعة.. لكي لا تنسى الكنيسة رسالتها الحقيقية في حمل الصليب والكرازة بالإنجيل.. ولكي لا ينقادوا إلى الأمور العالية، بل ينقادوا إلى المتواضعين. أما المناظر السمائية الفائقة فلها وقتها المناسب، حينما يلبس القديسون أجساد القيامة الروحانية ليرثوا مع السيد المسيح في مجده قد يحدث في بعض الأوقات أن تظهر بعض الإعلانات السماوية لضرورة خاصة،ولهذا أرسل السيد المسيح ملاكين من الملائكة المصاحبين له ليؤكدوا للتلاميذ أنه قد انطلق إلى السماء، وأنه سوف يعود مرة أخرى. ولينصحوهم بالذهاب إلى أورشليم انتظارًا لحلولالروح القدس، وبداية عمل الكرازة المؤيّد بمواهب الروح لقد صار الصعود حقيقة مؤكَدة في وجدان الكنيسة، ولكن ليس مشهدًا تنشغل به عن رسالتها الحقيقية في خلاص البشراختفى السيد المسيح عن أعين التلاميذ إذ أخذته سحابة عن أعينهم.. ولكنه كان قد وعدهم قائلًا: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت28: 20) هو حاضر بلاهوته في كل زمان ومكان.. هو حاضر بروحه القدوس وفاعل في المؤمنين يستطيع القديسون في الروح أن يروه بأعين الإيمان.. بأعين القلب النقي.. بشركة الروح كما سبق فوعد قائلًا: "الذي عنده وصاياي ويحفظها.. أنا أحبه وأظهر له ذاتي" (يو14: 21) كما طوّب السيد المسيح القديسين وقال: "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت5: 8) لم تعد رؤية السيد المسيح منظرًا عاديًا ينشغل به البشر.. ولكنها صارت حياة تتدفق في قلوب الذين باعوا العالم، وأحبوا البر الذي في السيد المسيح، وحملوا الصليب من خلف فاديهم (المقصود إنه من حيث أن السيد المسيح قد مات حاملًا خطايانا، وأعطانا أن نحيا للبر الذي فيه، فحياتنا بعد صلب الإنسان العتيق بالعماد هي بحياة المسيح فينا "أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ" (غل2: 20). مثل التشبيه بقصة الأخوين البحارين اللذين قدّم أحدهما -وهو البار الذي أصابته القرعة ليركب زورق النجاة- قرعته وحياته للآخر الذي كان خاطئًا ويحتاج إلى التوبة ليحيا بها. ومات هو عوضًا عنه)، مرددين قول معلمنا بولس الرسول: "لي الحياة هي المسيح" (فى1: 21) وتحقق فيهم قول المرنم عن الكنيسة وأعضائها "كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز44: 13). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
10 يونيو 2019

صعد الله بتهليل

ورد في المزمور السادس والأربعين "صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق رتلوا لإلهنا رتلوا، رتلوا لمليكنا رتلوا.. الله جلس على كرسيه المقدس" (مز46: 5، 6، 8). كيف يمكننا فهم هذه العبارات دون الإيمان بظهور الله في الجسد، أي بتجسد الابن الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح هل يمكن أن يصعد الله دون أن يتجسد..؟! نحن في القداس الإلهي نقول مخاطبين السيد المسيح: (وعند صعودك إلى السماوات جسديًا وأنت مالئ الكل بلاهوتك) (القداس الغريغوري). أي أننا نفهم أن لاهوت السيد المسيح هو مالئ السماوات والأرض، ولكنه صعد جسديًا في يوم صعوده بعد قيامته بأربعين يومًا، وشاهده التلاميذ أثناء هذا الصعود المجيد المحاط بالملائكة الذين ظهر اثنان منهم للتلاميذ وهم يتطلعون نحو السماء بعد أن أخذت الرب سحابة عن أعينهم وقالا لهم: "إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماءسيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء" (أع1: 11). "صعد الله بتهليل"لا شك أن السماء قد احتفلت احتفالًا عظيمًا بصعود السيد المسيح وجلوسه عن يمين الآب.. لذلك قال المزمور أنه قد صعد بتهليل أي وسط تسابيح الملائكةالذين رافقوا صعوده. ويضاف إلى ذلك أنه يقول "والرب بصوت البوق"أي أن الله الكلمة قد صعد بتهليل وسط تسابيح الملائكة وبعضهم يضربون في الأبواق منذرين السماوات كلها بصعود الابن الوحيد المنتصر على الموت والمخلّص لجميع المفديين. ويؤكّد المزمور أهمية تمجيد الرب وتسبيحه في صعوده المجيد فيقول "رتلوا لإلهنا رتلوا، رتلوا لمليكنا رتلوا". وكيف لا وهو ملك المجد؟! ويقول المزمور أيضًا "جلس الله على كرسيه" وبالفعل فإن الله الكلمة يسوع المسيح بعد صعوده قد جلس عن يمين أبيه في عرشه السمائي. لذلك يقول القديس مرقس الرسول في إنجيله: "ثم إن الرب بعد ما كلّمهم ارتفع إلى السماء. وجلس عن يمين الله" (مر16: 19). ويقول معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: "بعد ما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب1: 3). وقال أيضًا: "عن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحًا وخدامه لهيب نار. وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور" (عب 1: 7، 8) وهو في هذا يقتبس من سفر المزامير (مز44). كيف يُقال "جلس الله على كرسيه؟" إن لم يكن المقصود هو الابن الكلمة الصاعد إلى السماوات. أما عن الآب فيقال أنه "جالس"لأنه لم يتجسد ولم يصعد ولم يجلس من بعد صعوده كما جلس الابن الوحيد المتجسد. ارفعوا أيها الملوك أبوابكم يقول المزمور الثالث والعشرون "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد؟ الرب العزيز القدير، الرب القوى في الحروب.. هذا هو ملك المجد" (مز23: 7،8، 10). من الواضح جدًا أن نفس هذا المزمور يتكلم أيضًا عن صعود السيد المسيح إلى السماوات العليا، إلى القدس السماوي، إلى عرش الله. الموضع الذي لم يدخل إليه من قبل ذو طبيعة بشرية. لذلك تعجبت الملائكة حراس الأبواب الدهرية، إذ ناداهم الملائكة المصاحبون لصعود ملك المجد قائلين أن ترتفع الأبواب لدخوله الانتصاري المجيد، فتساءلوا قائلين: "من هو هذا ملك المجد؟" فأجابهم الملائكة المصاحبون إنه هو الرب العزيز القدير.. الرب القوى في الحروب، هذا هو ملك المجد. وعبارة "الرب العزيز القدير" لا تطلق إلا على الإله الحقيقي فهي تقال عن الآب، كما تقال عن الابن، وعنالروح القدس، الإله الواحد المثلث الأقانيم،وقد قيلت عن الابن في هذا المزمور ليعرف حراس الأبواب الدهرية من هو الداخل إلى الأقداس بعد أن رأوه متجسدًا في صورة إنسان. وقيل عن الآب السماوي أيضًا "المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب الذي وحده له عدم الموت ساكنًا في نور لا يُدنى منه. الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية. آمين" (1تى6: 15، 16)، فهو أيضًا لهلقب "الرب العزيز القدير". ومن الواضح طبعًا أن الآب لم تفتح له الملائكة أبوابًا دهرية لكي يدخل وإنما هذا الكلام ينطبق فقط على الابن الوحيد الجنس حينما تجسد ثم صعد إلى السماوات. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
09 يونيو 2019

ها أنا معكم كل الأيام

قد يتساءل البعض، كيف قال السيد المسيح لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت28: 20) ثم بعد ذلك صعد إلى السماء بعد أن قال أنه سوف يعود في اليوم الأخير في مجيئه الثاني وأكّد ذلك الملائكة الذين ظهروا للتلاميذ في يوم صعوده (انظر أع1: 11)؟وللإجابة على ذلك نقول إن السيد المسيح قد صعد إلى السماء بحسب الجسد أو بحسب إنسانيته ولكن في نفس الوقت يملأ الوجود كله بحسب لاهوته. لذلك فعند لقائه معنيقوديموس أثناء خدمته على الأرض قال له: "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو3: 13). وهذا يعني أنه فيما كان يتكلم مع نيقوديموس على الأرض قال عن نفسه إنه هو في السماء: فهو أمام نيقوديموس بحسب إنسانيته، ومالئ السماء والأرض بحسب لاهوته، وكائن في حضن الآب كل حين. عن هذا الصعود يُصلى الكاهن في قداس القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات فيقول للسيد المسيح: (وعند صعودك إلى السماء جسديًا وأنت مالئ الكل بلاهوتك قلتلتلاميذك القديسين: سلامي أترك لكم سلامي أُعطيكم). إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي أيضًا قصد السيد المسيح إنه إن لم يصعد بجسده المصلوب القائم من الأموات إلى السماء فلن يحل الروح القدس على التلاميذ لأنه كان ينبغي أن يدخل إلى قدس الأقداس في السماء كرئيس كهنة ليشفع فينا أمام الآب كل حين كقول معلمنا بولس الرسول: "دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوَجَد فداءً أبديًا" (عب9: 12)"كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات" (عب7: 26)، "خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان" (عب8: 2)ولكن في كل ذلك لم يقصد السيد المسيح أنه بانطلاقه إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب في المجد سوف يتركالكنيسة، بل أنه سوف يذهب جسديًا وإنسانيًا إلى هناك ويرسل الروح القدس المعزى ليبدأ عمله في منح العطايا والمواهب الناشئة عن استحقاقات الخلاص بدم المسيح، ولتأكيد مشاركة الأقانيم الثلاث في عمل الخلاص ولكن من الجانب الآخر فقد أكد استمرار وجوده مع تلاميذه بحسب لاهوته وليس هو فقط؛ بل هو والآب السماوي "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا" (يو14: 23). عن هذا قال القديس أثناسيوس الرسولي: [عندما يصير الروح فينا، عندئذ يأتي الابن والآب، ويصنعون منزلًا فينا] (عن الروح القدسالرسالة الثالثة فقرة 6-صفحة 116) إن سُكنى الروح القدس في الإنسان تعني أيضًا حضور الآب والابن لأنه حيثما يوجد الروح القدس يوجد أيضًا الآب ويوجد الابن. ولكن الروح القدس هو الذي يوصّل لنا بركات الخلاص الممنوحة لنا من الآب والابن، وهو الذي يعمل في الأسرار في حضور الآب والابن. معكم كل الأيام إن هذه العبارة تملأ قلوبنا طمأنينة، فإن السيد المسيح بالرغم من صعوده إلى السماء فهو معنا كل الأيام وفي كل الظروف هو يشعر بنا وبكل ما نعانيه من أجل اسمه، و"لأنه فيما هو قد تألم مجربًا؛ يقدر أن يعين المجربين" (عب2: 18)، هو يلاحظ حروب الشيطان ومؤامراته وكل جيوش الشياطين وتجمهرهم حولنا في الحروب الروحية العنيفة كقول معلمنا بطرس الرسول "إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط5: 8، 9). هو يرى موجات الفكر المضاد للإيمان بوجود الله والمضاد للإيمان المستقيم والهرطقات والتعاليم الغريبة ويشعر بخطورتها على الكنيسة هو يرى الوسائل التكنولوجية الحديثة وانتشار الخلاعة والعثرات ووسائل الإثارة وخطورة كل ذلك على الشباب وعلى تماسك الأسرة وقداستها وجاذبية الأمور التي تضيع وقت الناس وتشغلهم عن الصلاة والتأمل في وصايا الله في الكتب المقدسة. هو يعرف أن إمكانياتنا أقل كثيرًا من إمكانيات الشيطان وأعوانه في وسط عالم يموج بكل هذه الموجات العالمية. وسفينة الكنيسة معذبة من الأمواج ولكن بالرغم من هذا كله فالإنجيل يخبرنا أن السيد المسيح -وهو على الجبل- كان يبصر سفينة تلاميذه في وسط البحر مساءً وهي معذبة من الأمواج. أما هو فكان في مناجاة مع الآب من أجل الكنيسة، ثم أتاهم ماشيًا على البحر في الهزيع الرابع من الليل وانتهر البحر والريح فخضع له الجميع وانبهر التلاميذ بعد أن أتاهم صوته: "أنا هو لا تخافوا" (مت14: 27). أنت معنا يا رب فلا نخاف. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
08 يونيو 2019

خير لكم أن أنطلق

"خير لكم أن أنطلق" (يو16: 7) قال السيد المسيح عن صعوده إلى السماء: "لكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم.. خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" (يو16: 6، 7) لم يكن أحد من التلاميذ يتصور أن في انطلاق السيد المسيح من هذا العالم خيرًا بالنسبة لهم. ولكنه بعد أن قضى معهم أربعين يومًا بعد القيامة وهو يظهر لهم ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله (انظر أع 1: 3)، حوّلت القيامة وظهورات السيد المسيح وأحاديثه نفوس التلاميذ إلى التطلع نحو الحياة بعد الموت وإلى الأمور الروحية والأمور السمائية فحديثه معهم عن الأمور المختصة بملكوت الله قد شمل ملكوت الله على الأرض في حياة الكنيسة وأسرارها وملكوت الله في السماء حيث الأبدية الممتلئة فرحًا وسعادة للقديسين لهذا نرى أن التلاميذ بعد ذلك قد فرحوا بصعود السيد المسيح إلى السماء كما ورد في إنجيل معلمنا القديس لوقا البشير "وأخرجهم خارجًا إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم، انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء، فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم، وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله. آمين" (لو24: 50-53)لقد فهم التلاميذ الخير في انطلاق السيد المسيح إلى السماء كسابق للبشر الذين آمنوا به وقبلوه كمخلِّص لحياتهم إنه قد مضى ليعد لهم مكانًا. وسيأتي أيضًا ليأخذهم ليحيوا معه إلى الأبد في منازل الآب السماوي لقد دخل السيد المسيح كرأس للكنيسة إلى أعلى السماوات، وبهذا أَصعد باكورة البشرية إلىالسماء (القداس الغريغوري). ورفع رأس البشرية الذي نكّسته الخطية إلى أسفل.. رَفَعَ رأس البشرية ببره وبقبول الآب لذبيحته الكفارية على الصليب هذه الصعيدة التي قبلها الآب على الصليب، كان لابد أن تصعد إلى أعلى السماوات. لأنه هكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده لقد تمجّد الحب بصعوده إلى حضن الآب السماوي، الذي هو ينبوع الحب الأزلي وهذا ما عبّر عنه معلمنا بولس الرسول بأن الآب قد أكرم الابن المتجسد ومجّده بعد أن قدّم طاعة كاملة لأبيه حتى الموت "وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان وضع ذاته وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفَّعهُ الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماءومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (في 2: 8-11) وبدخول السيد المسيح إلى الأقداس مرة واحدة أرسل الروح القدس المعزى إلى الكنيسة حسب موعد الآب كان السيد المسيح قد أعلن هذا الوعد من الآب قبل أن يتمم الفداء على الصليب. إن الآب سوف يرسل الروح القدس روح الحق المعزى باسم المسيح الفادي بعد أن يقوم بإتمام الفداء إنه وعد عظيم أن يسكب روحه على كل بشر، معطيًا الحياة الجديدة في المسيح، مانحًا غفران الخطايا والطبيعة التي تؤهِّل لميراث ملكوت السماوات،وأن يمنح الروح القدس مواهبه وعطاياه لجميع المؤمنين فتتكاثر مواهب الروح القدس إلى جوار ثماره اللازمة لخلاص الإنسان. أما المواهب التي لبنيان الكنيسةفقد مُنحت الكنيسة أن تتمتع بعمل الروح فيها مرشدًا إياها إلى جميع الحق وبهذا كُتبت الأناجيل وباقي أسفار العهد الجديد في العصر الرسولي، وصار الروح القدس يقودالكنيسة، ويختار الخدام للكلمة، ويحدد المهام الكنسية للكارزين، ويرسم للكنيسة أنظمتها التي سارت عليها بحسب التقليد الرسولي فيما بعد لقد اجتاحت الكنيسة في العصر الرسولي حركة قوية نقلتها إلى مدى الزمان. فبقوة الدفع التي أُعطيت للكنيسة استمرت في حفظ الإيمان المُسلّم مرة للقديسين، ولم تقو عليها بوابات الجحيم حسب وعد السيد المسيح لها أين هو بولس الساموساطي ولقيان وأريوس ومقدونيوس وأبوليناريوس وسابيليوس وديدور الطرسوسى وثيئودور الموبسويستى ونسطوريوس وجميع الهراطقة الذين استخدمهم الشيطان لإفساد الإيمان؟ لقد ظلّت الكنيسة بقوة الروح القدس حافظة للإيمان الأرثوذكسى إلى يومنا هذا. وستظل أمينة إلى مجيء الرب بحسب وعده الصادق لها بأن بوابات الجحيم لن تقوى عليها. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
07 يونيو 2019

الأوقات التي جعلها الآب في سلطانه

قبيل صعود السيد المسيح إلى السماء، أوصى تلاميذه أن لا يبرحوا من أورشليم إلى أن ينالوا قوة متى حل الروح القدس عليهم، "أما هم المجتمعون فسألوه قائلين: يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟ فقال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 6، 7). كان السيد المسيح قد أخلى ذاته من المجد الأزلي الخاص به مع الآب والروح القدس، وذلك حينما ظهر في الجسد.. في صورة عبد.. في هيئة إنسان متضع، مطيع للآب السماوي.. لذلك خاطب الآب في مناجاته قبل الصليب قائلًا: "مجدّني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو17: 5). وكان وهو في دائرة الإخلاء ينسب السلطان والمجد إلى الآب، إلى أن يعود إلى مجده مرة أخرى، بصعوده إلى السماء كقول الكتاب "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كرز به بين الأمم، أومن به في العالم، رُفع في المجد" (1تى3: 16). فعندما صعد الابن الوحيد الذي تجسّد، دخل إلى مجده السمائي. ولهذا قيل "رُفع في المجد". لهذا قال الكتاب "صعد الله بالتهليل، الرب بصوت البوق" (مز46: 5). وقيل أيضًا "ارفعوا أيها الملوك أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد" (مز23: 7). إن ملك المجد هو الذي رفع في المجد. حينما صعد السيد المسيح جسديًا، دخل بجسده إلى المجد كسابق لنا، وكرأس للكنيسة، وكرئيس كهنة أعظم.. "دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 12). وهناك في مجده مارس سلطانه الإلهي مثل الآب تمامًا بنفس المجد والكرامة ولهذا يصلى الكاهن في القداس ويقول) وصعد إلى السماوات وجلس عن يمينك أيها الآب ورسم يومًا للمجازاة، هذا الذي يأتي فيه ليدين المسكونة بالعدل. ويعطى كل واحد كأعماله ((القداس الباسيلي). في وجوده على الأرض قبل الصعود قال للتلاميذ: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7). أما عند دخوله إلى الأقداس السمائية، أي بدخوله إلى مجده فإن سلطان الآب هو سلطانه كما هو منذ الأزل. ولكنه حينما أخلى نفسه من المجد كان ينسب السلطان الإلهي إلى الآب. وفي مجيء السيد المسيح الثاني للدينونة قال عن مجيئه عبارتين متساويتين: "متى جاءابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه" (مت25: 31) و"إن ابن الإنسانسوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته.." (مت16: 27). فمجده في مجيئه الثاني للدينونة هو نفسه مجد أبيه،وليس هذا غريبًا عمن قيل عنه أنه هو بهاء مجد الآب (انظر عب 1: 3) السيد المسيح باتضاع عجيب كان يتكلم عن سلطان الآب أثناء وجوده على الأرضمخليًا ذاته. وكانت رسالته في إخلائه لنفسه هي أن يتمم الفداء بطاعة حتى الموت، موت الصليب"لذلك رفّعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم. لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء، ومن على الأرض، ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيحهو رب لمجد الله الآب" (فى2: 9-11) وقيل أيضًا عن السيد المسيح أنه هو "رب المجد" (1كو2:8) وبما أنه هو "رب المجد"و"رب لمجد الله الآب".. كان من الطبيعي جدًا بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، أن يجلس في يمين العظمة في الأعالي (انظر عب1: 3)، وأن يحدد بنفسه يومًا للمجازاة، هو يوم مجيئه للدينونة وفي رؤيا دانيال النبي تكلّم عن سلطان السيد المسيح ومجده فقال: "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سُحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام. فقرّبوه قدّامه.فأعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 13، 14) لقد أعطى السيد المسيح تلاميذه نموذجًا ومثالًا في الاتضاع، وفي الخضوع لمشيئة الآب السماوي، وفي التخلي عن مظاهر التباهي بالمعرفة حينما قال لهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7) ناسبًا السلطان لأبيه، مع أن سلطان أبيه هو سلطانه، ومجد أبيه هو مجده، وملكوت أبيه هو ملكوته.. بل إن ملكوت الآب يُنسب إلى الابن كقول الكتاب "ملكوت ابن محبته" (كو1: 13). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل